دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > كشف الشبهات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 2 ذو القعدة 1429هـ/31-10-2008م, 01:35 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي كشف الشبهة الخامسة وهي احتجاجهم بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم على جواز طلب الشفاعة من المخلوقين

فَإِنْ قَالَ:

أَتُنْكِرُ شَفَاعَةَ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَبْرَأُ مِنْها؟
فَقُلْ: لا أُنْكِرُها وَلاَ أَتَبَرَّأُ مِنْهَا، بَلْ هُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّافِعُ المُشَفَّعُ في المحشر وَأَرْجُو شَفَاعَتَهُ، وَلكِنَّ الشَّفَاعَةَ كُلَّهَا للهِ، كَمَا قالَ تَعالى: {قُلْ للهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً}[الزُّمر: 44]، وَلاَ تَكُونُ إِلاَّ بَعْدَ إِذْنِ اللهِ كَما قَالَ تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ}[البقرة: 255].
وَلا يَشْفَعُ في أَحَدٍ إِلاَّ بَعْدَ أَنْ يأْذَنَ اللهُ فِيهِ، ولا يَأذَنُ إلا لأَهْلِ التَّوْحِيدِ والإِخْلاصِ، كَمَاقَالَ تعالى:{وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى}[الأنبياء: 28]، وَهُوَ لا يَرْضَى إِلاَّ التَّوْحِيدَ كَمَا قَالَ تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وهو في الآخرة من الخاسرين}[آل عمران: 85].
فَإِذَا كَانَتِ الشَّفَاعَةُ كُلُّهَا للهِ، وَلا تَكُونُ إلاَّ بَعْدَ إذْنِهِ، وَلا يَشْفَعُ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا غَيْرُهُ في أحَدٍ حَتَّى يَأْذَنَ اللهُ فِيهِ، وَلاَ يَأذَنُ إِلاَّ لأَهْلِ التَّوْحِيدِ، تَبَيَّنَ أَنَّ الشَّفَاعَةَ كُلَّها للهِ وأنا أطلبها منه، فَأقُوْلُ: اللَّهُمَّ لا تَحْرِمْنِي شفَاعَتَهُ، اللَّهُمَّ شَفِّعْهُ فِيَّ، وَأَمْثَالَ هَذا.


  #2  
قديم 30 ذو القعدة 1429هـ/28-11-2008م, 06:06 AM
مسلمة 12 مسلمة 12 غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 1,159
افتراضي شرح سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ

(1) (فَإِن) انْتَقَلَ المُشَبِّهُ إِلَى هَذِه الشُّبْهَةِ الأُخْرَى و(قَالَ: أَتُنْكِرُ شَفَاعَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَتَبَرَّأُ مِنْهَا؟) هَذَا شَأْنُ أَعْدَاءِ اللهِ القُبُورِيِّينَ؛ إِذَا أُنكِرَ عَلَيْهِم البَاطِلُ قَالُوا: هَذَا إِنْكَارٌ للحَقِّ، وإِذَا أُنْكِرَ عَلَيْهِم دُعَاءُ غَيْرِ اللهِ قَالُوا: هَذَا إِنْكَارٌ للشَّفَاعَةِ.
مِن شَأْنِ أَهْلِ البَاطِلِ المُشْبِهِينَ أَهْلَ الشِّرْكِ المُبَاهَتَةُوَإِلْبَاسُهُم أَهْلَ الحَقِّ الشُّبَهَ البَاطِلَةَ، إِذَا أُنْكِرَ عَلَيْهِم دُعَاءُ غَيْرِ اللهِ وشِرْكِيَّاتُهُم وَضَلاَلاَتُهُم أَخَذُوا في الطَّعْنِ عَلَى أَهْلِ التَّوْحِيدِ وَقَالُوا: إِنَّكُم تُنْكِرُونَ الشَّفَاعَةَ، وَأَنْتُم تَنْتَقِصُونَ الأَوْلِيَاءَ والصَّالِحِينَ - ولَيْسَ كَذَلِكَ- خَالَفُوا طَرِيقَةَ الرُّسُلِ وأَلْزَمُوهُم أَنْ يَكُونُوا رَاضِينَ بِذَلِكَ، وَهَذَا عَكْسُ مَا دَعَوْهُم إِلَيْهِ.(فَقُلْ: لاَ أُنْكِرُهَا) وَأَوْلَى مِن ذَلِكَ أَنْ لاَ أَتَبَرَّأَ مِنْهَا، وهي أَصْلٌ لأَِهْلِ التَّوْحِيدِ دونَ غَيْرِهِم، بل أَنَا وَأَمْثَالِي أَرْجَى لِشَفَاعَتِهِ لِكَوْنِي مُتَمَسِّكًا بِسُنَّتِهِ، بَلْ هُمْ المَحْرُمُونَ لِكَوْنِهِم تَعَلَّقُوا بِأَذْيَالٍ لاَ تُوصِلُهُم بَلْ هُمْ تَرَكُوا سَبَبَ شَفَاعَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بَلْ هو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّافِعُ المُشَفَّعُ وأَرْجُو شَفَاعَتَهُ، وَلَكِنَّ الشَّفَاعَةَ كُلَّهَا للهِ) فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يَمْلِكُهَا اسْتِقْلاَلاً، بَلْ لاَ يَشْفَعُ إِلاَّ في أُنَاسٍ مَخْصُوصِينَ، قَائِمٍ بِهِمُ التَّأَهُّلُ لأَِنْ يُشْفَعَ لَهُم (كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قُل للهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا}) وَهَذَا في سِياقِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَمِ اتَّخَذُواْ مِن دُونِ اللهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَـانُواْ لاَ يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلاَ يَعْقِلُونَ}فاللاَّمُ عِنْدَ جَمِيعِ العُلَمَاءِ للمِلْكِ.
بَيَّنَتِ الآيَةُ أَنَّ الشَّفَاعَةَ مِلْكٌ للهِ وَحْدَهُ، وَكَوْنُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُعْطِيَهَا لاَ اسْتِقْلاَلاً مِن دونِ اللهِ بَلْ أَكْرَمَهُ المَالِكُ لَهَا لأُِنَاسٍ مَخْصُوصِينَ في مِقْدَارٍ مَخْصُوصٍ، فهي شَيْءٌ مَحْدُودٌ لِشَيْءٍ مَحْدُودٍ، (وَلاَ تَكُونُ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِ اللهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ}) فَأَيُّ قَائِلٍ أو أَيُّ إِنْسَانٍ يُخْرِجُ النَّبِيَّ مِن هَذَا العُمُومِ.

(2) (وَلاَ يَشْفَعُ فِي أَحَدٍ إِلاَّ بَعْدَ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ فيه، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى}) يَعْنِي: مَن رَضِيَ اللهُ قَوْلَه وَعَمَلَهُ (وهو سُبْحَانَهُ لاَ يَرْضَى) مِن عِبَادِهِ إِلاَّ عَمَلاً وَاحِدًا هو الإِسْلاَمُ والذِي يَدُورُ عَلَيْهِ هو التَّوْحِيدُ؛ فالتَّوْحِيدُ مَنْـزِلَتُهُ مِن الإِسْلاَمِ كَمَنْـزِلَةِ الأَسَاسِ مِن البُنْيَانِ، فالْمِحْوَرُ هو التَّوْحِيدُ والرَّبُّ لاَ يَرْضَى (إِلاَّ التَّوْحِيدَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ}) .
وَقَالَ عَنِ المُشْرِكِينَ: {فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} فَإِذَا كَانَتِ الشَّفَاعَةُ كُلُّهَا للهِ كَمَا في الآيَةِ الأُولَى (وَلاَ تَكُونُ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ) كَمَا في الآيَةِ الثَّانِيَةِ وَلاَ يَشْفَعُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ غَيْرُهُ في أَحَدٍ حَتَّى يَأْذَنَ اللهُ فِيهِ كَمَا في الآيَةِ الثَّالِثَةِ (وَلاَ يَأْذَنُ اللهُ إِلاَّ لأَِهْلِ التَّوْحِيدِ) كَمَا في الآيَةِ الرَّابِعَةِ (تَبَيَّنَ لَكَ) بِذَلِكَ كُلِّهِ، بَلْ بَعْضُهُ كَافٍ (أَنَّ الشَّفَاعَةَ كُلَّهَا للهِ) مِلْكٌ لَهُ وَحْدَهُ، وَأَنَّهَا لاَ تُطْلَبُ مِن غَيْرِ اللهِ بل تُطْلَبُ مِن اللهِ (وَأَطْلُبُهَا مِنْهُ) فَأَطْلُبُهَا بِمَا هو دُعَاءٌ لِرَبِّ العَالَمِينَ المَالِكِ لِهَا وَحْدَه، لاَ دُعَاءٌ للنَّبِيِّ (فَأَقُولُ: اللهُمَّ لاَ تَحْرِمْنِي شَفَاعَتَهُ، اللهُمَّ شَفِّعْهُ فِيَّ وأَمْثَالَ هَذَا) فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ ذَلِكَ نِلْتَهَا، وَمُرَادُهُ أَنَّكَ تَطْلُبُهُ بِالْمَعْنَى وَلَوْ مَا لَفَظْتَ؛ فَإِذَا عَمِلْتَ بالتَّوْحِيدِ فَأَنْتَ تَطْلُبُ أَسْبَابًا فِيهِا نَيْلُ الشَّفَاعَةِ سَوَاءٌ قُلْتَ باللَّفْظِ أَوْ لاَ أو مَا هَذَا مَعْنَاهُ.


  #3  
قديم 30 ذو القعدة 1429هـ/28-11-2008م, 06:07 AM
مسلمة 12 مسلمة 12 غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 1,159
افتراضي شرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين

(1) قولُهُ: (فإنْ قالَ) يَعْنِي: إذا قالَ لكَ المُشْرِكُ المُشَبِّهُ: هلْ تُنْكِرُ شَفاعةَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وهوَ يَقولُ هذا مِنْ أجلِ أنْ يُلْزِمَكَ بِجَوازِ دُعاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَسَى أنْ يَشْفَعَ لكَ عندَ اللهِ إذا دَعَوْتَهُ.

فقُلْ لهُ:لا أُنْكِرُ هذهِ الشَّفاعةَ ولا أَتَبَرَّأُ مِنها، ولكنِّي أَقولُ: إنَّ الشَّفاعةَ للهِ ومَرْجِعَها كُلِّها إليهِ، وهوَ الَّذي يَأْذَنُ فيها إذا شَاءَ ولِمَنْ شاءَ؛ لِقولِ اللهِ تعالى: {قُلْ للهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}[الزُّمَرُ: 44].

(2) قولُهُ: (ولا تَكونُ إلاَّ بعدَ إِذْنِ اللهِ...) إلخ، بَيَّنَ رَحِمَهُ اللهُ أنَّ الشَّفاعةَ لا تَكونُ إلاَّ بشرْطَيْنِ:
الشَّرطُ الأوَّلُ: أنْ يَأْذَنَ اللهُ بها؛ لِقولِهِ تعالى: {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ}.
الشَّرطُ الثَّاني: أنْ يَرْضَى اللهُ عزَّ وجلَّ عن الشَّافِعِ والمَشْفوعِ لهُ؛ لِقولِهِ تعالى: {يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً}[طه: 109]، ولقولِ اللهِ تعالى: {وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ}[الأنبياءُ: 28 ].
ومن المعلومِ أنَّ اللهَ لا يَرْضَى إلاَّ بالتَّوحيدِ،ولا يُمْكِنُ أنْ يَرْضَى الكفرَ؛ لقولِهِ تعالى: {إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ}[ الزُّمَرُ: 7]، فإذا كانَ لا يَرْضَى الكفرَ، فإنَّهُ لا يَأْذَنُ بالشَّفاعةِ للكافرِ.

(3) قولُهُ: (فإذا كانت الشَّفاعةُ كلُّها للهِ...) إلخ، أَرادَ المؤلِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تعالى أنَّهُ إذا كانت الشَّفاعةُ للهِ، ولا تَكونُ إلاَّ بِإذنِهِ، ولا تَكونُ إلاَّ لِمَن ارْتَضَى، ولا يَرْضَى إلاَّ التَّوحيدَ، لَزِمَ مِنْ ذلكَ أنْ لا تُطْلَبَ الشَّفاعةُ إلاَّ مِن اللهِ تعالى، لا مِن النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيَقولَ: اللهُمَّ شَفِّعْ فيَّ نَبِيَّكَ، اللهُمَّ لا تَحْرِمْني شفاعتَهُ، وأمثالَ ذلكَ(1).

حاشية الشيخ صالح العصيمي
(1) وقد كره بعض أهل العلم الدعاء بهذا: أن يقول المرء في دعائه: (اللهم شفع فيَّ محمداً صلى الله عليه وسلم) أو يقول: (اللهم اجعلني ممن تصيبه شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم).
وفي كراهيته نظر ومنازعة ترى بيانها في (الأذكار) للنووي ص330-331) (وفتاوى ابن رشد 2/770) (وشرح الإحياء للزبيدي 7/575) (ومعجم المناهي اللفظية ص604، 605)


  #4  
قديم 30 ذو القعدة 1429هـ/28-11-2008م, 06:08 AM
مسلمة 12 مسلمة 12 غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 1,159
افتراضي شرح فضيلة الشيخ صالح الفوزان

(1) شَفَاعَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- لاَ يُنْكِرُها إلاَّ أَهْلُ البَاطِلِ، والفِرَقُ الضَّالَّةُ كالخَوَارِجِ والمُعْتَزِلَةِ.

أمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ فإنَّ مِن أُصُولِ عَقِيدَتِهِم الإِقْرَارَ بشَفَاعَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وشَفَاعَةِ الأَوْلِيَاءِ والصَّالِحِينَ،ولَكِنَّها لاَ تُطْلَبُ منهم وهم أَمْوَاتٌ، وإنَّما تُطْلَبُ مِن اللهِ؛ لأَِنَّ أَحَدًا لاَ يَشْفَعُ عِنْدَ اللهِ إلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ، ولاَبُدَّ أَنْ يَكُونَ المَشْفُوعُ فيه مِمَّن يَرْضَى اللهُ عَنْهُ مِن أَهْلِ التَّوْحِيدِ، والنَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- وهو أَعْظَمُ الشُّفَعَاءِ يَوْمَ القِيَامَةِ إِذَا تَقَدَّمَ له أَهْلُ المَحْشَرِ وطَلَبُوا منه أَنْ يَشْفَعَ لَهُم عِنْدَ اللهِ في فَصْلِ القَضَاءِ بَيْنَهُم، فإنَّه لاَ يَشْفَعُ ابْتِدَاءً، وإنَّما يَسْتَأْذِنُ رَبَّه ويَطْلُبُ منه أَنْ يَأْذَنَ لَهُ بالشَّفَاعَةِ، فَيَخِرُّ سَاجِدًا بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ ويَدْعُوه ويَتَضَرَّعُ إِلَيْهِ، ويَسْتَمِرُّ حَتَّى يُقَالَ لَهُ: ((يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ وَسَلْ تُعْطَ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ)) ولكن كيف تُطْلَبُ الشَّفَاعَةُ؟
الشَّفَاعَةُ تُطْلَبُ مِن اللهِ وَلاَ تُطْلَبُ مِن المَخْلُوقِ، فَتَقُولُ: اللهُمَّ لاَ تَحْرِمْنِي شَفَاعَةَ نَبِيِّكَ، اللهُمَّ شَفِّعْهُ فِيَّ، وأَمْثَالَ هَذَا، والنَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- بَعْدَ مَوْتِهِ لاَ يُطْلَبُ منه شَيْءٌ، لاَ شَفَاعَةٌ وَلاَ غَيْرُهَا؛ لأَِنَّ طَلَبَ الأَشْيَاءِ مِن الأَمْوَاتِ شِرْكٌ أَكْبَرُ.


  #5  
قديم 30 ذو القعدة 1429هـ/28-11-2008م, 06:11 AM
مسلمة 12 مسلمة 12 غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 1,159
افتراضي شرح الشيخ صالح آل الشيخ

الشبهة الخامسة: (فإن قال: أتنكر شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتبرأ منها؟ فقل: لا أنكرها ولا أتبرأ منها، بل هو -صلى الله عليه وسلم- الشافع والمشفع، وأرجو شفاعته، لكن الشفاعة كلها لله).
شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- جنس تحته أنواع، فهو -عليه الصلاة والسلام- يشفع يوم القيامة في أنواعٍ من الشفاعة، وأعظمها وأجلها شفاعته -عليه الصلاة والسلام- في أهل الموقف، أن يعجَّل لهم الحساب، بعد أن نالهم من الكرب والشدة ما جعلهم يستغيثون به عليه الصلاة والسلام، في عرصات القيامة، في ذلك الموقف العظيم، وهذا هو المقام المحمود الذي خص الله -جل وعلا- به محمداً عليه الصلاة والسلام؛ كما قال سبحانه: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً}.
وهذا المقام المحمود، هو شفاعته -عليه الصلاة والسلام- في الناس جميعاً، لكي يفصل بينهم، ولكي يعجل لهم الحساب، ولهذا جاء في حديث جابر وغيره أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من سمع النداء فقال مثل ما يقول المؤذن ثم قال: -في الدعاء المعروف بعد الأذان- اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته إلا حلت له شفاعتي يوم القيامة)) وذلك أنه سأل الله -جل وعلا- لنبيه صلى الله عليه وسلم المقام المحمود، وسأل له الوسيلة والفضيلة، وهي متحققة للنبي عليه الصلاة والسلام، ولكن السائل إذا دعا الله -جل وعلا- بذلك وسألها للنبي صلى الله عليه وسلم، ففي سؤاله ذلك له -عليه الصلاة والسلام- أنواع من العبادات التي بها استحق أن تحل عليه وله شفاعة المصطفى صلى الله عليه وسلم:
منها: يقينه بما وعد الله -جل وعلا- نبيه.
ومنها: حبه للمصطفى صلى الله عليه وسلم، ودخوله في أمته، ورغبتُه ومحبتُه أن يكون -عليه الصلاة والسلام- أنفع الخلق للناس يوم القيامة، وهو -عليه الصلاة والسلام-كذلك، إذ خصه الله -جل وعلا- بالشفاعة.
ومر معنا في شرح (الواسطية) ومر معنا في غير ذلك أنواع الشفاعات، التي أعطاها الله -جل وعلا- نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم، في ذلك المقام العظيم يوم القيامة.
فهنا قال: (فإن قال: أتنكر شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- وتبرأ منها) هذا يشمل إنكار الشفاعة العظمى، والشفاعات الأخر، الشفاعة في أهل المعاصي ألا يُدخلوا النار، والشفاعة فيمن دخل النار واستحقها ودخلها أن يخرجه الله -جل وعلا- منها، والشفاعة في أقوام تساوت حسناتهم وسيئاتهم أن يدخلهم ربهم -جل وعلا- الجنة، وأشباه هذا.(فإن قال: أتنكر شفاعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتبرأ منها؟
فقل: لا أنكرها ولا أتبرأ منها، بل هو -صلى الله عليه وسلم- الشافع والمشفع) (الشافع) يعني: بما أعطاه الله جل وعلا.(والمشفَّع) فيمن شفع له عليه الصلاة والسلام، فإنه لا يشفع في أحد يوم القيامة إلا أعطاه الله -جل وعلا- ما سأله وإلا أعطاه الله -جل وعلا- ما شفع فيه، حتى الكافر عَمُّه فإنه يشفع فيه عليه الصلاة والسلام، ويخفف عنه من العذاب بسبب شفاعته عليه الصلاة والسلام، فهو -عليه الصلاة والسلام- الشافع، وهو -عليه الصلاة والسلام- المشفع، ونرجو شفاعته، نرجو أن نكون ممن شفَّع الله -جل وعلا- فيهم نبيه عليه الصلاة والسلام، ونأخذ بأسباب تلك الشفاعة، فإن شفاعة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- فيمن يشفع فيه؛ هي بإذن الله؛ كما سيأتي.

قال: (لكنَّ الشفاعةَ كلها لله؛ كما قال تعالى: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً}) الشفاعة معناها: ضم الداعي والسائل طلبه إلى طلب سائل آخر ليتحقق طلبه، ويكون الشافع ـ يعني: الثاني ـ أقوى من الأول، هذا في مقتضى اللغة.
وهي مأخوذة من الشفع وهو ضد الوِتر؛ كما قال جل وعلا: {وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} فالشفع مغاير للوَتْر، وسمي الشافع شافعاً والشفيع شفيعاً لأنه صار بالنسبة للسائل زوجاً وشفعاً، بعد أن كان الطالب والسائل واحداً.
فشفع طلبه، يعني: صار هذا الشافع ثانياً في السؤال، فبدل أن يطلب الشيءَ واحدٌ بالشفاعة صار الطالب له اثنين، الأول صاحب الحاجة والثاني صاحب الشفاعة.
فإذاً: الشفاعة حقيقتها:ضم الشافع طلبه لطلب السائل ليُحقَّق له مراده، وهذا عام في موارد الشفاعة في اللغة.
فإذاً: على هذا تكون الشفاعة ممن يمكنه ذلك، فإذا دعا الداعي في الدنيا لأخ من إخوانه، أو لمن دعا له، فإنه شافع له في الدعاء، يعني: أنه سأل الله -جل وعلا- أن يعطي فلاناً مطلوبه الذي هو كيت وكيت.
وكما جاء في حديث الأعمى المروي في السنن بإسناد حسن، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما جاءه الأعمى يشكو حاله علمه دعاءً، ثم قال له: ((فقل: اللهم إني استشفع إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم)) وهذا يعني أنه يجعل دعاء المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في حياته شافعاً له، يعني: دعا هو بما أوصى به عليه الصلاة والسلام، ثم رَغِب في أن يكون الشافع له محمداً عليه الصلاة والسلام، يعني الداعي له بما أراده من الرب جل وعلا.
فإذا كان كذلك صارت حقيقة الشفاعة قائمةً على أن الشافع يطلب كما طلب الأول؛ وأنه لا يشفع إلا فيمن رضي أن يشفع له، لا يشفع ممن طلب منه الشفاعة رغماً عنه، يعني: إذا سأل سائل آخرَ أن يشفع له، فالشافع لا يشفع إلا إذا رغب أن يشفع، وليس كل من طلب الشفاعة من غيره من الناس من فلان، من النبي عليه الصلاة والسلام، من أهل العلم أن يجاب إلى طلبه، فيشفع فيه المصطفى عليه الصلاة والسلام، ويشفع فيه العلماء، إلى آخرذلك، في الدعاء في الدنيا، فإنه قد يطلب ويرد، قد يطلب من الشافع أن يشفع فيقول الشافع: لا أشفع لك.

والمصطفى -عليه الصلاة والسلام- هو الذي أنزل الله -جل وعلا- عليه قوله: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} ولهذا قال الشيخ رحمه الله: (ولا تكون إلا من بعد إذن الله؛ كما قال عز وجل: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ}) وإذن الله في القرآن وفي الشفاعة نوعان:
1-إذن قدري كوني.
2-وإذن شرعي ديني.
فحصول الشفاعة لا يكون إلا بعد أن يأذن الله بالنوعين.
فالأول:الإذن الشرعي، يعني: أن يكون هذا المشفوع له ممن أُذن شرعاً أن يُشفع فيه، ومعلوم أن الله -جل وعلا- نهى المؤمنين أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى، فقال -جل وعلا- في سورة براءة: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113) وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} فدل هذا على أن الشرع نهى أن يستغفر للمشرك، يعني: أن يُشْفَعَ في مغفرة الذنوب عند الله -جل وعلا- لأهل الشرك.
وإذا كان كذلك، فإن اشتراط الإذن الشرعي، يعني: أن من طلب الشفاعة من النبي -صلى الله عليه وسلم- في الدنيا وهو من أهل الشرك، أو في الآخرة وهو من أهل الشرك؛ فإنه لم يؤذن الإذن الشرعي في أن يُشفع فيهم، أو أن يسأل الشفاعة لهم.
وكذلك في البرزخ - وهو ما بين الحياتين الأولى والآخرة وهو حياة خاصة - كذلك فإن من سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- الشفاعة، وهو في قبره عليه الصلاة والسلام، فقد سأل ما لم يؤذن به شرعاً.

ولهذا الصحابة -رضوان الله عليهم- ما سألوا النبي -صلى الله عليه وسلم- الشفاعة بعد موته، وكذلك ما سألوا شهداء أحد الشفاعة، والشهداء يشفعون كما جاء في الحديث؛ لأن الشفاعة مشروطة بالإذن الشرعي.

ولو حصل من أحد أنه طلب الشفاعة، فإنه لو فرض أنه -عليه الصلاة والسلام-يشفع في البرزخ، فإن هذا الذي طلب الشفاعة، فإنه أشرك، حيث سأل الشفاعة بما لم يؤذن به في الشرع؛ لأنه طلب الشفاعة ممن لم يؤذن له في ذلك، والشفاعة كلها لله جل وعلا.

فتحصل لنا من الشرط الأول -وهو الإذن- أنه ينقسم إلى قسمين:

1-الإذن الشرعي:وهو أن يكون الله -جل وعلا- أذن للشافع أن يشفع، الإذن الشرعي، وكذلك أذن للمستشفع أن يطلب الشفاعة الإذن الشرعي، وربنا -جل وعلا- قال في الشافع: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} يعني: لا أحد يشفع عند الله -جل وعلا- إلا بعد أن يأذن الله -جل وعلا- الإذن الشرعي.
فإن أهل الإيمان من الرسل والأنبياء والصالحين والملائكة لا يشفعون لمن لم يؤذن له شرعاً، لمن خالف الشرع، وطلب الشفاعة من غير الله؛ لأن الله -جل وعلا- قال: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً}.
فإذاً: طلب الشفاعة منهي عنه بقوله: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ}وطلب الشفاعة معناه: طلب الدعاء، فالشفاعة وطلب الدعاء واحد.
فإذا جاء أحد إلى قبر، وقال لصاحب القبر: أسألك أن تدعو الله لي، معناه: أنه سأل الشفاعة، فهي بمنزلة قوله: أسألك أن تشفع لي؛ لأن الشفاعة - كما ذكرت لك - هي طلب الدعاء، ضم الشافع طلبه إلى المشفوع له.
فقول القائل لأحد: أسألك أن تدعو لي، يعني: أن تشفع لي، وهذا بالنسبة للأموات مهما علت مرتبتهم فإنه لا يجوز، وطلبها منهم لا يوافق إذن الله -جل وعلا- الشرعي.
إذا تبين ذلك: فالقسم الثاني من الإذن: الإذن الكوني القدري، يعني: أن الشافع عند الله -جل وعلا- لا يشفع ابتداء، كما هو الحال في الدنيا في أحوال الشافعين عند البشر، يأتي ويطلب، سواء كان المشفوع عنده يرضى بهذه الشفاعة أو لا يرضى، يرغب فيها أو لا يرغب.
هذا من حال أهل القصور، حال أهل الفقر والمسكنة، يعني: من أهل الدنيا.
أما ربنا -جل وعلا- ذو الكمال المطلق، وذو الإحسان إلى خلقه، وذو الغنى التام، وذو القدرة التامة جل وعلا، فإنه لا يشفع عنده أحد ابتداء، بل لا يشفع أحد حتى يأذن الله للشافع أن يشفع: الإذن الكوني القدري، يعني: يعلم الله -جل وعلا- أن هذا يريد أن يشفع فيقول له: اشفع، كما ثبت في الصحيح أنه -عليه الصلاة السلام- إذا كانت الشفاعة العظمى يوم القيامة ويأتيه الناس قال: ((فآتي فأخر بين يدي العرش فأحمد ربي بمحامد يفتحها علي لا أحسنها الآن)).
يخر ساجداً، فيبتدئ بالحمد والثناء على الله جل وعلا، والله سبحانه يعلم أنه يريد أن يشفع، ولا يشفع ابتداءً؛ لأنه لابد من الإذن الكوني، لابد أن يقال له: اشفع، قال عليه الصلاة والسلام: ((فيقول الرب، أو فيقول: يا محمد ارفع رأسك وسل تعط واشفع تُشَفَّع)).

