دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > دروس التفسير لبرنامج إعداد المفسّر > دروس تفسير سورة آل عمران

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 7 ذو القعدة 1436هـ/21-08-2015م, 08:31 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تفسير سورة آل عمران[من الآية (146) إلى الآية (148) ]

تفسير قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآَتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148)}

تفسير قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وكأيّن من نبيّ قاتل معه ربّيّون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل اللّه وما ضعفوا وما استكانوا واللّه يحبّ الصّابرين}
تفسيرها " كم من نبي "، وفيها لغتان جيدتان بالغتان يقرأ بهما جميعا.
يقرأ. {وكأيّن} بتشديد (وكائن) على وزن فاعل.
وأكثر ما جاء الشعر على هذه اللغة قال جرير:
وكائن بالأباطح من صديق... يراني لو أصبت هو المصابا
وقال الشاعر أيضا:
وكائن رددنا عنكمو من مدجج... يجيء أمام الألف يردى مقنعا
ومثل التشديد قوله:
كائن في المعاشر من أناس... أخوهم فوقهم وهم كرام
أعلم اللّه جلّ وعزّ أن كثيرا من الأنبياء قاتل معه جماعة فلم يهنوا – فقال الله عزّ وجلّ: {ربّيّون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل اللّه وما ضعفوا وما استكانوا}.
{وكأيّن من نبيّ قاتل معه ربّيّون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل اللّه وما ضعفوا وما استكانوا واللّه يحبّ الصّابرين}
معنى{فما وهنوا} فما فتروا، {وما ضعفوا}: وما جبنوا عن قتال عدوهم.
ومعنى{ما استكانوا}: ما خضعوا لعدوهم وتقرأ - وهو الأكثر {ربّيّون} بكسر الراء، وبعضهم يقرأ {ربّيّون} - بضم الراء.
وقيل في تفسير {ربّيّون كثير} أنهم الجماعات الكثيرة.
وقال بعضهم: الربوة عشرة آلاف وقيل الربيون العلماء الأتقياء: الصّبر على ما يصيبهم في الله - عزّ وجلّ - وكلا القولين حسن جميل، وتقرأ: (قتل معه)، (وقاتل معه).
فمن قرى قاتل، المعنى: إنهم قاتلوا وما وهنوا في قتالهم، ومن قرأ قتل، فالأجود أن يكون (قتل) للنبي عليه السلام المعنى.. وكأين من نبي قتل ومعه ربيون فما وهنوا بعد قتله، لأن هؤلاء الذين وهنوا كانوا توهموا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قتل، فأعلم الله - عزّ وجلّ - أن الربانيين بعد قتل نبيهم ما وهنوا.
وجائز أن يكون (قتل) للربانيين، ويكون (فما وهنوا) أي ما وهن من بقي منهم). [معاني القرآن: 1/475-476]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وكأيّن من نبيٍّ قاتل معه ربّيّون كثيرٌ فما وهنوا لما أصابهم في سبيل اللّه وما ضعفوا وما استكانوا واللّه يحبّ الصّابرين (146)
ثم ضرب تعالى المثل للمؤمنين بمن سلف من صالحي الأمم الذين لم يثنهم عن دينهم قتل الكفار لأنبيائهم فقال: وكأيّن من نبيٍّ الآية، وفي كأيّن أربع لغات: «كأين» على وزن كعين بفتح العين، و «كأين»، على وزن كاعن و «كأين» على وزن كعين بسكون العين وكان على وزن كعن بكسر العين، وأكثر ما استعملت العرب في أشعارها التي على وزن كاعن، فمن ذلك قول الشاعر: [الطويل]
وكائن رددنا عنكم من مدجّج = يجيء أمام القوم يردي مقنّعا
وقال جرير: [الطويل]
وكائن بالأباطح من صديق = يراني لو أصبت هو المصابا
وقال آخر [الطويل]:
وكائن ترى من صامت لك معجب = زيادته أو نقصه في التّكلّم
وقد جاء في اللغة التي ذكرتها أولا قول الشاعر: [الوافر]
كأيّن في المعاشر من أناس = أخوهم فوقهم وهم كرام
وهذه اللغة هي أصل هذه اللفظة، لأنها كاف التشبيه دخلت على «أي» كما دخلت على «ذا» في قولك لفلان كذا وكذا، وكما دخلت على «أن» في قولك كأن زيدا أسد، لكن بقي لها معنى التشبيه في كأن وزال عنها ذلك في كذا وكذا، وفي كأيّن، وصرفت العرب كأيّن في معنى «كم» التي هي للتكثير، وكثر استعمالهم للفظة حتى لعب فيها لسان العرب على اللغات الأربع التي ذكرت، وهذا كما لعب في قولهم:
لعمري حتى قالوا: وعملي، وكما قالوا: أطيب وأيطب، وكما قالوا: طبيخ في بطيخ، فعوملت الكاف «وأي» معاملة ما هو شيء واحد، فأما اعتلال لغة من قال: «كأين» على وزن فاعل، فإنهم أخذوا الأصل الذي هو «كاين» فقلبوا الياء قبل الهمزة ونقلت حركة كل واحد منهما إلى أختها، فجاء «كيا» على وزن كيع، فحذفوا الياء الثانية المفتوحة تخفيفا، كما حذفوا الياء من ميت وهين ولين فقالوا: ميت وهين ولين، وكما حذفوا الياء الثانية من «أي» تخفيفا ومنه قول الفرزدق بن غالب التميمي:
تنظرت نصرا والسماكين أيهما = عليّ من الغيث استهلت مواطره؟
فجاء «كيا» على وزن كيع، فأبدلت هذه الياء الساكنة ألفا مراعاة للفتحة التي قبلها، كما قالوا: في يوجل يأجل، وكما أبدلوا الياء ألفا في «طاى» وكما أبدلت في آية عند سيبويه، إذ أصلها عنده أية على وزن فعلة بسكون العين، فجاء «كاء» ثم كتب هذا التنوين نونا في المصحف، فأما قياس اللغة فحذفه في الوقف، فكما يقولون: مررت بزيد فكذلك يقولون كأي، ووقف عليه أبو عمرو بياء دون نون، وكذلك روى سورة بن المبارك عن الكسائي، ووقف سائر القراء بإثبات النون مراعاة لخط المصحف، قال أبو علي: ولو قيل إنه لما تصرف في الكلمة بالقلب صارت بمنزلة النون التي من نفس الكلمة وصارت بمنزلة لام فاعل فأقرت في الوقف، لكان قولا، ويقوي ذلك أنهم لما حذفوا الكلام من قولهم أما لا، جعلوها بالحذف ككلمة واحدة، فأجازوا الإمالة في ألف «لا» كما تجوز في التي من نفس الكلمة في الأسماء والأفعال، فيوقف على «كأين» بالنون ولا يتوقف على النون إذا لم تقلب، كما لا تميل الألف من «لا» إذا لم يحذف فعلها.
قال الفقيه أبو محمد: وبهذه اللغة التي فيها هذا القلب قرأ ابن كثير وحده، وقرأ سائر السبعة باللغة التي هي الأصل «كأين»، وذهب يونس بن حبيب في «كأين» إلى أنه فاعل من الكون، وقوله مردود، إذ يلزم عنه إعراب الكلمة ولم يعربها أحد من العرب، وأما اللغة التي هي «كأين» على وزن كعين فهي قراءة ابن محيصن والأشهب العقيلي، وتعليل هذه اللغة أنه علل الأصل الذي هو «كأين» بالتعليل المتقدم، فلما جاء «كيا» على وزن كيعن، ترك هؤلاء إبدال الياء الساكنة ألفا كما تقدم في التعليل الأول، وقلبوا الكلمة فجعلوها «كأين» على وزن كعين، وحسن هذا من وجهين: أحدهما أن التلعب والتصرف في هذه الكلمة مهيع، والثاني أنهم راجعوا الأصل الذي هو تقديم الهمزة على الياء، وأما اللغة التي هي كان على وزن كع فهي قراءة ابن محيصن أيضا، حكاها عنه أبو عمرو الداني، وقرأها الحسن بن أبي الحسن، إلا أنه سهل الهمزة ياء، فقرأ كي في جميع القرآن، وتعليل هذه اللغة أنهم حذفوا الألف من «كاء» الممدودة على وزن كاعن بعد ذلك التصرف كله تخفيفا، وهذا كما قالوا: أم والله، يريدون: أما، وكما قالوا على لسان الضب [المجتث]:
لا أشتهي أن أردّا = إلّا عرادا عردّا
وصليانا بردا = وعنكثا ملتبّدا
أرادوا: عاردا وبادرا، فحذفوا تخفيفا، وهذا كثير في كلامهم، وكأيّن في هذه الآية في موضع رفع بالابتداء، وهي بمنزلة «كم» وبمعناها تعطي في الأغلب التكثير، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع: «قتل»، بضم القاف وكسر التاء مخففة، وقرأ الباقون «قاتل معه» بألف بين القاف والتاء، وقرأ قتادة «قتل» بضم القاف وكسر التاء مشددة على التكثير، وقوله تعالى: «قتل» قال فيه جماعة من المفسرين منهم الطبري:
إنه مستند إلى ضمير نبيٍّ، والمعنى عندهم أن النبي قتل، قال ابن عباس في قوله: وما كان لنبيٍّ أن يغلّ [آل عمران: 161] النبي يقتل، فكيف لا يخان، وإذا كان هذا ف ربّيّون مرتفع بالظرف بلا خلاف، وقوله: معه ربّيّون على هذا التأويل يجوز أن يكون صفة ل نبيٍّ، ويجوز أن يكون حالا من الضمير الذي أسند إليه «قتل» فإن جعلته صفة أضمرت للمبتدأ الذي هو كأيّن خبرا تقديره في آخر الكلام: مضى أو ذهب أو فقد: فما وهنوا وإن جعلت معه ربّيّون حالا من الضمير فخبر المبتدأ في قوله: «قتل» وإذا جعلته صفة فالضمير في معه عائد على «النبي»، وإذا جعلته حالا فالضمير في معه عائد على الضمير ذي الحال، وعلى كلا الوجهين من الصفة أو الحال ف «معه ربيون» متعلق في الأصل بمحذوف، وليس متعلقا «بقتل»، وقال الحسن بن أبي الحسن وجماعة معه: إن «قتل» إنما هو مستند إلى قوله: ربّيّون وهم المقتولون قال الحسن وسعيد بن جبير: لم يقتل نبي في حرب قط.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فعلى هذا القول يتعلق قوله: معه ب قتل- وهذه الجملة- قتل معه ربيون، هي الابتداء ويتصور في قراءة من قرأ «قاتل» جميع ما ذكرته من التقديرات في قراءة «قتل»، وأما قراءة قتادة «قتل» فقال أبو الفتح: لا يحسن أن يسند الفعل إلا إلى الربيين، لما فيه من معنى التكثير الذي لا يجوز أن يستعمل في قتل شخص واحد، فإن قيل: يستند إلى نبي مراعاة لمعنى «كم» فالجواب أن اللفظ قد مشى على جهة الإفراد في قوله من نبيٍّ ودل الضمير المفرد في معه على أن المراد إنما هو التمثيل بواحد واحد، فخرج الكلام على معنى «كم» قال أبو الفتح: وهذه القراءة تقوي قول من قال من السبعة: إن «قتل» - بتخفيف التاء أو «قاتل» إنما يستند إلى الربيين، ورجح الطبري استناد «قتل» إلى «النبي» بدلالة نازلة محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك أن المؤمنين إنما تخاذلوا لما قيل قتل محمد- فضرب المثل بنبي قتل.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وإذا لم يسند الفعل إلى «نبي» فإنما يجيء معنى الآية: تثبيت المؤمنين بعد من قتل منهم فقط، وترجيح الطبري حسن، ويؤيد ذلك ما تقدم من قوله تعالى: أفإن مات أو قتل [آل عمران: 144] وحجة من قرأ «قاتل» أنها أعم في المدح لأنه يدخلها فيها من قتل ومن بقي.
قال الفقيه أبو محمد: ويحسن عندي على هذه القراءة إسناد الفعل إلى الربيين، وعلى قراءة «قتل» إسناده إلى نبي، وأجمع السبعة وجماعة من الناس على كسر الراء من «ربيون» وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه وابن مسعود وابن عباس وعكرمة والحسن وأبو رجاء وعمرو بن عبيد وعطاء بن السائب:
«ربيون» بضم الراء، وروى قتادة عن ابن عباس «ربيون» بفتح الراء، قال ابن جني: الفتح في الراء لغة تميم وكلها لغات، واختلف الناس في معنى ربّيّون فقال ابن مسعود: الربيون الألوف من الناس والجمع الكثير، وقال ابن عباس: ربّيّون جموع كثير، وقاله الحسن وقتادة وعكرمة ولقول عبد الله بن مسعود وابن عباس: إنهم الألوف، قال بعض المفسرين: هم عشرة آلاف فصاعدا، أخذ ذلك من بناء الجمع الكثير في قولهما: هم الألوف وهذا في الربيين أنهم الجماعات الكثيرة هو من الربة بكسر الراء وهي الجماعة الكثيرة، قاله يونس بن حبيب، وقال: إن قوله تعالى: قتل معه ربيون منسوبون إليها، قال قطرب:
جماعة العلماء على قول يونس، وقال الزجّاج: يقال: إن الربة عشرة آلاف، وروي عن ابن عباس وعن الحسن بن أبي الحسن وغيرهما أنهم قالوا: ربّيّون معناه علماء، وقال الحسن: فقهاء علماء، قال أيضا: علماء صبر، وهذا القول هو على النسبة إلى الرب، إما لأنهم مطيعون له، أو من حيث هم علماء بما شرع، ويقوي هذا القول في قراءة من قرأ «ربيون» بفتح الراء وأما في ضم الراء وكسرها فيجيء على تغيير النسب، كما قالوا في النسبة إلى الحرم: حرمي بكسر الحاء، وإلى البصرة، بصري بكسر الباء، وفي هذا نظر، وقال ابن زيد: «الربانيون»: الولاة، والربيون الرعية الأتباع للولاة.
قال الفقيه أبو محمد: كأن هذا من حيث هم مربوبون، وقال النقاش: اشتقاق ربي من ربا الشيء يربو إذا كثر، فسمي بذلك الكثير العلم.
قال الفقيه أبو محمد: وهذا ضعيف، وقال مكي: ربي بكسر الراء منسوب إلى الرب لكن كسرت راؤه اتباعا للكسرة والياء اللتين بعد الراء، وروي بضم الراء كذلك لكنهم ضموها كما قيل: دهري بضم الدال في النسب إلى الدهر، وقرأ جمهور الناس «فما وهنوا» بفتح الهاء، وقرأ الأعمش والحسن وأبو السمال «وهنوا» بكسر الهاء، وهما لغتان بمعنى، يقال: وهن بكسر الهاء يوهن ووهن بفتح الهاء يهن، وقرأ عكرمة وأبو السمال أيضا «وهنوا» بإسكان الهاء، وهذا الوهن في قوله آنفا ولا تهنوا [آل عمران: 139] والضمير في قوله: فما وهنوا عائد على جميع الربيين في قول من أسند قتل إلى نبي، ومن أسنده إلى الربيين قال في هذا الضمير إنه يعود على من بقي منهم، إذ المعنى يفهم نفسه، وقوله تعالى: وما ضعفوا معناه لم يتكسبوا من العجز والإلقاء باليد ما ينبي عن ضعفهم، وقوله تعالى: وما استكانوا ذهبت طائفة من النحاة إلى أنه من السكون فوزنه افتعلوا استكنوا، فمطلت فتحة الكاف فحدث من مطلها ألف، وذهبت طائفة إلى أنه مأخوذ من كان يكون فوزنه على هذا الاشتقاق استفعلوا أصله استكونوا، نقلت حركة الواو إلى الكاف، وقلبت ألفا، كما فعلوا في قولك: استعانوا واستقاموا، والمعنى: أنهم لم يضعفوا ولا كانوا قريبا من ذلك، كما تقول: ما فعلت كذا ولا كدت، فتحذف لأن الكلام يدل على أن المراد، وما كدت أن أفعل، ومحبة الله تعالى للصابرين ما يظهر عليهم من نصره وتنعيمه). [المحرر الوجيز: 2/375-382]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى -مسلّيًا للمسلمين عمّا كان وقع في نفوسهم يوم أحد-: {وكأيّن من نبيٍّ قاتل معه ربّيّون كثيرٌ} قيل: معناه: كم من نبيٍّ قتل وقتل معه ربّيّون من أصحابه كثيرٌ. وهذا القول هو اختيار ابن جريرٍ، فإنّه قال: وأمّا الّذين قرؤوا: {قتل معه ربّيّون كثيرٌ} فإنّهم قالوا: إنّما عنى بالقتل النّبيّ وبعض من معه من الرّبّيّين دون جميعهم، وإنّما نفى الوهن والضّعف عمّن بقي من الرّبّيّين ممّن لم يقتل.
قال: ومن قرأ {قاتل} فإنّه اختار ذلك لأنّه قال: لو قتلوا لم يكن لقوله: {فما وهنوا} وجهٌ معروفٌ؛ لأنّهم يستحيل أن يوصفوا بأنّهم لم يهنوا ولم يضعفوا بعد ما قتلوا.
ثمّ اختار قراءة من قرأ {قتل معه ربّيّون كثيرٌ}؛ لأنّ اللّه [تعالى] عاتب بهذه الآيات والّتي قبلها من انهزم يوم أحدٍ، وتركوا القتال أو سمعوا الصّائح يصيح: "إنّ محمّدًا قد قتل". فعذلهم اللّه على فرارهم وتركهم القتال فقال لهم: {أفإن مات أو قتل} أيّها المؤمنون ارتددتم عن دينكم وانقلبتم على أعقابكم؟.
وقيل: وكم من نبيٍّ قتل بين يديه من أصحابه ربّيّون كثيرٌ.
وكلام ابن إسحاق في السّيرة يقتضي قولًا آخر، [فإنّه] قال: أي وكأينٍ من نبيٍّ أصابه القتل، ومعه ربّيّون، أي: جماعاتٌ فما وهنوا بعد نبيّهم، وما ضعفوا عن عدوّهم، وما استكانوا لما أصابهم في الجهاد عن اللّه وعن دينهم، وذلك الصّبر، {واللّه يحبّ الصّابرين}.
فجعل قوله: {معه ربّيّون كثيرٌ} حالًا وقد نصر هذا القول السّهيليّ وبالغ فيه، وله اتّجاهٌ لقوله: {فما وهنوا لما أصابهم} الآية، وكذلك حكاه الأمويّ في مغازيه، عن كتاب محمّد بن إبراهيم، ولم يقل غيره.
وقرأ بعضهم: {قاتل معه ربّيّون كثيرٌ} قال سفيان الثّوريّ، عن عاصمٍ، عن زرٍّ، عن ابن مسعودٍ {ربّيّون كثيرٌ} أي: ألوفٌ.
وقال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ وسعيد بن جبير، وعكرمة، والحسن، وقتادة، والسّدّي، والرّبيع، وعطاءٌ الخراسانيّ: الرّبّيّون: الجموع الكثيرة.
وقال عبد الرّزّاق، عن معمر عن الحسن: {ربّيّون كثيرٌ} أي: علماء كثيرٌ، وعنه أيضًا: علماء صبرٌ أبرار أتقياء.
وحكى ابن جريرٍ، عن بعض نحاة البصرة: أنّ الرّبّيّين هم الّذين يعبدون الرّبّ، عزّ وجلّ، قال: وردّ بعضهم عليه قال: لو كان كذلك لقيل ربيون، بفتح الرّاء.
وقال ابن زيدٍ: "الرّبّيّون: الأتباع، والرّعيّة، والرّبّابيّون: الولاة.
{فما وهنوا لما أصابهم في سبيل اللّه وما ضعفوا وما استكانوا} قال قتادة والرّبيع بن أنسٍ: {وما ضعفوا} بقتل نبيّهم {وما استكانوا} يقول: فما ارتدّوا عن نصرتهم ولا عن دينهم، أن قاتلوا على ما قاتل عليه نبيّ اللّه حتّى لحقوا باللّه.
وقال ابن عبّاسٍ {وما استكانوا} تخشّعوا. وقال السّدّي وابن زيدٍ: وما ذلّوا لعدوّهم.
وقال محمّد بن إسحاق، وقتادة والسّدّيّ: أي ما أصابهم ذلك حين قتل نبيّهم).
[تفسير القرآن العظيم: 2/130-131]


تفسير قوله تعالى: {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {وما كان قولهم إلّا أن قالوا ربّنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبّت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين}
تقرأ {قولهم} بالنصب ويكون الاسم: {إلا أن قالوا}فيكون المعنى: ما كان قولهم إلا استغفارهم، أي: قولهم اغفر لنا - ومن قرأها بالرفع جعل خبر كان ما بعد إلا، والأكثر في الكلام أن يكون الاسم هو ما بعد إلا - قال اللّه عزّ وجل {فما كان جواب قومه إلّا أن قالوا} {ما كان حجّتهم إلّا أن قالوا}.
ومعنى: {وثبّت أقدامنا} أي ثبتنا على دينك. وإذا ثبتهم على دينهم ثبتوا في حربهم - قال اللّه عزّ وجلّ - (فتزلّ قدم بعد ثبوتها)المعنى: تزلّ عن الدين). [معاني القرآن: 1/477]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: وما كان قولهم إلاّ أن قالوا ربّنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبّت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين (147) فآتاهم اللّه ثواب الدّنيا وحسن ثواب الآخرة واللّه يحبّ المحسنين (148)
هذه الآية في ذكر الربيين، أي هذا كان قولهم، لا ما قاله بعضكم يا أصحاب محمد، من قول من قال: نأخذ أمانا من أبي سفيان ومن قول من قال: نرجع إلى ديننا الأول، ومن قول من فر، فلا شك أن قوله مناسب لفعله ولو بعض المناسبة، إلى غير ذلك مما اقتضته تلك الحال من الأقوال، وقرأ السبعة وجمهور الناس «قولهم» بالنصب، ويكون الاسم فيما بعد إلّا وقرأ جماعة من القراء «قولهم» بالرفع وجعلوا الخبر فيما بعد إلّا وروى ذلك حماد بن سلمة عن ابن كثير، وأبو بكر عن عاصم، ذكره المهدوي، واستغفار هؤلاء القوم الممدوحين في هذا الموطن ينحو إلى أنهم رأوا ما نزل من مصائب الدنيا إنما هو بذنوب من البشر وقوله تعالى: ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا عبارتان عن معنى قريب بعضه من بعض، جاء ذلك للتأكيد ولتعم مناحي الذنوب، وكذلك فسر ابن عباس وغيره، وقال الضحاك: الذنوب عام، والإسراف في الأمر أريد به الكبائر خاصة، وقولهم: وثبّت أقدامنا يحتمل أن يجري مع ما قبله من معنى الاستغفار، فيكون المعنى: اجعلنا دائبين على طاعتك والإيمان بك، وتثبيت القدم على هذا: استعارة، ويحتمل أن يكون في معنى ما بعده من قوله: وانصرنا على القوم الكافرين فيراد ثبوت القدم حقيقة في مواقف الحرب، قال ابن فورك: في هذا الدعاء رد على القدرية، لقولهم: إن الله لا يخلق أفعال العبد، ولو كان ذلك لم يسغ أن يدعي فيما لا يفعله). [المحرر الوجيز: 2/382]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({واللّه يحبّ الصّابرين. وما كان قولهم إلا أن قالوا ربّنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبّت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين} أي: لم يكن لهم هجيرى إلّا ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 2/131]

تفسير قوله تعالى: {فَآَتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عز وجل: {فآتاهم اللّه ثواب الدّنيا وحسن ثواب الآخرة واللّه يحبّ المحسنين} أي: ظفّرهم وغنمهم. {وحسن ثواب الآخرة}
المغفرة وما أعد لهم من النعيم الدائم). [معاني القرآن: 1/477]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وثواب الدّنيا في هذه الآية: الظهور على عدوهم، قاله ابن إسحاق وقتادة وغيرهما، وقال ابن جريج: الظفر والغنيمة، وفسر بهذا جماعة من المؤلفين في التفسير، قال النقاش: ليس إلا الظفر والغلبة فقط، لأن الغنيمة لم تحلل إلا لهذه الأمة.
قال الفقيه الإمام: وهذا اعتراض صحيح، وحسن ثواب الآخرة الجنة بلا خلاف، وعبر بلفظة «حسن» زيادة في الترغيب وباقي الآية بين). [المحرر الوجيز: 2/383]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فآتاهم اللّه ثواب الدّنيا} أي: النّصر والظّفر والعاقبة {وحسن ثواب الآخرة} أي: جمع لهم ذلك مع هذا، {واللّه يحبّ المحسنين} ). [تفسير القرآن العظيم: 2/131]


* للاستزادة ينظر: هنا

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تفسير, سورة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:03 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir