دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > بلوغ المرام > كتاب القضاء

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26 محرم 1430هـ/22-01-2009م, 11:38 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي القاضي المجتهد إن أصاب بعد اجتهاده فله أجران وإن أخطأ فله أجر


وعنْ عمرِو بنِ العاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أنَّهُ سَمِعَ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ يقولُ: ((إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ)). مُتَّفَقٌ عليهِ.

  #2  
قديم 28 محرم 1430هـ/24-01-2009م, 11:16 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سبل السلام للشيخ: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني


4/1304 - وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ)؛ أَيْ: إذَا أَرَادَ الْحُكْمَ؛ لِقَوْلِهِ: ((فَاجْتَهَدَ))؛ فَإِنَّ الاجْتِهَادَ قَبْلَ الْحُكْمِ، (ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، فَإِذَا حَكَمَ وَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ)؛ أَيْ: لَمْ يُوَافِقْ مَا هُوَ عِنْدَ اللَّهِ مِن الْحُكْمِ، (فَلَهُ أَجْرٌ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
الْحَدِيثُ مِنْ أَدِلَّةِ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْحُكْمَ عِنْدَ اللَّهِ فِي كُلِّ قَضِيَّةٍ وَاحِدٌ مُعَيَّنٌ، قَدْ يُصِيبُهُ مَنْ أَعْمَلَ فِكْرَهُ، وَتَتَبَّعَ الأَدِلَّةَ، وَوَفَّقَهُ اللَّهُ، فَيَكُونُ لَهُ أَجْرَانِ: أَجْرُ الاجْتِهَادِ، وَأَجْرُ الإِصَابَةِ. وَالَّذِي لَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ هُوَ مَن اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ، فَلَهُ أَجْرُ الاجْتِهَادِ. وَاسْتَدَلُّوا بِالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْحَاكِمُ مُجْتَهِداً.
قَالَ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ: وَهُوَ الْمُتَمَكِّنُ مِنْ أَخْذِ الأَحْكَامِ مِن الأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ، قَالَ: وَلَكِنَّهُ يَعِزُّ وُجُودُهُ، بَلْ كَادَ يُعْدَمُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَمَعَ تَعَذُّرِهِ فَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ مُقَلِّداً مُجْتَهِداً فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ، وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَتَحَقَّقَ أُصُولَ إمَامِهِ وَأَدِلَّتَهُ، وَيُنْزِلَ أَحْكَامَهُ عَلَيْهَا فِيمَا لَمْ يَجِدْهُ مَنْصُوصاً مِنْ مَذْهَبِ إمَامِهِ. انْتَهَى.
قُلْتُ: وَلا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الْكَلامِ مِن الْبُطْلانِ، وَإِنْ تَطَابَقَ عَلَيْهِ الأَعْيَانُ، وَقَدْ بَيَّنَّا بُطْلانَ دَعْوَى تَعَذُّرِ الاجْتِهَادِ فِي رِسَالَتِنَا الْمُسَمَّاةِ بِإِرْشَادِ النُّقَّادِ إلَى تَيْسِيرِ الاجْتِهَادِ، بِمَا لا يُمْكِنُ دَفْعُهُ، وَمَا أَرَى هَذِهِ الدَّعْوَى الَّتِي تَطَابَقَ عَلَيْهَا الأَنْظَارُ إلاَّ مِنْ كُفْرَانِ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ؛ فَإِنَّهُمْ -أَعْنِي الْمُدَّعِينَ لِهَذِهِ الدَّعْوَى وَالْمُقَرِّرِينَ لَهَا- مُجْتَهِدُونَ، يَعْرِفُ أَحَدُهُمْ مِن الأَدِلَّةِ مَا يُمْكِنُهُ بِهَا الاسْتِنْبَاطُ مِمَّا لَمْ يَكُنْ قَدْ عَرَفَهُ عَتَّابُ بْنُ أَسِيدٍ قَاضِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَكَّةَ، وَلا أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ قَاضِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَمَنِ، وَلا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ قَاضِيهِ فِيهَا وَعَامِلُهُ عَلَيْهَا، وَلا شُرَيْحٌ قَاضِي عُمَرَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْكُوفَةِ.
وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُ الشَّارِحِ: فَمِنْ شَرْطِهِ؛ أَي: الْمُقَلِّدِ، أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِداً فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ؛ فَإِنَّ هَذَا هُوَ الاجْتِهَادُ الَّذِي حُكِمَ بِكَيْدُودَةِ عَدَمِهِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَسَمَّاهُ مُتَعَذِّراً، فَهَلاَّ جَعَلَ هَذَا الْمُقَلِّدُ إمَامَهُ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِوَضاً عَنْ إمَامِهِ، وَتَتَبَّعَ نُصُوصَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عِوَضاً عَنْ تَتَبُّعِ نُصُوصِ إمَامِهِ.
وَالْعِبَارَاتُ كُلُّهَا أَلْفَاظٌ دَالَّةٌ عَلَى مَعَانٍ، فَهَلاَّ اسْتَبْدَلَ بِأَلْفَاظِ إمَامِهِ وَمَعَانِيهَا أَلْفَاظَ الشَّارِعِ وَمَعَانِيهَا، وَنَزَّلَ الأَحْكَامَ عَلَيْهَا إذَا لَمْ يَجِدْ نَصًّا شَرْعِيًّا، عِوَضاً عَنْ تَنْزِيلِهَا عَنْ مَذْهَبِ إمَامِهِ فِيمَا لَمْ يَجِدْهُ مَنْصُوصاً، تَاللَّهِ لَقَد اسْتَبْدَلَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ مِنْ مَعْرِفَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إلَى مَعْرِفَةِ كَلامِ الشُّيُوخِ وَالأَصْحَابِ وَتَفَهُّمِ مَرَامِهِمْ، وَالتَّفْتِيشِ عَنْ كَلامِهِمْ.
وَمِن الْمَعْلُومِ يَقِيناً أَنَّ كَلامَ اللَّهِ تَعَالَى وَكَلامَ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْرَبُ إلَى الأَفْهَامِ، وَأَدْنَى إلَى إصَابَةِ بُلُوغِ الْمَرَامِ؛ فَإِنَّهُ أَبْلَغُ الْكَلامِ بِالإِجْمَاعِ، وَأَعْذَبُهُ فِي الأَفْوَاهِ وَالأَسْمَاعِ، وَأَقْرَبُهُ إلَى الْفَهْمِ وَالانْتِفَاعِ، وَلا يُنْكِرُ هَذَا إلاَّ جُلْمُودُ الطِّبَاعِ، وَمَنْ لا حَظَّ لَهُ فِي النَّفْعِ وَالانْتِفَاعِ.
وَالأَفْهَامُ الَّتِي فَهِمَ بِهَا الصَّحَابَةُ الْكَلامَ الإِلَهِيَّ، وَالْخِطَابَ النَّبَوِيَّ هِيَ كَأَفْهَامِنَا، وَأَحْلامُهُمْ كَأَحْلامِنَا؛ إذْ لَوْ كَانَت الأَفْهَامُ مُتَفَاوِتَةً تَفَاوُتاً يَسْقُطُ مَعَهُ فَهْمُ الْعِبَارَاتِ الإِلَهِيَّةِ، وَالأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ، لَمَا كُنَّا مُكَلَّفِينَ، وَلا مَأْمُورِينَ، وَلا مَنْهِيِّينَ، لا اجْتِهَاداً وَلا تَقْلِيداً.
أَمَّا الأَوَّلُ: فَلإِحَالَتِهِ.
وَأَمَّا الثَّانِي: فَلأَنَّا لا نُقَلِّدُ حَتَّى نَعْلَمَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَنَا التَّقْلِيدُ.
وَلا نَعْلَمُ ذَلِكَ إلاَّ بَعْدَ فَهْمِ الدَّلِيلِ مِن الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى جَوَازِهِ؛ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّهُ لا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِي جَوَازِ التَّقْلِيدِ، فَهَذَا الْفَهْمُ الَّذِي فَهِمْنَا بِهِ هَذَا الدَّلِيلَ نَفْهَمُ بِهِ غَيْرَهُ مِن الأَدِلَّةِ مِنْ كَثِيرٍ وَقَلِيلٍ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ شَهِدَ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ يَأْتِي مِنْ بَعْدِهِ مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِمَّنْ فِي عَصْرِهِ، وَأَوْعَى لِكَلامِهِ؛ حَيْثُ قَالَ: ((فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَفْقَهُ مِنْ سَامِعٍ))، وَفِي لَفْظٍ: ((أَوْعَى لَهُ مِنْ سَامِعٍ))، وَالْكَلامُ قَدْ وَفَّيْنَاهُ حَقَّهُ فِي الرِّسَالَةِ الْمَذْكُورَةِ.
وَمِنْ أَحْسَنِ مَا يَعْرِفُهُ الْقُضَاةُ كِتَابُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الَّذِي كَتَبَهُ إلَى أَبِي مُوسَى الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ.
قَالَ الشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ: هُوَ أَجَلُّ كِتَابٍ؛ فَإِنَّهُ بَيَّنَ آدَابَ الْقُضَاةِ، وَصِفَةَ الْحُكْمِ، وَكَيْفِيَّةَ الاجْتِهَادِ وَاسْتِنْبَاطِ الْقِيَاسِ، وَلَفْظُهُ: " أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الْقَضَاءَ فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ، وَسُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ، فَعَلَيْكَ بِالْعَقْلِ وَالْفَهْمِ وَكَثْرَةِ الذِّكْرِ.
فَافْهَمْ إذَا أَدْلَى إلَيْكَ الرَّجُلُ الْحُجَّةَ، فَاقْضِ إذَا فَهِمْتَ، وَأَمْضِ إذَا قَضَيْتَ؛ فَإِنَّهُ لا يَنْفَعُ تَكَلُّمٌ بِحَقٍّ لا نَفَاذَ لَهُ. آسِ بَيْنَ النَّاسِ فِي وَجْهِكَ وَمَجْلِسِكَ وَقَضَائِكَ، حَتَّى لا يَطْمَعَ شَرِيفٌ فِي حَيْفِكَ، وَلا يَيْأَسُ ضَعِيفٌ مِنْ عَدْلِكَ. الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ، وَالصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، إلاَّ صُلْحاً أَحَلَّ حَرَاماً، أَوْ حَرَّمَ حَلالاً.
وَمَن ادَّعَى حَقًّا غَائِباً أَوْ بَيِّنَةً فَاضْرِبْ لَهُ أَمَداً يَنْتَهِي إلَيْهِ، فَإِنْ جَاءَ بِبَيِّنَتِهِ أَعْطَيْتَهُ حَقَّهُ، وَإِلاَّ اسْتَحْلَلْتَ عَلَيْهِ الْقَضِيَّةَ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي الْعُذْرِ، وَأَجْلَى لِلْعَمَى، وَلا يَمْنَعْكَ قَضَاءٌ قَضَيْتَ فِيهِ الْيَوْمَ، فَرَاجَعْتَ فِيهِ عَقْلَكَ، وَهُدِيتَ فِيهِ لِرُشْدِكَ، أَنْ تَرْجِعَ إلَى الْحَقِّ؛ فَإِنَّ الْحَقَّ قَدِيمٌ، وَمُرَاجَعَةَ الْحَقِّ خَيْرٌ مِن التَّمَادِي فِي الْبَاطِلِ.
الْفَهْمَ الْفَهْمَ فِيمَا يَخْتَلِجُ فِي صَدْرِكَ مِمَّا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلا سُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ اعْرِف الأَشْبَاهَ وَالأَمْثَالَ، وَقِس الأُمُورَ عِنْدَ ذَلِكَ، وَاعْمِدْ إِلَى أَقْرَبِهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَأَشْبَهِهَا بِالْحَقِّ.
الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، إلاَّ مَجْلُوداً فِي حَدٍّ، أَوْ مُجَرَّباً عَلَيْهِ شَهَادَةُ زُورٍ، أَوْ ظِنِّيناً فِي وَلاءٍ أَوْ نَسَبٍ أَوْ قَرَابَةٍ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَوَلَّى مِنْكُم السَّرَائِرَ.
وَادْرَأْ بِالْبَيِّنَاتِ وَالأَيْمَانِ، وَإِيَّاكَ وَالْغَضَبَ، وَالْقَلَقَ، وَالضَّجَرَ، وَالتَّأَذِّيَ بِالنَّاسِ عِنْدَ الْخُصُومَةِ، وَالتَّفَكُّرَ عِنْدَ الْخُصُومَاتِ؛ فَإِنَّ الْقَضَاءَ عِنْدَ مَوَاطِنِ الْحَقِّ يُوجِبُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ الأَجْرَ، وَيُحْسِنُ بِهِ الذِّكْرَ، فَمَنْ خَلَصَتْ نِيَّتُهُ فِي الْحَقِّ، وَلَوْ عَلَى نَفْسِهِ، كَفَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، وَمَنْ تَخَلَّقَ لِلنَّاسِ بِمَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ شَانَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لا يَقْبَلُ مِن الْعِبَادِ إلاَّ مَا كَانَ خَالِصاً، فَمَا ظَنُّكَ بِثَوَابٍ مِن اللَّهِ فِي عَاجِلِ رِزْقِهِ وَخَزَائِنِ رَحْمَتِهِ، وَالسَّلامُ". ا هـ.
وَلأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ عَليهِ السَّلامُ فِي عَهْدٍ عَهِدَهُ إلَى الأَشْتَرِ لَمَّا وَلاهُ مِصْرَ فِيهِ عِدَّةُ نَصَائِحَ وَآدَابَ وَمَوَاعِظَ وَحِكَمٍ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ فِي النَّهْجِ، لَمْ أَنْقُلْهُ لِشُهْرَتِهِ. وَقَدْ أَخَذَ مِنْ كَلامِ عُمَرَ أَنَّهُ يَنْقُضُ الْقَاضِي حُكْمَهُ إِذَا أَخْطَأَ.
وَيَدُلُّ لَهُ مَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((بَيْنَمَا امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا، جَاءَ الذِّئْبُ فَذَهَبَ بِابْنِ إِحْدَاهُمَا، فَقَالَتْ هَذِهِ لِصَاحِبَتِهَا: إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ، وَقَالَتِ الأُخْرَى: إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ. فَتَحَاكَمَتَا إِلَى دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَقَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى، فَخَرَجَتَا إِلَى سُلَيْمَانَ، فَأَخْبَرَتَاهُ، فَقَالَ: ائْتُونِي بِالسِّكِّينِ أَشُقُّهُ بَيْنَكُمَا نِصْفَيْنِ، فَقَالَتِ الصُّغْرَى: لا تَفْعَلْ يَرْحَمُكَ اللَّهُ، هُوَ ابْنُهَا. فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى)).
وَلِلْعُلَمَاءِ قَوْلانِ فِي الْمَسْأَلَةِ: قَوْلٌ إنَّهُ يَنْقُضُهُ إذَا أَخْطَأَ، وَالآخَرُ: لا يَنْقُضُهُ؛ لِحَدِيثِ: ((وَإِنْ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ)).
قُلْتُ: وَلا يَخْفَى أَنَّهُ لا دَلِيلَ فِيهِ؛ لأَنَّ الْمُرَادَ: أَخْطَأَ مَا عِنْدَ اللَّهِ، وَمَا هُوَ فِي نَفْسِ الأَمْرِ مِن الْحَقِّ، وَهَذَا الْخَطَأُ لا يُعْلَمُ إلاَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَوْ بِوَحْيٍ مِن اللَّهِ تَعَالَى. وَالْكَلامُ فِي الْخَطَأِ الَّذِي يَظْهَرُ لَهُ فِي الدُّنْيَا مِنْ عَدَمِ اسْتِكْمَالِ شَرَائِطِ الْحُكْمِ أَوْ نَحْوِهِ.

  #3  
قديم 28 محرم 1430هـ/24-01-2009م, 11:17 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي توضيح الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام


1205- وعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ، ثُمَّ أَصَابَ، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ، ثُمَّ أَخْطَأَ، فَلَهُ أَجْرٌ)) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

* مُفْرَداتُ الحديثِ.
َكَمَ: الحُكْمُ لغةً: المَنْعُ، يُقالُ: حَكَمْتُ عليه بكذا: إذا مَنَعْتَه مِن خِلافِه.
واصطلاحاً: تَبْيِينُ الحُكْمِ الشرعيِّ، والإلزامُ به.
َاجْتَهَدَ: الاجتهادُ لغةً: مأخوذٌ مِن الجَهْدِ، وهو المَشقَّةُ والطاقةُ.
واصطلاحاً: هو بَذْلُ الفقيهِ وُسْعَه في نَيْلِ حُكْمٍ شرعيٍّ عَمَلِيٍّ بطريقِ الاستنباطِ.
َخْطَأَ: الخطأُ مهموزٌ،وهو لغةً: نَقِيضُ الصوابِ، ويُقْصَرُ ويُمَدُّ، واسمٌ مِن أَخْطَأَ يُخْطِئُ، فهو مُخْطِئٌ.
واصطلاحاً:هو أنْ يَقْصِدَ بفعلِه شيئاً، فيُصَادِفُ فِعْلُه غيرَ ما قَصَدَ.
-فاجْتَهَدَ: معطوفٌ على الشرطِ، على تأويلِ: وأَرَادَ أنْ يَحْكُمَ فاجْتَهَدَ.
ُمَّ أَصَابَ: معطوفٌ على ((فَاجْتَهَدَ)).
-فلهُ أَجْرَانِ: جزاءُ الشرطِ.
*ما يُؤْخَذُ مِنَ الحَدِيثِ:
1- الاجتهادُ في الاصطلاحِ: هو بَذْلُ الوُسْعِ في نَيْلِ الحكمِ الشرعيِّ بطريقِ الاستنباطِ.
2-قالَ في (شرحِ الإقناعِ): المُجْتَهِدُ المطلَقُ: مَن يَعْرِفُ من كتابِ اللَّهِ تعالى،وسنَّةِ رسولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحقيقةَ والمجازَ، والأمرَ والنهيَ، والمُجْمَلَ والمُبَيَّنَ، والمُحْكَمَ والمُتَشَابِهَ، والخاصَّ والعامَّ، والمُطْلَقَ والمُقَيَّدَ، والناسِخَ والمنسوخَ، ويَعْرِفُ صحيحَ السنَّةِ مِن سَقِيمِها، ومُتَوَاتِرَها مِن آحادِها، مِمَّا له تَعَلُّقٌ بالأحكامِ خاصَّةً، ويَعْرِفُ القِياسَ وشروطَه، ويَعْرِفُ اللُّغةَ العربيَّةَ، وكلُّ ذلك مذكورٌ في أصولِ الفِقْهِ وفروعِه.
3- أمَّا المُجْتَهِدُ المُقَيَّدُ: فهو الذي يُرَاعِي ألفاظَ إمامِه ومتأخِّرَها، ويُقَلِّدُ كِبارَ أئمَّةِ مَذْهَبِه في ذلك.
4- قالَ الشيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وهذه الشروطُ في القاضي تُعْتَبَرُ حَسَبَ الإمكانِ. اهـ.
قالَ في (الإنصافِ): وعليه العَمَلُ من مُدَّةٍ طويلةٍ، وإلاَّ لتَعَطَّلَتْ أحكامُ الناسِ. اهـ.
5- وقالَ الشيخُ: الواجِبُ أنْ يكونَ مُجْتَهِداً في الأدِلَّةِ الشرعيَّةِ من الكتابِ والسنَّةِ، وأنْ تكونَ هي إمامَه؛ فهي أقربُ إلى الأفهامِ، وأَدْنَى إلى إصابةِ المرادِ. اهـ.
وقالَ: مَن كانَ مُتَّبِعاً إماماً، ومُخالِفاً له في بعضِ المسائلِ؛ لقوَّةِ الدليلِ؛ فقد أَحْسَنَ. اهـ.
6- قالَ الشيخُ: الشارِعُ نُصُوصُه كَلِمَاتٌ جوامِعُ، وقَضايا كلِّيَّةٌ، وقواعِدُ عامَّةٌ، يَمْتَنِعُ أنْ يُنَصَّ على كلِّ فردٍ مِن حِدْثَانِ العالَمِ إلى يومِ القيامةِ، فلا بُدَّ مِن الاجتهادِ في جزئيَّاتٍ: هل تَدْخُلُ في كلماتِه الجامعةِ، أو لا تَدْخُلُ؟
وتَقَدَّمَ هذا، ولكنَّ ذِكْرَهُ في الموضعيْنِ مناسِبٌ.
7- قالَ في (شرحِ الإقناعِ): ويَجِبُ على الإمامِ أنْ يَخْتَارَ للقضاءِ أفضلَ مَن يَجِدُ عِلْماً ووَرَعاً؛ لأنَّ القضاءَ بالشرعِ فرعٌ من العلمِ به، والأفضلُ أَثْبَتُ وأَمْكَنُ، وَكَذا مَنْ وَرَعُهُ أْكَثُر؛ لكَونِ النفْسِ إلى ما يحكُمُ بهِ أعْظَمَ.
ويَأْمُرَه بتقوَى اللَّهِ، وإيثارِ طاعتِه في سِرِّهِ وعلانِيَتِه، ويَأْمُرَه بتَحَرِّي العدلِ،والاجتهادِ في إقامةِ الحقِّ؛ لأن ذلك تَذْكِرَةٌ له بما يَجِبُ عليه فِعْلُه. اهـ.
8-وقالَ الشيخُ مُحَمَّدُ بنُ إبراهيمَ آلُ الشيخِ في نَصِيحةِ قاضٍ:أُوصِيكَ بتقوَى اللَّهِ تعالى ومُراقبتِه، والأناةِ في قَضَائِكَ، والتثَبُّتِ والسؤالِ عن المُشْكِلِ، والصلحِ مهما وَجَدْتَ إليه سبيلاً،ما لم يَتَّضِحِ الحُكْمُ الشرعيُّ، كما نُذَكِّرُ فَضِيلَتَكُم أنَّ البقاءَ في عَمَلِكم مِن التعاونِ، وأداءِ الواجبِ،وهو من الجِهادِ في سبيلِ اللَّهِ، والذي نُؤَمِّلُه فيكم الصبرَ والاحتسابَ،ولن يُضِيعَ اللَّهُأَجْرَ مَن أَحْسَنَ عملاً. اهـ.
9- قالَ ابنُ القَيِّمِ: لا يُشْتَرَطُ في المُجْتَهِدِ عِلْمُه بجميعِ ما قالَه النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفَعَلَه، فيما يَتَعَلَّقُ بالأحكامِ، ولكن أنْ يَعْلَمَ جمهورَ ذلك ومُعْظَمَه. اهـ.
10- الحاكِمُ إذَا بَذَلَ جُهْدَه في القضيَّةِ، واجْتَهَدَ فيها حتَّى وَصَلَ باجتهادِه إلى ما يَعْتَقِدُ أنه الحقُّ في القضيَّةِ، ثمَّ حَكَمَ، فإنْ كانَ حُكْمُه صواباً موافِقاً للحقِّ، وهو مرادُ اللَّهِ تعالى في أحكامِه، فله أجرانِ: أجرُ الاجتهادِ، وأجرُ إصابةِ الحقِّ.
وإنِ اجْتَهَدَ ولكنَّه لم يَصِلْ إلى الصوابِ، فله أجرٌ واحدٌ، هو أجرُ الاجتهادِ؛ لأنَّ اجتهادَه في طَلَبِ الحقِّ عبادةٌ، وفاتَه أجرُ الإصابةِ.
ولكنَّه لا يَأْثَمُ بعدمِ إصابةِ الحقِّ بعدَ بَذْلِه جُهْدَه واجتهادِه، فقد سَقَطَ عنه إثمُ الخطأِ، ولكن بشرطِ أنْ يكونَ عالِماً مؤَهَّلاً للاجتهادِ.
11- مفهومُ الحديثِ: أنَّ القاضيَ إذَا لم يَجْتَهِدْ، بل حَكَمَ بدونِ إمعانٍ، ولا تَحَرٍّ للصوابِ: أنه آثِمٌ؛ لأنَّه حَكَمَ بينَ الناسِ وهو لا يَعْرِفُ الحقَّ؛ فهذا في النارِ.
12- قالَ ابنُ القَيِّمِ: الحاكِمُ مُحتاجٌ إلى ثلاثةِ أشياءَلا يَصِحُّ له حُكْمٌ إلاَّ بها:
-معرفةُ الأدِلَّةِ.
-معرفةُ الأسبابِ.
-معرفةُ البيِّناتِ.
فالأدِلَّةُ: مَعْرِفَةُ الحُكْمِ الشرعيِّ، لا الكلِّيِّ.
والأسبابُ: معرفةُ ثُبُوتِه في هذا المَحَلِّ المُعْتَبَرِ، وانتفائِه عنه.
البَيِّنَاتُ: معرفةُ طريقِ الحكمِ عندَ التنازُعِ.
فمَن أَخْطَأَ واحدًامِن هذه الثلاثةِ أَخْطَأَ في الحُكْمِ.
وجميعُ خَطَأِ الحكَّامِ مدارُه على هذه الثلاثةِ، أو بعضِها.
* خِلافُ العلماءِ:
واخْتَلَفَ العلماءُ: هل كلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، أم أنَّ المُصِيبَ واحدٌ، وهو مَن وَافَقَ الحقَّ الذي عندَ اللَّهِ، وأنَّ الآخرَ مُخْطِئٌ؟:
فذهَبَ بعضُهم: إلى أنَّ كلاًّ مِنهما مُصِيبٌ؛ لأنَّ اللَّهَ تعالى جَعَلَ للمُخْطِئِ أجراً، فلولا إصابتُه الحقَّ، لم يَجْعَلْ له أجراً.
وذَهَبَ جمهورُ العلماءِ: إلى أنَّ المُصيبَ واحدٌ فقطْ، وهو مَن وَافَقَ الحقَّ الذي هو مرادُ اللَّهِ تعالى، وأمَّا الأجرُ الذي للمُخْطِئِ فهو لحرصِه على الحقِّ، واجتهادِه فيه.
والراجِحُ: أنَّ المُصِيبَ واحدٌ، واللَّهُ أعلمُ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المجتهد, القاضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:32 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir