4/1304 - وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ)؛ أَيْ: إذَا أَرَادَ الْحُكْمَ؛ لِقَوْلِهِ: ((فَاجْتَهَدَ))؛ فَإِنَّ الاجْتِهَادَ قَبْلَ الْحُكْمِ، (ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، فَإِذَا حَكَمَ وَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ)؛ أَيْ: لَمْ يُوَافِقْ مَا هُوَ عِنْدَ اللَّهِ مِن الْحُكْمِ، (فَلَهُ أَجْرٌ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
الْحَدِيثُ مِنْ أَدِلَّةِ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْحُكْمَ عِنْدَ اللَّهِ فِي كُلِّ قَضِيَّةٍ وَاحِدٌ مُعَيَّنٌ، قَدْ يُصِيبُهُ مَنْ أَعْمَلَ فِكْرَهُ، وَتَتَبَّعَ الأَدِلَّةَ، وَوَفَّقَهُ اللَّهُ، فَيَكُونُ لَهُ أَجْرَانِ: أَجْرُ الاجْتِهَادِ، وَأَجْرُ الإِصَابَةِ. وَالَّذِي لَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ هُوَ مَن اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ، فَلَهُ أَجْرُ الاجْتِهَادِ. وَاسْتَدَلُّوا بِالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْحَاكِمُ مُجْتَهِداً.
قَالَ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ: وَهُوَ الْمُتَمَكِّنُ مِنْ أَخْذِ الأَحْكَامِ مِن الأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ، قَالَ: وَلَكِنَّهُ يَعِزُّ وُجُودُهُ، بَلْ كَادَ يُعْدَمُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَمَعَ تَعَذُّرِهِ فَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ مُقَلِّداً مُجْتَهِداً فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ، وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَتَحَقَّقَ أُصُولَ إمَامِهِ وَأَدِلَّتَهُ، وَيُنْزِلَ أَحْكَامَهُ عَلَيْهَا فِيمَا لَمْ يَجِدْهُ مَنْصُوصاً مِنْ مَذْهَبِ إمَامِهِ. انْتَهَى.
قُلْتُ: وَلا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الْكَلامِ مِن الْبُطْلانِ، وَإِنْ تَطَابَقَ عَلَيْهِ الأَعْيَانُ، وَقَدْ بَيَّنَّا بُطْلانَ دَعْوَى تَعَذُّرِ الاجْتِهَادِ فِي رِسَالَتِنَا الْمُسَمَّاةِ بِإِرْشَادِ النُّقَّادِ إلَى تَيْسِيرِ الاجْتِهَادِ، بِمَا لا يُمْكِنُ دَفْعُهُ، وَمَا أَرَى هَذِهِ الدَّعْوَى الَّتِي تَطَابَقَ عَلَيْهَا الأَنْظَارُ إلاَّ مِنْ كُفْرَانِ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ؛ فَإِنَّهُمْ -أَعْنِي الْمُدَّعِينَ لِهَذِهِ الدَّعْوَى وَالْمُقَرِّرِينَ لَهَا- مُجْتَهِدُونَ، يَعْرِفُ أَحَدُهُمْ مِن الأَدِلَّةِ مَا يُمْكِنُهُ بِهَا الاسْتِنْبَاطُ مِمَّا لَمْ يَكُنْ قَدْ عَرَفَهُ عَتَّابُ بْنُ أَسِيدٍ قَاضِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَكَّةَ، وَلا أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ قَاضِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَمَنِ، وَلا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ قَاضِيهِ فِيهَا وَعَامِلُهُ عَلَيْهَا، وَلا شُرَيْحٌ قَاضِي عُمَرَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْكُوفَةِ.
وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُ الشَّارِحِ: فَمِنْ شَرْطِهِ؛ أَي: الْمُقَلِّدِ، أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِداً فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ؛ فَإِنَّ هَذَا هُوَ الاجْتِهَادُ الَّذِي حُكِمَ بِكَيْدُودَةِ عَدَمِهِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَسَمَّاهُ مُتَعَذِّراً، فَهَلاَّ جَعَلَ هَذَا الْمُقَلِّدُ إمَامَهُ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِوَضاً عَنْ إمَامِهِ، وَتَتَبَّعَ نُصُوصَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عِوَضاً عَنْ تَتَبُّعِ نُصُوصِ إمَامِهِ.
وَالْعِبَارَاتُ كُلُّهَا أَلْفَاظٌ دَالَّةٌ عَلَى مَعَانٍ، فَهَلاَّ اسْتَبْدَلَ بِأَلْفَاظِ إمَامِهِ وَمَعَانِيهَا أَلْفَاظَ الشَّارِعِ وَمَعَانِيهَا، وَنَزَّلَ الأَحْكَامَ عَلَيْهَا إذَا لَمْ يَجِدْ نَصًّا شَرْعِيًّا، عِوَضاً عَنْ تَنْزِيلِهَا عَنْ مَذْهَبِ إمَامِهِ فِيمَا لَمْ يَجِدْهُ مَنْصُوصاً، تَاللَّهِ لَقَد اسْتَبْدَلَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ مِنْ مَعْرِفَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إلَى مَعْرِفَةِ كَلامِ الشُّيُوخِ وَالأَصْحَابِ وَتَفَهُّمِ مَرَامِهِمْ، وَالتَّفْتِيشِ عَنْ كَلامِهِمْ.
وَمِن الْمَعْلُومِ يَقِيناً أَنَّ كَلامَ اللَّهِ تَعَالَى وَكَلامَ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْرَبُ إلَى الأَفْهَامِ، وَأَدْنَى إلَى إصَابَةِ بُلُوغِ الْمَرَامِ؛ فَإِنَّهُ أَبْلَغُ الْكَلامِ بِالإِجْمَاعِ، وَأَعْذَبُهُ فِي الأَفْوَاهِ وَالأَسْمَاعِ، وَأَقْرَبُهُ إلَى الْفَهْمِ وَالانْتِفَاعِ، وَلا يُنْكِرُ هَذَا إلاَّ جُلْمُودُ الطِّبَاعِ، وَمَنْ لا حَظَّ لَهُ فِي النَّفْعِ وَالانْتِفَاعِ.
وَالأَفْهَامُ الَّتِي فَهِمَ بِهَا الصَّحَابَةُ الْكَلامَ الإِلَهِيَّ، وَالْخِطَابَ النَّبَوِيَّ هِيَ كَأَفْهَامِنَا، وَأَحْلامُهُمْ كَأَحْلامِنَا؛ إذْ لَوْ كَانَت الأَفْهَامُ مُتَفَاوِتَةً تَفَاوُتاً يَسْقُطُ مَعَهُ فَهْمُ الْعِبَارَاتِ الإِلَهِيَّةِ، وَالأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ، لَمَا كُنَّا مُكَلَّفِينَ، وَلا مَأْمُورِينَ، وَلا مَنْهِيِّينَ، لا اجْتِهَاداً وَلا تَقْلِيداً.
أَمَّا الأَوَّلُ: فَلإِحَالَتِهِ.
وَأَمَّا الثَّانِي: فَلأَنَّا لا نُقَلِّدُ حَتَّى نَعْلَمَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَنَا التَّقْلِيدُ.
وَلا نَعْلَمُ ذَلِكَ إلاَّ بَعْدَ فَهْمِ الدَّلِيلِ مِن الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى جَوَازِهِ؛ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّهُ لا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِي جَوَازِ التَّقْلِيدِ، فَهَذَا الْفَهْمُ الَّذِي فَهِمْنَا بِهِ هَذَا الدَّلِيلَ نَفْهَمُ بِهِ غَيْرَهُ مِن الأَدِلَّةِ مِنْ كَثِيرٍ وَقَلِيلٍ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ شَهِدَ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ يَأْتِي مِنْ بَعْدِهِ مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِمَّنْ فِي عَصْرِهِ، وَأَوْعَى لِكَلامِهِ؛ حَيْثُ قَالَ: ((فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَفْقَهُ مِنْ سَامِعٍ))، وَفِي لَفْظٍ: ((أَوْعَى لَهُ مِنْ سَامِعٍ))، وَالْكَلامُ قَدْ وَفَّيْنَاهُ حَقَّهُ فِي الرِّسَالَةِ الْمَذْكُورَةِ.
وَمِنْ أَحْسَنِ مَا يَعْرِفُهُ الْقُضَاةُ كِتَابُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الَّذِي كَتَبَهُ إلَى أَبِي مُوسَى الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ.
قَالَ الشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ: هُوَ أَجَلُّ كِتَابٍ؛ فَإِنَّهُ بَيَّنَ آدَابَ الْقُضَاةِ، وَصِفَةَ الْحُكْمِ، وَكَيْفِيَّةَ الاجْتِهَادِ وَاسْتِنْبَاطِ الْقِيَاسِ، وَلَفْظُهُ: " أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الْقَضَاءَ فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ، وَسُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ، فَعَلَيْكَ بِالْعَقْلِ وَالْفَهْمِ وَكَثْرَةِ الذِّكْرِ.
فَافْهَمْ إذَا أَدْلَى إلَيْكَ الرَّجُلُ الْحُجَّةَ، فَاقْضِ إذَا فَهِمْتَ، وَأَمْضِ إذَا قَضَيْتَ؛ فَإِنَّهُ لا يَنْفَعُ تَكَلُّمٌ بِحَقٍّ لا نَفَاذَ لَهُ. آسِ بَيْنَ النَّاسِ فِي وَجْهِكَ وَمَجْلِسِكَ وَقَضَائِكَ، حَتَّى لا يَطْمَعَ شَرِيفٌ فِي حَيْفِكَ، وَلا يَيْأَسُ ضَعِيفٌ مِنْ عَدْلِكَ. الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ، وَالصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، إلاَّ صُلْحاً أَحَلَّ حَرَاماً، أَوْ حَرَّمَ حَلالاً.
وَمَن ادَّعَى حَقًّا غَائِباً أَوْ بَيِّنَةً فَاضْرِبْ لَهُ أَمَداً يَنْتَهِي إلَيْهِ، فَإِنْ جَاءَ بِبَيِّنَتِهِ أَعْطَيْتَهُ حَقَّهُ، وَإِلاَّ اسْتَحْلَلْتَ عَلَيْهِ الْقَضِيَّةَ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي الْعُذْرِ، وَأَجْلَى لِلْعَمَى، وَلا يَمْنَعْكَ قَضَاءٌ قَضَيْتَ فِيهِ الْيَوْمَ، فَرَاجَعْتَ فِيهِ عَقْلَكَ، وَهُدِيتَ فِيهِ لِرُشْدِكَ، أَنْ تَرْجِعَ إلَى الْحَقِّ؛ فَإِنَّ الْحَقَّ قَدِيمٌ، وَمُرَاجَعَةَ الْحَقِّ خَيْرٌ مِن التَّمَادِي فِي الْبَاطِلِ.
الْفَهْمَ الْفَهْمَ فِيمَا يَخْتَلِجُ فِي صَدْرِكَ مِمَّا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلا سُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ اعْرِف الأَشْبَاهَ وَالأَمْثَالَ، وَقِس الأُمُورَ عِنْدَ ذَلِكَ، وَاعْمِدْ إِلَى أَقْرَبِهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَأَشْبَهِهَا بِالْحَقِّ.
الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، إلاَّ مَجْلُوداً فِي حَدٍّ، أَوْ مُجَرَّباً عَلَيْهِ شَهَادَةُ زُورٍ، أَوْ ظِنِّيناً فِي وَلاءٍ أَوْ نَسَبٍ أَوْ قَرَابَةٍ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَوَلَّى مِنْكُم السَّرَائِرَ.
وَادْرَأْ بِالْبَيِّنَاتِ وَالأَيْمَانِ، وَإِيَّاكَ وَالْغَضَبَ، وَالْقَلَقَ، وَالضَّجَرَ، وَالتَّأَذِّيَ بِالنَّاسِ عِنْدَ الْخُصُومَةِ، وَالتَّفَكُّرَ عِنْدَ الْخُصُومَاتِ؛ فَإِنَّ الْقَضَاءَ عِنْدَ مَوَاطِنِ الْحَقِّ يُوجِبُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ الأَجْرَ، وَيُحْسِنُ بِهِ الذِّكْرَ، فَمَنْ خَلَصَتْ نِيَّتُهُ فِي الْحَقِّ، وَلَوْ عَلَى نَفْسِهِ، كَفَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، وَمَنْ تَخَلَّقَ لِلنَّاسِ بِمَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ شَانَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لا يَقْبَلُ مِن الْعِبَادِ إلاَّ مَا كَانَ خَالِصاً، فَمَا ظَنُّكَ بِثَوَابٍ مِن اللَّهِ فِي عَاجِلِ رِزْقِهِ وَخَزَائِنِ رَحْمَتِهِ، وَالسَّلامُ". ا هـ.
وَلأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ عَليهِ السَّلامُ فِي عَهْدٍ عَهِدَهُ إلَى الأَشْتَرِ لَمَّا وَلاهُ مِصْرَ فِيهِ عِدَّةُ نَصَائِحَ وَآدَابَ وَمَوَاعِظَ وَحِكَمٍ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ فِي النَّهْجِ، لَمْ أَنْقُلْهُ لِشُهْرَتِهِ. وَقَدْ أَخَذَ مِنْ كَلامِ عُمَرَ أَنَّهُ يَنْقُضُ الْقَاضِي حُكْمَهُ إِذَا أَخْطَأَ.
وَيَدُلُّ لَهُ مَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((بَيْنَمَا امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا، جَاءَ الذِّئْبُ فَذَهَبَ بِابْنِ إِحْدَاهُمَا، فَقَالَتْ هَذِهِ لِصَاحِبَتِهَا: إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ، وَقَالَتِ الأُخْرَى: إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ. فَتَحَاكَمَتَا إِلَى دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَقَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى، فَخَرَجَتَا إِلَى سُلَيْمَانَ، فَأَخْبَرَتَاهُ، فَقَالَ: ائْتُونِي بِالسِّكِّينِ أَشُقُّهُ بَيْنَكُمَا نِصْفَيْنِ، فَقَالَتِ الصُّغْرَى: لا تَفْعَلْ يَرْحَمُكَ اللَّهُ، هُوَ ابْنُهَا. فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى)).
وَلِلْعُلَمَاءِ قَوْلانِ فِي الْمَسْأَلَةِ: قَوْلٌ إنَّهُ يَنْقُضُهُ إذَا أَخْطَأَ، وَالآخَرُ: لا يَنْقُضُهُ؛ لِحَدِيثِ: ((وَإِنْ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ)).
قُلْتُ: وَلا يَخْفَى أَنَّهُ لا دَلِيلَ فِيهِ؛ لأَنَّ الْمُرَادَ: أَخْطَأَ مَا عِنْدَ اللَّهِ، وَمَا هُوَ فِي نَفْسِ الأَمْرِ مِن الْحَقِّ، وَهَذَا الْخَطَأُ لا يُعْلَمُ إلاَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَوْ بِوَحْيٍ مِن اللَّهِ تَعَالَى. وَالْكَلامُ فِي الْخَطَأِ الَّذِي يَظْهَرُ لَهُ فِي الدُّنْيَا مِنْ عَدَمِ اسْتِكْمَالِ شَرَائِطِ الْحُكْمِ أَوْ نَحْوِهِ.