القارئ: . ..... سقط .....حبيش سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني استحاض فلا أطهر , أفأدع الصلاة؟ قال: ((لا , إن ذلك عرض , ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنتي تحيضين فيها ثم اغتسلي وصلي)) وفي رواية: ((وليس بالحيضة , فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فيها , فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنكي الدم وصلي)) .
وعن عائشة رضي الله عنها أن أم حبيبة استحيضت سبع سنين , فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأمرها أن تغتسل فقال: ((هذا عرق)) فكانت تغتسل لكل صلاة .
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم , الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه .
إن هذا باب الحيض , الحيض عرفه العلماء بأنه: دم طبيعة وجبلة تُرخيه الرحم في أوقات معلومة , خلقه الله تعالى في إناث البشر لحكمة تغذية الجنين في الرحم , فإذا حملت المرأة توقف خروجه وانصرف إلى تغذية جنينها في بطنها , فإذا لم تكن حاملاً فإنه يخرج في أيام معلومة لحكمة وأوقات معروفة .
يتكلم العلماء عليه ؛ وذلك لأن له أحكام , ولأن له ..يتعلق به عبادات وأمور في حق الرجال وفي حق النساء , فلذلك يتعلمه الرجال وتتعلمه النساء ليكونوا على بصيرة , ولا حياء في ذكره ولو كان مستقذرًا , ولو كان خاصًا بالنساء , ولو كان يخرج من مخرج البول , ولو كان دمًا نجسًا ومستقذرًا , فلا يستحيى من ذكره ولا من الكلام فيه ؛ وذلك لأنه هو الأصل في غذاء الإنسان , فهذا الإنسان الذي هو نوع هذا البشر كان غذاؤه في الرحم هذا الدم , إذا علقت المرأة بالجنين بالحمل صار ذلك الدم غذاءً لجنينها حيث يتغذى به مع سرته وينمو به جسده وينبت عليه النبات الذي قدره الله تعالى .
فإذا وضعت , إذا وضعت حملها وخرج الدم المحتبس في أيام النفاس وانقطع توقف الدم دم الحيض غالبًا عن أكثر النساء , أين يذهب ؟ يقلبه الله لبناً فيخرج مع الثديين , ولهذا إذا كانت المرضعة ترضع ولدها من ثدييها فإنها لا تحيض إلا نادرًا , يعني بعضا من النساء تحيض , ولكن الأكثر إذا كانت ترضع ولدها يتوقف عنها دم الحيض وينصرف إلى اللبن , يقلبه الله تعالى لبنا .
فإذا فطم ولدها عاد إليها هذا الدم , ثم إذا علقت بحمل ثان توقف , وهكذا , ففيه أحكام وعليه يترتب عليه أوامر كثيرة نذكر بعضها بعد سماع الأذان إن شاء الله .
ذكر العلماء أنه يتعلق بالحيض كثيرٌ من الأحكام:
الأول: تحريم وطء الحائض , قال تعالى: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} فأمر باعتزالهن , وعلل ذلك بأنه أذى , فلذلك يحرم وطء المرأة وهي حائض لهذه الآية ولهذا النص وللأدلة الكثيرة , ويأتي كلامٌ حول هذا .
الأمر الثاني: تحريم العبادة عليها.. الصلاة عليها والصوم , يعني أنها لا تصلي ولا تصوم , ويأتينا أنها تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة , وذلك لحكم نتعرض لها إن شاء الله في شرح بعض الأحاديث.
الثالث: أنه يتعلق به العدة ؛ وذلك لقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} فدل على أنه له حكمٌ في اعتداد المطلقة .
الرابع: تحريم الطلاق في حالة الحيض , وعللوا ذلك بتعليلات مذكورة في كتب الأحكام ومنها أيضاً هذا الكتاب .
ومن الأحكام التي تتعلق بأمر الحيض ما يختص بالنساء من دخول المسجد , كون المرأة مثلاً إذا كانت حائضا لا تدخل المسجد إلا لضرورة , وكونها مثلاً لا تقرأ القرآن ولا تمس المصحف وإن رخص لها أحياناً , وغير ذلك من أحكام . فلما تعلقت به أحكام كثيرة احتاج العلماء أن يتوسعوا فيه وأن يذكروا ما وقع فيه . وقد ذكر بعض العلماء مؤلفات كثيرة حتى أن بعضهم كتب فيما يتعلق بالحيض كتاب يتكون من مجلدين كبيرين في أحكام الحيض وما قيل فيه والخلاف الذي ذكر أو وقع فيه , وذلك دليل على أنه أمر مهم ولو أنه من خواص النساء .
ثم مما يقع للنساء في الحيض ما تضمنته هذه الأحاديث , وهو أن بعضا من النساء قد يُطبق عليها الدم ويستمر ولا ينقطع , ويسمى ذلك استحاضة , حيث لا يتوقف عنها الدم , في هذا الحديث حديث فاطمة بنت أبي حبيش ذكرت أنها امرأة تستحاض ولا تطهر , يعني يستمر معها الدم ولا ينقطع فهل تترك الصلاة دائمًا ما دام أنها نجسة بهذا الدم المستمر أما ماذا تفعل ؟
أرشدها النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا الأمر , حيث أخبر بأن هذا عِرقٌ أي دم عرقٍ وليس هو دم الحيض الذي ذكر الله أنه أذى وأنه خلق لأجل تغذية الجنين ونحو ذلك .
ذكر العلماء في بعض الروايات أنه يسمى العادل , هذا العرق عرق انفجر في رحم المرأة يسمى العادل فكان يجري في غير أوانه ويستمر خروجه ولا يتوقف , وقد يكون ذلك بسبب مرضٍ من بعض النساء , وقد يكون ذلك بسبب قوة بدنها أو كثرة غذائها أو نحو ذلك من الأسباب , فيختلط عليها دم الحيض بدم الاستحاضة.
أرشدها بهذا الحديث إلى أن تترك الصلاة قدر أيام عادتها ثم تتطهر وتصلي ؛ وذلك لأن الغالب أن المرأة إذا ابتدأت أول ما يأتيها الحيض أول ما تبتدأ يأتيها مدة معينة ويستمر على ذلك , عادة النساء أيامها التي يأتيها فيه ثم ينقطع تسمى عادتها , وتارة تطول وتارة تقصر , ولكن الغالب أنها تستمر على حالة , فمنهن من أيام حيضها ستة أيام ثم ينقطع ومنهن من يستمر إلى سبعة أيام , ومنهن من قد يصل إلى عشرة , وأكثر ما وصل إليه الذي هو حيضٌ يقينيٌ خمسة عشر , خمسة عشر يومًا كلها أيام حيض , يعني وجد من تحيض خمسة عشر , وأقل ما وجد من تطهر بعد اليوم الأول يكون حيضها يومٌ وليلة , ومنهن من تحيض يومين , وإن كان ذلك نادرًا يعني وصول المرأة إلى خمسة عشر هذا قليل وكذلك طُهرها بعد يوم أو بعد يومين هذا قليل ونادر , والغالب خمسة أيام ستة سبعة ثمانية , هذا أغلب النساء وأكثرهن .
فالمرأة إذا مكثت مثلاً عشر سنين وهي على عادة مستمرة يأتيها سبعة أيام ثم ينقطع وتطهر , ثم يرجع إليها بعد حين ويبقى معها سبعة أيام ثم ينقطع وتطهر وتغتسل , مكثت على هذا مثلاً عشر سنين أو أكثر أو أقل -عرفت بذلك عادتها , فإذا اختلف عليها الأمر فيما بعد وأطبق عليها الدم فماذا تفعل ؟ ماذا تفعل ؟
ترجع إلى عادتها فتجلس قدر أيامها ثم تغسل عنها الدم ثم تصلي , تغتسل وتطهر من الدم الذي قد يصيب بدنها أو ثيابها وتصلي ولو كان جاريًا لم ينقطع , هكذا ورد في هذا الحديث في قوله: ((إنما ذلك عرقٌ وليس بالحيضة)) يخاطبها: إنما ذلك عرقٌ , ذلك الدم عرقٌ وليس بالحيضة , ليس هو دم حيضة إنما هو دم عرق انفجر, فليس هو دم الحيضة , فإذا أقبلت الحيضة يعني إذا جاء وقتها الذي تعرفينه فدعي الصلاة , فإذا ذهب قدرها خمسة أيام ستة سبعة إذا ذهب قدرها فاغتسلي وصلي وتطهري واغسلي عنك الدم , هكذا أمرها .
وقد ورد أيضاً في رواية ثانية أنه بين لها الفرق بين الدمين , في بعض الروايات كحديث فاطمة هذه أنه قال لها: ((إن دم الحيض أسود يعرف , وإن دم الاستحاضة أحمر , فإذا أقبل دم الحيض فدعي الصلاة , وإذا أدبر فاغتسلي وصلي)) .
والنساء يعرفن ذلك , يعرفن الدم الذي هو دم الحيض المعتاد , ومنهن من يكون دمها أسود دائمًا يعني دم الحيض , أسود غليط فيختلط بأحمر رقيق فيكون الأسود هو الحيض والأحمر هو الاستحاضة , ومنهن من يكون دم حيضها أحمر تعرفه , تعرف أنه دم الحيض المعتاد الأحمر ولكنه متوسط الغلظة ليس بغليظ ولا برقيق , ويكون الدم الذي يخالطه دم شديد الحمرة أو دمًا خفيفًا ليس بغليظ , فتعرف دم الحيض من دم الاستحاضة , وهذه أيضًا تجلس دم الحيض وتترك الصلاة .
ا هـ .
شرح عمدة الأحكام
شريط (10) للشيخ: ابن جبرين
هذا الحديث حديث فاطمة بنت أبي حبيش ذكرت أنها امرأة تستحاض ولا تطهر , يعني يستمر معها الدم ولا ينقطع فهل تترك الصلاة دائمًا ما دام أنها نجسة بهذا الدم المستمر أما ماذا تفعل ؟
أرشدها النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا الأمر , حيث أخبر بأن هذا عِرقٌ أي دم عرقٍ وليس هو دم الحيض الذي ذكر الله أنه أذى وأنه خلق لأجل تغذية الجنين ونحو ذلك .
ذكر العلماء في بعض الروايات أنه يسمى العادل , هذا العرق عرق انفجر في رحم المرأة يسمى العادل فكان يجري في غير أوانه ويستمر خروجه ولا يتوقف , وقد يكون ذلك بسبب مرضٍ من بعض النساء , وقد يكون ذلك بسبب قوة بدنها أو كثرة غذائها أو نحو ذلك من الأسباب , فيختلط عليها دم الحيض بدم الاستحاضة.
أرشدها بهذا الحديث إلى أن تترك الصلاة قدر أيام عادتها ثم تتطهر وتصلي ؛ وذلك لأن الغالب أن المرأة إذا ابتدأت أول ما يأتيها الحيض أول ما تبتدأ يأتيها مدة معينة ويستمر على ذلك , عادة النساء أيامها التي يأتيها فيه ثم ينقطع تسمى عادتها , وتارة تطول وتارة تقصر , ولكن الغالب أنها تستمر على حالة , فمنهن من أيام حيضها ستة أيام ثم ينقطع ومنهن من يستمر إلى سبعة أيام , ومنهن من قد يصل إلى عشرة , وأكثر ما وصل إليه الذي هو حيضٌ يقينيٌ خمسة عشر , خمسة عشر يومًا كلها أيام حيض , يعني وجد من تحيض خمسة عشر , وأقل ما وجد من تطهر بعد اليوم الأول يكون حيضها يومٌ وليلة , ومنهن من تحيض يومين , وإن كان ذلك نادرًا يعني وصول المرأة إلى خمسة عشر هذا قليل وكذلك طُهرها بعد يوم أو بعد يومين هذا قليل ونادر , والغالب خمسة أيام ستة سبعة ثمانية , هذا أغلب النساء وأكثرهن .
فالمرأة إذا مكثت مثلاً عشر سنين وهي على عادة مستمرة يأتيها سبعة أيام ثم ينقطع وتطهر , ثم يرجع إليها بعد حين ويبقى معها سبعة أيام ثم ينقطع وتطهر وتغتسل , مكثت على هذا مثلاً عشر سنين أو أكثر أو أقل -عرفت بذلك عادتها , فإذا اختلف عليها الأمر فيما بعد وأطبق عليها الدم فماذا تفعل ؟ ماذا تفعل ؟
ترجع إلى عادتها فتجلس قدر أيامها ثم تغسل عنها الدم ثم تصلي تغتسل وتطهر من الدم الذي قد يصيب بدنها أو ثيابها وتصلي ولو كان جاريًا لم ينقطع , هكذا ورد في هذا الحديث في قوله: ((إنما ذلك عرقٌ وليس بالحيضة)) يخاطبها: إنما ذلك عرقٌ , ذلك الدم عرقٌ وليس بالحيضة , ليس هو دم حيضة إنما هو دم عرق انفجر, فليس هو دم الحيضة , فإذا أقبلت الحيضة يعني إذا جاء وقتها الذي تعرفينه فدعي الصلاة , فإذا ذهب قدرها خمسة أيام ستة سبعة إذا ذهب قدرها فاغتسلي وصلي وتطهري واغسلي عنك الدم , هكذا أمرها .
وقد ورد أيضاً في رواية ثانية أنه بين لها الفرق بين الدمين , في بعض الروايات كحديث فاطمة هذه أنه قال لها: ((إن دم الحيض أسود يعرف , وإن دم الاستحاضة أحمر , فإذا أقبل دم الحيض فدعي الصلاة , وإذا أدبر فاغتسلي وصلي)) .
والنساء يعرفن ذلك , يعرفن الدم الذي هو دم الحيض المعتاد , ومنهن من يكون دمها أسود دائمًا يعني دم الحيض , أسود غليط فيختلط بأحمر رقيق فيكون الأسود هو الحيض والأحمر هو الاستحاضة , ومنهن من يكون دم حيضها أحمر تعرفه , تعرف أنه دم الحيض المعتاد الأحمر ولكنه متوسط الغلظة ليس بغليظ ولا برقيق , ويكون الدم الذي يخالطه دم شديد الحمرة أو دمًا خفيفًا ليس بغليظ , فتعرف دم الحيض من دم الاستحاضة , وهذه أيضًا تجلس دم الحيض وتترك الصلاة وتتطهر دم الاستحاضة , وتسمى هذه المميزة التي تميز هذا الدم عن هذا الدم , فلذلك يقولون: إن المستحاضة قد يكون لها ثلاثة أحوال:
الحالة الأولى: أن تكون معتادة , وهو معرفتها لعادتها أي من كل شهر , فإذا جاءت أيام عادتها تركت الصلاة ثم اغتسلت وصلت بقية الشهر , وسواء كان شهرها هلاليًا أو أكثر , يعني منهن من يكون شهرها عشرين يومًا تحيض منه خمسة أيام وتطهر خمسة عشر , ثم تحيض خمسة أيام وتطهر خمسة عشر ثم تحيض خمسة أيام وتطهر خمسة عشر , شهرها كم ؟ شهرها عشرون يومًا .
ومنهن من يكون شهرها خمسة وثلاثين , تحيض سبعة أيام وتطهر ثمانية وعشرين يومًا ثم تحيض سبعة أيام وتطهر ثمانية وعشرين وهكذا , فيكون شهرها خمسة وثلاثين يومًا, فشهرها هو الذي يأتيها فيه *[حيضان] كاملان , يسمى هذا شهرها .
فإذا كانت قد اعتادت عرفت أيام طهرها أنها مثلاً خمسة وعشرين يومًا , وأيام حيضها أنها سبعة أيام , فكان شهرها اثنين وثلاثين يومًا ، ففي كل اثنين وثلاثين يومًا طهر وحيضة , تجلس سبعة أيام وتصلي خمسة وعشرين يومًا وهكذا , هذه تسمى المعتادة التي عرفت عادتها .
ولكن بعض النساء قد تنسى عادتها أو لا تكون عادتها مستمرة بل أحيانًا تكون خمسة أيام , وأحيانًا ستة وأحيانًا أربعة وأحيانًا ثمانية , ثم بعد ذلك يختلط عليها الأمر ويطبق عليها الدم , فمثل هذه إذا كانت تعرف الدم الذي هو دم الحيض أسود غليظ , والذي هو دم الاستحاضة أحمر رقيق تسمى مميزة , وهي الحالة الثانية: أن تكون مميزة لهذا عن هذا , تعرف أن هذا رقيق فهو استحاضة , وهذا غليظ فهو حيض , فتجلس في أيام الغليظ وتصلي في أيام الرقيق , وهذه تعمل بالتمييز الصحيح .
ولكن قد يكون أيضًا بعض النساء لا تميز بل يختلط عليها الدم كله , ولا تعرف هذا من هذا , لا تميز رقيقًا من غليظ ولا أحمر من أسود , وليست عادتها مستمرة بل تتقدم وتتأخر , تارة في أول الشهر وتارة في وسطه وتارة في آخره , تارة خمسة وتارة ستة وتارة سبعة , ما لها عادة بينة , فمثل هذه تسمى المتحيرة التي لم يعرف ماذا تفعله, مثل هذه تجلس عادة نسائها , عادة نسائها أو أكثر نسائها كأمها وجدتها وأختها وخالتها ونحوهن ؛ إذا كانت عادتهن سبعة أيام جلستها من كل شهر هلالي , كلما دخل الشهر الهلالي جلست ستة أيام أو سبعة أيام قدر عادة نسائها واغتسلت بقية الشهر الهلالي وصلته , ويحكم بأن شهرها هو الهلالي , من أول الشهر إلى آخره يعتبر شهرها .
وهذا الأمر كثيرًا ما يقع في النساء وهن على العادة الطبيعية , ولكن وجد في هذه الأزمنة موانع الحيض وهي استعمال هذه الحبوب التي تأكلها لإيقاف الدم , وهذه الحبوب قد تؤثر على عادتها , بحيث أنها تقدمها أو تؤخرها أو تزيدها أو تغيرها , فيحصل بذلك التباس على كثير من النساء , هذا سبب من أسباب التغير .
وهناك سبب آخر موجود في هذه الأزمنة وهو أن الكثير من النساء تركب ما يسمى باللولب الذي تقصد به منع الحمل , ثم هذا اللولب يكدر عليها أيضًا عادتها, بحيث أن الدم يخرج قليلاً ولكنه يزيد في المدة , فبدل ما كانت تحيض سبعة أيام يكون حيضها عشرة أيام أو نحو ذلك بسبب تقليل خروجه بسبب هذا اللولب ونحوه , فيكون هذا أيضًا من الأسباب التي تغير على النساء عادتهن .
ففي مثل هذه الحالة , في حالة استعمالها للحبوب وفي حالة استعمالها للولب نقول: ما دام الدم دم حيض فدعي الصلاة ولو زاد , إذا كان مثلاً التي أركبت اللولب يأتيها سبعة أيام قبله وعشرة أيام معه قلنا: تجلس العشرة كلها ؛ لأن أول الدم وآخره سواء .
ومن المشايخ من يقول: بل لا تزيد على عادتها التي هي السبعة الأولى ؛ وذلك لأن هذه الزائدة ما حصلت إلا بسببٍ هي التي فعلته , فلا تترك الصلاة لأجله , يعني يقولون ذلك من باب الاحتياط , مع أن أول الدم وآخره سواء, لا فرق بين اليوم الأول والآخر لكون هذا دم وهذا دم وهذا جار وهذا جار ولا زيادة لهذا ولا نقص .
وأما تأخر الحيض بسبب تعاطي حبوب المنع فلا شك أنها إذا تأخرت فإنها تصلي , وتستعمل النساء هذا المانع الذي هو الحبوب, حبوب المنع , تستعملها أحيانًا لتأخير الحيض أو لمنع الحمل أو نحو ذلك , فيتأخر , فإذا توقف ولم يجر معها شيء قلنا: لا تترك الصلاة , ولو شهرين ولو أشهرا , ما دام أنها ما جرى معها شيء اسمه دم , ولكن إذا رجع إليها هذا تمنع إذا تركته يومًا , إذا تركت الأكل يومًا رجع إليها الدم , نقول: مادام رجع وهو بصفته فإنها تجلس عن الصلاة , تترك الصلاة لوجود المانع الذي هو الحيض .
المستحاضة التي يجري معها هذا الدم قلنا إنها لا تترك الصلاة في بقية الأيام , ماذا تفعل؟
في هذا الحديث أن أم حبيبة اسحيضت سبع سنين فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تغتسل , فكانت تغتسل لكل صلاة , يعني أمرها أن تغتسل ولكن متى ؟ أمرها أن تغتسل بعد أيام حيضها وبقية الأيام تتوضأ كما أمر بذلك فاطمة بنت أبي حبيش أمرها أن تتوضأ لكل صلاة ، والصحيح أنها لا يلزمها أن تغتسل لكل صلاة لما فيه من المشقة , ولكن فعلت ذلك أم حبيبة من باب الاحتياط , حيث أنها عرفت أنها ستصبر على المشقة ولو كان في ذلك ما فيه فكانت تغتسل لكل صلاة .
وفي بعض الروايات أنه عليه الصلاة والسلام أرشدها إلى أن تجمع بين الصلاتين جمعًا صوريًا وتغتسل لهما , أمرها بأن تؤخر الظهر قليلاً وتعجل العصر وتغتسل لهما غسلاً واحدًا , فتؤدي الظهر بآخر وقتها والعصر في أول وقتها , وتؤخر المغرب وتعجل العشاء وتغتسل غسلاً واحدًا تصلي به المغرب في آخر وقتها والعشاء في أول وقتها , وتغتسل للفجر , فتغتسل كل يوم ثلاث مرات أخف من خمسة . فإن شق ذلك عليها اقتصرت على أن تتوضأ , ولكن عندما تريد الصلاة والدم يجري معها عليها أن تتحفظ فتغسل فرجها وتعصبه .
وفي هذه الأزمنة توجد الحفائظ التي تلبسها النساء بحيث أنها تمنع الخارج وتحميها عن أن يلوث ثيابها أو بدنها , فإذا تحفظت بهذه الحفائظ صلت ما شاءت مادام الوقت باقيًا فروضًا ونوافل .
فإذا دخل الوقت الثاني جددت الوضوء . بمنزلة صاحب السلس يعني الذي حدثه دائم الذي يتوضأ لكل صلاة, كذلك المستحاضة تتوضأ لكل صلاة عملاً برواية في صحيح البخاري في حديث فاطمة بنت أبي حبيش أنه أمرها بأن تتوضأ لكل صلاة ؛ وذلك لأن هذا حدث مستمر عفي عنه في الوقت للمشقة , يعني أنه قد يخرج وهي في نصف الصلاة فلو أمرناها أن تقطع الصلاة لشق عليها , فكان ذلك سببا في التخفيف فتكتفي بوضوء واحد للصلاة . ولها أحكام معروفة مشهورة نقتصر على هذا القدر حتى نكمل الباقي في الليلة الآتية إن شاء الله.
القارئ : وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كنت أغتسل أنا ورسول الله- صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد كلانا جنب . وكان يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض . وكان يخرج رأسه إلي وهو معتكف فأغسله وأنا حائض.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكئ في حجري وأنا حائض فيقرأ القرآن.
وعن معاذة بنت عبد الله قالت: سألت عائشة رضي الله عنها فقلت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ؟ فقالت: أحرورية أنت ؟ فقلت : لست بحرورية ولكني أسأل , فقالت: كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم , الحمد لله والصلاة والسلام على محمد .
هذه الأحاديث عن عائشة رضي الله عنها , وذلك دليل على أنها رضي الله عنها اهتمت بهذا الأمر الذي هو أمر النساء وما يتعلق بالحيض ونحو ذلك , فنقلت للأمة هذه الأحكام وهذه الفوائد لتكون نبراسًا ونورًا يسيرون على نهجه.
ففي الحديث الأول خصلتان متعلقتان بالحيض وخصلة عامة :
الخصلة الأولى: ذكرت أنها كانت تغتسل هي والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد كلاهما جنب , فاستدل العلماء بذلك على جواز غسل الرجل وامرأته من إناء واحد , وقد ذكرت أنهما تختلف فيهما أي: فيه أيديهما , وأن ذلك الإناء يقال له: الفرق , يسع ثلاثة آصع , حتى إذا كان في آخره يقول: دعي لي , وتقول: دع لي , أي: اترك لي بقية , فيجوز أن يغتسلا معًا .
وكان البيت.. البيوت في ذلك الوقت ليس فيها أنوار ولا مصابيح , فيكونون في زاوية من الحجرة ويتجردان وكلاهما على جانب من الإناء , فكلاهما يغترف ويصب على رأسه وعلى جسده ويدلكه إلى أن يعمم جسده لتطهيره من الجنابة , فلا بأس بذلك , مع أنه يجوز للرجل أو للمرأة أن ينظر كل منهما إلى عورة الطرف الثاني , الزوج له أن ينظر إلى جسد امرأته , وكذلك المرأة لها أن تنظر إلى جسد الرجل كله, ولذلك قالت عائشة: ولو استقبلت من أمري ما استدبرت , ما غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه ؛ لأنه يحل لهن أن يكشفن على جسده , ومع ذلك لا يلزم أن يكون هناك نظر , يعني ما دام أن كلاهما جالس وكلاهما يغترف وكلاهما مقابل للآخر والمكان ليس فيه ضياء ولا نور - لا يلزم أن تبدو العورة .
وقد أمر المغتسل بأن يتستر عن أعين الناس حتى ولو كان في الصحراء , سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الاغتسال عريانا فقال: ((الله أحق أن يستحيى منه)) يعني إذا كان الإنسان في الصحراء فإن عليه إذا تجرد أن يستر عورته بإزار أو بنحو ذلك ؛ لأنه قد يفاجئه من ينظره , أو يستحيي من الله أن ينظره على تلك الحال وإن كان الله لا يخفى عليه منه خافية .
الوجـه الثانـي:أما المسألتان اللتان تتعلق بالحيض فمنها المباشرة للحائض , ومنها القراءة في حجر الحائض أو ترجيل الحائض لرأس زوجها .
المباشرة مباحة للرجل , يباح للرجل أن يباشر امرأته وهي حائض بما فوق الإزار , كأن يأمرها بأن تجعل إزارًا يستر ما بين السرة والركبة ثم يباشرها , يعني يضطجع فوقها أو يلاصقها ببشرته من فوق الإزار حتى لا يقرب من المكان الذي منع منه وهو الفرج , والله تعالى يقول: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ}المراد: اعتزلوا محل المحيض الذي هو الأذى الذي ذكر الله أنه أذى أي: نجس وقذر , وهو مخرج الحيض .
وقد ذكر أن اليهود كانوا إذا حاضت فيهم المرأة اجتنبوها , فلم يؤاكلوها ولم يجالسوها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((افعلوا كل شيء إلا النكاح)) يعني افعلوا المباشرة والمؤاكلة والمجالسة والمؤانسة والمحادثة ونحو ذلك , وقد ثبت أنه عليه الصلاة والسلام أمر مرة عائشة أن تناوله الخمرة - يعني السجادة - من المسجد فقالت: إني حائض , فقال: ((إن حيضتك ليست في يدك)) يعني أن بدنك طاهر فلا نجاسة في سائر البدن , فأباح لها أن تدخل المسجد وتأتي بتلك الخمرة ليصلي عليها .
فإذا كان بدنها طاهر فلا بأس أن يضطجع الرجل إلى جانب زوجته وهي حائض وأن تمس بشرته بشرتها , وله إذا مثلاً باشرها أن يضمها ولو أنزل إلا أنه لا يقرب من الفرج الذي هو محل الأذى , فإن المنع منه في النكاح ((افعلوا كل شيء إلا النكاح)) .
فثبتت هذه الأحاديث في أنه عليه الصلاة والسلام كان يباشر نساءه وهن حيض , ولا يمنعه الحيض من مباشرتهن بما فوق الإزار , وأباح ذلك أيضًا لأمته , ولا ينافي أو لا ينافي ذلك قول الله تعالى: {ولا تقربوهن} فإن المراد: لا تقربوا المكان المستقذر الذي هو محل خروج الأذى.
الجملة الثالثة في هذا الحديث ذكرت أنه صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف كان يدني رأسه إليها وهي في حجرتها فترجل رأسه وتسرح شعره وتغسله وهي حائض ولا يرده ذلك ؛ وذلك لأن بدن الحائض طاهر , وفي هذا أيضا دليل على أنه يجوز للمعتكف أن يخرج بعض بدنه من المسجد لحاجة ؛ فإنه عليه الصلاة والسلام كان له شعر , لم يكن يحلق رأسه أي لم يكن الحلق غير متوفر عندهم , فكان يوفر شعره ويحتاج إلى تسريحه وإلى غسله وإلى ترجيله , فإذا اعتكف احتاج إلى ذلك فيدنو إلى الباب أو إلى النافذة ويدخل رأسه وترجله أي: تغسله وتسرحه وتمشطه وتكده وتصلحه , وهي مع ذلك حائض أي: عليها هذه العادة , ولا يمنعه ذلك أن تمسه أو يمسها .
وفيه دليل على أن المعتكف.. أن المعتكف إنما منع من المباشرة التي هي الوطء في قوله تعالى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} , فأما مجرد لمسها لبشرته من غير حاجة , من غير شهوة أو نحو ذلك فلا ينافي ذلك الاعتكاف .
وأما الحديث الثاني الذي فيه قراءة القرآن , أخبرت أيضًا بأنه كان يتكئ إلى صدرها , يعني أنه يعتمد عليها ويستند إلى صدرها وهي حائض ولا يرده ذلك عن قراءة القرآن , قد ورد نهي الحائض أن تقرأ القرآن , ورد قوله: ((لا أحل المسجد لحائض ولا جنب)) , ونهى الجنب أن يقرأ القرآن ولو حرفًا , يعني على وجه التلاوة .
ولكن ..كذلك أيضا نهيت الحائض أن تقرأ القرآن , ولكن العلماء أباحوا ذلك لها لحاجة , إذا خشيت مثلاً أن تنسى ما حفظته فلها أن تتذكره , ولها مثلاً أن تعرضه في صدرها دون قراءة , ولها أن تنظر إلى المصحف دون أن تمسه , أن تتبعه بنظرها دون أن تمسه ودون أن تنطق به نطقًا ظاهرًا , وأما مسها للمصحف فلا ؛ وذلك لأنها نجسة أي عليها هذا الحدث , وكذلك تلفظها بالقرآن .
ولها أن تقرأ الآيات التي فيها أدعية على أنها دعاء لا على أنها تلاوة , يعني كقراءة آية الكرسي على أنها دعاء أو ورد أو حرز , وقراءة أواخر سورة البقرة لذلك , أو الأدعية كقولها..كقوله: {ربنا آتنا في الدنيا حسنة} ، أو {ربنا لا تزغ قلوبنا} أو ما أشبه ذلك من الآيات التي فيها دعاء على أنها أوراد وأدعية , فلا يدخل ذلك في النهي , ولها إذا طالت المدة كمدة النفاس أن تقرأ ما تخشى أن تنساه وأن تتذكره .
وأبيح أيضًا في هذه الأزمنة أن تحضر وقت الاختبارات إذا كانت طالبة في إحدى المدارس أو نحوها , أن تحضر وأن تجيب وأن تكتب أو تقرأ إذا كان الاختبار في قراءة أو نحو ذلك للحاجة ؛ وذلك لأن الضرورات تخصص أو تبيح المحظورات.
وأما قراءة زوجها عندها أو قراءته وهو معتمد عليها أو مستند إلى صدرها كما في هذا الحديث فلا شك في إباحته, ولا ينافي ذلك كونها عليها هذه العادة .
وأما الحديث الثالث الذي فيه قضاء الصوم دون قضاء الصلاة , فمعاذة هذه أشكل عليها أن كلا الأمرين ركن, الصلاة ركن والصوم ركن , ومع ذلك فإن الحائض تفطر في رمضان وتقضي أيامها التي أفطرتها وتترك جملة من الصلوات: صلاة مثلا سبعة أيام أو صلاة أربعين يومًا إن كانت نفساء , وتبقى على هذه الحالة لا تصلي هذه المدة الطويلة , ومع ذلك لا تقضي شيئًا من هذه الصلوات , أشكل ذلك عليها , مع أن الصلاة أهم الأركان بعد التوحيد, ومع أنها عمود الدين .
فلذلك استشكلت وقالت: لماذا لا تقضي الصلاة كما تقضي الصوم ؟ ولما سألت عن ذلك سألتها عائشة فقالت: أحرورية أنت ؟ فقالت: لست بحرورية ولكني أسأل . خافت أنها من الحروريين , الحروريون هم الخوارج , وهم الذين كانوا يلزمون الحائض بأن تقضي الصلاة بعد طهرها من تشددهم , الخوارج الذين خرجوا في عهد علي رضي الله عنه في سنة 36 اجتمع منهم جموع كثيرة نحو اثني عشر ألفا ونزلوا في قرية من العراق اسمها حروراء , فأصبح اسمًا لكل خارجي وإن لم يكن من أهل حروراء , يسمى حروري يعني نسبة إلى أولئك الخارجين .
لم يكن لعائشة أن تذكر علة ولم تقل: العلة في القضاء كذا وكذا , لكنها اقتصرت على الدليل وقالت: كان يصيبنا ذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم - يعني الحيض والنفاس - فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة, يأمرنا الذي إليه الأمر وهو النبي عليه الصلاة والسلام ؛ فإنه الذي جعل المرأة أو أخبر بأن المرأة عليها تكاليف, وأن بعض تلك التكاليف تتركه وقت حيضها , وأن من الذي تتركه ما يقضى ومنه ما لا يقضي .
ففي هذا دليل على أن الحائض وقت حيضها تترك الصلاة ؛ وذلك لأنها نجسة , حدثها مستمر ويشق عليها أن تتوضأ كل حين , فلذلك عفي عنها لاستمرار هذا الحدث معها , ولنجاسة بدنها , فلم يجز لها أن تفعل الصلاة .
وكذلك لا تصوم بل تفطر في رمضان , ولو لم يكن عليها مشقة ؛ وذلك لأن هذا الخارج خارج متنجس فينافي العبادة , والصيام عبادة . وهو هذا الخارج وإن لم يكن مما يتغذى به لكنه مما يضعف البدن وينهكه ؛ لذلك أمرت بأن تفطر في رمضان , ولكن تحصي أيامها التي أفطرتها ثم تقضيها بعد رمضان من الشهر بعده أو من الأشهر بعده .
وأما الصلوات التي تركتها فلا قضاء عليها , وسبب ذلك أن إفطارها يعتبر كإفطار المريض وإفطار المسافر وأصحاب الأعذار , ومعلوم أن أصحاب الأعذار يفطرون ويحصون أيامهم ويقضون لقول الله سبحانه وتعالى: {فمن كان مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} , فكذلك الحائض عدة أيامها التي أفطرتها تقضيها من أيام أخر , وليس في القضاء صعوبة ولا مشقة ؛ لأنها أيام قليلة وليس هناك صيام بعد ذلك , فالصيام إنما هو شهر واحد وليس في شهر شوال صيام إلا تطوع , وكذلك الأشهر بعده فلا مشقة في قضاء أيام الصوم .
أما الصلاة فإنها تتكرر وفي قضائها شيء من الصعوبة ؛ لأنها قد تكثر , فالصلاة مثلاً قد تترك الحائض صلاة عشرة أيام , حيث أن الحيض قد يبلغ بإحداهن عشرة أيام وربما اثني عشر أو خمسة عشرة يوما متوالية كله حيض , فيكون نصف دهرها كله حيض , فإذا ألزمناها بأن تقضي صلاة خمسة عشرة يومًا شق ذلك عليها , أو صلاة أربعين يومًا أيام النفاس شق ذلك وصعب عليها , متى تقضيها مع ما قد يعتريها من الأشغال والأمراض ونحو ذلك ؟!
فمن رحمة الله أن أسقط عنها القضاء واكتفى بصلاة الأيام الأخرى , فإنها إذا طهرت صلت كما يصلي غيرها , فالصلاة متكررة , يعني كونها تركت صلاة تسعة أيام أو سبعة أو خمسة ثم طهرت فاليوم الذي يلي الحيض تصلي فيه خمس صلوات , وهكذا كل يوم تصلي فيه خمس صلوات مع ما تيسر لها من النوافل .
فإذن لا مشقة في قضاء الصوم بخلاف قضاء الصلاة فإن فيه مشقة , والمشقة تستدعي التيسير والتسهيل , هذا هو السبب , هكذا علل العلماء .
لكن عائشة رضي الله عنهالم تعلل إلا بالاتباع قالت: هكذا كان يصيبنا في العهد النبوي ولا نؤمر إلا بقضاء الصوم دون الصلاة . وكفى بذلك دليلا , ولكن العلماء رحمهم الله ذكروا إلى جانب الدليل التعليل ؛ فإن في التعليل شيء من القناعة , الإنسان إذا سمع التعليل للحكم وللمسألة عرف الحكمة في الشريعة وأنها ما أمرت بشيء إلا وفيه مصلحة ومنفعة محققة , هكذا بين العلماء .
من ذلك نعرف أن أحكام الحيض سواء الحيض أو الاستحاضة قد فصلت وذكرت في الكتاب والسنة , منها ما هو مجمل ومنها ما هو مفصل , ولكن العلماء رحمهم الله استنبطوا من ذلك جميع المسائل التي يمكن أن تقع للنساء وذكروا أحكامها في أبواب الفقه , وبينوا للناس ما تحتاج إليه المرأة في أيام حيضها حتى لا يقع إشكال إلا ويوجد جوابه في تلك الكتب رحمهم الله وعفا عنهم.
ا هـ .
* كلمة غير مسموعة .