القاعدة الثانية:
لا مُحرّم مع اضطرار، يعبر عنه كثير من الفقهاء بقولهم: الضرورات تبيح المحظورات.
والمراد بالضرورة:ما يلحق العبد ضرر بتركه بحيث لا يقوم غيره مقامه.
هذا المراد بالضرورة على الصحيح.
بعض الفقهاء يقول: ما ترتب عليه فوات الحياة، أو فوات عضو، وهذا لا يصح.
إنما الصواب أن يقال في تفسير الضرورة:ما لحق المكلَّفَ ضررٌ بعدم فعله ولا يقوم غيره مقامه، بخلاف الحاجة.
فإن الحاجة هي: ما يلحق المكلَّف ضرر بتركه، لكنه قد يقوم غيره مقامه.
مثال الضرورة: إذا كان الإنسان مضطرّاً ولم يجد إلا الميتة، فهنا لو ترك الميتة لحقه الضـرر، ولا يقـوم غيره مقامه، ما يجـد إلا الميتة، فهذا ضـرورة.
ومثال الحـاجة:ما ورد في الحـديث أن النبي صلى الله عليه وسلم انكسر إناؤه، فاتخذ مكان الشِّعْب سلسلة من فضة، فهذا حاجة، يمكن أن يلصق الإناء بعضه ببعض بحديد، أو بصفر، أو بغيره من أنواع الأمور التي يحصل بها الالتحام، فهذه حاجة.
والضرورة تبيح المحظور مطلقاً، بينما الحاجة لا تبيح المحظور إلا إذا ورد معها دليل، لذلك فقول بعضهم: (الحاجة تنزل منزلة الضرورة) لا يصح على اختيار هذا الضابط السابق.
وهناك مراتب للمطلوب غير هذه المراتب:
-فالمنفعة: ما يحصل للإنسان بحصوله منفعة ولا يحصل بفقده ضرر.
- والزينة: ما يحصل للإنسان بوجوده منفعة لكنه لا يحصل بفقده ضرر.
- والفضول: ما لا يحصل بأفراده ضرر لكن يحصل بمجموعه ضرر.
وهناك اللذة المحرمة، أو المكروهة التي قد تطلبها بعض النفوس،
فهذه أنواع المطلوب.
ودليل قاعدة: المحظورات تُباح بالضرورات- عددٌ من النصوص الشرعية:
منها:قوله جل وعلا: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ}.
وقوله سبحانه: {عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ}، فالآية الأولى قد يقال بأنها خاصة بالمطعومات، لكن الثانية ظاهرها عام: {عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ } ومن أمثلة القاعدة أكل لحم الميتة للمضطر.
وللقاعدة شروط لا بد أن نلاحظها، وهذه الشروط مهمة؛ لأن بعض الناس يريد التَّخفَف من أحكام الشريعة بهذه القاعدة ولا يلاحظ شروطها:
فمن شروط هذه القاعدة:
- أن تكون الضرورة تندفع بفعل المحظور، فإن لم تندفع لم يجز فعل المحظور، ومثلوا له بالظمآن الذي لا يجد إلا الخمر، فهذا لا يجوز له تناول الخمر؛ لأنَّ الخمرَ لا يبعد الظمأ، وإنما يزيد الإنسان ظمأً إلى ظمئه، فالمحظور زاد الضرورةَ ولم يدفعْها.
الشرط الثاني: ألا يوجد طريق آخر تندفع به الضرورة، فإن وُجدَ لم يجز حينئذ فعلُ المحظور.
مثال ذلك: طبيبة مسلمة وطبيب رجل، وعندنا امرأة مريضة، يمكن دفع الضرورة بكشف المرأة الطبيبة.
ومن شروط هذه القاعدة:
- أن يكون المحظورُ أقلَّ من الضرورة، فإن كانت الضرورة أعظم لم يجز، مثال ذلك: إذا اضطر إلى قتل غيره لبقاء نفسه، كما في مسألة الإكراه السابقة، فهنا الضرورة أقل من المحظور، فالمحظور هو قتل الغير، والضرورة هو أنه سيُقتل الإنسان بعد تهديده بالقتل، قيل له: اقتل غيرك وإلا قتلناك.
ويلاحظ أنهإذا زالت الضرورة زال حكم استباحة المحظور، ولا يجوز للإنسان أن يتوسع في المحظور بمقدارٍ لا تندفع به الضرورة، وهذا سيعبر عنه المؤلف في القاعدة الآتية، وإذا زالت الضرورة لم يجز فعل المحظور؛ لذلك من شاهد الماءَ بطل تيمُّمُه، وعبروا عنه بقولهم: (ما جاز لعذر بطل بزواله).