دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > دروس التفسير لبرنامج إعداد المفسّر > دروس تفسير جزء قد سمع

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 ذو القعدة 1436هـ/24-08-2015م, 07:08 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تفسير سورة الحشر [ من الآية (1) إلى الآية (4) ]

تفسير قوله تعالى: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (2) وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ (3) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (4) }

تفسير قوله تعالى: (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({سبّح للّه ما في السّماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم (1) هو الّذي أخرج الّذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأوّل الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنّوا أنّهم مانعتهم حصونهم من اللّه فأتاهم اللّه من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرّعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار (2) ولولا أن كتب اللّه عليهم الجلاء لعذّبهم في الدّنيا ولهم في الآخرة عذاب النّار (3) ذلك بأنّهم شاقّوا اللّه ورسوله ومن يشاقّ اللّه فإنّ اللّه شديد العقاب (4) ما قطعتم من لينةٍ أو تركتموها قائمةً على أصولها فبإذن اللّه وليخزي الفاسقين (5) }
يخبر تعالى أنّ جميع ما في السّموات وما في الأرض من شيءٍ يسبّح له ويمجّده ويقدّسه، ويصلّي له ويوحّده كقوله: {تسبّح له السّماوات السّبع والأرض ومن فيهنّ وإن من شيءٍ إلا يسبّح بحمده] ولكن لا تفقهون تسبيحهم]} [الإسراء: 44]. وقوله: {وهو العزيز} أي: منيع الجناب {الحكيم} في قدره وشرعه). [تفسير القرآن العظيم: 8/56]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ( (1) فافْتَتَحَ تعالى هذه السورةَ بالإخبارِ أنَّ جميعَ مَن في السماواتِ والأرْضِ تُسَبِّحُ بحَمْدِ ربِّها وتُنَزِّهُهُ عمَّا لا يَلِيقُ بجَلالِه، وتَعْبُدُه وتَخْضَعُ لعَظمتِه؛ لأنَّه العزيزُ الذي قَدْ قَهَرَ كلَّ شيءٍ؛ فلا يَمْتَنِعُ عليهِ شيءٌ، ولا يَسْتَعْصِي عليهِ عَسيرٌ، الحكيمُ في خَلْقِه وأمْرِه؛ فلا يَخْلُقُ شيئاً عَبَثاً، ولا يَشْرَعُ ما لا مَصْلَحَةَ فيه، ولا يَفْعَلُ إلاَّ ما هو مُقْتَضَى حِكمتِه). [تيسير الكريم الرحمن: 849]

تفسير قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (2) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {هو الّذي أخرج الّذين كفروا من أهل الكتاب} يعني: يهود بني النّضير. قاله ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، والزّهريّ، وغير واحدٍ: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا قدم المدينة هادنهم وأعطاهم عهدًا وذمّةً، على ألّا يقاتلهم ولا يقاتلوه، فنقضوا العهد الّذي كان بينهم وبينه، فأحلّ اللّه بهم بأسه الّذي لا مردّ له، وأنزل عليهم قضاءه الّذي لا يصدّ، فأجلاهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وأخرجهم من حصونهم الحصينة الّتي ما طمع فيها المسلمون، وظنّوا هم أنّها مانعتهم من بأس اللّه، فما أغنى عنهم من اللّه شيئًا، وجاءهم ما لم يكن ببالهم، وسيّرهم رسول اللّه وأجلاهم من المدينة، فكان منهم طائفةٌ ذهبوا إلى أذرعاتٍ من أعالي الشّام، وهي أرض المحشر والمنشر، ومنهم طائفةٌ ذهبوا إلى خيبر. وكان قد أنزلهم منها على أنّ لهم ما حملت إبلهم، فكانوا يخرّبون ما في بيوتهم من المنقولات الّتي يمكن أن تحمل معهم؛ ولهذا قال: {يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار} أي: تفكّروا في عاقبة من خالف أمر اللّه وخالف رسوله، وكذّب كتابه، كيف يحلّ به من بأسه المخزي له في الدّنيا، مع ما يدّخره له في الآخرة من العذاب الأليم.
قال أبو داود: حدّثنا محمّد بن داود وسفيان، حدّثنا عبد الرّزّاق، أخبرنا معمر، عن الزّهريّ، عن عبد الرّحمن بن كعب بن مالكٍ، عن رجلٍ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، أنّ كفّار قريشٍ كتبوا إلى ابن أبيٍّ، ومن كان معه يعبد [معه] الأوثان من الأوس والخزرج، ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يومئذٍ بالمدينة قبل وقعة بدرٍ: إنّكم آويتم صاحبنا، وإنّا نقسم باللّه لنقاتلنّه، أو لتخرجنّه، أو لنسيرنّ إليكم بأجمعنا، حتّى نقتل مقاتلتكم ونستبيح نساءكم، فلمّا بلغ ذلك عبد اللّه بن أبيٍّ ومن كان معه من عبدة الأوثان، اجتمعوا لقتال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فلمّا بلغ ذلك النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لقيهم، فقال: "لقد بلغ وعيد قريشٍ منكم المبالغ، ما كانت تكيدكم بأكثر ممّا تريد أن تكيدوا به أنفسكم، تريدون أن تقاتلوا أبناءكم وإخوانكم؟ "، فلمّا سمعوا ذلك من النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم تفرّقوا، فبلغ ذلك كفّار قريشٍ، فكتبت كفّار قريشٍ بعد وقعة بدرٍ إلى اليهود: إنّكم أهل الحلقة والحصون، وإنّكم لتقاتلّن مع صاحبنا أو لنفعلنّ كذا وكذا، ولا يحول بيننا وبين خدم نسائكم شيءٌ -وهي الخلاخيل -فلمّا بلغ كتابهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم اجتمعت بنو النّضير بالغدر، فأرسلوا إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: اخرج إلينا في ثلاثين رجلًا من أصحابك ليخرج منّا ثلاثون حبرًا، حتّى نلتقي بمكان المنصف فيسمعوا منك، فإن صدّقوك وآمنوا بك آمنّا بك، فلمّا كان الغد غدا عليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم [بالكتائب] فحصرهم، قال لهم: "إنّكم واللّه لا تأمنوا عندي إلّا بعهدٍ تعاهدوني عليه". فأبوا أن يعطوه عهدًا، فقاتلهم يومهم ذلك، ثمّ غدا الغد على بني قريظة بالكتائب، وترك بني النّضير، ودعاهم إلى أن يعاهدوه، فعاهدوه، فانصرف عنهم. وغدا إلى بني النّضير بالكتائب فقاتلهم، حتّى نزلوا على الجلاء. فجلت بنو النّضير، واحتملوا ما أقلّت الإبل من أمتعتهم وأبواب بيوتهم وخشبها، وكان نخل بني النّضير لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خاصّةً، أعطاه اللّه أيّاها وخصّه بها، فقال: {وما أفاء اللّه على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيلٍ ولا ركابٍ} يقول: بغير قتالٍ، فأعطى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أكثرها للمهاجرين، قسّمها بينهم، وقسّم منها لرجلين من الأنصار وكانا ذوي حاجةٍ، ولم يقسّم من الأنصار غيرهما، وبقي منها صدقة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الّتي في أيدي بني فاطمة.
ولنذكر ملخّص غزوة بني النّضير على وجه الاختصار، وباللّه المستعان.
وكان سبب ذلك فيما ذكره أصحاب المغازي والسير: أنّه لمّا قتل أصحاب بئر معونة، من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وكانوا سبعين، وأفلت منهم عمرو بن أميّة الضّمريّ، فلمّا كان في أثناء الطّريق راجعًا إلى المدينة قتل رجلين من بني عامرٍ، وكان معهما عهدٌ من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأمانٌ لم يعلم به عمرٌو، فلمّا رجع أخبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لقد قتلت رجلين، لأدينّهما" وكان بين بني النّضير وبني عامرٍ حلفٌ وعهدٌ، فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى بني النّضير يستعينهم في دية ذينك الرّجلين، وكان منازل بني النّضير ظاهر المدينة على أميالٍ منها شرقيّها.
قال محمّد بن إسحاق بن يسارٍ في كتابه السّيرة: ثمّ خرج رسول اللّه إلى بني النّضير، يستعينهم في دية ذينك القتيلين من بني عامرٍ، اللّذين قتل عمرو بن أميّة الضّمريّ؛ للجوار الّذي كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عقد لهما، فيما حدّثني يزيد بن رومان، وكان بين بني النّضير وبني عامرٍ عقد وحلفٌ. فلمّا أتاهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يستعينهم في دية ذينك القتيلين قالوا: نعم، يا أبا القاسم، نعينك على ما أحببت، ممّا استعنت بنا عليه. ثمّ خلا بعضهم ببعضٍ فقالوا: إنّكم لن تجدوا الرّجل على مثل حاله هذه -ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى جنب جدارٍ من بيوتهم-فمن رجلٌ يعلو على هذا البيت، فيلقي عليه صخرةً، فيريحنا منه؟ فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعبٍ أحدهم، فقال: أنا لذلك، فصعد ليلقي عليه صخرةً كما قال، ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في نفرٍ من أصحابه، فيهم أبو بكرٍ وعمر وعليٌّ، رضي اللّه عنهم. فأتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الخبر من السّماء بما أراد القوم، فقام وخرج راجعًا إلى المدينة، فلمّا استلبث النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أصحابه قاموا في طلبه فلقوا رجلًا مقبلًا من المدينة، فسألوه عنه، فقال: رأيته داخلًا المدينة. فأقبل أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى انتهوا إليه، فأخبرهم الخبر بما كانت يهود أرادت من الغدر به، وأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالتّهيّؤ لحربهم والمسير إليهم. ثمّ سار حتّى نزل بهم فتحصّنوا منه في الحصون، فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بقطع النّخل والتّحريق فيها. فنادوه: أن يا محمّد، قد كنت تنهى عن الفساد وتعيبه على من صنعه، فما بال قطع النّخل وتحريقها؟
وقد كان رهطٌ من بني عوف بن الخزرج، منهم عبد الله ابن أبيّ [بن] سلولٍ، ووديعة، ومالك بن أبي قوقلٍ وسويد وداعسٌ، قد بعثوا إلى بني النّضير: أن اثبتوا وتمنّعوا فإنّا لن نسلمكم، إن قوتلتم قاتلنا معكم، وإن أخرجتم خرجنا معكم فتربّصوا ذلك من نصرهم، فلم يفعلوا، وقذف اللّه في قلوبهم الرّعب، فسألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يجليهم ويكفّ عن دمائهم، على أنّ لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلّا الحلقة، ففعل، فاحتملوا من أموالهم ما استقلّت به الإبل، فكان الرّجل منهم يهدم بيته عن نجاف بابه، فيضعه على ظهر بعيره فينطلق به. فخرجوا إلى خيبر، ومنهم من سار إلى الشّام، وخلّوا الأموال إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فكانت لرسول اللّه خاصّةً يضعها حيث شاء، فقسمها على المهاجرين الأوّلين دون الأنصار. إلّا أنّ سهل بن حنيف وأبا دجانة سماك بن خرشة ذكرا فقرًا، فأعطاهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
قال: ولم يسلم من بني النّضير إلّا رجلان: يامين بن عمير بن كعب بن عمرو بن جحاشٍ، وأبو سعد بن وهبٍ أسلما على أموالهما فأحرزاها.
قال: ابن إسحاق: قد حدّثني بعض آل يامين: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال ليامين: "ألم تر ما لقيت من ابن عمّك، وما هم به من شأني". فجعل يامين بن عمير لرجل جعل على أن يقتل عمرو بن جحاشٍ، فقتله فيما يزعمون.
قال ابن إسحاق: ونزل في بني النّضير سورة الحشر بأسرها.
وهكذا روى يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، بنحو ما تقدّم.
فقوله: {هو الّذي أخرج الّذين كفروا من أهل الكتاب} يعني: بني النّضير {من ديارهم لأوّل الحشر}.
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا ابن أبي عمر، حدّثنا سفيان، عن أبي سعدٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: من شكّ في أن أرض المحشر هاهنا -يعني الشّام فليتل هذه الآية: {هو الّذي أخرج الّذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأوّل الحشر} قال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "اخرجوا". قالوا: إلى أين؟ قال: "إلى أرض المحشر".
وحدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، حدّثنا أبو أسامة، عن عوفٍ، عن الحسن قال: لمّا أجلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بني النّضير، قال: "هذا أوّل الحشر، وأنا على الأثر".
ورواه ابن جريرٍ، عن بندار، عن ابن أبي عديٍّ، عن عوفٍ، عن الحسن، به.
وقوله: {ما ظننتم أن يخرجوا} أي: في مدّة حصاركم لهم وقصرها، وكانت ستّة أيّامٍ، مع شدّة حصونهم ومنعتها؛ ولهذا قال: {وظنّوا أنّهم مانعتهم حصونهم من اللّه فأتاهم اللّه من حيث لم يحتسبوا} أي: جاءهم من أمر اللّه ما لم يكن لهم في بالٍ، كما قال في الآية الأخرى: {قد مكر الّذين من قبلهم فأتى اللّه بنيانهم من القواعد فخرّ عليهم السّقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون} [النّحل: 26].
وقوله: {وقذف في قلوبهم الرّعب} أي: الخوف والهلع والجزع، وكيف لا يحصل لهم ذلك وقد حاصرهم الّذي نصر بالرّعب مسيرة شهرٍ، صلوات الله وسلامه عليه.
وقوله: {يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين} قد تقدّم تفسير ابن إسحاق لذلك، وهو نقض ما استحسنوه من سقوفهم وأبوابهم، وتحملها على الإبل، وكذا قال عروة بن الزّبير، وعبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، وغير واحدٍ.
وقال مقاتل ابن حيّان: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقاتلهم، فإذا ظهر على درب أو دارٍ، هدم حيطانها ليتّسع المكان للقتال. وكان اليهود إذا علّوا مكانًا أو غلبوا على دربٍ أو دارٍ، نقبوا من أدبارها ثمّ حصّنوها ودرّبوها، يقول اللّه تعالى: {فاعتبروا يا أولي الأبصار} ). [تفسير القرآن العظيم: 8/56-60]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ( (2) ومِن ذلكَ نَصْرُه لرسولِه صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ على الَّذِينَ كَفَرُوا مِن أهْلِ الكتابِ مِن بَنِي النَّضِيرِ حينَ غَدَرُوا برسولِه فأَخْرَجَهم مِن دِيارِهم وأَوطانِهم التي أَلِفُوها وأَحَبُّوها.
وكانَ إخراجُهم منها أوَّلَ حَشْرٍ وجَلاءٍ كَتَبَه اللَّهُ عليهم على يَدِ رسولِه محمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ، فجَلَوْا إلى خَيْبَرَ.
ودَلَّتِ الآيةُ الكريمةُ أنَّ لهم حَشْراً وجَلاءً غيرَ هذا؛ فقَدْ وَقَعَ حِينَ أَجْلاَهُم النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ مِن خَيْبَرَ، ثم عُمَرُ رَضِيَ اللَّه عنه أخْرَجَ بَقِيَّتَهم منها.
{مَا ظَنَنْتُمْ} أيُّها المُسلِمونَ {أَنْ يَخْرُجُوا} مِن دِيارِهم؛ لِحَصَانَتِها ومَنَعَتِها وعِزِّهم فيها.
{وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمُ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ}؛ فأُعْجِبُوا بها وغَرَّتْهُم، وحَسِبُوا أنَّهم لا يُنَالُونَ بها، ولا يَقْدِرُ عليها أحَدٌ، وَقَدَرُ اللَّهِ وَراءَ ذلكَ كُلِّه، لا تُغْنِي عنه الحصونُ والقِلاعُ، ولا تُجْدِي فيهِ القوَّةُ والدِّفاعُ.
ولهذا قالَ: {فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا}؛ أيْ: مِن الأمْرِ والبابِ الذي لم يَخْطِرْ ببالِهم أنْ يُؤْتَوْا منه، وهو أنَّه تعالى: {قَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ}: وهو الخوفُ الشديدُ، الذي هو جُندُ اللَّهِ الأكبَرُ، الذي لا يَنْفَعُ معَه عَددٌ ولا عُدَّةٌ، ولا قُوَّةٌ ولا شِدَّةٌ.
فالأمْرُ الذي يَحْتَسِبُونَه، ويَظُنُّونَ أنَّ الْخَلَلَ يَدْخُلُ عليهم منه إنْ دَخَلَ، هو الحُصونُ التي تَحَصَّنُوا بها واطْمَأَنَّتْ نُفوسُهم إليها، ومَن وَثِقَ بغيرِ اللَّهِ فهو مَخذولٌ، ومَن رَكَنَ إلى غيرِ اللَّهِ كانَ وَبالاً عليه، فأَتاهُم أمْرٌ سَمَاوِيٌّ نَزَلَ على قلوبِهم، التي هي مَحَلُّ الثباتِ والصبْرِ، أو الْخَوَرِ والضَّعْفِ.
فأَزالَ قُوَّتَها وشِدَّتَها، وأَوْرَثَها ضَعْفاً وخَوَراً وجُبْناً لا حِيلَةَ لهم في دَفْعِه، فصارَ ذلك عَوْناً عليهم.
ولهذا قالَ: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ}؛ وذلكَ أنَّهم صالَحُوا النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ على أنَّ لهم ما حَمَلَتِ الإبِلُ، فنَقَضُوا لذلكَ كثيراً مِن سُقُوفِهم التي استَحْسَنُوها، وسَلَّطُوا المُؤْمنِينَ بسببِ بَغْيِهم على إخرابِ دِيارِهم وهَدْمِ حُصونِهم، فهم الذينَ جَنَوْا على أنْفُسِهم وصارُوا أكبَرَ عَوْنٍ عليها.
{فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ}؛ أي: البصائرِ النافذةِ والعقولِ الكاملةِ؛ فإنَّ في هذا مُعْتَبَراً يُعْرَفُ بهِ صُنْعُ اللَّهِ تعالى في الْمُعانِدِينَ للحَقِّ الْمُتَّبِعِينَ لأهوائِهم، الذينَ لم تَنْفَعْهم عِزَّتُهم, ولا مَنَعَتْهُم قُوَّتُهم، ولا حَصَّنَتْهم حُصونُهم، حِينَ جاءَهم أمْرُ اللَّهِ وَصَلَ إليهم النَّكَالُ بذُنوبِهم.
والعِبرةُ بعمومِ المعنَى لا بخُصوصِ السببِ؛ فإنَّ هذه الآيةَ تَدُلُّ على الأمْرِ بالاعتبارِ، وهو اعتبارُ النَّظِيرِ بنَظيرِه، وقُياسُ الشيءِ على ما يُشَابِهُه، والتفَكُّرُ فيما تَضَمَّنَتْه الأحكامُ مِن الْمَعانِي والحِكَمِ التي هي مَحَلُّ العقْلِ والفِكْرَةِ، وبذلكَ يَكمُلُ العقْلُ، وتَتَنَوَّرُ البَصيرةُ، ويَزدادُ الإيمانُ ويَحْصُلُ الفَهْمُ الحقيقيُّ). [تيسير الكريم الرحمن: 849-850]

قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : (هذه السورةُ تُسَمَّى سُورةَ بَنِي النَّضِيرِ، وهم طائفةٌ كبيرةٌ مِن اليَهودِ في جانبِ المدينةِ وَقْتَ بَعْثةِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ، فلَمَّا بُعِثَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ وهاجَرَ إلى المدينةِ كَفَرُوا به في جُملةِ مَن كفَرَ مِن اليهودِ.
فهَادَنَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ طَوائفَ اليهودِ الذينَ هم جِيرَانُه في المدينةِ، فلَمَّا كانَ بعدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ بسِتَّةِ أشهُرٍ أو نحوِها؛ خرَجَ إليهم النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ، وكَلَّمَهم أنْ يُعِينُوهُ في دِيَةِ الكِلاَبِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ قَتَلَهم عمرُو بنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ، فقالوا: نَفْعَلُ يا أبا القاسِمِ، اجْلِسْ ههنا حتى نَقْضِيَ حاجَتَكَ.
فخَلاَ بعضُهم ببعضٍ، وسَوَّلَ لهم الشيطانُ الشَّقَاءَ الذي كُتِبَ عليهم، فتَآمَرُوا بقَتْلِه صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ، فقالوا: أيُّكم يَأْخُذُ هذهِ الرَّحَى فيَصْعَدُ فيُلْقِيها على رأسِه يَشْدَخُه بها؟
فقالَ أَشقَاهُم عمرُو بنُ جِحَاشٍ: أنا. فقالَ لهم سَلاَّمُ بنُ مِشْكَمٍ: لا تَفْعَلُوا؛ فواللَّهِ ليُخْبَرَنَّ بما هَمَمْتُم به، وإِنَّه لنَقْضٌ للعهْدِ الذي بينَنا وبينَه.
وجاءَ الوَحْيُ على الفَوْرِ إليهِ مِن رَبِّهِ بما هَمُّوا به، فنَهَضَ مُسْرِعاً، فتَوَجَّهَ إلى المدينةِ، ولَحِقَه أصحابُه، فقالوا: نَهَضْتَ ولم نَشعُرْ بِكَ! فأَخْبَرَهم بما هَمَّتْ يَهودُ به.
وبَعَثَ إليهم رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ أنِ اخْرُجُوا مِن المدينةِ ولا تُسَاكِنُونِي بها، وقدْ أَجَّلْتُكُمْ عَشْراً؛ فمَن وَجدْتُ بعدَ ذلك ضَرَبْتُ عُنُقَه.
فأقَامُوا أيَّاماً يَتَجَهَّزُونَ، وأَرْسَلَ إليهم المُنافِقُ عبدُ اللَّهِ بنُ أُبَيِّ بنِ سَلولٍ: أنْ لا تَخْرُجُوا مِن دِيارِكم؛ فإنَّ مَعِي ألْفَيْنِ يَدْخُلُونَ معَكم حِصْنَكُمْ فيَموتونَ دُونَكم، وتَنْصُرُكم قُرَيْظَةُ وحُلفاؤُكم مِن غَطَفَانَ.
وطَمِعَ رئيسُهم حُيَيُّ بنُ أخْطَبَ فيما قالَ له، وبعَثَ إلى رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ يقولُ: إنَّا لا نَخرُجُ مِن دِيارِنا، فاصنَعْ ما بدا لكَ.
فكَبَّرَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ وأصحابُه، ونَهَضُوا إليهم، وعليُّ بنُ أبي طالِبٍ يَحمِلُ اللِّواءَ، وأَقامُوا على حُصونِهم يَرْمُونَ بالنَّبْلِ والحِجَارةِ، واعتَزَلَتْهُم قُرَيْظَةُ، وخانَهم ابنُ أُبَيٍّ وحُلفاؤُهم مِن غَطَفَانَ.
فحَاصَرَهم رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ، وقَطَّعَ نَخْلَهم وَحَرَّقَ، فأَرْسَلُوا إليهِ: نحنُ نَخْرُجُ مِن المدينةِ.
فأَنْزَلَهم على أنْ يَخْرُجوا مِنها بنُفُوسِهم وذَرَارِيِّهِم، وأنَّ لهم ما حَمَلَتْ إِبِلُهم إلاَّ السلاحَ. وقَبَضَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ الأموالَ والسلاحَ.
وكانَتْ بَنُو النَّضِيرِ خالِصَةً لرسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ لنَوَائِبِه ومَصالِحِ المُسلمِينَ، ولم يُخَمِّسْها؛ لأنَّ اللَّهَ أَفَاءَها عليهِ، ولَمْ يُوجِفِ المُسلمونَ عليها بخَيْلٍ ولا رِكابٍ.
وأَجلاهُم إلى خَيْبَرَ، وفيهم حُيَيُّ بنُ أَخْطَبَ كبيرُهم، واستَوْلَى على أرْضِهم ودِيارِهم، وقبَضَ السلاحَ، فوَجَدَ مِن السلاحِ خَمْسِينَ دِرْعاً وخَمْسِينَ بَيْضَةً وثلاثَمائةٍ وأربعينَ سَيْفاً.
هذا حاصِلُ قِصَّتِهم كما ذَكَرَها أهلُ السِّيَرِ). [تيسير الكريم الرحمن: 848-849]

قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (2- {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ} هم بنو النَّضِيرِ، وهم رَهْطٌ مِن اليهودِ مِن ذُرِّيَّةِ هارونَ، نَزلوا المدينةَ في فِتَنِ بني إسرائيلَ، فغَدَرُوا بالنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعدَ أنْ عاهَدُوه، وصارُوا عليه مع المشْرِكينَ، فحاصَرَهم رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتى رَضُوا بالجَلاءِ.
قالَ الكلبيُّ: كانوا أوَّلَ مَن أُجْلِيَ مِن أهلِ الكتابِ مِن جَزيرةِ العرَبِ، ثم أُجْلِيَ آخِرُهم في زمَنِ عمرَ بنِ الْخَطَّابِ، فكانَ جَلاؤُهم أوَّلَ حشْرٍ مِن المدينةِ، وآخِرُ حشْرٍ إجلاءُ عمرَ لهم، وقيلَ: آخِرُ الحشْرِ هو حشْرُ جميعِ الناسِ إلى أرضِ الْمَحْشَرِ, {مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا} أيْ: ما ظَننتُمْ أيُّها المسلمونَ أنَّ بَنِي النَّضيرِ يَخرجونَ مِن دِيارِهم؛ لعِزَّتِهم ومَنَعَتِهم, وكانوا أهْلَ حُصونٍ مانِعةٍ، وعَقارٍ ونَخيلٍ واسعةٍ، وأهلَ عَدَدٍ وعُدَّةٍ.
{وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ} أيْ: وظَنَّ بنو النَّضيرِ أنَّ حُصونَهم تَمْنَعُهم مِن بأسِ اللهِ.
{فَأَتَاهُمُ اللهُ مِن حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا} أيْ: أَتاهمْ أمْرُ اللهِ مِن جِهةٍ لم يَخْطِرْ ببَالِهم أنه يَأتيهِم أمْرُه منها، وهو أنه سُبحانَه أمَرَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بقِتالِهم وإجلائِهم، وكانوا لا يَظُنُّونَ أنَّ الأمْرَ يَصِلُ إلى ذلك، بل كانوا عندَ أنفُسِهم أعَزَّ وأَقْوَى.
{وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ}: الرعْبُ أشدُّ الخوفِ, قالَ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ)).{يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ } وذلك أنهم لَمَّا أَيْقَنُوا بالجَلاءِ حسَدُوا المسلمينَ أنْ يَسْكُنوا مَنازِلَهم؛ فجَعَلُوا يُخْرِبُونَها مِن داخِلَ والمسلمونَ مِن خارِجَ.
وقالَ الزُّهْرِيُّ وعُروةُ بنُ الزبيرِ: لَمَّا صالَحَهم النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على أنَّ لهم ما أقَلَّتِ الإبِلُ كانوا يَستحسنونَ الْخَشَبَةَ أو العمودَ فيَهْدِمونَ بُيوتَهم ويَحمِلُون ذلك على إبِلِهم ويُخَرِّبُ المؤمنونَ باقِيَها.
{فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} أيْ: اعْلَموا أنَّ اللهَ يَفعلُ مِثلَ ذلك بِمَن غَدَرَ وحَادَّ اللهَ). [زبدة التفسير: 545]


تفسير قوله تعالى: (وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ (3) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ولولا أن كتب اللّه عليهم الجلاء لعذّبهم في الدّنيا} أي: لولا أن كتب اللّه عليهم هذا الجلاء، وهو النّفي من ديارهم وأموالهم، لكان لهم عند اللّه عذابٌ آخر من القتل والسّبي، ونحو ذلك، قاله الزّهريّ، عن عروة، والسّدّي وابن زيدٍ؛ لأنّ اللّه قد كتب عليهم أنّه سيعذّبهم في الدّار الدّنيا مع ما أعدّ لهم في الآخرة من العذاب في نار جهنّم.
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ -كاتب اللّيث-حدّثني اللّيث، عن عقيلٌ، عن ابن شهابٍ قال: أخبرني عروة بن الزّبير قال: ثمّ كانت وقعة بني النّضير، وهم طائفةٌ من اليهود، على رأس ستّة أشهرٍ من وقعة بدرٍ. وكان منزلهم بناحيةٍ من المدينة، فحاصرهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتى نزلوا من الجلاء، وأنّ لهم ما أقلّت الإبل من الأموال والأمتعة إلّا الحلقة، وهي السّلاح، فأجلاهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قبل الشّام. قال: والجلاء أنّه كتب عليهم في آيٍ من التّوراة، وكانوا من سبطٍ لم يصبهم الجلاء قبل ما سلّط عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وأنزل اللّه فيهم: {سبّح للّه ما في السّماوات وما في الأرض} إلى قوله {وليخزي الفاسقين}.
وقال عكرمة: الجلاء: القتل. وفي روايةٍ عنه: الفناء.
وقال قتادة: الجلاء: خروج النّاس من البلد إلى البلد.
وقال الضّحّاك: أجلاهم إلى الشّام، وأعطى كلّ ثلاثةٍ بعيرًا وسقاءً، فهذا الجلاء.
وقد قال الحافظ أبو بكرٍ البيهقيّ: أخبرنا أبو عبد اللّه الحافظ، أخبرنا أحمد بن كاملٍ القاضي، حدّثنا محمّد بن سعيدٍ العوفيّ، حدّثني أبي، عن عمّي، حدّثني أبي عن جدّي، عن ابن عبّاسٍ قال: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قد حاصرهم حتّى بلغ منهم كلّ مبلغ، فأعطوه ما أراد منهم، فصالحهم على أن يحقن لهم دمائهم، وأن يخرجهم من أرضهم ومن ديارهم وأوطانهم، وأن يسيّرهم إلى أذرعات الشّام، وجعل لكلّ ثلاثةٍ منهم بعيرًا وسقاءً، والجلاء إخراجهم من أرضهم إلى أرضٍ أخرى
وروي أيضًا من حديث يعقوب بن محمّدٍ الزّهريّ، عن إبراهيم بن جعفر بن محمود بن محمد بن مسلمة، عن أبيه، عن جدّه، عن محمّد بن مسلمة؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعثه إلى بني النّضير، وأمره أن يؤجّلهم في الجلاء ثلاث ليالٍ .
وقوله: {ولهم في الآخرة عذاب النّار} أي: حتمٌ لازمٌ لا بدّ لهم منه). [تفسير القرآن العظيم: 8/60-61]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ( (3) ثُمَّ أَخْبَرَ تعالى أنَّ هؤلاءِ اليهودَ لم يُصِبْهم جميعُ ما يَستَحِقُّون مِن العُقوبةِ، وأنَّ اللَّهَ خَفَّفَ عنهم، فلولا أنَّه كتَبَ عليهم الجَلاءَ الذي أصابَهم وقَضاهُ عليهم وقَدَّرَه بقَدَرِه الذي لا يُبَدَّلُ ولا يُغَيَّرُ؛ لَكانَ له شأنٌ آخَرُ مِن عَذابِ الدنيا ونَكَالِها.
ولكنَّهم وإنْ فاتَهم العذابُ الشديدُ الدُّنْيَوِيُّ، فإنَّ لهم في الآخِرةِ عَذابَ النارِ الذي لا يُمْكِنُ أنْ يَعْلَمَ شِدَّتَه إلاَّ اللَّهُ، فلا يَخْطِرُ ببَالِهم أنَّ عُقوبَتَهم قدِ انقَضَتْ وفَرَغَتْ، ولم يَبْقَ لهم منها بَقِيَّةٌ، فما أعَدَّ اللَّهُ لهم مِن العذابِ في الآخِرةِ أعْظَمُ وأطَمُّ). [تيسير الكريم الرحمن: 850]

قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (3- {وَلَوْلَا أَن كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا} أيْ: لولا أنْ كَتَبَ اللهُ عليهم الخروجَ مِن أوطانِهم على الوَجْهِ، وقَضَى به عليهم، لعَذَّبَهم بالقتْلِ والسَّبْيِ في الدنيا كما فَعَلَ ببَنِي قُريظةَ). [زبدة التفسير: 545]

تفسير قوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (4) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ذلك بأنّهم شاقّوا اللّه ورسوله} أي: إنّما فعل اللّه بهم ذلك وسلّط عليهم رسوله وعباده المؤمنين؛ لأنّهم خالفوا اللّه ورسوله، وكذّبوا بما أنزل اللّه على رسله المتقدّمين في البشارة بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، وهم يعرفون ذلك كما يعرفون أبناءهم، ثمّ قال: {ومن يشاقّ اللّه فإنّ اللّه شديد العقاب} ). [تفسير القرآن العظيم: 8/61]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ( (4) و{ذَلِكَ} لأنهم {شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} وعادَوْهما وحارَبُوهما، وسَعَوْا في مَعْصِيَتِهما، وهذهِ سُنَّتُه وعَادَتُه فيمَنْ شاقَّهَ, {وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} ). [تيسير الكريم الرحمن: 850]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (4- {بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ} أيْ: بسببِ عَداوتِهم للهِ ورسولِه ونَقْضِهم للعَهْدِ). [زبدة التفسير: 546]

* للاستزادة ينظر: هنا

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تفسير, سورة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:19 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir