دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > دروس التفسير لبرنامج إعداد المفسّر > دروس تفسير سورة البقرة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 7 ذو القعدة 1435هـ/1-09-2014م, 10:52 PM
هيئة الإشراف هيئة الإشراف غير متواجد حالياً
معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,790
افتراضي تفسير سورة البقرة [من الآية (120) إلى الآية (123) ]

تفسير قوله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120) الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (122) وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (123)}


تفسير قوله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النّصارى حتّى تتّبع ملّتهم قل إنّ هدى اللّه هو الهدى ولئن اتّبعت أهواءهم بعد الّذي جاءك من العلم ما لك من اللّه من وليّ ولا نصير}
قد شرحنا معنى: اليهود والنصارى, و "ترضى" يقال في مصدره: رضي، يرضى، رضا ومرضاة، ورِضواناً ورُضواناً.
ويروي عن عاصم في كل ما في القرآن من {رضوان} الوجهان جميعا، فأمّا ما يرويه عنه أبو عمرو فـ"رِضوان" بالكسر، وما يرويه أبو بكر بن عياش: فـ"رُضوان"، والمصادر تأتي على فِعلان وفُعلان، فأمّا فِعلان، فقولك: عرفته عرفاناً, وحسبته حسباناً, وأما فُعلان كقولك: غفرانك لا كفرانك.
وقوله عزّ وجلّ: {حتّى تتّبع ملّتهم}
{تتّبع} نصب بـ{حتى}، والخليل , وسيبويه, وجميع من يوثق بعلمه يقولون: إن الناصب للفعل بعد "حتى" (أن) إلّا أنها لا تظهر مع "حتى"، ودليلهم أن "حتى" غير ناصبة هو: أن "حتى" بإجماع خافضة، قال اللّه عزّ وجلّ: {سلام هي حتى مطلع الفجر} فخفض {مطلع} بـ{حتى}، ولا نعرف في العربية أن ما يعمل في اسم يعمل في فعل، ولا ما يكون خافضاً لاسم يكون ناصباً لفعل، فقد بان أن "حتى" لا تكون ناصبة، كما أنك إذا قلت: جاء زيد ليضربك , فالمعنى: جاء زيد لأن يضربك، لأن اللام خافضة للاسم، ولا تكون ناصبة للفعل، وكذلك: ما كان زيد ليضربك، اللام خافضة، والناصب لـ"يضربك" أن المضمرة, ولا يجوز إظهارها مع هذه اللام، وإنما لم يجز ؛ لأنها جواب لما يكون مع الفعل , وهو حرف واحد يقول القائل: سيضربك، وسوف يضربك، فجعل الجواب في النفي بحرف واحد كما كان في الإيجاب بشيء واحد.
ونصب {ملتهم} بـ{تتبع}، ومعنى {ملتهم} في اللغة: سنتهم وطريقتهم، ومن هذا الملة أي: الموضع الذي يختبز فيه؛ لأنها تؤثر في مكانها كما يؤثّر في الطريق.
وكلام العرب إذا اتفق لفظه, فأكثره مشتق بعضه من بعض، وآخذ بعضه برقاب بعض.
وقوله عزّ وجلّ: {إنّ هدى اللّه هو الهدى} أي: الصراط الذي دعا إليه , وهدى إليه هو الطريق , أي: طريق الحق.
وقوله عزّ وجلّ: {ولئن اتّبعت أهواءهم} إنما جمع ولم يقل هواهم؛ لأن جميع الفرق ممن خالف النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليرضيهم منه إلا اتباع هواهم, وجمع هوى على أهواء، كما يقال: جمل وأجمال، وقتب وأقتاب.
وقوله عزّ وجلّ: {ما لك من اللّه من وليّ ولا نصير} الخفض في {نصير} القراءة المجمع عليها، ولو قرئ: (ولا نصيرٌ) بالرفع كان جائزاً؛ لأن معنى من ولي: ما لك من اللّه ولي, ولا نصير.
ومعنى الآية: أن الكفار كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم الهدنة , ويرون إنّه إن هادنهم وأمهلهم أسلموا، فأعلم اللّه عزّ وجلّ أنهم لن يرضوا عنه حتى يتبع ملتهم، فنهاه اللّه , ووعظه في الركون إلى شيء مما يدعون إليه، ثم أعلمه اللّه عزّ وجل وسائر الناس أن من كان منهم غير متعنت , ولا حاسد, ولا طالب لرياسة , تلا التوراة كما أنزلت , فذكر فيها: أن النبي صلى الله عليه وسلم حق, فآمن به , فقال تعالى: {الّذين آتيناهم الكتاب يتلونه حقّ تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون}).[معاني القرآن: 1/202-203]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ويقال: رضي يرضى رضى ورضا ورضوانا، وحكي رضاء ممدودا، وقال: ملّتهم وهما مختلفتان بمعنى لن ترضى اليهود حتى تتبع ملتهم ولن ترضى النصارى حتى تتبع ملتهم، فجمعهم إيجازا، لأن ذلك مفهوم، والملة الطريقة، وقد اختصت اللفظة بالشرائع والدين، وطريق ممل أي قد أثر المشي فيه.
وروي أن سبب هذه الآية أن اليهود والنصارى طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم الهدنة، ووعدوه أن يتبعوه بعد مدة خداعا منهم، فأعلمه الله تعالى أن إعطاء الهدنة لا ينفع عندهم، وأطلعه على سر خداعهم.
وقوله تعالى: قل إنّ هدى اللّه هو الهدى أي ما أنت عليه يا محمد من هدى الله الذي يضعه في قلب من يشاء هو الهدى الحقيقي، لا ما يدعيه هؤلاء.
ثم قال تعالى لنبيه ولئن اتّبعت أهواءهم الآية، فهذا شرط خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم وأمته معه داخلة فيه، و «أهواء» جمع هوى، ولما كانت مختلفة جمعت، ولو حمل على إفراد الملة لقيل هواهم، والولي الذي يتولى الإصلاح والحياطة والنصر والمعونة، ونصيرٍ بناء مبالغة في اسم الفاعل من نصر). [المحرر الوجيز: 1/336-337]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولن ترضى عنك اليهود ولا النّصارى حتّى تتّبع ملّتهم قل إنّ هدى اللّه هو الهدى ولئن اتّبعت أهواءهم بعد الّذي جاءك من العلم ما لك من اللّه من وليٍّ ولا نصيرٍ (120) الّذين آتيناهم الكتاب يتلونه حقّ تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون (121)}
قال ابن جريرٍ: يعني بقوله جلّ ثناؤه: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النّصارى حتّى تتّبع ملّتهم} وليست اليهود -يا محمّد -ولا النّصارى براضيةٍ عنك أبدًا، فدع طلب ما يرضيهم ويوافقهم، وأقبل على طلب رضا اللّه في دعائهم إلى ما بعثك اللّه به من الحقّ.
وقوله تعالى: {قل إنّ هدى اللّه هو الهدى} أي: قل يا محمّد: إنّ هدى اللّه الذي بعثني به هو الهدى، يعني: هو الدّين المستقيم الصّحيح الكامل الشّامل.
قال قتادة في قوله: {قل إنّ هدى اللّه هو الهدى} قال: خصومةٌ علّمها اللّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه، يخاصمون بها أهل الضّلالة. قال قتادة: وبلغنا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول: "لا تزال طائفةٌ من أمّتي يقتتلون على الحقّ ظاهرين، لا يضرّهم من خالفهم، حتّى يأتي أمر اللّه".
قلت: هذا الحديث مخرّج في الصحيح عن عبد الله بن عمرو.
{ولئن اتّبعت أهواءهم بعد الّذي جاءك من العلم ما لك من اللّه من وليٍّ ولا نصيرٍ} فيه تهديدٌ ووعيدٌ شديدٌ للأمّة عن اتّباع طرائق اليهود والنّصارى، بعد ما علموا من القرآن والسّنّة، عياذًا باللّه من ذلك، فإنّ الخطاب مع الرّسول، والأمر لأمّته.
