(1) قوله:(فالاسمُ) الفاءُ فاءُ الفصيحةِ؛ لأنَّها أفصحت عن جوابِ شرطٍ مقدَّرٍ تقديرُهُ: إذا أردْتَ معرفةَ كلٍّ من الاسمِ والفعلِ والحرفِ،
فالاسمُ. وتقديرُه (إذا) أولى من تقديرِهِ (إن)؛ لأنَّ (إذا) للتّحقّقِ والوقوعِ، و(إن) للشَّكِّ، وهو الموهومُ، فلذا عبّر في جانبِ الحسنة بـ(إذا) في قولِهِ تعالى: {فإذا جاءتْهُمُ الحسنةُ قالوا لنا هذه}فإنَّ الحسنةَ محقّقةٌ واقعةٌ، والسّيّئةُ لمَّا كانت موهومةً عبَّر في جانبِهَا بـ(إن) كما في قولِهِ تعالى: {وإنْ تُصِبْهُم سيّئةٌ يطَّيّروا}و(أل) في الاسمِ للعهدِ الذّكريِّ؛ لأنَّه تقدَّمَ له ذكرٌ في قولِ المصنِّفِ وأقسامُهُ ثلاثةٌ: اسمٌ.
والقاعدةُ:أنَّ النّكرةَ إذا أعيدت معرفةً تكون عينَ الأولى،كما في قولِهِ تعالى: {فأرسلْنَا إلى فرعونَ رسولا فعصى فرعونُ الرَّسولَ}فإنَّ الرَّسولَ الثَّاني هو الأوَّلُ.
وكذلك المعرفةُ:إذا أُعيدَتْ معرفةً تكونُ عينَ الأولى، كما تقولُ: (جاءني الرَّجلُ فأكرمْتُ الرَّجلَ)، فإنَّ الرّجلَ الثَّاني هو عينُ الأوَّلِ.
بخلافِ النَّكرةِ إذا أُعيدَتْ نكرةً.
والمعرفةُ إذا أُعيدَتْ نكرةً فإنَّها تكونُ غيرَ الأولى.
ومثالُهُ قولُكَ: (جاءني رجلٌ فأكرمْتُ رجلاً)، فالرَّجلُ الثَّاني غيرُ الأوَّلِ.
ومثالُ إعادةِ المعرفةِ نكرةً:قولُكَ: (جاءني الرَّجلُ فأكرمْتُ رجلاً) يعني رجلاً آخرَ.وأورد على إعادةِ النّكرةِ نكرةً قولُهُ تعالى:{وهو الَّذي في السَّماءِ إلهٌ وفي الأرضِ إلهٌ}فإنَّها نكرةٌ أُعيدَتْ نكرةً، فيقتضي أنَّ الإلهَ الثَّانيَ غيرُ الأوَّلِ فيلزمُ تعدّدُ الإلهِ؟! ويُجابُ:بأنَّ القاعدةَ أغلبيَّةٌ.
ويردُ على إعادةِ النّكرةِ معرفةً قولُهُ تعالى: {صلحًا والصّلحُ خيرٌ}، فمقتضى القاعدةِ: أنَّ الثّانيَ عينُ الأوَّلِ مع أنَّه غيرُهُ؛ لأنَّ الأوَّلَ صلحٌ بين الزَّوجين، والثَّاني أعمُّ. ويُجابُ بالجوابِ الأوَّلِ من أنَّ القاعدةَ أغلبيَّةٌ.
(2) قوله: (يُعرَفُ) أي يتميَّزُ من قسيميه الفعلِ والحرفِ.
(3) قوله: (بالخفضِ) جارٌّ ومجرورٌ متعلّقٌ بـ(يعرف).
والخفضُ له معنيان:معنًى في اللغةِ، ومعنًى في الاصطلاحِ.أمَّا معناه لغةً:فهو: التّذلُّلُ والخضوعُ، يُقالُ: فلانٌ انخفضَ لفلانٍ، أي تواضعَ وتذلَّلَ. ويُطلَقُ على:الانحناءِ والميلانِ.
واصطلاحًا:عبارةٌ عن الكسرةِ الَّتي تحدثُ عند دخولِ عاملِ الخفضِ سواءٌ كان العاملُ حرفًا أو اسمًا، كعملِ المضافِ في المضافِ إليه الجرّ، وإنَّما اقتصرَ على الكسرةِ لأنَّها الأصلُ، وإلا فالخفضُ عبارةٌ عن الكسرةِ وما ناب عنها، كالفتحةِ في الاسمِ الَّذي لا ينصرفُ، والياءِ في التّثنيةِ والجمعِ.
وزاد بعضُهُم:الجرّ بالتَّبعيَّةِ، كقولِكَ: (مررت بزيدٍ الفاضلِ)، فالفاضلُ مجرورٌ بالتّبعيَّةِ للمجرورِ وهو زيدٌ. وقد اجتمعت الثلاثةُ في:{بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرَّحيمِ}.فـ(اسمِ) مجرورٌ بالباءِ، ولفظُ الجلالةِ مجرورٌ بالإضافةِ، وهو الاسمُ.
و(الرَّحمنُ الرَّحيمُ) مجروران بالتّبعيَّةِ على القولِ بها، وهو مرجوحٌ.
وزاد بعضُهُم:الجرَّ بالمجاورةِ، كما في قولِهِم: (هذا جحرُ ضبٍّ خربٍ)، بجرّ خربٍ بكسرةٍ ظاهرةٍ وهو في موضعِ رفعٍ صفةٌ لجحرٍ، وهو مذهبٌ مرجوحٌ أيضا. وزاد بعضُهُم:الجرَّ بالتّوهّمِ، كما في قولك: (لست قائمًا ولا قاعدٍ)، وهو في موضعِ نصبٍ؛ لأنَّه معطوفٌ على خبرِ ليس. والجرُّ عبارةُ البصريِّين، والخفضُ عبارةُ الكوفيِّين.
(4) قوله: (والتّنوينِ)
وهو لغةً:التَّصويتُ،مأخوذٌ من نوّنَ الطَّائرُ إذا صوّت.
واصطلاحاً:نونٌ ساكنةٌ زائدةٌ تتبعُ آخرَ الاسمِ لفظًا وتفارقُه خطًّا لغيرِ توكيدٍ.
فقولُهُ: (نونٌ) جنسٌ يشمل سائرَ أقسامِ التّنوينِ.
وقولُه: (ساكنةٌ) يَخرجُ به نونُ ضيفن الأولى اسمٌ للطّفيليِّ، وهو الَّذي يتبع الضّيفانَ من غيرِ دعوةٍ. وأمَّا النّونُ السّاكنةُ فهو تنوينٌ.وقد ألغزَ بعضُهُم في هذا الاسمِ لغزًا فقال: (ما اسمٌ إذا لحقتْهُ النّونُ لحقَهُ الهونُ وسقطَ من العيونِ؟)
وخرج بالزّائدةِ:الأصليَّةُ كنون غضنفرٍ اسمٌ للسّبعِ.وبقولِهِ: (تلحقُ الآخرَ لفظاً) النّونُ في منكرٍ ونكيرٍ، فإنَّ النّونَ من منكرٍ في وسطِهِ، والنّونَ من نكيرٍ في أوَّلِه.
وخرج بقولِهِ: (خطًّا) النّونُ اللاحقةُ للقوافي المطلقةِ، كما في قولِ الشّاعرِ:
أقـلـِّي الــلـومَ عاذلَ والـعِتَابَنْ = وقولي إن أصبْتُ لقدْ أصابَنْ
وأمَّا اللاحقةُ للمقيّدةِ، فكقولِهِ:
قالت بناتُ العمّ يا سلمى وإِنْنْ= كـان فـقـيرًامعدِمًا قالَتْ وإِنْنْ
وخرج بقولِهِ: (لغيرِ توكيدٍ) النّونُ الَّتي للتَّوكيدِ، أي: توكيدِ الفعلِ.
وأقسامُهُ -أي التّنوينِ- أربعةٌ:
- تنوينُ التَّمكينِ:وهو اللاحقُ للأسماءِ المعربةِ دالاًّ على تمكّنِهَا في بابِ الاسميَّةِ، بحيثُ إنَّها لم تشبِهِ الحرفَ فتُبْنَى، ولا الفعلَ فتُمنَعَ من الصَّرفِ.
ولا فرقَ في الأسماءِ بين المعارفِ كزيدٍ وعمروٍ وبكرٍ، والنّكراتِ كرجلٍ وفرسٍ.
والقسمُ الثَّاني:تنوينُ التَّنكيرِ: وهو اللاحقُ للأسماءِ المبنيَّةِ فرقاً بين معرفتِهَا ونكرتِهَا، فما نُوِّنَ منها كانَ نكرةً وما لم يُنوَّنْ كان معرفةً:
-كـ سيبويهِ من غير تنوينٍ إذا أردت به سيبويهِ النّحويَّ، فإنَّك تمنعُهُ من التَّنوينِ، بخلافِ ما إذا أردْتَ به غير معيَّنٍ، فإنَّك تنوّنُه.
-كذلك صَهْ إذا أردْتَ به سكوتًا معيّنًا تمنعُه من التَّنوينِ، بخلافِ ما إذا أردت السّكوتَ عن أيِّ كلامٍ فإنَّك تنوّنُه.
-وكذا إيهِ إذا أردْتَ به الزّيادةَ من أيِّ كلامٍ فإنّكَ تنوِّنُه، بخلافِ ما إذا أردْتَ الزّيادةَ من كلامٍ معيَّنٍ فإنَّك تمنعُه من التَّنوينِ.
والثّالثُ:تنوينُ العوضِ: وهو اللاحقُ ليومئذٍ وحينئذٍ، كما في قولِهِ تعالى: {وأنتم حينئذٍ تنظرُونَ}تقديرُ الكلامِ -واللهُ أعلمُ- وأنتم حين إذْ بلغَتِ الرّوحُ الحلقومَ تنظرون، فحُذِفَتِ الجملةُ من الفعلِ والفاعلِ والمفعولِ وعُوّضَ عنها التّنوينُ وقيل: حينئذٍ، وهو في هذه الآيةِ عوضٌ عن جملةٍ.
وقد يكون عوضًا عن جملٍ، كقولِهِ تعالى: {يومئذٍ تحدّثُ أخبارَهَا}تقديرُ الكلامِ -واللهُ أعلمُ- يومَ إذْ {زُلزلَتِ الأرضُ زلزالَهَا وأخرجَتِ الأرضُ أثقالَها وقالَ الإنسانُ مالَهَا}فحُذِفَت هذه الجملُ الثّلاثُ وعُوِّضَ عنها التنوين.
الرّابعُ: تنوينُ المقابلةِ: وهو اللاحقُ لجمعِ المؤنَّثِ السّالمِ في مقابلةِ النّونِ في جمعِ المذكَّرِ السّالمِ، كـ: مسلماتٍ.وإنَّما لحقَهُ التّنوينُ ليلتحقَ الفرعُ -وهو جمعُ المؤنَّثِ السّالمُ- بالأصلِ، وهو جمعُ المذكَّرِ السَّالمُ.
(5) قوله: (ودخولِ الألفِ واللامِ) كان عليه أن يقولَ: ودخولُ (أل) للقاعدةِ، وهو أنَّ ما كان على حرفين يعبَّرُ عنه بمُسَمَّاه، وما كانَ على حرفٍ واحدٍ كالباءِ واللامِ يعبَّرُ عنه باسمِهِ.
ولا فرق في الألفِ واللامِ بين:
- المعرِّفةِ كالرَّجلِ.
-والزّائدةِ كالحارث.
فإنَّه في الأصلِ وصفٌ لمن يشقُّ الأرضَ بالحراثةِ، ثمَّ نُقِلَ وجُعِلَ علَمًا وزِيدتْ فيه الألفُ واللامُ تفاؤلاً بأنَّه يعيشُ، والموصولةُ كالضَّاربِ.
بخلافِ الاستفهاميَّةِ فإنَّها مختصَّةٌ بالفعلِ، كقولِكَ (ألْضربْتَ) بمعنى هل ضربْتَ؟.
ومثلُ (ألْ) ما قام مقامَهَا كما في قولِهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: ((ليسَ من أمْبرِّ امْصيامُ في امْسفرِ)).
(6) قوله: (وحروفِ الخفضِ) وإنَّما عطفَ العلاماتِ بالواوِ للإشارةِ إلى أنَّ بعضَهَا قد يجامعُ بعضًا، كالتَّنوينِ، فإنَّه يجامعُ الخفضَ، وقد لا يجامعُهُ، كالإضافةِ، فإنَّها لا تجامعُ التَّنوينَ، كما في قولِ الشّاعرِ:
كـأنِّيَ تنـويـنٌ وأنـتَ إضافةٌ= فإذْ ما تراني لا تحلُّ مكانيَا
(7) قوله: (وهي من...) إلخ.
أي: وما عُطِفَ عليها؛ لأنَّ المصنِّفَ راعى العطفَ قبل الإخبارِ، فاندفع ما يُقالُ إنَّ المصنِّفَ أخبر بالمفردِ عن ضميرِ الجمعِ، والمرادُ بالحروفِ المخبَرِ بها لفظُهَا لا معناها، لأنَّ الحرفَ لا يخبَرُ به ولا عنه. ولها معانٍ:
- منها:الابتداءُ زمانًا ومكانًا.
- فالابتداءُ زمانًا، كقولِكَ: (سرْتُ من يومِ الخميسِ إلى يومِ الجمعةِ)
، أي: ابتداءُ المسيرِ من يومِ الخميسِ إلى يومِ الجمعةِ.
-والابتداءُ المكانيُّ كقولِكَ: (سرتُ من البصرةِ إلى الكوفةِ).
-ومن معانيها: التّبعيضُ، كقولِكَ: (أخذْتُ من الدّراهمِ)، أي: بعضَ الدّراهمِ.
-ومن معانيها: البدلُ، كقولِهِ تعالى: {أرضيتُمْ بالحياةِ الدّنيا من الآخرةِ}، أي: بدلَ الآخرةِ.
- ومن معانيها: بيانُ الجنسِ، كقولِهِ تعالى: {فاجتنبُوا الرِّجسَ من الأوثانِ}.
وقولُهُ: (مِن) بكسرِ الميمِ احترازٌ من (مَن) بفتحِ الميمِ، فإنَّها تكونُ شرطيَّةً كما في قولِه تعالى: {مَنْ يعملْ سوءًا يُجْزَ بهِ}، وتكونُ استفهاميَّةً وموصولةً.
(8) قوله: (وإلى) وهي لانتهاءِ الغايةِ زمانًا ومكانًا:
- فمثالُ انتهاءِ الغايةِ في الزَّمانِ كقولِكَ: (سرتُ إلى يومِ الخميسِ).
- ومثالُ انتهاءِ الغايةِ في المكانِ كقولِكَ: (سرتُ إلى الكوفةِ).
(9) قوله: (وعن) ومن معانيها المجاوزةُ.
وهي في اللغةِ: البعدُ، يُقالُ: (فلانٌ تجاوز فلاناً) بمعنى بَعُدَ عنه.
واصطلاحا: بُعْدُ شيءٍ عن المجرورِ بعن بواسطةِ مصدرِ الفعلِ، كما في قولِكَ: (رميتُ السَّهمَ عن القوسِ)، فقولُنَا: بعدُ شيءٍ عن المجرورِ بعن وهو القوسُ، ومصدرُ الفعلِ هو الرَّميُ.وتكون بمعنى بعْدَ،كما في قولِهِ تعالى: {لَتَرْكَبُنَّ طبقًا عن طبقٍ}، أي: بعدَ طبقٍ.
(10) قوله: (وعلى) ومن معانيها الاستعلاءُ.
وهو لغةً: العلوُّ والارتفاعُ.
واصطلاحًا: تفوُّقُ شيءٍ على المجرورِ بها، كما في قولِكَ: (صعدتُ على السَّطحِ).
وتكون اسمًا،كما في قولِكَ: (نزلتُ من على السَّطحِ).
وإعرابُهُ: (نزلتُ)
فعلٌ وفاعلٌ.و(من) حرفُ جرٍّ.و(على) مجرورٌ بمن.
وعلامةُ جرِّهِ كسرةٌ مقدَّرةٌ على الألفِ منع من ظهورِهَا التّعذّرُ.
و(على) مضافٌ.
و(السّطحِ) مضافٌ إليه، وهو مجرورٌ وعلامةُ جرّه كسرةٌ ظاهرةٌ في آخرِهِ، فيأتي فيها أقسامُ الكلمةِ الثّلاثةُ.
(11) قوله: (وفي) ومن معانيها:
الظَّرفيَّةُ:وهي لغةً: الوعاءُ.
واصطلاحًا:ما ذكرَهُ في الخلاصةِ بقولِهِ:
الظَّرفُ وقتٌ أو مكانٌ ضمِّنا ...................
في نحو قولِكَ: (صمتُ يومًا)، فإنَّهُ ظرفٌ مضمَّنٌ معنى (في)، أيْ: صمتُ في يومِ كذا.
والظَّرفيَّةُ:
-إمَّا حقيقيَّةٌ.
-أو مجازيَّةٌ.
فالحقيقيَّةُ:
-أن يكونَ للظَّرفِ احتواءٌ.
-وللمظروفِ تحيّزٌ كقولِكَ: (الماءُ في الكوزِ)، فإن انتفى الشَّرطان أو أحدُهُما فهي مجازيَّةٌ. فمثالُ انتفاءِ الشّرطين:(الخيرُ في العلمِ)، فهي ظرفيَّةٌ مجازيَّةٌ.
ومثالُ انتفاءِ أحدِهِما
-وهو ما إذا كان للظَّرفِ احتواءٌ وليس للمظروفِ تحيّزٌ- قولُك(العلمُ في الصّدورِ).ومثالُ ما إذا كان للمظروفِ تحيّزٌ وليس للظَّرفِ احتواءٌ:
قولُكَ: (زيدٌ في البريَّةِ).
- وتأتي للسّببيَّةِ:كقولِهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: ((دخلتْ امرأةٌ النَّارَ في هرَّةٍ - أي: بسببِ هرَّةٍ - حبستْهَا، لا هي أطعمَتْها، ولا هي تركتْهَا تأكلُ من خشاشِ الأرضِ))أي: هوامِّهَا.
(12) قوله: (ورُبَّ) معطوفٌ على (مِن) مبنيٌّ على الفتحِ في محلِّ رفعٍ.
- وإذا ضُمَّتِ الرَّاءُ فلك في الباءِ التَّشديدُ والتّخفيفُ والإسكانُ.
-وإذا زدتَ التَّاءَ فلك مع فتحِ التّاءِ تشديدُ الباءِ وتخفيفُهَا.
-وإذا كسرت التَّاءَ فلك في الباءِ التَّشديدُ والتَّخفيفُ أيضاً، ففيها لغاتٌ.
ومن معانيها: التَّقليلُ كقولِكَ: (ربَّ رجلٍ كريمٍ لقيتُهُ)، (فربّ): حرفُ تقليلٍ وجرٍّ شبيهٌ بالزَّائدِ، (ورجلٍ) مبتدأٌ مرفوعٌ، ورفعه ضمَّةٌ مقدَّرةٌ على آخرِهِ منع من ظهورِهَا اشتغالُ المحلِّ بحركةِ حرفِ الجرِّ الشّبيهِ بالزَّائدِ، و(كريمٍ) صفةٌ له باعتبارِ اللفظِ، وعلامةُ جرِّه كسرةٌ في آخرِهِ وهو مرفوعُ المحلِّ، و(لقيتُهُ) (لقي) فعلٌ ماضٍ، و(التَّاءُ): فاعلٌ مبنيٌّ على الضّمِّ في محلِّ رفعٍ، و(الهاءُ): مفعولٌ به مبنيٌّ على الضّمِّ في محلِّ نصبٍ، والجملةُ من الفعلِ والفاعلِ والمفعولِ في محلِّ رفعِ خبرُ المبتدأ.واعلم أنَّ رُبَّ لا تجرّ إلا بشروطٍ خمسةٍ:
الأوَّلُ:أن تكونَ مصدَّرةً في أوَّلِ الكلامِ.
الثَّاني:أن يكونَ مجرورُهَا نكرةً.
الثَّالثُ:أن تكونَ النّكرةُ موصوفةً بجملةٍ.
الرَّابعُ:أن يكونَ عاملُهَا مؤخَّرًا.
الخامسُ:أن يكونَ فعلاً ماضيًا.
وقد اجتمعَتْ هذه الشّروطُ في المثالِ السّابقِ.
(13) قوله: (والباءُ) ومن معانيها:
التّعديةُ، وهي:
- إمَّا عامَّةٌ.
-أو خاصّةٌ.
فالخاصَّةُ: هي الَّتي تصيّرُ الفاعلَ مفعولا، كقولِكَ: (مررتُ بزيدٍ).
والعامَّةُ:هي الّتي توصلُ معنى العامل إلى المعمولِ، كما في قولِكَ: (ضربتُ زيدًا)، فإنَّ معنى العاملِ وهو ضربَ تعدَّى إلى المعمولِ وهو زيدًا.
ومعنى عمومِ التّعديةِ اشتراكُهَا بين الباءِ وغيرِهَا.
(14) قوله: (والكافُ) ومن معانيها:
التّشبيهُ:وهو مشاركةُ أمرٍ لأمرٍ في معنى شريفًا كان أو خسيسًا.
فمثالُ الأوَّلِ:(زيدٌ كالبدرِ).
ومثال الثَّاني:(زيدٌ كالحمارِ).
وأركانُهُ خمسةٌ:
- مشبِّهٌ، وهو المتكلِّمُ.
-ومشبَّه، وهو زيدٌ.
- ومشبَّهٌ به، وهو البدرُ.
- وأداةُ تشبيهٍ، وهو الكافُ.
- ووجهُ شبهٍ،وهو الحُسْنُ، كما في المثالِ الأوَّلِ.
(15) قوله: (واللامُ) وتُفتَحُ مع غيرِ ياءِ الضّميرِ نحو: له، ولك، ولنا، وتُكسَرُ مع الظَّاهرِ.
ومن معانيها: الملكُ، ولامُ الملكِ: هي الَّتي تقعُ بين ذاتين، وتدخلُ على من يملكُ، كقولِكَ: (المالُ لزيدٍ)، أي: مملوكٌ لزيدٍ.
وأمَّا إذا وقعت بين معنًى وذاتٍ فتكون للاستحقاقِ، كما في قولِكَ: (الحمدُ للهِ).
وأمَّا إذا وقعت بين ذاتين ودخلت على ما لا يملك فإنَّها تكون لشبهِ الملكِ، كما في قولِكَ: (الجلُّ للفرسِ).
(16) قوله: (وحروفِ القسمِ) فصلَهَا عمَّا قبلها وإن كانت من حروفِ الجرِّ لدخولِهَا على المقسَمِ به.
وقولُهُ: (القَسَمُ) بفتحِ القافِ والسّينِ وهو الحلفُ.
وإنّما سُمّي الحلفُ قسمًا؛ لأنَّ العربَ كانت إذا أرادت الحلفَ وضعَ أحدُهُم يمينَهُ في يمينِ صاحبِهِ، ولذا سُمّي القسمُ يمينا.
واحترزْنَا بذلك:
-عن القسْمِ بسكونِ السّينِ، وهو العدلُ بين الزَّوجاتِ.
-وعن القِسْم بكسرِ القافِ وسكونِ السّينِ وهو النّصيبُ.
(17) قوله: (وهي الواوُ) وقدَّمها لاشتهارِهَا في القسمِ.
ثمَّ منها:
-ما يختصُّ بالظَّاهرِ وهو الواوُ، فتقولُ: (واللهِ) ولا تدخلُ على المضمرِ نحو وهُ وك.
-ومنها ما هو مشتركٌ فيدخلُ على الظَّاهرِ والمضمرِ وهي الباءُ الموحّدةُ، نحو (اللهِ) و(به).
-وأمَّا التَّاءُ المثنَّاةُ فإنَّها تختصُّ بلفظِ الجلالةِ، نحوُ قولِ اللهِ -عزَّ وجلَّ: {وتاللهِ لأكيدنَّ أصنامَكُم}(فالتَّاءُ) حرفُ قسمٍ وجرٍّ، و(اللهِ) مقسَمٌ به مجرورٌ بكسرٍ ظاهرٍ في آخرِهِ، وقولُهُ: {أكيدَنَّ أصنامَكُمْ}(اللامُ) موطّئةٌ للقسمِ.
و(أكيدنَّ) فعلٌ مضارعٌ مبنيٌّ على الفتحِ لاتّصالِه بنون التَّوكيدِ الثّقيلةِ، وهي حرفٌ لا محلَّ له من الإعرابِ.
و(أصنامَ) مفعولٌ به منصوبٌ بفتحةٍ ظاهرةٍ، و(أصنامَ) مضافٌ و(الكافُ) مضافٌ إليه في محلِّ جرٍّ، و(الميمُ) علامةُ الجمعِ.