دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > متون التفسير وعلوم القرآن الكريم > التفسير وأصوله > تفسير سورة الفاتحة وجزء عم

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23 شوال 1429هـ/23-10-2008م, 04:29 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي تفسير سورة الزلزلة


سورةُ الزَلْزَلة
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ
{إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)}


  #2  
قديم 23 شوال 1429هـ/23-10-2008م, 04:32 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي تيسير الكريم الرحمن للعلامة / عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله

تفسيرُ سورة إذا زلزلتْ


(1-8){بسم الله الرحمن الرحيم إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)}

يخبرُ تعالى عما يكونُ يومَ القيامةِ، وأنَّ الأرضَ تتزلزلُ وترجفُ وترتجُّ، حتى يسقطَ ما عليهَا منْ بناءٍ وعَلَمٍ فتندكُّ جبالُهَا، وتُسوَّى تلالُهَا، وتكونُ قاعاً صفصفاً لا عوجَ فيهِ ولا أمتَ.

{وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا}أي: ما في بطنِهَا، منَ الأمواتِ والكنوزِ.

{وَقَالَ الإِنْسَانُ}إذا رأى مَا عراهَا منَ الأمرِ العظيمِ مستعظماً لذلكَ: {مَا لَهَا}؟ أي: أيُّ شيءٍ عرضَ لهَا؟

{يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ}الأرضُ {أَخْبَارَهَا} أي: تشهدُ على العاملينَ بمَا عملوا على ظهرهَا منْ خيرٍ وشرٍّ، فإنَّ الأرضَ منْ جملةِ الشهودِ الذينَ يشهدونَ على العبادِ بأعمالهمْ، ذلكَ {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} وأمرهَا أنْ تخبرَ بمَا عملَ عليهَا، فلا تعصي لأمرهِ.

{يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ}منْ موقفِ القيامةِ، حينَ يقضي اللهُ بينهمْ {أَشْتَاتاً} أي: فرقاً متفاوتينَ {لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ} أي: ليريهم اللهُ ما عملوا منَ الحسناتِ والسيئاتِ، ويريهمْ جزاءَهُ موفراً.

{فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (8) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}وهذا شاملٌ عامٌّ للخيرِ والشرِّ كلِّهِ؛ لأنَّهُ إذا رأى مثقالَ الذرةِ، التي هيَ أحقرُ الأشياءِ، فمَا فوقَ ذلكَ من بابِ أولى وأحرى، كمَا قالَ تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً}{وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً}.

وهذهِ الآيةُ فيهَا غايةُ الترغيبِ في فعلِ الخيرِ ولو قليلاً، والترهيبِ منْ فعلِ الشرِّ ولو حقيراً.


  #3  
قديم 23 شوال 1429هـ/23-10-2008م, 04:35 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي زبدة التفسير لفضيلة الشيخ / محمد بن سليمان بن عبدالله الأشقر


سُورَةُ الزَّلْزَلَةِ
1- {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا}؛ أَيْ: إِذَا حُرِّكَتْ حَرَكَةً شَدِيدَةً، فَإِنَّهَا تَضْطَرِبُ حَتَّى يَتَكَسَّرَ كُلُّ شَيْءٍ عَلَيْهَا.
2- {وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا}: مَا فِي جَوْفِهَا من الأمواتِ والدَّفَائِنِ وَمَا عُمِلَ عَلَيْهَا.
أَخْرَجَ مُسْلِمٌ والتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((تَقِئُ الأَرْضُ أَفْلاذَ كَبِدِهَا أَمْثَالَ الأُسْطُوَانِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، فَيَجِيءُ الْقَاتِلُ فَيَقُولُ: فِي هَذَا قَتَلْتُ. وَيَجِيءُ الْقَاطِعُ فَيَقُولُ: فِي هَذَا قَطَعْتُ رَحِمِي، وَيَجِيءُ السَّارِقُ فَيَقُولُ: فِي هَذَا قُطِعَتْ يَدِي. ثُمَّ يَدَعُونَهُ فَلاَ يَأْخُذُونَ مِنْهُ شَيْئاً)). أَمَّا الأمواتُ فَإِنَّ الأَرْضَ تُخْرِجُهُمْ فِي النَّفْخَةِ الثَّانِيَةِ.
3- {وَقَالَ الإِنْسَانُ مَا لَهَا}؛ أَيْ: قَالَ كُلُّ فَرْدٍ مِنْ أفرادِ الإِنْسَانِ لِمَا يَدْهَمُهُ منْ أَمْرِهَا وَيَبْهَرُهُ مِن خَطْبِهَا: لأيِّ شَيْءٍ زُلْزِلَتْ وَأَخْرَجَتْ أَثْقَالَهَا؟
4- {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا}: تُخْبِرُ بِأَخْبَارِهَا، وَتُحَدِّثُ بِمَا عُمِلَ عَلَيْهَا منْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، يُنْطِقُهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِتَشْهَدَ عَلَى الْعِبَادِ.
5- {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا}: تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِوَحْيِ اللَّهِ وَإِذْنِهِ لَهَا بِأَنْ تَتَحَدَّثَ وَتَشْهَدَ.
6- {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً}: يَصْدُرُ النَّاسُ مِن قُبُورِهِمْ إِلَى مَوْقِفِ الْحِسَابِ مُخْتَلِفِي الأحوالِ: فَبَعْضُهُمْ آمِنٌ، وَبَعْضُهُمْ خَائِفٌ، وَبَعْضُهُمْ بلونِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَهُوَ البَيَاضُ، وَبَعْضُهُمْ بلونِ أَهْلِ النَّارِ، وَهُوَ السوادُ، وَبَعْضُهُمْ يَنْصَرِفُ إِلَى جِهَةِ الْيَمِينِ، وَبَعْضُهُمْ إِلَى جِهَةِ الشِّمالِ، مَعَ تَفَرُّقِهِمْ فِي الأَدْيَانِ، وَاخْتِلافِهِمْ فِي الأَعْمَالِ؛ {لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ}؛ أَيْ: لِيُرِيَهُمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ مَعْرُوضَةً عَلَيْهِمْ، وَقِيلَ: لِيَرَوْا جَزَاءَ أَعْمَالِهِمْ.
7- {فَمَنْ يَعْمَلْ} فِي الدُّنْيَا.
{مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي كِتَابِهِ, فَيَفْرَحُ بِهِ، أَوْ يَرَاهُ بِعَيْنِهِ مَعْرُوضاً عَلَيْهِ.
8- {وَ} كَذَلِكَ.
{مَنْ يَعْمَلْ} فِي الدُّنْيَا.
{مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَسُوءُهُ، وَقَدْ يَغْفِرُ اللَّهُ.
وَالذَّرُّ: مَا يُرَى فِي شُعَاعِ الشَّمْسِ من الهَبَاءِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَرَاءٍ مَا عَمِلْتُ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ مِنْ شَرٍّ؟ فَقَالَ: ((يَا أَبَا بَكْرٍ، أَرَأَيْتَ مَا تَرَى فِي الدُّنْيَا مِمَّا تَكْرَهُ؟ فَبِمَثَاقِيلِ ذَرِّ الشَّرِّ، وَيُدَّخَرُ لَكَ مَثَاقِيلُ ذَرِّ الْخَيْرِ حَتَّى تُوَفَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)).
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((الْخَيْلُ لِثَلاثَةٍ: لِرَجُلٍ أَجْرٌ، وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ)) الْحَدِيثَ.
وَفِيهِ: قَالَ: وَسُئِلَ عَن الحُمُرِ فَقَالَ: ((مَا أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهَا إِلاَّ هَذِهِ الآيَةُ الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ})).


  #4  
قديم 23 شوال 1429هـ/23-10-2008م, 04:49 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي تفسير جزء عم لفضيلة الشيخ / مساعد بن سليمان الطيار

المتن :

سورةُ الزَلْزَلة
1- 5قولُه تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} يقولُ اللهُ تعالى: إذا حُرِّكتِ الأرضُ حَرَكَةً شديدة، واضْطَرَبت لقيام الساعةِ، وأَخْرَجَت الأرضُ ما في بطنِها من الموتى(1)، فصاروا فوقَها، وقالَ الناسُ: ما للأرضِ؟ لماذا اضطَربت وارتجَّت؟
في هذا اليوم تتكلمُ الأرضُ وتُخبِرُ(2) عن الذي عُمِلَ عليها من خيرٍ وشرٍّ(3)؛ لأن الله أعلَمَها وأمرَها بهذا التحديث.
6- 8قولُه تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} أي: يومَ تحصُلُ هذه الزلزلةُ وما بعدَها من الأهوال، يرجِعُ الناس من موقفِ الحساب متفرِّقين، لينظروا إلى أعمالِهم وما جازاهم الله به:
- فالمحسِنُ يرى ما أعدَّه الله له من النعيم.
-والمسيءُ يرى ما أعدَّه الله له من العذاب.
ولذا قال مرغِّباً ومُرَهِّباً: فمن يعملْ في الدنيا أيَّ عملِ خيرٍ، ولو كان في الصِّغَرِ وزنَ ذرَّةٍ، فإنه سَيَلْقَى حُسْنَ جزائه، وكذا من عملَ في الدنيا أي عمل شرٍّ، ولو كان في الصِّغَرِ وزن ذرَّةٍ، فإنه سيلقى سُوءَ عِقابه، والله أعلم(4).


الحاشية :
(1)كذا وردَ عن ابن عباسٍ من طريق عكرمة والعوفي، ومجاهد من طريق ابن أبي نجيح، ويشبه أن يكون هذا مثالاً لما تخرجُه الأرض، فإنه قد وردَ أنها تُخرجُ كنوزَها، وقد سبقَ مثل هذا في تفسير قوله تعالى: {وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ} .
(2)هذا التحديثُ على الحقيقة، وقد ورد ذلك عن
ابن مسعود من طريق سعيد بن جبير.
(3)وردَ ذلك عن مجاهد من طريق ابن أبي نجيح، وسفيان الثوري من طريق مهران، وابن زيد، وقد ورد في ذلك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال أبو هريرة: (قرأ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4)} قال: ((أتدرونَ ما أخبارها؟)) قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ((فإن من أخبارِها أن تشهدَ على كلِّ عبدٍ وأمَةٍ بما عملَ على ظهرها؛ أن تقول: عملَ كذا وكذا يومَ كذا وكذا، فهذه أخبارها)) رواه أحمد والنسائي والترمذي.
(4)كذا ورد عن ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة، ووردَ تفسيرٌ آخر عن محمد بن كعب القرظي من طريق عمرو بن قتادة: (أن الكافرَ الذي يعملُ الخيرَ في الدنيا يرى ثوابَه في الدنيا، والمسلمُ الذي يعملُ الشرَّ في الدنيا يرى عقابَهُ في الدنيا).
وهذا لا يخالِفُ التفسيرَ الأول؛ إلاَّ إن كان المرادُ تخصيص هذه الآية بهذا النوعِ من العقاب، وإن لم يكن فإنه أشارَ إلى المُجازاة التي تكونُ على الأعمال في الدنيا.
والمعروفُ أنَّ مُجازاة الدنيا إذا لم تكفِ فإن الله يُكْمِلُ لها الحسابَ في الآخرة، ويشهدُ لهذا ما رَوى أنس قال: (كان أبو بكر يأكلُ مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية:{فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)}، فرفعَ أبو بكرٍ يده، وقال: يا رسول الله، إني أُجْزَى بما عملتُ من مثقالِ ذرَّةٍ من شرٍّ؟ فقال:((يا أبا بكر، ما رأيت في الدنيا مما تكره، فبمثاقيل ذَرِّ الشَّرِّ، ويدَّخر لك مثاقيل ذرِّ الخير، حتى توافاه يوم القيامة)) والله أعلم.


  #5  
قديم 23 شوال 1429هـ/23-10-2008م, 05:00 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي تفسير فضيلة الشيخ / عبدالعزيز السعيد (مفرغ)

القارئ:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)}
الشيخ:
هذه سورة الزلزلة جاء في حديثين: ((أن قراءتها في ليلة تعدل قراءة نصف القرآن)) وهذان الحديثان ننبه عليهما وأنهما حديثان ضعيفان لا يصحان عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها، لم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال ذلك، ولكن هذه سورة قد ذكر الله -جل وعلا- فيها شيئاً مما يكون يوم القيامة.
فقال -جل وعلا-: {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا} يعني: أن الأرض يوم القيامة ترجف وتضطرب اضطراباً شديداً.
الله -جل وعلا- خلق هذه الأرض وأسكنها وجعلها مستقرة، فإذا جاء يوم القيامة فإن هذه الأرض تضطرب، وترجف رجفاً شديداً، وتميد بأهلها، كما قال الله -جل وعلا-: {إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجًّا} وقد تقدم بيان ذلك.
{وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا}يعني: أن الأرض تخرج ما فيها من الأموات؛ كما قال الله -جل وعلا-: {وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ} وتقدم بيان ذلك.
{وَقَالَ الإِنْسَانُ مَا لَهَا}يعني: أن الإنسان إذا شاهد أهوال يوم القيامة، ورأى هذه الأرض ترجف رجفا شديدا؛ قد أخرجت ما في باطنها، يقول مندهشاً: {مَا لَهَا} أي: أيّ شيء حدث لها؟ وهذا كما يحصل إذا حصل اضطراب في شيء من المخلوقات بسرعة فإن الإنسان يتعجب من ذلك ويندهش، ويقول لماذا حدث، أو لأي شيء حدث هذا؟ كذلك يوم القيامة لشدة الوقعة على الناس، وفزع القلوب، وقروع هذا الهول في قلوبهم فإن الإنسان يقول مالها؟ أي ما للأرض، وهذا يدل على شدة هذه الزلزلة، وعلى شدة الهول؛ كما قال الله -جل وعلا-: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ}.
قال الله -جل وعلا-: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} أي: يومئذ تخبر الأرض الناس أخبارها، يعني تخرج الأخبار.
قال كثير من السلف:
معناها: أن الأرض تخبر الناس بما عملوا عليها، تخبر كل إنسان بما عمل على هذه الأرض، وذلك من إنطاق الله -جل وعلا- لها؛ لأن الذي ينطق الجلود، وينطق الأسماع، والأبصار، والأيدي، والأرجل يوم القيامة ينطق الأرض كذلك، فتخبر العباد بما فعلوا عليها، وقد جاء في ذلك حديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قرأ هذه الآية وقال: ((أتدرون ما أخبارها؟)) قالوا الله ورسوله أعلم، فأخبر -صلى الله عليه وسلم-: ((أن هذه الأرض تشهد على كل عبد وأمة بما عمل عليها، تقول عملت يوم كذا وكذا، كذا وكذا)) ولكن هذا حديث أيضاً لا يثبت ولا يصح عن النبي عليه الصلاة والسلام، فيه راوٍ ضعيف، لكن تفاسير السلف أو أكثر السلف يدور تفسيرهم على هذا المعنى.
ثم قال -جل وعلا-: {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} أي: تظهر هذه الأخبار؛ بسبب أن الله -جل وعلا- أوحى لها أن تظهر هذه الأخبار، وذلك يعود إلى مشيئة الله -جل وعلا- وقدرته، فلو لم يوح لها، ويلهمها ذلك، ما أخرجت أخبارها، ولكنه -جل وعلا- أوحى لها فأخرجت أخبارها لتشهد هذه الأرض على العبد بما عمل عليها.
قال الله -جل وعلا-: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ} يعني: أن الناس يوم القيامة يصدرون من قبورهم إلى الموقف ليروا أعمالهم، يخرجون من قبورهم وهم أصناف، فريق مسودة وجوههم، وفريق مبيضة وجوههم، وفريق من أهل النار، وفريق من أهل الجنة، يصدرون إلى الموقف ليروا أعمالهم، فإذا رأوا أعمالهم أقيمت عليهم الحجة، كما قال الله -جل وعلا-: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَالْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} فكل عبد يوم القيامة يُرى صحيفة عمله، فهم يصدرون إلى الموقف ليروا ويطلعوا على أعمالهم.
قال الله -جل وعلا-: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}أي: من يعمل في هذه الدنيا مثقال ذرة خيراً يره يوم القيامة.
والذرة فسرت بأنها النملة.
وفسرت بأنهاالهباء الذي يكون في شعاع الشمس إذا دخلت من النافذة.
وفسر بأنهالتراب الذي يلصق باليد بعد ضربها بالأرض.
ولكن هذه الذرة ليست هي أصغر شيء في الكون؛لأن الله -جل وعلا- قال: {وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} فدل على أن هناك شيئاً دون الذرة يسطره الله -جل وعلا- في الكتاب.
ثم قال الله -جل وعلا-: {وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} أي: يرى ذلك مكتوباً يوم القيامة، هاتان الآيتان قال الله -جل وعلا- فيهما: {يَرَهُ}، ولم يقل: يجازى عليه وفرق بينهما، ولهذا المؤمن يوم القيامة يحاسبه الله -جل وعلا- حساباً يسيراً وهو العرض، فيدنيه الله -جل وعلا- ويقرره بذنوبه، ويقول: قد عملت يوم كذا وكذا، كذا وكذا، فيقر بذلك، ثم يقول له الله -جل وعلا-: ((قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم)).
فالله -جل وعلا- أطلعه على عمله وأراه عمله، ولكن الجزاء شيء آخر، ولهذا لايرد على الآية الثانية ما ذكره بعض العلماء من أن الله -جل وعلا- هنا ذكر أنه يطلع الكافر على سيئاته، مع أنه -جل وعلا- أخبر في آيات أخرى أن أعمالهم حابطة، وأنهم ليس لهم عليها حسنات:
- كما قال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
- وقال -جل وعلا-: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً}.
- وقال -جل وعلا-: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ}.
- وقال -جل وعلا-: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ}.

فهذا يدل على أن الكافر يقدم يوم القيامة وليس له حسنة، والآية التي معنا تدل على أنه يُطلع على حسناته، وهذه لا تعارض بينها؛ لأن الله في الآية قال: {يَرَهُ} ما قال: يجازى عليه، فهو ينشر له صحيفة عمله، ويُطلع على حسناته وسيئاته؛ ولكن حسناته قد حبط ثوابها بكفره، ثم إن حسناته قد كوفئ عليها في الدنيا؛ كما ثبت ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الكفار يجازون بما صنعوا من الحسنات في الدنيا بمثلها في الدنيا، لكن في الآخرة ليس لهم عند الله -جل وعلا- من نصيب.
فقوله -جل وعلا-: {يَرَهُ} هو الكافر يرى يوم القيامة ما عمل من خير وشر، ولكن عند الجزاء يحبط عمله بكفره بالله جل وعلا، ثم إن الله -جل وعلا- قد كافأه على حسناته بمثلها في الدنيا؛ لأن الكافر لا يرجو ثواب الله -جل وعلا- في الآخرة، فلهذا عجل له نصيبه في الدنيا وإذا قدم على الله -جل وعلا- كان عمله حابطاً.
والله -جل وعلا- أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.


  #6  
قديم 23 شوال 1429هـ/23-10-2008م, 05:04 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي تفسير فضيلة الشيخ : محمد بن صالح العثيمين ( رحمه الله تعالى ) صوتي


  #7  
قديم 16 صفر 1430هـ/11-02-2009م, 02:50 AM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي العناصر

تفسير سورة الزلزلة
تنبيه على ضعف حديث في أن قراءتها في ليلة تعدل قراءة نصف القرآن
تفسير قول الله تعالى : ( إذا زلزلت الأرض زلزالها )
تفسير قول الله تعالى : ( وأخرجت الأرض أثقالها )
تفسير قول الله تعالى : ( وقال الإنسان ما لها ، يومئذٍ تحدث أخبارها ، بأن ربك أوحى لها )
تفسير قول الله تعالى : ( يومئذٍ يصدر الناس أشتاتاً ليروا أعمالهم )
تفسير قول الله تعالى : ( فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره )
الحكمة من التعبير بقوله تعالى: (يره) ولم يقل: (يجازى عليه)

  #8  
قديم 16 صفر 1430هـ/11-02-2009م, 02:51 AM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي الأسئلة


الأسئلة
سورة الزلزلة
س1: بين معاني الكلمات التالية: زُلزلت، أثقالها، ما لها، أخبارها، يصدر، أشتاتاً، ليُروا.
س2: فسِّر السورةَ تفسيراً إجمالياً.
س3: اذكر أهمَّ الفوائد السلوكية التي استفدتها من دراستك لتفسير السورة.
س4: بيِّن مع ذكر الدليل المرادَ بقول الله تعالى:{يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا}.
س5: ما معنى الباء في قوله تعالى: {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا}؟
س6: هل جميع الأعمال ترى يوم القيامة؟ وضح إجابتك بذكر الدليل.
س7: ما الذي يوزن يوم القيامة؟ هل هو العمل؟ أو صاحب العمل؟ أو صحائف الأعمال؟

  #9  
قديم 16 ربيع الأول 1432هـ/19-02-2011م, 02:45 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي إجابات على أسئلة طلاب العهد / الشيخ عبد العزيز الداخل

السؤال الأول : في تفسير سورة الزلزلة من تفسير الأشقر
ورد حديث في آية : { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) }
أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَرَاءٍ مَا عَمِلْتُ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ مِنْ شَرٍّ؟ فَقَالَ: ((يَا أَبَا بَكْرٍ، أَرَأَيْتَ مَا تَرَى فِي الدُّنْيَا مِمَّا تَكْرَهُ؟ فَبِمَثَاقِيلِ ذَرِّ الشَّرِّ، وَيُدَّخَرُ لَكَ مَثَاقِيلُ ذَرِّ الْخَيْرِ حَتَّى تُوَفَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)).
هل هذا الحديث معناه أن جزاء ما عملت من سيئة في الدنيا أجده في الدنيا ، فما تصيبني من مصيبة أو ما أكره يكون جزاء ما عملت من مثقال ذرة شر ؟؟
وجزاء ما عملت من حسنة يُوَفَّى إلىّ يوم القيامة .

الجواب: الجزاء على الأعمال الصالحة والسيئة يكون منه ما يعجل لصاحبه في الدنيا، ومنه ما يؤخر له فيوفَّاه في الآخرة ، وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على أن ما يصيب المؤمن من مصيبة في نفسه أو أهله أو ماله حتى الشوكة يشاكها فهي مما يكفر به من سيئاته كما قال تعالى: { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعف عن كثير}
وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها ))
وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا همّ ولا حَزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه )) .
وفي مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم وسنن الترمذي والنسائي من حديث محمد بن قيس بن مخرمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما أنزلت { من يعمل سوءاً يجز به } بلغت من المسلمين مبلغاً شديداً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( قاربوا وسددوا ففي كل ما يصاب به المسلم كفارةٌ حتى النكبة ينكبها أو الشوكة يشاكها )).
فما يصيب المسلم من مصيبة أو أذى فإنه كفارة له به من خطاياه، وما يعفو الله عنه أكثر ، وقد يبقى على العبد ذنوب يعذب بها في قبره فإن كفرت سيئاته وإلا عذب يوم القيامة حتى يستوفي جزاءه أو يتداركه الله برحمته فيعفو عنه.
ولذلك ندبنا إلى الاستغفار كما جاء في الحديث القدسي العظيم الذي أخرجه الإمام مسلم من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه جل وعلا أنه قال: (( يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم )).


وندبنا أيضاً إلى عمل الصالحات لتمحو السيئات التي تعرض صاحبها للعذاب كما قال الله تعالى: { إن الحسنات يذهبن السيئات }
وفي مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي من حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (( اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها )).
فالاستغفار وعمل الصالحات واحتساب الأجر في المصائب كبيرها وصغيرها كل ذلك مما يمحو الله به السيئات ويرفع به الدرجات وترتفع به أسباب العذاب في الدنيا والآخرة.
وأما ثواب الأعمال الصالحة فقد يعجل بعضه للمؤمن في الدنيا كما جاء أن الاستغفار وصلة الرحم والصدقة من أسباب سعة الرزق، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة ، ومن يسر على معسر يسر الله له في الدنيا والآخرة، ومن حفظ الله حفظه الله في الدنيا والآخرة، وقد أثنى الله على من يقول: { ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار}
وما يدخره الله لعباده المؤمين من ثواب أعمالهم الصالحة خير وأبقى.
وأما تقدير مقدار العقوبة التي يعاقب عليها العبد وما يقابلها من الأعمال الصالحة التي تمحوها فعلمه عند الله عز وجل ، وقد ورد في بعض النصوص بيان لبعض الذنوب وبيان كفاراتها، ومن الذنوب كبائر ومنها ما يحبط الأعمال الصالحة، وهذه المسائل تدرس في موضعها في علم الجزاء.
وما ورد في الحديث من قوله: (فبمثاقيل الذر) أي باعتبار ما تتركب منه، كما يقال: الجبال من الحصى، والسيل من قطرات الماء ، وفي مسند الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه))
قال ابن مسعود: وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لهن مثلا كمثل قوم نزلوا أرض فلاة فحضر صنيع القوم فجعل الرجل ينطلق فيجيء بالعود والرجل يجيء بالعود حتى جمعوا سواداً فأججوا ناراً وأنضجوا ما قذفوا فيها )).
نسأل الله العافية في الدنيا والآخرة.
السؤال الثاني : أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَرَاءٍ مَا عَمِلْتُ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ مِنْ شَرٍّ؟ فَقَالَ: ((يَا أَبَا بَكْرٍ، أَرَأَيْتَ مَا تَرَى فِي الدُّنْيَا مِمَّا تَكْرَهُ؟ فَبِمَثَاقِيلِ ذَرِّ الشَّرِّ، وَيُدَّخَرُ لَكَ مَثَاقِيلُ ذَرِّ الْخَيْرِ حَتَّى تُوَفَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)). لم أفهم معنى الحديث ؟
الجواب : هذا الحديث تفسيره في تمامه، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (( الخيل لرجل أجر ولرجل ستر وعلى رجل وزر:
- فأما الذي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله فأطال بها في مرج أو روضة؛ فما أصابت في طِيَلِها ذلك من المرج أو الروضة كانت له حسنات، ولو أنه انقطع طِيَلها فاستنَّت شرفًا أو شرفين كانت آثارها وأرواثها حسنات له، ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يسقي كان ذلك حسنات له فهي لذلك أجر.
- ورجل ربطها تغنيًا وتعففًا ثم لم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها فهي لذلك ستر.
- ورجل ربطها فخرًا ورياءً ونواءً لأهل الإسلام فهي على ذلك وزر )) . متفق عليه ، وهذا لفظ البخاري.
الطِّيَل: الحبل الذي تربط به.
استنَّت: أي ركضت وعدَت.
شرفاً: أي شوطاً.
تغنياً: أي طلباً للغنى.
وتعففاً: طلباً للعفة عن سؤال الناس.
فهذه دابة من الدوابّ تفاوتت منازل أصحابها تفوتاً عظيماً بسبب اختلاف مقاصدهم من اقتنائها؛ فرجل أصاب بها أجوراً عظيمة لنيته الصالحة وإعداده إياها في سبيل الله ، وهذا الحديث يبين بعض فضائل الجهاد في سبيل الله وعظيم أجره حتى في إعداد الدابة لذلك.
ورجل كانت له الخيل ستراً وعفافاً استغنى بها في كسب قُوتِه وقوت عياله من عمله عليها وإكرائه لظهورها ؛ فهذا إذا أدَّى حق الله في رقابها بأن أعطاها حقها من الطعام والشراب ولم يعذبها بإجهادها في العمل ، ولم ينس حق الله في ظهورها ببذل منفعتها حين يجب عليه ذلك في النوائب ، وأداء زكاة المال من عمله عليها.
وأما من اتخذ الخيل ليباهي بها ويفاخر فمأزور غير مأجور.


  #10  
قديم 10 جمادى الآخرة 1435هـ/10-04-2014م, 07:22 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تفسير ابن كثير

تفسير ابن كثير


قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (تفسير سورة الزّلزلةوهي مكّيّةٌ.
قال الإمام أحمد: حدّثنا أبو عبد الرّحمن، حدّثنا سعيدٌ، حدّثنا عيّاش بن عبّاسٍ، عن عيسى بن هلالٍ الصّدفيّ، عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: أتى رجلٌ إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: أقرئني يا رسول اللّه. قال له: ((اقرأ ثلاثاً من ذوات {الر})). فقال له الرّجل: كبر سنّي، واستدّ قلبي، وغلظ لساني.
قال: ((فاقرأ من ذوات {حم})). فقال مثل مقالته الأولى.
فقال: ((اقرأ ثلاثاً من المسبّحات)). فقال مثل مقالته. فقال الرّجل: ولكن أقرئني يا رسول اللّه سورةً جامعةً. فأقرأه: {إذا زلزلت الأرض زلزالها}.
حتّى إذا فرغ منها قال الرجل: والّذي بعثك بالحقّ لا أزيد عليها أبداً. ثمّ أدبر الرّجل، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((أفلح الرّويجل، أفلح الرّويجل)).
ثمّ قال: ((عليّ به)). فجاءه فقال له: ((أمرت بيوم الأضحى جعله اللّه عيداً لهذه الأمّة)). فقال له الرّجل: أرأيت إن لم أجد إلاّ منيحة أنثى فأضحّي بها؟ قال: ((لا، ولكن تأخذ من شعرك، وتقلّم أظافرك، وتقصّ شاربك، وتحلق عانتك، فذلك تمام أضحيتك عند اللّه عزّ وجلّ)).
وأخرجه أبو داود والنّسائيّ من حديث أبي عبد الرحمن المقرئ به.
وقال التّرمذيّ: حدّثنا محمّد بن موسى الحرشيّ البصريّ، حدّثنا الحسن بن سلم بن صالحٍ العجليّ، حدّثنا ثابتٌ البنانيّ، عن أنسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((من قرأ: {إذا زلزلت}. عدلت له بنصف القرآن)). ثمّ قال: هذا حديثٌ غريبٌ، لا نعرفه إلاّ من حديث الحسن بن سلمٍ.
وقد رواه البزّار، عن محمّد بن موسى الحرشيّ، عن الحسن بن سلمٍ، عن ثابتٍ، عن أنسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: (({قل هو اللّه أحدٌ} تعدل ثلث القرآن، و {إذا زلزلت} تعدل ربع القرآن)). هذا لفظه.
وقال التّرمذيّ أيضاً: حدّثنا عليّ بن حجرٍ، حدّثنا يزيد بن هارون، حدّثنا يمان بن المغيرة العنزيّ، حدّثنا عطاءٌ، عن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: (({إذا زلزلت} تعدل نصف القرآن، و {قل هو اللّه أحدٌ} ثلث القرآن، و {قل يا أيّها الكافرون} تعدل ربع القرآن)). ثمّ قال: غريبٌ، لا نعرفه إلاّ من حديث يمان بن المغيرة.
وقال أيضاً: حدّثنا عقبة بن مكرّمٍ العمّيّ البصريّ، حدّثني ابن أبي فديكٍ، أخبرني سلمة بن وردان، عن أنس بن مالكٍ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال لرجلٍ من أصحابه: ((هل تزوّجت يافلان؟)) قال: لا واللّه يا رسول اللّه، ولا عندي ما أتزوّج.
قال: ((أليس معك: {قل هو اللّه أحدٌ}؟)) قال: بلى. قال: ((ثلث القرآن)).
قال: ((أليس معك: {إذا جاء نصر اللّه والفتح}؟)) قال: بلى. قال: ((ربع القرآن)).
قال: ((أليس معك: {قل يا أيّها الكافرون}؟)) قال: بلى. قال: ((ربع القرآن)).
قال: ((أليس معك: {إذا زلزلت الأرض}؟)). قال: بلى. قال: ((ربع القرآن؛ تزوّج تزوّج)).
ثمّ قال: هذا حديثٌ حسنٌ، تفرّد بهنّ ثلاثتهنّ التّرمذيّ، لم يروهنّ غيره من أصحاب الكتب.
قال ابن عبّاسٍ: {إذا زلزلت الأرض زلزالها}. أي: تحرّكت من أسفلها.
{وأخرجت الأرض أثقالها}. يعني: ألقت ما فيها من الموتى، قاله غير واحدٍ من السّلف.
وهذه كقوله تعالى: {يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكم إنّ زلزلة السّاعة شيءٌ عظيمٌ}.
وكقوله: {وإذا الأرض مدّت وألقت ما فيها وتخلّت}.
وقال مسلمٌ في صحيحه: حدّثنا واصل بن عبد الأعلى، حدّثنا محمد بن فضيلٍ، عن أبيه، عن أبي حازمٍ، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((تقيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذّهب والفضّة، فيجيء القاتل، فيقول: في هذا قتلت. ويجيء القاطع، فيقول: في هذا قطعت رحمي. ويجيء السّارق فيقول: في هذا قطعت يدي. ثمّ يدعونه فلا يأخذون منه شيئاً)).
وقوله: {وقال الإنسان ما لها}. أي: استنكر أمرها بعدما كانت قارّةً ساكنةً ثابتةً، وهو مستقرٌّ على ظهرها. أي: تقلّبت الحال فصارت متحرّكةً مضطربةً، قد جاءها من أمر اللّه ما قد أعدّ لها من الزّلزال الذي لا محيد لها عنه، ثمّ ألقت ما في بطنها من الأموات من الأوّلين والآخرين، وحينئذٍ استنكر النّاس أمرها، وتبدّلت الأرض غير الأرض والسّماوات، وبرزوا للّه الواحد القهّار.
وقوله: {يومئذٍ تحدّث أخبارها}. أي: تحدّث بما عمل العاملون على ظهرها.
قال الإمام أحمد: حدّثنا إبراهيم، حدّثنا ابن المبارك، وقال التّرمذيّ وأبو عبد الرحمن النّسائيّ- واللّفظ له-: حدّثنا سويد بن نصرٍ، أخبرنا عبد اللّه -هو ابن المبارك- عن سعيد بن أبي أيّوب، عن يحيى بن أبي سليمان، عن سعيدٍ المقبريّ، عن أبي هريرة قال: قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم هذه الآية: {يومئذٍ تحدّث أخبارها}. قال: ((أتدرون ما أخبارها؟)). قالوا: اللّه ورسوله أعلم. قال: ((فإنّ أخبارها أن تشهد على كلّ عبدٍ وأمةٍ بما عمل على ظهرها؛ أن تقول: عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا. فهذه أخبارها)).
ثمّ قال التّرمذيّ: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ.
وفي معجم الطّبرانيّ من حديث ابن لهيعة: حدّثني الحارث بن يزيد، سمع ربيعة الجرشيّ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: ((تحفّظوا من الأرض؛ فإنّها أمّكم، وإنّه ليس من أحدٍ عاملٍ عليها خيراً أو شرًّا إلاّ وهي مخبرةٌ)).
وقوله: {بأنّ ربّك أوحى لها}. قال البخاريّ: أوحى لها، وأوحى إليها، ووحى لها، ووحى إليها- واحدٌ. وكذا قال ابن عبّاسٍ: أوحى لها. أي: أوحى إليها. والظّاهر أنّ هذا مضمّنٌ: أذن لها.
وقال شبيب بن بشرٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {يومئذٍ تحدّث أخبارها}. قال: قال لها ربّها: قولي. فقالت. وقال مجاهدٌ: أوحى لها. أي: أمرها. وقال القرظيّ: أمرها أن تنشقّ عنهم.
وقوله: {يومئذٍ يصدر النّاس أشتاتاً}. أي: يرجعون عن موقف الحساب، {أشتاتاً}. أي: أنواعاً وأصنافاً ما بين شقيٍّ وسعيدٍ، ومأمورٍ به إلى الجنّة ومأمورٍ به إلى النّار.
قال ابن جريجٍ: يتصدّعون أشتاتاً فلا يجتمعون ؛؛ آخر ما عليهم.
وقال السّدّيّ: {أشتاتاً}: فرقاً.
وقوله: {ليروا أعمالهم}. أي: ليعملوا ويجازوا بما عملوه في الدّنيا من خيرٍ وشرٍّ.
ولهذا قال: {فمن يعمل مثقال ذرّةٍ خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرّةٍ شرًّا يره}.
قال البخاريّ: حدّثنا إسماعيل بن عبد اللّه، حدّثني مالكٌ، عن زيد بن أسلم، عن أبي صالحٍ السّمّان، عن أبي هريرة، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: ((الخيل لثلاثةٍ: لرجلٍ أجرٌ، ولرجلٍ سترٌ، وعلى رجلٍ وزرٌ؛ فأمّا الّذي له أجرٌ فرجلٌ ربطها في سبيل اللّه فأطال طيلها في مرجٍ أو روضةٍ، فما أصابت في طيلها ذلك في المرج والرّوضة كان له حسناتٍ، ولو أنّها قطعت طيلها فاستنّت شرفاً أو شرفين كانت آثارها وأرواثها حسناتٍ له، ولو أنّها مرّت بنهرٍ فشربت منه ولم يرد أن يسقي به كان ذلك حسناتٍ له، وهي لذلك الرّجل أجرٌ. ورجلٌ ربطها تغنّياً وتعفّفاً، ولم ينس حقّ اللّه في رقابها ولا ظهورها، فهي له سترٌ. ورجلٌ ربطها فخراً و رياءً و نواءً فهي على ذلك وزرٌ)).
فسئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن الحمر، فقال: ((ما أنزل اللّه فيها شيئاً إلاّ هذه الآية الفاذّة الجامعة: {فمن يعمل مثقال ذرّةٍ خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرّةٍ شرًّا يره})).
ورواه مسلمٌ من حديث زيد بن أسلم به.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا يزيد بن هارون، أخبرنا جرير بن حازمٍ، حدّثنا الحسن، عن صعصعة بن معاوية عمّ الفرزدق، أنّه أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقرأ عليه: {فمن يعمل مثقال ذرّةٍ خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرّةٍ شرًّا يره}. قال: حسبي، لا أبالي أن لا أسمع غيرها.
وهكذا رواه النّسائيّ في التفسير، عن إبراهيم بن يونس بن محمدٍ المؤدّب، عن أبيه، عن جرير بن حازمٍ، عن الحسن البصريّ قال: حدّثنا صعصعة عمّ الفرزدق.. فذكره.
وفي صحيح البخاريّ عن عديٍّ مرفوعاً: ((اتّقوا النّار ولو بشقّ تمرةٍ، ولو بكلمةٍ طيّبةٍ)).
وفي الصحيح: ((لاتحقرنّ من المعروف شيئاً، ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي، ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه منبسطٌ)).
وفي الصحيح أيضاً: ((يا نساء المؤمنات، لا تحقرنّ جارةٌ لجارتها، ولو فرسن شاةٍ)). يعني: ظلفها. وفي الحديث الآخر: ((ردّوا السّائل ولو بظلفٍ محرقٍ)).
وقال الإمام أحمد: حدّثنا محمّد بن عبد اللّه الأنصاريّ، حدّثنا كثير بن زيدٍ، عن المطّلب بن عبد اللّه، عن عائشة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: ((يا عائشة، استتري من النّار ولو بشقّ تمرةٍ؛ فإنّها تسدّ من الجائع مسدّها من الشّبعان)). تفرّد به أحمد.
وروي عن عائشة أنّها تصدّقت بعنبةٍ، وقالت: كم فيها من مثقال ذرّةٍ.
وقال أحمد: حدّثنا أبو عامرٍ، حدّثنا سعيد بن مسلمٍ، سمعت عامر بن عبد اللّه بن الزّبير، حدّثني عوف بن الحارث بن الطّفيل، أنّ عائشة أخبرته أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول:((يا عائشة، إيّاك ومحقّرات الذّنوب؛ فإنّ لها من اللّه طالباً)).
ورواه النّسائيّ وابن ماجه من حديث سعيد بن مسلم بن بانك به.
وقال ابن جريرٍ: حدّثني أبو الخطّاب الحسّانيّ، حدّثنا الهيثم بن الرّبيع، حدّثنا سماك بن عطيّة، عن أيّوب، عن أبي قلابة، عن أنسٍ قال: كان أبو بكرٍ يأكل مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم؛ فنزلت هذه الآية: {فمن يعمل مثقال ذرّةٍ خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرّةٍ شرًّا يره}.
فرفع أبو بكرٍ يده، وقال: يا رسول اللّه، إنّي أجزى بما عملت من مثقال ذرّةٍ من شرٍّ؟! فقال: ((يا أبا بكرٍ، مارأيت في الدّنيا ممّا تكره فبمثاقيل ذرّ الشّرّ، ويدّخر اللّه لك مثاقيل ذرّ الخير حتّى توفّاه يوم القيامة)).
ورواه ابن أبي حاتمٍ، عن أبيه، عن أبي الخطّاب به.
ثمّ قال ابن جريرٍ:
حدّثنا ابن بشّارٍ، حدّثنا عبد الوهّاب، حدّثنا أيّوب، قال: في كتاب أبي قلابة عن أبي إدريس، أنّ أبا بكرٍ كان يأكل مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فذكره.
ورواه أيضاً عن يعقوب، عن ابن عليّة، عن أيّوب، عن قلابة، أنّ أبا بكرٍ.. وذكره.
طريقٌ أخرى، قال ابن جريرٍ: حدّثني يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهبٍ، أخبرني حييّ بن عبد اللّه، عن أبي عبد الرّحمن الحبليّ، عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص، أنّه قال: لمّا نزلت: {إذا زلزلت الأرض زلزالها}. وأبو بكرٍ الصّدّيق رضي اللّه عنه قاعدٌ؛ فبكى حين أنزلت؛ فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((ما يبكيك يا أبا بكرٍ؟)) قال: تبكيني هذه السّورة.
فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((لولا أنّكم تخطئون وتذنبون فيغفر اللّه لكم، لخلق اللّه أمّةً يخطئون ويذنبون فيغفر لهم)).
حديثٌ آخر، قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو زرعة وعليّ بن عبد الرحمن بن المغيرة المعروف بعلاّن المصريّ، قالا: حدّثنا عمرو بن خالدٍ الحرّانيّ، حدّثنا ابن لهيعة، أخبرني هشام بن سعدٍ، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسارٍ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ قال: لمّا نزلت: {فمن يعمل مثقال ذرّةٍ خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرّةٍ شرًّا يره}.
قلت: يا رسول اللّه، إنّي لراءٍ عملي؟ قال: ((نعم)). قلت: تلك الكبار الكبار. قال: ((نعم)). قلت: الصّغار الصّغار؟ قال: ((نعم)). قلت: وا ثكل أمّي! قال: ((أبشر يا أبا سعيدٍ؛ فإنّ الحسنة بعشر أمثالها –يعني: إلى سبعمائة ضعفٍ، ويضاعف اللّه لمن يشاء- والسيّئة بمثلها أو يغفر اللّه، ولن ينجو أحدٌ منكم بعمله)). قلت: ولا أنت يا رسول اللّه، قال: ((ولا أنا، إلاّ أن يتغمّدني اللّه برحمته)). قال أبو زرعة: لم يرو هذا غير ابن لهيعة.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو زرعة، حدّثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه تعالى: {فمن يعمل مثقال ذرّةٍ خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرّةٍ شرًّا يره}.
وذلك لمّا نزلت هذه الآية: {ويطعمون الطّعام على حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً}. كان المسلمون يرون أنّهم لا يؤجرون على الشّيء القليل إذا أعطوه، فيجيء المسكين إلى أبوابهم، فيستقلّون أن يعطوه التّمرة والكسرة والجوزة ونحو ذلك، فيردّونه ويقولون: ما هذا بشيءٍ، إنّما نؤجر على ما نعطي ونحن نحبّه.
وكان آخرون يرون أنّهم لا يلامون على الذّنب اليسير: الكذبة والنّظرة والغيبة وأشباه ذلك، يقولون: إنّما وعد اللّه النّار على الكبائر. فرغّبهم في القليل من الخير أن يعملوه؛ فإنّه يوشك أن يكثر، وحذّرهم اليسير من الشّرّ؛ فإنّه يوشك أن يكثر؛ فنزلت: {فمن يعمل مثقال ذرّةٍ}. يعني: وزن أصغر النّمل، {خيراً يره}. يعني: في كتابه، ويسرّه ذلك.
قال: يكتب لكلّ برٍّ وفاجرٍ بكلّ سيّئةٍ سيّئةٌ واحدةٌ، وبكلّ حسنةٍ عشر حسناتٍ، فإذا كان يوم القيامة ضاعف اللّه حسنات المؤمنين أيضاً بكلّ واحدةٍ عشراً، ويمحو عنه بكلّ حسنةٍ عشر سيّئاتٍ، فمن زادت حسناته على سيّئاته مثقال ذرّةٍ دخل الجنّة.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا سليمان بن داود، حدّثنا عمران، عن قتادة، عن عبد ربّه، عن أبي عياضٍ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: ((إيّاكم ومحقّرات الذّنوب؛ فإنّهنّ يجتمعن على الرّجل حتّى يهلكنه)). وأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ضرب لهنّ مثلاً كمثل قومٍ نزلوا أرض فلاةٍ، فحضر صنيع القوم، فجعل الرّجل ينطلق، فيجيء بالعود، والرّجل يجيء بالعود حتّى جمعوا سواداً وأجّجوا ناراً وأنضجوا ما قذفوا فيها.
آخر سورة الزّلزلة، وللّه الحمد والمنّة). [تفسير القرآن العظيم: 8/458-464]

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تفسير, سورة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:22 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir