قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (تفسير سورة التّين وهي مكّيّةٌ.
قال مالكٌ وشعبة، عن عديّ بن ثابتٍ، عن البراء بن عازبٍ: كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في سفرٍ، فقرأ في إحدى الركعتين بالتّين والزيتون، فما سمعت أحداً أحسن صوتاً أو قراءةً منه. أخرجه الجماعة في كتبهم.
اختلف المفسّرون ههنا على أقوالٍ كثيرةٍ؛ فقيل: المراد بالتين مسجد دمشق. وقيل: هي نفسها. وقيل: الجبل الذي عندها.
وقال القرظيّ: هو مسجد أصحاب الكهف.
وروى العوفيّ عن ابن عبّاسٍ: أنه مسجد نوحٍ الذي على الجوديّ.
وقال مجاهدٌ: هو تينكم هذا.
{والزّيتون} قال كعب الأحبار، وقتادة، وابن زيدٍ، وغيرهم: هو مسجد بيت المقدس.
وقال مجاهدٌ وعكرمة: هو هذا الزيتون الذي تعصرون.
{وطور سينين} قال كعب الأحبار وغير واحدٍ: هو الجبل الذي كلّم الله عليه موسى.
{وهذا البلد الأمين} يعني: مكّة. قاله ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وعكرمة والحسن، وإبراهيم النّخعيّ، وابن زيدٍ، وكعب الأحبار، ولا خلاف في ذلك.
وقال بعض الأئمّة: هذه محالّ ثلاثةٌ، بعث الله في كلّ واحدةٍ منها نبيًّا مرسلاً من أولي العزم أصحاب الشرائع الكبار:
فالأوّل: محلّة التين والزيتون، وهي بيت المقدس التي بعث الله فيها عيسى ابن مريم.
والثاني: طور سينين، وهو طور سيناء، الذي كلّم الله عليه موسى بن عمران.
والثالث: مكّة، وهو البلد الأمين، الذي من دخله كان آمناً، وهو الذي أرسل فيه محمداً صلّى الله عليه وسلّم.
قالوا: وفي آخر التوراة ذكر هذه الأماكن الثلاثة: جاء الله من طور سيناء – يعني: الذي كلّم الله عليه موسى- وأشرق من ساعير - يعني: جبل بيت المقدس الذي بعث الله منه عيسى - واستعلن من جبال فاران. يعني: جبال مكّة التي أرسل الله منها محمداً صلّى الله عليه وسلّم، فذكرهم مخبراً عنهم على الترتيب الوجوديّ بحسب ترتيبهم في الزمان، ولهذا أقسم بالأشرف ثمّ الأشرف منه، ثمّ بالأشرف منهما.
وقوله: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويمٍ} هذا هو المقسم عليه، وهو أنه تعالى خلق الإنسان في أحسن صورةٍ وشكلٍ، منتصب القامة، سويّ الأعضاء، حسنها.
{ثمّ رددناه أسفل سافلين} أي: إلى النار. قاله مجاهدٌ، وأبو العالية، والحسن، وابن زيدٍ، وغيرهم. ثمّ بعد هذا الحسن والنّضارة مصيره إلى النار إن لم يطع الله ويتّبع الرسل.
ولهذا قال: {إلاّ الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات}.
وقال بعضهم: {ثمّ رددناه أسفل سافلين} أي: إلى أرذل العمر. وروي هذا عن ابن عبّاسٍ وعكرمة، حتى قال عكرمة: من جمع القرآن لم يردّ إلى أرذل العمر. واختار ذلك ابن جريرٍ، ولو كان هذا هو المراد لما حسن استثناء المؤمنين من ذلك؛ لأنّ الهرم قد يصيب بعضهم، وإنما المراد ما ذكرناه، كقوله: {والعصر إنّ الإنسان لفي خسرٍ إلاّ الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات}.
وقوله: {فلهم أجرٌ غير ممنونٍ} أي: غير مقطوعٍ، كما تقدّم.
ثمّ قال: {فما يكذّبك} أي: يا بن آدم {بعد بالدّين} أي: بالجزاء في المعاد، وقد علمت البدءة، وعرفت أنّ من قدر على البدءة فهو قادرٌ على الرّجعة بطريق الأولى، فأيّ شيءٍ يحملك على التكذيب بالمعاد وقد عرفت هذا؟.
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أحمد بن سنانٍ، حدّثنا عبد الرحمن، عن سفيان، عن منصورٍ، قال: قلت لمجاهدٍ: {فما يكذّبك بعد بالدّين} عنى به النبيّ صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: معاذ الله! عنى به الإنسان. وهكذا قال عكرمة وغيره.
وقوله: {أليس الله بأحكم الحاكمين}؟ أي: أما هو أحكم الحاكمين، الذي لا يجور ولا يظلم أحداً؟! ومن عدله أن يقيم القيامة، فينتصف للمظلوم في الدنيا ممّن ظلمه، وقد قدّمنا في حديث أبي هريرة مرفوعاً: ((فإذا قرأ أحدكم: {والتّين والزّيتون} فأتى آخرها: {أليس الله بأحكم الحاكمين} فليقل: بلى، وأنا على ذلك من الشّاهدين)) .
آخر تفسير {والتّين والزّيتون}. ولله الحمد والمنّة). [تفسير القرآن العظيم: 8/434-435]