[وقد استدلّ كثيرٌ من الفقهاء بقوله: {حتّى تتّبع ملّتهم} حيث أفرد الملّة على أنّ الكفر كلّه ملّةٌ واحدةٌ كقوله تعالى: {لكم دينكم ولي دين} [الكافرون: 6]، فعلى هذا لا يتوارث المسلمون والكفّار، وكلٌّ منهم يرث قرينه سواءٌ كان من أهل دينه أم لا؛ لأنّهم كلّهم ملّةٌ واحدةٌ، وهذا مذهب الشّافعيّ وأبي حنيفة وأحمد في روايةٍ عنه. وقال في الرّواية الأخرى كقول مالكٍ: إنّه لا يتوارث أهل ملّتين شتّى، كما جاء في الحديث، واللّه أعلم]). [تفسير ابن كثير: 1/402-403]
تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({الّذين آتيناهم الكتاب يتلونه حقّ تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون } يعني: أن الذين تلوا التوراة على حقيقتها، أولئك يؤمنون بالنبي صلى الله عليه وسلم.
وفي هذا دليل: أن غيرهم جاحد لما يعلم حقيقته؛ لأن هؤلاء كانوا من علماء اليهود، وكذلك من آمن من علماء النصارى ممن تلا كتبهم.
و{الذين} يرفع بالابتداء، وخبر الابتداء {يتلونه}, وإن شئت كان خبر الابتداء {يتلونه} و{أولئك} جميعاً, فيكون للابتداء خبران، كما تقول: هذا حلو حامض).[معاني القرآن: 1/203]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: الّذين آتيناهم الكتاب الآية، الّذين رفع بالابتداء، وآتيناهم الكتاب صلة، وقال قتادة: المراد ب الّذين في هذا الموضع من أسلم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، والكتاب على هذا التأويل القرآن، وقال ابن زيد: المراد من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم من بني إسرائيل، والكتاب على هذا التأويل التوراة، وآتيناهم معناه أعطيناهم، وقال قوم: هذا مخصوص في الأربعين الذين وردوا مع جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه في السفينة، فأثنى الله عليهم، ويحتمل أن يراد ب الّذين العموم في مؤمني بني إسرائيل والمؤمنين من العرب، ويكون الكتاب اسم الجنس، ويتلونه معناه يتبعونه حق اتباعه بامتثال الأمر والنهي، وقيل يتلونه يقرؤونه حق قراءته، وهذا أيضا يتضمن الاتباع والامتثال، ويتلونه إذا أريد ب الّذين الخصوص فيمن اهتدى يصح أن يكون خبر الابتداء ويصح أن يكون يتلونه في موضع الحال والخبر أولئك، وإذا أريد ب الّذين العموم لم يكن الخبر إلا أولئك، ويتلونه حال لا يستغنى عنها وفيها الفائدة، لأنه لو كان الخبر في يتلونه لوجب أن يكون كل مؤمن يتلو الكتاب حقّ تلاوته، وحقّ مصدر، والعامل فيه فعل مضمر، وهو بمعنى أفعل، ولا يجوز إضافته إلى واحد معرف، وإنما جازت هنا لأن تعرف التلاوة بإضافتها إلى الضمير ليس بتعرف محض، وإنما هو بمنزلة قولهم رجل واحد أمة، ونسيج وحده، والضمير في به عائد على الكتاب، وقيل: يعود على محمد صلى الله عليه وسلم، لأن متبعي التوراة يجدونه فيها فيؤمنون به.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويحتمل عندي أن يعود الضمير على الهدى الذي تقدم، وذلك أنه ذكر كفار اليهود والنصارى في أول الآية وحذر رسوله من اتباع أهوائهم، وأعلمه بأن هدى اللّه هو الهدى الذي أعطاه وبعثه به، ثم ذكر له أن المؤمنين التالين لكتاب الله هم المؤمنون بذاك الهدى المقتدون بأنواره، والضمير في يكفر به يحتمل من العود ما ذكر في الأول، وفأولئك هم الخاسرون ابتداء وعماد وخبر، أو ابتداء وابتداء وخبر، والثاني وخبره خبر الأول، والخسران نقصان الحظ). [المحرر الوجيز: 1/337-338]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {الّذين آتيناهم الكتاب يتلونه حقّ تلاوته} قال عبد الرّزّاق، عن معمر، عن قتادة: هم اليهود والنّصارى. وهو قول عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، واختاره ابن جريرٍ.
وقال: سعيدٌ عن قتادة: هم أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا إبراهيم بن موسى، وعبد اللّه بن عمران الأصبهانيّ، قالا حدّثنا يحيى بن يمانٍ، حدّثنا أسامة بن زيدٍ، عن أبيه، عن عمر بن الخطّاب {يتلونه حقّ تلاوته} قال: إذا مرّ بذكر الجنّة سأل اللّه الجنّة، وإذا مرّ بذكر النّار تعوّذ باللّه من النّار.
وقال أبو العالية: قال ابن مسعودٍ: والذي نفسي بيده، إنّ حقّ تلاوته أن يحلّ حلاله ويحرّم حرامه ويقرأه كما أنزله اللّه، ولا يحرّف الكلم عن مواضعه، ولا يتأوّل منه شيئًا على غير تأويله.
وكذا رواه عبد الرّزّاق، عن معمر، عن قتادة ومنصور بن المعتمر، عن ابن مسعودٍ.
وقال السّدّيّ، عن أبي مالكٍ، عن ابن عبّاسٍ في هذه الآية، قال: يحلّون حلاله ويحرّمون حرامه، ولا يحرّفونه عن مواضعه.
قال ابن أبي حاتمٍ: وروي عن ابن مسعودٍ نحو ذلك.
وقال الحسن البصريّ: يعملون بمحكمه، ويؤمنون بمتشابهه، يكلون ما أشكل عليهم إلى عالمه.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو زرعة، حدّثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا ابن أبي زائدة، أخبرنا داود بن أبي هندٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {يتلونه حقّ تلاوته} قال: يتّبعونه حقّ اتّباعه، ثمّ قرأ: {والقمر إذا تلاها} [الشّمس: 2]، يقول: اتّبعها. قال: وروي عن عكرمة، وعطاءٍ، ومجاهدٍ، وأبي رزينٍ، وإبراهيم النخعي نحو ذلك.
وقال سفيان الثّوريّ: حدّثنا زبيد، عن مرّة، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، في قوله: {يتلونه حقّ تلاوته} قال: يتّبعونه حقّ اتّباعه.
قال القرطبيّ: وروى نصر بن عيسى، عن مالكٍ، عن نافعٍ، عن ابن عمر، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في قوله: {يتلونه حقّ تلاوته} قال: "يتّبعونه حقّ اتّباعه"، ثمّ قال: في إسناده غير واحدٍ من المجهولين فيما ذكره الخطيب إلّا أنّ معناه صحيحٌ. وقال أبو موسى الأشعريّ: من يتّبع القرآن يهبط به على رياض الجنّة. وعن عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه: هم الّذين إذا مرّوا بآية رحمةٍ سألوها من اللّه، وإذا مرّوا بآية عذابٍ استعاذوا منها، قال: وقد روي هذا المعنى عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه كان إذا مرّ بآية رحمةٍ سأل، وإذا مرّ بآية عذابٍ تعوّذ.
وقوله: {أولئك يؤمنون به} خبر عن {الّذين آتيناهم الكتاب يتلونه حقّ تلاوته} أي: من أقام كتابه من أهل الكتب المنزّلة على الأنبياء المتقدّمين حقّ إقامته، آمن بما أرسلتك به يا محمّد، كما قال تعالى: {ولو أنّهم أقاموا التّوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربّهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم} الآية [المائدة: 66]. وقال: {قل يا أهل الكتاب لستم على شيءٍ حتّى تقيموا التّوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربّكم} [المائدة: 68]، أي: إذا أقمتموها حقّ الإقامة، وآمنتم بها حقّ الإيمان، وصدّقتم ما فيها من الأخبار بمبعث محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ونعته وصفته والأمر باتّباعه ونصره ومؤازرته، قادكم ذلك إلى الحقّ واتّباع الخير في الدّنيا والآخرة، كما قال تعالى: {الّذين يتّبعون الرّسول النّبيّ الأمّيّ الّذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التّوراة والإنجيل} الآية [الأعراف: 157] وقال تعالى: {قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إنّ الّذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرّون للأذقان سجّدًا* ويقولون سبحان ربّنا إن كان وعد ربّنا لمفعولا} [الإسراء: 107، 108] أي: إن كان ما وعدنا به من شأن محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم لواقعًا. وقال تعالى: {الّذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون* وإذا يتلى عليهم قالوا آمنّا به إنّه الحقّ من ربّنا إنّا كنّا من قبله مسلمين أولئك يؤتون أجرهم مرّتين بما صبروا ويدرءون بالحسنة السّيّئة وممّا رزقناهم ينفقون} [القصص: 52 -54]. وقال تعالى: {وقل للّذين أوتوا الكتاب والأمّيّين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولّوا فإنّما عليك البلاغ واللّه بصيرٌ بالعباد} [آل عمران: 20] ولهذا قال تعالى: {ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون} كما قال تعالى: {ومن يكفر به من الأحزاب فالنّار موعده} [هودٍ: 17]. وفي الصّحيح: "والّذي نفسي بيده لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمّة: يهوديٌّ ولا نصرانيٌّ، ثمّ لا يؤمن بي، إلّا دخل النّار"). [تفسير ابن كثير: 1/403-404]
تفسير قوله تعالى: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (122)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي الّتي أنعمت عليكم وأنّي فضّلتكم على العالمين }
{يا بني إسرائيل} نصب ؛ لأنه نداء مضاف، وأصل النداء: النصب، ألا ترى أنك إذا قلت: يا بني زيد، فقال لك قائل: ما صنعت؛ قلت: ناديت بني زيد، فمحال أن تخبره بغير ما صنعت، وقد شرحناه قبل هذا شرحا أبلغ من هذا، و"إسرائيل" لا يتصرف، وقد شرحنا شرحه في مكانه , وما فيه من اللغات.
وقوله عزّ وجلّ: {اذكروا نعمتي الّتي أنعمت عليكم وأنّي فضّلتكم على العالمين} موضع (أن) نصب كأنه قال: اذكروا أني فضلتكم على العالمين.
والدليل من القرآن على أنهم فضلوا قول موسى صلى الله عليه وسلم كما قال الله عزّ وجلّ: {وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين}
وتأويل تفضيلهم في هذه الآية: ما أوتوا من الملك , وأن فيهم أنبياء , وأنهم أعطوا علم التوراة، وأن أمر عيسى ومحمد -صلى الله عليهما وسلم- لم يكونوا يحتاجون فيه إلى آية غير ما سبق عندهم من العلم به، فذكرهم اللّه عزّ وجلّ ما هم عارفون، ووعظهم فقال: {واتّقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون}).[معاني القرآن: 1/203-204]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي الّتي أنعمت عليكم وأنّي فضّلتكم على العالمين (122) واتّقوا يوماً لا تجزي نفسٌ عن نفسٍ شيئاً ولا يقبل منها عدلٌ ولا تنفعها شفاعةٌ ولا هم ينصرون (123) وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ فأتمّهنّ قال إنّي جاعلك للنّاس إماماً قال ومن ذرّيّتي قال لا ينال عهدي الظّالمين (124)
قرأ الحسن وغيره «نعمتي» بتسكين الياء تخفيفا، لأن أصلها التحريك كتحريك الضمائر لك وبك، ثم حذفها الحسن للالتقاء، وفي السبعة من يحرك الياء، ومنهم من يسكنها، وإن قدرنا فضيلة بني إسرائيل مخصوصة في كثرة الأنبياء وغير ذلك فالعالمون عموم مطلق، وإن قدرنا تفضيلهم على الإطلاق فالعالمون عالمو زمانهم، لأن أمة محمد صلى الله عليه وسلم أفضل منهم بالنص، وقد تقدم القول على مثل هذه الآية إلى قوله: ينصرون). [المحرر الوجيز: 1/338]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي الّتي أنعمت عليكم وأنّي فضّلتكم على العالمين (122) واتّقوا يومًا لا تجزي نفسٌ عن نفسٍ شيئًا ولا يقبل منها عدلٌ ولا تنفعها شفاعةٌ ولا هم ينصرون (123)}
قد تقدّم نظير هذه الآية في صدر السّورة، وكرّرت هاهنا للتّأكيد والحثّ على اتباع الرسول النبي الأمّيّ الذي يجدون صفته في كتبهم ونعته واسمه وأمره وأمّته. يحذّرهم من كتمان هذا، وكتمان ما أنعم به عليهم، وأمرهم أن يذكروا نعمة اللّه عليهم، من النّعم الدّنيويّة والدّينيّة، ولا يحسدوا بني عمّهم من العرب على ما رزقهم اللّه من إرسال الرّسول الخاتم منهم. ولا يحملهم ذلك الحسد على مخالفته وتكذيبه، والحيدة عن موافقته، صلوات اللّه وسلامه عليه دائمًا إلى يوم الدّين). [تفسير ابن كثير: 1/404-405]
تفسير قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (123)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({واتّقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون} العدل: الفدية، وقيل لهم: {ولا تنفعها شفاعة}؛ لأنهم كانوا يعتمدون على أنهم أبناء أنبياء اللّه، وأنهم يشفعون لهم، فأيئسهم اللّه عزّ وجلّ من ذلك, وأعلمهم أن من لم يتبع محمداً صلى الله عليه وسلم فليس ينجيه من عذاب اللّه شيء , وهو كافر).[معاني القرآن: 1/204]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ومعنى لا تنفعها شفاعةٌ أي ليست ثم، وليس المعنى أنه يشفع فيهم أحد فيرد، وإنما نفى أن تكون ثم شفاعة على حد ما هي في الدنيا، وأما الشفاعة التي هي في تعجيل الحساب فليست بنافعة لهؤلاء الكفرة في خاصتهم، وأما الأخيرة التي هي بإذن من الله تعالى في أهل المعاصي من المؤمنين فهي بعد أن أخذ العقاب حقه، وليس لهؤلاء المتوعدين من الكفار منها شيء). [المحرر الوجيز: 1/339]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي الّتي أنعمت عليكم وأنّي فضّلتكم على العالمين (122) واتّقوا يومًا لا تجزي نفسٌ عن نفسٍ شيئًا ولا يقبل منها عدلٌ ولا تنفعها شفاعةٌ ولا هم ينصرون (123)}
قد تقدّم نظير هذه الآية في صدر السّورة، وكرّرت هاهنا للتّأكيد والحثّ على اتباع الرسول النبي الأمّيّ الذي يجدون صفته في كتبهم ونعته واسمه وأمره وأمّته. يحذّرهم من كتمان هذا، وكتمان ما أنعم به عليهم، وأمرهم أن يذكروا نعمة اللّه عليهم، من النّعم الدّنيويّة والدّينيّة، ولا يحسدوا بني عمّهم من العرب على ما رزقهم اللّه من إرسال الرّسول الخاتم منهم. ولا يحملهم ذلك الحسد على مخالفته وتكذيبه، والحيدة عن موافقته، صلوات اللّه وسلامه عليه دائمًا إلى يوم الدّين). [تفسير ابن كثير: 1/404-405] (م)


* للاستزادة ينظر: هنا

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تفسير, سورة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:56 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir