وَلَهُمْ شُبْهَةٌ أُخْرَى وَهِيَ: قِصَّةُ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لَمَّا أُلْقِيَ في النَّارِ فاعْتَرَضَ لَهُ جِبْرائيلُ في الهواءِ فَقَالَ: أَلَكَ حَاجَةٌ؟ فَقالَ إِبْرَاهيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: أَمَّا إِلَيْكَ فَلا.
قَالُوا:فَلَوْ كَانَتِ الاسْتِغَاثَةُ بجِبرائيل شِرْكاً لَمْ يَعْرِضْها عَلى إِبْرَاهِيمَ؟
فَالجَوَابُ:أَنَّ هَذا مِنْ جِنْسِ الشُّبْهَةِ الأُوْلى فَإِنَّ جبْرائيلَ عليه السلام عَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْفَعَهُ بِأَمْرٍ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ كَمَا قالَ اللهُ تَعالى فِيهِ: {شَدِيدُ القُوَى} ، فَلَوْ أَذِنَ اللهُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ نَارَ إِبْرَاهِيمَ وَمَا حَوْلَها مِن الأَرْضِ وَالجِبَالِ وَيُلْقِيها في المَشْرِقِ أَو المَغْرِبِ لَفَعَلَ، وَلَوْ أَمَرَهُ الله أَنْ يَضَعَ إِبْرَاهيمَ عنهم في مَكَانٍ بَعِيدٍ لَفَعَلَ، وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَرفَعَهُ إِلى السَّمَاءِ لَفَعَلَ.وَهَذَا كَرَجُلٍ غَنيٍّ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ يَرى رَجُلاً مُحتاجاً فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ أَنْ يُقْرِضَهُ، أَوْ يَهَبَه شَيْئاً يَقْضي بِهِ حَاجَتَهُ، فَيَأْبَى ذَلِكَ الرَّجُلُ المُحْتَاجُ أَنْ يَأخُذَ، ويَصْبِرُ حتى يَأتِيَهُ اللهُ بِرِزقٍ مِنْه لا مِنَّةَ فِيهِ لأَحَدٍ. فَأَيْنَ هَذَا مِن اسْتِغَاثَةِ العِبَادَةِ وَالشِّرْكِ لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ؟!.