قوله: (والمؤقت لا يسقط بفوات وقته فيجب قضاؤه) معنى ذلك أن العبادة المؤقتة بوقت معين، كصلاة الظهر ـ مثلاً ـ إذا فات وقتها، فهل يجب قضاؤها بالأمر الأول، أو لا يجب إلا بأمر جديد؟ قولان:
القول الأول: أن المؤقت لا يسقط بفوات وقته، ويجب قضاؤه بالأمر الأول، ولا يحتاج القضاء إلى دليل، وهذا قول جماعة من الفقهاء، وإليه يميل المصنف، واختاره القاضي. قال: (وأومأ إليه أحمد في رواية إسحاق بن هانئ: في الرجل ينسى الصلاة في الحضر فيذكرها في السفر «يصليها أربعاً، تلك وجبت عليه أربعاً»، فأوجب القضاء بالأمر الأول الذي به وجبت عليه في الحضر)[(642)] وذلك لأن الذمة إذا اشتغلت بواجب الشرع أو لآدمي لم تبرأ منه إلا بالامتثال، وهو الأداء، أو الإبراء، وإذا كانت الذمة مشغولة بالواجب المؤقت في وقته، فكذا بعده؛ لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان.
قوله: (وقال أبو الخطاب والأكثرون: بأمر جديد) هذا هو القول الثاني ، وهو أن الأمر بالعبادة المؤقتة لا يستلزم الأمر بقضائها بعد خروج الوقت، فلا يجب قضاؤها إلا بأمر جديد، وهذا قول الأكثرين من أهل الأصول، ونسبه الآمدي إلى المحققين من الشافعية، وهو اختيار أبي الخطاب، وابن عقيل، وقواه المجد ابن تيمية[(643)].
وحجتهم: أن العبادة لما عُلِّقتْ بوقت معين، عُلِمَ أن مصلحتها مختصة به، وأن الشارع قد قصد وقوعها في الوقت الذي حدده لها، كتخصيص الصوم برمضان، والحج بعرفات، ولو كانت المصلحة في غيره من الأوقات لما كان لتخصيصه فائدة.
وعلى هذا فإذا ترك صلاة عمداً ـ وقلنا إنه: لا يكفر ـ فالجمهور على أنه لا بد للقضاء من أمر جديد، وهو عموم قوله صلّى الله عليه وسلّم: «فدين الله أحق أن يقضى» [(644)] والصلاة المتروكة عمداً دين لله في ذمة تاركها، أو يقاس على الناسي والنائم المنصوص على وجوب القضاء عليهما.
والقول الثاني: أنه لا قضاء عليه، وإنَّما عليه التوبة النصوح والإكثار من التطوع، لأن القضاء يحتاج إلى أمر جديد، ولم يأت أمر جديد بقضاء التارك عمداً، وإنَّما جاء للناسي والنائم ونحوهما، ولا يقاس عليهما غير المعذور؛ لأن المعذور قادر على الفعل في الوقت، والنائم والناسي ليسا كذلك. واختار هذا ابن حزم، وشيخ الإسلام ابن تيمية وبعض المتأخرين[(645)].