دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > دروس التفسير لبرنامج إعداد المفسّر > دروس تفسير سورة آل عمران

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 2 ربيع الثاني 1436هـ/22-01-2015م, 10:38 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تفسير سورة آل عمران[من الآية (42) إلى الآية (44) ]

تفسير قول الله تعالى: {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44)}

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإذ قالت الملائكة يا مريم إنّ اللّه اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين}
معنى {اصطفاك}: اختارك، وقالوا في طهّرك: طهّرك من الحيض , والنفاس , ومعنى: طهّرك -واللّه أعلم - أي: جعلك طاهرة من سائر الأدناس إلا أنّ الأول قد جاء في التفسير.
وقيل إن معنى {اصطفاك على نساء العالمين}, أي: على نساء أهل دهرها,
وجائز أن يكون: على نساء العالمين كلهم،
أي: اختارك لعيسى على نساء العالمين كلهم، فلم يجعل مثل عيسى من امرأة من نساء العالمين). [معاني القرآن: 1/410]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: وإذ قالت الملائكة يا مريم إنّ اللّه اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين (42) يا مريم اقنتي لربّك واسجدي واركعي مع الرّاكعين (43)
قال الطبري: العامل في إذ قوله سميعٌ فهو عطف على قوله: إذ قالت امرأت عمران [آل عمران: 35]، وقال كثير من النحاة: العامل في إذ في هذه الآية فعل مضمر تقديره «واذكر» وهذا هو الراجح لأن هذه الآيات كلها إنما هي إخبارات بغيب تدل على نبوة محمد عليه السلام، مقصد ذكرها هو الأظهر في حفظ رونق الكلام، وقرأ عبد الله بن عمر وابن مسعود، «وإذ قال الملائكة»، واختلف المفسرون هل المراد هنا بالملائكة جبريل وحده أو جمع من الملائكة؟ وقد تقدم القول على معنى مثلها في قوله تعالى: فنادته الملائكة [آل عمران: 39] واصطفاك مأخوذ من صفا يصفو وزنه- افتعل- وبدلت التاء طاء التناسب الصاد، فالمعنى تخيرك لطاعته وقوله تعالى: وطهّرك معناه من كل ما يصم النساء في خلق أو خلق أو دين قاله مجاهد وغيره، وقال الزجّاج: قد جاء في التفسير أن معناه طهرك من الحيض والنفاس.
قال الفقيه أبو محمد: وهذا يحتاج إلى سند قوي وما أحفظه.
وقوله تعالى: واصطفاك على نساء العالمين إن جعلنا العالمين عاما فيمن تقدم وتأخر جعلنا الاصطفاء مخصوصا في أمر عيسى عليه السلام وأنها اصطفيت لتلد من غير فحل، وإن جعلنا الاصطفاء عاما جعلنا قوله تعالى: العالمين مخصوصا في عالم ذلك الزمان، قاله ابن جريج وغيره، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خير نساء الجنة مريم بنت عمران، وخير نساء الجنة، خديجة بنت خويلد» وروي عنه أنه قال: «خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة بنت خويلد» فذهب الطبري وغيره إلى أن الضمير في قوله- نسائها- يراد به الجنة، وذهب قوم إلى أنه يراد به الدنيا، أي كل امرأة في زمانها، وقال النبي عليه السلام، «خير نساء ركبن الإبل، صالح نساء قريش، أحناه على ولد في صغره، وأرعاه إلى زوج في ذات يده»، وقال أبو هريرة راوي الحديث: ولم تركب مريم بنت عمران بعيرا قط، وهذه الزيادة فيها غيب، فلا يتأول أن أبا هريرة رضي الله عنه، قالها إلا عن سماع من النبي صلى الله عليه وسلم، وروى أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، «خير نساء العالمين أربع، مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد»، وقد أسند الطبري، أن النبي عليه السلام، قال لفاطمة بنته، «أنت سيدة نساء أهل الجنة، إلا مريم بنت عمران، البتول»، وأنه قال، «فضلت خديجة على نساء أمتي، كما فضلت مريم على نساء العالمين».
قال الفقيه الإمام أبو محمد: وإذا تأملت هذه الأحاديث وغيرها مما هو في معناها، وجدت مريم فيها متقدمة، فسائغ أن يتأول عموم الاصطفاء على العالمين عموما أيضا، وقد قال بعض الناس، إن مريم نبية، قال ابن إسحاق، كانت الملائكة تقبل على مريم فتقول، يا مريم إنّ اللّه اصطفاك، الآية، فيسمع ذلك زكريا فيقول، إن لمريم لشأنا، فمن مخاطبة الملائكة لها، جعلها هذا القائل نبية، وجمهور الناس على أنه لم تنبأ امرأة). [المحرر الوجيز: 2/217-218]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإذ قالت الملائكة يا مريم إنّ اللّه اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين (42) يا مريم اقنتي لربّك واسجدي واركعي مع الرّاكعين (43) ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيّهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون (44)}
هذا إخبارٌ من اللّه تعالى بما خاطبت به الملائكة مريم، عليها السّلام، عن أمر اللّه لهم بذلك: أنّ اللّه قد اصطفاها، أي: اختارها لكثرة عبادتها وزهادتها وشرفها وطهرها من الأكدار والوسواس واصطفاها ثانيًا مرّةً بعد مرة لجلالتها على نساء العالمين.
قال عبد الرّزّاق: أنبأنا معمر، عن الزّهريّ، عن سعيد بن المسيّب في قوله: {إنّ اللّه اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين} قال: كان أبو هريرة يحدّث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "خير نساءٍ ركبن الإبل نساء قريشٍ، أحناه على ولدٍ في صغره، وأرعاه على زوجٍ في ذات يده، ولم تركب مريم بنت عمران بعيرًا قطّ". لم يخرّجوه من هذا الوجه، سوى مسلمٍ فإنّه رواه عن محمّد بن رافعٍ وعبد بن حميد كلاهما عن عبد الرّزّاق به.
وقال هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد اللّه بن جعفرٍ، عن عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول: "خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة بنت خويلدٍ". أخرجاه في الصّحيحين، من حديث هشامٍ، به مثله.
وقال التّرمذيّ: حدّثنا أبو بكر بن زنجويه، حدّثنا عبد الرّزّاق، حدّثنا معمر، عن قتادة، عن أنسٍ؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال: "قال حسبك من نساء العالمين مريم ابنة عمران وخديجة بنت خويلدٍ وفاطمة بنت محمّدٍ وآسية امرأة فرعون." تفرّد به التّرمذيّ وصحّحه.
وقال عبد اللّه بن أبي جعفرٍ الرّازيّ، عن أبيه قال: كان ثابتٌ البناني يحدّث عن أنس بن مالكٍ؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "خير نساء العالمين أربع، مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلدٍ، وفاطمة بنت رسول الله [صلّى اللّه عليه وسلّم] رواه ابن مردويه.
وروى ابن مردويه من طريق شعبة، عن معاوية بن قرّة، عن أبيه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "كمل من الرّجال كثيرٌ ولم يكمل من النّساء إلا ثلاث: مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلدٍ، وفضل عائشة على النّساء كفضل الثّريد على سائر الطّعام ".
وقال ابن جريرٍ: حدّثني المثنّى، حدّثنا آدم العسقلانيّ، حدّثنا شعبة، حدّثنا عمرو بن مرّة، سمعت مرّة الهمداني بحديثٍ عن أبي موسى الأشعريّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "كمل من الرّجال كثيرٌ ولم يكمل من النّساء إلا مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون". وقد أخرجه الجماعة إلّا أبا داود من طرقٍ عن شعبة به ولفظ البخاريّ: "كمل من الرّجال كثيرٌ ولم يكمل من النّساء إلا آسية امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وإنّ فضل عائشة على النّساء كفضل الثّريد على سائر الطّعام ".
وقد استقصيت طرق هذا الحديث وألفاظه في قصّة عيسى ابن مريم عليهما السّلام، في كتابنا: "البداية والنّهاية" وللّه الحمد والمنّة).
[تفسير القرآن العظيم: 2/39-41]


تفسير قوله تعالى: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): {يا مريم اقنتي لربّك واسجدي واركعي مع الرّاكعين}
ومعنى {اقنتي لربّك},أي: اعبديه بالقول, والعمل.
{واسجدي واركعي}معنى الركوع: قيل: السّجود, المعنى: اركعي, واسجدي، إلا أن الواو إذا ذكرت, فمعناها: الاجتماع، وليس فيها دليل أن أحد الشيئين قبل الآخر؛ لأنها تؤذن بالاجتماع، والعمل، والحال تدل على تقدم المتقدّم من الاثنين).[معاني القرآن: 1/410]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (واقنتي معناه اعبدي وأطيعي، قاله قتادة والحسن، وروى أبو سعيد الخدري، عن النبي عليه السلام قال، كل قنوت في القرآن فهو بمعنى طاعة الله، ويحتمل أن يكون معناه، أطيلي القيام في الصلاة، وهذا هو قول الجمهور، وهو المناسب في المعنى لقوله، واسجدي واركعي وبه قال مجاهد، وابن جريج، والربيع، وروى مجاهد أنها لما خوطبت بهذا، قامت حتى ورمت قدماها، وروى الأوزاعي، أنها قامت حتى سال الدم والقيح من قدميها، وروي أن الطير كانت تنزل على رأسها، تظنها جمادا لسكونها في طول قيامها، وقال سعيد بن جبير، اقنتي لربّك، معناه أخلصي لربك، واختلف المتأولون، لم قدم السجود على الركوع؟ فقال قوم: كان ذلك في شرع زكرياء وغيره منهم وقال قوم: الواو لا تعطي رتبة، وإنما المعنى، افعلي هذا وهذا، وقد علم تقديم الركوع، وهذه الآية أكثر إشكالا من قولنا، قام زيد وعمرو، لأن قيام زيد وعمرو ليس له رتبة معلومة، وهذه الآية قد علم أن السجود بعد الركوع، فكيف جاءت الواو بعكس ذلك، فالقول عندي في ذلك، أن مريم أمرت بفصلين ومعلمين من معالم الصلاة، وهما طول القيام والسجود، وخصا بالذكر لشرفهما في أركان الصلاة، وإذا العبد يقرب في وقت سجوده من الله تعالى: وهذان يختصان بصلاتها مفردة، وإلا فمن يصلي وراء إمام، فليس يقال له أطل قيامك، ثم أمرت- بعد- بالصلاة في الجماعة، فقيل لها، واركعي مع الرّاكعين وقصد هنا معلم من معالم الصلاة، لئلا يتكرر لفظ، ولم يرد بالآية السجود والركوع، الذي هو منتظم في ركعة واحدة والله أعلم). [المحرر الوجيز: 2/218-219]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ أخبر تعالى عن الملائكة: أنّهم أمروها بكثرة العبادة والخشوع والخضوع والسجود والركوع والدؤوب في العمل لها، لما يريد اللّه [تعالى] بها من الأمر الّذي قدّره وقضاه، ممّا فيه محنةٌ لها ورفعةٌ في الدّارين، بما أظهر اللّه تعالى فيها من قدرته العظيمة، حيث خلق منها ولدًا من غير أبٍ، فقال تعالى: {يا مريم اقنتي لربّك واسجدي واركعي مع الرّاكعين} أمّا القنوت فهو الطّاعة في خشوعٍ كما قال تعالى: {بل له ما في السّماوات والأرض كلٌّ له قانتون} [البقرة: 116].
وقد قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهبٍ، أخبرني عمرو بن الحارث: أنّ درّاجا أبا السّمح حدّثه عن أبي الهيثم، عن أبي سعيدٍ، عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "كلّ حرفٍ في القرآن يذكر فيه القنوت فهو الطّاعة". ورواه ابن جريرٍ من حديث ابن لهيعة، عن درّاج، به، وفيه نكارةٌ
وقال مجاهدٌ: كانت مريم، عليها السّلام، تقوم حتّى تتورّم كعباها، والقنوت هو: طول الرّكوع في الصّلاة، يعني امتثالًا لقوله تعالى: {يا مريم اقنتي لربّك} بل قال الحسن: يعني اعبدي لربّك {واسجدي واركعي مع الرّاكعين} أي: كوني منهم.
وقال الأوزاعيّ: ركدت في محرابها راكعةً وساجدةً وقائمةً، حتّى نزل الماء الأصفر في قدميها، رضي اللّه عنها.
وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمتها من طريق محمّد بن يونس الكديمي -وفيه مقالٌ-: حدّثنا عليّ بن بحر بن برّي، حدّثنا الوليد بن مسلمٍ، عن الأوزاعيّ، عن يحيى بن أبي كثيرٍ في قوله: {يا مريم اقنتي لربّك واسجدي} قال: سجدت حتّى نزل الماء الأصفر في عينيها .
وذكر ابن أبي الدّنيا: حدّثنا الحسن بن عبد العزيز، حدّثنا ضمرة، عن ابن شوذب قال: كانت مريم، عليها السّلام، تغتسل في كلّ ليلةٍ).
[تفسير القرآن العظيم: 2/41-42]


تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيّهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون}, أي: الأخبار التي قصصناها عليك في زكريا, ويحيى, ومريم , وعيسى من أنباء الغيب، أي: من أخبار ما غاب عنك، وفي هذا دليل على تثبيت نبوة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أنبأ بما لا يعلم إلا من كتاب, أو وحي, وقد أجمعوا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أمياً.
فإنباؤه إياهم بالأخبار التي في كتبهم علي حقيقتها من غير قراءة الكتب دليل على أنه نبي, وأن اللّه أوحى إليه بها.
ومعنى {إذ يلقون أقلامهم أيّهم يكفل مريم},أي: هذا أيضاً مما لم تحضره , ومعنى (الأقلام) ههنا القداح , وهي قداح جعلوا
عليها علامات يعرفون بها أيهم يكفل مريم على جهة القرعة, وإنما قيل للسهم القلم؛ لأنه يقلم, أي: يبرى، وكل ما قطعت منه شيئا بعد شيء فقد قلمته، من ذلك القلم الذي يكتب به، إنما سمي؛ لأنه قلم مرة بعد مرة، ومن هذا قلمت أظافري.
ومعنى {أيّهم يكفل مريم}, أي: لينظروا أيهم تجب له كفالة مريم، وهو الضمان للقيام بأمرها، ومعنى{لديهم}: عندهم, وبحضرتهم.
{إذ يختصمون}: إذ نصب بقوله {ما كنت لديهم}, و (إذ) الثانية معلقة بـ (يختصمون) , أي: إذ يختصمون إذ قالت الملائكة، فإذ منصوبة بـ {يختصمون}.
ويكون المعنى: أنهم اختصموا بسبب مريم, وعيسى، وجائز أن يكون نصب إذ على {وما كنت لديهم}.
(إذ قالت الملائكة), هذا أيضاً مما لم يشاهده). [معاني القرآن: 1/410-411]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيّهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون (44) إذ قالت الملائكة يا مريم إنّ اللّه يبشّرك بكلمةٍ منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيهاً في الدّنيا والآخرة ومن المقرّبين (45)
هذه المخاطبة لمحمد عليه السلام، والإشارة ب ذلك إلى ما تقدم ذكره من القصص، والأنباء الأخبار،
والغيب ما غاب عن مدارك الإنسان، ونوحيه معناه نلقيه في نفسك في خفاء، وحد الوحي إلقاء المعنى في النفس في خفاء، ثم تختلف أنواعه، فمنه بالملك، ومنه بالإلهام، ومنه بالإشارة، ومنه بالكتاب، كما قال كعب بن زهير: [الطويل]
أتى العجم والآفاق منه قصائد = بقين بقاء الوحي في الحجر الأصمّ
تقول العرب: أوحى، وتقول وحي، وفي هذه الآية بيان لنبوة محمد عليه السلام، إذ جاءهم بغيوب لا يعلمها إلا من شاهدها وهو لم يكن لديهم، أو من قرأها في كتب أهل الكتاب، ومحمد عليه السلام أمي من قوم أميين، أو من أعلمه الله بها وهو ذاك صلى الله عليه وسلم، ولديهم معناه عندهم ومعهم، وقد تقدم القول في الأقلام والكفل، وجمهور العلماء على أنه استهام لأخذها والمنافسة فيها، وقال ابن إسحاق: إنما كان استهامهم حين نالتهم المجاعة دفعا منها لتحمل مؤونتها، ويختصمون معناه يتراجعون القول الجهير في أمرها، وفي هذه الآية استعمال القرعة والقرعة سنة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سافر أقرع بين نسائه، وقال عليه السلام: لو يعلمون ما في الصف الأول لاستهموا عليه، وجمهور الأمة على تجويز القرعة إلا من شذ فظنها قمارا، وهذا كله فيما يصلح التراضي بكونه دون قرعة فكأن القرعة محسنة لذلك الاختصاص، وأما حيث لا يجوز التراضي كعتق العبيد في ثلث ميت فجوزها الجمهور ومنعها أبو حنيفة، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرع بين ستة أعبد، فأعتق اثنين وأرقّ أربعة، وقوله:
أيّهم يكفل مريم ابتداء وخبر في موضع نصب بالفعل الذي تقديره، ينظرون، أيّهم يكفل مريم، والعامل في قوله إذ قالت الملائكة فعل مضمر تقديره اذكر إذ قالت الملائكة وهكذا يطرد وصف الآية وتتوالى الإعلامات بهذه الغيوب، وقال الزجّاج: العامل فيها يختصمون، ويجوز أن يتعلق بقوله: وما كنت لديهم إذ قالت الملائكة وهذا كله يرده المعنى، لأن الاختصام لم يكن عند قول الملائكة). [المحرر الوجيز: 2/219-220]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى لرسوله [عليه أفضل الصّلوات والسّلام] بعدما أطلعه على جليّة الأمر: {ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك} أي: نقصّه عليك {وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيّهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون} أي: ما كنت عندهم يا محمّد فتخبرهم عنهم معاينةً عمّا جرى، بل أطلعك اللّه على ذلك كأنّك كنت حاضرًا وشاهدًا لما كان من أمرهم حين اقترعوا في شأن مريم أيّهم يكفلها، وذلك لرغبتهم في الأجر.
قال ابن جريرٍ: حدّثنا القاسم، حدّثنا الحسين، حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريج، عن القاسم بن أبي بزّة، أنّه أخبره عن عكرمة -وأبي بكرٍ، عن عكرمة-قال: ثمّ خرجت بها -يعني أمّ مريم بمريم-تحملها في خرقها إلى بني الكاهن بن هارون أخي موسى، عليهما السّلام -قال: وهم يومئذٍ يلون في بيت المقدس ما يلي الحجبة من الكعبة-فقالت لهم: دونكم هذه النّذيرة فإنّي حرّرتها وهي ابنتي، ولا تدخل الكنيسة حائضٌ، وأنا لا أردّها إلى بيتي؟ فقالوا هذه ابنة إمامنا -وكان عمران يؤمّهم في الصّلاة-وصاحب قرباننا فقال زكريّا: ادفعوها إليّ: فإنّ خالتها تحتي. فقالوا: لا تطيب أنفسنا، هي ابنة إمامنا فذلك حين اقترعوا بأقلامهم عليها الّتي يكتبون بها التّوراة، فقرعهم زكريّا، فكفلها
وقد ذكر عكرمة أيضًا، والسّدّيّ، وقتادة، والرّبيع بن أنسٍ، وغير واحدٍ -دخل حديث بعضهم في بعضٍ-أنّهم دخلوا إلى نهر الأردنّ واقترعوا هنالك على أن يلقوا أقلامهم [فيه] فأيّهم ثبت في جرية الماء فهو كافلها، فألقوا أقلامهم فاحتملها الماء إلّا قلم زكريّا ثبت. ويقال: إنّه ذهب صعدًا يشقّ جرية الماء، وكان مع ذلك كبيرهم وسيّدهم، وعالمهم وإمامهم ونبيّهم صلوات الله وسلامه عليه سائر النّبيّين [والمرسلين] ).
[تفسير القرآن العظيم: 2/42-43]



* للاستزادة ينظر: هنا

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تفسير, سورة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:48 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir