دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > كشف الشبهات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 2 ذو القعدة 1429هـ/31-10-2008م, 01:51 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي شرك الأولين أخف من شرك المتأخرين من وجهين

فَإِذَا عَرَفْتَ أَنَّ هَذَا الَّذي يُسَمِّيهِ المُشْرِكُونَ في زَمَنِنا (الاعْتِقَادَ) هُوَ الشِّركُ الَّذي أُنْزِلَ فِيْهِ القُرْآنُ، وَقَاتَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ عَلَيْهِ، فَاعْلَمْ أَنَّ شِرْكَ الأَوَّلِينَ أَخَفُّ مِنْ شِرْكِ أَهْلِ وقتنا بِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الأَوَّلِينَ لا يُشْرِكونَ وَلا يَدْعُونَ المَلاَئِكَةَ أو الأَوْلِياءَ أو الأَوْثَانَ مَعَ اللهِ إِلاَّ في الرَّخَاءِ، وَأَمَّا في الشِّدَّةِ فَيُخْلِصُونَ الدِّينَ للهِ، كَمَا قال تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إلَِى البَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ}[العنكبوت: 65].
-وقال تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي البَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ}[الإسراء: 67].
-وقال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُون} إلى قوله {مَا تُشْرِكُونَ}[الأنعام: 40-41].
-وقال تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَاكانَ يَدْعُو إِلَيهِ مِن قَبْلُ} الآية [الزُّمر: 8].
-وقال تعالى: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ} الآية [لقمان: 22].
فَمَنْ فَهِمَ هَذِهِ المَسْألةَ الَّتِي وَضَّحَها اللهُ في كِتَابِهِ؛وَهِيَ أَنَّ المُشْرِكِينَ الَّذينَ قَاتَلَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُونَ اللهَ وَيَدْعُونَ غَيْرَهُ في الرَّخَاءِ، وَأَمَّا في الشِّدَّةِ فَلا يَدْعُونَ إِلاَّ اللهَ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَيَنْسَوْنَ سَادَاتِهِمْ.
تَبَيَّنَ لَهُ الفَرْقُ بَيْنَ شِرْكِ أَهْلِ زَمَانِنَا وَشِرْكِ الأَوَّلِينَ، وَلَكِنْ أيْنَ مَنْ يَفْهَمُ قَلْبُهُ هَذِهِ المَسْألةَ فَهْماً رَاسِخاً، وَاللهُ المُسْتَعانُ.
الأَمْرُ الثَّاني: أَنَّ الأَوَّلِينَ يَدْعُونَ مَعَ اللهِ أُنَاساً مُقَرَّبِينَ عِنْدَ اللهِ إِمَّا نبيّاً، وَإِمَّا وليّاً، وَإِمَّا مَلائِكَةً، أَوْ يَدْعُونَ أَحْجَاراً وأَشْجَاراً مُطِيعةً للهِ تعالى ليْسَت بعَاصِيَةٍ، وَأَهْلُ زَمانِنَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ أُنَاساً مِنْ أَفْسَقِ النَّاسِ، وَالَّذِينَ يَدْعُونَهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَحْكُونَ عَنْهُمُ الفُجُورَ مِنَ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَتَرْكِ الصَّلاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَالَّذِي يَعْتَقدُ في الصَّالِحِ؛ والَّذي لا يَعْصي - مِثْلِ الخَشَبِ وَالحَجَرِ - أَهْوَنُ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ فِيمَنْ يُشاهِدُ فِسْقَهُ وفَسَادَهُ ويَشْهَدُ بِهِ.


  #2  
قديم 30 ذو القعدة 1429هـ/28-11-2008م, 01:20 PM
مسلمة 12 مسلمة 12 غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 1,159
افتراضي شرح سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ

(1) (فَإِذَا عَرَفْتَ أَنَّ هَذَا الذي يُسَمِّيهِ المُشْرِكُونَ في زَمَانِنَا الاعْتِقَادَ) وَقَد يُسَمُّونَهُ التَّوَسُّلَ (هو الشِّرْكُ) الأَكْبَرُ الذي كَانَ عَلَيْهِ قُرَيْشٌ وَأَضْرَابُهُم (الذِي نَزَلَ فيه القُرْآنُ وَقَاتَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ عَلَيْهِ) وتَحَقَّقْتَ مَا قَدَّمْتُهُ لَكَ مِن كَشْفِ الشُّبَهِ المُتَقَدِّمَةِ (فاعْلَمْ أَنَّ شِرْكَ الأَوَّلِينَ أَخَفُّ مِن شِرْكِ أَهْلِ زَمَانِنَا بِأَمْرَيْنِ) فَشِرْكُ أَهْلِ زَمَانِنَا أَعْظَمُ وَأَكْبَرُ.
وَكَوْنُ شِرْكِ أَهْلِ زَمَانِنَا أَغْلَظَ وَأَكْبَرَ بِهَذَيْنِ الأَمْرَيْنِ لَيْسَ دَلِيلاً عَلَى أَنَّهُ لاَ يَتَغَلَّظُ إِلاَّ بِهَذَيْنِ الأَمْرَيْنِ، بل يُرِيدُ أَنَّهُ تَغَلَّظَ بِهَذَيْنِ الأَمْرَيْنِ.(أَحَدُهُمَا: أَنَّ الأَوَّلِينَ لاَ يُشْرِكُونَ وَلاَ يَدْعُونَ المَلاَئِكَةَ والأَوْلِيَاءَ والأَوْثَانَ مَعَ اللهِ إِلاَّ في الرَّخَاءِ، وَأَمَّا في الشِّدَّةِ فَيُخْلِصُونَ للهِ الدُّعَاءَ) وإِنَّمَا كَانَ هَذَا حَالَ المُشْرِكِينَ الأَوَّلِينَ؛ لأَِنَّهُم أَصَحُّ عُقُولاً وَأَفْهَمُ في هَذِه الأُمُورِ؛ لِعِلْمِهِم أَنَّه لاَ يُنْجِي في المَضَايِقِ والكُرُوبِ إِلاَّ اللهُ فَيُخْلِصُونَ للهِ الدِّينَ، ولِهَذَا لَمَّا سَأَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُصَيْنًا: ((كَمْ إِلَهًا تَعْبُدُ))؟ قَالَ: سَبْعَةً؛ سِتَّةٌ في الأَرْضِ وَوَاحِدٌ في السَّمَاءِ، قَالَ: ((فَمَنِ الَّذِي تُعِدُّ لِرَغْبَتِكَ وَرَهْبَتِكَ؟)) قَالَ: الَّذِي في السَّمَاءِ) (كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ}) يَعْنِي: ذَهَبَ عَنْكُم مَن تَدْعُونَ سِوَاهُ {فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ} عن إِفْرَادِهِ بالعِبَادَةِ واللَّجْأِ إِلَيْهِ {وَكَانَ الإِنسَانُ كَفُورًا}.

(2) (وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمْ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِن شَاءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ} .وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ} إِلَى قَوْلِهِ: {قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ}.وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُاْ اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}) هذه الآيَاتُ وَنَظَائِرُهَا دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُم في الرَّخَاءِ يُشْرِكُونَ وفي الشِّدَّةِ يُخْلِصُونَ؛ في الشِّدَّةِ لاَ يَدْعُونَ إِلاَّ اللهَ وَحْدَه لاَ شَرِيكَ لَهُ، وأَمَّا في زَمَانِنَا فَشِرْكُهُم في الحَالَتَيْنِ جَمِيعًا، بل إِذَا كَانُوا في الشِّدَّةِ نَسُوا اللهَ بالكُلِّيَّةِ ولَهِجُوا بِمَعْبُودَاتِهِم مِن دونِ اللهِ، والعِيَاذُ باللهِ.
فَأَهْلُ زَمَانِنَا إِذَا رَكِبُوا في البَحْرِ وَتَلاَطَمَتْ عَلَيْهِم الأَمْوَاجُ لَهِجُوا بِمَنْ يَدْعُونَه مِن دونِ اللهِ؛ سَواءٌ كَانَ مِن الأَمْواتِ أَو غَيْرِهِم، هَذَا يَقُولُ: (يَا مَتْبُولِي ، يَا عَيْدَرُوسُ، يا بَدَوِيُّ، يَا عَبْدَ القَادِرِ، يا عَلِيُّ، يَا حُسَيْنُ، يَا فُلاَنُ) أَيْنَ شِرْكُ هَؤُلاَءِ مِن شِرْكِ الأَوَّلِينَ؟! بَيْنَ الشِّرْكَيْنِ فَرْقٌ بَعِيدٌ، بل مُشْرِكُو زَمَانِنَا زَادُوا في شِرْكِهِم بفُنُونٍ زَادُوهَا وضُرُوبٍ جَدَّدُوهَا.

(3) (فمَن فَهِمَ هَذِه المَسْأَلَةَ الَّتِي وَضَّحَهَا اللهُ في كِتَابِهِ) حَقِيقَةَ الفَهْمِ، وفَهِمَ عن اللهِ ورَسُولِهِ، وسَلِمَ مِن التَّعَصُّبِ والهَوَى، وَسَلِمَ مِن الجَهْلِ (وهي أَنَّ المُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَاتَلَهُم رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُونَ اللهَ تَعَالَى ويَدْعُونَ غَيْرَهُ في الرَّخَاءِ، وَأَمَّا في الضُّرِّ والشِّدَّةِ فَلاَ يَدْعُونَ إِلاَّ اللهَ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ويَنْسَوْنَ سَادَاتِهِم، تَبَيَّنَ لَهُ الفَرْقُ بَيْنَ شِرْكِ أَهْلِ زَمَانِنَا وَشِرْكِ الأَوَّلِينَ) يَعْنِي أَنَّ شِرْكَ أَهْلِ زَمَانِنَا أَعْظَمُ وأَكْبَرُ وأَطَمُّ، وَإِنَّمَا ضَلُّوا بِتَرْكِهِم القُرْآنَ والإِعْرَاضِ عَنْهُ والتَّفَهُّمَ والتَّدَبُّرَ (وَلَكِنْ أَيْنَ مَن يَفْهَمُ قَلْبُهُ هَذِه المَسْأَلَةَ فَهْمًا جَيِّدًا رَاسِخًا؟!) ليَنْجُوَ مِن الجَهْلِ، وَلاَ يُظَنُّ أَنَّ المُرَادَ أَنَّهُم قَوْمٌ كَانُوا فَبَانُوا.
وفي الحَقِيقَةِ إِنْ كَانُوا وَبَانُوا فَقَدْ أَعْقَبُوا مَن هو شَرٌّ منهم بِكَثِيرٍ (واللهُ المُسْتَعَانُ).

(4) (الأَمْرُ الثَّانِي) تَقَدَّمَ الأَمْرُ الأَوَّلُ الذِي صَارَ بِهِ المُشْرِكُونَ الأَوَّلُونَ أَعْظَمَ شِرْكًا مِن أَهْلِ زَمَانِنَا (أَنَّ) المُشْرِكِينَ (الأَوَّلِينَ يَدْعُونَ مَعَ اللهِ أُنَاسًا مُقَرَّبِينَ عِنْدَ اللهِ: إِمَّا أَنْبِيَاءَ وَإِمَّا أَوْلِيَاءَ وَإِمَّا مَلاَئِكَةً) أَوْ صَالِحِينَ (أَوْ يَدْعُونَ أحْجَارًا أو أَشْجَارًا مُطِيعَةً للهِ لَيْسَتْ عَاصِيَةً) الكَائِنَاتُ كُلُّهَا مُطِيعَةٌ لله {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ}، {وَللهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ}.(وَأَهْلُ زَمَانِنَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ أُنَاسًا مِن أَفْسَقِ النَّاسِ) بَلْ مِنْهُم مَن يَدْعُو أُنَاسًا مِن أَكْفَرِ النَّاسِ، بل بَعْضُهُم أَكْفَرُ مِن اليَهُودِ والنَّصَارَى؛ كالذِينَ يَدْعُونَ إِمَامَ أَهْلِ وَحْدَةِ الوُجُودِ ابْنَ عَرَبِيٍّ؛ فَإِنَّ عَلَيْهِ الآنَ قُبَّةً في الشَّامِ (وَالَّذِينَ يَدْعُونَهُم هُمُ الَّذِينَ يَحْكُونَ عَنْهُم الفُجُورَ مِن الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وتَرْكِ الصَّلاَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ والَّذِي يَعْتَقِدُ في الصَّالِحِ أو الَّذِي لاَ يَعْصِي مِثْلَ: الخَشَبِ والحَجَرِ أَهْوَنُ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ فِيمَنْ يُشَاهِدُ فِسْقَهُ وفَسَادَهُ وَيَشْهَدُ بِهِ) فَإِنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ مَن دَعَا مَعَ اللهِ غَيْرَهُ مِن أَيِّ شَيْءٍ كَانَ فهو كَافِرٌ، وَصَارِفٌ حَقَّ رَبِّ العَالَمِينَ لِغَيْرِهِ؛ وكَوْنُ ذَلِكَ المَصْرُوفِ لِنَبِيٍّ أَو غَيْرِهِ لاَ يُنْجِيهِ مِن الشِّرْكِ، وَلَكِنَّهُ أَهْونُ مِن الثَّانِي؛ فَإِنَّهُ عَظَّمَ مَن لاَ يُعظَّمُ بِوَجْهٍ، وهو كالمُعَانِدِ أَيْضًا.
النُّصُوصُ الشَّرْعِيَّةُ دَلَّتْ عَلَى نَقْصِ هَذَا وَأَنَّهُ مَرْذُولٌ ومَهِينٌ، وَهَذَا عَاكَسَ الشَّرْعَ وَجَعَلَهُ مُعَظَّمًا، فَصَارَ شِرْكُهُ أَعْظَمَ، وَإِنْ كَانَ الكُلُّ شِرْكًا وَكُفْرًا وَضَلاَلاً.

فَظَهَرَ بِذَلِكَ صِحَّةُ مَا قَالَهُ المُصَنِّفُ،وَأَنَّ شِرْكَ مُشْرِكِي زَمَانِنَا أَعْظَمُ وَأَغْلَظُ مِن شِرْكِ المُشْرِكِينَ الأَوَّلِينَ؛ لَكِنَّ الأَوَّلِينَ عِنْدَهُم شُبْهَةُ أَهْلِ الجَاهِلِيَّةِ وهو أَنَّهُ مُعَظَّمٌ في الجُمْلَةِ.

والَّذِي يَدْعُو فَاسِقًا أو كَافِرًا يَطْلُبُ مِمَّنْ كَانَ مَمْقُوتًا مَذْمُومًا في الشَّرْعِ وَيَعْبُدُهُ فَكَانَ مُعَانِدًا للشَّرْعِ، فاسْتَوَيَا في أَنَّ الكُلَّ شِرْكٌ، وافْتَرَقَا فِيمَنْ هو مُعَظَّمٌ في الجُمْلَةِ، والثَّانِي عَظَّمَ مَن لَيْسَ مُعَظَّمًا بِحَالٍ فَصَارَ أَعْظَمَ شِرْكًا؛ فَإِنَّ الأَوَّلِينَ لَوْ عَظَّمُوهُم بِغَيْرِ الشِّرْكِ لَكَانَ سَائِغًا، والفَاسِقُ ونَحْوُه لو عُظِّمَ بِدونِ عِبَادَةٍ لَهُ لَكَانَ المُعَظِّمُ لَهُ عَاصِيًا إِذَا كَانَ مَعْبُودُهُ تُقَامُ عَلَيْهِ الحُدُودُ أو فَاسِقًا.


  #3  
قديم 30 ذو القعدة 1429هـ/28-11-2008م, 01:22 PM
مسلمة 12 مسلمة 12 غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 1,159
افتراضي شرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين

(1) قولُهُ: (إذا عَرَفْتَ) يَعْنِي: عَلِمْتَ معنى العبادةِ، وأنَّ ما عليهِ أُولئكَ المشركونَ في زمنِهِ هوَ ما كانَ المشركونَ عليهِ في عهدِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَرَفْتَ أنَّ شركَ هؤلاءِ أَعْظَمُ مِنْ شركِ الَّذين قاتَلَهم النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وجهَيْنِ:
الوجهُ الأوَّلُ: أنَّ هؤلاءِ يُشْرِكونَ باللهِ في الشِّدَّةِ والرَّخاءِ، وأمَّا أولئكَ المشركونَ الَّذين بُعِثَ فيهم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنَّما يُشْرِكونَ في الرخاءِ، ويُخْلِصونَ في حالِ الشدَّةِ، كما قالَ تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ …} الآيةَ، فكانوا إذا رَكِبُوا في الفُلْكِ دَعَوا اللهَ مُخْلِصِينَ لهُ الدينَ لا يَدْعُونَ غيرَهُ ولا يَسْأَلُونَ سِواهُ، ثمَّ إذا أَنْجَاهم إلى البَرِّ إذا همْ يُشْرِكونَ، أوْ فَرِيقٌ مِنهم بربِّهم يُشْرِكونَ، فهذا وَجْهٌ.

(2) وهذهِ أيضًا تَدُلُّ على أنَّهم كانوا يُشْرِكونَ في حالِ الرَّخاءِ، وأنَّهم إذا أتَاهم عَذابٌ أوْ أتَتْهم السَّاعةُ فإنَّهم لا يَدْعُونَ غيرَ اللهِ، كما قالَ تعالى: {بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِن شَاءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ} فَهُمْ في هذهِ الحالِ يَنْسَوْنَ(1) ما يُشْرِكونَ، ولا يَدْعُونَ سِوى اللهِ عزَّ وجلَّ.

(3) وهذِهِ أيضًا كالآيتَيْنِ اللَّتَيْنِ قبلَها، تَدُلُّ على أنَّ الإِنسانَ إذا مَسَّهُ الضُّرُّ دَعا ربَّهُ مُنِيبًا إليهِ، ولكنَّهُ إذا خَوَّلَهُ (2) نِعمةً مِنهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعو إليهِ مِنْ قبلُ، وجعَلَ للهِ أنْدادًا لِيُضِلَّ عنْ سَبيلِهِ،فيُشْرِكُ في حالِ الرَّخاءِ ويُخْلِصُ في حالِ الشِّدَّةِ.

(4) هذهِ أيضًا كالآياتِ السَّابقةِ تَدُلُّ على أنَّ هؤلاءِ المشركينَ إنَّما يُشْرِكونَ باللهِ في حالِ الرَّخاءِ، أمَّا في حالِ الشِّدَّةِ فيَلْجَأُونَ للهِ وحْدَهُ.

(5) يُبَيِّنُ رَحِمَهُ اللهُ أنَّ المُشرِكِينَ في زمانِهِ أشَدُّ شِرْكًا منْ مُشرِكي زمانِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنَّ مُشرِكي زمانِهِ يَدْعُونَ غيرَ اللهِ في الرَّخاءِ وفي الشِّدَّةِ، وأمَّا المشركونَ في عهدِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنَّهمْ يَدْعُونَ اللهَ ويَدْعُونَ غيرَهُ في حالِ الرَّخاءِ، وأمَّا في حالِ الشِّدَّةِ فلا يَدْعُونَ إلاَّ اللهَ عزَّ وجلَّ، وهذا يَدُلُّ على أنَّ شركَ المشركينَ في زمانِهِ رَحِمَهُ اللهُ أَعْظَمُ مِنْ شركِ المُشرِكِينَ في عهدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(3).

(6) قولُهُ: (تَبَيَّنَ لهُ الفرْقُ...) إلخ، هذا جوابُ قولِهِ: (فمَنْ فَهِمَ هذهِ المَسْأَلةَ...) إلخ، أيْ: تَبَيَّنَ لهُ الفرْقُ بينَ مُشرِكي زمانِهِ رَحِمَهُ اللهُ والمشركينَ في عهدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنَّ شركَ الأوَّلِينَ أخَفُّ مِنْ شرْكِ أهْلِ زمانِهِ، ولكنْ أينَ مَنْ يَفْهَمُ قَلْبُهُ ذلكَ، أَكْثَرُ النَّاسِ في غَفْلةٍ عنْ هذا، وأكثَرُ النَّاسِ يُلَبَّسُ عليهم الحقُّ بالباطِلِ فيَظُنُّونَ الباطلَ حقًّا، كما يَظُنُّونَ الحقَّ باطلاً.

(7) قولُهُ: (الأمرُ الثَّاني) أيْ: في بَيانِ أنَّ شركَ الأوَّلِينَ أخَفُّ مِنْ شرْكِ أهْلِ زمانِهِ رَحِمَهُ اللهُ، أنَّ المُشرِكينَ في عهدِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُونَ أُناسًا مُقَرَّبِينَ مِنْ أولِياءِ اللهِ عزَّ وجلَّ، أوْ يَدْعُونَ أَحْجارًا أوْ أشجارًا مُطِيعةً للهِ ذَلِيلةً لهُ.
أمَّا هؤلاءِ - أَعْنِي المُشرِكينَ في زمانِهِ - فإنَّهمْ يَدْعُونَ مَنْ يَحْكُونَ عنهم الفُجورَ والزِّنا والسَّرِقةَ وغيرَ ذلكَ مِنْ معاصِي اللهِ عزَّ وجلَّ، ومعلومٌ أنَّ مَنْ يَعْتَقِدُ في الصَّالحِ أو الجَمَادِ الَّذي لا يَعْصِي اللهَ تعالى أَهْوَنُ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ فيْمَنْ يُشَاهِدُ فِسْقَهُ ويَشْهَدُ بهِ، وهذا ظاهِرٌ.

حاشية الشيخ صالح العصيمي
(1) أي يتركونه عن علم وعمد، وليس المراد مجرد ذهولهم عن المعلوم، فالأول: أبلغ في اطراح معبودا تهم والانصراف عنها والرغبة إلى الله وسؤاله.

(2) التخويل: إعطاء الخول، وهم الأتباع، والرعاة، والزُّراع، انظر: (عمدة الحفاظ) (1/624).(3)والناس فيمن يلجأون إليه في رخائهم وشدتهم أربعة أقسام:
الأول: من يلجأ إلى الله في رخائه وشدته وهذا هو الموحد.
الثاني: من يلجأ إليه في الشدة فلا يشرك به، أما في الرخاء فيشرك معه غيره كما هو حال المشركين الأولين.
الثالث: من يلجأ إليه وإلى غيره في الرخاء والشدة فيشرك معه في الحالين جميعاً، كما هو حال متأخري المشركين.
الرابع: من لا يلجأ إليه في رخاء ولا شدة، ممن لا يعتقد وجوده من الدهرية والملاحدة، وهؤلاء شر طوائف المشركين.


  #4  
قديم 30 ذو القعدة 1429هـ/28-11-2008م, 01:23 PM
مسلمة 12 مسلمة 12 غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 1,159
افتراضي شرح فضيلة الشيخ صالح الفوزان

(1) يَقُولُ الشَّيْخُ -رَحِمَهُ اللهُ-: إِذَا عَرَفْتَ مِمَّا سَبَقَ أنَّه لاَ فَرْقَ بَيْنَ شِرْكِ أَهْلِ الجَاهِلِيَّةِ الَّذِي نَزَلَ فيه القُرْآنُ، والَّذِي قَاتَلَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- أَصْحَابَهُ، وشِرْكِ هَؤُلاَءِ المُنْتَسِبينَ إِلَى الإِسْلاَمِ مِن عُبَّادِ القُبُورِ وأَصْحَابِ الطُّرُقِ الصُّوفيَّةِ المُنْحَرِفَةِ وَنَحْوِهِم، لاَ فَرْقَ بَيْنَ شِرْكِ هَؤُلاَءِ وهَؤُلاَءِ إلاَّ في الاسْمِ حَيْثُ يُسَمُّونَهُ الاعْتِقَادَ فَقَطْ، فاعْلَمْ أنَّ شِرْكَ هَؤُلاَءِ المُتَأَخِّرِينَ المُنْتَسِبينَ إلى الإِسْلاَمِ أَشَدُّ وأَغْلَظُ مِن شِرْكِ المُتَقَدِّمِينَ مِن أَهْلِ الجَاهِلِيَّةِ مِن وَجْهَينِ:
الأَوَّلُ: أنَّ شِرْكَ الأَوَّلِين إنَّما يَحْصُلُ في حَالِ الرَّخَاءِ، وأَمَّا فِي حَالِ الشِّدَّةِ فإنَّهُم يَتْرُكُونَ الشِّرْكَ ويُخْلِصُونَ الدُّعَاءَ للهِ لِعِلْمِهِم أَنَّه لاَ يُنْجِي مِن الشَّدَائِدِ إلاَّ اللهُ سُبْحَانَه، كَمَا ذَكَرَ اللهُ عَنْهُم في الآياتِ الَّتِي سَاقَهَا الشَّيْخُ وغَيْرِهَا.
وأَمَّا هَؤُلاَءِ المُشْرِكُونَ المُنْتَسِبُونَ إِلَى الإِسْلاَمِ فَشِرْكُهُم دَائِمٌ في الرَّخَاءِ والشِّدَّةِ،بل إنَّ شِرْكَهُم في الشِّدَّةِ يَزِيدُ عَلَى شِرْكِهِم في الرَّخَاءِ، بِحَيْثُ إِذَا وَقَعُوا في خَطَرٍ وَشِدَّةٍ، ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُم بالشِّرْكِ ودُعَاءِ غَيْرِ اللهِ.
هَذَا هو الوَجْهُ الأَوَّلُ مِن وُجُوهِ الفَرْقِ بَيْنَ المُشْرِكِينَ، والوَجْهُ الثَّانِي سَيَأْتِي.

(2) يَقُولُ -رَحِمَهُ اللهُ-: إنَّه لاَ يُدْرِكُ الفَرْقَ بَيْنَ شِرْكِ الأَوَّلِينَ وشِرْكِ المُتَأَخِّرِينَ في أنَّ شِرْكَ المُتَأَخِّرِينَ أَغْلَظُ وأَشَدُّ إلاَّ مَن فَهِمَ الآياتِ القُرْآنِيَّةَ الَّتِي تُوَضِّحُ ذلك، وَمَنْ لَمْ يُدْرِكِ الفَرْقَ؛ فإنَّهُ رَاجِعٌ لسُوءِ فَهْمِهِ.
والوَجْهُ الثَّانِي مِن أَوْجُهِ الفَرْقِ:أَنَّ المُشْرِكِينَ الأَوَّلِينَ يَدْعُونَ أُنَاسًا فِيهِم صَلاَحٌ وتَقَرُّبٌ إِلَى اللهِ مِن المَلاَئِكَةِ والأَنْبِيَاءِ والصَّالِحِينَ، أو يَدْعُونَ أَشْجَارًا أو أَحْجَارًا لَيْسَتْ عَاصِيَةً للهِ.
وأَمَّا المُشْرِكُونَ المُتَأَخِّرُونَ فيَدْعُونَ فَجَرَةَ الخَلْقِ، وأَشَدَّهُم كُفْرًا وفِسْقًا مِمَّن يَزْعُمُونَ لَهُم الكَرَامَاتِ، وسُقُوطَ التَّكَالِيفِ عنهم مِن مَلاَحِدَةِ الصُّوفيَّةِ الَّذِينَ يَسْتَحِلُّونَ المُحَرَّمَاتِ، ويَتْرُكُونَ الوَاجِبَاتِ، كالبَدَوِيِّ والحَلاَّجِ وابْنِ عَرَبِيٍّ وَأَضْرَابِهِم مِن أَئِمَّةِ المَلاَحِدَةِ، فيَعْبُدُونَهُم وهم يُشَاهِدُونَهُم يَفْعَلُونَ الفَوَاحِشَ، ويَتْرُكُونَ الفَرَائِضَ، ويَزْعُمُونَ أنَّ هَذَا مِن كَرَامَتِهِم وفَضْلِهِم حَيْثُ سَقَطَتْ عَنْهُم التَّكَالِيفُ.

(3) هَذِه نَتِيجَةُ المُقَارَنَةِ بَيْنَ شِرْكِ الأَوَّلِينَ وشِرْكِ المُتَأَخِّرِينَ المُنْتَسِبِينَ إلى الإِسْلاَمِ، وهي أَنَّ الشِّرْكَ بِعِبَادَةِ الصَّالِحِينَ والمَخْلُوقَاتِ الَّتِي لاَ تَعْصِي أَخَفُّ مِن الشِّرْكِ بِعِبَادَةِ الفَجَرَةِ والمَلاَحِدَةِ والعُصَاةِ؛ لأَِنَّ ذلك يَدُلُّ عَلَى تَزْكِيَتِهِم ومُوَافَقَتِهِم عَلَى كُفْرِهِم وفُجُورِهِم، واعْتِبَارِه صَلاَحًا وكَرَامَةً، وأيُّ مُحَادَّةٍ للهِ أَشَدُّ مِن هذه المُحَادَّةِ؟! نَسْأَلُ اللهَ العَافِيَةَ.


  #5  
قديم 30 ذو القعدة 1429هـ/28-11-2008م, 01:24 PM
مسلمة 12 مسلمة 12 غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 1,159
افتراضي شرح الشيخ صالح آل الشيخ


قال: (فإذا عرفت أن هذا الذي يسميه المشركون في زماننا الاعتقاد هو الشرك الذي أنزل فيه القرآن، وقاتل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- النَّاس عليه).
قوله: (الذي يسميه المشركون في زماننا هذا الاعتقاد) أو الاعتقاد الكبير أو كبير الاعتقاد، يعني اعتقاد الناس في الأولياء ومالهم من الكرامات، فإن الاعتقاد قسمان عند الضُّلال، عند الخرافيين:

1- الاعتقاد العام: وهو الاعتقاد في الله -جل وعلا- العقيدة المعروفة كلٌّ بحسب مذهبه، الأشعري على أشعريته، والماتريدي على ماتريديته، بحسب البلد الذي هو فيه.
2-وهناك شيء يتفقون عليه وهو الاعتقاد الكبير، أو كبير الاعتقاد، وهو: الاعتقاد في الموتى وفي تصرف أرواحهم، وأن أرواحهم لها من التصرف والجَوَلان في الملكوت ما يمكنها أن تسمع نداء من يناديها، وأن تجيب طلب من يطلب منها، وأن لها التصرف في الكون، وأنها تطلب من الله، وأن الله -جل وعلا- لا يرد لها طلباً، إلى آخره.
ويدخلون هذا في الحديث عن الأولياء، بل يجعلون كرامات الأولياء منشأ هذا الاعتقاد، فيذكرون الكرامات، ثم يبعثون هذا الاعتقاد، وكان هذا موجوداً في نجد، وهناك كتب أورسائل مؤلفة في هذا في ذلك الزمان.

قال: (فإذا عرفت أن هذا الذي يسميه المشركون في زماننا الاعتقاد، أو كبير الاعتقاد هو الشرك الذي أنزل فيه القرآن، وقاتل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-الناس عليه فاعلم أن شرك الأولين أخف من شرك أهل زماننا بأمرين):

الأول: التفريق ما بين حال المشركين في هذا الزمان وفي زمان العرب الأول، بأن أولئك لا يشركون إلا في السراء، وأما إذا جاءت الشدة والكرب يعلمون أنه لا منجي إلا الله، ويخافون أن يفوت الوقت عليهم باتخاذ الواسطة، فيقولون: هذا متى يصل إليه؟ ومتى يرفع؟ وهل سيرفع الآن؟ أم لا يرفع الآن حاجاتهم؟ فيجعلون التشفع في وقت السعة والإخلاص في وقت الضيق؛ كما أخبر الله -جل وعلا- عنهم بقوله: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} قال -جل وعلا- في الآيات التي ساقها الشيخ: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُوراً}.
وهذه المسألة مبينة على التفصيل في شرحنا (للقواعد الأربع) فهذه هي القاعدة الرابعة الأخيرة في (القواعد الأربع).
أهل هذا الزمان من المشركين عندهم أن الإشراك يكون في السراء والضراء على السواء،
بل ربما عَظُم الرغب في وقت الضر، فكانوا مثلاً: يعتقدون حتى في الكتب، مثل ما ذُكر في بعض التراجم أن أهل بلد -سموها- كانوا لا يرحلون في البحر إلا وقد وضعوا نسخة من (كتاب الشفا)للقاضي عياض المغربي المعروف في السفينة، فهو ليس اعتقاداً أيضاً في شخص، ولكن هو في كتابه؛ لما اشتمل عليه الكتاب من حقوق النبي عليه الصلاة والسلام، وهذه تراجع في شرح (القواعد الأربع).

قال في آخرها: (ولكن أين من يفهم قلبه هذه المسألة فهماً راسخاً ؟ والله المستعان) صحيح، فإن كثيرين ممن عارضوا الدعوة استغربوا من الشيخ أن يقول: شرك هؤلاء أعظم من شرك الأولين، قالوا: ما اكتفيت أن جعلتنا مساوين لأهل الجاهلية في الشرك حتى تجعل شرك أهل الإسلام أعظم من شرك أهل الجاهلية؟.
فقال: (أين من يفهم قلبه هذه المسألة فهماً راسخاً؟).

وفي قول الشيخ: (أين من يفهم قلبه) فيه إشارة للمذهب الحق، وهو أن الفهم والإدراك وأشباه ذلك مردها إلى القلب، وليس إلى الذهن أو المخ أو العقل أو أشباه ذلك، يعني الذي هو الدماغ، ولكن العقل إدراكه من جهة القلب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب))والقلب ليس محط الإدراك لأنه مضغة، ولكن لأنه المكان الذي فيه أصل انتشار الروح في البدن، تعلق الروح بالبدن، ومعلوم أن الإدراكات تبع للروح، فالروح هي المدركة، ووسيلة الإدراك الآلات التي في البدن، فكما أن اليد وسيلة تناول الشيء والمحرك الروح، فكذلك المحرك الروحُ للسان بالكلام الطيب، أو بالكلام الخبيث، المحرك الروح في التصرفات، والبدن أعضاؤه - هذه- وسائل لتنفيذ ما قام في النفس.

لهذا: المدرك في الحقيقة ليس هو البدن، إنما المدرك الروح، والبدن وسيلة، البدن آلات، العينان آلة، واللسان آلة، والشم آلة، والمخ والدماغ آلة، والقلب آلة، إلى آخره، آلة لتحصيل المعارف للروح، وهذه مسألة طويلة معروفة.

قال الشيخ -رحمه الله- هنا: (ولكن أين من يفهم قلبه هذه المسألة فهماً راسخاً؟).

لا شك أن من فهم هذه المسألة فهماً راسخاً علم أن هذا الذي قاله الشيخ حق، وأن شرك هذا الزمان أعظم من شرك الأولين، لكن أين من يفهم؟

والمطلوب من كل طالب علم بعد معرفته لدلائل التوحيد، والحجج، أن يمرن نفسه على جواب الشبه بعد إحكام الأصل، الإخوة الذين لم يحكموا (كتاب التوحيد) ولم يحكموا (ثلاثة الأصول) ودخلوا في (كشف الشبهات) مباشرة، أو ما ضبطوا تلك الكتب، فلا يحسنوا أن يجيبوا عن الشبه إلا بعد أن يحكموا الأصول؛ لأن هذه فرع عن تلك، من أحكم تلك يدرب نفسه على جواب هذه الشبه على طريقة الشيخ رحمه الله، يتأنى ويكون حليماً، يعرف موقع الاحتجاج، يعرف كيف يجر المخالف إلى الحجة الصحيحة، يعرف كيف يخلي القلب - قلب المخالف - من الحجة، ثم يبتدئ يعطيه الحق، إلى آخر ذلك، فتحتاج إلى دربة.








والملاحظ أن كثيرين يغضبون، وهم محمود غضبهم لله جل وعلا، لكن يكون جوابهم للشبهات ليس على أصوله، فيوقعون المجادِل في شبهةٍ جديدة، بل قد يقتنع أن ما عليه حق؛ لأن هذا ما استطاع أن يجيب بجواب جيد.
فالواجب على طالب العلم أن يكون متأنياً في جواب الشبهات، حاذقاً يعرف كيف يسوق المجادَل أو يسوق الخصم إلى ميدان الحجة دون أن يَلزَمه شيء، فيقيده حتى نجمعه في الآخر يكون كالمقدمة أو الخاتمة لهذا الكتاب.
ذكرنا أربع أو خمس فيما مضى، وهذه الآن واحدة جديدة، لعل أحدكم تنهض همته فيجمع هذه الأصول العامة في كيفية المناقشة، يعني: كيف يجمع الموحد نفسيته ليواجه الخصوم.


----------------

قال: (والأمر الثاني: أن الأولين يدعون مع الله أناساً مقربين عند الله إما أنبياء وإما أولياء وإما ملائكة، ويدعون أشجاراً أو أحجاراً مطيعة لله ليست عاصية، وأهل زماننا يدعون مع الله أناساً من أفسق الناس، والذين يدعون هم الذين يحكون عنهم الفجور من الزنى والسرقة وترك الصلاة وغير ذلك، والذي يعتقد في الصالح أو الذي لا يعصي مثل الخشب والحجر أهون ممن يعتقد فيمن يشاهد فسقه وفساده ويشهد به).

هذه المسألة لأهل التوحيد وليست للجواب على أهل الشبهات، بل هذه ليفهمها أهل التوحيد فهماً راسخاً، وهي: أن الأولين يدعون مع الله أناساً مقربين عند الله، أو يدعون أشياء مطيعة لله -جل وعلا-إما يدعون أنبياء مثل ما كان يدعى موسى، ويدعى عيسى، وتدعى أنبياء بني إسرائيل، ويدعى إبراهيم عليه السلام؛ أو أولياء من الصالحين كـاللات وكغيره، وإما الملائكة، ويدعون أشجاراً أو أحجاراً مطيعة لله ليست بعاصية، يدعون أشياء مسبحة لله مطيعة، لم تخرج عن توحيده وطاعته.
وأما أهل الزمان هذا فيدعون مع الله أناساً من أفسق الناس.
فمثلاً: قوله: (من أفسق الناس) قد يكون من جهة أنه عُرف عنه في حياته الفسق والفجور بدعوى أنه سقطت عنه التكاليف، أو بكونه كان مجنوناً وكان يفعل الأشياء بجنونه، يفعل أشياء من الفسق والمنكرات والكبائر لجنونه، أو لكونه محاداً معانداً فاسقاً فاجراً، أو كافراً في نفس الأمر، وهذا نوع.

والنوع الثاني: قد يدعون أشياء في محلات يكون الدعاء منصباً على نصراني، أو يكون الدعاء منصباً على حيوان أو يكون الدعاء منصباً على يهودي، أو نحو ذلك.
وهذه المسائل تختلف باختلاف التحقيق فيها، يعني أن يقال: هذا الذي يدعى ليس بصالح؛ بل هو نقل عنه أنه قال لأتباعه كذا وكذا، أو ذكر عن نفسه أنه سقطت عنه التكاليف، كان يعاشر المردان أو النساء فيفعل كذا وكذا من الفواحش، كان يشرب الخمر، كان لا يصلي، كان يسرق، كان يحتال، إلى آخر ذلك، وهؤلاء لا شك أنهم ليسوا بأولياء، وليسوا بصالحين، بل هم فسقة فجار، وقد يكونون كفاراً.
صنف من هؤلاء يُدعى الآن ويُسأل، وهذا عند التحقيق إذا جمعت الكلام وجدت هذا الكلام صحيحاً.

المعارضون أو الخرافيون ينقسمون تجاه هذا الكلام إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول:من يقول: هذا الذي تقولون عنه ليس بصحيح أصلاً، الذي ينقل عن عبد الوهاب الشعراني أنه قال كذا وكذا وكذا، يقولون: هذا مدسوس على كتبه، ليس من كتبه أصلاً.



والصنف الثاني من المتأولين، من يقول: هذا الكلام لأهله فيه تأويل، فإن اصطلاحات الصوفية تختلف عن اصطلاحات غيرهم، فقد يقولون العبارات التي فيها كفر؛ وليسوا يعنون ظاهرها، إنما يعنون معاني باطنة أخرى يفهمها القوم، مثل ما اعتذر عن ابن عربي بأنه كذا وكذا أراد مقاصد طيبة، لكن فهم كلامه على ظاهره، وهو لم يرد الظاهر، ومثل ما ينقل عن العفيف التلمساني وابن سبعين وأشباه هؤلاء.

والطائفة الثالثة من تقول: هؤلاء سقطت عنهم التكاليف أصلاً، والتكليف يراد منه أن يصفو الباطن ويفنى عن شهود السِّوى، يفنى عن شهود غير الله جل وعلا، فإذا وصل إلى هذه المرتبة فلم ير إلا الله جل وعلا، ولم يتجه إلا إلى الله جل وعلا، فإن التكاليف: الصلاة وتحريم الفواحش إنما هي لإصلاح نفسه، ونفسه قد بلغت المرتبة العليا فليس لإصلاحها مجال، وهذا قول الغلاة منهم، فيقول: (لا بأس لو فعل هذه الأفعال، هو أصلاً وصل وسقطت عنه التكاليف).
وهؤلاء الطوائف الثلاثة موجود - حتى في المؤلفات - من يتجه إلى فئة من هذه الفئات الثلاث، وهناك من المدفونين من الموتى من يُتَّجه إليه على أن المدفون فلان الولي ويكون المدفون غيره، مثل ما ذكر شيخ الإسلام عن قبر الحسين بن علي -رضي الله- عنه في القاهرة، فقد حقق -والعلماء كذلك حققوا والمؤرخون- أنه لم يصل القاهرة، وإنما سيق من العراق إلى دمشق إلى يزيد بن معاوية رحمه الله تعالى، ودفن هناك، والآن تجد قبراً للحسين في العراق ومشهد عظيم، وفي الشام وفي القاهرة.
قال: (إن المدفون في القاهرة رجل يهودي في المكان هذا).
وقالت طائفة: المدفون حيوان أصلاً في هذا المكان.
فإذاً:هم اعتقدوا في يهود، اعتقدوا في حيوانات، وهذا الصنف لم يكن يحوم حوله ذهن أو قلب أهل الجاهلية أصلاً، فلهذا صار هؤلاء أعظم وأقبح.
وهناك عمود كان في دمشق يُذهب إليه بالحيوانات، أو بأنواع من الحيوانات، مثل البقر، أو الجاموس، أو الأغنام، أو الإبل، أو أشباه ذلك، التي لم تلد، يعني: طالت ولادتها أو صار فيها مرض أو أشباه ذلك، فيطوِّفونها على هذا العمود فتلقي ما في بطنها فوراً، فيظنون أن هذا من بركة ما تحت العمود، ويقولون: هذا العمود كان يتعبد عنده رجل صالح.

وشيخ الإسلام -رحمه الله- بَيَّن قال:(هذا العمود دفن تحته رجل نصراني وساق الأدلة على ذلك، والحيوانات تسمع تعذيب النصراني في قبره، فلذلك إذا سمعت العذاب لم تتحمل، فاستطلق بطنها؛ لأنه قد جاء في الحديث:((أنه إذا تولى عنه أهله طرق بمطرقة يسمعها من يليه إلا الثقلان)).فالجن والإنس لا يسمعون العذاب؛ لأنهم مكلفون، ولو سمعوا لهلكوا ولرعبوا ولما استقامت لهم الحياة، أما الحيوانات فربما وصلها من ذلك شيء، وربما سمعت).
فكان تعلقهم ليس بولي وليس بنبي، وإنما بمكان تحته رجل نصراني، وأشباه ذلك.
وهذه الأشياء لم يكن عليها شرك الأولين، فالأولون لم يسألوا رجلاً، يعني: ما اتخذوا لـعمرو بن لحي المشرك، الذي أول من سيب السوائب وساق الآلهة، ما اتخذوا له قبراً يعبدونه ولا سألوه، إلى آخر أصناف عظمائهم المشركين، لكن أهل الأزمنة المتأخرة اعتقدوا في أنواع من الناس من فسقة هذه الأمة، أو ممن ارتد، أو من النصارى، أو من اليهود؛ لهذا قال الشيخ -رحمه الله تعالى- هنا: (والذين يدعونهم هم الذين يحكون عنهم الفجور) وفي النسخة التي عندي: (هم الذين يحلون لهم الفجور) ماذا عندك؟(يحكون عنهم الفجور) هذا الذي أعرفه، لكن هذه (يحلون لهم).
(يحكون عنهم الفجور من الزنى والسرقة وترك الصلاة وغير ذلك، والذي يعتقد في الصالح أو الذي لا يعصي مثل الخشب والحجر، أهون ممن يعتقد فيمن يشاهد فسقه وفساده ويشهد به) لا شك، يراه يزني ويعتقد أنه ولي من أولياء الله، يراه لا يصلي ويعتقد أنه من أولياء الله، هذا لاشك أنه ضلال فوق الضلال، ويسأله ويدعوه ويرى أنه يستشفع به، لا شك أن هذا أعظم وأبشع مما يذكر عن أهل الجاهلية.


  #6  
قديم 30 ذو القعدة 1429هـ/28-11-2008م, 01:31 PM
مسلمة 12 مسلمة 12 غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 1,159
افتراضي العناصر

العناصر :


اختلاف الألفاظ والتسميات لا يغير المعاني والحقائق
بيان معنى "الاعتقاد" عند الخرافيين
شرك الأولين أخف من شرك المتأخرين
بيان الفرق بين شرك الأولين وشرك المتأخرين
الفرق الأول:
- المشركون الأولون كانوا يشركون في الرخاء ويخلصون في الشدة
- المشركون المتأخرون يشركون في الرخاء والشدة
الفرق الثاني:
- المشركون الأولون يدعون مع الله أناساً مقربين
- المشركون المتأخرون يدعون مع الله أناساً من أفسق الناس وأخبثهم
- فائدة معرفة الفرق بين شرك الأولين وشرك المتأخرين
تفسير قول الله تعالى: (وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه..) الآية
تفسير قول الله تعالى: ( وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيباً إليه ...) الآية
تفسير قول الله تعالى : ( وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين ...) الآية


  #7  
قديم 30 ذو القعدة 1429هـ/28-11-2008م, 01:31 PM
مسلمة 12 مسلمة 12 غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 1,159
افتراضي الأسئلة

الأسئلة

س1: بيّن الفرق بين شرك الأولين وشرك المتأخرين.
س2: اذكر تفسيراً مختصراً للآيات التالية:
أ: قول الله تعالى: {وإذا مسّكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه}.
ب: قول الله تعالى: {وإذا مسّ الإنسان ضر دعا ربّه منيباً إليه}.
ج: قول الله تعالى: {وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين …} الآية.
س3: ما حكم الطواف حول قبور الشهداء؟


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الأولين, شرك

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:45 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir