924- وعَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُا أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كَانَ يَسْأَلُ في مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: ((أَيْنَ أَنَا غَداً؟)). يُرِيدُ يَوْمَ عَائِشَةَ، فأَذِنَ له أَزْواجُه يَكُونُ حَيْثُ شَاءَ، فكانَ في بَيْتِ عائشةَ. مُتَّفَقٌ عليهِ.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
* مُفْرداتُ الحديثِ:
- غَداً: بفتحِ الغينِ والدالِ، قالَ في (المِصباحِ): الغَدُ اليومُ الذي بَعْدَ يومِكَ على أَثَرِه.
- أَيْنَ أَنَا غَداً: كانَ هذا الاستفهامُ تَعْرِيضاً لَهُنَّ لأنْ يَأْذَنَّ لَهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ عائشةَ؛ ولذا فَهِمْنَ ذلك فأَذِنَّ لَهُ.
* مَا يُؤْخَذُ من الحَديثِ:
1- فيهِ بيانُ وُجوبِ العَدْلِ في القَسْمِ بينَ الزَّوْجاتِ، وعَدَمِ تَفْضيلِ بَعْضِهِنَّ على بعضٍ في المَبيتِ وغَيْرِه.
2- أنَّ القَسْمَ الواجِبُ حتى في حَالَةِ المَرَضِ؛ لأنَّ الغَرَضَ منه المَبِيتُ والعِشْرَةُ, لا نَفْسُ الجِماعِ.
3- أنَّ الهَوَى النَّفْسِيَّ والمَحَبَّةَ القَلْبِيَّةَ إلى بعضِ الزوجاتِ لا تُنافِي القَسْمَ والعَدْلَ؛ لأنَّ هذا ليسَ في وُسعِ الإنسانِ، وإنَّما هو أَمْرٌ يَمْلِكُه اللهُ تعالى وَحْدَه؛ ولذا كانَ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يَقْسِمُ ويَعْدِلُ، ويَقولُ: ((اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ، فَلاَ تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلاَ أَمْلِكُ)).
4- أنَّ الزوجةَ الأُخْرَى أو الزوجاتِ إذا أََذِنَّ للزوجِ أنْ يَبِيتَ عندَ مَن يشاءُ مِنْهُنَّ، فإِنَّه جَائِزٌ؛ لأنَّ الحقَّ لَهُنَّ وأسْقَطْنَهُ برِضاهنَّ.
5- حُسْنُ عِشْرَةِ زوجاتِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُنَّ، وإيثارُهُنَّ ما يُحِبُّه على مَحَبَّةِ أَنْفُسِهِنَّ، فَقَدْ عَلِمْنَ رَغْبَةَ إِقَامَتِه صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في بيتِ عَائِشَةَ فتَنَازَلْنَ عن حَقِّهِنَّ؛ ليُمَرَّضَ في بَيْتِها.
6- فَضْلُ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنهَا فلو لَمْ يَكُنْ عندَها من حُسْنِ العِشْرَةِ، ولُطْفِ الخِدْمَةِ، وكَمَالِ الخُلُقِ، ما آثَرَها على غَيْرِها بالرغبةِ في المُقامِ عندَها.
فقَدْ جاءَ في الصحيحيْنِ عن أنَسٍ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ: ((فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ)).
وجاءَ في الصحيحيْنِ ـ أيضاً ـ عَن عَائِشَةَ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ لها: ((يَا عَائِشَةُ, هَذَا جِبْرِيلُ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلامَ)). فقَالَتْ: (وَعَلَيْهِ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ).
7- يَجوزُ للإنسانِ أَنْ يُعَرِّضَ برغبتِه بالشيءِ لمَن يُرِيدُ مِنْهُ قَضاءَها، ولا يُعْتَبَرُ هذا التعريضُ مِن النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أَمْراً يَشِينُه؛ لأنَّهُنَّ يَعْرِفْنَ ذلك فيه.
8- أنَّ الأَفْضَلَ للإنسانِ أَنْ يَفْعَلَ الذي هو خَيْرٌ، ولو لَمْ يَجِبْ عليهِ، فالقَسْمُ بَيْنَ الزوجاتِ لَيْسَ واجباً على النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، ومعَ هذا رَاعاهُ حَتَّى في هذهِ الحَالَةِ الشديدَةِ عليهِ.
9- اخْتَلَفَ العلماءُ في وُجوبِ القَسْمِ على النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، والراجِحُ أنَّه لا يَجِبُ عليه؛ لقولِهِ تعالى: {تُرْجِى مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ} [الأحزاب: 51] إِلاَّ أَنَّهُ مَعَ هذهِ الفُسْحَةِ له من رَبِّه، كانَ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يَعْدِلُ بينَهُنَّ فِيمَا أَقْدَرَهُ اللهُ عليهِ مِن القَسْمِ، صلواتُ اللهِ وسَلامُه عليهِ.