فهذا يدل على أن الشفاعة يوم القيامة لا يبتدىء بها أهلها حتى يأذن الله -جل وعلا- لهم في أن يشفعوا،وهذا أصل عظيم في هذا الباب.
إذاً: الإذن الكوني القدري - بالدليل الذي ذكرت لك - يدل على أن هذا الذي شفع لا يملك الشفاعة، وإنما هو محتاج لأن يشفع، كما أن الطالب محتاج في أن يشفع له، والله -جل وعلا- هو الذي يملك الشفاعة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لا يملكها فيشفع شفاعة من يملك، وإنما هو يرجو أن يقبل منه أن يشفع كما جاء في هذا الحديث، ودلالته واضحة على ما ذكرنا.
إذاً: قوله جل وعلا: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} يعني: لا أحد يشفع عند الله -جل وعلا- إلا بإذنه سبحانه الشرعي، وبإذنه سبحانه القدري، فإن شفع من لم يأذن الله فيه شرعاً فإنه لا تقبل شفاعته، مثل ما شفع نوح -عليه السلام- في ابنه قال: {رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ} فأجابه ربنا -جل وعلا- بقوله: {يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ} الآيات.
فإذاً:دل على أنه إذا ابتدأ أحد في أن يشفع فيمن لم يؤذن له بالشفاعة شرعاً، فإنه لا تقبل شفاعته، وترد عليه.
وأما الإذن الكوني:فإنه في الآخرة لا يحصل - يعني بعد الموت - لا يحصل الإذن، لا تحصل الشفاعة ولا تقع إلا بعد الإذن الكوني.
أما في الدنيا: فإنه قد يشفع أحد فيؤذن له كوناً بالشفاعة بحسب إرادته، فيبتدئ بالشفاعة، ثم ترد عليه إن لم تكن شفاعته موافقة للإذن الشرعي، أولم تكن شفاعته موافقة لحكمة الله جل وعلا.
فتحصَّل من هذا أن الشفاعة لها - من حيث الزمن - حالان:
في الدنيا، وما بعد الممات.
أما في الدنيا:فإن الإذن الكوني للشافع يحصل بإرادة الشافع، فقد يشفع والله -جل وعلا- يأذن سبحانه، ولو كانت حكمته في أن يرد هذا الشافع في الدنيا مثل ما حصل من شفاعة نوح -عليه السلام- في ابنه، ومن شفاعة إبراهيم في أبيه، ومن شفاعة النبي -عليه الصلاة والسلام- في عمه، فأنزل الله جل وعلا: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى}.
أما بعد الممات: فإنه لا يبتدئ أحد الشفاعة -يعني: في يوم القيامة ولا في البرزخ- حتى يأذن الله جل وعلا، ومعلوم أن الله -جل وعلا- لا يأذن في وقوع الشرك، ولا يأذن إذناً كونياً ولا إذناً شرعياً في حصول ذلك من الأموات، لكن من الأحياء قد يبتدئون ويطلبون ذلك؛ لأنها دار تكليف، فيأذن الله -جل وعلا- كوناً بحصول مالم يأذن به شرعاً؛ لأنها دار تكليف.
فقوله سبحانه: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} معناها: لا أحد يشفع عند الله إلا بإذنه، وذلك لكمال قدرته -جل وعلا- وقهره وجبروته، وكمال ملكه، وكمال عزته، وكمال صفاته -سبحانه- وأسمائه.
أما الخلق فقد يُشفع عندهم بلا إذن منهم.

قال الشيخ -رحمه الله- تعالى بعد ذلك: (ولا يَشفع في أحد) يعني: النبي صلى الله عليه وسلم، أو: (لا يُشفع في أحد) يعني: جميع أنواع الشفعاء (إلا من بعد أن يأذن الله فيه)

وهذا إذن آخر، فباعتبار آخر: الإذن ينقسم إلى قسمين:
1-إذن للشافع أن يشفع.
2-وإذن للمشفوع فيه أن يُشفع له.
قال: (ولا يشفع في أحد إلا من بعد أن يأذن الله فيه) يعني: في حق المشفوع له أن يشفع، أما أن يشفع لكل أحد، والله -جل وعلا- لا يأذن لهذا أن يشفع له فإن هذا لا يحصل، والله -سبحانه وتعالى- لا يرضى إلا بالشفاعة لأهل التوحيد، كما سيأتي.

قال: (كما قال عز وجل: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى}) {وَلا يَشْفَعُونَ} يعني: الملائكة؛ لأن هذه الآية في سورة الأنبياء {وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى}يعني: الملائكة، فلا يشفعون فيمن يريدون، كما يظن أهل الشرك، بل لا يشفعون إلا لمن رضي الله -جل وعلا- قوله وعمله، فيمن ارتضاهم ربنا جل وعلا.
والله -سبحانه- لا يرضى إلا لأهل التوحيد؛ كما ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: ((أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه أو نفسه)).

فقوله: ((أسعد الناس بشفاعتي)) قال العلماء: (أسعد) هنا جاءت على أفعل التفضيل، لكن معناها الوصف لا التفضيل، يعني: سعيد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال (لا إله إلا الله) خالصاً من قلبه أو نفسه.

فأسعد بمعنى سعيد؛ كقوله -جل وعلا- في سورة الفرقان:{أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً} ومعلوم أن مقيل أهل النار ليس فيه حسن، بل هو قبيح وشر وعذاب عليهم، فقوله: {وَأَحْسَنُ مَقِيلاً} يعني: حسناً مقيلهم.

فهذا معلوم في اللغة أن (أفعل) قد تخرج عن بابها إلى الوصف، وهذا كقوله كما ذكرنا: ((أسعد الناس بشفاعتي)) فسعيد الناس بشفاعته -عليه الصلاة والسلام- أهل التوحيد.

والذين يرضاهم الله -جل وعلا- ورضي لهم قولاً هم أهل التوحيد.

فإذا كان كذلك، فمن سأل من لا يملك الشفاعةَ الشفاعةَ، فإنه ليس ممن رضي الله -جل وعلا- قوله، ولا رضي عمله؛ لأن الله نهانا عن ذلك، ولأن الصحابة -رضوان الله عليهم- لم يفعلوا ذلك.

قال جل وعلا: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى}وهذا هو الشرط الثاني، وهو شرط الرضا، فإن الشفاعة لا تنفع عند الله -جل وعلا- إلا بتحقق شرطين:
1-الإذن.




2-والرضا.
والرضا نوعان أيضاً:
1-رضا عن الشافع.
2-ورضا عن المشفوع له.
الذين يشفعون هم الذين رضي الله عنهم، وهم الأصناف الذين جاء ذكرهم في الأحاديث: الأنبياء، وأولهم محمد عليه الصلاة والسلام، والعلماء، والشهداء، والصالحون، هؤلاء هم الذين يشفعون فرضي الله -جل وعلا- قولهم.
وكذلك النوع الثاني: الرضا لمن شُفع له، وهذا الرضا قد يكون رضاً عن مآل حاله؛ لأنه من أهل الإسلام، وقد يكون رضاً في الشفاعة لحكمة يعلمها جل وعلا، وهذا إخراج لحال أبي طالب.

قال: ({وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى} وهو جل وعلا لا يرضى إلا التوحيد) بدلالة الحديث الذي ذكرنا، وكذلك دلالة قول الله جل وعلا: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
وكقوله جل وعلا: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} يعني: التوحيد، الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله، هذا هو الإسلام، وهو التوحيد الذي جاء به الأنبياء والرسل جميعاً.
فإذاً: هو سبحانه لا يرضى إلا الإسلام العام،ومن كان من هذه الأمة فلا يرضى - يعني: بعد بعث محمد عليه الصلاة والسلام - فلا يرضى إلا ما فيه، بل لا يرضى إلا اتباع المصطفى عليه الصلاة والسلام.
فقوله: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} يعني: من ابتغى غير دين محمد -عليه الصلاة والسلام- فلن يقبل منه؛ لأن محمداً -عليه الصلاة والسلام- بعثه الله، وبعثه بالإسلام الخاتَم الذي نسخ كل دين قبله.

قال -رحمه الله- بعد ذلك: (فإذا كانت الشفاعة كلها لله) هذا استنتاج، ترتيب النتائج على المقدمات.(فإذا كانت الشفاعة كلها لله، ولا تكون إلا بعد إذنه، ولا يشفع النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا غيره، في أحد حتى يأذن الله فيه، ولا يأذن إلا لأهل التوحيد) هذه أربعة أشياء، إذا كانت الشفاعة كلها لله أولاً، هذه مقدمات في الحجة ليبني على هذه المقدمات النتيجة، وهذه المقدمات كل واحدة منها سبق شرحها ودليلها.

قال: (فإذا كانتِ الشفاعة كلها لله) يعني: من جهة المِلك؛ لأن الذي يملكها الرب جل وعلا، فإذاً هو الذي يتصرف ويقول سبحانه: هذا يُشفع فيه، وهذا يَشفع، وهذه الحال فيها شفاعة، وهذه الحال ليس فيها شفاعة، إذ هو المالك للشفاعة سبحانه، بخلاف أهل الدنيا، فإنه يملك المرء الشفاعة في أحد.
أنا الآن -مثلاً- أريد أن أشفع لفلان، فإني أملكها بحيث أبتدئ الشفاعة ولو لم يرض المشفوع عنده، فأبتدئ سواء قبل أو لم يقبل، هذا لأجل حال القصور الذي أنا عليه والضعف والمسكنة، فلا أملك ولا أستطيع أن أفرض على أحد شيئاً.
أما حقيقة الشفاعة:فإنها لله جل وعلا، يملكها سبحانه، فالشفاعة عنده -جل وعلا- ليست كالشفاعة عند خلقه جل وعلا، بل هو الذي يملك الشفاعة، فالذي يجيء يطلب الشفاعة، لا يجيء وهو يتقدم عند الله -جل وعلا- بشيء يملكه هو، بل الذي يملك الشفاعة الرب سبحانه وتعالى.
فحقيقة الشروط {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ}، {وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى} ونحو ذلك من الآيات، دالة على أن الشفاعة مِلك لله، فالآية - آية الزمر - {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً} دالة، وكذلك الشروط دالة على أن الشفاعة كلها لله جل وعلا.

قال في الشرط الثاني: (ولا تكون إلا بعد إذنه) مثل ما مر معنا. (ولا يشفع النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا غيره في أحد حتى يأذن الله فيه) هذا الشرط الثالث.(ولا يأذن إلا لأهل التوحيد) هذا الشرط الرابع (تبين لك أن الشفاعة كلها لله) يعني: أن أحداً ليس له من الأمر شيء، كما قال جل وعلا: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}.

قال بعدها: (فأطلبها منه) يعني: إذا كانت لله، وهذه الشروط الأربعة والمقدمات الأربع واضحة، فتحصَّل أن الشفاعة لله، والطلب إذاً يكون ممن يملك.

قال: (فأطلبها منه، فأقول: اللهم لاتحرمني شفاعة المصطفى صلى الله عليه وسلم، اللهم شفعه فيَّ) فتسأل الله -جل وعلا- أن يأذن للنبي صلى الله عليه وسلم، وأن يسخره -عليه الصلاة والسلام- للشفاعة فيك، وهذا هو وجه التوحيد، والطريقة الشرعية المأذون بها.

قال: (وأمثال هذا) يعني: من الأدعية التي تناسب هذا المقام.
إذاً: فهذا الكلام الذي ذكرناه جواب على قول من قال: (أتنكر شفاعة رسول الله-صلى الله عليه وسلم- وتبرأ منها؟) وهذه الشبهة كثيراً ما تقال لأهل التوحيد.
فإذا قالوا لغيرهم ممن طلبوا الشفاعة من المصطفى صلى الله عليه وسلم، أو من الأولياء قالوا لهم: الشفاعة لله، وطلب الشفاعة من الموتى شرك؛ لأن الله -جل وعلا- لم يأذن بهذا، والله هو الذي يملك الشفاعة، هذا لا يملكها، ومن طلب من الميت ما لا يملكه، ولا يقدر عليه ابتداءً، فقد طلب منه ما هو مختص بالله، وهذا يعني أنه أشرك به.(قالوا: أتنكر الشفاعة؟)
فإذاً: هم إذا أنكر عليهم الشرك، قالوا: أتنكر شفاعة المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ لأن أهل العلم من أهل السنة ومن الفرق الأخرى مجمعون - يعني: غير المعتزلة الأشاعرة والماتريدية وأشباه هؤلاء، مجمعون على أن المصطفى -صلى الله عليه وسلم- يشفع، وعلى أن الأولياء والصالحين يشفعون.
فإذا قلت لهم:طلب الشفاعة شرك، أرادوا أن ينسبوك لأهل الضلال ممن ينكرون الشفاعة.
فقالوا: أتنكر الشفاعة؟ حتى يَنسبك إلى الخوارج أو إلى المعتزلة أو ما أشبه ذلك.

فإذاً:قوله هنا: (فإن قال: أتنكر شفاعةَ رسول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وتبرأ منها؟) هذه يقولها المشرك للموحد حتى ينسِبه وحتى ينسُبه - يصح الوجهان - لأهل البدع من الخوارج والمعتزلة، فكأنه قال لك: أأنت خارجي؟ - إذا أنكرت عليه طلب الشفاعة - أأنت خارجي؟ أو أأنت معتزلي؟
فتقول له:لا أنكرها ولا أتبرأ منها، بل أنا سلفي سني موحد، ولست من أهل البدع والفرق الضالة، بل هو عندنا -عليه الصلاة السلام- هو الشافع المشفع بأنواع من الشفاعات نثبتها قد لا يثبتها بعض أهل البدع، كالأشاعرة ونحوهم، وأرجو شفاعته عليه الصلاة السلام، نرجو شفاعته، ونبذل الأسباب في ذلك.
فنسأل الله -جل وعلا- أن يُشَفِّعَ فينا نبيه عليه الصلاة والسلام، وكذلك نأتي بالأسباب، من الدعاء بعد الأذان، ومن محبة المدينة، ومن الرغبة في الموت فيها، وكذلك في السعي في القتال في سبيل الله، وأشباه ذلك، مما هو من أسباب نيل شفاعته عليه الصلاة والسلام، هذا حقيقة هذا البرهان، وهذا التفصيل من الشيخ رحمه الله تعالى.


  #6  
قديم 30 ذو القعدة 1429هـ/28-11-2008م, 06:12 AM
مسلمة 12 مسلمة 12 غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 1,159
افتراضي العناصر

العناصر :

بيان الشبهة الخامسة: وهي قول المشبه: أتنكر شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم ...
كشف الشبهة الخامسة
- إثبات الشفاعة، والإيمان بها
- الشفاعة كلها لله عز وجل
- شروط الشفاعة
- الله تعالى لا يرضى إلا التوحيد
- الشفاعة لا تطلب إلا من الله تعالى


  #7  
قديم 30 ذو القعدة 1429هـ/28-11-2008م, 06:13 AM
مسلمة 12 مسلمة 12 غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 1,159
افتراضي الأسئلة

الأسئلة

س1: بيّن عقيدة أهل السنة والجماعة في الشفاعة.
س2: فسر باختصار قوله تعالى: {قل لله الشفاعة جميعاً} وبيّن وجه استدلال المؤلف -رحمه الله تعالى- به.
س3: بيّن شروط الشفاعة مع الاستدلال.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الشبهة, كشف

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:25 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir