القارئ:
(وسائل الأمـور كالمـقاصد واحكم بهذا الحكم للزوائد)
الشيخ:
يراد بوسائل الأمور: الطرق المفضية إلى المقاصد.
والمقاصد:هي الغايات والأمور المرادة والمطلوبة.
والزوائد: هي الأمور المتممة للفعل.
والوسائل إن كان لها حكم مستقل في الشريعة بالوجوب أو بالتحريم؛ فإنها تأخذ حكمها الأصلي في الشريعة.
مثال ذلك: أن يتوسل الإنسان لوطء الأجنبية بعقد النكاح، فهذا فيه دليل من الشارع يدل على جوازه وحله.
أما إذا لم يرد دليل يخص تلك الوسيلة؛فإن الوسائل على ثلاثةِ أنواع:
1- وسائل مفضية إلى المقصود قطعاً، فهذه تأخذ حكم المقصود.
- ويعبر عنها أهلُ الأصول بقولهم: (ما لم يتم الواجب إلا به فهو واجب)
مثل: غسل القدم لا يتم استيعابه إلا بغسل جزء من الساق، فيكون غسل ذلك الجزء واجباً.
- ويعبرون عنه أيضاً بقولهم: (ما لا يتم اجتناب الحرام إلا باجتنابه فهو حرام)، إذا لم يمكن اجتناب المحرم إلا باجتناب أمر آخر كان الآخر حراماً.
مثال ذلك: إذا اختلطت الأخت بأجنبية؛ فإن الأجنبية تحرم، لأنه لا يحل العقد على الأخت، ولا يتم اجتناب هذا الحرام إلا باجتناب الأجنبية التي اشتبهت بها.
النوع الثاني من الوسائل: وسائل تفضي إلى المقصود نادراً، فهذه لا تأخذ حكم المقصود، والنادر في الغالب لا تلتفت إليه الشريعة.
ومثال ذلك: لو قال قائل: نمنع زراعة العنب لئلا يتخذ منه الخمر، فقيل هذه وسيلة تُفضي إلى هذا المحرم نادراً؛ فحينئذ لا يلتفت إلى كونها وسيلة إليه، ولا يحكم على الوسيلة بالحكم المقصود هنا؛لندرة اتخاذ هذا الأمر وسيلة إلى هذا المقصود.
والنوع الثالث: من أنواع الوسائل: وسائل مفضية إلى المقصود غالباً؛ فهذه اختلف الفقهاء فيها.
ومثال هذه المسألة: بيع العنب على مصانع الخمور، ومثلها أيضا بيع السلاح في وقت الفتنة وقت الحرب بين المسلمين.
فذهب الظاهرية، وبعض الشافعية، وبعض الحنفية، إلى: أنه لا تُسد الذرائع حينئذ، ولا يحكم عليها بالتحريم، ولا مانع من بيع العنب في هذه الحال، استدلوا على ذلك: بأن الأصل في هذه الأفعال الجواز والحل، والله عز وجل يقول: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّه وَالرَّسُولِ} وقوله: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ}.
والقول الثاني: في المسألة بأنه يحكم على هذه الوسائل بحكم مقاصدها، ويحكم على الوسائل المفضية إلى الفساد غالباً بالتحريم.
ودليل ذلك أن الله عز وجل قد سد الذرائع المفضية إلى الفساد غالباً في كثير من مواطن الشريعة، ومن ذلك قوله عز وجل: {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ}، فمنع من سب آلهة المشركين؛ لأنه يفضي إلى سب الله، وسب الله محرم، فما أفضى إلى المحرم يكون محرماً.
واستدلوا ثانياً: بأن في سد الذرائع زيادة تمسك بالنصوص الشرعية، فنحن عندما نمنع من الشيء ونمنع من طرقه، نكون قد تمسكنا زيادة تمسك بالنصوص الشرعية، وهذا مذهب الجمهور، وهو أقوى وأولى.