(والأمرُ بالشيءِ نَهْيٌ عنْ ضِدِّهِ، والنهيُ عن الشيءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ).
دليلُ هاتيْنِ المسألتَيْنِ فيما ذَكَرَهُ مِن الْحُكْمِ أنَّ القصْدَ مِن الأمرِالإيجادُ، والقصْدَ مِن النهيِ الترْكُ، ولا يُتَصَوَّرُ إيجادُ الشيءِ معَ مُلابَسَةِ ضِدِّهِ، وكذلكَ لا يُتَصَوَّرُ تَرْكُ الشيءِ إلاَّ بالتَّلَبُّسِ بضِدٍّ مِنْ أَضدادِهِ، فإذا كانَ المأمورُ بهِ ذا ضِدٍّ واحدٍ كالأمْرِ بإِطْبَاقِ الْجَفْنِ مَثَلاً كانَ نَهْيًا عنْ فَتْحِهِ؛ فإنَّهُ يَستحيلُ الجمْعُ بينَ إِطباقِ الْجَفْنِ وفَتْحِهِ في حالةٍ واحدةٍ.
وإذا كانَ المأمورُ بهِ ذا أَضدادٍ، كالقيامِ مَثَلاً، فإنَّ القُعودَ ضِدُّهُ، والاتِّكاءَ ضِدُّهُ، والاسْتِلْقَاءَ على القَفَا ضِدُّهُ، كانَ الأمرُ بهِ نَهْيًا عنْ جميعِ الأضدادِ.
- وإذا كانَ الْمَنْهِيُّ عنهُ ذا ضِدٍّ واحدٍ كالكلامِ، كانَ النهيُ عنهُ أَمْرًا بالسكوتِ.
- وإذا كانَ ذا أَضْدَادٍ كالنَّوْمِ، كانَ النهيُ عنهُ أمْرًا بواحدٍ مِنْ أضدادِهِ مِنْ غيرِ تَعيينٍ.
- وهذا الذي اختارَهُ في هذا الكتابِ هوَ المَلائمُ لقولِهِ فيما قَبْلُ: الأمرُ بالفعلِ أمْرٌ بهِ وبما لا يَتِمُّ ذلكَ الفعلُ إلاَّ بِهِ.
وقيلَ:
ليسَ الأمْرُ نَهْيًا عن الضِّدِّ، ولا النهيُ أمْرًا بالضِّدِّ؛ لأنَّ الآمِرَ بالشيءِ والناهيَ عنهُ يَجِبُ أنْ يكونَ عالِمًا بهِ، والإنسانُ يُدْرِكُ مِنْ نفسِهِ أنَّهُ يَأمُرُ بالشيءِ حالَ غَفْلَتِهِ عنْ ضِدِّهِ، ويَنْهَى عن الشيءِ حالَ غَفْلَتِهِ عنْ ضِدِّهِ، والآمِرُ بالشيءِ والناهي عنهُ لا يكونُ غافلاً عنهُ.
وهوَ استدعاءُ الترْكِ بالقولِ مِمَّنْ هوَ دُونَهُ على سبيلِ الوُجوبِ.
هذا الرسمُ مُقابِلٌ لرسْمِ الأمْرِ، والقدْرُ المشتَرَكُ بينَ الأمرِ.