دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > بلوغ المرام > كتاب الطهارة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 8 ذو القعدة 1429هـ/6-11-2008م, 05:55 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي باب المياه (1/4)

بابُ الْمِياهِ
1- عن أبي هُرَيْرةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ في البحرِ: ((هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الْحِلُّ مَيْتَتُهُ)). أَخرَجَهُ الأربعةُ وابنُ أبي شَيْبَةَ واللفظُ له، وصَحَّحَهُ ابنُ خُزَيْمَةَ والتِّرْمِذِيُّ.
2- وعن أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ: ((إِنَّ الْمَاءَ الطَّهُورَ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ)). أَخرَجَهُ الثلاثةُ وصَحَّحَهُ أحمدُ.
3- وعن أبي أُمامةَ الباهليِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ: ((إِنَّ الْمَاءَ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إِلَّا مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ وَطَعْمِهِ وَلَوْنِهِ)). أَخرَجَهُ ابنُ مَاجَهْ، وضَعَّفَهُ أبو حاتِمٍ.
4- وللبَيهقيِّ: ((الْمَاءُ طَاهِرٌ إِلَّا إِنْ تَغَيَّرَ رِيحُهُ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ لَوْنُهُ بِنَجَاسَةٍ تَحْدُثُ فِيهِ)).
5- وعن عبدِ اللَّهِ بنِ عمرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ: ((إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلِ الْخَبَثَ)). وفي لفظٍ: ((لَمْ يَنْجُسْ)). أَخرَجَهُ الأربعةُ، وصَحَّحَهُ ابنُ خُزَيْمَةَ وابنُ حِبَّانَ.


  #2  
قديم 22 ذو القعدة 1429هـ/20-11-2008م, 02:36 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سبل السلام للشيخ: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني

ثُمَّ لَمَّا كَانَ المَاءُ هُوَ المَأْمُورَ بِالتَّطَهُّرِ بِهِ أَصَالَةً قَدَّمَهُ- أي: قَدَّمَ الكلامَ على أحكامِه- فَقَالَ: بَابُ المِيَاهِ
البَابُ لُغَةً: مَا يُدْخَلُ وَيُخْرَجُ مِنْهُ، قَالَ تَعَالَى: {ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ البَابَ}، {وَأْتُوا البُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا}. وَهُوَ هُنَا مَجَازٌ، شَبَّهَ الدُّخُولَ إلَى الخَوْضِ فِي مَسَائِلَ مَخْصُوصَةٍ بِالدُّخُولِ فِي الأَمَاكِنِ المَحْسُوسَةِ، ثُمَّ أَثْبَتَ لَهَا البَابَ.
وَالمِيَاهُ: جَمْعُ مَاءٍ وَأَصْلُهُ مَوَهَ؛ وَلِذَا ظَهَرَت الهَاءُ فِي جَمْعِهِ، وَهُوَ جِنْسٌ يَقَعُ عَلَى القَلِيلِ وَالكَثِيرِ, إلَّا أَنَّهُ جَمْعٌ؛ لِاخْتِلافِ أَنْوَاعِهِ بِاعْتِبَارِ حُكْمِ الشَّرْعِ، فَإِنَّ فِيهِ مَا يُنْهَى عَنْهُ, وَفِيهِ مَا يُكْرَهُ، وَبِاعْتِبَارِ الخِلافِ فِي بَعْضِ المِيَاهِ كَمَاءِ البَحْرِ فَإِنَّهُ نَقَلَ الشَّارِحُ الخِلافَ فِي التَّطَهُّرِ بِهِ عَن ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَمْرٍو.
وَفِي النِّهَايَةِ: أَنَّ فِي كَوْنِ مَاءِ البَحْرِ مُطَهِّراً خِلافاً لِبَعْضِ أَهْلِ الصَّدْرِ الأَوَّلِ, وَكَأَنَّهُ لِقِدَمِ الخِلافِ فِيهِ بَدَأَ المُصَنِّفُ بِحَدِيثٍ يُفِيدُ طَهُورِيَّتَهُ، وَهُوَ حُجَّةُ الجَمَاهِيرِ فقالَ:
1/1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي البَحْرِ: ((هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الحِلُّ مَيْتَتُهُ)) أَخْرَجَهُ الأَرْبَعَةُ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَاللَّفْظُ لَهُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ, وَالتِّرْمِذِيُّ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ.
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) الجَارُّ وَالمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِمُقَدَّرٍ, فكَأَنَّه قَالَ: بَابَ المِيَاهِ أَرْوِي أو أَذْكُرُ- أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ- حَدِيثاً عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَهُوَ الأَوَّلُ مِنْ أَحَادِيثِ البَابِ.
وَأَبُو هُرَيْرَةَ هُوَ الصَّحَابِيُّ الجَلِيلُ الحَافِظُ المُكْثِرُ، وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ عَلَى نَحْوٍ مِنْ ثَلاثِينَ قَوْلاً, قَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: الَّذِي تَسْكُنُ النَّفْسُ إلَيْهِ مِن الأَقْوَالِ أَنَّهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَخْرٍ. وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ؛ وَالحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ.
وذُكِرَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ فِي مُسْنَدِ بَقِيِّ بْنِ مَخْلَدٍ خَمْسَةُ آلافِ حَدِيثٍ وَثَلاثُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةٌ وَسَبْعُونَ حَدِيثاً، وَهُوَ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ حَدِيثاً، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِن الصَّحَابَةِ هَذَا القَدْرُ وَلا مَا يُقَارِبُهُ.
قُلْت: كَذَا فِي الشَّرْحِ، وَالَّذِي رَأَيْته فِي الِاسْتِيعَابِ لِابْنِ عَبْدِ البَرِّ بِلَفْظِ: "إلَّا أَنَّ عبدَ اللَّهِ، أو عَبْدَ الرَّحْمَنِ، هُوَ الَّذِي يَسْكُنُ إلَيْهِ القَلْبُ فِي اسْمِهِ فِي الإِسْلامِ"، ثُمَّ قَالَ فِيهِ: "مَاتَ فِي المَدِينَةِ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً، وَدُفِنَ بِالبَقِيعِ". وَقِيلَ: مَاتَ بِالعَقِيقِ، وَصَلَّى عَلَيْهِ الوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَكَانَ يَوْمَئِذٍ أَمِيراً عَلَى المَدِينَةِ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ.
(قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي البَحْرِ) أَيْ: فِي حُكْمِهِ، وَالبَحْرُ المَاءُ الكَثِيرُ، أَو المَالِحُ فَقَطْ، كَمَا فِي القَامُوسِ، وَهَذَا اللَّفْظُ لَيْسَ مِنْ مَقُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَلْ مَقُولُهُ:(هُوَ الطَّهُورُ) بِفَتْحِ الطَّاءِ المَصْدَرُ وَاسْمُ مَا يُتَطَهَّرُ بِهِ، أَو الطَّاهِرُ المُطَهِّرُ, كَمَا فِي القَامُوسِ. وَفِي الشَّرْعِ: يُطْلَقُ عَلَى المُطَهِّرِ. وَبِالضَّمِّ مَصْدَرٌ.
وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: "إنَّهُ بِالفَتْحِ لَهُمَا" وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي القَامُوسِ بِالضَّمِّ، ولا الجَوْهَرِيُّ (مَاؤُهُ) هُوَ فَاعِلُ المَصْدَرِ، وَضَمِيرُ مَاؤُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ أُرِيدَ بِالضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ: (هُوَ الطَّهُورُ). البَحْرُ، بمعنى مَكَانَهُ، إذْ لَوْ أُرِيدَ بِهِ المَاءُ لَمَا اُحْتِيجَ إلَى قَوْلِهِ: (مَاؤُهُ)؛ إذْ يَصِيرُ المَعْنَى: الماءُ طَهُورٌ مَاؤُهُ! وَ (الحِلُّ) هُوَ مَصْدَرُ: حَلَّ الشَّيْءُ ضِدُّ حَرُمَ، وَلَفْظُ الدَّارَقُطْنِيِّ: ((الحَلالُ))، (مَيْتَتُهُ) هُوَ فَاعِله أَيْضاً, (أَخْرَجَهُ الأَرْبَعَةُ).
(وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ) هُوَ: أَبُو بَكْرٍ، قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي حَقِّهِ: "الحَافِظُ العَدِيمُ النَّظِيرِ الثَّبَتُ النِّحْرِيرُ, عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ صَاحِبُ المُسْنَدِ وَالمُصَنَّفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ"، وَهُوَ مِنْ شُيُوخِ البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ، وَأَبِي دَاوُدَ، وَابْنِ مَاجَهْ. (وَاللَّفْظُ لَهُ) أَيْ: لَفْظُ الحَدِيثِ السَّابِقِ سَرْدُهُ لِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرُهُ -مِمَّنْ ذُكِرَ- أَخْرَجُوهُ بِمَعْنَاهُ، (وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ) هو بِضَمِّ الخَاءِ المُعْجَمَةِ فَزَايٍ بَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ تَحْتِيَّةٌ فَتَاءُ تَأْنِيثٍ.
قَالَ الذَّهَبِيُّ: "الحَافِظُ الكَبِيرُ إمَامُ الأَئِمَّةِ شَيْخُ الإِسْلامِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ، انْتَهَتْ إلَيْهِ الإِمَامَةُ وَالحِفْظُ فِي عَصْرِهِ بِخُرَاسَانَ" (و) صَحَّحَهُ (التِّرْمِذِيُّ) أَيْضاً، فَقَالَ عَقِبَ سَرْدِهِ: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَسَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ البُخَارِيَّ عَنْ هَذَا الحَدِيثِ فَقَالَ: "حَدِيثٌ صَحِيحٌ". هَذَا لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ كَمَا فِي مُخْتَصَرِ السُّنَنِ لِلْحَافِظِ المُنْذِرِيِّ.
وَحَقِيقَةُ الصَّحِيحِ عِنْدَ المُحَدِّثِينَ: "مَا نَقَلَهُ عَدْلٌ تَامُّ الضَّبْطِ عَنْ مِثْلِهِ مُتَّصِلَ السَّنَدِ غَيْرَ مُعَلٍّ وَلا شَاذٍّ"؛ هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ المُصَنِّفُ هَذَا الحَدِيثَ فِي التَّلْخِيصِ مِنْ تِسْعِ طُرُقٍ عَنْ تِسْعَةٍ مِن الصَّحَابَةِ، وَلَمْ تَخْلُ طَرِيقٌ مِنْهَا عَنْ مَقَالٍ إلَّا أَنَّهُ قَدْ جَزَمَ بِصِحَّتِهِ مَنْ سَمِعْتَ وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ مَنْدَهْ، وَابْنُ المُنْذِرِ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ البَغَوِيُّ.
قَالَ المُصَنِّفُ: "وَقَدْ حُكِمَ بِصِحَّةِ جُمْلَةٍ مِن الأَحَادِيثِ لا تَبْلُغُ دَرَجَةَ هَذَا وَلا تُقَارِبُهُ".
قَالَ الزُّرْقَانِيُّ فِي (شَرْحُ المُوَطَّأِ): وَهَذَا الحَدِيثُ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الإِسْلامِ، تَلَقَّتْهُ الأُمَّةُ بِالقَبُولِ، وَتَدَاوَلَهُ فُقَهَاءُ الأَمْصَارِ فِي جَمِيعِ الأَقْطَارِ وفِي سَائِرِ الأَعْصَارِ، وَرَوَاهُ الأَئِمَّةُ الكِبَارُ. ثُمَّ عَدَّ مَنْ رَوَاهُ وَمَنْ صَحَّحَهُ.
وَالحَدِيثُ وَقَعَ جَوَاباً عَنْ سُؤَالٍ كَمَا فِي (المُوَطَّأِ): أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "جَاءَ رَجُلٌ"- وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ "مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ"، وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيُّ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ- إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّا نَرْكَبُ البَحْرَ؛ وَنَحْمِلُ مَعَنَا القَلِيلَ مِن المَاءِ، فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا، أَفَنَتَوَضَّأُ بِهِ؟ وَفِي لَفْظِ أَبِي دَاوُدَ: "بِمَاءِ البَحْرِ؟" فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((هُوَ الطَّهُورُ......)) الحديثَ.
فَأَفَادَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مَاءَ البَحْرِ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ لا يَخْرُجُ عَن الطَّهُورِيَّةِ بِحَالٍ, إلَّا مَا سَيَأْتِي مِنْ تَخْصِيصِهِ بِمَا إذَا تَغَيَّرَ أَحَدُ أَوْصَافِهِ، وَلَمْ يُجِبْه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: نَعَمْ. مَعَ إفَادَتِهَا الغَرَضَ، بَلْ أَجَابَ بِهَذَا اللَّفْظِ؛ لِيَقْرِنَ الحُكْمَ بِعِلَّتِهِ, وَهِيَ الطَّهُورِيَّةُ المُتَنَاهِيَةُ فِي بَابِهَا.
وَكَأَنَّ السَّائِلَ لَمَّا رَأَى مَاءَ البَحْرِ خَالَفَ المِيَاهَ بِمُلُوحَةِ طَعْمِهِ وَنَتْنِ رِيحِهِ، تَوَهَّمَ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ مِنْ قَوْلِه تَعَالَى: {فَاغْسِلُوا} أَيْ بِالمَاءِ المَعْلُومِ إرَادَتُهُ مِنْ قَوْلِهِ: {فَاغْسِلُوا}. أَوْ أَنَّهُ لِمَا عَرَفَ مِنْ قَوْلِه تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا مِن السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً} ظَنَّ اخْتِصَاصَهُ فَسَأَلَ عَنْهُ، فَأَفَادَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحُكْمَ، وَزَادَهُ حُكْماً لَمْ يَسْأَلْ عَنْهُ وَهُوَ حِلُّ مَيْتَتِهِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: لَمَّا عَرَفَ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ اشْتِبَاهَ الأَمْرِ عَلَى السَّائِلِ فِي مَاءِ البَحْرِ، أَشْفَقَ أَنْ يَشْتَبِهَ عَلَيْهِ حُكْمُ مَيْتَتِهِ، وَقَدْ يُبْتَلَى بِه رَاكِبُ البَحْرِ، فَعَقَّبَ الجَوَابَ عَنْ سُؤَالِهِ بِبَيَانِ حُكْمِ المَيْتَةِ.
قَالَ ابْنُ العَرَبِيِّ: وَذَلِكَ مِنْ مَحَاسِنِ الفَتْوَى، أَنْ يُجَاءَ فِي الجَوَابِ بِأَكْثَرَ مِمَّا سُئِلَ عَنْهُ؛ تَتْمِيماً لِلْفَائِدَةِ، وَإِفَادَةً لِعِلْمٍ آخرَ غَيْرِ المَسْئُولِ عَنْهُ؛ وَيَتَأَكَّدُ ذَلِكَ عِنْدَ ظُهُورِ الحَاجَةِ إلَى الحُكْمِ كَمَا هُنَا؛ لِأَنَّ مَنْ تَوَقَّفَ فِي طَهُورِيَّةِ مَاءِ البَحْرِ فَهُوَ عَن العِلْمِ بِحِلِّ مَيْتَتِهِ مَعَ تَقدّيُمِ (1) تَحْرِيمِ المَيْتَةِ أَشَدُّ تَوَقُّفاً.
ثُمَّ المُرَادُ مَا مَاتَ فِيهِ مِنْ دَوَابِّهِ مِمَّا لا يَعِيشُ إلَّا فِيهِ، لا مَا مَاتَ فِيهِ مُطْلَقاً، فَإِنَّهُ وَإِنْ صَدَقَ عَلَيْهِ لُغَةً أَنَّهُ مَيْتَةُ بَحْرٍ فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لا يُرَادُ إلَّا مَا ذَكَرْنَا، وَظَاهِرُهُ حِلُّ كُلِّ مَا مَاتَ فِيهِ وَلَوْ كَانَ كَالكَلْبِ وَالخِنْزِيرِ، وَيَأْتِي الكَلامُ فِي ذَلِكَ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
2/2- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إنَّ المَاءَ طَهُورٌ لا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ)) أَخْرَجَهُ الثَّلاثَةُ وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ.
(وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) اسْمُهُ سَعْدُ بْنُ سِنَانٍ الخَزْرَجِيُّ الأَنْصَارِيُّ، (الخُدْرِيِّ): بِضَمِّ الخَاءِ المُعْجَمَةِ، وَدَالٍ مُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ، نِسْبَةً إلَى خُدْرَةَ حَيٍّ مِن الأَنْصَارِ، كَمَا فِي القَامُوسِ.
قَالَ الذَّهَبِيُّ: كَانَ مِنْ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ وَمِمَّنْ شَهِدَ بَيْعَةَ الشَّجَرَةِ، رَوَى حَدِيثاً كَثِيراً وَأَفْتَى مُدَّةً.
عَاشَ أَبُو سَعِيدٍ سِتًّا وَثَمَانِينَ سَنَةً، وَمَاتَ فِي أَوَّلِ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ، وَحَدِيثُهُ كَثِيرٌ، وَحَدَّثَ عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِن الصَّحَابَةِ، وَلَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَرْبَعَةٌ وَثَمَانُونَ حَدِيثاً, (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ المَاءَ طَهُورٌ لا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ. أَخْرَجَهُ الثَّلاثَةُ) هُمْ أَصْحَابُ السُّنَنِ مَا عَدَا ابْنَ مَاجَهْ كَمَا عَرَفْتَ، (وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ).
قَالَ الحَافِظُ المُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِ السُّنَنِ: إنَّهُ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُهُمْ. وحُكِيَ عَن الإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: "حَدِيثُ بِئْرِ بُضَاعَةَ صَحِيحٌ".
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَقَدْ جَوَّدَ أَبُو أُسَامَةَ هَذَا الحَدِيثَ وَلَمْ يُرْوَ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فِي بِئْرِ بُضَاعَةَ بِأَحْسَنَ مِمَّا رَوَى أَبُو أُسَامَةَ، وَقَدْ روَى هَذَا الحَدِيثَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ .
وَالحَدِيثُ لَهُ سَبَبٌ: وَهُوَ أَنَّهُ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ؟ وَهِيَ بِئْرٌ يُطْرَحُ فِيها الحِيَضُ وَلَحْمُ الكِلابِ وَالنَّتْنُ. فَقَالَ: ((المَاءُ طَهُورٌ)) الحَدِيثَ، هَكَذَا فِي (سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ)، وَفِي لَفْظٍ فِيهِ: ((إنَّ المَاءَ)) كَمَا سَاقَهُ المُصَنِّفُ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ أَطَالَ فِي الشَّرْحِ المَقَالَ، وَاسْتَوْفَى مَا قِيلَ فِي حُكْمِ المِيَاهِ مِن الأَقْوَالِ، وَلْنَقْتَصِرْ فِي الخَوْضِ فِي المِيَاهِ عَلَى قَدْرٍ يَجْتَمِعُ بِهِ شَمْلُ الأَحَادِيثِ، وَيُعْرَفُ مَأْخَذُ الأَقْوَالِ, وَوُجُوهُ الِاسْتِدْلالِ, فَنَقُولَ: قَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ يُؤْخَذُ مِنْهَا أَحْكَامُ المِيَاهِ؛ فَوَرَدَ حَدِيثُ: ((المَاءُ طَهُورٌ لا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ)).
وَحَدِيثُ: ((إذَا بَلَغَ المَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلِ الخَبَثَ)).
وَحَدِيثُ الأَمْرِ بِصَبِّ ذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ عَلَى بَوْلِ الأَعْرَابِيِّ فِي المَسْجِدِ.
وَحَدِيثُ: يَدَهُ فِي الإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلاثاً)).((إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ فَلا يُدْخِلْ
وَحَدِيثُ: ((لا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي المَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ)).
وَحَدِيثُ: ((إذَا وَلَغَ الكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ)) الحَدِيثَ، وَفِيهِ الأَمْرُ بِإِرَاقَةِ المَاءِ الَّذِي وُلِغَ فِيهِ، وَهِيَ أَحَادِيثُ ثَابِتَةٌ سَتَأْتِي جَمِيعُهَا فِي كَلامِ المُصَنِّفِ.
إذَا عَرَفْتَ هَذَا فَإِنَّهُ اخْتَلَفَتْ آرَاءُ العُلَمَاءِ رَحِمَهُم اللَّهُ تَعَالَى فِي المَاءِ إذَا خَالَطَتْهُ نَجَاسَةٌ وَلَمْ تُغَيِّرْ أَحَدَ أَوْصَافِهِ؛ فَذَهَبَ القَاسِمُ، وَيَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، وَجَمَاعَةٌ مِن الآلِ، وَمَالِكٌ, وَالظَّاهِرِيَّةُ، وَأَحْمَدُ إلَى أَنَّهُ طَهُورٌ قَلِيلاً كَانَ أَوْ كَثِيراً، عَمَلاً بِحَدِيثِ: ((المَاءُ طَهُورٌ)) وَإِنَّمَا حَكَمُوا بِعَدَمِ طَهُورِيَّةِ مَا غَيَّرَتِ النَّجَاسَةُ أَحَدَ أَوْصَافِهِ؛ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ كَمَا يَأْتِي الكَلامُ عَلَيْهِ قَرِيباً.
وَذَهَبَ الهَادَوِيَّةُ، وَالحَنَفِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، إلَى قِسْمَةِ المَاءِ إلَى: قَلِيلٍ تَضُرُّهُ النَّجَاسَةُ مُطْلَقاً، وَكَثِيرٍ لا تَضُرُّهُ إلَّا إذَا غَيَّرَتْ بَعْضَ أَوْصَافِهِ.
ثُمَّ اخْتُلِفَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي تَحْدِيدِ القَلِيلِ وَالكَثِيرِ؛ فَذَهَبَتِ الهَادَوِيَّةُ إلَى تَحْدِيدِ القَلِيلِ بِأَنَّهُ: مَا ظَنَّ المُسْتَعْمِلُ لِلْمَاءِ الوَاقِعَةِ فِيهِ النَّجَاسَةُ اسْتِعْمَالَهَا بِاسْتِعْمَالِهِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَهُوَ الكَثِيرُ، وَذَهَبَ غيرُهم في تحديدِ القليلِ إلى غيرِ ذلكَ, ثم اخْتَلَفُوا:
فقالَتِ الحَنَفِيَّةُ: الكَثِيرُ في المَاءِ هو مَاءٌ إذَا كانَ بحيثُ إذا حَرَّكَ أَحَدَ طَرَفَيْهِ آدَمِيٌّ لَمْ تَسِرِ الحَرَكَةُ إلَى الطَّرَفِ الآخَرِ، وَمَا عَدَاهُ فَهُوَ القَلِيلُ.
وَقالتِ الشَّافِعِيَّةُ: بلِ الكَثِيرُ مَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ مِنْ قِلالِ هَجَرَ، وَذَلِكَ نَحْوُ خَمْسِمِائَةِ رِطْلٍ؛ عَمَلاً بِحَدِيثِ القُلَّتَيْنِ، وَمَا عَدَاهُ فَهُوَ القَلِيلُ.
وَوَجْهُ هَذَا الِاخْتِلافِ تَعَارُضُ الأَحَادِيثِ الَّتِي أَسْلَفْنَاهَا، فَإِنَّ حَدِيثَ الِاسْتِيقَاظِ، وَحَدِيثَ المَاءِ الدَّائِمِ، يَقْتضِيَانِ أَنَّ قَلِيلَ النَّجَاسَةِ يُنَجِّسُ قَلِيلَ المَاءِ، وَكَذَلِكَ الوُلُوغُ وَالأَمْرُ بِإِرَاقَةِ مَا وَلَغَ الكَلْبُ فِيهِ، وَعَارَضَهَا حَدِيثُ بَوْلِ الأَعْرَابِيِّ وَالأَمْرِ بِصَبِّ ذَنُوبٍ مِن مَاءٍ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ قَلِيلَ النَّجَاسَةِ لا يُنَجِّسُ قَلِيلَ المَاءِ.
وَمِن المَعْلُومِ أَنَّهُ قَدْ طَهُرَ ذَلِكَ المَوْضِعُ الَّذِي وَقَعَ فيهِ بَوْلُ الأَعْرَابِيِّ بِذَلِكَ الذَّنُوبِ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ((المَاءُ طَهُورٌ لا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ))؛ فَقَالَ الأَوَّلُونَ وَهُم القَائِلُونَ: لا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلَّا مَا غَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ: يُجْمَعُ بَيْنَ الأَحَادِيثِ بِالقَوْلِ بِأَنَّهُ لا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ كَمَا دَلَّ لَهُ هَذَا اللَّفْظُ، وَدَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ بَوْلِ الأَعْرَابِيِّ، وَأَحَادِيثُ الِاسْتِيقَاظِ، وَالمَاءِ الدَّائِمِ، وَالوُلُوغِ، لَيْسَتْ وَارِدَةً لِبَيَانِ حُكْمِ نَجَاسَةِ المَاءِ، بَل الأَمْرُ بِاجْتِنَابِهَا تَعَبُّدِيٌّ، لا لِأَجْلِ النَّجَاسَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِمَعْنًى لا نَعْرِفُهُ، كَعَدَمِ مَعْرِفَتِنَا لِحِكْمَةِ أَعْدَادِ الصَّلَوَاتِ وَنَحْوِهَا.
وَقِيلَ: بَل النَّهْيُ فِي هَذِهِ الأَحَادِيثِ لِلْكَرَاهَةِ فَقَطْ، وَهِيَ طَاهِرَةٌ مُطَهِّرَةٌ.
وَجَمَعَتِ الشَّافِعِيَّةُ بَيْنَ الأَحَادِيثِ بِأَنَّ حَدِيثَ: ((لا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ)) مَحْمُولٌ عَلَى مَا بَلَغَ القُلَّتَيْنِ فَمَا فَوْقَهُمَا، وَهُوَ كَثِيرٌ، وَحَدِيثَ الِاسْتِيقَاظِ، وَحَدِيثَ المَاءِ الدَّائِمِ، مَحْمُولٌ عَلَى القَلِيلِ. وَعِنْدَ الهَادَوِيَّةِ أَنَّ حَدِيثَ الِاسْتِيقَاظِ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ، فَلا يَجِبُ غَسْلُهُمَا لَهُ.
وَقَالَت الحَنَفِيَّةُ: المُرَادُ بِـ ((لا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ)) الكَثِيرُ الَّذِي سَبَقَ تَحْدِيدُهُ. وَقَدَحُوا حَدِيثَ القُلَّتَيْنِ بِالِاضْطِرَابِ، كَذَلِكَ أَعَلَّهُ الإِمَامُ المَهْدِيُّ فِي البَحْرِ، وَبَعْضُهُمْ تَأَوَّلَهُ وَبَقِيَّةَ الأَحَادِيثِ فِي القَلِيلِ، وَلَكِنَّهُ وَرَدَ عَلَيْهِمْ حَدِيثُ بَوْلِ الأَعْرَابِيِّ؛ فَإِنَّهُ كَمَا عَرَفْتَ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لا يَضُرُّ قَلِيلُ النَّجَاسَةِ قَلِيلَ المَاءِ، فَدَفَعَتْهُ الشَّافِعِيَّةُ بِالفَرْقِ بَيْنَ وُرُودِ المَاءِ عَلَى النَّجَاسَةِ، وَوُرُودِهَا عَلَيْهِ، فَقَالُوا: إذَا وَرَدَتْ عَلَى المَاءِ نَجَّسَتْهُ، كَمَا فِي حَدِيثِ الِاسْتِيقَاظِ، وَإِذَا وَرَدَ عَلَيْهَا المَاءُ لَمْ تَضُرَّه، كَمَا فِي خَبَرِ بَوْلِ الأَعْرَابِيِّ.
وَفِيهِ بَحْثٌ حَقَّقْنَاهُ فِي حَوَاشِي (شَرْحُ العُمْدَةِ)، وَحَوَاشِي (ضَوْءُ النَّهَارِ)، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُمْ حَكَمُوا أَنَّهُ إذَا وَرَدَت النَّجَاسَةُ عَلَى المَاءِ القَلِيلِ نَجَّسَتْهُ، وَإِذَا وَرَدَ عَلَيْهَا المَاءُ القَلِيلُ لَمْ يَنْجَسْ.
فَجَعَلُوا عِلَّةَ عَدَمِ تَنْجِيسِ المَاءِ الوُرُودَ عَلَى النَّجَاسَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَل التَّحْقِيقُ أَنَّهُ حِينَ يَرِدُ المَاءُ عَلَى النَّجَاسَةِ يَرِدُ عَلَيْهَا شَيْئاً فَشَيْئاً حَتَّى يُفْنِيَ عَيْنَهَا، وَتذْهَبُ قَبْلَ فَنَائِهِ فَلا يَأْتِي آخِرُ جُزْءٍ مِن المَاءِ الوَارِدِ عَلَى النَّجَاسَةِ إلَّا وَقَدْ طَهُرَ المَحَلُّ الَّذِي اتَّصَلَتْ بِهِ، أَوْ بَقِيَ فِيهِ جُزْءٌ مِنْهَا، يَفْنَى وَيَتَلاشَى عِنْدَ مُلاقَاةِ آخِرِ جُزْءٍ مِنْهَا "يَرِدُ عَلَيْهِا" (2) من المَاءِ، كَمَا تَفْنَى النَّجَاسَةُ وَتَتَلاشَى إذَا وَرَدَتْ عَلَى المَاءِ الكَثِيرِ بِالإِجْمَاعِ، فَلا فَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الماءِ الكَثِيرِ فِي إفْنَاءِ الكُلِّ لِلنَّجَاسَةِ، فَإِنَّ الجُزْءَ الأَخِيرَ من الوَارِدِ عَلَى النَّجَاسَةِ يُحِيلُ عَيْنَهَا لِكَثْرَتِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا بَقِيَ مِن النَّجَاسَةِ.
فَالعِلَّةُ فِي عَدَمِ تَنْجِيسِهِ بِوُرُودِهِ عَلَيْهَا هي كَثْرَتُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا، لا الوُرُودُ؛ فَإِنَّهُ لا يُعْقَلُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الوُرُودَيْنِ، بِأَنَّ أَحَدَهُمَا يُنَجِّسُهُ دُونَ الآخَرِ.
وَإِذَا عَرَفْتَ مَا أَسْلَفْنَاهُ وَأَنَّ تَحْدِيدَ الكَثِيرِ وَالقَلِيلِ لَمْ يَنْهَضْ عَلَى أَحَدِهِمَا دَلِيلٌ، فَأَقْرَبُ الأَقَاوِيلِ بِالنَّظَرِ إلَى الدَّلِيلِ هو قَوْلُ القَاسِمِ بْنِ إبْرَاهِيمَ وَمَنْ مَعَهُ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِن الصَّحَابَةِ كَمَا فِي البَحْرِ، وَعَلَيْهِ عِدَّةٌ مِنْ أَئِمَّةِ الآلِ المُتَأَخِّرِينَ، وَاخْتَارَهُ مِنْهُم الإِمَامُ شَرَفُ الدِّينِ.
وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ العِيدِ: إنَّهُ قَوْلٌ لِأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَنَصَرَهُ بَعْضُ المُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَتْبَاعِهِ، وَرَجَّحَهُ أَيْضاً مِنْ أَتْبَاعِ الشَّافِعِيِّ القَاضِي أَبُو الحَسَنِ الرُّويَانِيُّ صَاحِبُ بَحْرِ المَذْهَبِ، قَالَهُ فِي الإِمَامِ.
وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي (المُحَلَّى): إنَّهُ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ، وَعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَالحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَمَيْمُونَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَحُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ، وَالأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخِيهِ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَابْنِ المُسَيِّبِ، وَمُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَالقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَالحَسَنِ البَصْرِيِّ، وَغَيْرِ هَؤُلاءِ.

3/3 - وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إنَّ المَاءَ لا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ، إلَّا مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ وَطَعْمِهِ وَلَوْنِهِ)). أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَضَعَّفَهُ أَبُو حَاتِمٍ - وَلِلْبَيْهَقِيِّ: ((المَاءُ طَهُورٌ إلَّا إنْ تَغَيَّرَ رِيحُهُ، أَوْ طَعْمُهُ، أَوْ لَوْنُهُ، بِنَجَاسَةٍ تَحْدُثُ فِيهِ)).
(وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ) بِضَمِّ الهَمْزَةِ وَاسْمُهُ: صُدَيٌّ بِمُهْمَلَتَيْنِ, الأُولَى مَضْمُومَةٌ, وَالثَّانِيَةُ مَفْتُوحَةٌ, وَمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ مُشَدَّدَةٍ, (البَاهِلِيِّ) بِمُوَحَّدَةٍ نِسْبَةً إلَى بَاهِلَةَ, فِي القَامُوسِ: بَاهِلَةُ قَوْمٌ, وَاسْمُ أَبِيهِ عَجْلانُ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي ذَلِكَ, يَعْنِي فِي اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ، سَكَنَ أَبُو أُمَامَةَ مِصْرَ، ثُمَّ انْتَقَلَ عَنْهَا, وَسَكَنَ حِمْصَ، وَمَاتَ بِهَا سَنَةَ إحْدَى- وَقِيلَ: سِتٍّ - وَثَمَانِينَ، وَقِيلَ: هُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ مِن الصَّحَابَةِ بِالشَّامِ. كَانَ مِن المُكْثِرِينَ فِي الرِّوَايَةِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ المَاءَ لا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ, إلَّا مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ وَطَعْمِهِ وَلَوْنِهِ) المُرَادُ أَحَدُهَا كَمَا يُفَسِّرُهُ حَدِيثُ البَيْهَقِيِّ (أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَضَعَّفَهُ أَبُو حَاتِمٍ).
قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي حَقِّهِ: أَبُو حَاتِمٍ هُوَ الرَّازِيُّ، الإِمَامُ الحَافِظُ الكَبِيرُ, مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ بْنِ المُنْذِرِ الحَنْظَلِيُّ أَحَدُ الأَعْلامِ، وُلِدَ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ. وَأَثْنَى عَلَيْهِ إلَى أَنْ قَالَ: قَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ. وتُوُفِّيَ أَبُو حَاتِمٍ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَلَهُ اثْنَتَانِ وَثَمَانُونَ سَنَةً.
وَإِنَّمَا ضَعَّفَ الحَدِيثَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ- بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ المُعْجَمَةِ- قَالَ أَبُو يُوسُفَ: كَانَ رِشْدِينُ رَجُلاً صَالِحاً فِي دِينِهِ, فَأَدْرَكَتْهُ غَفْلَةُ الصَّالِحِينَ، فَخَلَّطَ فِي الحَدِيثِ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ.
وَحَقِيقَةُ الحَدِيثِ الضَّعِيفِ: هُوَ مَا اخْتَلَّ فِيهِ أَحَدُ شُرُوطِ الصَّحِيحِ وَالحَسَنِ، وَلَهُ سِتَّةُ أَسْبَابٍ مَعْرُوفَةٍ، سَرَدَهَا فِي الشَّرْحِ.
(وَلِلْبَيْهَقِيِّ)(3) هُوَ الحَافِظُ العَلَّامَةُ شَيْخُ خُرَاسَانَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الحُسَيْنِ، لَهُ التَّصَانِيفُ الَّتِي لَمْ يُسْبَقْ إلَى مِثْلِهَا، كَانَ زَاهِداً وَرِعاً تَقِيًّا، ارْتَحَلَ إلَى الحِجَازِ وَالعِرَاقِ.
قَالَ الذَّهَبِيُّ: تَآلِيفُهُ تُقَارِبُ أَلْفَ جُزْءٍ. وَبَيْهَقُ بِمُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ سَاكِنَةٍ, وَهَاءٍ مَفْتُوحَةٍ, فَقَافٍ: بَلَدٌ قَرِيبَ نَيْسَابُورَ، أَيْ: روايةٌ بِلَفْظِ: ((المَاءُ طَهُورٌ إلَّا إنْ تَغَيَّرَ رِيحُهُ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ لَوْنُهُ)) عُطِفَ عَلَيْهِ ((بِنَجَاسَةٍ)) البَاءُ سَبَبِيَّةٌ، أَيْ: بِسَبَبِ نَجَاسَةٍ ((تَحْدُثُ فِيهِ)).
قَالَ المُصَنِّفُ: قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَلا يَثْبُتُ هَذَا الحَدِيثُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَا قُلْت مِنْ أَنَّهُ إذَا تَغَيَّرَ طَعْمُ المَاءِ, أَوْ رِيحُهُ, أَوْ لَوْنُهُ, كَانَ نَجِساً. يُرْوَى عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَجْهٍ لا يُثْبِتُ أَهْلُ الحَدِيثِ مِثْلَهُ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: اتَّفَقَ المُحَدِّثُونَ عَلَى تَضْعِيفِهِ.
وَالمُرَادُ تَضْعِيفُ رِوَايَةِ الِاسْتِثْنَاءِ لا أَصْلِ الحَدِيثِ، فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي حَدِيثِ بِئْرِ بُضَاعَةَ، وَلَكِنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ قَدْ أَجْمَعَ العُلَمَاءُ عَلَى القَوْلِ بِحُكْمِهَا.
قَالَ ابْنُ المُنْذِرِ: أَجْمَعَ العُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ المَاءَ القَلِيلَ وَالكَثِيرَ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ فَغَيَّرَتْ لَهُ طَعْماً أَوْ لَوْناً أَوْ رِيحاً فَهُوَ نَجِسٌ؛ فَالإِجْمَاعُ هُوَ الدَّلِيلُ عَلَى نَجَاسَةِ مَا تَغَيَّرَ أَحَدُ أَوْصَافِهِ، لا هَذِهِ الزِّيَادَةُ.
(4)4/4 – وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (({إذَا كَانَ المَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِل الخَبَثَ)).} وَفِي لَفْظٍ: (({لَمْ يَنْجَسْ))} أَخْرَجَهُ الأَرْبَعَةُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالحَاكِمُ وَابْنُ حِبَّانَ.
(وَعَنْ " عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) " هُوَ: ابْنُ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، أَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ صَغِيراً بِمَكَّةَ، وَأَوَّلُ مَشَاهِدِهِ الخَنْدَقُ، وَعَمِّرَ، وَرَوَى عَنْهُ خَلائِقُ، كَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ، كَانَتْ وَفَاتُهُ بِمَكَّةَ سَنَةَ ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ، وَدُفِنَ بِهَا بِذِي طُوًى فِي مَقْبَرَةِ المُهَاجِرِينَ.
([قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إذَا كَانَ المَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِل الخَبَثَ)} بِفَتْحِ المُعْجَمَةِ وَالمُوَحَّدَةِ (وَفِي لَفْظٍ: [لَمْ يَنْجَسْ)] هُوَ بِفَتْحِ الجِيمِ وَضَمِّهَا، كَمَا فِي القَامُوسِ (أَخْرَجَهُ الأَرْبَعَةُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ)، تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي أَوَّلِ حَدِيثٍ.
(وَالحَاكِمُ) هُوَ الإِمَامُ الكَبِيرُ إمَامُ المُحَقِّقِينَ: أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ، المَعْرُوفُ بِابْنِ البَيِّعِ، صَاحِبُ التَّصَانِيفِ، وُلِدَ سَنَةَ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَثَلاثِمِائَةٍ، وَطَلَبَ هَذَا الشَّأْنَ، وَرَحَلَ إلَى العِرَاقِ وَهُوَ ابْنُ عِشْرِينَ، وَحَجَّ ثُمَّ جَالَ فِي خُرَاسَانَ وَمَا وَرَاءَ النَّهْرِ، وَسَمِعَ مِنْ أَلْفَيْ شَيْخٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، حَدَّثَ عَنْهُ الدَّارَقُطْنِيُّ, وَأَبُو يَعْلَى الخَلِيلِيُّ, وَالبَيْهَقِيُّ، وَخَلائِقُ. وَلَهُ التَّصَانِيفُ الفَائِقَةُ مَعَ التَّقْوَى وَالدِّيَانَةِ، أَلَّفَ (المُسْتَدْرَكُ)، وَ(تَارِيخُ نَيْسَابُورَ)، وَغَيْرَ ذَلِكَ. تُوُفِّيَ فِي شَهْرِ صَفَرٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ .
: (وَابْنُ حِبَّانَ) بِكَسْرِ الحَاءِ المُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ المُوَحَّدَةِ. قَالَ الذَّهَبِيُّ: هُوَ الحَافِظُ العَلَّامَةُ: أَبُو حَاتِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ حِبَّانَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حِبَّانَ البُسْتِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيفِ. سَمِعَ أُمَماً لا يُحْصَوْنَ مِنْ مِصْرَ إلَى خُرَاسَانَ، حَدَّثَ عَنْهُ الحَاكِمُ وَغَيْرُهُ؛ كَانَ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ فُقَهَاءِ الدِّينِ، وَحُفَّاظِ الآثَارِ، عَالِماً بِالطِّبِّ وَالنُّجُومِ وَفُنُونِ العِلْمِ، صَنَّفَ (المُسْنَدُ الصَّحِيحُ)، وَ(التَّارِيخُ)، وَ(كِتَابُ الضُّعَفَاءِ)، وَفَقَّهَ النَّاسَ بِسَمَرْقَنْدَ.
قَالَ الحَاكِمُ: كَانَ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ وَالفِقْهِ واللغةِ وَالوَعْظِ، مِنْ عُقَلاءِ الرِّجَالِ، تُوُفِّيَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَثَلاثِمِائَةٍ، وَهُوَ فِي عَُمشْرِ الثَّمَانِينَ.
وَقَدْ سَبَقَت الإِشَارَةُ إلَى أَنَّ هَذَا الحَدِيثَ هُوَ دَلِيلُ الشَّافِعِيَّةِ فِي جَعْلِهِم الكَثِيرَ مَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ، وَسَبَقَ اعْتِذَارُ الهَادَوِيَّةِ وَالحَنَفِيَّةِ عَن العَمَلِ بِهِ بالاضْطِرَابِ فِي مَتْنِهِ؛ إذْ فِي رِوَايَةٍ: (([إذَا بَلَغَ ثَلاثَ قِلالٍ))] وَفِي رِوَايَةٍ: (([قُلَّةً))]، وَبِجَهَالَةِ قَدْرِ القُلَّةِ، وَبِاحْتِمَالِ مَعْنَاهُ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: (([لَمْ يَحْمِلِ الخَبَثَ))] يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لا يَقْدِرُ على حَمْلِه, بل يَضُرُّه الخَبَثُ ويَتَلاشَى فِيهِ الخَبَثُ.
وَقَدْ أَجَابَ الشَّافِعِيَّةُ عَنْ هَذَا كُلِّهِ، وَقَدْ بَسَطَهُ فِي الشَّرْحِ إلَّا الأَخِيرَ فَلَمْ يَذْكُرْهُ، كَأَنَّهُ تَرَكَهُ لِضَعْفِهِ؛ لِأَنَّ رِوَايَةَ (([لَمْ يَنْجَسْ))] صَرِيحَةٌ فِي عَدَمِ احْتِمَالِهِ المَعْنَى الأَوَّلَ.
_____________________
(1) لعل الأصح: تقدُّم.
(2) كذا بالأصل ، ولعل الصواب: " ما يَرِدُ عليه ".
(3) في الأصل: (والبيهقي)، وانظر ما تقدم من كلام المصنف عند إيراده الحديث.


  #3  
قديم 22 ذو القعدة 1429هـ/20-11-2008م, 02:38 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي توضيح الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

البابُ لغةً: المَدْخَلُ إلى الشيءِ.
واصطلاحاً: اسمٌ لجملةٍ متناسبةٍ مِن العلمِ، تحتَه فصولٌ ومسائلُ غالباً.
المياهُ: جمعُ ماءٍ، وهو المائعُ المعروفُ، ويَتَرَكَّبُ كِيميائِيًّا مِن غازِ الأَيْدُرُوجِينِ وغازِ الأُكْسِيجِينِ، ومصادِرُه مياهُ الأمطارِ والينابِيعِ والعيونِ والبحيراتِ والأنهارِ.
مُقَدِّمَةٌ:
مناسَبَةُ البَدءِ بالطهارةِ هو أن الأحاديثَ الثابتةَ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيانِ شعائرِ الإسلامِ بُدِئَتْ بالصلاةِ، ثمَّ بالزكاةِ، ثمَّ بالصومِ، ثمَّ بالحَجِّ، وكما جاءَ في الحديثِ الذي رَوَاه الإمامُ أحمدُ (1009) وأبو داودَ (61) والتِّرْمِذِيُّ (2) وابنُ ماجَهْ (275) أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((مِفْتَاحُ الصَّلاَةِ الطُّهُورُ)). والمِفتاحُ شأنُه التقديمُ على ما جُعِلَ مِفتاحاً له، فصارَ المناسِبُ هو البَدْءَ بالطهارةِ؛ لأنَّ الطهارةَ من الحدَثِ والخَبَثِ من شروطِ الصلاةِ، وشرطُ الشيءِ يَسْبِقُه.
وقالَ الغَزَالِيُّ في الإحياءِ: قالَ اللَّهُ تعالى: {لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [ [الأنفال: 11] ورَوَى مسلمٌ (223) عن أبي مالكٍ الأَشْعَرِيِّ، قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ)).
والطهارةُ لها أربعُ مَرَاتِبَ:
الأولى: تطهيرُ الظاهرِ من الأحداثِ والأنجاسِ.
الثانيةُ: تطهيرُ الجوارحِ من الجرائمِ والآثامِ.
الثالثةُ: تطهيرُ القلبِ من الأخلاقِ المذمومةِ.
الرابعةُ: تطهيرُ السِّرِّ عمَّا سِوَى اللَّهِ تعالى.
وهذا هو الغايةُ القُصوَى لمَن قَوِيَتْ بَصيرتُه فسَمَتْ إلى هذا المطلوبِ، ومَن عَمِيَتْ بَصِيرَتُه لم يَفْهَمْ مِن مراتبِ الطهارةِ إلاَّ المرتبةَ الأُولَى.
والأصلُ: أن الطهارةَ تكونُ بالماءِ؛ ذلك أنه أَحْسَنُ المُذِيبَاتِ، فكلُّ الموادِّ تَذُوبُ فيه، وقوَّةُ تطهيرِه تَرْجِعُ إلى بقائِه على خِلْقَتِه الأصليَّةِ؛ فإنه إذا خَالَطَه ما غَيَّرَ مُسَمَّاهُ ضَعُفَتْ قُوَّةُ إزالتِه وتطهيرِه؛ لأنه يَفْقِدُ خِفَّتَه ورِقَّتَه وسَيَلاَنَه ونُفُوذَه.
1- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَحْرِ: ((هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الْحِلُّ مَيْتَتُهُ)). أَخْرَجَهُ الأَرْبَعَةُ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَاللَّفْظُ لَهُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ.
درجةُ الحديثِ:
الحديثُ صَحِيحٌ: قالَ التِّرْمِذِيُّ: هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ، سَأَلْتُ عنه البخاريَّ فقالَ: صحيحٌ. وقالَ الرزُّرْقَانِيُّ في شرحِ المُوَطَّأِ: هذا الحديثُ أصلٌ مِن أصولِ الإسلامِ، تَلَقَّتْه الأُمَّةُ بالقَبولِ، وقدْ صَحَّحَهُ جماعةٌ: مِنهم البُخَارِيُّ والحاكمُ وابنُ حِبَّانَ وابنُ المُنْذِرِ والطَّحَاوِيُّ والبَغَوِيُّ والخَطَّابِيُّ وابنُ خُزَيْمَةَ والدَّارَقُطْنِيُّ وابنُ حَزْمٍ وابنُ تَيْمِيَّةَ وابنُ دَقِيقِ العِيدِ وابنُ كَثيرٍ وابنُ حَجَرٍ، وغيرُهم مِمَّن يَزِيدُ على سِتَّةٍ وثلاثينَ إماماً.
مُفْرَدَاتُ الحديثِ:
البحرِ: هو خِلافُ البرِّ، وهو المساحاتُ الشاسعةُ مِن الماءِ المالحِ، يُجْمَعُ على أَبْحُرٍ وبِحارٍ وبُحُورٍ، سُمِّيَ بحراً لعُمْقِه واتِّسَاعِه.
الطَّهُورُ: بفتحِ الطاءِ المشدَّدَةِ، مِن صِيَغِ المبالغةِ: اسمٌ للماءِ الطاهرِ بذاتِه المُطَهِّرِ لغيرِه، واللامُ ليسَتْ القصر للقَصْرِ، فلا يَنْفِي طهوريه طهوريَّةَ غيرِه؛ لوقوعِه جوابَ سؤالٍ، فـ (أل) جاءَتْ لبيانِ الحقيقةِ هنا، و ((مَاؤُهُ)) فاعلٌ للطَّهُورِ، والضميرُ عائدٌ إلى البحرِ.
وماءُ البحرِ حَوَى أملاحاً مَعْدِنِيَّةً عديدةً، ومحلولُ الأملاحِ فيه مُوَصِّلٌ كهربائيٌّ يُكَوِّنُ أكبرَ نسبةٍ من الموادِّ الذاتيَّةِ في ماءِ البحرِ، وبهذا يكونُ أَقْدَرَ مِن غيرِه على إزالةِ الأنجاسِ ورَفْعِ الأحداثِ، وللهِ في خلقِه أسرارٌ.
الحِلُّ: بكسرِ الحاءِ وتشديدِ اللامِ، وصفٌ مِن حَلَّ يَحِلُّ – من بابِ ضَرَبَ – ضِدُّ حَرُمَ؛ أي: الحلالُ، كما في روايةِ (الدَّارَقُطْنِيِّ).
مَيْتَتُهُ: بفتحِ الميمِ، ما لم تَلْحَقْه الذَّكاةُ الشَّرْعِيَّةُ، وبكسرِها: الهيئةُ، كالجِلْسةِ، والمرادُ الأوَّلُ.
((مَيْتَتُهُ)) فاعلٌ للحِلِّ، والمرادُ هنا ما ماتَ فيه من دوابِّه مِمَّا لا يَعِيشُ إلاَّ فِيهِ، لا ما ماتَ فيه مطلقاً.
ما يُؤْخَذُ مِن الحديثِ:
1- قالَ الشَّافِعِيُّ: هذا الحديثُ نِصْفُ علمِ الطهارةِ. وقالَ ابنُ المُلَقِّنِ: هذا الحديثُ حديثٌ عظيمٌ، وأصلٌ مِن أصولِ الطهارةِ، مُشْتَمِلٌ على أحكامٍ كثيرةٍ وقواعدَ مهمَّةٍ.
2- في الحديثِ طَهوريَّةُ ماءِ البحرِ، وبه قالَ جميعُ العلماءِ.
3- أنَّ ماءَ البحرِ يَرْفَعُ الحَدَثَ الأكبرَ والأصغرَ، ويُزِيلُ النجاسَةَ الطارِئَةَ على مَحَلٍّ طاهِرٍ؛ مِن بَدَنٍ أو ثوبٍ أو بُقْعَةٍ أو غيرِ ذلكَ.
4- أنَّ الماءَ إذَا تَغَيَّرَ طعمُه أو لونُه أو رِيحُه بشيءٍ طاهرٍ، فهو باقٍ على طَهُورِيَّتِه، ما دامَ ماءً باقياً على حقيقتِه، ولوِ اشْتَدَّتْ مُلُوحَتُه أو حَرَارَتُه أو بُرُودَتُه ونحوُها.
5- يَدُلُّ الحديثُ على أنه لا يَجِبُ حملُ الماءِ الكافي للطهارةِ، معَ القدرةِ على حملِه؛ لأنَّهم أَخْبَرُوا أنهم يَحْمِلُون القليلَ من الماءِ.
6- قولُه: ((الطَّهُورُ مَاؤُهُ)) تعريفُه بالألفِ واللامِ المفيدِ للحصيرِ لا يَنْفِي طَهوريَّةَ غيرِه؛ لوقوعِه جوابَ سؤالٍ عن ماءِ البحرِ، فهو مخصَّصٌ بنصوصٍ أخرَى.
7- أنَّ مَيْتَةَ حيوانِ البحرِ حلالٌ، والمرادُ بمَيْتَتِه: ما ماتَ فيه من دوابِّه ممَّا لا يَعِيشُ إلاَّ فيه.
8- يَجِبُ أنْ يكونَ الماءُ الرافعُ للحَدَثِ والمُزِيلُ للخَبَثِ ماءً مُطَهِّوراً؛ لتعليلِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بجوازِ الوضوءِ منه يكونُ طَهوراً.
9- جوازُ ركوبِ البحرِ لغيرِ حَجٍّ وعُمْرَةٍ وجِهادٍ.
10- فضيلةُ الزيادةِ في الفتوَى على السؤالِ، وذلك إذا ظَنَّ المُفْتِي أنَّ السائلَ قدْ يَجْهَلُ هذا الحُكْمَ، أو أنه قدْ يبتلي يُبْتَلَى به، كما في مَيْتَةِ حيوانِ البحرِ لراكِبِه.
قالَ ابنُ العَرَبِيِّ: وذلك من محاسنِ الفتوَى أنْ يُجاءَ في الجوابِ بأكثرَ مِمَّا سُئِلَ عنه؛ تَتْمِيماً للفائدةِ، وإفادةً لعلمِ غيرِ المسؤولِ عنه، ويَتَأَكَّدُ ذلك عندَ ظُهورِ الحاجةِ إلى الحُكْمِ – كما هنا – ولا يُعَدُّ ذلك تكلُّفاً ممَّا لا يَعْنِيه.
خِلافُ العلماءِ:
ذَهَبَ الإمامُ أبو حَنِيفَةَ إلى إباحةِ السمكِ بجميعِ أنواعِه، وحَرَّمَ ما عدَاه مثلَ كلبِ الماءِ وخِنْزِيرِه وثُعْبَانِه، وغيرِه مِمَّا هو على صورةِ حيوانِ البرِّ؛ فإنه لا يَحِلُّ عندَه.
وذَهَبَ الإمامُ أَحْمَدُ في المشهورِ مِن مذهبِه إلى إباحةِ حيوانِ البحرِ كلِّه، عدا الضُّفْدَعِ والحَيَّةِ والتِّمساحِ؛ فالضفدعُ والحيَّةُ من المُسْتَخْبَثاتِ، وأما التمساحُ فذو نابٍ يَفْتَرِسُ به.
وذهَبَ الإمامانِ مَالِكٌ والشَّافِعِيُّ إلى إباحةِ جميعِ حيوانِ البحرِ بلا استثناءٍ؛ واسْتَدَلاَّ بقولِه تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ}.
والصيدُ هنا يُرادُ به المَصِيدُين؛ وبقولِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ: الْجَرَادُ وَالْحُوتُ)). [رَوَاهُ أَحْمَدُ (5690) وابنُ ماجَهْ (3218).
قالَ في القاموسِ: الحوتُ هو السمَكُ. ولِما جاءَ في حديثِ البابِ: ((الْحِلُّ مَيْتَتُهُ)). وهذا هو الأرجحُ.
2 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أن إِنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لاَ يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ)). أَخْرَجَهُ الثَّلاَثَةُ وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ.
درجةُ الحديثِ:
الحديثُ صحيحٌ: ويُسَمَّى (حديثَ بئرِ بُضَاعَةَ)، قالَ أَحْمَدُ: حديثُ بئرِ بُضاعةَ صحيحٌ. وقالَ التِّرْمِذِيُّ: حسنٌ. وقد جَوَّدَ أبو أُسامةَ هذا الحديثَ، وقد رُوِيَ عن أبي سعيدٍ وغيرِه من غيرِ وَجْهٍ.
وذَكَرَ في التلخيصِ (1/20) أن الحديثَ صَحَّحَهُ أَحْمَدُ، ويَحْيَى بنُ مَعِينٍ، وابنُ حَزْمٍ. قالَ الأَلْبَانِيُّ: رجالُ إسنادِه رجالُ الشيخيْنِ غيرَ عُبَيْدِ اللَّهِ بنِ عبدِ الرحمنِ بنِ رافِعٍ؛ فقالَ البُخَارِيُّ: مجهولُ الحالِ. ولكِنْ صَحَّحَهُ مَن تَقَدَّمَ، فهو حديثٌ مشهورٌ مقبولٌ عندَ الأئِمَّةِ، قالَ الشيخُ صديقٌ حسنٌ في الرَّوْضَةِ: قامَتِ الحُجَّةُ بتصحيحِ مَن صَحَّحَهُ من الأئمَّةِ.
فقد صَحَّحَهُ غيرَ مَن تَقَدَّمَ: ابنُ حِبَّانَ والحاكمُ وابنُ خُزَيْمَةَ وابنُ تَيْمِيَّةَ وغيرُهم، وقدْ أَعَللَّه ابنُ القَطَّانِ بجهالةِ راوِيهِ عن أبي سعيدٍ، ولكنْ إعلالُ ابنِ القَطَّانِ وَحْدَه لا يُقَاوِمُ تصحيحَ هؤلاء الأئمَّةِ الكِبارِ.
مُفْرَدَاتُ الحديثِ:
طَهُورٌ: بفتحِ الطاءِ، مِن صِيَغِ المبالغةِ، فهو الطاهِرُ بذاتِه المُطَهِّرُ لغيرِه.
يُنَجِّسُهُ: يُقالُ: نَجَسَ يَنْجُسُ، مِن بابِ قَتَلَ، على الأكثرِ، ونَجَسَ ضدُّ طَهُرَ، والاسمُ: النجاسةُ. وهي في عُرْفِ الشرعِ: قَذَرٌ مخصوصٌ يَمْنَعُ جِنْسُه الصلاةَ؛ كالبولِ والدمِ.
3 - وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ الْمَاءَ لاَ يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ، إِلاَّ مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ وَطَعْمِهِ وَلَوْنِهِ)). أَخْرَجَهُ ابْنُ ماحة مَاجَهْ، وَضَعَّفَهُ أَبُو حَاتِمٍ.
وَلِلْبَيْهَقِيِّ: ((الْمَاءُ طَهُورٌ إِلاَّ إِنْ تَغَيَّرَ رِيحُهُ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ لَوْنُهُ بِنَجَاسَةٍ تَحْدُثُ فِيهِ)).
درجةُ الحديثِ:
أوَّلُ الحديثِ صحيحٌ، وعَجُزُهُ ضعيفٌ؛ ضَعَّفَه أبو حاتمٍ كما في التلخيصِ (1/21).
فقولُه: ((إِنَّ الْمَاءَ لاَ يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ)). قدْ ثَبَتَ في حديثِ بِئْرِ بُضاعةَ.
وقولُه: ((إِلاَّ مَا غَلَبَ ..... ))) إلخ، قالَ النَّوَوِيُّ: اتَّفَقَ المُحَدِّثُونَ على تضعيفِه؛ لأنَّ في إسنادِه رِشْدِينَ بنَ سَعْدٍ، مُتَّفَقٌ على ضعفِه. ونَقَلَ ابنُ حِبَّانَ في صحيحِه الإجماعَ على العملِ بمعناه.
وقالَ صديقٌ حسنٌ في الروضةِ: اتَّفَقَ العلماءُ على ضَعْفِ هذه الزيادةِ، لكِنَّه وَقَعَ الإجماعُ على مَضْمُونِها.
مفرداتُ الحديثِ:
طَهُورٌ: بفتحِ الطاءِ، اسمٌ للماءِ الذي يُتَطَهَّرُ به، فهو طاهرٌ بذاتِه مُطَهِّرٌ لغيرِه.
مَا: نَكِرَةٌ موصوفةٌ بمعنى "(شيءٌ")، أو موصولةٌ بمعنى "(الذي").
غَلَبَ: يُقالُ: غَلَبَهُ يَغْلِبُهُ – مِن بابِ ضَرَبَ – غَلَباً وغَلَبَةً: ظَهَرَ عليه وكَثُرَ، والمرادُ: غَلَبَ على الماءِ ريحُ النجاسةِ أو طَعْمُها أو لونُها، ولو بإحدَى هذه الصفاتِ، كما يُفَسِّرُ ذلك روايةُ (البَيْهَقِيِّ).
رِيحُهُ: الريحُ: هو النَّسِيمُ طَيِّباً أو نَتِناً.
طَعْمُهُ: الطَّعْمُ: ما تُدْرِكُه حاسَّةُ الذوقِ من طعامٍ أو شَرابٍ، كالحلاوةِ والمرارةِ والحُمُوضَةِ وغيرِها، يقالُ: تَغَيَّرَ طعمُ الشيءِ: خَرَجَ عن وضعِه الطبيعِيِّ.
لَوْنُهُ: اللونُ: صفةُ الجسمِ من السوادِ والبياضِ والحُمرةِ، وما في هذا البابِ.
وهذه الصفاتُ الثلاثُ يُسَمِّيها فلاسفةُ الإسلامِ: أَعْراضاً تَفْتَقِرُ إلى جَوْهَرٍ تقومُ به، والجوهَرُ هو الجسمُ.
وفي الكيمياءِ الحديثةِ صاروا يَعُدُّونَ هذه الصفاتِ أيضاً جواهرَ، فهي آثارٌ جمسميةٌ حِسِّيَّةٌ، فالماءُ هنا جَوْهَرٌ خالَطَه جوهرٌ آخرُ، وهو الطعمُ أو اللونُ أو الرائحةُ.
ما يُؤْخَذُ مِن الحديثيْنِ:
1- يَدُلُّ الحديثانِ على أنَّ الأصلَ في الماءِ الطهارةُ.
2- يُقَيَّدُ هذا الإطلاقُ بما إذا لاقَتْه النجاسةُ فظَهَرَ رِيحُها أو طَعْمُها أو لونُها فيه؛ فإنها تُنَجِّسُه؛ قلَّ الماءُ أو كَثُرَ.
3- الذي يُقَيِّدُ هذا الإطلاقَ هو إجماعُ الأُمَّةِ على أنَّ الماءَ المتغَيِّرَ بالنجاسةِ نَجِسٌ؛ سواءٌ كانَ قليلاً أو كثيراً.
اما أمَّا الزيادةُ التي جاءَتْ في حديثِ أبي أُمَامَةَ، فهي ضعيفةٌ، لا تَقُومُ بها حُجَّةٌ، لكن قالَ النَّوَوِيُّ: أَجْمَعَ العلماءُ على القولِ بحُكْمِ هذه الزيادةِ.
وقالَ ابنُ المُنْذِرِ: أَجْمَعَ العلماءُ على أنَّ الماءَ القليلَ أو الكثيرَ إذا وَقَعَتْ فيه نجاسةٌ فغَيَّرَتْ له طعماً أو لوناً أو رِيحاً فهو نَجِسٌ.
قالَ ابنُ المُلَقِّنِ: فتَلَخَّصَ أنَّ الاستثناءَ المذكورَ ضعيفٌ، فتَعَيَّنَ الاحتجاجُ بالإجماعِ، كما قالَ الشَّافِعِيُّ والبَيْهَقِيُّ وغيرُهما.
قالَ شيخُ الإسلامِ: ما أَجْمَعَ عليه المسلمونَ فإنه يكونُ منصوصاً عليه، ولا نَعْلَمُ مسألةً واحدةً أَجْمَعَ عليها المسلمون ولا نَصَّ فيها.
4- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلِ الْخَبَثَ)). وَفِي لَفْظٍ: ((لَمْ يَنْجُسْ)).
أَخْرَجَهُ الأَرْبَعَةُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ حِبَّانَ.
درجةُ الحديثِ:
الحديثُ صحيحٌ، ويُسَمَّى (حديثَ القُلَّتَيْنِ.)
واخْتَلَفَ العلماءُ في صحَّةِ هذا الحديثِ؛ فحَكَمَ عليه بعضُهم بالاضْطِرَابِ سنداً ومتناً:
فأمَّا اضْطِرابُ سَنَدِه: فلأن مَدَارَه على الوليدِ بنِ كَثِيرٍ، فقِيلَ: عنه، عن مُحَمَّدِ بنِ جعفرِ بنِ الزُّبَيْرِ. وقيلَ: عنه، عن مُحَمَّدِ بنِ عَبَّادِ بنِ جعفرٍ. وتارَةً: عن عُبَيْدِ اللَّهِ بنِ عبدِ اللَّهِ بنِ عمرَ. وتارَةً: عن عبدِ اللَّهِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عمرَ.
والجوابُ: أن هذا ليسَ اضْطراباً قادحاً؛ فإنه – على تقديرِ أن يكونَ الجميعُ محفوظاً – انْتِقالٌ مِن ثِقَةٍ إلى ثقةٍ، وعندَ التحقيقِ: الصوابُ أنه عن الوليدِ بنِ كثيرٍ، عن مُحَمَّدِ بنِ عبَّادِ بنِ جَعْفَرٍ، عن عُبَيْدِ اللَّهِ بنِ عبدِ اللَّهِ بنِ عمرَ المُكَبَّرِ، وعن مُحَمَّدِ بنِ جعفرِ بنِ الزُّبَيْرِ، عن عبدِ اللَّهِ بنِ عمرَ المُصَغَّرِ، ومَن رَوَاه على غيرِ هذا الوجهِ فقدْ وَهَمَ.
وقدْ رَوَاه جماعةٌ عن أبي أسامةَ بنِ كثيرٍ على الوجهيْنِ، وله طريقٌ ثالثةٌ روَاها ابنُ ماجَهْ (518) والحاكمُ وغيرُهما من طريقِ حمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، عن عاصمِ بنِ المُنْذِرِ، عن عبدِ اللَّهِ بنِ عبدِ اللَّهِ بنِ عمرَ، عن أبيه، وسُئِلَ ابنُ مَعِينٍ عن هذه الطريقِ، فقالَ: إسنادُها جيِّدٌ. قِيلَ له: فإنَّ ابنَ عُلَيَّةَ لم يَرْفَعْه؟ فقالَ: وإنْ لم يَحْفَظْه ابنُ عُلَيَّةَ فالحديثُ جيِّدُ الإسنادِ. وأَعَلَّه بعضُهم بالوقفِ؛ لأنَّ مُجَاهِداً رَوَاه موقوفاً، وصَحَّحَ وقفَه الدَّارَقُطْنِيُّ والبَيْهَقِيُّ والمِزِّيُّ وابنُ تَيْمِيَّةَ.
وأمَّا اضْطِرَابُ مَتْنِه: فلأنه رُوِيَ: ((ثَلاَثَ قِلاَلٍ))، ورُوِيَ: ((أَرْبَعِينَ قُلَّةً)).
والجوابُ عنها: أنَّ روايةَ: ((ثَلاَثَ)) وروايةَ: ((أَرْبَعِينَ)) شاذَّةٌ، وأن الصحيحَ فيها: قُلَّتَانِ.
وقالَ الشيخُ الأَلْبَانِيُّ: الحديثُ صحيحٌ، روَاه الخمسةُ، معَ الدَّارِمِيِّ والطَّحَاوِيِّ والدَّارَقُطْنِيِّ والحاكمِ والبَيْهَقِيِّ والطَّيَالِسِيِّ بإسنادٍ صحيحٍ عنه، وقد صَحَّحَهُ الطَّحَاوِيُّ وابنُ خُزَيْمَةَ وابنُ حِبَّانَ والحاكمُ والذَّهَبِيُّ والنَّوَوِيُّ والعَسْقَلاَنِيُّ، وإعلالُ بعضِهم إيَّاه بالاضْطِرابِ مردودٌ.
وأما تخصيصُ القُلَّتَيْنِ: بـ (قِلالِ هَجَرَ) فلم يَرِدْ مرفوعاً إلاَّ مِن طريقِ المُغِيرَةِ بنِ صِقْلابٍ، وهو مُنْكَرُ الحديثِ.
وقالَ ابنُ عبدِ الهادي في المُحَرَّرِ: قالَ الحاكِمُ: هو على شرطِ الشيخيْنِ؛ فقدِ احْتَجَّا جميعاً بجميعِ رُوَاتِه.
قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ: أكثرُ أهلِ العلمِ بالحديثِ على أنه حديثٌ حسنٌ، ويُحْتَجُّ به، وأَجَابُوا عن كلامِ مَن طَعَنَ فيه.
وممَّن صَحَّحَ هذا الحديثَ: ابنُ خُزَيْمَةَ وابنُ حِبَّانَ وابنُ مَنْدَهْ والطَّحَاوِيُّ والحاكِمُ والبَيْهَقِيُّ والخَطَّابِيُّ والنَّوَوِيُّ والذَّهَبِيُّ وابنُ حَجَرٍ والسُّيُوطِيُّ وأَحْمَدُ شاكِرٌ وغيرُهم.
مفرداتُ الحديثِ:
قُلَّتَيْنِ: بضمِّ القافِ، تثنيةُ قُلَّةٍ، وهي الجزة الجَرَّةُ الكبيرةُ من الفَخَّارِ، والجمعُ: قِلالٌ، بكسرِ القافِ، والقُلَّتَانِ: خَمْسُمِائَةِ رَطْلٍ عِرَاقِيٍّ، والرطلُ العراقيُّ تِسعونَ مِثقالاً، وبالصَّاعِ: (93.75) صاعاً، كما رَجَّحَ ذلك شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ في شرحِ العمدةِ له (1/67)
لَمْ يَحْمِلْ: يُقالُ: حَمَلَه يَحْمِلُه – من بابِ ضَرَبَ – حَمْلاً، وللحَمْلِ معانٍ؛ أحدُها: لم يَقْبَلْ حملَ الخَبَثِ، ولم يَغْلِبْ عليه، وهو المرادُ هنا.
الخَبَثُ: خَبُثَ يَخْبُثُ – من بابِ الكَرُمَ – خُبْثاً وخَبَاثَةً، ضدُّ طابَ، والخَبَثُ: هو النجاسةُ الحقيقيَّةُ.
لَمْ يَنْجُسْ: يقالُ: نَجِسَ الشيءُ بالكسرِ يَنْجَسُ بالفتحِ، نَجَساً بالتحريكِ، مِن بابِ عَلِمَ، ويقالُ أيضاً: نَجَسَ بالفتحِ، يَنْجُسُ بالضمِّ، مِن بابِ نَصَرَ.
والنجاسةُ: قَذَرٌ مخصوصٌ يَمْنَعُ جِنْسُه الصلاةَ.
لَمْ: حرفُ نَفْيٍ وجَزْمٍ وقَلْبٍ، فهي تنفي الفعلَ المضارِعَ وتَجْزِمُه وتَقْلِبُ زمانَه من الحالِ أو الاستقبالِ إلى الماضي، والفعلُ مجزومٌ بها.
قِلاَلُ هَجَرَ: جاءَ تقييدُ القلالِ في بعضِ الرواياتِ بهَجَرَ، وتَقْيِيدُها بهذا المكانِ؛ لأنَّ قِلالَها معروفةُ المقدارِ، كالصِّيعَانِ المتداولةِ، وتقديرُ الماءِ بها مناسبٌ؛ لأنها آنِيَةٌ.
هَجَرُ: قريةٌ مِن قُرَى المدينةِ، والنسبةُ إليها: هَجَرِيٌّ على القِياسِ، وهَاجَرِيٌّ على غيرِ القياسِ.
ما يُؤْخَذُ من الحديثِ:
1- أن الماءَ إذا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ فإنه يَدْفَعُ النجاسةَ عن نفسِه، فتَضْمَحِلُّ فيه، ولا تُؤَثِّرُ فيه، ما لم تُغَيِّرْه، وهذا منطوقُ الحديثِ.
2- مفهومُ الحديثِ: أن ما دونَ القُلَّتَيْنِ تُؤَثِّرُ فيه النجاسةُ، فيَنْجُسُ بملاقاتِها؛ تَغَيَّرَ بالنجاسةِ أو لا.
3- مَناطُ التنجيسِ هو كونُ الماءِ الذي لاقَتْهُ النجاسةُ قليلاً؛ أي: دونَ القُلَّتَيْنِ.
خلافُ العلماءِ:
ذَهَبَ الأئمَّةُ أبو حَنِيفَةَ والشَّافِعِيُّ وأَحْمَدُ وأتْباعُهم إلى أنَّ (القليلَ) مِن الماءِ يَنْجُسُ بمجرَّدِ ملاقاةِ النجاسةِ، ولو لم تَتَغَيَّرْ صِفةٌ مِن صفاتِه.
(والقَلِيلُ) عند أبي حَنيفةَ: هو الذي إذا حُرِّكَتْ ناحيةٌ منه تَحَرَّكَتِ الناحيةُ الأخرى.
أما (القليلُ) عندَ الشَّافِعِيَّةِ والحنابِلَةِ فما دونَ القُلَّتَيْنِ.
وذهَبَ الإمامُ مَالِكٌ والظاهِرِيَّةُ وشيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّةَ وابنُ القَيِّمِ والشيخُ مُحَمَّدُ بنُ عبدِ الوَهَّابِ وعلماءُ الدعوةِ السلفيَّةِ بنَجْدٍ وغيرُهم مِن المحقِّقِينَ إلى أن الماءَ لا يَنْجُسُ بملاقاةِ النجاسةِ، ما لم يَتَغَيَّرْ أحدُ أوصافِه الثلاثةِ: الطعمُ أو اللونُ أو الريحُ.
اسْتَدَلَّ القائلون بنجاسةِ الماءِ بمجرَّدِ الملاقاةِ بمفهومِ حديثِ ابنِ عمرَ في القلتيْن، فإنَّ مفهومَه عندَهم أن ما دونَ القلتيْن يَحْمِلُ الخَبَثَ، وفي روايةِ: ((إِذَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ))؛ فمفهومُه: أن ما دونَ القلتيْن يَنْجُسُ بمجرَّدِ الملاقاةِ.
كما اسْتَدَلُّوا بحديثِ الأمرِ بإراقةِ الإناءِ الذي وَلَغَ فيه الكلبُ، ولم يُعْتَبَرِ التغيُّرُ.
وحديثُ القلتيْن لا يُخالِفُ فيه الحنفيَّةُ؛ ذلك أن القلتيْنِ إذا صُبَّتَا في موضعٍ فإنه لا يَتَحَرَّكُ أحدُ جانِبَيْه بتحريكِ الآخَرِ.
وأما أدلَّةُ الذين لا يَرَوْنَ التنجيسَ إلا بالتغيُّرِ فمنها: حديثُ القلتيْن؛ فإنَّ معنى الحديثِ: أن الماءَ الذي بلَغَ قلتيْن لا يَنْجُسُ بمجرَّدِ الملاقاةِ؛ لأنه لا يَحْمِلُ الأنجاسَ وتَضْمَحِلُّ فيه، وأما مفهومُ الحديثِ: فغيرُ لازمٍ؛ فقدْ يَحْصُلُ التنجُّسُ إذا غَيَّرَتِ النجاسةُ صفةً من صفاتِه، وقد لا يَحْمِلُ النجاسةَ.
كما يَسْتَدِلُّونَ على ذلك بحديثِ صَبِّ الذَّنُوبِ على بولِ الأعرابيِّ، وغيرِ ذلك من الأدلَّةِ.
قالَ ابنُ القَيِّمِ: الذي تَقْتَضِيه الأصولُ: أن الماءَ إذا لم تُغَيِّرْه النجاسةُ فإنه لا يَنْجُسُ؛ ذلك أنه باقٍ على أصلِ خِلْقَتِه، وهو طيِّبٌ داخلٌ تحتَ قولِه تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ}. وهذا هو القياسُ في المائعاتِ جميعِها إذا وَقَعَ فيها نجاسةٌ فلم يَظْهَرْ لها لونٌ ولا طعمٌ ولا رِيحٌ. اهـ.
أَصْدَرَ مجلسُ هَيْئَةِ كِبارِ العلماءِ قراراً بشأنِ المياهِ المتلوِّثَةِ بالنجاساتِ إذا عُولِجَتْ بواسطةِ الوسائلِ الفنيَّةِ ثمَّ زالَتْ منها النجاسةُ، فقرَّرَ ما يلي:
قرارٌ رَقْمُ 64 في 25/10/1398 هـ الآتي
بعدَ البحثِ والمداولةِ والمناقشةِ قَرَّرَ المجلسُ ما يلي:
بِناءً على ما ذكَرَه أهلُ العلمِ من أنَّ الماءَ الكثيرَ المتغيِّرَ بنجاسةٍ يَطْهُرُ إذا زالَ تغييرُه بنفسِه، أو بإضافةِ ماءٍ طهورٍ إليه، أو زالَ تغيُّرُه بطولِ مُكْثٍ، أو تأثيرِ الشمسِ ومرورِ الرياحِ عليه أو نحوِ ذلكَ؛ لزوالِ الحكمِ بزوالِ علَّتِه.
وحيثُ إنَّ المياهَ المتَنَجِّسَةَ يُمْكِنُ التخلُّصُ من نجاستِها بعدَّةِ وسائلَ، وحيثُ إنَّ تَنْقِيَتَها وتَخْلِيصَها مما طَرَأَ عليها من النجاساتِ بواسطةِ الطرقِ الفنيَّةِ الحديثةِ لأعمالِ التنقِيَةِ – يُعْتَبَرُ من أحسنِ وسائلِ التطهيرِ؛ حيثُ يُبْذَلُ الكثيرُ من الأسبابِ الماديَّةِ لتخليصِ هذه المياهِ من النجاساتِ، كما يَشْهَدُ بذلك ويُقَرِّرُه الخبراءُ المختصُّونَ بذلك ممَّن لا يَتَطَرَّقُ الشكُّ إليهم في عملِهم وخِبرتِهم وتَجارِبِهم.
لذلك فإنَّ المجلسَ يَرَى طهارتَها بعدَ تَنْقِيَتِها التنقِيَةَ الكاملةَ، بحيثُ تعودُ إلى خِلْقَتِها الأولى، لا يُرَى فيها تغيُّرٌ بنجاسةٍ في طعمٍ ولا لونٍ ولا ريحٍ.
ويجوزُ استعمالُها في إزالةِ الأحداثِ والأخباثِ، وتَحْصُلُ الطهارةُ بها منها.
كما يجوزُ شربُها إلاَّ إذا كانَتْ هناكَ أضرارٌ صحيَّةٌ تَنْشَأُ عن استعمالِها، فيَمْتَنِعُ ذلك؛ محافظةً على النفسِ وتفادياً للضررِ، لا لنجاستِها.
والمجلِسُ إذْ يُقَرِّرُ ذلك يَسْتَحْسِنُ الاستغناءَ عنها في استعمالِها للشربِ متى وُجِدَ إلى ذلك سبيلٌ؛ احتياطاً للصحَّةِ، واتِّقاءً للضررِ، وتَنَزُّهاً عمَّا تَسْتَقْذِرُه النفوسُ، وتَنْفِرُ منه الطِّباعُ.
واللَّهُ الموفِّقُ، وصَلَّى اللَّهُ على نبيِّنا مُحَمَّدٍ، وعلى آلِه وصحبِه وسَلَّمَ.
هيئةُ كِبارِ العلماءِ
أمَّا مَجْلِسُ المَجْمَعِ الفقهيِّ الإسلاميِّ لرابطةِ العالمِ الإسلاميِّ في دَوْرَتِه الحاديةَ عَشْرَةَ، المنعقدةِ بمكَّةَ المكرَّمةِ في الفترةِ من يومِ الأحدِ 13 رَجَبٍ 1409 هـ الموافِقِ 19 فبرايرَ 1989م، إلى يومِ الأحدِ 20 رَجَبٍ 1409هـ.

فقد نَظَرَ في السؤالِ عن حكمِ ماءِ المجاري بعدَ تَنْقِيَتِه؛ هل يجوزُ رفعُ الحدَيثِ بالوضوءِ والغُسْلِ به؟ وهل تجوزُ إزالةُ النجاسةِ به؟


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المياه, باب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:06 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir