قوله: (وتعليل الحكم بعلتين في محلين أو زمانين جائز اتفاقاً كتحريم وطء الزوجة تارة للحيض وتارة للإحرام) فالحكم وهو تحريم الوطء له علتان: الأولى: الحيض، والثانية: الإحرام.
وقوله: (في محلين) أي: في شخصين كتعليل إباحة قتل زيد بردته، وعمرو بالقصاص، وخالد بالزنى، فهذا حكم واحد، وهو: القتل، له ثلاث علل، لكن كل علة في محل. ومنه حديث: «لا يحل دم امرئٍ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كُفْرٍ بعد إسلام، أو زنى بعد إحصان، أو قتل مؤمن بغير حق» [(972)]. فاشتمل الحديث على علل مختلفة، كل منها مستقل في إباحة الدم.
وقوله: (أو زمانين) كالمثال الأول[(973)].
قوله: (فأمَّا مع اتحاد المحل) أي: الشخص الواحد كما لو زنى محصن وقَتَلَ، وكالعصير إذا تخمر ووقعت فيه نجاسة، فهل إباحة دمه بهما معاً أم لا؟ وهل تعلل نجاسته بهما معاً أم لا؟
قوله: (أو الزمان) أي: مع اتحاد الزمان، كما لو لَمَسَ وبال في وقت واحد.
قوله: (فالأشبه بقول أصحابنا ـ وهو قول بعض الشافعية ـ يجوز) هذا القول الأول. وهو أنه يجوز تعليل الحكم الواحد بعلتين، وأن كل واحدة منهما علة، وهذا قول الجمهور[(974)]، بناء على أن العلل الشرعية أمارات وعلامات على الأحكام، ولا مانع من اجتماع علامات على شيء واحد.
وإنَّما قال: (فالأشبه) ؛ لأنه هو الذي يقتضيه جواب الإمام أحمد رحمه الله في خنزير مَيْتٍ. قال: (هذا حرام من وجهين) فأثبت تحريمين[(975)]، تحريماً لكونه خنزيراً، وتحريماً لكونه ميتة.
ثم إنه لو لم يجز، لم يقع ضرورة، وقد وقع، فإن البول واللمس والمذي والرعاف والغائط، أمور مختلفة الحقيقة، وهي علل للحدث، وكل واحدة منها توجب الحدث ـ على الخلاف في بعضها ـ، وإيجابُ الحدث بكل واحدة منها بانفرادها دليلُ الاستقلال.
وكوجوب الغُسل يعلل بالجماع، والإنزال، وانقطاع دم الحيض، ونحو ذلك من الأحكام التي تعددت عللها.
قوله: (وقيل: يضاف إلى أحدهما) هذا القول الثاني: وهو أنه لا يجوز تعليل الحكم بعلتين، وإنما العلة واحدة منهما لا بعينها.
لأنه لو جاز تعليل الحكم بعلتين لأفضى ذلك إلى مُحال، وهو استواء حالتي وجود العلة وعدمها، فإن العلة إذا وجدت أفادت الحكم، وإن عُدمت لم يعدم الحكم، فقد استوت حالتاها، وهذا يخرجها عن كونها علة[(976)].
قوله: (والصحيح: بهما مع التكافؤ) أي: والصحيح جواز التعليل بعلتين مع التكافؤ في القوة، كالغائط والبول في وقت واحد.
قوله: (وإلا الأقوى مع اتحاد الزمن) أي: وإلا يحصل التكافؤ فالأقوى من الوصفين هو العلة، ويمكن تصوير الأقوى والأضعف بعلة متفق عليها وعلة مختلف فيها كالبول، ولمس الذكر.
قوله: (أو المتقدم) أي: عند الترتيب يكون الحكم مستنداً للأولى، مثل ما لو بال وبعد ذلك أكل لحم إبل فإن النقض حاصل بالأولى. وقد نقل بعضهم الإجماع على ذلك، وأن الخلاف فيما إذا وقعتا دفعة واحدة[(977)].
والراجح جواز تعليل الحكم بعلتين؛ لقوة مأخذه، فإن الوقوع دليل الجواز، وما استدل به المانعون لا يتجه إلا في العلل العقلية، أما في الشرعية فلا يلزم من تعليل الحكم بعلتين أيُّ محذور، لأن إناطة الأحكام بها بوضع الشرع؛ لأنه حَكَمَ بنقض وضوء مَنْ لَمَسَ أو بال أو أكل لحم جزور. ونحو ذلك، وعلى هذا فلو نوى رفع أحد هذه الأحداث ارتفع الباقي، على أن شيخ الإسلام ابن تيمية يرى أن الخلاف في هذه المسألة لفظي، فإن أحداً لا يمنع قيام وصفين، كل منهما لو انفرد لاستقل بالحكم، لكن نقول: هل الحكم مضاف إليهما أم إلى كل منهما، أو في المحل حكمان؟[(978)].