دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > مقدمات المفسرين > مقدمة تفسير ابن كثير

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23 ربيع الثاني 1431هـ/7-04-2010م, 05:30 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي فصل في كيف نفسر ما لا نجد تفسيره في الوحيين ولا في أقوال الصحابة وفي التحذير من التفسير بالرأي

فصل
إذا لم تجد التفسير في القرآن ولا في السنة ولا وجدته عن الصحابة، فقد رجع كثير من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعين، كمجاهد بن جبر فإنه كان آية في التفسير، كما قال محمد بن إسحاق: حدثنا أبان بن صالح، عن مجاهد، قال: عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات، من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية منه، وأسأله عنها.
وقال ابن جرير: حدثنا أبو كريب، حدثنا طلق بن غنام، عن عثمان المكي، عن ابن أبي مليكة قال: رأيت مجاهدا سأل ابن عباس عن تفسير القرآن، ومعه ألواحه، قال: فيقول له ابن عباس: اكتب، حتى سأله عن التفسير كله. ولهذا كان سفيان الثوري يقول: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به.
وكسعيد بن جبير، وعكرمة مولى ابن عباس، وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، ومسروق بن الأجدع، وسعيد بن المسيب، وأبي العالية، والربيع بن أنس، وقتادة، والضحاك بن مزاحم، وغيرهم من التابعين وتابعيهم ومن بعدهم، فتذكر أقوالهم في الآية فيقع في عباراتهم تباين في الألفاظ، يحسبها من لا علم عنده اختلافا فيحكيها أقوالا وليس كذلك، فإن منهم من يعبر عن الشيء بلازمه أو بنظيره، ومنهم من ينص على الشيء بعينه، والكل بمعنى واحد في كثير من الأماكن، فليتفطن اللبيب لذلك، والله الهادي.
وقال شعبة بن الحجاج وغيره: أقوال التابعين في الفروع ليست حجة؟ فكيف تكون حجة في التفسير؟ يعني: أنها لا تكون حجة على غيرهم ممن خالفهم، وهذا صحيح، أما إذا أجمعوا على الشيء فلا يرتاب في كونه حجة، فإن اختلفوا فلا يكون بعضهم حجة على بعض، ولا على من بعدهم، ويرجع في ذلك إلى لغة القرآن أو السنة أو عموم لغة العرب، أو أقوال الصحابة في ذلك.
فأما تفسير القرآن بمجرد الرأي فحرام، لما رواه محمد بن جرير، رحمه الله تعالى، حيث قال: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا سفيان، حدثني عبد الأعلى، هو ابن عامر الثعلبي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال في القرآن برأيه، -أو بما لا يعلم-، فليتبوأ مقعده من النار)).
وهكذا أخرجه الترمذي والنسائي، من طرق، عن سفيان الثوري، به. ورواه أبو داود، عن مسدد، عن أبي عوانة، عن عبد الأعلى، به مرفوعا. وقال الترمذي: هذا حديث حسن.
وهكذا رواه ابن جرير -أيضا- عن يحيى بن طلحة اليربوعي، عن شريك، عن عبد الأعلى، به مرفوعا. ولكن رواه عن محمد بن حميد، عن الحكم بن بشير، عن عمرو بن قيس الملائي، عن عبد الأعلى، عن سعيد، عن ابن عباس، فوقفه. وعن محمد بن حميد، عن جرير، عن ليث، عن بكر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس من قوله فالله أعلم.
وقال ابن جرير: حدثنا العباس بن عبد العظيم العنبري، حدثنا حبان بن هلال، حدثنا سهيل أخو حزم، حدثنا أبو عمران الجوني، عن جندب؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال في القرآن برأيه فقد أخطأ)).
وقد روى هذا الحديث أبو داود، والترمذي، والنسائي من حديث سهيل بن أبي حزم القطعي، وقال الترمذي: غريب، وقد تكلم بعض أهل العلم في سهيل.
وفي لفظ لهم: ((من قال في كتاب الله برأيه، فأصاب، فقد أخطأ)) أي: لأنه قد تكلف ما لا علم له به، وسلك غير ما أمر به، فلو أنه أصاب المعنى في نفس الأمر لكان قد أخطأ؛ لأنه لم يأت الأمر من بابه، كمن حكم بين الناس على جهل فهو في النار، وإن وافق حكمه الصواب في نفس الأمر، لكن يكون أخف جرما ممن أخطأ، والله أعلم، وهكذا سمى الله تعالى القذفة كاذبين، فقال: {فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون} [النور: 13]، فالقاذف كاذب، ولو كان قد قذف من زنى في نفس الأمر؛ لأنه أخبر بما لا يحل له الإخبار به، ولو كان أخبر بما يعلم؛ لأنه تكلف ما لا علم له به، والله أعلم.
ولهذا تحرج جماعة من السلف عن تفسير ما لا علم لهم به، كما روى شعبة، عن سليمان، عن عبد الله بن مرة، عن أبي معمر، قال: قال أبو بكر الصديق، رضي الله عنه: أي أرض تقلني وأي سماء تظلني؟ إذا قلت في كتاب الله بما لا أعلم.
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: حدثنا محمد بن يزيد، عن العوام بن حوشب، عن إبراهيم التيمي؛ أن أبا بكر الصديق سئل عن قوله تعالى: {وفاكهة وأبا} [عبس: 31]، فقال: أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني؟ إذا أنا قلت في كتاب الله ما لا أعلم. منقطع.
وقال أبو عبيد أيضا: حدثنا يزيد، عن حميد، عن أنس؛ أن عمر بن الخطاب قرأ على المنبر: {وفاكهة وأبا} [عبس: 31]، فقال: هذه الفاكهة قد عرفناها، فما الأب؟ ثم رجع إلى نفسه فقال: إن هذا لهو التكلف يا عمر.
وقال عبد بن حميد: حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس، قال: كنا عند عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وفي ظهر قميصه أربع رقاع، فقرأ: {وفاكهة وأبا} فقال: فما الأب؟ ثم قال: إن هذا لهو التكلف فما عليك ألا تدريه ...؟ .وهذا كله محمول على أنهما، رضي الله عنهما، إنما أرادا استكشاف علم كيفية الأب، وإلا فكونه نبتا من الأرض ظاهر لا يجهل، لقوله تعالى: {فأنبتنا فيها حبا * وعنبا} الآية [عبس: 27، 28].
وقال ابن جرير: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا ابن علية، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة: أن ابن عباس سئل عن آية لو سئل عنها بعضكم لقال فيها، فأبى أن يقول فيها. إسناده صحيح.
وقال أبو عبيد: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة، قال: سأل رجل ابن عباس عن {يوم كان مقداره ألف سنة} [ السجدة: 5]، فقال له ابن عباس: فما {يوم كان مقداره خمسين ألف سنة} [ المعارج: 4]؟ فقال له الرجل: إنما سألتك لتحدثني. فقال ابن عباس: هما يومان ذكرهما الله تعالى في كتابه، الله أعلم بهما. فكره أن يقول في كتاب الله ما لا يعلم.
وقال -أيضا- ابن جرير: حدثني يعقوب -يعني ابن إبراهيم- حدثنا ابن علية، عن مهدي بن ميمون، عن الوليد بن مسلم، قال: جاء طلق بن حبيب إلى جندب بن عبد الله، فسأله عن آية من القرآن؟ فقال له: أحرج عليك إن كنت مسلما لما قمت عني، أو قال: أن تجالسني.
وقال مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب: إنه كان إذا سئل عن تفسير آية من القرآن، قال: إنا لا نقول في القرآن شيئا.
وقال الليث، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب: إنه كان لا يتكلم إلا في المعلوم من القرآن.
وقال شعبة، عن عمرو بن مرة، قال: سأل رجل سعيد بن المسيب عن آية من القرآن فقال: لا تسألني عن القرآن، وسل من يزعم أنه لا يخفى عليه منه شيء، يعني: عكرمة.
وقال ابن شوذب: حدثني يزيد بن أبي يزيد، قال: كنا نسأل سعيد بن المسيب عن الحلال والحرام، وكان أعلم الناس، فإذا سألناه عن تفسير آية من القرآن سكت، كأن لم يسمع.
وقال ابن جرير: حدثني أحمد بن عبدة الضبي، حدثنا حماد بن زيد، حدثنا عبيد الله بن عمر، قال: لقد أدركت فقهاء المدينة، وإنهم ليعظمون القول في التفسير، منهم: سالم بن عبد الله، والقاسم بن محمد، وسعيد بن المسيب، ونافع.
وقال أبو عبيد: حدثنا عبد الله بن صالح، عن الليث، عن هشام بن عروة، قال: ما سمعت أبي يأول آية من كتاب الله قط.
وقال أيوب، وابن عون، وهشام الدستوائي، عن محمد بن سيرين: سألت عبيدة يعني السلماني، عن آية من القرآن فقال: ذهب الذين كانوا يعلمون فيم أنزل القرآن فاتق الله، وعليك بالسداد.
وقال أبو عبيد: حدثنا معاذ، عن ابن عون، عن عبد الله بن مسلم بن يسار، عن أبيه، قال: إذا حدثت عن الله حديث فقف، حتى تنظر ما قبله وما بعده.
حدثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: كان أصحابنا يتقون التفسير ويهابونه.
وقال شعبة عن عبد الله بن أبي السفر، قال: قال الشعبي: والله ما من آية إلا وقد سألت عنها، ولكنها الرواية عن الله عز وجل.
وقال أبو عبيد: حدثنا هشيم، حدثنا عمر بن أبي زائدة، عن الشعبي، عن مسروق، قال: اتقوا التفسير، فإنما هو الرواية عن الله.
فهذه الآثار الصحيحة وما شاكلها عن أئمة السلف محمولة على تحرجهم عن الكلام في التفسير بما لا علم لهم به؛ فأما من تكلم بما يعلم من ذلك لغة وشرعا، فلا حرج عليه؛ ولهذا روي عن هؤلاء وغيرهم أقوال في التفسير، ولا منافاة؛ لأنهم تكلموا فيما علموه، وسكتوا عما جهلوه، وهذا هو الواجب على كل أحد؛ فإنه كما يجب السكوت عما لا علم له به، فكذلك يجب القول فيما سئل عنه مما يعلمه، لقوله تعالى: {لتبيننه للناس ولا تكتمونه} [آل عمران: 187]، ولما جاء في الحديث المروى من طرق: ((من سئل عن علم فكتمه، ألجم يوم القيامة بلجام من نار)).
فأما الحديث الذي رواه أبو جعفر بن جرير:
حدثنا عباس بن عبد العظيم، حدثنا محمد بن خالد بن عثمة، حدثنا جعفر بن محمد بن الزبيري، حدثني هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفسر شيئا من القرآن إلا آيا بعدد، علمهن إياه جبريل، عليه السلام. ثم رواه عن أبي بكر محمد بن يزيد الطرسوسي، عن معن بن عيسى، عن جعفر بن خالد، عن هشام، به..
فإنه حديث منكر غريب، وجعفر هذا هو ابن محمد بن خالد بن الزبير بن العوام القرشي الزبيري، قال البخاري: لا يتابع في حديثه، وقال الحافظ أبو الفتح الأزدي: منكر الحديث.
وتكلم عليه الإمام أبو جعفر بما حاصله أن هذه الآيات مما لا يعلم إلا بالتوقيف عن الله تعالى، مما وقفه عليها جبريل. وهذا تأويل صحيح لو صح الحديث؛ فإن من القرآن ما استأثر الله تعالى بعلمه، ومنه ما يعلمه العلماء، ومنه ما تعلمه العرب من لغاتها، ومنه ما لا يعذر أحد في جهله، كما صرح بذلك ابن عباس، فيما قال ابن جرير: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا مؤمل، حدثنا سفيان، عن أبي الزناد قال: قال ابن عباس: التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله. قال ابن جرير: وقد روي نحوه في حديث في إسناده نظر:
حدثني يونس بن عبد الأعلى الصدفي، أنبأنا ابن وهب قال: سمعت عمرو بن الحارث يحدث عن الكلبي، عن أبي صالح، مولى أم هانئ، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أنزل القرآن على أربعة أحرف: حلال وحرام، لا يعذر أحد بالجهالة به. وتفسير تفسره العرب، وتفسير تفسره العلماء. ومتشابه لا يعلمه إلا الله عز وجل، ومن ادعى علمه سوى الله فهو كاذب)).
والنظر الذي أشار إليه في إسناده هو من جهة محمد بن السائب الكلبي؛ فإنه متروك الحديث؛ لكن قد يكون إنما وهم في رفعه. ولعله من كلام ابن عباس، كما تقدم، والله أعلم بالصواب.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
في, فصل

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
من أقوال شيخ الإسلام ريم الحربي المنتدى العام 0 17 ربيع الثاني 1431هـ/1-04-2010م 12:32 PM
من أقوال الصالحين ريم الحربي المنتدى العام 0 12 صفر 1431هـ/27-01-2010م 02:18 PM


الساعة الآن 11:06 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir