(39) يعني أن الإنسان إذا فعل ما أذن له في فعله إما من جهة الشارع أو من جهة صاحب الفعل ونشأ عن ذلك المأذون أَشياءُ تُوْجِبُ الضَّمانَ لوِ اسْتقلَّتْ، كانتْ تلكَ الآثارُ هَدَراً غيرَ مضمونةٍ.
ومفهومُ هذَا البيتِ
أَنَّ ما نَشَأَ عنْ غيرِ المأْذونِ فيهِ، فإِنَّهُ مضمونٌ، فمَا تَوَلَّدَ عنِ المأْذونِ فيهِ، فهوَ تابعٌ للمأذونِ فيهِ، وما تولَّدَ عنْ غيرِ المأذونِ فيهِ، فهوَ تابعٌ لهُ.
مثالُ هذَا
أَنْ يَقْطَعَ يَدَ غَيْرِهِ، فيسري ذلكَ القطعُ إلى إتلافِ نفسهِ أو بعضِ أعضائِهِ، فهلْ تُضْمَنُ تلكَ السِّرايةُ أَمْ لاَ؟
الجوابُ
إنْ كانَ القطعُ قصاصاً أَوْ حدًّا، فإِنَّ سِرايتَهُ هدرٌ، وإِنْ كانَ القطعُ جنايةً ضُمنتِ السِّرايةُ تبعاً للجنايةِ، وكذَا لوْ أرادَ أنْ يمرَّ بينَ يديْهِ إنسانٌ وهوَ يُصَلِّي، ثُمَّ دافعهُ حتَّى أفضى إلى تلفِهِ أَوْ تلفِ بعضِهِ لمْ يضمنْ، لأَنَّهُ مأذونٌ لهُ منَ الشَّارعِ، ولوْ دَفَعَهُ منْ غيرِ إِذنٍ منْهُ ولاَ منَ الشَّارِعِ، ثُمَّ تلفَ: ضمنَهُ.
ومنْ أمثالِ هذَا
: أَنَّهُ لوْ وطئَ زوجتَهُ فعقرهَا، فإِنْ كانتْ يوطأُ مثلُهَا لمْ يضمنْ ذلكَ العقرَ، لأَنَّهُ مأذونٌ فيهِ، وإنْ كانتْ لا يوطأُ مثلُهَا ضمنَهُ، ومنْ ذلكَ لوْ وَضَعَ حجراً في الطَّريقِ، اَوْ حفرَ بئراً فيهِ، ثمَّ تلفَ بهِ إنسانٌ أَوْ حيوانٌ، فإنْ كانَ الحفرُ ونحوُهُ مأْذوناً لهُ فيهِ، بأنْ كانَ لنفعِ المسلمينَ،لمْ يضمنْ ما تلفَ بهِ، وإِنْ كانَ متعدِّياً فيهِ ضمنَ.
وَمِمَّا يشبهُ هذهِ القاعدةَ
أَنَّ الآثارَ النَّاشئةَ عنِ الطَّاعةِ مثابٌ عليْهَا، ولا سيّمَا إِنْ كانتْ مكروهةً للنُّفوسِ كالنَّصبِ والتَّعبِ، ورائحةِ الصَّوْمِ الكريهةِ للنُّفوسِ، وأَنَّ الآثارَ النَّاشئةَ عنِ المعصيةِ تبعٌ للمعصيةِ، واللهُ أعلمُ.
وَمِمَّا يدخلُ في هذَا
أَنَّ مَنْ غَضِبَ وكانَ غضبُهُ للهِ، فصدَرَ عنْ ذلكَ الغضبِ أقوالٌ وأفعالٌ لا تجوزُ، متأوِّلاً في ذلكَ مجتهِداً فإنَّهُ معفوٌّ عنْهُ، كمَا قالَ عمرُ رضيَ اللهُ عنهُ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في شأَنِ حاطبِ بنِ أَبي بلتعةَ: إِنَّهُ منافقٌ، واعتراضُهُ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في قصَّةِ الحديبيةِ ونحوِهَا، بخلافِ مَنْ قَصَدَ متابعةَ هواهُ والحيلةَ لنفسِهِ، فإنَّهُ يُعَاقَبُ على مَا صدرَ عنهُ منَ الأقوالِ والأفعالِ.