بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن والاه.
أما بعد:
سبق الكلام على مبادئ فن أصول الفقه:
-المبدأ الأول: ما يتعلق بتعريفه.
ما هو تعريف أصول الفقه؟
-له تعريفان: باعتباره مركباً إضافياً، وباعتباره لقباً لهذا الفن.
أماباعتباره مركباً إضافياً من كلمتين:(أصول) و(فقه).
فكلمة(أصول) لها أيضاً معنيان: معنى في اللغة ومعنى في الاصطلاح.
-معنى الأصول في اللغة: الأصل في اللغة: أساس الشيء، وقيل: أسفل الشيء.
- وقيل:ما يبنى عليه غيره، منه قوله سبحانه:{أصلها ثابت وفرعها في السماء}، فالشجرة أصلها ثابت في الأرض وفرعها في السماء، كذلك أصل الجدار وأساسه في الأرض، هذا معناه في اللغة.
وفي الاصطلاح كلمة أصل في الاصطلاح تطلق ويراد بها عدة معانٍ منها: الدليل، مثل قولهم: الأصل في وجوب الصلاة قوله تعالى{وأقيموا الصلاة}.
والأصل في وجوب التيمم عند عدم الماء قوله سبحانه:{فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيداً طيباً}، وما أشبه ذلك، إطلاق آخر.
-ويُطلق ويراد به الراجحمثل قولهم: الأصل في الكلام الحقيقة.
-ويطلق ويراد به أيضاً (القاعدة المستمرة أو القاعدة الكلية).
مثل:أكل الميتة للمضطر على خلاف الأصل، يعني على خلاف القاعدة المستمرة.
-كلمة فقه لها معنيان: معنى في اللغة،ومعنى في الاصطلاح.
-معناها في اللغة:الفقه في اللغة: (الفهم)، هذا هو المشهور في معناه.
-وفي الاصطلاح:معرفة الأحكام الشرعية الفرعية من أدلتها التفصيلية بالفعل أو بالقوة القريبة، هذا معنى الفقه.
- (معرفة الأحكام الشرعية)، يُخرج غير الأحكام الشرعية كالأحكام (العقلية)، والأحكام (النحوية) و(العادية) وما أشبه ذلك.
-(العملية) يُخرج الأصلية فإنها موضوع علم أصول الفقه.
-أما الفقه فإن موضوعه الأحكام الشرعية على وجه التفصيل، (بالفعل أو بالقوة القريبة)، يعني قد يكون، الفقيه عارفاً بالحكم، قد لا يكون عارفاً، لكنه يستطيع معرفة ذلك بمراجعة كتب أهل العلم، هذا ما يتعلق بتعريف أصول الفقه باعتباره مركباً إضافياً.
- تعريفه باعتباره عَلَماً على هذا العلم:
(معرفة دلائل الفقه إجمالاً وكيفية الاستفادة منها وحال المستفيد).
-هذا معنى أصول الفقه: معرفة أحوال الأدلة، ومعرفة كيفية الاستفادة من هذه الأدلة، ومعرفة حال المستفيد منها وهو المجتهد.
-موضوع علم الأصول:
-الأدلة. وقيل: الأحكام، وقيل: الأدلة والأحكام.
ما معنى قولهم: موضوع علم كذا: كذا وكذا ؟
-أيش معناه؟
يعني البحث عن الأشياء الطارئة على ذات هذا الشيء؛ فمثلاً: عندنا بالنسبة (للأطباء)، يبحثون في جسم الإنسان، يبحثون عما يتعلق بما فيه من أمراض وعلل، الأشياء التي طرأت على هذا الجسم وأثّرت عليه، وكذلك بالنسبة لموضوع (الأصول)، فإنه يُبحث فيه عن العوارض التي تعرض للأدلة، لا يبحثون في الدليل نفسه، قد يكون الدليل من الكتاب أو من السنة نص قطعي الثبوت، لكن هذا النص قد يعرض له عوارض: قد يكون عامّاً، قد يكون خاصّاً، قد يكون مطلقا، قد يكون مقيدا، قد يكون ناسخاً، قد يكون منسوخا، فيبحثون عن الأشياء التي تعرض للأدلة، فيبُحث في علم الأصول عن العوارض التي تعرض للأدلة، هذا هو المشهور.
-ثمرته:ما هي ثمرة هذا العلم؟
- العلم بأحكام الله تعالى الموجبة لسعادة الدارين، وكذلك تكوين ملكة الاستنباط من الأدلة، والتمكن من الترجيح بين الأقوال المتعارضة، والتمكن من إصدار أحكام النوازل والقضايا الجديدة التي تحدث.وليس لأهل العلم كلام عنها، أهي جائزة أو غير جائزة؟
فالعالم الأصولي يجتهد ويتوصل إلى إصدار حكم لهذه النازلة، إلى غير ذلك من الفوائد.
-فضله: فضل هذا العلم: هو من أفضل العلوم لأنه يتعلق بالأدلة، ويتعلق بشيء فاضل، والمُتعلِّق يْشرف بشرف متعلَّقه.
-نسبته إلى العلوم: هذا الخامس، نسبته إلى العلوم: هو من العلوم الشرعية علم أصول الفقه هو أحد العلوم الشرعية.
- واضع هذا العلم: واضعه: هو الإمام (الشافعي)، الإمام (أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي) رحمه الله تعالى هو أول من صنّف في أصول علم الفقه استقلالاً، وله فيه كتابه المشهور: (الرسالة).
- اسم هذا العلم:هذا واضح يُسمى بعلم أصول الفقه.-استمداده: سبق أن ذكرت لكم فيما قاله (ابن بَرهان)من علماء الشافعية، وقاله غيره من علماء الأصول: (أن علم الأصول يُستمد من ثلاثة علوم:
-من علم اللغة.
- وعلم الفقه.
-وعلم الكلام.
وفي الواقع ليس مقتصراً على هذا، بل هو مستمد من الكتاب والسنة، فيجد الباحث في هذا العلم أشياء تتعلق بالكتاب، مستمدة مما يتعلق بالكتاب، وكذلك السنة وبعض العلوم الأخرى، لكن أكثره وغالبه من هذه العلوم الثلاثة.
-حكم الشارع.
حكم تعلم الأصول: المشهور أن حكم تعلمه أنه فرض كفاية.
ما معنى فرض كفاية؟
-هو الذي إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين، هو أمر واجب، لكن لا على الجميع، بل على البعض، فإذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين، وإن لم يقم به من يكفي أثم الجميع.
لكنه يجب في حالات:
- وهي: يجب على من أراد الإفتاء، أو القضاء، أو الاجتهاد، لأنه إذا أفتى أو قضى أو اجتهد على غير علم، وعلى غير بصيرة، فإنه يأثم، يجب عليه أن يتعلم حتى يُفتي وحتى يقضي وحتى يجتهد، وإلا وجب عليه الكف.
مسائله:
هي ما يذكر في كل باب من أبوابه من فصول ومسائل وفروع إلى غير ذلك، هذه هي مبادئ فن الأصول، قال:
(إمام الحرمين الجويني) رحمه الله تعالى: (الحمد لله رب العالمين، هذه ورقات تشتمل على فصول من (أصول الفقه)، وذلك مؤلف من جزئين مفردين، فالأصل ما بُني عليه غيره، والفرع ما يُبنى على غيره.
والفقه:معرفة الأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد.)
-يقول المؤلف (أبو المعالي الجويني) رحمه الله،: (هذه ورقات تشتمل على معرفة فصول من أصول الفقه)، نُسخ (الورقات) الموجودة فيها شيء من الزيادة والنقصان، الاختلاف بين نُسخها واضح.
قوله رحمه الله:(هذه ورقات)، (هذه) إشارة، لكن إلى ماذا؟
إن كان قال هذا قبل أن يؤلف (الورقات)، فالإشارة إلى ما في ذهنه، وإن كتب هذه المقدمة بعد انتهائه من كتابة وتأليف (الورقات) فإن الإشارة يصلح أن تكون للذهن، ويصلح أن تكون إلى ما في الخارج إذا ما قام بتأليفه.
والمقدِّمة: بالكسر ويجوز فيها الفتح مقدَّمة، وهي آخر ما يكتب وأول ما يقرأ في الغالب، لأن الإنسان يكتب مقدمة كتابه وتأليفه في آخر شيء، فهي آخر ما يكتبه الكاتب وأول ما يقرؤه القارئ، حتى يستفيد الإنسان من طريقة المؤلف، وحتى يعرف اصطلاحاته في هذا الكتاب، فمعرفة اصطلاحات المؤلفين وقراءة مقدمات كتبهم مفيدة، قد تفهم شيئاً لم يُرده بسبب عدم اطّلاعك على اصطلاحه، وما سار عليه في هذا الكتاب.
من الأمثلة على هذا أنه قد اشتهر أن المؤلفين في الحديث، إذا قالوا: (متفق عليه)، فإنهم يريدون: رواه الإمام (البخاري ومسلم)، هذا واضح، (مجد الدين أبو البركات عبد السلام بن تيمية) جد شيخ الإسلام رحمة الله عليهما، ألّف كتابه (المنتقى) الذي شرحه الإمام (الشوكاني) في (نيل الأوطار)، ذكر في مقدمته أنه إذا قال: (متفق عليه) فمعناه: أنه أخرج هذا الحديث الإمام (أحمد) والإمامان (البخاري ومسلم)، فالذي يقرأ في هذا الكتاب من غير أن ينظر في المقدمة لن يفهم هذا، فالحاصل أن المقدمة مفيدٌ للإنسان أن يقرأها.
وقوله: (ورقات) كلمة ورقات هذه جمع، (الوَرَق) بالتحريك من الكتاب والشجر معروف، كما قاله في (القاموس)،(واحدته بهاء، يعني يقال: (ورقة)، هذا الواحدة، والورق: كل ما تبسّط تبسّطاً، وكان له خط نأتئ في وسطه تكتنفه حاشيتاه).
وكذلك يطلق على جلودٍ رِقاق يُكتب فيها، ما يكتب فيه أو يطبع عليه من (الكاغد) هذا هو الورق، (والورقات) جمع قِلة، وهي جمع مؤنث سالم، ومن المعلوم أن جموع السّلامة، سواء كانت لذكور أو إناث يعني جمع المذكر السالم، وجمع المؤنث السالم من جموع القلة. وكذلك أربعة أوزان من جمع التكسير وهي:
(أفعل): (كأفْلُس).
و(أفْعال): كأحمال.
و(أفْعِلة): كأرْغِفة.
و(فِعْلة) كصِبْيَة هذه الأربعة الأوزان من جموع التكسير وجمع المذكر السالم وجمع المؤنث السالم جموع قلة.
-وقصد المؤلف من ذكر هذا التسهيل على الطالب وأنها ورقات قليلة، وربما أتى هذا الجمع وأُريد به الكثرة، كما قال (سيبويه) في الكتاب:
-وقد يجمعون (بالتاء)وهم يريدون الكثير كما قال (حسّان بن ثابت) رضي الله عنه:
لناالجفنات الغُرّ يلمعن بالضحى =وأسـيـافنا يـقطرن من نجدة دما
فلم يُرد أن العدد في هذا وإنما أراد الكثرة، والمؤلف رحمه الله، قال: (ورقات) تسهيلاً على الطالب وتنشيطاً له، كما قال الله سبحانه في: فرض صوم شهر رمضان:(أياماً معدودات) فوصف الشهر الكامل بأنه أياماً معدودات تسهيلاً على المكلفين وتنشيطاً لهم.
- قوله: (تشتمل) يعني: تحتوي وتتضمن.
- (على معرفة فصول من أصول الفقه).
المعرفة: هي إدراك الشيء على ما هو عليه، من أدرك الشيء على ما هو عليه يُقال: (عرفه)، وهي مسبوقة بجهل، بخلاف العلم، فإنه قد يُسبق بجهل وقد لا يُسبق، أما المعرفة فهي مسبوقة بجهل، ولهذا يقال في حق الله سبحانه، عالم، ولا يقال: عارف.
-وقوله: (فصول)، الفصول جمع فصل، و(الفصل) في اللغة:(هو الحاجز بين الشيئين).
- (من أصول الفقه)، ثم بين أن أصول الفقه مركب من جزئين.
- قال: (فالأصل ما يُبنى عليه غيره)، في بعض النسخ: (ما ينبني عليه غيره)، (والفرع ما يُبنى على غيره)، وسبق ما يتعلق بكلمة (الأصول) ومعناها في اللغة ومعناها في الاصطلاح، وجمع أصول ليعم الكتاب والسنة والإجماع والقياس وغير ذلك.
-ثم إن المؤلف رحمه الله قال بعد هذا: (والفقه: معرفة الأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد)، هذا تعريف للفقه بعدما عرف المؤلف الأصل وأنه: (ما يُبنى عليه غيره أو ما ينبني عليه غيره). استطرد وعرف: الفرع وأنه:(ما ينبني على غيره)، وتعريف الفرع هنا ليس له علاقة ولهذا بعضهم يقول: إنما ذكره استطراداً: وإن ذكر بعضهم له معاني أخرى، ثم قال:(والفقه معرفة الأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد)، هذا معنى الفقه عند المؤلف، يُخرج ما كان معلوماً من الدين بالضرورة كوجوب (الصلاة) و(الزكاة) و(الصيام) و(الحج)، وتحريم (الخمر) و(الزنا) وما أشبه ذلك، فمعرفة هذا على ما ذهب إليه المؤلف في تعريفه المذكور لا يسمى فقهاً، وسبق ما يتعلق بتعريف الفقه.