دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > دروس التفسير لبرنامج إعداد المفسّر > دروس تفسير سورة البقرة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23 ذو القعدة 1435هـ/17-09-2014م, 08:08 AM
هيئة الإشراف هيئة الإشراف غير متواجد حالياً
معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,790
افتراضي تفسير سورة البقرة [من الآية (165) إلى الآية (167) ]



تفسير قول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167)}



تفسير قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ومن النّاس من يتّخذ من دون اللّه أندادا يحبّونهم كحبّ اللّه والّذين آمنوا أشدّ حبّا للّه ولو يرى الّذين ظلموا إذ يرون العذاب أنّ القوّة للّه جميعا وأنّ اللّه شديد العذاب}
فأعلم أن بعد هذا البيان والبرهان؛ تتخذ من دونه الأنداد, وهي الأمثال، فأبان أن من الناس من يتخذ ندّا يعلم أنه لا ينفع , ولا يضر , ولا يأتي بشيء مما ذكرنا، وعنى بهذا مشركي العرب.
وقوله عزّ وجلّ: {يحبّونهم كحبّ الله}
أي: يسوّون بين هذه الأوثان وبين اللّه عزّ وجلّ في المحبة.
وقال بعض النحويين: يحبونهم كحبكم أنتم للّه, وهذا قول ليس بشيء, ودليل نقضه قوله: {والّذين آمنوا أشدّ حبّاً للّه}
والمعنى: أن المخلصين الذين لا يشركون مع اللّه غيره هم المحبّون حقاً.
وقوله عزّ وجلّ:{ولو يرى الّذين ظلموا- إذ يرون العذاب - أنّ القوّة للّه جميعاً}.
في هذا غير وجه:
1- يجوز أنّ القوة للّه, وأن اللّه،
2- ويجوز أن القوة للّه, وإن الله، ولو ترى الذين ظلموا , وتفتح أن مع ترى، وتكسر، وكل ذلك قد قرئ به.
قرأ الحسن:{ولو يرى الّذين ظلموا إذ يرون العذاب إنّ القوة، وإنّ اللّه}: ونحن نفسر ما يجب أن يجرى عليه هذا إن شاء اللّه.
من قرأ : {أنّ القوة}, فموضع أن نصب بقوله :{ولو يرى الذين ظلموا أن القوة للّه جميعاً}, وكذلك نصب أن الثانية , والمعنى: ولو يرى الذين ظلموا شدّة عذاب اللّه وقوته , لعلموا مضرةاتخاذهم الأنداد، وقد جرى ذكر الأنداد في قوله: {ومن النّاس من يتّخذ من دون اللّه أنداداً}:
ويجوز أن يكون: العامل في أنّ الجواب على ما جاء في التفسير: يروى في تفسير هذا : أنه لو رأى الذين كانوا يشركون في الدنيا عذاب الآخرة , لعلموا حين يرونه أن القوة للّه جميعاً, ففتح أنّ أجود وأكثر في القراءة، وموضعها نصب في هاتين الجهتين على ما وصفنا،
ويجوز أن تكون: " إنّ " مكسورة مستأنفة، فيكون جواب {ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب}, لرأوا أمرا عظيماً لا تبلغ صفته؛ لأن جواب لو إنما يترك لعظيم الموصوف نحو قوله عزّ وجلّ: {ولو أنّ قرآنا سيّرت به الجبال أو قطّعت به الأرض أو كلّم به الموتى}
المعنى: لكان هذا القرآن أبلغ من كل ما وصف, وتكون:{أنّ القوّة للّه جميعاً}, على الاستئناف.
يخبر بقوله: أن القوة للّه جميعاً, ويكون الجواب المتروك غير معلق بإنّ.
ومن قرأ:{ولو ترى الذين ظلموا}, فإن التاء خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم : يراد به الناس
كما قال: {ألم تعلم أنّ اللّه له ملك السّماوات والأرض وما لكم من دون اللّه من وليّ ولا نصير}
فهو بمنزلة: ألم تعلموا, وكذلك : ولو ترى الذين ظلموا بمنزلة: ولو ترون, وتكون {أنّ القوّة للّه جميعاً} مستأنفة كما وصفنا.
ويكون الجواب - واللّه أعلم - : لرأيتم أمرا عظيما, كما يقول: لو رأيت فلانً, ا والسياط تأخذه، فيستغنى عن " الجواب ؛ لأن المعنى معلوم.
ويجوز فتح أن مع ترى , فيكون: لرأيتم أيها المخاطبون أن القوة للّه جميعا، أو لرأيتم أن الأنداد لم تنفع، وإنما بلغت الغاية في الضرر ؛ لأن القوة للّه جميعا.
و{جميعا}منصوبة - على الحال: المعنى أن القوة ثابتة للّه عزّ وجلّ في حال اجتماعها). [معاني القرآن: 1/237-239]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ومن النّاس من يتّخذ من دون اللّه أنداداً يحبّونهم كحبّ اللّه والّذين آمنوا أشدّ حبًّا للّه ولو يرى الّذين ظلموا إذ يرون العذاب أنّ القوّة للّه جميعاً وأنّ اللّه شديد العذاب (165) إذ تبرّأ الّذين اتّبعوا من الّذين اتّبعوا ورأوا العذاب وتقطّعت بهم الأسباب (166) وقال الّذين اتّبعوا لو أنّ لنا كرّةً فنتبرّأ منهم كما تبرّؤا منّا كذلك يريهم اللّه أعمالهم حسراتٍ عليهم وما هم بخارجين من النّار (167)}
ذكر الله تعالى الوحدانية ثم الآيات الدالة على الصانع الذي لا يمكن أن يكون إلا واحدا، ثم ذكر في هذه الآية الجاحدين الضالين معجبا من سوء ضلالهم مع الآيات، لأن المعنى أن في هذه الأمور لآيات بينة، ومن الناس مع ذلك البيان من يتخذ، وخرج يتّخذ موحدا على لفظ من والمعنى جمعه، ومن دون لفظ يعطي غيبة ما تضاف إليه دون عن القضية التي فيها الكلام، وتفسير دون بسوى أو بغير لا يطرد، والند النظير والمقاوم والموازي كان ضدا أو خلافا أو مثلا، إذا قاوم من جهة فهو منها ند، وقال مجاهد وقتادة: «المراد بالأنداد الأوثان»، وجاء ضميرها في يحبّونهم ضمير من يعقل لما أنزلت بالعبادة منزلة من يعقل، وقال ابن عباس والسدي: «المراد بالأنداد الرؤساء المتبعون يطيعونهم في معاصي الله تعالى»، ويحبّونهم في موضع نصب نعت للأنداد، أو على الحال من المضمر في يتّخذ، أو يكون في موضع رفع نعت ل من وهذا على أن تكون من نكرة والكاف من كحبّ في موضع نصب نعت لمصدر محذوف، و «حب» مصدر مضاف إلى المفعول في اللفظ وهو على التقدير مضاف إلى الفاعل المضمر، تقديره كحبكم الله أو كحبهم الله حسبما قدر كل وجه منها فرقة، ومعنى كحبهم أي يسوون بين محبة الله ومحبة الأوثان.
ثم أخبر أن المؤمنين أشدّ حبًّا للّه لإخلاصهم وتيقنهم الحق.
وقوله تعالى: {ولو ترى الذين ظلموا} قرأ نافع وابن عامر «ترى» بالتاء من فوق، و «أن» بفتح الألف، و «أن» الأخرى كذلك عطف على الأولى، وتقدير ذلك: ولو ترى يا محمد الذين ظلموا في حال رؤيتهم للعذاب وفزعهم منه واستعظامهم له لأقروا أن القوة لله، فالجواب مضمر على هذا النحو من المعنى، وهو العامل في «أن»، وتقدير آخر: ولو ترى يا محمد الذين ظلموا في حال رؤيتهم للعذاب وفزعهم منه لعلمت أن القوة لله جميعا، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم علم ذلك، ولكن خوطب والمراد أمته، فإن فيهم من يحتاج إلى تقوية علمه بمشاهدة مثل هذا، وتقدير ثالث: ولو ترى يا محمد الذين ظلموا في حال رؤيتهم للعذاب لأن القوة لله لعلمت مبلغهم من النكال ولاستعظمت ما حل بهم، فاللام مضمرة قبل «أن»، فهي مفعول من أجله، والجواب محذوف مقدر بعد ذلك، وقد حذف جواب لو مبالغة، لأنك تدع السامع يسمو به تخيله، ولو شرحت له لوطنت نفسه إلى ما شرحت، وقرأ الحسن وقتادة وشيبة وأبو جعفر ترى بالتاء من فوق وكسر الهمزة من «إن»، وتأويل ذلك: ولو ترى الذين ظلموا إذ يرون العذاب لاستعظمت ما حل بهم، ثم ابتدأ الخبر بقوله: {إن القوة لله}، وتأويل آخر: ولو ترى الذين ظلموا إذ يرون العذاب يقولون إن القوة لله جميعا لاستعظمت حالهم. وقرأ حمزة والكسائي وأبو عمرو وعاصم وابن كثير «يرى» بالياء من أسفل، وفتح الألف من «أن»، تأويله: ولو يرى في الدنيا الذين ظلموا حالهم في الآخرة إذ يرون العذاب لعلموا أن القوة لله جميعا، وتأويل آخر روي عن المبرد والأخفش: ولو يرى بمعنى يعلم الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا لاستعظموا ما حل بهم، ف «يرى» عامل في «أن» وسدت مسد المفعولين.
وقال أبو علي: «الرؤية في هذه الآية رؤية البصر»، والتقدير في قراءة الياء: {ولو يرى الذين ظلموا أن القوة لله جميعا}، وحذف جواب لو للمبالغة، ويعمل في «أن» الفعل الظاهر وهو أرجح من أن يكون العامل فيها مقدرا، ودخلت إذ وهي لما مضى في أثناء هذه المستقبلات تقريبا للأمر وتصحيحا لوقوعه، كما يقع الماضي موقع المستقبل في قوله تعالى: {ونادى أصحاب النّار أصحاب الجنّة}[الأعراف: 50]، {وأتى أمر اللّه}[النحل: 1]، ومنه قول الأشتر النخعي:
بقيت وفري وانحرفت عن العلا ....... ولقيت أضيافي بوجه عبوس
وقرأت طائفة «يرى» بالياء من أسفل وكسر الألف من «إن»، وذلك إما على حذف الجواب وابتداء الخبر، وإما على تقدير لقالوا إن القوة لله جميعا، وقرأ ابن عامر وحده «يرون» بضم الياء والباقون بفتحها.
وثبتت بنص هذه الآية القوة لله بخلاف قول المعتزلة في نفيهم معاني الصفات القديمة). [المحرر الوجيز: 1/ 401-404]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {ومن النّاس من يتّخذ من دون اللّه أندادًا يحبّونهم كحبّ اللّه والّذين آمنوا أشدّ حبًّا للّه ولو يرى الّذين ظلموا إذ يرون العذاب أنّ القوّة للّه جميعًا وأنّ اللّه شديد العذاب (165) إذ تبرّأ الّذين اتّبعوا من الّذين اتّبعوا ورأوا العذاب وتقطّعت بهم الأسباب (166) وقال الّذين اتّبعوا لو أنّ لنا كرّةً فنتبرّأ منهم كما تبرّءوا منّا كذلك يريهم اللّه أعمالهم حسراتٍ عليهم وما هم بخارجين من النّار (167)}
يذكر تعالى حال المشركين به في الدّنيا وما لهم في الدّار الآخرة، حيث جعلوا له أندادًا، أي: أمثالًا ونظراء يعبدونهم معه ويحبّونهم كحبّه، وهو اللّه لا إله إلّا هو، ولا ضدّ له ولا ندّ له، ولا شريك معه. وفي الصّحيحين عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: قلت: «يا رسول اللّه، أيّ الذّنب أعظم؟ قال: «أن تجعل للّه ندًّا وهو خلقك».
وقوله: {والّذين آمنوا أشدّ حبًّا للّه} ولحبّهم للّه وتمام معرفتهم به، وتوقيرهم وتوحيدهم له، لا يشركون به شيئًا، بل يعبدونه وحده ويتوكلون عليه، ويلجؤون في جميع أمورهم إليه. ثمّ توعّد تعالى المشركين به، الظّالمين لأنفسهم بذلك فقال: {ولو يرى الّذين ظلموا إذ يرون العذاب أنّ القوّة للّه جميعًا}.
قال بعضهم: تقدير الكلام: لو عاينوا العذاب لعلموا حينئذٍ أنّ القوّة للّه جميعًا، أي: إنّ الحكم له وحده لا شريك له، وأنّ جميع الأشياء تحت قهره وغلبته وسلطانه {وأنّ اللّه شديد العذاب} كما قال: {فيومئذٍ لا يعذّب عذابه أحدٌ * ولا يوثق وثاقه أحدٌ}[الفجر: 25، 26] يقول: لو علموا ما يعاينونه هنالك، وما يحلّ بهم من الأمر الفظيع المنكر الهائل على شركهم وكفرهم، لانتهوا عمّا هم فيه من الضّلال). [تفسير ابن كثير: 1/ 476-477]
تفسير قوله تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {إذ تبرّأ الّذين اتّبعوا من الّذين اتّبعوا ورأوا العذاب وتقطّعت بهم الأسباب}
يعني به: السادة , والأشراف {من الّذين اتّبعوا}, وهم الأتباع, والسفلة.
{ورأوا العذاب}, يعنى به: التابعون , والمتبوعون، {وتقطّعت بهم الأسباب}, أي: انقطع وصلهم الذي كان جمعهم.
كما قال:{لقد تقطّع بينكم وضلّ عنكم ما كنتم تزعمون} : فبينهم وصلهم, والذي تقطع بينهم في الآخر كان وصل بينهم في الدنيا.
وإنما ضمّت الألف في قوله {اتّبعوا}لضمّة التاء، والتاء ضمت علامة ما لم يسمّ فاعله.
فإن قال قائل: فما لم يسم فاعله مضموم الأول، والتاء المضمومة في {اتّبعوا} ثالثة، قيل إنما يضم لما لم يسم فاعله الأول من متحركات الفعل، فإذا كان في الأول ساكن اجتلبت له ألف الوصل، وضم ما كان متحركاً, فكان المتحرك من اتبعوا التاء الثانية فضمت دليلاً على ترك الفاعل، وأيضاً فإن في {اتّبعوا}ألف وصل دخلت من أجل سكون فاء الفعل؛ لأن مثاله من الفعل افتعلوا، فالألف ألف وصل, ولا يبنى عليه ضمة الأول في فعل لم يسمّ فاعله، والفاء ساكنة، والسّاكن لا يبنى عليه فلم يبق إلا الثالث، وهو التاء فضمت علماً للفعل الذي لم يسم فاعله، فكان الثالث لهذه العلة هو الأول). [معاني القرآن: 1/239-240]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقالت طائفة: الّذين اتّبعوا: كل من عبد من دون الله، وقال قتادة: «هم الشياطين المضلون»، وقال الربيع وعطاء: «هم رؤساؤهم».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «ولفظ الآية يعم هذا كله»، وإذ يحتمل أن تكون متعلقة ب شديد العذاب، ويحتمل أن يكون العامل فيها: اذكر، والّذين اتّبعوا بفتح الباء هم العبدة لغير الله، والضالون المقلدون لرؤسائهم أو للشياطين، وتبريرهم هو بأن قالوا إنّا لم نضل هؤلاء بل كفروا بإرادتهم، وتعلق العقاب على المتبعين بكفرهم ولم يتأت ما حاولوه من تعليق ذنوبهم على المضلين، وقرأ مجاهد بتقديم الفعل المسند إلى المتبعين للرؤساء وتأخير المسند إلى المتبعين.
والسبب في اللغة: الحبل الرابط الموصل، فيقال في كل ما يتمسك به فيصل بين شيئين، وقال ابن عباس: «الأسباب هنا الأرحام»، وقال مجاهد: «هي العهود»، وقيل: المودات، وقيل: المنازل التي كانت لهم في الدنيا، وقال ابن زيد والسدي: هي الأعمال، إذ أعمال المؤمنين كالسبب في تنعيمهم فتقطعت بالظالمين أعمالهم). [المحرر الوجيز: 1/ 404-405]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ أخبر عن كفرهم بأوثانهم وتبرّؤ المتبوعين من التّابعين، فقال: {إذ تبرّأ الّذين اتّبعوا من الّذين اتّبعوا ورأوا العذاب وتقطّعت بهم الأسباب} تبرّأت منهم الملائكة الّذين كانوا يزعمون أنّهم يعبدونهم في دار الدّنيا، فتقول الملائكة: {تبرّأنا إليك ما كانوا إيّانا يعبدون}[القصص: 63] ويقولون: {سبحانك أنت وليّنا من دونهم بل كانوا يعبدون الجنّ أكثرهم بهم مؤمنون}[سبأٍ: 41] والجنّ أيضًا تتبرّأ منهم، ويتنصّلون من عبادتهم لهم، كما قال تعالى: {ومن أضلّ ممّن يدعو من دون اللّه من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون * وإذا حشر النّاس كانوا لهم أعداءً وكانوا بعبادتهم كافرين}[الأحقاف: 5، 6] وقال تعالى: {واتّخذوا من دون اللّه آلهةً ليكونوا لهم عزًّا * كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدًّا}[مريم: 81، 82] وقال الخليل لقومه: {إنّما اتّخذتم من دون اللّه أوثانًا مودّة بينكم في الحياة الدّنيا ثمّ يوم القيامة يكفر بعضكم ببعضٍ ويلعن بعضكم بعضًا ومأواكم النّار وما لكم من ناصرين}[العنكبوت: 25] وقال تعالى: {ولو ترى إذ الظّالمون موقوفون عند ربّهم يرجع بعضهم إلى بعضٍ القول يقول الّذين استضعفوا للّذين استكبروا لولا أنتم لكنّا مؤمنين * قال الّذين استكبروا للّذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين * وقال الّذين استضعفوا للّذين استكبروا بل مكر اللّيل والنّهار إذ تأمروننا أن نكفر باللّه ونجعل له أندادًا وأسرّوا النّدامة لمّا رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الّذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون}[سبأٍ: 31-33] وقال تعالى: {وقال الشّيطان لمّا قضي الأمر إنّ اللّه وعدكم وعد الحقّ ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطانٍ إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخيّ إنّي كفرت بما أشركتمون من قبل إنّ الظّالمين لهم عذابٌ أليمٌ}[إبراهيم: 22].
وقوله: {ورأوا العذاب وتقطّعت بهم الأسباب} أي: عاينوا عذاب اللّه، وتقطّعت بهم الحيل وأسباب الخلاص ولم يجدوا عن النّار معدلا ولا مصرفا.
قال عطاءٌ عن ابن عبّاسٍ: {وتقطّعت بهم الأسباب} قال: المودّة. وكذا قال مجاهدٌ في رواية ابن أبي نجيحٍ). [تفسير ابن كثير: 1/ 477]
تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وقال الّذين اتّبعوا لو أنّ لنا كرّة فنتبرّأ منهم كما تبرّءوا منّا كذلك يريهم اللّه أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النّار}
أي: عودة إلى الدنيا فنتبرأ منهم، موضع "أن" رفع، المعنى : لو وقع لنا كرور , لتبرأنا منهم، كما تبرأوا منا، يقال : تبرأت منهم تبرؤا، وبرئت منه براءة , وبرئت من المرض , وبرأت أيضاً, لغتان: أبرأ، برءا، وبريت القلم , وغيره , وأبريه غير مهموز، وبرأ اللّه الخلق برءاً.
وقوله عزّ وجلّ: {كذلك يريهم اللّه أعمالهم حسرات}
أي: كـ تبرّي بعضهم من بعض , يريهم اللّه أعمالهم حسرات عليهم؛ لأن ما عمله الكافر غير نافعه مع كفره، قال الله عزّ وجلّ:{الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه أضلّ أعمالهم}
وقال: {حبطت أعمالهم}, ومعنى:{أضلّ أعمالهم}, لم يجازهم على ما عملوا من خير، وهذا كما تقول لمن عمل عملاً, لم يعد عليه فيه نفع: لقد ضل سعيك). [معاني القرآن: 1/240]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وقال الّذين اتّبعوا} الآية، المعنى وقال الأتباع الذين تبرئ منهم: لو رددنا إلى الدنيا حتى نعمل صالحا ونتبرأ منهم، والكرة: العودة إلى حال قد كانت، ومنه قول جرير:
ولقد عطفن على فزارة عطفة ....... كر المنيح وجلن ثم مجالا
والمنيح هنا: أحد الأغفال من سهام الميسر، وذلك أنه إذا خرج من الربابة رد لفوره لأنه لا فرض فيه ولا حكم عنه، والكاف من قوله كما في موضع نصب على النعت إما لمصدر أو لحال تقديرها متبرئين كما، والكاف من قوله كذلك يريهم قيل: هي في موضع رفع على خبر ابتداء تقديره الأمر كذلك، وقيل: هي كاف تشبيه مجردة، والإشارة بذلك إلى حالهم وقت تمنيهم الكرة.
والرؤية في الآية هي من رؤية البصر، ويحتمل أن تكون من رؤية القلب، وأعمالهم قال الربيع وابن زيد المعنى: «الفاسدة التي ارتكبوها فوجبت لهم بها النار»، وقال ابن مسعود والسدي المعنى: «الصالحة التي تركوها ففاتتهم الجنة»، ورويت في هذا القول أحاديث، وأضيفت هذه الأعمال إليهم من حيث هم مأمورون بها، وأما إضافة الفاسدة إليهم فمن حيث عملوها، وحسراتٍ حال على أن تكون الرؤية بصرية، ومفعول على أن تكون قلبية، والحسرة أعلى درجات الندامة والهم بما فات، وهي مشتقة من الشيء الحسير الذي قد انقطع وذهبت قوته كالبعير والبصر، وقيل هي من حسر إذا كشف، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «يحسر الفرات عن جبل من ذهب»). [المحرر الوجيز: 1/ 405-406]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وقال الّذين اتّبعوا لو أنّ لنا كرّةً فنتبرّأ منهم كما تبرّءوا منّا} أي: لو أنّ لنا عودة إلى الدّار الدّنيا حتّى نتبرّأ من هؤلاء ومن عبادتهم، فلا نلتفت إليهم، بل نوحّد اللّه وحده بالعبادة. وهم كاذبون في هذا، بل لو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه. كما أخبر اللّه تعالى عنهم بذلك؛ ولهذا قال: {كذلك يريهم اللّه أعمالهم حسراتٍ عليهم وما هم بخارجين من النّار} أي: تذهب وتضمحلّ كما قال اللّه تعالى: {وقدمنا إلى ما عملوا من عملٍ فجعلناه هباءً منثورًا}[الفرقان: 23].
وقال تعالى: {مثل الّذين كفروا بربّهم أعمالهم كرمادٍ اشتدّت به الرّيح في يومٍ عاصفٍ} الآية [إبراهيم: 18]، وقال تعالى: {والّذين كفروا أعمالهم كسرابٍ بقيعةٍ يحسبه الظّمآن ماءً} الآية [النّور: 39]؛ ولهذا قال تعالى: {وما هم بخارجين من النّار} ). [تفسير ابن كثير: 1/ 477-478]




* للاستزادة ينظر: هنا

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تفسير, سورة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:34 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir