(1) وأمَّا العامُّ: فهوَ ما عَمَّ شيئيْنِ فصاعدًا.
مِنْ قولِهِ: (عَمَمْتُ زيدًا وعَمْرًا بالعطاءِ، وعَمَمْتُ جميعَ الناسِ بالعَطاءِ).
وألفاظُهُ أَربعةٌ:
- الاسمُ الواحدُ المعرَّفُ بالألِفِ واللامِ.
- واسمُ الجمْعِ الْمُعَرَّفُ بالألِفِ واللامِ.
- والأسماءُ الْمُبْهَمَةُ كَـ (مَن) فيمَنْ يَعْقِلُ.
- و(ما) فيما لا يَعْقِلُ
- و(أيٌّ) في الجميعِ.
- و(أينَ) في المكانِ.
- و(متى) في الزمانِ.
- وما في الاستفهامِ والخبرِ والجزاءِ وغيرِهِ، و(لا) في النَّكِراتِ، كقولِكَ: لا رَجُلَ في الدارِ.
أصْلُ العمومِ في اللغةِ: الكثرةُ، يُقالُ: عَمَّ الجرادُ البلادَ؛ أيْ: كَثُرَ.
واللفظُ العامُّ : لَمَّا كَثُرَت الأفرادُ التي دَلَّ عليها سُمِّيَ عامًّا.
وهذا معنى قولِهِ: مِنْ قولِهِ: (عَمَمْتُ زيدًا وعَمْرًا بالعطاءِ، وعَمَمْتُ جَميعَ الناسِ بالعطاءِ) فإنَّ معنى ذلكَ الكثرةُ، وهذهِ العِبارةُ هيَ الصوابُ.
وفي بعضِ النُّسَخِ: مِثلُ قولِهِ: (عَمَمْتُ زيدًا وعَمْرًا) ولا يَصِحُّ ذلكَ؛ لأنَّ قولَهُ: عَمَمْتُ زيدًا وعَمْرًا، ليسَ مِن العُمُومِ الذي يُريدُ بيانَهُ.
وفي نُسخةٍ أخرى: فِي مِثلِ قولِهِ:( عَمَمْتُ) وهذا أَظهَرُ فسادًا مِمَّا قَبْلَهُ.
وهذا الرسمُ اختارَهُ جماعةٌ وزادُوا فيهِ: مِنْ جهةٍ واحدةٍ.
وقالَ آخَرُونَ: ما يَتناوَلُ شيئَيْنِ فصاعدًا مِنْ غيرِ حَصْرٍ.
فقولُهم: شيئيْنِ فَصاعدًا، لإخراجِ أسماءِ الأعدادِ مِثلِ: الثلاثةِ والعَشَرَةِ؛ فإنَّها تَتناولُ أكثرَ مِنْ شيئَيْنِ ولكنْ إلى غايَةٍ مَحصورةٍ، وليسَ تناوُلُها الأفرادَ يَذهَبُ صاعدًا إلى تَناوُلِ جميعِ ما يُمْكِنُ مِنْ أَفرادِ ما دَلَّتْ عليهِ؛ فإنَّ العَشرةَ لا تَتناوَلُ ما زادَ على العشرةِ.
فمَنْ قالَ: مِنْ غيرِ حَصْرٍ، ظَنَّ أنَّ قولَهُ: (فصاعدًا) لا يُفيدُ ذلكَ، وأنَّ لفظَ العشرةِ يَتناوَلُ ما هوَ صاعدٌ عن الاثنَيْنِ والثلاثةِ، وليسَ مِنْ ألفاظِ العُمومِ.
والصحيحُ أنَّهُ لا حاجةَ إلى قولِهِ: (مِنْ غيرِ حَصْرٍ) فإنَّ فَصَاعِدًا يَتناوَلُ كلَّ ما يُمْكِنُ الارتفاعُ إليهِ مِن الأعدادِ.
وأمَّا قولُ مَنْ قالَ: (مِنْ جِهةٍ واحدةٍ)، فإنَّهُ احْتَرَزَ عنْ تناوُلِ العددِ بطريقِ العطْفِ في قولِكَ: قامَ زيدٌ وعمرٌو وبكْرٌ وخالدٌ؛ فإنَّ هذا اللفظَ يَتناوَلُ أكثرَ مِن اثنيْنِ بجِهةِ العطْفِ، وهيَ مُختلِفَةٌ؛ فإنَّ المعطوفَ غيرُ المعطوفِ عليهِ، بخِلافِ قولِكَ: جاءَ الفُقهاءُ؛ فإنَّهُ يَدُلُّ على الجماعةِ دَلالةً واحدةً.
وهذهِ الزيادةُ التي هيَ: بجِهةٍ واحدةٍ، لا بُدَّ منها لإخراجِ الدَّلالةِ بطريقِ العَطْفِ.
وقيلَ: اللفظُ العامُّ مَا يَتناوَلُ كلَّ ما يَصْلُحُ لَهُ.
وقيلَ هوَ: اللفظُ الذي يَقْتَضِي استغراقَهُ الجنْسَ.
والذي استَقَرَّ عليهِ كلامُ الفُقهاءِ، وهوَ المُعْتَمَدُ في المناظَراتِ، أنَّ العمومَ لهُ صِيغةٌ، واحتُجَّ لذلكَ بأنَّ العمومَ أمْرٌ مَقصودٌ، ولا يَجوزُ إخلاءُ اللغةِ عن الوَضْعِ لهُ معَ حِكمةِ الواضِعِ، وبأنَّ الصحابةَ رَضِيَ اللهُ عنهم كانوا يَفْزَعونَ عندَ الاختلافِ إلى عُموماتِ القرآنِ والسُّنَّةِ، وذلكَ دليلٌ على أنَّ العربَ وَضَعَتْ هذهِ الألفاظَ للعُمومِ، وإلاَّ لَمَا تَبادَرَ ذلكَ إلى أفهامِهم.
- فمِنْ ذلكَ تَمَسُّكُ فاطمةَ رَضِيَ اللهُ عنها في طَلَبِها مِيراثَها من النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بآيَةِ الميراثِ، وهيَ قولُهُ تعالى: {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ}.
- وتَمَسُّكُ أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عنهُ يومَ السَّقِيفَةِ بقولِهِ عليهِ السلامُ: ((الأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ)).
- وحُكِيَ عن الشيخِ أبي الحسَنِ الأشعريِّ أنَّهُ قالَ: (ليسَ للعمومِ صِيغةٌ في لغةِ العرَبِ). - وحُكِيَ عنهُ: (أنَّ هذهِ الصِّيَغَ مُشترَكَةٌ بينَ العمومِ والخصوصِ، فيَجِبُ التوَقُّفُ عندَ وُرودِها حتَّى يُعْلَمَ المرادُ بدليلٍ مُنْفَصِلٍ)، وتَبِعَهُ جماعةٌ مِنْ أهلِ الأصولِ في هذا الْمَذْهَبِ، فسُمُّوا الوَاقِفِيَّةَ؛ لِتَوَقُّفِهِم في المرادِ بهذهِ الصيَغِ عندَ الإطلاقِ.