15/1194 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ تَبِعَهُ فِي يَوْمِ بَدْرٍ: ((ارْجِعْ؛ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ)؛ أَيْ: مُشْرِكٍ، ( تَبِعَهُ يَوْمَ بَدْرٍ: ارْجِعْ؛ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
وَلَفْظُهُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ بَدْرٍ، فَلَمَّا كَانَ بِحَرَّةِ الْوَبَرَةِ أَدْرَكَهُ رَجُلٌ قَدْ كَانَ تُذْكَرُ فِيهِ جُرْأَةٌ وَنَجْدَةٌ، فَفَرِحَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَأَوْهُ، فَلَمَّا أَدْرَكَهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: جِئْتُ لأَتْبَعَكَ وَأُصِيبَ مَعَكَ، قَالَ: ((أَتُؤْمِنُ بِاللَّهِ؟)) قَالَ: لا، قَالَ: ((فَارْجِعْ؛ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ)). فَلَمَّا أَسْلَمَ أَذِنَ لَهُ.
وَالْحَدِيثُ مِنْ أَدِلَّةِ مَنْ قَالَ: لا يَجُوزُ الاسْتِعَانَةُ بِالْمُشْرِكِينَ فِي الْقِتَالِ، وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَذَهَبَ الْهَادَوِيَّةُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إلَى جَوَازِ ذَلِكَ، قَالُوا: لأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعَانَ بِصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، وَاسْتَعَانَ بِيَهُودِ بَنِي قَيْنُقَاعَ، وَرَضَخَ لَهُمْ.
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَن الزُّهْرِيِّ مُرْسَلاً، وَمَرَاسِيلُ الزُّهْرِيِّ ضَعِيفَةٌ. قَالَ الذَّهَبِيُّ: لأَنَّهُ كَانَ خَطَّاءً، فَفِي إرْسَالِهِ شُبْهَةُ تَدْلِيسٍ، وَصَحَّحَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهُ رَدَّهُمْ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ بِأَنَّ الَّذِي رَدَّهُ يَوْمَ بَدْرٍ تَفَرَّسَ فِيهِ الرَّغْبَةَ فِي الإِسْلامِ، فَرَدَّهُ رَجَاءَ أَنْ يُسْلِمَ، فَصَدَقَ ظَنُّهُ، أَوْ أَنَّ الاسْتِعَانَةَ كَانَتْ مَمْنُوعَةً فَرُخِّصَ فِيهَا، وَهَذَا أَقْرَبُ. وَقَد اسْتَعَانَ يَوْمَ حُنَيْنٍ بِجَمَاعَةٍ مِن الْمُشْرِكِينَ تَأَلَّفَهُمْ بِالْغَنَائِمِ.
اشْتَرَطَ الْهَادَوِيَّةُ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مُسْلِمُونَ يَسْتَقِلُّ بِهِمْ فِي إمْضَاءِ الأَحْكَامِ.
وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ: إنْ كَانَ الْكَافِرُ حَسَنَ الرَّأْيِ فِي الْمُسْلِمِينَ، وَدَعَتْ حَاجَةٌ إلَى الاسْتِعَانَةِ، اسْتُعِينَ بِهِ، وَإِلاَّ فَيُكْرَهُ. وَيَجُوزُ الاسْتِعَانَةُ بِالْمُنَافِقِ إجْمَاعاً؛ لاسْتِعَانَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَأَصْحَابِهِ.