دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > النحو والصرف > ألفية ابن مالك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 06:38 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي أسماء الأفعال والأصوات

أسماءُ الأفعالِ والأصواتِ

ما نابَ عنْ فِعلٍ كَشَتَّانِ وصَهْ = هُوَ اسمُ فِعلٍ وكذا أَوَّهْ وَمَهْ
وما بمعنى افْعَلْ كآمِينَ كَثُرْ = وغيرُهُ كَوَيْ وهَيهاتَ نَزُرْ
والفعلُ مِنْ أَسمائِهِ عَلَيْكَا = وهكذا دُونَكَ مَعْإِلَيْكَا
كذا رُوَيْدَ بَلْهَ ناصِبَيْنِ = ويَعملانِ الْخَفْضَ مَصدرَيْنِ
وما لِمَا تَنوبُ عنهُ مِنْ عَمَلْ = لها وأَخِّرْ ما الذي فيهِ العَمَلْ
واحُكْمْ بتَنكيرِ الذي يُنَوَّنُ = منها وتَعريفُ سِوَاهُ بَيِّنُ
وما بهِ خُوطِبَ ما لا يَعْقِلُ = مِنْ مُشْبِهِ اسمِ الفعلِ صَوْتًا يُجْعَلُ
كذا الذي أَجْدَى حكايَةً كَقَبْ = والْزَمْ بنا النوعَيْنِ فَهْوَ قدْ وَجَبْ


  #2  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 05:34 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ابن عقيل (ومعه منحة الجليل للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


أسماءُ الأفعالِ والأصواتِ

ما نابَ عن فِعلٍ كشَتَّانَ وصَهْ = هو اسمُ فِعلٍ وكذا أَوَّهْ وَمَهْ ([1])


وما بِمَعْنَى افْعَلْ كآمِينَ كَثُرْ = وغيرُهُ كَوَيْ وهَيْهَاتَ نَزَرْ ([2])

أسماءُ الأفعالِ ألفاظٌ تَقومُ مَقامَ الأفعالِ في الدَّلالَةِ على مَعناها وفي عَمَلِها، وتَكونُ بمعنى الأمْرِ، وهو الكثيرُ فيها، كَمَهْ بمعنى اكْفُفْ، وآمِينَ بمعنَى استَجِبْ، وتَكونُ بمعنى الماضِي كشَتَّانَ بمعنى افتَرَقَ، تقولُ: "شَتَّانَ زيدٌ وعَمرٌو"، وهَيْهَاتَ بمعنى بَعُدَ، تقولُ: "هَيْهَاتَ العَقِيقُ"([3])، ومعناه بَعُدَ، وبمعنى المضارِعِ؛ كأَوَّهْ بمعنى أتَوَجَّعُ، ووَيْ بمعنى أَعْجَبُ([4])، وكِلاَهُما غيرُ مَقِيسٍ.
وقد سَبَقَ في الأسماءِ الملازِمَةِ للنداءِ أنه يَنقاسُ استعمالُ فَعَالِ اسمَ فِعْلٍ مَبْنِيًّا على الكسْرِ مِن كلِّ فعْلٍ ثُلاثيٍّ، فتَقولُ: ضَرَابِ زَيْداً؛ أي: اضْرِبْ، ونَزَالِ؛ أي: انْزِلْ، وكَتَابِ؛ أي: اكْتُبْ، ولم يَذكُرْهُ الْمُصَنِّفُ هنا؛ استِغناءً بذِكْرِه هناكَ.

والفعلُ مِن أَسمائِه عَلَيْكَا = وهكذا دُونَكَ معْ إِلَيْكَا([5])


كذا رُوَيْدَ بَلْهَ ناصِبَيْنِ = ويَعملانِ الْخَفْضَ مَصْدَرَيْنِ ([6])

مِن أسماءِ الأفعالِ ما هو في أصْلِه ظَرْفٌ، وما هو مَجرورٌ بحرْفٍ، نحوُ: "عليكَ زَيداً"؛ أي: الْزَمْهُ، و"إليكَ"؛ أيْ: تَنَحَّ، و"دُونَكَ زَيداً"؛ أيْ: خُذْهُ.
ومنها ما يُستعمَلُ مَصدَراً واسمَ فعْلٍ؛ "كرُوَيْدَ وبَلْهَ".
فإنِ انْجَرَّ ما بعْدَهما فهُما مَصدرانِ، نحوُ: "رُوَيْدَ زَيْدٍ"؛ أيْ: إِرْوَادَ زَيدٍ؛ أيْ: إمهالَه، وهو مَنصوبٌ بفِعْلٍ مُضمَرٍ، "وبَلْهَ زيدٍ"([7]) أيْ: تَرْكَه.
وإنِ انْتَصَبَ ما بعْدَهما فهما اسْمَا فعْلٍ، نحوُ: "رُوَيْدَ زَيْداً"؛ أيْ: أَمْهِلْ زَيداً، و"بَلْهَ عَمْراً"؛ أي: اتْرُكْهُ.

وما لِمَا تَنُوبُ عنهُ مِن عَمَلْ = لها وأَخِّرْ ما لِذِي فيهِ العَمَلْ ([8])

أيْ: يَثْبُتُ لأسماءِ الأفعالِ مِن العمَلِ ما يَثْبُتُ لِمَا تَنُوبُ عنه مِن الأفعالِ.
فإنْ كانَ ذلك الفعْلُ يَرْفَعُ فقطْ، كانَ اسمُ الفعْلِ كذلك؛ كصَهْ بمعنى اسْكُتْ، ومَهْ بمعنى اكْفُفْ، وهَيْهَاتَ زَيْدٌ بمعنى بعُدَ زيدٌ، ففي "صَهْ ومَهْ" ضَميرانِ مُستَتِرانِ كما في اسْكُتْ واكفُفْ، وزَيدٌ مَرفوعٌ بِهَيهاتَ كما ارْتَفَعَ ببَعُدَ.
وإنْ كانَ ذلك الفعْلُ يَرفَعُ ويَنْصِبُ كان اسمُ الفعْلِ كذلك؛ كـ "دَرَاكِ زَيْداً"؛ أيْ: أَدْرِكْهُ، و"ضَرَابِ عَمْراً"؛ أي: اضْرِبْهُ، ففي "دَرَاكِ وضَرَابِ" ضَميرانِ مُستَتِرانِ، و"زَيْداً وعَمْراً" مَنصوبانِ بهما.
وأشارَ بقولِه: (وأَخِّرْ ما لِذِي فيهِ العَمَلْ) إلى أنَّ معمولَ اسمِ الفعْلِ يَجِبُ تأخيرُه عنه، فتَقولُ: "دَرَاكِ زَيداً"، ولا يَجوزُ تَقديمُه عليه، فلا تَقولُ: زَيداً دَرَاكِ، وهذا بِخِلافِ الفعْلِ؛ إذ يَجوزُ "زَيْداً أَدْرِكْ"([9]).

واحْكُمْ بتَنكيرِ الَّذي يُنَوَّنُ = مِنها وتَعريفُ سِوَاهُ بَيِّنُ ([10])

الدليلُ على أنَّ ما سُمِّيَ بأسماءِ الأفعالِ أسماءٌ لَحَاقُ التنوينِ لها، فتَقولُ في صَهْ: صَهٍ، وفي حَيَّهَلْ: حَيَّهَلاً، فيَلْحَقُها التنوينُ للدَّلالَةِ على التنكيرِ، فما نُوِّنَ منها كانَ نَكِرَةً، وما لم يُنَوَّنْ كانَ مَعرِفَةً.

وما به خُوطِبَ ما لا يَعْقِلُ = مِن مُشْبِهِ اسمِ الفعلِ صَوْتاً يُجْعَلُ([11])


كذا الذي أَجْدَى حِكَايَةً كقَبْ والْزَمْ بنا النَّوْعَيْنِ فَهْوَ قَدْ وَجَبْ([12])

أسماءُ الأصواتِ ألفاظٌ اسْتُعْمِلَتْ كأسماءِ الأفعالِ في الاكتفاءِ بها دَالَّةً على خِطَابِ ما لا يَعْقِلُ، أو على حِكايةِ صَوْتٍ مِن الأصواتِ، فالأوَّلُ كقولِكَ: هَلاً لزَجْرِ الخيلِ، وعَدَسْ لزجْرِ البَغْلِ([13])، والثاني كقَبْ لوُقوعِ السيفِ، وغاقِ للغرابِ.
وأشارَ بقولِه: (والْزَمْ بِنَا النَّوْعَيْنِ) إلى أنَّ أسماءَ الأفعالِ وأسماءَ الأصواتِ كلَّها مَبنيَّةٌ، وقد سَبَقَ في بابِ الْمُعْرَبِ والْمَبْنِيِّ أنَّ أسماءَ الأفعالِ مَبنِيَّةٌ؛ لِشِبْهِهَا بالحرْفِ في النيابَةِ عن الفعْلِ وعدَمِ التأثُّرِ؛ حيثُ قالَ: (وكَنِيَابَةٍ عن الفعْلِ بلا تَأَثُّرِ)، وأمَّا أسماءُ الأصواتِ فهي مَبنيَّةٌ؛ لِشِبْهِها بأسماءِ الأفعالِ.


([1]) (ما) اسمٌ موصولٌ: مُبتَدَأٌ أوَّلُ، (نابَ) فعْلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه جَوازاً تَقديرُه: هو يَعودُ إلى ما، والجُملةُ لا مَحَلَّ لها صِلَةُ الموصولِ، (عن فِعْلٍ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بنابَ، (كشَتَّانَ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ حالٌ مِن فاعِلِ نابَ، (وصَهْ) مَعطوفٌ على شَتَّانَ، (هو) مبتدَأٌ ثانٍ، (اسمُ) خَبَرُ المبتدَأِ الثاني، والجُملةُ مِن المبتدَأِ الثاني وخبَرِه في مَحَلِّ رفْعٍ خَبَرُ المبتَدَأِ الأوَّلِ، واسمُ مُضافٌ و(فِعْلٍ) مُضافٌ إليه، (وكذا) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبَرٌ مُقَدَّمٌ، (أَوَّهْ) مُبتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ، (ومَهْ) معطوفٌ على أَوَّهْ، وقد قَصَدَ لفْظَهما جَميعاً.

([2]) (وما) اسمٌ موصولٌ: مبتَدَأٌ، (بمعنَى) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ صِلَةُ ما، ومعنَى مُضافٌ و(افْعَلْ) مُضافٌ إليه، (كآمِينَ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبَرُ مُبتدأٍ محذوفٍ؛ أي: وذلك كآمِينَ، (كَثُرْ) فعلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه جَوازاً تَقديرُه: هو، يَعودُ إلى ما الواقِعَةِ مُبتدأً، والجُملةُ في مَحَلِّ رفْعٍ خَبَرُ المبتَدَأِ، وهو (ما) الموصولةُ، (وغيرُهُ) غيرُ: مبتدأٌ، وغيرُ مُضافٌ والهاءُ مُضافٌ إليه، (كَوَيْ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبَرُ مُبتدأٍ محذوفٍ؛ أيْ: وذلك كَوَيْ، (وهَيهاتَ) معطوفٌ على وَيْ، (نَزَرْ) فعْلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه جَوازاً تَقديرُه: هو، يَعودُ إلى غيرُهُ، والجُملةُ في مَحَلِّ رفْعٍ خَبَرُ المبتَدَأِ، وهو (غيرُ).

([3]) ومِن ذلك قولُ جَريرِ بنِ عَطِيَّةَ:
فهَيْهَاتَ هَيْهَاتَ العَقيقُ ومَن بِهِ = وهَيْهَاتَ خِلٌّ بالعَقيقِ نُوَاصِلُهْ

([4]) ومِن ذلك قولُ الشاعِرِ، وهو عَدِيُّ بنُ زَيْدٍ العِبَادِيُّ:
وَيْ! كأنْ مَن يَكُنْ له نَشَبٌ يُحْبَبْ = ومَن يَفْتَقِرْ يَعِشْ عَيْشَ ضُرِّ

([5]) و(الفعْلُ) مُبتدأٌ أوَّلُ، (مِن أسمائِه) الجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبَرٌ مُقَدَّمٌ، وأسماءِ مُضافٌ والضميرُ مُضافٌ إليه، (عَلَيْكَا) قَصَدَ لفْظَه: مُبتدأٌ ثانٍ تَأَخَّرَ عن خَبَرِه، والجُملةُ مِن مُبتَدَأِ الثاني وخبَرِه في مَحَلِّ رفْعٍ خَبَرُ المبتَدَأِ الأوَّلِ، (وهكذا) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبَرٌ مُقَدَّمٌ، (دُونَكَ) قَصَدَ لفْظَه: مُبتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ، (معْ) ظرْفٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ حالٌ، ومعْ مُضافٌ و(إِلَيْكَا) قَصَدَ لفْظَه أَيْضاً: مُضافٌ إليه.

([6]) (كذا) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبَرٌ مُقَدَّمٌ، (رُوَيْدَ) قَصَدَ لفْظَه: مُبتدأٌ مؤَخَّرٌ، (بَلْهَ) معطوفٌ على رُوَيْدَ بعاطِفٍ مقَدَّرٍ، (نَاصِبَيْنِ) حالٌ مِن الضميرِ العائدِ إلى المبتدَأِ وما عُطِفَ عليه الْمُستَكِنِّ في الخبَرِ، (ويَعْمَلانِ) فعْلٌ مُضارِعٌ، وألِفُ الاثنينِ فاعِلٌ، (الْخَفْضَ) مفعولٌ به لِيَعملانِ، (مَصْدَرَيْنِ) حالٌ مِن ألِفِ الاثنينِ الواقِعَةِ فاعِلاً.

([7]) ومِن ذلك قولُ كَعْبِ بنِ مالِكٍ:

تَذَرُ الْجَماجِمَ ضَاحِياً هَامَاتُهَا = بَلْهَ الأَكُفِّ كأَنَّهَا لم تُخْلَقِ

يُروَى بنَصْبِ الأَكُفِّ على أنَّ "بَلْهَ" اسمُ فعْلٍ، وبِجَرِّه على أنَّ "بَلْهَ" مصْدَرٌ مُضافٌ إلى مَفعولِه؛ كقولِه تعالى: {فَضَرْبَ الرِّقَابِ}، ومِثلُه قولُ الآخَرِ:

رُوَيْدَ عَلِيًّا جُدَّ ما ثَدْيُ أُمِّهِمْ = إلينا ولكِنْ وُدُّهُم مُتَبَايِنُ


([8]) (وما) اسمٌ موصولٌ: مُبتدأٌ، (لِمَا) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ صِلَةُ (ما) الواقعةِ مُبتدأً، (تَنُوبُ) فعْلٌ مُضارِعٌ، وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه جَوازاً تَقديرُه: هي، يعودُ إلى أسماءِ الأفعالِ، والجُملةُ لا مَحَلَّ لها صِلَةُ (ما) المجرورةِ مَحَلاًّ باللامِ، (عنه) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بتَنُوبُ، (مِن عَمَلْ) بيانٌ لِمَا الموصولةِ الواقِعَةِ مُبتدأً، (لها) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خَبَرُ المبتَدَأِ، و(أَخِّرْ) فعْلُ أمْرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقديرُه: أنتَ، (ما) اسمٌ موصولٌ: مفعولٌ به لأَخِّرْ، (لذي) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبَرٌ مقَدَّمٌ، (فيه) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِه: (العمَل) الآتي، (العَمَلْ) مبتدَأٌ مؤَخَّرٌ، والجُملةُ مِن المبتَدَأِ والخبَرِ لا مَحَلَّ لها صِلَةُ (ما) الموصولةِ الواقِعَةِ مَفعولاً به لأَخِّرْ.

([9]) السرُّ في ذلك أنَّ أسماءَ الأفعالِ إنما عَمِلَتْ بالْحَمْلِ على الأفعالِ التي تَدُلُّ أسماءُ الأفعالِ على مَعَانِيهَا، ولم تَعمَلْ بالأصالَةِ، فكانَتْ عَوامِلَ ضَعيفةً، وقد عَلِمْتَ مِراراً أنَّ العامِلَ الضعيفَ لا يَتَصَرَّفُ في مَعمولِه بتَقديمِه عليه.

([10]) (واحْكُمْ) فعْلُ أمْرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقديرُه: أنتَ، (بِتَنكيرِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ باحْكْمُ، وتَنكيرِ مُضافٌ و(الذي) اسمٌ موصولٌ: مُضافٌ إليه، (يُنَوَّنُ) فعْلٌ مُضارِعٌ مبنيٌّ للمَجهولِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مستَتِرٌ فيه جَوازاً تَقديرُه: هو يعودُ إلى الذي، والجُملةُ لا مَحَلَّ لها مِن الإعرابِ صِلَةُ الذي، (منها) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِه: (يُنَوَّنُ) السابِقِ، (وتَعريفُ) مُبتدَأٌ، وتَعريفُ مُضافٌ وسِوَى مِن (سِواهُ) مُضافٌ إليه، وسِوَى مُضافٌ والهاءُ مُضافٌ إليه، (بَيِّنُ) خَبْرُ المبتدأِ.

([11]) (وما) اسمٌ موصولٌ: مبتَدَأٌ، (به) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِه: (خُوطِبَ) الآتي، (خُوطِبَ) فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمَجهولِ، (ما) اسمٌ موصولٌ: نائبُ فاعِلِ خُوطِبَ، والجُملةُ مِن خُوطِبَ ونائِبِ فاعِلِه لا مَحَلَّ لها صِلَةُ الموصولِ الأوَّلِ، (لا) نَافِيَةٌ، (يَعْقِلُ) فعْلٌ مُضارِعٌ، وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه جَوازاً تَقديرُه: هو يَعودُ إلى ما الموصولةِ الواقِعَةِ نائبَ فاعِلٍ، والجُملةُ مِن لا يَعقِلُ وفاعلِه لا مَحَلَّ لها صِلَةُ (ما) الموصولةِ الواقِعَةِ نائبَ فاعِلٍ، (مِن مُشْبِهِ) جارٌّ ومجرورٌ بيانٌ لِمَا الموصولةِ الأُولَى، ومُشبِهِ مُضافٌ واسمِ مِن (اسمِ الفعْلِ) مُضافٌ إليه، واسمِ مُضافٌ والفعْلِ مُضافٌ إليه، (صَوْتاً) مفعولٌ ثانٍ ليُجْعَلُ تَقَدَّمَ عليه، (يُجعَلُ) فعْلٌ مُضارِعٌ مبنيٌّ للمَجهولِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مستَتِرٌ فيه جَوازاً تَقديرُه: هو، وهو مفعولُه الأوَّلُ، والجُملةُ في مَحَلِّ رفْعٍ خَبَرُ المبتَدَأِ الذي هو ما الموصولةُ الواقعةُ في أوَّلِ البيتِ.

([12]) (كذا) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبَرٌ مُقَدَّمٌ، (الذي) اسمٌ موصولٌ: مبْتَدَأٌ مؤَخَّرٌ، (أَجْدَى) فعْلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوازاً تَقديرُه: هو، يَعودُ إلى الذي، والجُملةُ مِن أَجْدَى وفاعلِه لا مَحَلَّ لها صِلَةٌ، (حِكايةً) مفعولٌ به لأَجْدَى، (كَقَبْ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبَرُ مُبتدأٍ محذوفٍ؛ أيْ: وذلك كائِنٌ كَقَبْ، (والْزَمْ) فعْلُ أمْرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقديرُه: أنتَ، (بنا) قُصِرَ للضرورةِ: مفعولٌ به لالْزَمْ، وبنا مُضافٌ و(النوْعَيْنِ) مُضافٌ إليه، (فَهْوَ) الفاءُ للتعليلِ، وهو: ضَميرٌ منفَصِلٌ مبتَدَأٌ، (قد) حرْفُ تَحقيقٍ، (وَجَبْ) فعْلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوازاً تَقديرُه: هو، يَعودُ إلى الضميرِ الواقِعِ مُبتدأً، والمكنَّى به عن بِناءِ النَّوْعَيْنِ، والجُملةُ مِن وَجَبَ وفاعلِه في مَحَلِّ رفْعٍ خَبَرُ المبتَدَأِ، وهو الضميرُ الْمُنْفَصِلُ.

([13]) ومِن ذلك قولُ الشاعِرِ، وهو يَزِيدُ بنُ مُفَرِّغٍ الْحِمْيَرِيُّ:
عَدَسْ ما لِعَبَّادٍ عليكِ إِمَارَةٌ = أَمِنْتِ وهذا تَحْمِلِينَ طَلِيقُ
وربَّما سَمَّوُا الفَرَسَ نفْسَها عَدَساً، وحينَئذٍ تُؤَثِّرُ فيه العوامِلُ؛ لأنه عَلَمٌ؛ كما في قولِ الراجِزِ:
إذا حَمَلْتُ بِزَّتِي على عَدَسْ = فلا أُبالِي مَن مَضَى وَمَنْ جَلَسْ
ومِن أسماءِ الاصواتِ قولُهم للحِمَارِ: (سَأْ) إذا دَعَوْهُ للشُّرْبِ، وفي مَثَلٍ مِن أمثالِهم: "قَرِّبِ الحِمارَ مِن الرَّدْهَةِ ولا تَقُلْ له: سَأْ"، والرَّدْهَةُ: نُقْرَةٌ في صَخْرَةٍ يُسْتَنْقَعُ فيها الماءُ، وقالَ الشاعِرُ في صِفَةِ امرأةٍ:
لم تَدْرِ ماسَا للحَمِيرِ ولَمْ = تَضْرِبْ بكَفِّ مُخَابِطِ السَّلَمِ

  #3  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 05:35 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي أوضح المسالك لجمال الدين ابن هشام الأنصاري (ومعه هدي السالك للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


هذا بابُ أسماءِ الأفعالِ([1])

اسمُ الفعلِ: ما نابَ عن الفعلِ معنًى واستعمالاً؛ كـ (شَتَّانَ) و(صَهْ) و(أَوَّهْ)([2]).
والمرادُ بالاستعمالِ كونُه عاملاً غيرَ معمولٍ، فخَرَجَتِ المصادرُ والصفاتُ في نحوِ: (ضَرْباً زَيْداً)، و(أقائمٌ الزيدانِ)؛ فإنَّ العواملَ تَدْخُلُ عليها.
ووُرُودُه بمعنى الأمرِ كثيرٌ؛ كـ (صَهْ) و(مَهْ) و(آمِينَ) بمعنى: اسْكُتْ وانْكَفِفْ واسْتَجِبْ، ونَزَالِ وبابِه([3])، وبمعنى الماضي والمضارِعِ قليلٌ؛ كـ (شَتَّانَ) و(هَيْهَاتَ) بمعنى افْتَرَقَ وبَعُدَ، و(أَوَّهْ) و(أُفٍّ) بمعنى أَتَوَجَّعُ وأَتَضَجَّرُ، و(وَا) و(وَيْ) و(وَاهاً) بمعنى أَعْجَبُ؛ كقولِه تعالى: {وَيْ كَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}([4])؛ أي: أَعْجَبُ لِعَدَمِ فَلاحِ الكافرينَ، وقولِ الشاعِرِ:
460- وا بِأَبِي أَنْتِ وفُوكِ الأَشْنَبُ([5])
وقولِ الآخَرِ:
461- وَاهاً لِسَلْمَى ثُمَّ وَاهاً وَاهَا([6])
فصلٌ: اسمُ الفعلِ ضَربانِ:
أَحَدُهما: ما وُضِعَ مِن أَوَّلِ الأمرِ كذلكَ؛ كشَتَّانَ وصَهْ ووَيْ([7]).
الثاني: ما نُقِلَ من غيرِه إليه، وهو نوعانِ:
منقولٌ من ظرفٍ أو جارٍّ ومجرورٍ، نحوُ: (عَلَيْكَ) بمعنى الْزَمْ، ومنه: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ}([8])؛ أي: الْزَمُوا شَأْنَ أَنْفُسِكُمْ([9])، و(دُونَكَ زَيْداً) بمعنى: خُذْهُ، و(مَكَانَكَ) بمعنى: اثْبُتْ، و(أَمَامَكَ) بمعنى: تَقَدَّمْ، و(وَرَاءَكَ) بمعنى: تَأَخَّرْ، و(إليكَ) بمعنى: تَنَحَّ.
ومنقولٌ من مَصْدَرٍ، وهو نوعانِ: مَصْدَرٌ اسْتُعْمِلَ فعلُه، ومصدرٌ أُهْمِلَ فعلُه، فالأوَّلُ نحوُ: (رُوَيْدَ زَيْداً) فإنَّهم قالُوا: أَرْوِدْهُ إِرْوَاداً بمعنى أَمْهِلْهُ إمهالاً، ثمَّ صَغَّرُوا الإِرْوَادَ تَصْغِيرَ الترخيمِ، وأقاموه مُقامَ فِعْلِه، واسْتَعْمَلُوه تَارَةً مضافاً إلى مفعولِه فقالوا: (رُوَيْدَ زَيْدٍ)، وتارَةً مُنَوَّناً ناصباً للمفعولِ فقالوا: (رُوَيْداً زَيْداً). ثمَّ إنهم نَقَلُوه وسَمَّوْا به فِعْلَه فقالوا: (رُوَيْدَ زَيْداً)([10]).
والدليلُ على أنَّ هذا اسمُ فعلٍ كونُه مَبْنِيًّا، والدليلُ على بنائِه كَوْنُه غيرَ مُنَوَّنٍ. والثاني قولُهم: (بَلْهَ زَيْداً). فإنَّه في الأصلِ مَصْدَرُ فِعْلٍ مُهْمَلٍ مُرَادِفٍ لِدَعْ واتْرُكْ، يقالُ: (بَلْهَ زَيْدٍ). بالإضافةِ إلى المفعولِ؛ كما يُقالُ: (تَرْكَ زَيْدٍ). ثمَّ قيلَ: (بَلْهَ زيداً)([11]) بنصبِ المفعولِ وبناءِ (بَلْهَ) على أنه اسمُ فعلٍ.
فَصْلٌ: يَعْمَلُ اسمُ الفعلِ عَمَلَ مُسَمَّاهُ، تقولُ: (هَيْهَاتَ نَجْدٌ). كما تقولُ: (بَعُدَتْ نَجْدٌ). قالَ:
462- فَهْيَهَاتَ هَيْهَاتَ الْعَقِيقُ وَمَنْ بِهِ([12])
وتقولُ: (شَتَّانَ زَيْدٌ وعَمْرٌو). كما تقولُ: (افْتَرَقَ زَيْدٌ وعَمْرٌو). و(تَرَاكِ زَيْداً). كما تقولُ: (اتْرُكْ زَيْداً).
وقد يكونُ اسمُ الفعلِ مُشْتَرَكاً بينَ أفعالٍ سُمِّيَتْ به، فيُسْتَعْمَلُ على أَوْجُهٍ باعتبارِها، قالُوا: (حَيَّهَلِ الثَّرِيدَ). بمعنى: ائْتِ الثَّرِيدَ، و(حَيَّهَلْ عَلَى الخَيْرِ). بمعنى: أَقْبِلْ على الخيرِ، وقالوا: (إذا ذُكِرَ الصَّالِحون فحَيَّهَلْ بعُمَرَ)؛ أي: أَسْرِعُوا بذِكْرِه.
ولا يَجُوزُ تَقْدِيمُ معمولِ اسمِ الفعلِ عليه، خِلافا للكِسَائِيِّ، وأمَّا: {كِتَابَ اللهِ عَلَيْكُمْ}([13])، وقولُهِ:
463- يَأَيُّهَا الْمَائِحُ دَلْوِي دُونَكَا([14])
فمُؤَوَّلانِ([15]).
فَصْلٌ: وما نُوِّنَ مِن هذه الأسماءِ فهو نَكِرَةٌ، وقد الْتُزِمَ ذلك في (وَاهاً) و(وَيْهاً) كما الْتُزِمَ تَنْكِيرُ نحوِ: أَحَدٍ وعَرِيبٍ ودَيَّارٍ([16]).
وما لم يُنَوَّنْ منها فهو مَعْرِفَةٌ، وقد الْتُزِمَ ذلك في (نَزَالِ) و(تَرَاكِ) وبابِهما، كما الْتُزِمَ التعريفُ في المُضْمَرَاتِ والإشاراتِ والموصولاتِ.
وما اسْتُعْمِلَ بالوجهيْنِ فعلى مَعْنَيَيْنِ، وقد جاءَ على ذلكَ: صَهٍْ ومَهٍْ وإِيهٍ، وألفاظٌ أُخَرُ، كما جاءَ التعريفُ والتنكيرُ في نحوِ: كِتَابٍ ورَجُلٍ وفَرَسٍ.

هذا بابُ أسماءِ الأصواتِ
وهي نوعانِ:
أَحَدُهما: ما خُوطِبَ به ما لا يَعْقِلُ مِمَّا يُشْبِهُ اسمَ الفِعْلِ؛ كقَوْلِهِم في دُعاءِ الإبلِ لِتَشْرَبَ: (جِئْ جِئْ) مهموزيْنِ([17]) وفي دعاءِ الضَّأْنِ: (حَا حَا)([18])، والمَعِزِ: (عَا عَا) غيرَ مهموزيْنِ، والفعلُ منهما حَاحَيْتُ وعَاعَيْتُ، والمصدرُ حَيْحَاءُ وعَيْعَاءُ، قالَ:
464- يا عَنْزُ هَذَا شَجَرٌ ومَاءُ = عَاعَيْتُ لَوْ يَنْفَعُنِي الْعَيْعَاءُ([19])
وفي زَجْرِ البَغْلِ: (عَدَسْ)، قالَ:
عَدَسْ مَا لِعَبَّادٍ عَلَيْكِ إِمَارَة([20])
وقولُنا: (مِمَّا يُشْبِهُ اسمَ الفِعْلِ). احْتِرَازٌ مِن نحوِ قولِهِ:
465- يا دارَ مَيَّةَ بِالْعَلْيَاءِ فالسَّنَدِ([21])
وقولِهِ:
466- أَلاَ أَيُّهَا اللَّيْلُ الطَّوِيلُ أَلاَ انْجَلِي([22])
الثاني: ما حُكِيَ به صوتٌ؛ كـ (غَاقْ) لحكايةِ صوتِ الغُرَابِ، و(طَاقْ) لصوتِ الضَّرْبِ، و(طَقْ) لصوتِ وَقْعِ الحجارةِ، و(قَبْ) لصوتِ وَقْعِ السيفِ على الضَّرِيبَةِ.
والنوعانِ مَبْنِيَّانِ لِشَبَهِهَما بالحروفِ المُهْمَلَةِ في أنها لا عاملةٌ ولا معمولةٌ؛ كما أنَّ أسماءَ الأفعالِ بُنِيَتْ لِشَبَهِها بالحروفِ المُهْمَلَةِ في أنها عاملةٌ غيرُ معمولةٍ، وقد مَضَى ذلك في أَوَائِلِ الكتابِ([23]) جـ1.


([1]) الحاجَةُ إلى وَضْعِ أسماءِ الأفعالِ وعَدَمِ الاكتفاءِ بمدلولاتِها – وهو الأفعالُ أَنْفُسها على أرجحِ المذاهِبِ – أنَّ المتكلِّمَ قد يَقْصِدُ المبالغةَ ويريدُ أنْ يُعَبِّرَ عن مقصودِه بأَوْجَزِ لفظٍ، والسرُّ في هذا أنَّ اسمَ الفعلِ يَدُلُّ على شِدَّةِ الحَدَثِ، فإنْ قالَ القائِلُ: (أُفٍّ). فكأنه قالَ: أَتَضَجَّرُ جِدًّا. وإنْ قالَ: (شَتَّانَ). فكأنه قالَ: بَعُدَ بُعْداً شَدِيداً. وإنْ قالَ: (وَاهاً). فكأنما قالَ: أَعْجَبُ أَشَدَّ العَجَبِ. وهكذا.

([2]) ههنا مَبْحَثَانِ يَجْمُلُ بنا أنْ نُبَيِّنَهُما لَكَ بَيَاناً وَاضِحاً، ونُبَيِّنُ لكَ – معَ ذلك – رأيَ المؤلِّفِ في كلِّ واحدٍ مِنهما:
المَبْحَثُ الأوَّلُ: وهو يَتَضَمَّنُ بيانَ ما تَدُلُّ عليه أسماءُ الأفعالِ هذه، وللنحاةِ في ذلك آراءٌ كثيرةٌ، أَشْهَرُهَا أربعةُ آراءٍ:
الرأيُ الأوَّلُ: أنَّ أسماءَ الأفعالِ تَدُلُّ على الألفاظِ المُكَوَّنَةِ مِن الحروفِ الهِجَائِيَّةِ، وهذه الألفاظُ تَدُلُّ على لفظِ الأفعالِ، فشَتَّانَ اسمٌ لِلَّفْظِ المبدوءِ بالشينِ والمُنْتَهِي بالنونِ، وهذا الاسمُ يَدُلُّ على لفظِ افْتَرَقَ الدالِّ على الحَدَثِ – وهو الافتراقُ – والزمانِ، الذي هو الماضي، وهذا رأيُ جمهورِ البَصْرِيِّينَ.
الرأيُ الثاني: أنَّ أسماءَ الأفعالِ تَدُلُّ على الألفاظِ المُكَوَّنَةِ هي منها، وهذه الألفاظُ تَدُلُّ على معاني الأفعالِ، وهي الأحداثُ والأَزْمِنَةُ، وهذا رأيٌ يُنْسَبُ إلى سِيبَوَيْهِ ومُتَابِعِيهِ، وارْتَضَاهُ صَاحِبُ البَسِيطِ، وهو الظاهِرُ مِن كلامِ المؤلِّفِ، والفرقُ بينَه وبينَ القولِ الأوَّلِ أنَّ القولَ الأوَّلَ جَعَلَ دَلالةَ لفظِ اسمِ الفعلِ على معنى الفعلِ مباشرةً بغيرِ واسطةٍ.
الرأيُ الثالِثُ: أنَّ أسماءَ الأفعالِ نائبةٌ عن المصادرِ، والمصادرَ نائبةٌ عن الأفعالِ، وهذا رأيُ جماعةٍ من البَصريِّينَ، وهو رأيٌ غيرُ مستقيمٍ من جهتيْنِ:
الأولى: أنَّ المصادِرَ لم تُوضَعْ للدَّلالةِ على الزمانِ، فلو كانَ اسمُ الفعلِ قد وُضِعَ للدلالةِ على المصدرِ لم يَكُنْ دالاًّ على الزمانِ، ولم يَكُنْ منه الماضي والمضارِعُ والأمْرُ.
والجهةُ الثانيةُ: أنَّ المصادِرَ النائبةَ عن الأفعالِ مُعْرَبَةٌ، نحوُ قولِكَ: (ضَرْباً زَيْداً). وقد عَلِمْتَ أنَّ أسماءَ الأفعالِ مَبْنِيَّةٌ.
الرأيُ الرابِعُ: أنَّ هذه الألفاظَ أفعالٌ حقيقيَّةٌ؛ لأنَّها تَدُلُّ على ما يَدُلُّ عليه الفِعْلُ مِن الحَدَثِ والزمانِ، وهو رأيُ جمهورِ الكُوفِيِّينَ، وهو فاسدٌ من عِدَّةِ وُجُوهٍ:
أَحَدُها: أنها لَيْسَتْ على صِيَغِ الأفعالِ المعروفةِ في العربيَّةِ.
وثانيها: أنَّ منها ما يُنَوَّنُ، وقد عَلِمْنَا أن الفعلَ لا يُنَوَّنُ.
وثالثُها: أنَّ منها ما وُضِعَ على حرفيْنِ أصالةً كمَهْ وصَهْ، وقد عَلِمْنا أنه ليسَ لنا فعلٌ وُضِعَ على حرفيْنِ.
ورابِعُها: أنها لا تَتَّصِلُ بها ضمائرُ الرفعِ البارزةُ.
وخامسُها: أنَّ الدالَّ على الأمرِ مِنها لا تَتَّصِلُ به نونُ التوكيدِ.
المبحثُ الثاني: ويَتَضَمَّنُ القولَ في هذه الأسماءِ، أَلَهَا مَوْضِعٌ من الإعرابِ أم لا مَوْضِعَ لها من الإعرابِ؟
وللنحاةِ في ذلك ثلاثةُ أقوالٍ:
الأوَّلُ: أنها لا مَحَلَّ لها من الإعرابِ، وهذا رأيُ الأخفشِ وجماعةٍ، واختارَهُ ابنُ مَالِكٍ، وهذا رأيٌ مَبْنِيٌّ على أنها أفعالٌ حقيقيَّةٌ، أو أسماءٌ لألفاظِ الأفعالِ أو أسماءٌ لمعاني الأفعالِ، وإنْ خَالَفَ في بنائِه على الأخيرِ قومٌ مِن الباحثينَ.
القولُ الثاني: أنها في مَحَلِّ نصبٍ بفعلٍ محذوفٍ، وهذا رأيُ المازِنِيِّ، وهو مَبْنِيٌّ على أنها نائبةٌ عن المصادرِ.
القولُ الثالِثُ: أنها في مَحَلِّ رفعٍ بالابتداءِ، والاسمُ المرفوعُ بعدَها فاعلٌ سَدَّ مَسَدَّ الخبرِ، كما في قولِكَ: (أَقَائِمٌ زَيْدٌ). وجَعَلَ الشيخُ خالدٌ ذلك مَبْنِيًّا على القولِ بأنها دالَّةٌ على معاني الأفعالِ، واسْتَشْكَلَهُ الصَّبَّانُ.

([3]) اخْتَلَفَ النُّحَاةُ في اسمِ الفعلِ، أَيَنْقَاسُ في بعضِ الأبوابِ أم لا يَنْقَاسُ أصلاً؟
فذَهَبَ أبو العَبَّاسِ المُبَرِّدُ إلى أنه لا يَنْقَاسُ في شيءٍ أصلاً، وأنه يَجِبُ أنْ يُقْتَصَرَ منه على ما سُمِعَ من العربِ؛ لأنَّ قِيَاسَه ابْتِدَاعٌ لِمَا لم يُسْمَعْ عن العربِ مِن الأسماءِ، وذَهَبَ غيرُ المُبَرِّدِ إلى أنَّ بابَ نَزَالِ قِيَاسِيٌّ، ووَجْهُه أنه بابٌ واحدٌ كَثُرَ استعمالُ العربِ له على منهجٍ واحدٍ، فلم يَكُنْ ثَمَّةَ ما يَمْنَعُ قياسَ ما لم يَرِدْ على نَهْجِ ما وَرَدَ عنهم منه.
والذين ذَهَبُوا إلى أنَّ هذا البابَ قِيَاسِيٌّ ذَهَبَ جُمْهُورُهم إلى أنه يَنْقَاسُ في كلِّ فعلٍ ثلاثيٍّ تامٍّ مُتَصَرِّفٍ، وأنَّ ما وَرَدَ مخالفاً لشيءٍ مِن هذه الشروطِ فهو شاذٌّ.
فإن كانَ الفعلُ رُبَاعِيًّا أو ثلاثيًّا مَزيداً فيه لم يُبْنَ منه، وشَذَّ قولُ الراجِزِ.
*قالَتْ له رِيحُ الصَّبَا قَرْقَارِ*
لأنَّ الفعلَ قَرْقَرَ، كما شَذَّ قَوْلُهم: (دَرَاكِ)؛ لأنَّ فِعْلَه أَدْرَكَ، وأجازَ ابنُ طَلْحَةَ بِنَاءَه من أَفْعَلَ، وجَعَلَ (دَرَاكِ) مَقِيساً، وجعَلَ هذا نظيرَ إجازةِ سِيبَوَيْهِ ومُتَابِعِيهِ قِيَاسَ فِعْلِ التعجُّبِ مِن أَفْعَلَ، كما ذَهَب الأخفشُ إلى جَوَازِ بِنَائِه مِن نحوِ: (دَحْرَجَ) وجَعَلَ قَرْقَارَ قياساً، فيقالُ – على مذهبِه –: دَحْرَاجِ وقَرْطَاسِ.
وإنْ كانَ الفعلُ جامداً كنِعْمَ وبِئْسَ، أو غَيْرَ تامِّ التصرُّفِ، مثلُ: هَبْ ودَعْ لم يُبْنَ منه، فلا يقالُ: (نَعَامِ)، ولا (وَهَابِ)، ولا وَدَاعِ.
وإنْ كانَ الفعلُ ناقصاً، نحوُ (كانَ)، لم يُبْنَ منه، فلا يقالُ: (كَوَانِ).
ثم اعْلَمْ أنَّ بناءَ هذا البابِ على الكسرِ في لغةِ جمهورِ العربِ، فأمَّا بِنَاؤُه فلِمَا مَرَّ في بابِ المُعْرَبِ والمَبْنِيِّ من أنه أَشْبَهَ الحرفَ شَبَهاً اسْتِعْمَالِيًّا، وأما كونُ بِنَائِه على حركةٍ فلِلتَّخَلُّصِ مِنِ الْتِقَاءِ الساكنيْنِ؛ لأنَّ قبلَ آخِرِهِ ألفاً وهي ساكنةٌ، وأمَّا كونُ هذه الحركةِ كَسْرَةً فلأنَّ هذا هو الأصلُ في التخلُّصِ من التقاءِ الساكنيْنِ، وبنو أَسَدٍ يَفْتَحُونَ آخِرَه اتِّبَاعاً لحركةِ ما قبلَ الألِفِ، وتخفيفاً.

([4]) سورةُ القَصَصِ، الآيةُ: 82.

([5]) 460- هذا الشاهدُ مِن كلامِ رَاجِزٍ مِن بَنِي تَمِيمٍ، ولم يُعَيِّنْ أحدٌ – مِمَّنِ اطَّلَعْنَا على كلامِه – اسْمَه، وما ذَكَرَه المؤلِّفُ بيتٌ مِن الرَّجَزِ المشطورِ، وبعدَه قولُه:
كَأَنَّمَا ذُرَّ عَلَيْهِ الزَّرْنَبُ = أَوْ زَنْجَبِيلٌ وَهْوَ عِنْدِي أَطْيَبُ
اللغةُ: (وا) اسمٌ معناه أَعْجَبُ، (فُوكِ)؛ أي: فَمُكِ، (الأَشْنَبُ) وصفٌ مِن الشَّنَبِ – بفتحِ الشينِ والنونِ جَميعاً – وهو عُذُوبَةُ ماءِ الفَمِ معَ رِقَّةِ الأسنانِ، (الزَّرْنَبُ) نَبْتٌ مِن نَبَاتِ البادِيَةِ طَيِّبُ الرائحةِ.
الإعرابُ: (وا) اسمُ فعلٍ مضارِعٍ بمعنَى أَعْجَبُ، مَبْنِيٌّ على السكونِ، لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تقديرُه أنا، (بِأَبِي) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرٌ مقدَّمٌ، وأبِ مضافٌ وياءُ المتكلِّمِ مضافٌ إليه، (أنتِ) ضميرٌ مُنْفَصِلٌ مبتدأٌ مؤخَّرٌ مَبْنِيٌّ على الكسرِ في مَحَلِّ رفعٍ، (وفُوكِ) الواوُ حرفُ عَطْفٍ مَبْنِيٌّ على الفتحِ لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، فو: معطوفٌ على أنتِ مرفوعٌ بالواوِ نيابةً عن الضمَّةِ؛ لأنَّه من الأسماءِ الستَّةِ، وهو مضافٌ وضميرُ المخاطبَةِ مضافٌ إليه مَبْنِيٌّ على ِالكسر في مَحَلِّ جرٍّ، (الأَشْنَبُ) نَعْتٌ لِفُوكِ مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، وذَهَبَ العَيْنِيُّ إلى أنَّ الواوَ في (وفُوكِ) للاستئنافِ، وفو: مبتدأٌ، وضميرُ المخاطَبَةِ مضافٌ إليه، و(كَأَنَّمَا) كأنَّ: حرفُ تَشْبِيهٍ ونَصْبٍ، وما: كافَّةٌ، (ذُرَّ) فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمجهولِ، (عليه) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بذُرَّ، (الزَّرْنَبُ) نائبُ فاعلِ ذُرَّ، والجملةُ مِن ذُرَّ ونائبِ فاعلِه في مَحَلِّ رفعٍ خبرُ فُوكِ؛ على ما ذَهَبَ إليه العَيْنِيُّ، وتَبِعَه الشيخُ خالِدٌ في التصريحِ، وهو وَجْهٌ مَلِيحٌ لا بأسَ به.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (وا)؛ فإنَّه اسمُ فعلٍ بمعنى أَعْجَبُ.

([6]) 461- نَسَبُوا هذا البيتَ لِرُؤْبَةَ بنِ العَجَّاجِ، ومِنهم مَن نَسَبَه إلى أَبِي النَّجْمِ الفَضْلِ بنِ قُدَامَةَ العِجْلِيِّ، وقد رَوَى أبو زَيْدٍ في نَوَادِرِهِ أَكْثَرَ الأبياتِ التي يَرْوُونَهَا معَ هذا الشاهدِ، ونَسَبَها لأبي الغولِ بعضُ أهلِ اليَمَنِ. وما ذَكَرَه المؤلِّفُ ههنا بيتٌ مِن قِطْعَةٍ رَوَاهَا أبو زَيْدٍ في نَوَادِرِهِ مِن الرَّجَزِ المشطورِ، وبعدَه قولُه:
هي الْمُنَى لَوْ أَنَّنَا نِلْنَاهَا = يَا لَيْتَ عَيْنَاهَا لَنَا وَفَاهَا
بِثَمَنٍ نُرْضِي بِهِ أَبَاهَا = إِنَّ أَبَاهَا وَأَبَا أَبَاهَا
قَدْ بَلَغَا فِي الْمَجْدِ غَايَتَاهَا
الإعرابُ: (وَاهاً) اسمُ فعلٍ مضارِعٍ بمعنى أَعْجَبُ مَبْنِيٌّ على السكونِ لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تقديرُه أنا، (لِسَلْمَى) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بِوَاهاً، (ثُمَّ) حرفُ عَطْفٍ مَبْنِيٌّ على الفتحِ لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، (واهاً) اسمُ فعلٍ مضارِعٍ فاعلُه مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً، كالسابِقِ، والجملةُ توكيدٌ للجملةِ السابقةِ، وقد عُطِفَتْ إحداهما على الأخرى بثُمَّ كما هو الأصلُ في توكيدِ الجملِ، مثلُ قولِهِ تعالى: {كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ}. (وَاهَا) توكيدٌ لاسمِ الفعلِ السابقِ، وليسَ مِن توكيدِ الجملِ لِمَا عَرَفْتَ.
الشاهدُ فيه: قولُه: (وَاهاً) في المواضِعِ الثلاثةِ؛ فإنَّه اسمُ فعلٍ بمعنى أَعْجَبُ.

([7]) ذَكَرُوا من أسماءِ الأفعالِ (وَشْكَانَ) بمعنى قَرُبَ، وفي مَثَلٍ مِن أَمْثَالِهِم: (وَشْكَانَ ذا خُرُوجاً)، وذَكَرُوا أيضاً (سُرْعَانَ) بتثليثِ السينِ بمعنى سَرُعَ، وفي المَثَلِ: (سُرْعَانَ ذا إهالةً)، وذَكَرُوا منه أيضاً: (هَيْتَ) في نحوِ قولِه تعالى: {قَالَتْ هَيْتَ لَكْ}. بمعنى تَهَيَّأْتُ، وذَكَرُوا منه أيضاً (لَعا) بمعنى انْتَعَشَ وارْتَفَعَ.

([8]) سورةُ المائدةِ، الآيةُ: 105، وقد اخْتَلَفَ النُّحَاةُ في الكافِ المتَّصلةِ بعلى، فقالَ ابنُ بابشاذَ: هي حرفُ خِطابٍ فلا مَحَلَّ لها من الإعرابِ. وقالَ الجمهورُ: هي ضميرُ المخاطَبِ. ثمَّ قالَ الفَرَّاءُ: هي في مَحَلِّ رفعٍ على الفاعليَّةِ. وقالَ الكِسَائِيُّ: مَحَلُّها نَصْبٌ على المفعوليَّةِ. وقالَ جمهورُ البَصْرِيِّينَ: مَحَلُّها جَرٌّ. ثمَّ قيلَ: الجرُّ بحرفِ الجرِّ كما كانَ قبلَ النَّقْلِ. وقيلَ: الجرُّ بالإضافةِ؛ لأنَّ (على) اسمٌ للمصدرِ، وهو اللزومُ، والكافَ مضافٌ إليه، فلها مَحَلاَّنِ: جرٌّ بالإضافةِ، ورفعٌ بالفاعليَّةِ.

([9]) قيلَ: وقد يَتَعَدَّى (عليك) بحرفِ الجرِّ، وهو الباءُ، ومنه قولُ الفَرَزْدَقِ:
فعَلَيْكَ بِالحَجَّاجِ لا تَعْدِلْ بِهِ = أَحَداً إِذَا نَزَلَتْ عَلَيْكَ أُمُورُ
ونُوزِعَ في هذه المَقَالَةِ؛ لاحتمالِ أنْ تكونَ الباءُ زائدةً.

([10]) من كلامِ العربِ الذي جاءَ فيه هذا الاستعمالُ قولُ الشاعِرِ:
رُوَيْدَ عَلِيًّا جُدَّ مَا ثَدْيُ أُمِّهِمْ = إِلَيْنَا ولَكِنْ بُغْضُهُمْ مُتَيَامِنُ

([11]) من كلامِ العربِ الذي جاءَ فيه هذا الاستعمالُ قولُ كَعْبِ بنِ مالِكٍ في إِحْدَى رِوَايَتَيْهِ، وتَقَدَّمَ إنشادُه في بابِ المفعولِ المطلَقِ:
نَذَرُ الجَمَاجِمَ ضَاحِياً هَامَاتُهَا = بَلْهَ الأَكُفَّ كأَنَّهَا لم تُخْلَقِ
وكذلك قولُ إبراهيمَ بنِ هَرِمَةَ:
تَمْشِي القُطُوفُ إذا غَنَّى الحُدَاةُ بِهَا = مَشْيَ النَّجِيبَةِ بَلْهَ الجِلَّةَ النُّجُبَا

([12]) 462- هذا الشاهِدُ مِن كَلِمَةٍ لجَرِيرِ بنِ عَطِيَّةَ بنِ الخَطَفِيِّ، وما ذَكَرَه المؤلِّفُ ههنا هو صَدْرُ بيتٍ مِن الطويلِ، وعَجُزُه قولُه:
*وهَيْهَاتَ خِلٌّ بالعَقِيقِ نُوَاصِلُهْ*
ويُرْوَى: (أَيْهَاتَ) في المواضِعِ الثلاثةِ من البيتِ.
الإعرابُ: (هَيْهَاتَ) اسمُ فعلٍ ماضٍ بمعنى بَعُدَ مَبْنِيٌّ على الفتحِ لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، (هَيْهَاتَ) توكيدٌ للأوَّلِ، (العَقِيقُ) فاعلٌ باسمِ الفعلِ الماضي، (ومَن) الواوُ حرفُ عَطْفٍ، مَن: اسمٌ موصولٌ معطوفٌ على الفاعِلِ مَبْنِيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ رفعٍ، (به) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ صِلَةُ الموصولِ، (وهَيْهَاتَ) الواوُ حرفُ عطفٍ، هيهاتَ: اسمُ فِعْلٍ ماضٍ بمعنى بَعُدَ، (خِلٌّ) فاعلُه، (بالعَقِيقِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ صِفَةٌ لخِلٌّ، (نُوَاصِلُهْ) نُوَاصِلُ: فعلٌ مضارِعٌ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تقديرُه نحنُ، وضميرُ الغائبِ العائدُ إلى خِلٌّ مفعولٌ به، والجملةُ في مَحَلِّ رفعٍ صفةٌ ثانيةٌ لِخِلٌّ، أو في مَحَلِّ نَصْبٍ حالٌ مِنه؛ لأنَّه تَخَصَّصَ بالوصفِ بالجارِّ والمجرورِ قبلَ الجملةِ.
الشاهدُ فيه: قولُه: (هَيْهَاتَ العَقِيقُ)؛ فإنَّ قولَه: (هَيْهَاتَ). اسمُ فعلٍ ماضٍ بمعنى بَعُدَ، وقد عَمِلَ اسمُ الفعلِ كما يَعْمَلُ الفعلُ الذي هو بمعناه، ومثلُ ذلك يُقالُ في قَوْلِهِ: (وهَيْهَاتَ خِلٌّ).

([13]) سورةُ النساءِ، الآيةُ: 24.

([14]) 463- هذا الشاهِدُ من كلامِ رَاجِزٍ جَاهِلِيٍّ مِن بَنِي أُسَيْدِ بنِ عَمْرِو بنِ تَمِيمٍ، وقد نَسَبَه الشيخُ خالِدٌ لِجَارِيَةٍ مِن بَنِي مَازِنٍ، والصوابُ ما قَدَّمْنَا، وأنَّ الجارِيَةَ المذكورةَ أَنْشَدَتْهُ، وضَمَّتْ إليه أبياتاً أُخْرَى أمامَ الرسولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما ذَكَرَه المُؤَلِّفُ بَيْتٌ مِن الرَّجَزِ المشطورِ، وبعدَه قولُه:
*إِنِّي رَأَيْتُ الناسَ يَحْمَدُونَكَا*
اللغةُ: (المَائِحُ) هو بالهمزةِ المُنْقَلِبَةِ عن الياءِ، الذي يَنْزِلُ في جَوْفِ البِئْرِ لِيَمْلأَ الدِّلاءَ، وذلك عندَ قِلَّةِ الماءِ، وفِعْلُه (ماحَ يَمِيحُ مَيْحاً)، فأَمَّا الذي يَقِفُ على شَفِيرِ البِئْرِ ويَسْتَخْرِجُ الدِّلاءَ مِن جَوْفِهِ فهو ماتِحٌ بالتاءِ المُثَنَّاة مِن فوقُ، (دَلْوِي) الدَّلْوُ معروفةٌ، (دُونَكَا) معناه: خُذْ.
الإعرابُ: (يا) حرفُ نِداءٍ، (أَيُّهَا) أيُّ: منادًى بحرفِ نداءٍ محذوفٍ مَبْنِيٌّ على الضمِّ في مَحَلِّ نصبٍ، وها: حرفُ تنبيهٍ، (المَائِحُ) نَعْتٌ لأيُّ باعتبارِ لفظِه مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، (دَلْوِي) يَحْتَمِلُ وُجُوهاً من الإعرابِ:
أَحَدُها: أنْ يكونَ مبتدأً، و(دُونَكَا) اسمُ فعلِ أمرٍ بمعنى خُذْ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تقديرُه أنتَ، وله مفعولٌ محذوفٌ يَرْبِطُ جملةَ الخبرِ بالمبتدأِ، والتقديرُ: دُونَكَهُ، والجملةُ في مَحَلِّ رفعٍ خبرُ المبتدأِ.
وثانيها: أنْ يكونَ مفعولاً به لفعلٍ محذوفٍ يُفَسِّرُهُ اسمُ الفعلِ الذي بعدَه، وكأنه قالَ: خُذْ دَلْوِي دُونَكَا.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (دَلْوِي دُونَكَا)؛ فإنَّ ظاهِرَه أنَّ (دَلْوِي) مفعولٌ مُقَدَّمٌ لِدُونَكَا، وهذا الظاهِرُ غيرُ صَحِيحٍ، خِلافاً للكِسَائِيِّ الذي زَعَمَ أنه منصوبٌ باسمِ الفعلِ المذكورِ، وادَّعَى أنَّ اسمَ الفعلِ يَعْمَلُ متأخِّراً كما يَعْمَلُ مُقَدَّماً.

([15]) مِمَّا تَأَوَّلُوهُما به أنَّ المعمولَ – وهم {كِتَابَ اللَّهِ} في الآيةِ، و(دَلْوِي) في بيتِ الشاهدِ – ليسَ معمولاً لاسمِ الفعلِ المتأخِّرِ، بل العامِلُ فيهما – وفي كلِّ ما جاءَ مُمَاثِلاً لهما – فعلٌ محذوفٌ من معنى اسمِ الفعلِ المتأخِّرِ، ففي الآيةِ تقديرُه: (الْزَمُوا كِتَابَ اللهِ عَلَيْكُمْ)، وفي البيتِ تقديرُه: (خُذْ دَلْوِي دُونَكَا)، ولا يجوزُ تقديرُ العاملِ المحذوفِ اسمَ فعلٍ؛ لأنَّ اسمَ الفعلِ – كما لا يَعْمَلُ مُتَأَخِّراً – لا يَعْمَلُ محذوفاً، وقد أَوَّلُوا الآيةَ وَحْدَها بأنَّ قولَه تعالى: {كِتَابَ اللهِ}. مفعولٌ مطلقٌ لفعلٍ محذوفٍ؛ أي: كَتَبَ كتابَ اللهِ عليكم، ومِمَّا أَوَّلُوا به البيتَ أنَّ قولَه: (دَلْوِي) مبتدأٌ، و(دُونَكَا) اسمُ فعلِ أمرٍ فاعلُه مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً، والجملةُ في مَحَلِّ رفعٍ خبرٌ، والعائدُ محذوفٌ، والتقديرُ: (دَلْوِي دُونَكَهُ) كما تقولُ: دَلْوِي خُذْهُ. ووقوعُ خبرِ المبتدأِ جملةً طَلَبِيَّةً جائزٌ سائغٌ عندَ جَمْهَرَةِ النُّحَاةِ، وقد ذَكَرْنَا ذلكَ في شرحِ البيتِ.

([16]) دَيَّارٌ: بفتحِ الدالِ وتشديدِ الياءِ مفتوحةً، معناه أَحَدٌ، وقد وَقَعَ في قَوْلِهِ تعالى: {لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارَا}. وعَرِيبٌ – بفتحِ العينِ، بوزنِ أَمِيرٍ – بمعنى أَحَدٍ أيضاً، وقد وَقَعَ في قولِ عَبِيدِ بنِ الأَبْرَصِ:
*ليسَ بِهَا مِنْهُمُ عَرِيبُ*
وأمَّا أَحَدٌ فله أَرْبَعَةُ استعمالاتٍ:
الأوَّلُ: أنه يكونُ مُرَادِفاً للأوَّلِ، وهذا هو الذي يُسْتَعْمَلُ في العددِ حِينَ تقولُ: (أَحَدَ عَشَرَ) و(أحد وعِشْرُونَ).
الثاني: أنْ يكونَ مُرَادِفاً للواحدِ بمعنى المنفَرِدِ، ومنه الوارِدُ في قَوْلِهِ تعالى: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ}.
الثالِثُ: أنْ يكونَ مُرَادِفاً لإنسانٍ، ومنه الوارِدُ في قَوْلِهِ تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ}. ولا يَخْتَصُّ واحدٌ من هذه المعاني الثلاثةِ بالنفيِ كما رَأَيْتَ.
والرابِعُ: أنْ يكونَ اسماً عامًّا في جميعِ مَن يَعْقِلُ، وهذا هو الذي يَخْتَصُّ بالاستعمالِ في النفيِ، ومنه قولُه تعالى: {فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ}. وكما يَخْتَصُّ بالنفيِ يُلازِمُ التنكيرَ فلا يُسْتَعْمَلُ مُعَرَّفاً إلاَّ شُذُوذاً.

([17]) وقد أَخَذُوا من ذلكَ فِعْلاً فقالوا: جَأْجَأْتُ بالإبلِ. إذا دَعوها لِتَشْرِبَ، ثمَّ لَمَّا كَثُرَ ذلك سَمَّوُا الشرابَ جِيئاً، كما سَمَّوُا البَغْلَ (عَدَسْ) فِيما سَنُنْشِدُكَ إيَّاه، (ص85 الآتية) قالَ الراجِزُ:
وما كانَ عَلَى الهِيءِ = ولا الجِيءِ امْتَدَاحِيكَا
يُرِيدُ: لم يَكُنْ على الطعامِ ولا الشرابِ مَدْحِي إيَّاكَ.

([18]) الذي في صِحَاحِ الجَوْهَرِيِّ: (وِحاء: زَجْرٌ للإبلِ، بُنِيَ على الكسرِ لالتقاءِ الساكنيْنِ، وقد يُقْصَرُ، فإنْ أَرَدْتَ التنكيرَ نَوَّنْتَ فقُلْتَ: حَاءَ وعَاءَ، أبو زيدٍ: يقالُ للمَعْزِ خاصَّةً: حَاحَيْتُ بها حَيْحَاءَ وحَيْحَاءَةً، إذا دَعَوْتَهَا).

([19]) 464-هذا بيتٌ مِن الرَّجَزِ، أو بيتانِ مِن مَشْطُورِهِ، وهذا الشاهِدُ مِمَّا لم أَقِفْ على نِسْبَتِهِ إلى قائلٍ مُعَيَّنٍ.
اللغةُ: (عَاعَيْتُ) الأصلُ في هذه الكلمةِ قَوْلُهم في دُعاءِ الغَنَمِ: (عَا، عَا). بَنَوْا منه فعلاً لِيَقُومَ مَقَامَ قولِ أَحَدِهم: (دَعَوْتُ غَنَمِي)، أو (صِحْتُ بِغَنَمِي، وأَكْثَرْتُ مِن ذلكَ). والمُسْتَعْمَلُ من ذلكَ ما جاءَ في هذا البيتِ، وهو قولُهم: (عَاعَيْتُ). وقد عُلِمَ أنَّ الألِفَ لا تكونُ أصليَّةً غيرَ مُنْقَلِبَةٍ عن حرفِ العِلَّةِ في الفعلِ، إلا أنْ تكونَ زائدةً، كما في: قاتَلْتُ وضَارَبْتُ.
وقد ذَهَبَ سِيبَوَيْهِ – تَبَعاً للخَلِيلِ – إلى أنَّ أصلَ عَاعَيْتُ: عَيْعَيْتُ – بوزنِ دَعْدَعْتُ ودَحْرَجْتُ – فقُلِبَتِ الياءُ الأُولَى المفتوحُ ما قبلَها أَلِفاً، وإنْ كانَتِ الياءُ ساكنةً؛ اكْتِفَاءً بجُزْءِ العِلَّةِ، كما قالُوا: (طَائِيٌّ). في طَيِّئٍ، قالَ سِيبَوَيْهِ: (أَبْدَلُوا الألِفَ بالياءِ لِشَبَهِها بها؛ لأنَّ قولَكَ: عَاعَيْتُ. إنما هو صَوْتٌ بَنَيْتَ مِنه فِعْلاً، كما لو أنَّ رَجُلاً أَكْثَرَ مِن قولِ لا، لجازَ أنْ يقولَ: لاَلَيْتُ، يريدُ: قلتُ: لا، ويَدُلُّكَ على أنها ليسَتْ فَاعَلَتْ قولُهم: الحَيْحَاءُ والعَيْعَاءُ – بالفتحِ – كما قالُوا: الحَاحَاةُ والعَاعَاةُ. فأَجْرَى حَاحَيْتَ وعَاعَيْتَ وهَاهَيْتَ مُجْرَى دَعْدَعْتُ، إذا كُنَّ للتصويتِ). اهـ كلامُه، الغَرَضُ منه إثباتُ أنَّ الألِفَ لَيْسَتْ زائدةً، ولَيْسَتِ الكَلِمَةُ على مثالِ قَاتَلْتُ، ووَجْهُه ما ذَكَرْنَا أَوَّلاً، وذَهَبَ المَازِنِيُّ إلى أنَّ زِنَةَ الكَلِمَةِ كما قالَ الخليلُ وسِيبَوَيْهِ، ولكنَّه زَعَمَ أنَّ أصلَ عَاعَيْتُ عَوْعَوْتُ، فقُلِبَتِ الواوُ الأُولَى أَلِفاً لانفتاحِ ما قبلَها، كما ذَكَرَ سِيبَوَيْهِ في الياءِ، وقُلِبَتِ الواوُ الثانيةُ ياءً لِوُقُوعِها مُتَطَرِّفَةً رابعةً، وما ذَهَبَ إليه سِيبَوَيْهِ والخليلُ في هذه الكَلِمَةِ أَوْلَى؛ لأنَّ الياءَ أقربُ إلى الألِفِ مِن الواوِ.
الإعرابُ: (يا) حرفُ نِدَاءٍ، (عَنْزُ) مُنَادًى مَبْنِيٌّ على الضمِّ في مَحَلِّ نصبٍ، (هذا) ها: حرفُ تَنْبِيهٍ، واسمُ الإشارةِ مبتدأٌ، (شَجَرٌ) خبرُ المبتدأِ، (وماءُ) معطوفٌ عليه، (عَاعَيْتُ) فعلٌ وفاعلٌ، (لو) حَرْفُ تَمَنٍّ لا يَحْتَاجُ إلى جوابِ، (يَنْفَعُنِي) يَنْفَعُ: فِعْلٌ مضارِعٌ مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، والنونُ للوقايةِ، وياءُ المتكلِّمِ مفعولٌ به، (العَيْعَاءُ) فاعلُ يَنْفَعُ، ويجوزُ أنْ تكونَ (لو) شَرْطِيَّةً، وجملةُ (يَنْفَعُنِي) شَرْطَها، وجوابُها محذوفٌ؛ أي: لو يَنْفَعُنِي العَيْعَاءُ لأَكْثَرْتُ مِنه.
الشاهِدُ فيه: أَنْشَدَهُ المؤلِّفُ شاهداً على أنه قد اسْتُعْمِلَ فعلٌ [لعلها: فعلاً] مِن اسمِ الصوتِ الذي هو (عَاعَا)، وهذا الفعلُ هو قولُه: (عَاعَيْتُ)؛ أي: صَوَّتُ، وصِحْتُ بأنْ قُلْتُ: (عَاعَا). وقد اسْتَعْمَلَ الشاعِرُ في البيتِ الفعلَ ومَصْدَرَه كما تَرَى.

([20]) هذا الشاهِدُ مِن كَلِمَةٍ لِيَزِيدَ بنِ مُفَرِّغٍ الحِمْيَرِيِّ، وقد أَنْشَدَ المؤلِّفُ عَجُزَهُ مَرَّتَيْنِ مِن قَبْلُ:
إحداهما: في بابِ الموصولِ.
والثانيةُ: في بابِ الحالِ، وذَكَرْنَا نِسْبَتَه وسَبَبَه في الموضِعِ الأوَّلِ، فارْجِعْ إليه هناك، والذي ذَكَرَه المؤلِّفُ ههنا هو صَدْرُ ذلك العَجُزِ الذي هو قولُه:
* أَمِنْتُ وَهَذَا تَحْمِلِينَ طَلِيقُ *
والشاهِدُ فيه ههنا: قولُه: (عَدَسْ). حيثُ اسْتَعْمَلَه اسمَ صَوْتٍ زَجَرَ به فَرَسَه، وربما اسْتَعْمَلَ بعضُ الشعراءِ كَلِمَةَ (عَدَسْ) اسماً للفرسِ نفسِه؛ كما في قولِ الراجِزِ:
*إذا حَمَلْتُ بِزَّتِي عَلَى عَدَسْ*
والدليلُ على أنَّ (عَدَسْ) في هذا البيتِ اسمٌ للفَرَسِ، وليسَ اسمَ صوتٍ، أنه أَعْمَلَ فيه حرفَ الجرِّ الذي هو على، واسمُ الصوتِ لا يَعْمَلُ في شيءٍ ولا يَعْمَلُ فيه شيءٌ، وسَنَقِفُ على هذا الحُكْمِ في كلامِ المؤلِّفِ.

([21]) 465- هذا الشاهِدُ من كلامِ النابِغَةِ الذُّبْيَانِيِّ، من قصيدةٍ له مشهورةٍ معدودةٍ في المُعَلَّقَاتِ، والذي أَنْشَدَهُ ههنا صدرُ بيتٍ مِن البسيطِ هو مَطْلَعُ القصيدةِ، وعَجُزُهُ قولُه:
*أَقْوَتْ وَطَالَ عَلَيْهَا سَالِفُ الأَمَدِ*
اللغةُ: (العَلْيَاءُ) بفتحِ أَوَّلِهِ وسكونِ ثانيه، ومثلُه (السَّنَدُ) بفتحِ السينِ والنونِ جميعاً: اسْمَا موضعيْنِ، (أَقْوَتْ) خَلَتْ مِن سُكَّانِها وأَصْبَحَتْ قَوَاءً – بفتحِ القافِ – أي: خاليةً من الأَنيسِ، (الأَمَدُ) كالأبدِ: الزمنُ.
الإعرابُ: (يا) حرفُ نِدَاءٍ، (دارَ) مُنَادًى منصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ، وهو مضافٌ و(مَيَّةَ) مضافٌ إليه مجرورٌ بالفتحةِ نِيَابَةً عن الكسرةِ؛ لأنَّه لا يَنْصَرِفُ لِلْعَلَمِيَّةِ والتأنيثِ، (بِالْعَلْيَاءِ) جرٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ حالٌ مِن دارِ مَيَّةَ، (فالسَّنَدِ) الفاءُ حَرْفُ عَطْفٍ، السَّنَدِ: معطوفٌ على العَلْيَاءِ، (أَقْوَتْ) أَقْوَى: فعلٌ ماضٍ، والتاءُ حرفٌ دالٌّ على تأنيثِ المُسْنَدِ إليه، وفاعِلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تقديرُه هي يَعُودُ إلى دارِ مَيَّةَ، (وَطَالَ) الواوُ حرفُ عطفٍ، طالَ: فعلٌ ماضٍ، (عليها) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بطَالَ، (سَالِفُ) فاعلُ طالَ مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، وهو مضافٌ و(الأَمَدِ) مضافٌ إليه مجرورٌ بالكسرةِ الظاهرةِ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (يا دَارَ مَيَّةَ). فإنَّه نِدَاءٌ وخِطَابٌ لِمَا لا يَعْقِلُ، وهو الدارُ، وهو معَ ذلك غيرُ اسمِ صوتٍ، لكونِه لَيْسَ مما يُشْبِهُ اسمَ الفِعْلِ.

([22]) 466-هذا الشاهِدُ مِن كلامِ امْرِئِ القَيْسِ بنِ حُجْرٍ الكِنْدِيِّ، مِن مُعَلَّقَتِهِ المشهورةِ التي تَقَدَّمَ الاستشهادُ بعِدَّةِ أبياتٍ منها في عِدَّةِ مواضِعَ مِن هذا الكتابِ، وما أَنْشَدَهُ المؤلِّفُ صَدْرُ بيتٍ مِن الطويلِ، وعَجُزُهُ قولُه:
*بِصُبْحٍ وَمَا الإِصْبَاحُ مِنْكَ بِأَمْثَلِ*
اللغةُ: (انْجَلِي) انْكَشِفْ، وهذه الياءُ ياءُ الإشباعِ المتولِّدَةُ عن كسرِ اللامِ، (بِأَمْثَلِ) مِن المَثالةِ؛ أي: ليسَ الصبْحُ عندي بأَحْسَنَ حالاً مِنْكَ؛ لأنَّ تَبَارِيحَ الهَوَى وآلامَ العِشْقِ لا تُفَارِقُنِي ليلاً ولا نهاراً.
الإعرابُ: (ألا) أداةُ استفتاحٍ وتَنْبِيهٍ، (أَيُّهَا)، أيُّ: مُنَادًى بحرفِ نداءٍ محذوفٍ، وها: حرفُ تَنْبِيهٍ، (اللَّيْلُ) نَعْتٌ لأيُّ تَبَعاً لِلَفْظِهَا مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، (الطَّوِيلُ) نعتٌ لِلَّيْلِ، (ألا) حرفُ تنبيهٍ يُؤَكَّدُ به الحرفُ السابِقُ، (انْجَلِي) فعلُ أمرٍ مَبْنِيٌّ على حذفِ الياءِ، والكسرةُ قبلَها دليلٌ عليها، والياءُ المحذوفةُ هي لامُ الكلمةِ، أما الياءُ الموجودةُ فهي ياءٌ مزيدةٌ لإشباعِ كسرةِ اللامِ، فافْهَمْ ذلك، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تقديرُه أنتَ، (بِصُبْحٍ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بانْجَلِ، (وما) الواوُ واوُ الحالِ، ما: نافيةٌ، (الإصباحُ) مبتدأٌ أو اسمُ ما النافيةِ، (مِنْكَ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بأَمْثَلِ الآتي، (بِأَمْثَلِ) الباءُ حرفُ جرٍّ زائدٌ، أَمْثَلِ: خبرُ المبتدأِ، أو خبرُ ما النافيةِ مرفوعٌ أو منصوبٌ بضمَّةٍ أو فتحةٍ مُقَدَّرَةٍ مَنَعَ مِن ظُهُورِها اشْتِغَالُ المَحَلِّ بحركةِ حرفِ الجرِّ الزائدِ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (أَيُّهَا اللَّيْلُ)؛ فإنَّه نِدَاءٌ وخِطَابٌ لِمَا لا يَعْقِلُ، وهو الليلُ، وليسَ اسمَ صَوْتٍ؛ لِكَوْنِهِ لا يُشْبِهُ اسمَ الفعلِ.

([23]) مَضَى ذلك في بابِ المُعْرَبِ والمَبْنِيِّ، عندَ القولِ على المَبْنِيِّ من الأسماءِ وتفصيلِ أنواعِ شَبَهِ الحرفِ في سببِ البناءِ، فارْجِعْ إليه هناكَ إنْ شِئْتَ.



  #4  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 05:36 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ألفية ابن مالك للشيخ: علي بن محمد الأشموني


أسْمَاءُ الأفْعَالِ وَالأصْوَاتِ


627- مَا نَابَ عَنْ فِعْلٍ كَشَتَّانَ وصَهٍ = هو اسْمُ فِعْلٍ وَكَذَا أَوَّهُ وَمَهْ
(مَا نَابَ عَنْ فِعْلٍ) فِي العملِ ولمْ يتأثرْ بالعواملِ ولم يَكُنْ فضلةً(كشتانَ وصهٍ هو اسْمُ فعِلٍ، وكَذَا أَوَّهُ وَمَهْ)
فمَا نَابَ عَنْ فِعْلٍ: جِنْسٌ يَشْمَلُ اسْمَ الفعلِ وغيرَهُ، مِمَّا ينوبُ عَنِ الفعلِ، والقيدُ الأوَّلُ ـ وهو لم يتأثرْ بالعواملِ ـ فَصْلٌ يُخْرِجُ المَصْدَرَ الواقعَ بَدَلًا مِنَ اللفظِ بالفعلِ واسْمَ الفاعلِ ونحوَهُمَا، والقيدُ الثانِي ـ وهو لمْ يَكُنْ فضلةً ـ لإخراجِ الحروفِ، فقدْ بانَ لكَ أنَّ قولَهُ كشَتَّانَ تَتْمِيْمٌ للِحْدِّ، فَشَتَّانُ، ينوبُ عَنِ افْتَرَقَ، و"صَهْ" يَنُوبُ عَنِ اسْكُتْ، و"أََوَّهْ": عَنْ أَتَوَجَّعُ، و"مَهْ" عَنْ انْكَفِفْ، وكُلُّهَا لا تتأثرُ بالعواملِ، وليستْ فَضْلَاتٍ لاسْتِقْلَالِهَا.
تنبيهانِ: الأوَّلُ: كونُ هذِهِ الألفاظِ أسماءً حقيقةً هو الصحيحُ الذي عليهِ جُمْهُورُ البصريينِ، وقَالَ بعضُ البصريينَ، إنَّهَا أفعالٌ اسْتُعْمِلَتْ استعمالَ الأسماءِ، وذهَبَ الكوفيونَ إلَى أنَّهَا أفعالٌ حقيقةً، وعلَى الصحيحِ، فالأرجحُ أنَّ مدْلُولَهَا لفظُ الفعلِ لا الحَدَثُ والزمانُ، بلْ تدلُّ على مَا يَدُلُّ على الحدثِ والزمانِ كَمَا أفْهَمَهُ كلامُهُ وقيلَ: لا تدَلُّ علَى الحَدَثِ والزمانِ كالفعلِ لكِنْ بالوضعِ لا بأصلِ الصِّيْغَةِ وقيلَ: مَدْلُولُهَا المصادرُ، وقيلَ: مَا سبَقَ استعمالُهُ فِي ظرفٍ أو مَصْدَرٍ باقٍ عَلَى اسْمِيَّتِهِ كـ "رُوَيْدَ زَيْدًا" و"دُوْنَكَ زَيْدًا" ومَا عَدَاهُ فِعْلٌ كـ "نِزَالِ" و"صَهْ" وقيلَ: هي قِسْمٌ بِرَأْسِهِ يُسَمَّى خَالِفَةَ الفعلِ.
الثانِي: ذَهَبَ كثيرٌ مِنَ النحويينِ مِنْهُمْ الأخفشُ إلى أنَّ أسْمَاءَ الأفعالِ لا موضِعَ لَهَا مِنَ الإعرابِ، وهو مذهبُ المُصَنِّفِ، ونَسَبَهُ بعضُهُم إلى الجمهورِ، وذهبَ المَازِنِيُّ ومَنْ وَافَقَهُ إلَى أنَّها فِي موضعِ نَصْبٍ بِمُضْمَرٍ، ونُقِلَ عنْ سِيْبَوَيْهَ وعنِ الفَارِسِيِّ القولانِ، وذَهَبَ بعضُ النُّحَاةِ إلى أنَّها فِي موضعِ رفعٍ بالابتداءِ وأغْنَاهَا مرفُوعُهَا عنِ الخبرِ كمَا أَغْنَى فِي نحوِ "أَقَائِمٌ الزَّيْدَانِ"
628- وَمَا بِمَعْنَى افْعَلْ، كـ "آَمِيْنَ" كَثُرْ = وغيرُهُ كـ "ويْ وَهَيْهَاتَ" نَزُرْ
(وَمَا بِمَعْنَى افْعَلْ كَآمِيْنَ كَثُرَ) "مَا" موصولٌ مبتدأٌ، وما بَعْدَهُ صِلَتُهُ، و"كَثُرَ": خَبَرُهُ، أيْ: وَرُودُ اسْمِ الفعلِ بمعنَى الأمرِ كثيرٌ، مِنْ ذَلكَ "آمِيْنَ" بمعنَى اسْتَجِبْ و"صَهْ" بمعنَى اسْكُتْ، و"مَهْ" بمعنَى انْكَفِفْ، و"تَيْدَ" و"تَيْدَخَ" بمعنى أَمْهِلْ، و"هَيْتَ، وهَيَا" بمعنَى أَسْرِعْ، و"وَيْهًا" بمعْنَى أَغِرْ، و"إِيْه" بمعنى امضِ في حديثِكَ، و"حَيَّهَلْ" بمعنَى ائْتِ أو أَقْبِلْ أو عَجِّلْ، ومنهُ بابُ "نِزَالِ" وقدْ مَرَّ أنَّهُ مَقِيْسٌ مِنَ الثلاثِيِّ، وأنَّ "قَرْقَار" بمعنَى "قَرْقَرَ" و"عَرْعَارَ" بمعْنَى "عَرْعَرَ" شَاذٌّ.
تنبيهٌ: فِي "آمِيْنَ" لغتانِ: أَمِيْنَ بالقصرِ عَلَى وَزْنِ "فَعِيْل" و"آمِيْنَ" بالمدِّ علَى وَزْنِ "فَاعِيْل" وكلتَاهُمَا مَسْمُوعَةٌ، فمِنَ الأوْلَى قولُهُ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
938- تَبَاعَدَ مِنِّي فَطَحْلٌ وابْنُ أُمِّهِ = أَمِيْنَ فَزَادَ اللهُ مَا بَيْنَنَا بُعْدَا
وَمِنَ الثانيةِ قولُهُ [مِنَ البَسِيْطِ]:
939- يَا رَبِّ لا تَسْلُبَنِّي حُبَّهَا أَبَدًا = وَيَرْحَمُ اللهُ عَبْدًا قَالَ آمِيْنَا
وعَلَى هذِهِ اللغةِ فَقِيلَ: إنَّهُ عَجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ، لأنَّهُ ليسَ فِي كلامِ العربِ "فَاعِيْل" وَقِيْلَ: أصْلُهُ أَمِيْنَ بالقصرِ فأُشْبِعَتْ فتحةُ الهمزةِ فَتَوَلَّدَتْ الألفُ كَمَا فِي قولِهِ [مِنَ الرَّجَزِ]:
940- أقولُ إذْ خَرَّتْ عَلَى الكَلْكَالِ = يَا نَاقَتَا مَا جُلْتِ مِنْ مَجَالِ
قَالَ ابنْ إِيَازٍ: وهذَا أَوْلَى.
(وغيرُهُ كَوَيْ وهَيْهَاتَ نَزَرْ) أيْ: غيرُ مَا هو مِنْ هَذِهِ الأسماءِ بمعنَى فِعْلِ الأمرِ قَلَّ، وذلكَ مَا هو بمعنَى الماضِي كَشَتَّانَ بمعنى افْتَرَقَ، وهَيْهَاتَ بمعنَى بَعُدَ، ومَا هو بِمَعْنَى المضارعِ كأَوَّهْ بمعنَى أتَوَّجَعُ، وأُفٍّ بمعنَى أَتَضَجَّرُ، وَوَيْ وَوَا وَوَاهَا بمعنَى أَعْجَبُ كقولِهِ تَعَالَى:{وَيْ كَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الكافِرونَ} أيْ: أعجبُ لعدمِ فلاحِ الكافرينَ، وقولِ الشاعرِ [مِنَ الرَّجَزِ]:
941- وَا، بِأَبِي أَنْتِ وفُوْكِ الأَشْنَبُ = كَأَنَّمَا ذَرَّ عليهِ الزَّرْنَبُ
وقولِ الآخَرِ [مِنَ الرَّجَزِ]:
وَاهًا لِسَلْمَى ثُمَّ وَاهًا وَاهَا
تنبيهانِ: الأوَّلُ تلْحَقُ "وَيْ" كَافُ الخطابِ، كقولِهِ [مِنَ الكَامِلِ]:
942- وَلَقَدْ شَفَى نَفْسِي وَأَبْرَأَ سُقْمَهَا = قِيْلُ الفَوَارِسِ وَيْكَ عَنْتَرَ أَقْدِمِ.
قيلَ: والآيةُ المذكورةُ، وقولُهُ تَعَالَى: {وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ} مِنْ ذَلكَ، وذَهَبَ أبو عَمْرٍو بْنِ العَلَاءِ إلَى أنَّ الأصلَ وَيْلَكَ، فحذِفَتْ اللامُ لكثرةِ الاستعمالِ.
وفتَحَ أنَّ بفعلٍ مُضْمَرٍ، كَأَنَّهُ قَالَ، وَيْكَ أَعْلَمُ أَنَّ، وَقَالَ قُطْرُبُ، قَبْلَهَا لامُ مُضْمَرٍ، والتقديرُ: وَيْكَ لأِنَّ، والصحيحُ الأَوَّلُ.
قالَ سِيْبَوَيْهُ: سَأَلْتُ الخليلَ عَنِ الآيتينِ فزَعَمَ أنَّها "وَيْ" مَفصولةٌ مِنْ "كَأَنَّ" وَيَدُلُّ علَى مَا قَالَهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ [مِنَ الخَفِيْفِ]:
943- وَيْ كَأَنَّ مَنْ يَكُنْ لَهْ نَشَبٌ يُحْـ = ـبَبْ وَمَنْ يَفْتَقِرْ يَعِشْ عَيْشَ ضُرِّ
الثانِي: مَا ذَكَرَهُ فِي هَيْهَاتَ هو المشهورُ، وذَهَبَ أبو إِسْحَاقَ إلى أنَّهَا اسْمُ بمعنَى البُعْدِ وَأَنَّها فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ فِي قولِهِ تَعَالَى: {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوْعَدُونَ} وَذَهَبَ المُبَرِّدُ إلى أنَّها ظَرْفٌ غيرُ مُتَمَكِّنٍ، وبُنَي لإبْهَامِهِ وتأويلِهِ عِنْدَهُ "في البعدِ" ويفتحُ الحِجَازِيُّونَ َتاءَ هَيْهَاتَ، ويقفون بالهاءِ، ويكسرُهَا تميمٌ، ويقفونَ بالتاءِ، وبعضُهُم يضُمُّهَا، وإذَا ضُمَّتْ فمذهبُ أَبِي عَلِيٍّ أَنَّهَا تُكْتَبُ بالتاءِ.
ومذهبُ ابْنِ جِنِّيٍ أنَّهَا تُكْتَبُ بالهاءِ، وحَكَى الصَّغَانِيُّ فيْهَا سِتًّا وثلاثينَ لُغَةً: هَيُهَاهُ، وأَيْهَاهُ وهَيْهَاتَ، وأَيْهَاتَ، وهَيْهَانَ، وأَيْهَانَ، وكلُّ واحدةٍ مِنْ هَذه الستِّ مضمومةُ الآخِرِ ومفتوحَتُهُ ومَكْسُورَتُهُ وكلُّ واحدةٍ منوَّنَةٌ وغيرُ منونَةٍ، فتلكَ ستٌ وثلاثونَ. وحَكَى غيرُهُ، هَيْهَاكَ وأَيْهَاكَ وأَيْهَاءَ وأَيْهَاهَع، وهَيْهَاءَ وهَيْهَاه اهـ.

629- والفِعْلُ مِنْ أسمائِهِ عَلَيْكَا = وَهَكَذَا دُوْنَكَ مَعْ إِلَيْكَا
(والفعلُ مِنْ أسمائِهِ عَلَيْكَا * وهَكَذَا دُوْنَكَ مَعْ إِلَيْكَا) الفعلُ: مبتدأٌ، ومنْ أسمائِهِ عليكَ، جملةٌ اسميةٌ فِي موضعِ الخبرِ، ودُوْنَكَ أيضًا، مبتدأٌ، خبرُهُ هكَذا، يعنِي أنَّ اسْمَ الفعل عَلَى ضَرْبَيْنِ، أحدُهُمَا: مَا وُضِعَ مِنْ أَوَّلِ الأمرِ كَذَلِكَ كشَتَّانَ وصَهْ، والثانِي: مَا نُقِلَ عَنْ غيرِهِ، وهو نَوْعَانِ، الأوَّلُ مَنْقُولٌ عَنْ ظَرْفٍ أو جَارٍ ومجرورٍ، نحوَ "عليكَ" بمعنى الزمْ، ومنهُ {عَلَيْكُم أَنْفُسَكُمْ} أيْ: الزَمُوا شَأْنَ أنفُسِكُمْ، ودونَكَ زَيْدًا: بمعنَى خُذْهُ، ومكانَكَ: بمعنَى اثْبُتْ، وأمَامَكَ، بمعنَى تَقَدَّمْ، ووراءَكَ: بمعنَى تَأَخَّرْ، وإليكَ: بمعنَى تَنَحَّ.
تنبيهاتٌ: الأوَّلُ قالَ فِي (شَرْحِ الكَافِيَةِ): وَلا يُقَاسُ علَى هَذِهِ الظروفِ غيْرُهَا إلا عِنْدَ الكِسَائِيِّ، أيْ فإنَّهُ لا يُقْتَصَرُ فيها عَلَى السَّمَاعِ، بَلْ يَقِيْسُ عَلَى مَا سَمِعَ مَا لمْ يَسْمَعْ.
الثانِي: قَالَ فِيهِ أيْضًا: لا يُستعملُ هذَا النوعُ أيضًا إلا مُتَّصِلًا بضميرِ المُخَاطَبِ، وشذَّ قولُهُم: عليْهِ رَجُلًا لَيْسَنِي بمعنَى لِيَلْزَمَ، وعَلَي الشيءِ، بمعنَى أَوْلِنِيْهِ، وإِلَيَّ: بمعنَى أتَنَحَّى، وكلامُهُ في (التَّسْهِيْلِ) يقتضِي أنَّ ذلكَ غيرُ شَاذٍّ.
الثالثُ: قالَ فيهِ أيضًا: اخْتُلِفَ فِي الضميرِ المُتَّصِلِ بهذِهِ الكلماتِ، فموضُعُهُ، رَفْعٌ عندَ الفَرَّاءِ: ونصبٍ عندَ الكِسَائِيِّ، وجَرٍّ عندَ البصريينَ، وهو الصحيحُ، لأنَّ الأخْفَشَ روَى عَنْ عربٍ فُصَحَاءَ "عَلَى عَبْدِ اللهِ زيدًا" بِجَرِّ "عَبْدِ اللهِ" فتَبَيَّنَ أنَّ الضميرَ مَجْرُوْرُ الموضعِ لا مرفوعُهُ ولا منصوبُهُ ومعَ ذلكَ فمعَ كُلِّ واحدٍ مِنْ هَذِهِ الأسْمَاءِ ضميْرٌ مُستترٌ مرفوعُ الموضعِ بمُقتضَى الفاعليةِ، فلكَ في التوكيدِ أنْ تقولَ: "عَلَيْكُمْ كُلُّكُمْ زيْدًا" بالجَرِّ توكيدًا للموجودِ المجرورِ، وبالرفعِ توكيدًا للمُسْتَكِنِّ المرفوعِ.
والنوعُ الثانِي: منقولٌ مِنْ مصدرٍ، وهو علَى قسمينِ: مصدرٍ اسْتُعْمِلَ فعلُهُ، ومصدرٍ أُهْمِلَ فِعْلُهُ. وإلى هَذَا النوعِ بقِسْمَيِهِ الإشارةُ بقولِهِ:
630- كَذَا رُوَيْدَا بَلْهَ نَاصِبَيْنِ = ويَعْمَلانِ الخَفْضَ مَصْدَرَيْنِ
(كَذَا رُوَيْدًا بَلْهَ نَاصِبَيْنِ) أيْ ناصبينِ مَا بَعدهُمَا، نحوَ: "رُوَيْدَ زَيْدًا" و"بَلْهَ عَمْرًا" فأمَّا "رويدَ زيْدًا" فأصْلُهُ. أَرْوِدْ زَيْدًا إِرْوَادًا، بمعنَى: أَمْهِلْهُ إِمْهَالًا، ثُمَّ صَغَّرُوا الإرْوَادَ تصغيرَ الترخيمِ وأقَامُوهُ مَقَامَ فِعْلِهِ، وَاسْتَعْمَلوهُ تَارَةً مضافًا إلى مفعولِهِ، فَقَالُوا: "رُوَيْدَ زَيْدٍ" وتَارَةً مُنَوَّنًا نَاصِبًا للمفعولِ، فَقَالُوا: "رُوَيدًا زَيْدًا" ثم إنَّهُم نَقَلُوْهُ وسَمَّوُا بِهِ فِعْلَهُ، فقَالُوا: "رُوَيْدَ زيْدًا" ومنهُ قولُهُ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
944- رُوَيْدَ عَلِيًّا جُدَّ مَا ثَدْيِّ أُمِّهِمْ = إليْنَا، وَلَكِنْ وُدُّهُمْ مُتَمَايْنُ
أنشدَهُ سِيْبَوَيْهُ، والدليلُ عَلَى أَنَّ هَذَا اسْمَ فِعْلٍ كونُهُ مَبْنيًا، والدليلُ علَى بنائِهِ عَدِمُ تنوينِهِ. وأمَّا "بَلْه" فهو فِي الأصلِ مصدرُ فعلٍ مُهْمَلٍ مُرَادِفٍ لِدَعْ واتْرُكْ، فقيلَ فيهِ "بَلْهَ زَيْدٍ" بالإضافةِ إلى مفعولِهِ، كَمَا يُقَالُ: "تَرْكَ زَيْدٍ" ثم قيل: "بله زيدًا" بِنصبِ المفعولِ وبِنَاءِ "بَلْهَ" عَلَى أنَّهُ اسْمُ فِعلٍ، ومنهُ قولُهُ:
بَلْهَ الأكُفَّ كأنَّها لمْ تُخْلَقِ
بِنَصبِ "الأكفَّ" وأشارَ إلى استعمالِهَا الأصليِّ بقولِهِ: (وَيَعْمَلَانِ الخفضَ مصدرينِ) أيْ مُعربينِ بالنصبِ دالينِ عَلَى الطلبِ أيضًا، لَكِنْ لَا عَلَى أَنَّهُمَا اسْمَا فِعْلٍ، بَلْ عَلَى أنَّ كُلًّا منهمَا بَدَلٌ مِنَ اللفظِ بفعلِهِ، نحوَ: "رُوَيدَ زيدٍ" و"بَلْهَ عَمْرٍو" أيْ: إمهالَ زَيْدٍ وتَرْكَ عَمْرٍو، وَقَدْ رُوِيَ قولُهُ: "بَلْهَ الأَكُفِّ" بالجَرِّ عَلَى الإضافةِ، فرُوَيْدَ: تُضَافُ إِلَى المفعولِ كَمَا مَرَّ، وإلى الفاعلِ، نَحْوَ: "رُوَيْدَ زَيْدٍ عَمْرًا" وأمَّا "بَلْهَ" فإضافَتُهَا إلَى المفعولِ كَمَا مَرَّ، وقالَ أبو عَلِىٍّ: إلى الفاعلِ، ويجوزُ فيها حينئذٍ القَلْبُ، نحوَ: "بَهْلَ زَيْدٍ" رَوَاهُ أبو زَيْدٍ، ويجوزُ فيها حينئذٍ التنوينُ ونصبُ مَا بعدَهُمَا بهِمَا، وهو الأصلُ فِي المصدرِ المضافِ، نحوَ: "رُوَيْدًا زَيْدًا" و"بَلْهًا عمرًا" وَمَنَعَ المُبَرِّدُ النصبَ بِرُوَيْدٍ، لكونِهِ مُصَغَّرًا.
تنبيهاتٌ: الأوَّلُ: الضميرُ فِي "يَعْمَلانِ" عائدٌ عَلَى "رُوَيْدٍ" و"بَلْه" في اللفظِ لا فِي المعنَى، فإنَّ "رُوَيْد" و"بَلْهَ" إذا كَانَا اسْمَي فِعْلٍ غيرَ (رُوَيْد) و"بَلْه" المصدرينِ فِي المعنَى.
الثانِي: إذَا قُلْتَ: "رُوَيْدَكَ وبَلْهَ الفَتَى" احْتُمِلَ أنْ يكونَ اسْمَي فعلٍ، ففَتْحَتُهُمَا فتحةُ بِنَاءٍ والكافُ مِنْ "رُوَيْدَكَ" حرفُ خِطَابٍ لا موضعَ لها مِنَ الإعرابِ مِثْلُهَا فِي "ذَلِكَ"، وأنْ يكونَا مصدرينِ ففتحتُهُمَا فَتْحَةُ إِعْرَابٍ، وحينئذٍ فالكافُ فِي (رُوَيْدَكَ) تَحْتَمِلُ الوجهينِ، أنْ تكونَ فاعِلًا، وأنْ تكونَ مفعولًا.
الثالثُ: تَخْرُجُ "رُوَيْد" و"بَلْه" عنِ الطَّلبِ، فأمَّا "بَلْهَ" فتكونُ اسْمًا بمعنَى "كيفَ"، فيكونُ مَا بعدَهَا مَرْفُوعًا، وقدْ رُوِيَ "بَلْهَ الأكفَّ" بالرفعِ أيضًا، ومِمَّنْ أجَازَ ذلكَ قُطْرُبٌ وأبو الحَسَنِ، وأنْكَرَ أبو عَلِيٍّ الرفعَ بعدَهَا، وفِي الحَدِيْثِ: "يقولُ اللهُ تَبَارَكَ وتَعَالَى أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِيْنَ مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، ذُخْرًا مِنْ بَلْهِ مَا أُطْلُعْتُمْ عَلَيْهِ" فَوَقَعَتْ مُعْرَبَةً مجرورةً بـ "مِنْ" وخارجةً عنِ المَعانِي المذكورةِ، وفسَّرَهَا بعضُهُمْ بـ "غيرِ" وهو ظاهرُ، وبهذَا يَتَقَوَّى مَنْ يُعِدُّهَا مِنْ ألفاظِ الاستثناءِ، وهو مذهبٌ لبعضِ الكوفيينَ، وأمَّا "رُوَيْدَ" فتكونُ حَالًا، نحوَ: "سَارُوا رُوَيْدًا" فقيلَ: هو حالٌ مَنَ الفاعلِ أيْ: مُرْوِدِيْنَ، وقيلَ: مِنْ ضميرِ المصدرِ المحذوفِ، أيْ: سَارْوهُ أيْ السَّيْرُ رُوَيْدًا، وتكونُ نعتًا لمصدرٍ ِإمَّا مذكورٍ نحوَ: "سَارُوا سَيرًا رُوَيْدًا" أو محذوفٍ نحوَ: "سَارُوا رُوَيدًا" أيْ: سيْرًا رُوَيْدًا.

631- وَمَا لِمَا تنوبُ عَنْهُ مِنْ عَمَلْ = لَهَا، وَأَخِّرْ مَا لِذِي فِيْهِ العَمَلْ
(ومَا لِمَا تنوبُ عنهُ مِنْ عَمَلْ لَهَا) مَا: مبتدأٌ موصولٌ صلتُهُ "لِمَا"، و"مَا" مِنْ "لِمَا" موصولٌ أيضًا صلتُهُ "تنوبُ"، و"عنهُ"، و"مِنْ عَمَلْ" متعلقانِ بِتَنُوبُ، و"لَهَا" خبرُ المبتدأِ، والعائدُ علَى مَا الأُوْلَى ضميرٌ مستترٌ في الاستقرارِ، الذِي هو متعلِّقُ اللامِ مِنْ "لِمَا" والعائدُ عَلَى "مَا" الثانيةِ الهَاءُ مِنْ "عَنْهُ".
يعنِي أنَّ العملَ الذي اسْتَقَرَّ للأفعالِ التي نَابَتْ عَنْهَا هذهِ الأسماءُ مُسْتَقِرٌّ لهَا، أيْ: لهِذِهِ الأسماءِ، فَتَرْفَعُ الفاعلَ ظاهِرًا في نحوِ: "هَيْهَاتَ نَجْدٌ وشَتَّانَ زَيْدٌ وعَمْرٌو" لِأَنَّكَ تقولُ: بَعُدَتْ نَجْدٌ، وافترقَ زَيْدٌ وعمرٌو، ومُضمرًا فِي نحوِ: "نِزَالِ"، ويَنْصِبُ منْهَا المفعولَ مَا نَابَ عَنْ مُتَعَدٍّ، نحوَ: "دِرَاكَ زَيْدًا" لأنَّكَ تقولُ: أدْرِكْ زيْدًا، ويَتَعَدَّى منهَا بحرفٍ مِنْ حروفِ الجَرِّ مَا هو بمعنَى مَا يَتَعَدَّى بذلكَ الحرفِ، ومِنْ ثَمَّ عَدَّى "حَيَّهَلْ" بنفسِهِ لمَّا نَابَ عَنْ "ائْتِ" فِي نحوِ: "حَيَّهِلِ الثَّرِيْدَ" وبالباءِ لمَا نَابَ عَنْ "عَجِّلْ" في نحوِ: "إذَا ذُكِرَ الصَّالِحُونَ فحَيَّهِلًا بِعُمَرَ" أيْ: فَعَجِّلُوا بِذِكْرِ عُمَرَ، وبـ "عَلَي" لِمَا نَابَ عنْ "أقْبَلَ" فِي نحوِ: "حَيَّهِلْ عَلَى كَذَا".

تنبيهاتٌ: الأَوَّلُ: قالَ فِي (التَّسْهِيْلِ): وَحُكْمُهَاـ يعنِي أسماءَ الأفعالِ ـ غَالبًا فِي التَّعَدِّي واللزومِ حكمُ الأفعالِ، واحترزَ بقولِهِ: "غَالبًا" عنْ "آمينَ" فَإِنَّها نَابَتْ عَنْ مُتَعَدٍّ ولمْ يُحْفَظْ لها مفعولٌ.
الثانِي: مذهبُ النَّاظِمِ جوازُ إعمالِ اسْمِ الفعلِ مُضْمَرًا، قَالَ فِي (شَرْحِ الكَافِيَةِ)، إنَّ إضْمَارَ اسْمِ الفعلِ مُقَدَّمًا لدلالةِ مُتَأَخِّرٍ عليهَ جائزٌ عندَ سَيْبَوَيْهَ.
الثالثُ: قالَ فِي (التَّسْهِيْلِ): وَلا عَلَامَةَ للمُضْمَرِ المُرْتَفِعِ بِهَا، يعنِي بأسماءِ الأفعالِ: ثُمَّ قالَ: وَبُرُوْزُهُ مَعَ شَبَهِهَا فِي عدمِ التصرفِ، دليلٌ عَلَى فِعْلِيَّتِهِ، يعنِي كمَا فِي "هَاتِ" و"تعَالَ" فَإِنَّ بعضَ النحويينَ غَلَطَ فعدَّهُمَا مِنْ أسماءِ الأفعالِ، وليْسَا مِنْهَا، بَلْ هُمَا فِعْلَانِ غيرُ مُتَصَرَّفَيْنِ، لوجوبِ اتصالِ ضميرِ الرفْعِ البارزِ بِهِمَا، كقولِكَ للأنثَى، "هَاتِي" و"تَعَالَيْ"، وللاثنينِ والاثنتينِ "هاتِيَا" و"تَعَالَيَا" وللجماعتينِ "هَاتُوا" و"تَعَالُوا" و"هَاتَين" و"تَعَالَيْن" وهَكَذَا حُكْمُ "هَلُمَّ" عندَ بنِي تَمِيْمٍ، فإنَّهُمْ يقولونَ: هَلُمَّ، وهَلُمِّي، وهَلُمَّا، و"هَلُمُّوا"، و"هَلْمُمْنَ، فَهِي عندَهُم فِعْلٌ لا اسْمُ فعلٍ، ويدلُّ علَى ذَلِكَ أنَّهُمْ يؤكِّدُونَهَا بالنونِ نحوَ: "هَلُمَّنَّ".
قالَ سِيْبَوَيْهُ وقدْ تَدْخُلُ الخفيفةُ والثقيلةُ، يعنِي عَلَى "هَلُمَّ" قَالَ: لِأَنَّها عندهم بمنزِلَةِ رُدَّ، ورَدَّا ورُدِّي، ورُدُّوا، وارْدُدْنَ، وقدِ اسْتَعْمَلَ لَهَا مُضَارِعًا مَنْ قِيلَ لَهُ: هَلُمَّ، فقَالَ: "لَا أَهَلُمُّ" وأمَّا أهلُ الحِجَازِ فيقولونَ "هَلُمَّ" فِي الأحوالِ كُلِّها، كغيرِهَا مِنْ أسماءِ الأفعالِ، وقَالَ اللهُ تَعَالَى {قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمْ} {والقائِلِيْنَ لإخوانِهِمْ هَلُمَّ إلَيْنَا} وهي عندَ الحِجَازِيِّينَ بمعنَى احْضرْ، وتأتِي عندَهُم بمعنَى أَقْبِلْ.
(وأَخِّرْ مَا لِذِي) الأسماءِ (فيهِ العملْ) وجوبًا، فلا يجوزُ "زيْدًا دِرَاكِ" خلافًا للكِسَائِيِّ قالَ النَّاظِمُ، ولا حُجَّةَ لَهُ فِي قَوْلِ الرَّاجِزِ:
945- يَا أَيُّهَا المَاِئحُ دَلْوِي دُوْنَكَا = إِنِّي رَأَيْتُ الناسَ يَحْمِدُوْنَكَا
لصِحَّةِ تقديرِ "دَلْوِي" مبتدأً أو مفعولًا بِدُوْنَكَ مُضْمَرًا، ثُمَّ ذَكَرَ ْمَا تَقَدَّمَ عنْ سِيْبَوَيْهَ وَيَأْتِي هَذَا التأويلُ الثانِي فِي قولِهِ تَعَالَى: {كِتَابَ اللهِ عَلَيْكُمْ}.
تنبيهاتٌ: الأوَّلُ: ادَّعَى النَّاظِمُ وَوَلَدُهُ أنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ فِي هَذِهِ المَسْأَلةِ سِوَى الكِسَائِيِّ وَنَقَلَ بعضُهُمْ ذلكَ عَنِ الكُوفيينَ.
الثانِي: تَوَهَّمَ المَكُودِيُّ أنَّ "لِذِي" اسْمٌ موصولٌ فَقَالَ: والظاهرُ أنَّ مَا فِي قولِهِ: "مَا لِذِي فيهِ العملْ" زَائِدَةٌ ولا يجوزُ أنْ تكونَ موصولةً، لأنَّ "لذِي" بعدَهَا موصولةٌ، وليسَ كذلكَ، بلْ "مَا" موصولةٌ، و"لذِي" جارٌ ومجرورٌ فِي مِوْضِعِ رَفْعٍ خبرٌ مقدمٌ، والعملْ: مبتدأٌ مؤخرٌ، والجملةُ صلةُ "مَا".
الثالثُ: ليسَ فِي قولِهِ (العملْ) معَ قولِهِ (عَمَلْ) إِبْطَاءٌ، لأنَّ أحدُهُمَا نكرةٌ والآخَرُ معرفةٌ، وقدْ وقعَ ذلكَ للناظمِ فِي مواضعِ مِنْ هَذَا الكتابِ.
632- واحْكُمْ بتنكيرِ الذِي يُنَوَّنُ = مِنْهَا، وتَعْرِيْفُ سِوَاهُ بَيِّنُ
(واحْكُمْ بتنكيرِ الذِي يُنَوَّنُ مِنْهَا) أيْ: مِنْ أسماءِ الأفعالِ (وتعريفُ سواهُ) أيْ: سِوَى المُنَوَّنِ (بَيِّنُ) قالَ الناظمُ فِي (شَرْحِ الكَافِيَةِ): لمَّا كانتْ هذِهِ الكلماتُ مِنْ قِبَلِ المَعْنَى أفعالًا
وَمِنْ قِبَلِ اللفظِ أسماءٌ جُعِلَ لها تعريفٌ وتنكيرٌ، فعلامةُ تعريفِ المعرفةِ منْهَا تجرُّدُهُ مِنَ التنوينِ، وعلامةُ تنكيرِ النكرةِ مِنْهَا اسْتِعْمَالُهُ مُنَوَّنًا، ولمَّا كانَ مِنَ الأسماءِ المَحْضَةِ مَا يُلَازِمُهُ التعريفُ كالمُضْمَرَاتِ، وأَسْمَاءِ الإشاراتِ، وَمَا يُلَازِمْ التنكيرَ كأحدٍ وعَرَيْبٍ وَدَيَّارٍ، ومَا يُعَرَّفُ وقتًا ويُنَكَّرُ وقتًا كَرُجِلٍ وفَرَسٍ، جعَلُوا هَذِهِ الأسماءَ كذلكَ، فألزمُوا بعْضًا التعريفَ كـ "نِزَالِ" و"بَلْهَ" و"آمِيْنَ" وألْزَمُوا بعضًا التنكيرَ كـ "وَاهًا" و"وَيْهًا" واستعملُوا بعضًا بوجهينِ، فَنُوِّنَ مقصودًا تنكيرُهُ وجُرِّدَ مقصودًا تعريفُهُ، كـ "صَهْ وصَهٍ" و"أُفِّ وأُفٍّ" انتَهَى.
تنبيهٌ: مَا ذَكَرَهُ الناظمُ هو المشهورُ، وذهبَ قومٌ إلى أنَّ أسماءَ الأفعالَ كُلَّهَا معارفٌ ـ مَا نُوِّنَ منها ومَا لم يُنَوَّنْ ـ تعْرِيْفُ عَلَمِ الجِنْسِ.
633- (وَمَا بِهِ خُوْطِبَ مَا لا يَعْقِلُ = مِنْ مُشْبِهِ اسْمِ الفعلِ صَوْتًا يُجْعَلُ)
634- (كَذَا الذِي أَجْدَى حِكَايَةً، كـ (قَبْ) = والزمْ بِنَا النَّوْعَيْنِ فهو قَدْ وَجَبْ
أيْ: أسماءُ الأصواتِ: مَا وُضِعَ لخطابِ مَا لا يَعْقِلُ، أو مَا هو فِي حُكْمِ مَا لا يَعْقِلُ مِنْ صِغَارِ الآدَمِيِّيْنَ، أو لِحِكَايَةِ الأصواتِ، كَذَا فِي (شَرْحِ الكَافِيَةِ)، فالنوعُ الأوَّلُ إمَّا زَجْرٌ كـ "هَلًا للخيلِ) ومنهُ قولُهُ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
946- أَعَيَّرُتَنِي دَاءً بِأُمِّكَ مِثْلُهُ = وَأَيُّ جَوَادٍ لَا يُقَالُ لَهُ هَلَا
و "عَدَسْ للبغلِ" ومنهُ قولُهُ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
عَدَسُ مَا لِعَبَّادٍ عَليكِ إِمَارةٌ = نَجَوْتِ وهَذَا تَحْمِلِيْنَ طَلِيْقُ
و "كِخْ" للطفلِ، وفِي الحديثِ "كَخْ كَخْ فَإنَّهَا مِنَ الصَّدَقَةِ" وهَيْدَ، وهَادَ، ودَهْ، وَجَهْ، وعَاهٍ، وعَيهِ، للإِبِلِ، وعَاجِ وهَيْجِ، وحَلْ، للناقةِ. وإِسَّ وهِسَّ، وهَجْ، وقَاعِ للغَنَمِ،ـ وهَجَا وهَجٍ للكلبِ، وسَعْ للضَّأْنِ، ووَحْ للبقرةِ، وعَزْ وعَيْزَ للعَنْزِ، وحَرِّ للحمارِ، وجَاهِ للسَّبُعِ، وإمَّا دُعَاءً كأَوْ للفرسِ، ودَوْهِ للرَّبْعِ، وعَوْهِ للجَحْشِ وبُسْ للغنمِ، وجَوْتَ وجِيءْ للإبلِ المُوْرَدَةِ، وتُؤْ وتَأْ للتَّيْسِ المُنْزَيِّ، ونَخْ مُخَففًا ومُشَددًا للبعيرِ المُنَاخِ، وهِدَعْ لصغارِ الإِبِلِ المُسْكَنَةِ، وسَأْوَ تُشُوءْ للحِمَارِ المُوْرَدِ، ودَجْ للدَّجَاجِ، وقُوس للكلبِ.
النوعُ الثانِي كـ "غَاق" للغُرَابِ، وماء‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌ٍ ـ بالإِمَالةِ ـ للظَّبْيَةِ، وشِيْبِ لشُرْبِ الإِبِلِ، وعِيْطِ للمتلاعبينِ وطِيْخِ للضَّاحِكِ، وطَاقِ للضَّرْبِ، وطَقْ لوقعِ الحِجَارَةِ وقَبْ لوقعِ السَّيْفِ، وخَاقِ بَاقِ للنِّكَاحِ، وقَاشِ مَاشِ للقُمَاشِ.
تنبيهٌ: قولُهُ "مِنْ مُشْبِهِ اسْمِ الفِعْلِ" كَذَا عَبَّرَ بِهِ أيضًا فِي (الكَافِيَةِ)، ولمْ يذكرْ في شَرْحِهَا مَا احْتَرَزَ بِهِ عَنْهُ. قالَ ابْنُ هِشَامٍ فِي التَّوُضِيْحِ: وهو احْتِرَازٌ مِنْ نَحْوِ قولِهِ [مِنَ البَسِيْطِ]:
947- يَا دَارَ مَيَّةَ بالعَلْيَاءِ فَالسَّنَدِ = أَقْوَتْ وَطَالَ عَلَيْهَا سَالِفْ الأَمَدِ
وقولُهُ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
948- ألا أَيُّهَا الليلُ الطَّوِيْلُ ألَا انْجَلِي = بِصُبْحٍ ومَا الإصباحُ منكَ بِأَمْثَلِ
انْتَهَى.
(والْزَمْ بِنَا النَّوْعَيْنِ فَهْوَ قَدْ وَجَبْ) يُحْتَمَلُ أنْ يُرِيْدَ بالنوعينِ أسماءَ الأفعالِ والأصواتِ،ـ وهو ما صَرَّحَ بِهِ فِي (شَرْحِ الكَافِيَةِ)، ويُحْتَمَلُ أنْ يُريدَ نَوْعَيْ الأصواتِ، وهو أَوْلَى، لأنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ الكلامُ علَى أسماءِ الأفعالِ فِي أوَّلِ الكتابِ.
وعلةُ بِنَاءِ الأصواتِ مشابهتُهَا الحروفِ المُهْمَلَةِ فِي أنَّهَا لا عاملةَ ولا معمولةَ، فَهِيَ أحَقُّ بالبناءِ مِنْ أسماءِ الأفعالِ.
تنبيهٌ: هذِهِ الأصواتِ لا ضميرَ فِيْهَا، بِخِلَافِ أسماءِ الأفعالِ، فَهِي مِنْ قَبِيْلِ المفرداتِ، وأسماءُ الأفعالِ مِنْ قَبِيْلِ المُرَكَّبَاتِ.
خاتِمَةٌ: قَدْ يُعْرَبُ بعضُ الأصواتِ لوقوعِهِ موقعَ مُتَمَكِّنٍ، كقولِهِ [مِنَ الرَّجَزِ]:
949- قَدْ أَقْبَلَتْ عَزَّةُ مِنْ عِرَاقِهَا = مُلْصَقَةَ السَّرْجِ بِخَاقِ بَاقِهَا
أيْ: بِفَرْجِهَا وقولِهِ [مِنَ الرَّجَزِ]:
950- وَلَوْ تَرَى إذْ جُبَّتِي مِنْ طَاقِ = ولِمَّتِي مِثْلُ جَنَاحِ غَاقِ
أيْ: غُرَابُ، ومنهُ قولُ ذِي الرُّمَّةِ [مِنَ +الطويل]:
951- تَدَاعَيْنَ باسْمِ الشَّيْبِ فِي مُتَثَلَّمِ = جَوَانِبُهُ مِنْ بَصْرَةٍ وَسَلَامِ
وقولُهُ أيضًا [مِنَ البَسِيْطِ]:
952- لا يَنْعَشُ الطَّرْفَ إِلَّا مَا يَخُوْنُهُ = دَاعٍ يُنَادِيْهِ باسْمِ المَاءِ مَبْغُومُ
فالشَّيْبُ: صوتُ شُرْبِ الإِبِلِ، والماءُ: صوتُ الظَّبْيَةِ كَمَا مَرَّ، اهـ واللهُ أَعْلَمُ.

  #5  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 05:37 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان


أسْمَاءُ الأْفْعَالِ وَالأَصْوَاتِ

تَعْرِيفُ اسمِ الفعْلِ وأقسامُهُ
627- مَا نَابَ عَنْ فِعْلٍ كَشَتَّانَ وَصَهْ = هُوَ اسْمُ فِعْلٍ وَكَذَا أَوَّهْ وَمَهْ
628- وَمَا بِمَعْنَى افْعَلْ كَآمِينَ كَثُرْ = وغَيْرُهُ كَوَيْ وَهَيْهَاتَ نَزُرْ
اسمُ الفعْلِ: ما نابَ عن الفعْلِ في المعنى والعملِ ولم يَتَأَثَّرْ بالعواملِ؛ نحوُ: صَهْ إذا تَكَلَّمَ غَيْرُكَ. فـ(صَهْ): اسمُ فعلٍ مُتَضَمِّنٌ معنى فعْلِ الأمْرِ (اسْكُتْ)، ويَعملُ عمَلَهُ، فالفاعلُ ضميرٌ مُستَتِرٌ وُجوباً تقديرُهُ: أنتَ، ولا يَتأثَّرُ بالعوامِلِ، فلا يكونُ مُبتدأً ولا خبراً ولا فاعلاً ولا غيرَ ذلكَ.
وهذا القَيْدُ يُخْرِجُ المصدَرَ النائبَ عنْ فِعْلِهِ؛ نحوُ: إِكْرَاماً المسكينَ؛ فإنَّهُ نائبٌ عنْ فِعْلِهِ في المعنى والعملِ، لكنَّهُ يَتَأثَّرُ بالعواملِ، فيَقَعُ فاعِلاً نحوُ: سَرَّنِي إكْرَامُكَ المسكينَ، أوْ مُبتدأً نحوُ: إِكْرَامُكَ المسكينَ تُثابُ عليهِ، أوْ غيرَ ذلكَ.
واسمُ الفعْلِ مِنْ حَيْثُ زَمَنُهُ ثلاثةُ أقسامٍ:
1- اسمُ فعْلِ أمْرٍ: وهوَ الكثيرُ فيها؛ نحوُ: عَلَيْكَ نفْسَكَ فهَذِّبْهَا. فـ(عليكَ): اسمُ فعْلِ أمْرٍ بمعنى (الْزَمْ) مَبنيٌّ على الفَتْحِ، والفاعِلُ ضميرٌ مُستَتِرٌ وُجوباً تقديرُهُ: أنتَ، (نفْسَكَ): مفعولٌ بهِ لاسمِ الفعْلِ منصوبٌ بالفتحةِ، والكافُ: مُضافٌ إليهِ.
ومِنْ هذا القِسْمِ نوعٌ قِياسيٌّ مُطَّرِدٌ على وزْنِ (فَعَالِ) مَبنيًّا على الكَسْرَةِ مِنْ كُلِّ فِعْلٍ ثُلاثيٍّ تامٍّ مُتَصَرِّفٍ؛ نحوُ: سَمَاعِ النُّصْحَ. وقدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ في بابِ (أَسْمَاءٌ لازَمَت النِّدَاءَ).
2- اسمُ فعْلٍ ماضٍ: وهوَ سَمَاعِيٌّ وقَلِيلٌ؛ نحوُ: شَتَّانَ الشَّجَاعَةُ والجُبْنُ. فـ(شَتَّانَ): اسمُ فعْلٍ ماضٍ بمعنى (افْتَرَقَ) مَبنيٌّ على الفتْحِ، (الشجاعةُ): فاعِلٌ.
3- اسْمُ فعْلٍ مضارِعٍ: وهوَ سَماعيٌّ وقليلٌ كالذي قبلَهُ؛ نحوُ: وَيْ لِشَبَابٍ لا يَعْمَلُ. فـ(وَي): اسمُ فعْلٍ مُضارِعٍ بمعنى (أَعْجَبُ) مَبنيٌّ على السُّكُونِ لا مَحَلَّ لهُ، والفاعِلُ ضميرٌ مُستَتِرٌ وُجوباً تقديرُهُ: أَنَا. ومنهُ قَوْلُهُ تعالى: {وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}.
وهذا معنى قولِهِ: (ما نَابَ عنْ فِعْلٍ كَشَتَّانَ وَصَهْ.. إلخ)؛ أيْ: أنَّ اسْمَ الفِعْلِ هوَ ما نَابَ عن الفعْلِ. وَبَقِيَّةُ التعريفِ يُستفادُ مِن الأَمْثِلَةِ؛ كَـ(شَتَّانَ): اسمُ فعلٍ ماضٍ بمعنى: افْتَرَقَ. و(صَه): اسْمُ فِعْلِ أمْرٍ بمعنى: اسكُتْ. وَ(أُوَّه): اسمُ فعْلٍ مُضَارِعٍ، بمَعْنَى: أَتَوَجَّعُ. وَ(مَه): اسْمُ فِعْلِ أمْرٍ بمعنى: اكْفُفْ.
ثمَّ ذَكَرَ أنَّ اسمَ فِعْلِ الأمْرِ الذي بمعنى (افْعَلْ) كثيرٌ في كلامِ العرَبِ، وكَفَى بِكَثْرَتِهِ أنَّ منهُ نوعاً مَقِيساً. أمَّا الذي بمعنى غيرِ (افْعَلْ) كالَّذِي بمعنى الماضِي أو المضارِعِ فهوَ قليلٌ، وهوَ سَمَاعِيٌّ ليسَ منهُ شَيْءٌ مَقِيسٌ.

أَسْمَاءُ الأَفْعَالِ المَنْقُولَةِ
629- وَالْفِعْلُ مِنْ أَسْمَائِهِ عَلَيْكَا = وَهكَذَا دُونَكَ مَعْ إلَيْكَا
630- كَذَا رُوَيْدَ بَلْهَ نَاصِبَيْنِ = وَيَعْمَلانِ الْخَفْضَ مَصْدَرَيْنِ
اسمُ الفعْلِ مِنْ حيثُ الوضْعُ والأصالةُ في الدَّلالةِ على الفعْلِ نَوْعَانِ:
الأوَّلُ: مُرْتَجَلٌ، وهوَ ما وُضِعَ مِنْ أوَّلِ الأمْرِ اسمَ فعْلٍ، ولم يُستعمَلْ في غيرِهِ مِنْ قَبْلُ، مِثلُ: هَيْهَاتَ، شَتَّانَ، وَيْ، صَهْ.
الثاني: منقولٌ، وهوَ ما وُضِعَ أوَّلَ الأمْرِ لِمَعْنًى ثمَّ نُقِلَ إلى اسمِ الفعْلِ، وهوَ أقسامٌ:
1- منقولٌ مِن الجارِّ والمجرورِ؛ مثلُ: عَلَيْكَ بمعنى: الْزَمْ، إليكَ بمعنى: ابتَعِدْ وتَنَحَّ. تقولُ: عَلَيْكَ نفْسَكَ، إِلَيْكَ عَنِّي أيُّها الكذَّابُ. فـ(عليكَ وإليكَ): اسمُ فعْلِ أمْرٍ مَبنيٌّ على الفتْحِ لا مَحَلَّ لهُ، والفاعلُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ وُجوباً تقديرُهُ: أنتَ.
2- منقولٌ مِنْ ظَرْفِ المكانِ، مثلُ: أَمَامَكَ بمعنى: تَقَدَّمَ، ودُونَكَ بمعنى: خُذْ. تقولُ: دُونَكَ الكتابَ. فـ(دُونَكَ): اسمُ فعْلِ أمْرٍ بمعنى: خُذْ، والفاعلُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ وُجوباً تقديرُهُ: أنتَ، و(الكتابَ): مفعولٌ بهِ.
3- منقولٌ مِنْ مَصْدَرٍ، وهوَ نوعانِ:
1- منقولٌ مِنْ مَصْدَرٍ لهُ فعْلٌ مُستعمَلٌ؛ مثلُ: (رُوَيْدَ) - بلا تنوينٍ - في قولِكَ: رُوَيْدَ خالداً؛ أيْ: أَمْهِلْهُ. فـ(رُوَيْدَ): اسمُ فعْلِ أمْرٍ مَبنيٌّ على الفتْحِ، والفاعِلُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ وُجوباً تقديرُهُ: أنتَ، و(خالداً): مفعولٌ بهِ لاسمِ الفعْلِ. وأصْلُ هذا المصدَرِ (إِرْوَادٌ) مَصدرُ الفعْلِ الرُّبَاعِيِّ (أَرْوَدَ) بمعنى: أَمْهَلَ، ثمَّ صُغِّرَ تصغيرَ ترخيمٍ بحذْفِ حُرُوفِهِ الزوائدِ، فصارَ (رُوَيْدَ).
2- منقولٌ مِنْ مَصْدَرٍ ليسَ لهُ فِعْلٌ مِنْ لَفْظِهِ، لَكِنْ لهُ فِعْلٌ مِنْ مَعناهُ؛ مثلُ: (بَلْهَ) - بلا تَنوينٍ - بمعنى: اتْرُكْ أوْ دَعْ؛ نحوُ: بَلْهَ الإهمالَ. فـ(بَلْهَ): اسمُ فعْلِ أمْرٍ مبنيٌّ على الفتْحِ، والفاعلُ ضميرٌ مُستَتِرٌ وُجوباً تقديرُهُ: أنتَ، (الإهمالَ): مفعولٌ بهِ.
ويَجوزُ استعمالُ (رُوَيْدَ) مَصدراً بَاقِياً على مَصدرِيَّتِهِ، إمَّا مُضافاً إلى مفعولِهِ؛ نحوُ: رُوَيْدَ خالدٍ، أوْ مُنَوَّناً ناصِباً لهُ نحوُ: رُوَيْداً خَالِداً. فـ(رُويداً) فيهما مَصدرٌ نائبٌ عنْ فعْلِ الأمرِ المحذوفِ، والفاعلُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ وُجوباً تقديرُهُ: أنتَ، و(خالدٍ) بالجَرِّ مُضَافٌ إليهِ مِنْ إضافةِ المصدَرِ إلى مفعولِهِ، وبالنصْبِ مفعولٌ بهِ للمصْدَرِ. وقدْ يُستعمَلُ مُنَوَّناً غيرَ ناصبٍ مفعولَهُ؛ نحوُ: رُوَيْداً يا سَائِقُ. وإعرابُ المصدَرِ كالذي قبلَهُ.
ويَجوزُ استعمالُ (بَلْهَ) مَصدراً مَنصوباً على الْمَصدريَّةِ، نائباً عنْ فعْلِ الأمْرِ، مُضافاً إلى ما بَعْدَهُ؛ نحوُ: بَلْهَ الغِيبةِ.
وهذا معنى قولِهِ: (والفعلُ مِنْ أَسمائِهِ عَلَيْكَا.. إلخ)؛ أيْ: أنَّ أسماءَ الأفعالِ منها ما هوَ منقولٌ مِنْ جارٍّ ومجرورٍ؛ مِثلُ: (عليكَ) و(إليكَ). أوْ ظَرْفٍ؛ مِثْلُ: (دُونَكَ). أوْ مَصْدَرٍ؛ مثلُ: (رُوَيْدَ) و(بَلْهَ)، وهما يَكُونَانِ اسْمَيْ فِعْلٍ إذا نَصَبَا ما بعدَهما، ويُعْمِلانِ الْخَفْضَ إذا بَقِيَا على أَصْلِهما مَصْدَرَيْنِ مُضَافَيْنِ لِمَا بعدَهما.

عَمَلُ أسماءِ الأفعالِ
631- وَمَا لِمَا تَنُوبُ عَنْهُ مِنْ عَمَلْ = لَهَا وَأَخِّرْ مَا لِذِي فِيهِ العَمَلْ
أسماءُ الأفعالِ تَعملُ عَمَلَ الفعْلِ الذي تَنوبُ عنهُ وتَدُلُّ عليهِ، فتَرْفَعُ الفاعِلَ مِثْلَهُ، وتُسايِرُهُ في التَّعَدِّي واللُّزُومِ، فإنْ كانَ ذلكَ الفعْلُ يَرْفَعُ فقطْ كانَ اسمُ الفعلِ كذلكَ؛ مِثْلُ: صَهْ إذا تُلِيَ القُرْآنُ، بمعنى: اسْكُتْ. ومَهْ عنْ كلِّ ما لا يَلِيقُ، بمعنى: اكْفُفْ. ففي (صَهْ) و(مَهْ) ضميرانِ مُسْتَتِرَانِ كما في (اسْكُتْ) و(اكْفُفْ).
ومنهُ قولُهُ تعالى: {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ}. فـ (هَيْهَاتَ): اسمُ فعْلٍ ماضٍ، (هَيْهَاتَ): توكيدٌ لَفْظِيٌّ، (لِمَا): اللامُ صِلَةٌ للتوكيدِ، و(مَا): فاعلٌ لاسمِ الفعْلِ.
وإنْ كانَ ذلكَ الفعْلُ يَرْفَعُ فاعِلاً ويَنْصِبُ مفعولاً كانَ اسمُ الفعْلِ كذلكَ في الغالِبِ؛ نحوُ: دُونَكَ الكِتَابَ. فـ(دُونَكَ): اسمُ فِعْلِ أمْرٍ مبنيٌّ على الفتْحِ بمعنى (خُذْ)، والفاعلُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ وُجوباً تقديرُهُ: أنتَ، (الكتابَ): مفعولٌ بهِ لاسمِ الفعْلِ. ومنهُ قولُهُ تعالى: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ}. فـ (عَلَيْكُمْ): اسمُ فعْلِ أمْرٍ بمعنى (أَلْزِمُوا) مَبنيٌّ على الضمِّ، والميمُ: علامةُ الجمْعِ، والفاعِلُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ وُجُوباً تقديرُهُ: أنْتُمْ، (أَنفُسَكُمْ): مفعولٌ بهِ، والكافُ: مُضافٌ إليهِ، والميمُ: علامةُ الجمْعِ.
ومِنْ أحكامِ معمولِ اسمِ الفعْلِ أنَّهُ لا يَجُوزُ تقديمُهُ عليهِ، بلْ يَلْزَمُ تَأْخِيرُهُ، فلا يَجوزُ أنْ تقولَ: نَفْسَكَ عليكَ.
هذا معنى قَوْلِهِ: (وَمَا لِمَا تَنُوبُ عَنْهُ مِنْ عَمَلْ لَهَا.. إلخ). فـ(مَا): مبتدأٌ، و(لهَا): خبرُ المبتدأِ؛ أي: العملُ الذي اسْتَقَرَّ للأفعالِ التي نابَتْ عنها هذهِ الأسماءُ مُسْتَقِرٌّ (لَهَا)؛ أيْ: لهذهِ الأسماءِ. ثمَّ قالَ: وأَخِّر المَعْمُولَ الذي عَمِلَتْ فيهِ هذهِ الأسماءُ.

دُخولُ التَّنْوِينِ على أسماءِ الأفعالِ
632- وَاحْكُمْ بِتَنْكِيرِ الَّذِي يُنَوَّنُ = مِنْهَا وَتَعْرِيفُ سِوَاهُ بَيِّنُ
مِنْ أسماءِ الأفعالِ ما لا يُنَوَّنُ؛ مِثلُ: هَيْهَاتَ، آمِينَ، وكلُّ ما كانَ منها على وزْنِ (فَعَالِ) القِياسيِّ. ومنها ما لا يَتَجَرَّدُ مِن التنوينِ؛ مِثلُ: وَاهاً، بمعنى: أَتَعَجَّبُ. ومنها ما يَلْحَقُهُ التنوينُ حِيناً لِغَرَضٍ مُعَيَّنٍ، وقدْ يَخْلُو لغَرَضٍ آخَرَ؛ مِثلُ: صَهْ، فيَلْحَقُهُ التنوينُ للدَّلالةِ على التنكيرِ، فإذا قُلْتَ: صَهٍ، فمعناهُ: اسْكُتْ عنْ كُلِّ كلامٍ، وإذا قُلْتَ: صَهْ، فمعناهُ: اسكُتْ عنْ هذا الحديثِ الْمُعَيَّنِ، ولا مانِعَ مِنْ غيرِهِ.
ومنهُ قولُهُ تعالى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا}. فـ (أُفٍّ) بالتنوينِ: اسمُ فعْلٍ مضَارِعٍ مَبنيٌّ على الكسْرِ بمعنى الضجَرِ، والفاعلُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ وُجوباً تقديرُهُ: (أَنَا). وهذهِ قِراءةُ نافعٍ وحَفْصٍ. وقرأَ ابنُ كثيرٍ وابنُ عامرٍ بفتْحِ الفاءِ مِنْ غيرِ تنوينٍ، وقَرأَ بَقِيَّةُ السَّبْعَةِ بكسْرِ الفاءِ مِنْ غيرِ تنوينٍ. ومعنى الآيَةِ: لا يَقَعْ منكَ لهما تَكَرُّهٌ ولا تَضَجُّرٌ.
وهذا معنى قولِهِ: (واحْكُمْ بتَنكيرِ الذي يُنَوَّنُ منها.. إلخ)؛ أي: احكُمْ بتنكيرِ ما نُوِّنَ مِنْ أسماءِ الأفعالِ، وما لم يُنَوَّنْ فتَعريفُهُ (بَيِّنُ)؛ أيْ: واضِحٌ؛ لِتَجَرُّدِهِ مِن التنوينِ الذي يَدُلُّ وُجودُهُ على التنكيرِ.

أَسْمَاءُ الأصواتِ
633- وَمَا بِهِ خُوطِبَ مَا لا يَعْقِلُ = مِنْ مُشْبِهِ اسْمِ الْفِعْلِ صَوْتاً يُجْعَلُ
634- كَذَا الَّذِي أُجْدَى حِكَايَةً كَقَبْ = وَالْزَمْ بِنَا النَّوْعَيْنِ فَهْوَ قَدْ وَجَبْ
أسماءُ الأصواتِ: هيَ ما وُضِعَ لخطابِ ما لا يَعْقِلُ، أوْ ما هوَ في حُكْمِ ما لا يَعْقِلُ مِنْ صِغارِ الآدَمِيِّينَ، أوْ لِحِكَايَةِ الأصواتِ.
فالدالُّ على خِطابِ ما لا يَعْقِلُ: ألفاظٌ تُوَجِّهُها العرَبُ إلى الحيوانِ لطلَبِ الامتناعِ أوْ لطَلَبِ الأداءِ، ولا يكونُ ذلكَ إلاَّ بالتدريبِ والتمرينِ. فالأوَّلُ: كقولِهم في زَجْرِ الإبِلِ عن التأخيرِ: (جَهْ)، وفي زجْرِ الغَنَمِ: (إِسَّ، هَجْ). والثاني: كقولِهم للإبِلِ: (نِخْ) إذا طَلَبُوا منها الإناخةَ.
والذي في حُكْمِهِ كالْخِطابِ الذي يُوَجَّهُ للأطفالِ؛ مثلُ: (كَِخْ)، بفتْحِ الكافِ وكَسْرِها وسكونِ الخاءِ، ويَجوزُ كسْرُها معَ التنوينِ، وهيَ كَلِمَةُ زجْرٍ للأطفالِ عن المُسْتَقْذَرَاتِ، فيُقالُ لهُ: كَِخْ؛ أي: اتْرُكْهُ وارْمِ بهِ. وقدْ قالَها النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ للحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنْهُ لَمَّا أخَذَ تَمرةً مِنْ تَمْرِ الصدَقَةِ وجَعَلَها في فِيهِ.
وأمَّا حِكَايَةُ صَوْتٍ مِن الأصواتِ؛ فإمَّا ألفاظٌ صادِرةٌ مِن الحيوانِ أوْ ممَّا يُشْبِهُهُ كالْجَمادِ ونحوِهِ، فيُرَدِّدُها الإنسانُ ويُعِيدُها كما سَمِعَها تَقليداً ومُحاكاةً لأصحابِها؛ فقدْ كانَ العَرَبِيُّ يَسمَعُ صوتَ الغُرابِ فيُقَلِّدُهُ قائلاً: (غَاقْ)، أوْ صوتَ وُقوعِ الْحِجارةِ فيُحاكِيهِ: (طَقْ)، أوْ صوتَ ضَربةِ السيْفِ فيُرَدِّدُهُ: (قَبْ) إلى غيرِ ذلكَ.
وأسماءُ الأصواتِ كُلُّها مَبنيَّةٌ على ما سُمِعَتْ عليهِ عن العرَبِ، فمَثَلاً:
(قَبْ): اسمُ صَوْتٍ مَبْنِيٌّ على السكونِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ. (إِسَّ): مَبنيٌّ على الفتْحِ.. وهكذا.
وهذا معنى قولِهِ: (وما بهِ خُوطِبَ ما لا يَعْقِلُ.. إلخ)؛ أيْ: ما خُوطِبَ بهِ ما لا يَعْقِلُ يُجْعَلُ صَوْتاً؛ أي: اسمَ صوتٍ، وهوَ يُشْبِهُ اسمَ الفعْلِ في أنَّهُ لا يَحتاجُ في أداءِ المُرادِ منهُ إلى لَفْظٍ آخَرَ. ثمَّ ذَكَرَ النوعَ الثانيَ بقولِهِ: (كَذَا الَّذِي أُجْدَى حِكايَةً)؛ أيْ: أفادَ حِكايَةَ صوتٍ مِن الأصواتِ.
وقولُهُ: (مِنْ مُشْبِهِ اسْمِ الفعلِ)، ليسَ على إطلاقِهِ؛ فأسماءُ الأصواتِ لا تُشْبِهُ أسماءَ الأفعالِ مِنْ كلِّ وَجْهٍ؛ فإنَّ أسماءَ الأفعالِ تَرْفَعُ وتَنْصِبُ وفيها ضميرٌ، وأسماءَ الأصواتِ لَيْسَتْ كذلكَ.
وقولُهُ: (والْزَمْ بِنا النَّوْعَيْنِ)، يُحتمَلُ أنْ يُرِيدَ بالنَّوْعَيْنِ أسماءَ الأفعالِ وأسماءَ الأصواتِ، وهوَ ما ذَكَرَهُ في (شَرْحِ الكافيَةِ)، ويُحْتَمَلُ أنْ يُريدَ نَوْعَيِ الأصواتِ؛ لأنَّهُ تَقَدَّمَ الكلامُ على أسماءِ الأفعالِ في أوَّلِ الكتابِ. وقولُهُ: (فَهْوَ قدْ وَجَبْ)، إمَّا تتميمٌ لصِحَّةِ الاستغناءِ عنهُ بقولِهِ: (والْزَمْ)، أوْ لبيانِ الوُجوبِ؛ لأنَّ مُلازَمَةَ البناءِ لا تَستلزِمُ وُجوبَهُ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أسماء, الأفعال

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:59 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir