دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > النحو والصرف > ألفية ابن مالك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 06:26 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي النداء

النداءُ

وللمنادَى النَّاءِ أوْ كالنَّاءِ يَا = وأَيْ وَآكَذَا أَيَا ثُمَّ هَيَا
والهمزُ للدَّانِي وَوَا لِمَنْ نُدِبْ = أوْ يَا وغيرُ وَا لَدَى اللَّبْسِ اجْتُنِبْ
وغيرُ مندوبٍ ومُضْمَرٍ ومَا = جَا مُستغاثًا قدْ يُعَرَّى فاعْلَمَا
وذاكَ في اسمِ الْجِنْسِ والْمُشارِ لَهْ = قَلَّ ومَنْ يَمْنَعْهُ فانْصُرْ عاذِلَهْ
وابنِ الْمُعَرَّفَ الْمُنادَى الْمُفْرَدَا = على الذي في رَفْعِهِ قدْ عُهِدَا
وَانْوِ انضمامَ ما بَنَوْا قَبلَ النِّدَا = ولْيُجْرَ مَجْرَى ذي بِناءٍ جُدِّدَا
والْمُفرَدَ المنكورَ والْمُضَافَا = وشِبْهَهُانْصِبْ عادِمًا خِلافَا
ونحوَ زيدٍ ضُمَّ وافْتَحَنَّ مِنْ = نحوِ أَزَيْدُ بنُ سعيدٍ لا تَهِنْ
والضمُّ إنْلمْ يَلِ الابنُ عَلَمَا = أوْ يَلِ الإِبْنَ عَلَمٌ قدْ حُتِمَا
واضْمُمْ أو انْصِبْ ما اضطرارًا نُوِّنَا = ممَّا لهُ استحقاقُ ضَمٍّ بُيِّنَا
وباضطرارٍ خُصَّ جَمْعُ يَا وأَلْ = إلَّا معَ اللَّهِ ومَحْكِيِّ الْجُمَلْ
والأكثَرُ اللَّهُمَّ بالتعويضِ = وشَذَّ يا اللَّهُمَّ في قَرِيضِ


  #2  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 04:15 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ابن عقيل (ومعه منحة الجليل للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


النِّداءُ

وللمنادَى الناءِ أو كالناءِ يَا = وأيْ وآ كَذَا أَيَا ثُمَّ هَيَا ([1])


والهَمْزُ للدَّانِي وَوَا لِمَنْ نُدِبْ = أو يا وغيرُ وا لَدَى اللَّبْسِ اجْتُنِبْ([2])

لا يَخلُو المنادَى مِن أنْ يكونَ مَندوباً أو غيرَه، فإنْ كانَ غيرَ مَندوبٍ فإمَّا أنْ يَكونَ بَعيداً أو في حُكْمِ البَعيدِ؛ كالنائمِ والساهِي، أو قَريباً، فإنْ كانَ بَعيداً أو في حُكْمِه فله مِن حروفِ النداءِ "يا وأَيْ وآ" وهيا، وإنْ كان قَريباً فله الهمزةُ، نحوُ: "أَزَيْدُ أَقْبِلْ"([3])، وإنْ كانَ مَندوباً، وهو الْمُتَفَجَّعُ عليه أو المتوَجَّعُ منه، فله "وا"، نحوُ: "وَازَيْدَاهُ" و "وَاظَهْرَاهُ"، و"يا" أيضاً عندَ عدَمِ الْتِبَاسِهِ بغيرِ المندوبِ، فإنِ التَبَسَ تَعَيَّنَتْ "وا" وامْتَنَعَتْ "يا".

وغيرُ مندوبٍ ومُضْمَرٍ ومَا = جَا مُستغاثاً قد يُعَرَّى فاعْلَمَا ([4])


وذاكَ في اسمِ الْجِنْسِ والْمُشارِ لَهْ = قَلَّ ومَنْ يَمْنَعْهُ فانْصُرْ عاذِلَهْ ([5])

لا يَجوزُ حَذْفُ حرْفِ النداءِ معَ المندوبِ، نحوُ: "وَازَيْدَاهُ"، ولا معَ الضميرِ، نحوُ: "يا إيَّاكَ قد كَفَيْتُكَ"، ولا معَ الْمُستغاثِ، نحوُ: "يا لِزَيْدٍ"، وأمَّا غيرُ هذه فيُحْذَفُ معَها الحرْفُ جَوازاً، فتَقولُ في "يا زيدُ أَقْبِلْ": "زيدُ أَقْبِلْ"، وفي "يا عبدَ اللهِ ارْكَبْ": "عبدَ اللهِ اركَبْ"، لكنَّ الحذْفَ معَ اسمِ الإشارةِ قَليلٌ، وكذا معَ اسمِ الجنْسِ، حتَّى إنَّ أكثَرَ النَّحْوِيِّينَ مَنَعُوهُ، ولكنْ أَجازَه طائفةٌ مِنهم، وتَبِعَهم المصنِّفُ؛ ولهذا قالَ: (ومَن يَمْنَعْهُ فانْصُرْ عاذِلَهْ)؛ أي: انْصُرْ مَن يَعْذِلُهُ على منْعِه؛ لِوُرُودِ السماعِ به، فمِمَّا ورَدَ منه معَ اسمِ الإشارةِ قولُه تعالَى: {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاَءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ}؛ أيْ: يا هؤلاءِ، وقولُ الشاعِرِ:

305- ذا ارْعِواءً، فليسَ بعْدَ اشْتِعَالِ الرَّ = أْسِ شَيْباً إلى الصِّبَا مِنْ سَبيلِ([6])

أيْ: يا ذا.
ومِمَّا وَرَدَ مِنه معَ اسمِ الجنْسِ قولُهم: "أَصْبِحْ ليلُ"؛ أيْ: يا ليلُ، و"أطْرِقْ كَرَا"؛ أيْ: يا كَرَا.

وابنِ الْمُعَرَّفَ الْمُنادَى الْمُفْرَدَا = على الذي في رَفْعِهِ قد عُهِدَا ([7])

لا يَخلُو المنادَى مِن أنْ يكونَ مُفرَداً أو مُضافاً أو مُشَبَّهاً به، فإنْ كانَ مُفْرَداً فإمَّا أنْ يَكونَ معْرِفَةً أو نَكِرَةً مَقصودةً أو نَكِرَةً غيرَ مَقصودةٍ، فإنْ كانَ مُفرَداً معرِفَةً أو نَكِرَةً مَقصودةً بُنِيَ على ما كانَ يُرفَعُ به، فإنْ كانَ يُرفَعُ بالضمَّةِ بُنِيَ عليها، نحوُ: "يا زيدُ"، و"يا رجُلُ"، وإنْ كانَ يُرفَعُ بالألِفِ أو بالواوِ فكذلك، نحوُ: "يا زَيدانِ، ويا رَجُلانِ"، و"يا زَيدونَ، ويا رُجَيْلُونَ"، ويكونُ في مَحَلِّ نصْبٍ على الْمَفعوليَّةِ؛ لأنَّ المنادَى مَفعولٌ به في المعنَى، وناصِبُه فعْلٌ مُضمَرٌ نابَتْ "يا" مَنابَه، فأَصْلُ "يا زيدُ": أَدْعُو زَيداً، فحُذِفَ "أدْعُو" ونابَتْ "يا" مَنَابَه.

وَانْوِ انضمامَ ما بَنَوْا قَبلَ النِّدَا = ولْيُجْرَ مُجْرَى ذي بِناءٍ جُدِّدَا ([8])

أيْ: إذا كانَ الاسمُ المنادَى مَبْنِيًّا قَبْلَ النداءِ قُدِّرَ بعْدَ النداءِ بِناؤُه على الضَّمِّ، نحوُ: "يا هذا"، ويَجْرِي مُجرَى ما تَجَدَّدَ بِناؤُه بالنداءِ؛ كزيدٍ، في أنَّه يُتْبَعُ بالرفْعِ مُراعاةً للضمِّ المقَدَّرِ فيه، وبالنصْبِ مُراعاةً للمَحَلِّ، فتَقولُ: "يا هذا العاقِلُ والعاقلَ" بالرفْعِ والنصْبِ؛ كما تَقولُ: "يا زيدُ الظريفُ، والظريفَ".

والْمُفرَدَ المنكورَ والْمُضَافَا = وشِبْهَهُ انْصِبْ عادِماً خِلافَا ([9])

تَقَدَّمَ أنَّ المنادَى إذا كانَ مُفْرَداً معْرِفَةً أو نَكِرَةً مَقصودةً يُبْنَى على ما كانَ يُرفَعُ به، وذَكَرَ هنا أنَّه إذَا كانَ مُفرَداً نَكِرَةً؛ أي: غيرَ مَقصودةٍ أو مُضافاً أو مُشْبَّهاً به نُصِبَ.

فمِثالُ الأوَّلِ قولُ الأَعْمَى: "يا رَجُلاً خُذْ بِيَدِي"، وقولُ الشاعِرِ:

306- أَيَا راكِباً إمَّا عَرَضْتَ فبَلِّغَنْ = نَدَامَايَ مِن نَجْرَانَ أنْ لا تَلاَقِيَا([10])

ومِثالُ الثاني قولُك: "يا غُلامَ زَيدٍ"، و"يا ضارِبَ عَمْرٍو".
ومِثالُ الثالثِ قولُكَ: "يا طالِعاً جَبَلاً، ويا حَسَناً وَجْهُه، ويا ثلاثةً وثَلاثينَ" فيمَن سَمَّيْتَه بذلكَ.

ونحوَ زيدٍ ضُمَّ وافْتَحَنْ مِنْ = نحوِ أَزَيْدُ بنَ سعيدٍ لاَ تَهِنْ " ([11])

أيْ: إذا كانَ المنادَى مُفرَداً عَلَماً ووُصِفَ بـ"ابنٍ" مضافٍ إلى علَمٍ، ولم يُفْصَلْ بينَ المنادَى وبينَ "ابنٍ" جازَ لكَ في المنادَى وَجهانِ: البناءُ على الضمِّ، نحوُ: "يا زيدُ بنَ عمرٍو"، والفتْحُ إتْبَاعاً، نحوُ: "يا زيدَ بنَ عمرٍو"، ويَجِبُ حذْفُ ألِفِ "ابنٍ" والحالةُ هذه خَطًّا([12]).

والضمُّ إِنْ لم يَلِ الاِبْنُ عَلَمَا = أو يَلِ الابنَ عَلَمٌ قد حُتِمَا ([13])

أيْ: إذا لم يَقَعِ "ابنٌ" بعْدَ علَمٍ أو لم يَقعْ بعْدَه علَمٌ وجَبَ ضَمُّ المنادَى، وامتَنَعَ فتْحُه، فمِثالُ الأوَّلِ نحوُ: "يا غُلامُ ابنَ عمرٍو، ويا زيدُ الظريفَ ابنَ عمرٍو".
ومِثالُ الثاني: "يا زيدُ ابنَ أَخِينَا"، فيَجِبُ بِناءُ "زيدٍ" على الضمِّ في هذه الأَمْثِلَةِ، ويَجِبُ إثباتُ ألِفِ "ابنٍ" والحالةُ هذه.
واضْمُمْ أوِ انْصِبْ ما اضْطِرَاراً نُوِّنَا = مِمَّا لهُ استحقاقُ ضَمٍّ بُيِّنَا ([14])
تَقدَّمَ أنَّه إذا كانَ المنادَى مُفرَداً مَعرِفَةً، أو نكِرَةً مقصودةً، يَجِبُ بِناؤُه على الضمِّ، وذُكِرَ هنا أنَّه إذا اضْطُرَّ شاعِرٌ إلى تَنوينِ هذا المنادَى كانَ له تَنوينُه وهو مَضمومٌ، وكانَ له نَصْبُه، وقد وَرَدَ السماعُ بهما؛ فمِن الأوَّلِ قولُه:


307- سَلامُ اللهِ يا مَطَرٌ علَيْهَا = وليسَ عليكَ يا مَطَرُ السلامُ([15])

ومِن الثاني قولُه:

308- ضَرَبَتْ صَدْرَها إِلَيَّ وقَالَتْ = يا يا عَدِيًّا لقَدْ وَقَتْكَ الأَوَاقِي([16])



وباضْطِرَارٍ خُصَّ جَمْعُ يا وأَلْ = إلاَّ معَ اللهِ ومَحْكِيِّ الْجُمَلْ ([17])


والأكثَرُ اللَّهُمَّ بالتعويضِ = وشَذَّ يا اللَّهُمَّ في قَريضِ([18])

لا يَجوزُ الجمْعُ بينَ حرْفِ النداءِ و"أل" في غيرِ اسمِ اللهِ تعالَى، وما سُمِّيَ به مِن الْجُمَلِ، إلا في ضَرورةِ الشعْرِ؛ كقولِه:


309- فيا الغُلامانِ اللَّذانِ فَرَّا = إيَّاكُما أنْ تُعْقِبَانَا شَرَّا([19])

وأمَّا معَ اسمِ اللهِ تعالَى ومَحْكِيِّ الْجُمَلِ فيَجوزُ، فتَقولُ: يا أللهُ. بقَطْعِ الهمزَةِ ووَصْلِها، وتَقولُ فيمَن اسْمُه "الرجُلُ منْطَلِقٌ": "يا الرجُلُ منْطَلِقٌ أقْبِلْ".
والأكثَرُ في نِداءِ اسمِ اللهِ: اللهمَّ بميمٍ مُشَدَّدَةٍ مُعَوَّضَةٍ مِن حرْفِ النداءِ، وشَذَّ الجمْعُ بينَ الميمِ وحرْفِ النداءِ في قولِه:


310- إِنِّي إِذَا ما حَدَثٌ أَلَمَّا = أقولُ: يا اللَّهُمَّ يا اللَّهُمَّا([20])



([1]) (للمنادَى) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعلِّقٌ بمحذوفٍ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، (الناءِ) صِفَةٌ للمنادَى، (أو كالناءِ) عَطْفٌ على الناءِ، (يا) قَصَدَ لفْظَه: مبتَدَأٌ مؤخَّرٌ، (وأيْ وآ) مَعطوفانِ على يا، (كذا) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعلِّقٌ بمحذوفٍ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، (أَيَا) قَصَدَ لفْظَه: مبتَدَأٌ مؤخَّرٌ، (ثُمَّ هَيَا) معطوفٌ على أَيَا.

([2]) (والهمْزُ) مُبتدأٌ، (للدَّانِي) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعلِّقٌ بمحذوفٍ خبَرُ المبتَدَأِ، (وَوَا) قَصَدَ لفْظَه: مبتدأٌ، (لِمَنْ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعلِّقٌ بمحذوفٍ خبَرُ المبتَدَأِ، (نُدِبْ) فعْلٌ ماضٍ مَبنيٌّ للمجهولِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه جوازاً تَقديرُه هو، والجملةُ مِن نُدِبَ ونائبِ فاعِلِه لا محلَّ لها مِن الإعرابِ صِلَةٌ، (أو) حرْفُ عطْفٍ، (يا) قَصَدَ لفْظَه: معطوفٌ على (وا)، (وغيرُ) مبتدأٌ، وهو مُضافٌ و(وا) قَصَدَ لفْظَه: مُضافٌ إليه، (لَدَى) ظرْفٌ مُتَعلِّقٌ بقولِه: اجْتُنِب الآتي، ولَدَى مُضافٌ و(اللَّبْسِ) مُضافٌ إليه، (اجْتُنِبْ) فعْلٌ ماضٍ مَبنيٌّ للمَجهولِ، ونائِبُ الفاعلِ ضَميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه، والجملةُ في مَحَلِّ رفْعٍ خبَرُ المبتَدَأِ.

([3]) ومنه قولُ امْرِئِ القَيْسِ بنِ حُجْرٍ الكِنْدِيِّ في مُعَلَّقَتِه:
أفَاطِمُ مَهْلاً بعْضَ هذا التَّدَلُّلِ = وإنْ كُنْتِ قَدْ أَزْمَعْتِ صَرْمِي فأَجْمِلِي

([4]) (وغيرُ) مُبتدأٌ، وغيرُ مُضافٌ و(مندوبٍ) مُضافٌ إليه، و(مُضْمَرٍ) معطوفٌ على مَندوبٍ، و(ما) اسمٌ موصولٌ: معطوفٌ على مَندوبٍ أيضاً، (جا) قُصِرَ للضرورةِ: فِعْلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه، والجملةُ لا مَحَلَّ لها صِلَةُ الموصولِ، (مُسْتَغَاثاً) حالٌ مِن الضميرِ المُسْتَتِرِ في جاءَ، (قد) حرْفُ تَقليلٍ، (يُعَرَّى) فعْلٌ مضارِعٌ مبنيٌّ للمجهولِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه، والجملةُ في مَحَلِّ رفْعٍ خبَرُ المبتَدَأِ الذي هو (غيرُ) في أوَّلِ البيتِ، (فاعْلَمَا) اعْلَمْ: فِعْلُ أمْرٍ مبنيٌّ على الفتْحِ لاتِّصَالِه بنونِ التوكيدِ الخفيفةِ الْمُنْقَلِبَةِ ألِفاً لأجْلِ الوقْفِ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجوباً تَقديرُه أنتَ.

([5]) (وذاك) اسمُ إشارةٍ: مُبتدأٌ، (في اسمِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعلِّقٌ بقولِه: (قَلَّ) الآتي، واسمِ مُضافٌ و(الجنْسِ) مُضافٌ إليه، و(المُشَارِ) معطوفٌ على اسمِ الجنْسِ، (له) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعلِّقٌ بالمشارِ، (قَلَّ) فِعْلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقديرُه هو يَعودُ إلى اسمِ الإشارةِ الواقِعِ مُبتدأً، والجملةُ في مَحَلِّ رفْعٍ خَبَرُ المبتَدَأِ، (ومَن) اسمُ شرْطٍ مُبتدأٌ، (يَمْنَعْهُ) يَمْنَعْ: فعْلٌ مضارِعٌ فعْلُ الشرْطِ، وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه، والهاءُ مفعولٌ به، (فانْصُرِ) الفاءُ واقعةٌ في جوابِ الشرْطِ، انْصُرْ: فعْلُ أمْرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه وُجوباً تَقديرُه أنتَ، والجملةُ في مَحَلِّ جَزْمٍ جوابُ الشرْطِ، (عاذِلَهْ) عاذِلَ: مفعولٌ به لانْصُرْ، وعاذِلَ مُضافٌ والهاءُ مُضافٌ إليه، وجُملتا الشرْطِ والجوابِ في مَحَلِّ رفْعٍ خبَرُ المبتَدَأِ.

([6]) 305 - هذا البيتُ مِن الشواهِدِ التي لا يُعرَفُ قائِلُها.
اللُّغَةُ: (ارْعِوَاءً) انْكِفَافاً وتَرْكاً للصَّبْوَةِ، وأَخْذاً بالْجِدِّ ومَعَالِي الأُمُورِ.
الإعرابُ: (ذا) اسمُ إشارةٍ مُنادًى بحرْفِ نِداءٍ مَحذوفٍ؛ أيْ: يا هذا، (ارْعِوَاءً) مفعولٌ مُطْلَقٌ لفِعْلٍ مَحذوفٍ، وأَصْلُ الكلامِ: ارْعَوِ ارْعِوَاءً، (فليسَ) الفاءُ للتعليلِ، ليسَ: فعْلٌ ماضٍ ناقِصٌ، (بعْدَ) ظرْفٌ مُتَعلِّقٌ بمحذوفٍ خبَرُ ليسَ تَقَدَّمَ على اسمِه، وبعْدَ مُضافٌ و(اشتعالِ) مُضافٌ إليه، واشتعالِ مُضافٌ و(الرأسِ) مُضافٌ إليه، (شَيْباً) تَمييزٌ، (إلى الصَّبَا) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعلِّقٌ بمحذوفٍ حالٌ مِن سَبيلِ الآتي، وكانَ أصْلُه نَعْتاً له، فلَمَّا تَقَدَّمَ أُعْرِبَ حالاً على قاعدةِ أنَّ صِفَةَ النَّكِرَةِ إذا تَقَدَّمَتْ صَارَتْ حالاً ضَرورةَ أنَّ الصفةَ لا تَتقَدَّمُ على الموصوفِ بسببِ كونِ الصفةِ تابِعاً، ومِن شأنِ التابِعِ ألاَّ يَسْبِقَ المتبوعَ، (مِن) زائدةٌ، (سَبيلِ) اسمُ ليسَ تَأَخَّرَ عن خبَرِهِ، مَرفوعٌ بضَمَّةٍ مُقَدَّرَةٍ على آخِرِه، مَنَعَ مِن ظُهُورِها اشتغالُ المَحَلِّ بحَرَكَةِ حرْفِ الجرِّ الزائدِ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (ذا)؛ حيثُ حَذَفَ حرْفَ النداءِ معَ اسمِ الإشارَةِ، فدَلَّ ذلك على أنَّه وَارِدٌ لا مُمتَنِعٌ، خِلاَفاً لِمَنِ ادَّعَى مَنْعَه، نَعَمْ هو قَليلٌ.
وعلى هذا جاءَ قَوْلُ أبي الطَّيِّبِ الْمُتَنَبِّي:
هَذِي برَزْتِ لَنَا فهِجْتِ رَسِيسَا = ثم انْثَنَيْتِ وما شَفَيْتِ نَسِيسَا
يُريدُ بقولِه: هَذِي: يا هذه. ومِثلُ ذلك قولُ الراجِزِ:
يا إِبِلِي إمَّا سَلِمْتِ هَذِي = فاسْتَوْسِقِي لِصَارِمٍ هَذَّاذِ
أو طارِقٍ في الدَّجْنِ والرَّذَاذِ


([7]) (وابْنِ) فعْلُ أمْرٍ مبنيٌّ على حذْفِ الياءِ، والكسرةُ قبْلَها دليلٌ عليها، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجوباً تَقديرُه أنتَ، (المعَرَّفَ) مفعولٌ به لابْنِ، (المنادَى) بدَلٌ مِن الْمُعَرَّفَ، (المُفْرَدَا) نعتٌ للمنادَى، (على الذي) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعلِّقٌ بقولِه: ابْنِ، (في رَفْعِهِ) الجارُّ المجرورُ مُتَعلِّقٌ بقولِه: (عُهِدَ) الآتي، ورَفْعِ مُضافٌ والهاءُ مُضافٌ إليه، (قد) حرْفُ تَحقيقٍ، (عُهِدَا) عُهِدَ: فعْلٌ ماضٍ مَبنيٌّ للمجهولِ، والألِفُ للإطلاقِ، ونائبُ الفاعلِ ضَميرٌ مُستَتِرٌ فيه جوازاً تَقديرُه هو يَعودُ إلى الاسمِ الموصولِ، والجملةُ لا مَحَلَّ لها مِن الإعرابِ صِلَةُ الذي.

([8]) (وانْوِ) الواوُ للاستئنافِ، انْوِ: فِعْلُ أمْرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجوباً تَقديرُه أنتَ، (انضمامَ) مفعولٌ به لانْوِ، وانضمامَ مُضافٌ و(ما) اسمٌ موصولٌ: مُضافٌ إليه، (بَنَوْا) فعْلٌ وفاعِلٌ، والجملةُ لا مَحَلَّ لها صِلَةُ الموصولِ، والعائِدُ ضميرٌ متَّصِلٌ مَنصوبُ الْمَحَلِّ مَحذوفٌ؛ أيْ: بَنَوْهُ، (قَبْلَ) ظرْفُ زمانٍ مُتَعلِّقٌ بقولِه: بَنَوْا، وقَبْلَ مُضافٌ و(النِّدَا) مُضافٌ إليه، (ولْيُجْرَ) الواوُ عاطفةٌ واللامُ لامُ الأمْرِ، يُجْرَ: فعْلٌ مضارِعٌ مَبنيٌّ للمجهولِ مجزومٌ بحذْفِ الألِفِ، ونائِبُ الفاعِلِ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تَقديرُه هو يَعودُ إلى الذي بَنَوْا قبْلَ النداءِ، (مُجْرَى) مفعولٌ مُطلَقٌ، ومُجْرَى مُضافٌ و(ذي) مُضافٌ إليه، وذي مُضافٌ و(بِناءٍ) مُضافٌ إليه، وجُملةُ (جُدِّدَا) مِن الفعْلِ المبنيِّ للمجهولِ معَ نائبِ الفاعِلِ الْمُسْتَتِرِ فيه في مَحَلِّ جَرٍّ نعتٌ لبِناءٍ.

([9]) (والمفرَدَ) مفعولٌ مُقَدَّمٌ على عامِلِه، وهو قولُه: (انصِبِ) الآتي، (المنكورَ) نعتٌ للمفرَدِ، و(المضافَا) معطوفٌ على المفرَدَ، (وشِبْهَهُ) الواوُ عاطفةٌ، وشِبْهَ: معطوفٌ على المفرَدَ أيضاً، وشِبْهَ مُضافٌ وضميرُ الغائبِ العائدُ إلى المضافَ: مُضافٌ إليه، (انْصِبْ) فعْلُ أمْرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه وُجوباً تَقديرُه أنتَ، (عادِماً) حالٌ مِن فاعِلِ انصِبْ، وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه جوازاً تَقديرُه هو؛ لأنه اسمُ فاعِلٍ يَعمَلُ عمَلَ الفعْلِ، (خِلاَفَا) مفعولٌ به لِعَادِمٍ.

([10]) 306 - هذا البيتُ لعبْدِ يَغُوثَ بنِ وَقَّاصٍ الحارِثِيِّ، وكانَ قدْ أُسِرَ يومَ الكِلابِ الثانِي.
اللُّغَةُ: (عَرَضْتَ) أَتَيْتَ العَروضَ، وهو مَكَّةُ والمدينةُ وما حولَهما؛ قالَه الْجَوْهَرِيُّ، وقِيلَ: معناه: بَلَغْتَ العرضَ، وهي جِبالُ نَجْدٍ، (نَدَامَايَ) جَمْعُ نَدْمَانٍ – بفَتْحِ النونِ وسكونِ الدالِ – ومعناه النَّديمُ الْمُشارِبُ، وقد يُطلَقُ على الْجَليسِ الصاحِبِ، وإنْ لم يَكُنْ مُشارِكاً على الشرابِ، (نَجْرَانَ) مَدينةٌ بالحجازِ مِن شِقِّ اليَمَنِ.
الإعرابُ: (أَيَا) حرْفُ نِداءٍ، (رَاكِباً) مُنادًى منصوبٌ بالفتحَةِ؛ لأنه لا يَقْصِدُ راكِباً بعَيْنِه، (إمَّا) كلمةٌ مكَوَّنَةٌ مِن إنْ وما، فإنْ: شَرطيَّةٌ، وما: زائدةٌ، (عَرَضْتَ) فعْلٌ ماضٍ وفاعلُه، (فبَلِّغَن) الفاءُ واقعةٌ في جوابِ الشرْطِ، بَلِّغَ: فعْلُ أمْرٍ مَبنيٌّ على الفتْحِ؛ لاتِّصَالِه بنونِ التوكيدِ الْخَفيفةِ، والفاعِلُ ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه وُجوباً تَقديرُه أنتَ، والجملةُ في مَحَلِّ جزْمٍ جوابُ الشرْطِ، (نَدَامَايَ) نَدامَى: مفعولٌ به لبَلِّغْ، منصوبٌ بفتْحَةٍ مُقَدَّرَةٍ على الألِفِ، ونَدَامَى مُضافٌ وياءُ المتكَلِّمِ مُضافٌ إليه، (مِن نَجْرَانَ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعلِّقٌ بمحذوفٍ حالٌ مِن نَدامَايَ، (أنْ) مُخَفَّفَةٌ مِن الثقيلةِ، واسْمُها ضميرُ شأنٍ محذوفٌ، (لا) نافيةٌ للجِنْسِ، (تَلاَقِيَا) تَلاقِيَ: اسمُ لا، والألِفُ للإطلاقِ، وخَبَرُ (لا) محذوفٌ، تَقديرُه: لا تَلاَقِيَ لنا، والجملةُ مِن لا واسْمِها وخَبَرِها في مَحَلِّ رفْعٍ خبَرُ أنِ الْمُخَفَّفَةِ مِن الثقيلةِ، والجملةُ مِن أنْ واسْمِها وخَبَرِها في مَحَلِّ نصْبٍ مفعولٌ ثانٍ لبَلِّغَنْ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (أَيَا رَاكِباً)؛ حيثُ نَصَبَ راكباً لكونِه نَكِرَةً غيرَ مَقصودةٍ، وآيةُ ذلك أنَّ قائلَ هذا البيتِ رجُلٌ أَسيرٌ في أَيْدِي أعدائِه، فهو يُريدُ راكباً أيَّ راكبٍ منْطَلِقاً نحوَ بلادِ قومِه يُبَلِّغُهم حالَه؛ ليَنْشَطُوا إلى إنقاذِه، إنْ قَدَرُوا على ذلك، وليسَ يُريدُ واحداً مُعَيَّناً.

([11]) (ونحوَ) مفعولٌ تقَدَّمَ على عامِلِه، وهو قولُه: (ضُمَّ) الآتي، ونحوَ مُضافٌ و(زيدٍ) مُضافٌ إليه، (ضُمَّ) فعْلُ أمْرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجوباً تَقديرُه أنتَ، (وافْتَحَن) الواوُ عاطفةٌ، افتَحَ: فعْلُ أمْرٍ معطوفٌ على فِعْلِ الأمْرِ السابِق، مَبنيٌّ على الفتْحِ؛ لاتِّصَالِهِ بنونِ التوكيدِ الخفيفَةِ، (مِن نحوِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعلِّقٌ بمحذوفٍ حالٌ مِن زيدٍ، (أَزَيْدُ) الهمزةُ حرْفُ نِداءٍ، زَيدُ: مُنادًى مَبنيٌّ على الضمِّ في مَحَلِّ نَصْبٍ، ويَجوزُ فيه البناءُ على الفتْحِ أيضاً، (ابنَ) نعتٌ لزيدُ باعتبارِ مَحَلِّه، وابنَ مُضافٌ و(سعيدٍ) مُضافٌ إليه، (لا تَهِنْ) لا: ناهيَةٌ، تَهِنْ: فعْلٌ مضارِعٌ مجزومٌ بلا الناهِيَةِ، وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه وُجوباً تَقديرُه أنتَ.

([12]) وَقَعَ في كثيرٍ مِن نُسَخِ الشرْحِ: (ويَجوزُ حذْفُ ألِفِ ابنٍ، والحالةُ هذه خَطَأٌ) والصوابُ ما أَثْبَتْنَاهُ.

([13]) و(الضمُّ) مُبتدأٌ، (إنْ) شَرْطِيَّةٌ، (لم) حرْفُ نَفْيٍ وجزْمٍ وقَلْبٍ، (يَلِ) فعْلٌ مضارِعٌ مجزومٌ بلم، وعلامَةُ جَزْمِه حذْفُ الياءِ، (الابنُ) فاعِلُ يَلِي، (عَلَمَا) مفعولٌ به لِيَلِي، والجملةُ في مَحَلِّ جزْمٍ فعْلُ الشرْطِ، (أو) عاطفةٌ، (يَلِ) فعْلٌ مضارِعٌ معطوفٌ على يَلِ الأوَّلِ، (الابنَ) مفعولٌ به ليَلِي الثاني، (عَلَمٌ) فاعِلُ يَلِي المعطوفِ، (قد) حرْفُ تَحقيقٍ، (حُتِمَا) حُتِمَ: فعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمجهولِ، والألِفُ للإطلاقِ، ونائبُ الفاعِلِ ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه جوازاً تَقديرُه هو يَعودُ إلى الضمُّ، والجملةُ في مَحَلِّ رفْعٍ خبَرُ المبتَدَأِ الذي هو قولُه: (الضَّمُّ)، وجوابُ الشرْطِ محذوفٌ يدُلُّ عليه سابِقُ الكلامِ.

([14]) (واضْمُمْ) فعْلُ أمْرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه وُجوباً تَقديرُه أنتَ، (أو) عاطفةٌ، (انصِبْ) فعْلُ أمْرٍ معطوفٌ على اضْمُمْ، (ما) اسمٌ موصولٌ تَنَازَعَه الفِعلانِ قبلَه، كلٌّ منهما يَطْلُبُه مَفعولاً، (اضْطِرَاراً) مفعولٌ لأَجْلِه، (نُوِّنَا) نُوِّنَ: فعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمجهولِ، والألِفُ للإطلاقِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تَقديرُه هو يَعودُ إلى ما الموصولةِ، والجملةُ لا محلَّ لها صِلَةُ الموصولِ، (مِمَّا) بيانٌ لِمَا الموصولةِ، (له) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعلِّقٌ بقولِه: (بُيِّنَا) الآتي، (استِحْقَاقُ) مُبتدأٌ، واستحقاقُ مُضافٌ و(ضَمٍّ) مُضافٌ إليه، وجملةُ (بُيِّنَا) معَ نائبِ الفاعِلِ الْمُسْتَتِرِ فيه في مَحَلِّ رفْعٍ خَبَرُ المبتَدَأِ، وجُملةُ المبتدأِ وخَبَرِه لا مَحَلَّ لها صِلَةُ (ما) المجرورةِ بِمِن.

([15]) 307 - البيتُ للأَحْوَصِ الأَنصاريِّ، وكانَ يَهْوَى امرأةً ويُشَبِّبُ بها، ولا يُفْصِحُ عنها، فتَزَوَّجَها رجُلٌ اسْمُه مَطَرٌ، فغُلِبَ الأحوَصُ على أمْرِه فقالَ هذا الشعْرَ.
الإعرابُ: (سَلاَمُ) مُبتدأٌ، وسَلامُ مُضافٌ و(اللهِ) مُضافٌ إليه، (يا) حرْفُ نِداءٍ، (مَطَرٌ) منادًى مَبنيٌّ على الضمِّ في مَحَلِّ نصْبٍ، ونُوِّنَ لأجْلِ الضرورةِ، (عليها) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعلِّقٌ بمحذوفٍ خبَرُ المبتَدَأِ الذي هو قولُه: (سَلاَمُ اللهِ)، (وليسَ) فعْلٌ ماضٍ ناقصٌ، (عليك) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعلِّقٌ بمحذوفٍ خبَرُ ليسَ تَقَدَّمَ على الاسمِ، (يا مَطَرُ) يا: حرْفُ نداءٍ، مَطَرُ: منادًى مَبنيٌّ على الضمِّ في مَحَلِّ نصْبٍ، (السلامُ) اسمُ ليسَ تأخَّرَ عن الخبَرِ، وجُملةُ النداءِ لا مَحَلَّ لها مِن الإعرابِ؛ مُعْتَرِضَةٌ بينَ ليسَ معَ خَبَرِها واسْمِها.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (يا مَطَرٌ) الأوَّلُ؛ حيثُ نَوَّنَ المنادَى المفرَدَ العلَمَ للضرورةِ، وأَبْقَى الضمَّ اكْتِفَاءً بما تَدْعُو الضرورةُ إليه.

([16]) 308 - هذا البيتُ للمُهَلْهِلِ بنِ رَبيعةَ أخي كُليبِ بنِ ربيعةَ، مِن أبياتٍ يَتَغَزَّلُ فيها بابْنَةِ المحللِ.
اللُّغَةُ: (وَقَتْكَ) مأخوذٌ مِن الوِقَايَةِ، وهي الحِفْظُ والكِلاءَةُ، (الأَوَاقِي) جَمْعُ واقِيَةٍ بمعنى حافِظَةٍ ورَاعِيَةٍ، وكانَ أصلُه "الوَوَاقِي"، فقُلِبَتِ الواوُ الأُولَى هَمزةً.
الإعرابُ: (ضَرَبَتْ) ضَرَبَ: فعْلٌ ماضٍ، والتاءُ للتأنيثِ، والفاعِلُ ضَميرٌ مُستَتِرٌ فيه جوازاً تَقديرُه هي، (صدْرَها) صدْرَ: مفعولٌ به لِضَرَبَ، وصَدْرَ مُضافٌ وها مُضافٌ إليه، (إليَّ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعلِّقٌ بضَرَبَتْ، (وقالَتْ) قالَ: فعْلٌ ماضٍ، والتاءُ للتأنيثِ والفاعلُ ضَميرٌ مُستَتِرٌ فيه جوازاً تَقديرُه هي، (يا) حرْفُ نِداءٍ، (عَدِيًّا) منادًى منصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ، (لقد) اللامُ واقعةٌ في جوابِ قَسَمٍ محذوفٍ؛ أيْ: واللهِ لقَدْ .. إلخ، قد: حرْفُ تحقيقٍ، (وَقَتْكَ) وَقَى: فعْلٌ ماضٍ، والتاءُ للتأنيثِ، والكافُ ضَميرُ المخاطَبِ المفرَدِ المذَكَّرِ: مفعولٌ به، (الأَوَاقِي) فاعِلُ وَقَى.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (يا عَدِيًّا)؛ حيثُ اضْطُرَّ إلى تَنوينِ المنادَى فنَوَّنَه، ولم يَكْتَفِ بذلك بل نَصَبَه معَ كونِه مُفرَداً علَماً؛ لِيُشَابِهَ به المنادَى المعْرَبَ المنوَّنَ بأَصْلِه، وهو النكِرَةُ غيرُ المقصودةِ.

([17]) (باضْطِرارٍ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعلِّقٌ بقولِه: (خُصَّ) الآتي، (خُصَّ) يَجوزُ أنْ يكونَ فِعْلاً مَاضِياً مَبْنِيًّا للمجهولِ، ويَجوزُ أنْ يكونَ فعْلَ أمْرٍ، (جَمْعُ) نائبُ فاعلٍ إذا جَعَلْتَ (خُصَّ) ماضِياً مَبْنِيًّا للمجهولِ، ومَفعولٌ به إذا جَعَلْتَهُ أمْراً، وجَمْعُ مُضافٌ و(يا) قَصَدَ لفْظَه: مُضافٌ إليه، و(ألْ) معطوفٌ على يا، (إلاَّ) أداةُ استثناءٍ، (معَ) ظرْفٌ مُتَعلِّقٌ بمحذوفٍ حالٌ مِن جَمْعُ، ومعَ مُضافٌ واللهِ مُضافٌ إليه، (ومَحْكِيِّ) معطوفٌ على لفْظِ الجلالةِ، ومَحْكِيِّ مُضافٌ و(الجُمَلْ) مُضافٌ إليه.

([18]) و(الأكثَرُ) مُبتدأٌ، (اللَّهُمَّ) قَصَدَ لفْظَه: خبَرُ المبتَدَأِ، (بالتعويضِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعلِّقٌ بمحذوفٍ حالٌ مِن الخبرِ، و(شَذَّ) فعْلٌ ماضٍ، (يا اللهمَّ) قَصَدَ لفْظَه: فاعِلُ شَذَّ، (في قَرِيضِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعلِّقٌ بشَذَّ.

([19]) 309 - هذا البيتُ مِن الشواهِدِ التي لم نَعْثُرْ لها على نِسبَةٍ إلى قائلٍ مُعَيَّنٍ.
الإعرابُ: (يا) حرْفُ نِداءٍ، (الغُلامانِ) منادًى مَبنيٌّ على الألِفِ؛ لأنه مُثنًّى في مَحَلِّ نصْبٍ، (اللذانِ) صِفَةٌ لقولِه: (الغُلامانِ) باعتبارِ اللفْظِ، (فَرَّا) فَرَّ: فعْلٌ ماضٍ، وألِفُ الاثنينِ فاعِلٌ، والجملةُ لا محلَّ لها صِلَةُ اللَّذانِ، (إيَّاكُما)، إيَّا: مَنصوبٌ على التحذيرِ بفِعْلٍ مُضْمَرٍ وُجوباً، تَقديرُه: أُحَذِّرُكُما، (أنْ) مَصدريَّةٌ، (تُعْقِبَانَا) فعْلٌ مضارِعٌ منصوبٌ بحذْفِ النونِ، وألِفُ الاثنين فاعِلٌ، ونا: مفعولٌ أوَّلُ، و(أنْ) وما دَخَلَتْ عليه في تَأويلِ مَصدَرٍ مَجرورٍ بِمِن مُقَدَّرَةٍ، (شَرَّا) مفعولٌ ثانٍ لتُعْقِبَ.
الشاهِدُ فيه قولُه: (فيا الغُلامانِ)؛ حيثُ جَمَعَ بينَ حرْفِ النداءِ وألْ في غيرِ اسمِ اللهِ تعالَى، وما سُمِّيَ به مِن الْمُرَكَّبَاتِ الإخباريَّةِ (الْجُمَلِ)، وذلك لا يَجوزُ إلا في ضَرورةِ الشعْرِ.
وإنَّما لم يَجُزْ في سَعَةِ الكلامِ أنْ يَقتَرِنَ حرْفُ النداءِ بما فيه ألْ لِسَبَبَيْنِ:
أحَدُهما: أنَّ كُلاًّ مِن حرْفِ النداءِ وألْ يُفيدُ التعريفَ، فأحَدُهما كافٍ عن الآخَرِ، والثاني: أنَّ تَعريفَ الألِفِ واللامِ تَعريفُ العهْدِ، وهو يتَضَمَّنُ معنى الغَيْبَةِ؛ لأنَّ العَهْدَ يكونُ بينَ اثنينِ في ثالثٍ غائِبٍ، والنداءُ خِطَابٌ لحاضِرٍ، فلو جَمَعْتَ بينَهما لتَنَافَى التَّعريفانِ.

([20]) 310 - هذا البيتُ لأُمَيَّةَ بنِ أبي الصَّلْتِ، وزَعَمَ الْعَيْنِيُّ أنَّه لأبي خِرَاشٍ الْهُذَلِيِّ، وذَكَرَ معَه بيْتاً سابِقاً على بيتِ الشاهِدِ، وهو:

إنْ تَغْفِرِ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمَّا = وأيُّ عبْدٍ لكَ لا أَلَمَّا

اللُّغَةُ: (حَدَثٌ) هو ما يَحْدُثُ مِن مَصائِبِ الدنيا ونَوازِلِ الدهْرِ، (أَلَمَّا) نَزَلَ، وأَلَمَّ في قولِه: (وأيُّ عبدٍ لكَ لا أَلَمَّا) مِن قولِهم: أَلَمَّ فُلانٌ بالذنْبِ، يُريدونَ فَعَلَه أو قَارَبَه.
المعنى: يُريدُ أنَّه كلَّما نَزَلَتْ به حَادِثَةٌ وأَصَابَهُ مَكروهٌ، لَجَأَ إلى اللهِ تعالَى في كَشْفِ ما يَنْزِلُ به.
الإعرابُ: (إِنِّي) إنَّ: حرْفُ تَوكيدٍ ونَصْبٍ، ويَاءُ المتكلِّمِ اسْمُه، (إذا) ظرْفٌ يتَعَلَّقُ بقولِه: (أَقولُ) الآتي، (ما) زائِدَةٌ، (حَدَثٌ) فاعِلٌ لفِعْلٍ مَحذوفٍ يُفَسِّرُه ما بَعْدَه، والتقديرُ: إذا ما أَلَمَّ حَدَثٌ أَلَمَّا، (أَلَمَّا) أَلَمَّ: فعْلٌ ماضٍ، والألِفُ للإطلاقِ، والفاعلُ ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه جَوازاً تَقديرُه هو، يَعودُ إلى حَدَثٌ، (أَقولُ) فعْلٌ مضارِعٌ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجوباً تَقديرُه أنا، والجملةُ في مَحَلِّ رفْعٍ خَبَرُ إنَّ، (يا) حرْفُ نداءٍ، (اللَّهُمَّ) اللهُ: منادًى مَبنيٌّ على الضمِّ في مَحَلِّ نصْبٍ، والميمُ المشدَّدَةُ زائدةٌ.
الشاهِدُ فيه قولُه: (يا اللَّهُمَّ يا اللَّهُمَّا)؛ حيثُ جَمَعَ بينَ حرْفِ النداءِ والميمِ المشَدَّدَةِ التي يُؤتَى بها للتعويضِ عن حرْفِ النداءِ، وهذا شاذٌّ كما صَرَّحَ به المصنِّفُ في النَّظْمِ؛ لأنه جَمَعَ بينَ العِوَضُ والْمُعَوَّضِ عنه.
وقد جَمَعَ بينَهما – وزادَ مِيماً أُخرى وألِفاً – ذلك الراجِزُ الذي يقولُ:

وما عليكِ أنْ تَقُولِي كُلَّمَا = صَلَّيْتِ أو سَبَّحْتِ يا اللهمَّ مَا

  #3  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 04:17 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي أوضح المسالك لجمال الدين ابن هشام الأنصاري (ومعه هدي السالك للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


الجزء الرابع
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

هذا بابُ النِّداءِ([1])


وفيه فُصُولٌ


الفصلُ الأوَّلُ


في الأَحْرُفِ التي يُنَبَّهُ بها المُنَادَى وأَحْكامِها

وهذه الأَحْرُفُ ثَمَانِيَةٌ: الهَمْزَةُ([2]) وأيْ([3]) مقصورتيْنِ وممدودتيْنِ، ويا([4]) وأَيَا([5])، وهَيَا([6])، ووَا([7]).
فالهمزةُ المقصورةُ للقريبِ إلاَّ إنْ نُزِّلَ مَنْزِلَةَ البَعِيدِ، فله بقيَّةُ الأحرفِ، كما أنها للبَعِيدِ الحقيقيِّ.
وأَعَمُّها (يا)؛ فإنَّها تَدْخُلُ على كلِّ نِداءٍ، وتَتَعَيَّنُ في نِداءِ اسمِ اللهِ تعالى([8]) وفي بابِ الاستغاثةِ، نحوُ: (يا للهِ للمُسْلِمِينَ)، وتَتَعَيَّنُ هي أو (وا) في بابِ النُّدْبَةِ، و(وا) أكثرُ استعمالاً منها في ذلك البابِ، وإنما تَدْخُلُ (يا) إذا أُمِنَ اللَّبْسُ؛ كقولِهِ:

430- وقُمْتَ فِيهِ بِأَمْرِ اللهِ يَا عُمَرَا([9])

ويَجُوزُ حَذْفُ([10]) الحرفِ، نحوُ: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا}([11])، {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلاَنِ}([12])، {أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللهِ}([13])، إلا في ثَمانِ مَسَائِلَ: المَنْدُوبِ، نحوُ: (يا عُمَرَا)، والمُسْتَغَاثِ، نحوُ: (يَاللهِ)، والمُنَادَى البَعِيدِ؛ لأنَّ المرادَ فيهنَّ إطالةُ الصوتِ، والحذفُ يُنَافِيهِ، واسمِ الجنسِ غيرِ المُعَيَّنِ؛ كقولِ الأَعْمَى: (يا رَجُلاً، خُذْ بِيَدِي)، والمُضْمَرِ([14])، ونِدَاؤُه شاذٌّ، ويأتي على صِيغَتَيِ المنصوبِ والمرفوعِ؛ كقولِ بَعْضِهِم:
(يَا إِيَّاكَ قَدْ كَفَيْتُكَ)([15])، وقولِ الآخَرِ:

431- يَا أَبْجَرُ بنَ أَبْجَرٍ يَا أَنْتَا([16])

واسمِ اللهِ تعالى إذا لم يُعَوَّضْ في آخرِهِ الميمَ المُشَدَّدَةَ، وأَجَازَهُ بعضُهم، وعليه قولُ أُمَيَّةَ بنِ أبي الصَّلْتِ:

432- رَضِيتُ بِكَ اللَّهُمَّ رَبًّا فَلَنْ أُرَى = أَدِينُ إِلَهاً غَيْرَكَ اللهُ ثَانِيَا([17])

واسمِ الإشارةِ واسمِ الجنسِ لِمُعَيَّنٍ، خلافاً للكُوفِيِّينَ فيهما([18])، احْتَجُّوا بقولِه:

433- بِمِثْلِكَ هَذَا لَوْعَةٌ وَغَرَامُ([19])

وقولِهم: (أَطْرِقْ كَرَا)([20])، و(افْتَدِ مَخْنُوقُ)([21])، و(أَصْبِحْ لَيْلُ)([22])، وذلك عندَ البَصْرِيِّينَ ضَرُورَةٌ وشُذُوذٌ.


الفصلُ الثاني


في أَقْسَامِ المُنَادَى وأَحْكَامِه


المنادَى على أربعةِ أقسامٍ:
أَحَدُها: ما يَجِبُ فيه أنْ يُبْنَى على ما يُرْفَعُ به لو كانَ مُعْرَباً، وهو ما اجْتَمَعَ فيه أمرانِ:
أَحَدُهما: التعريفُ سواءٌ كانَ ذلك التعريفُ سابقاً على النِّدَاءِ، نحوُ: (يا زَيْدُ)([23])، أو عَارِضاً في النداءِ بسببِ القَصْدِ والإقبالِ، نحوُ: (يا رَجُلُ)، تُرِيدُ به مُعَيَّناً([24]).
والثاني: الإفرادُ، ونعني به أنْ لا يكونَ مُضافاً، ولا شَبِيهاً به، فيَدْخُلُ في ذلك المُرَكَّبُ المَزْجِيُّ والمثنَّى والمجموعُ، نحوُ: (يا مَعْدِي كَرِبُ)، و(يا زَيْدَانِ)، و(يا زَيْدُونَ)، و(يا رَجُلانِ)، و(يا مُسْلِمونَ)، و(يا هِنْدَانِ).
وما كانَ مَبْنِيًّا قبلَ النِّداءِ، كـ (سِيبَوَيْهِ)، و(حَذَامِ) في لغةِ أهلِ الحِجازِ، قَدَّرْتَ فيه الضَّمَّةَ، ويَظْهَرُ أَثَرُ ذلك في تابعِه، فتقولُ: (يا سِيبَوَيْهِ العالِمَُ) برفعِ (العالِم) ونصبِه؛ كما في تابعِ ما تَجَدَّدَ بِنَاؤُه، نحوُ: (يا زَيْدُ الفاضِلُ)، والمَحْكِيُّ كالمبنيِّ، تقولُ: (يا تَأَبَّطَ شَرًّا المِقْدَامُ)، أو (المِقْدَامَ).
الثاني: ما يَجِبُ نَصْبُه، وهو ثلاثةُ أنواعٍ:
أَحدُها: النكرةُ غيرُ المقصودةِ؛ كقولِ الواعِظِ: (يا غَافِلاً والموتُ يَطْلُبُه)، وقولِ الأعمَى: (يا رَجُلاً خُذْ بِيَدِي)، وقولِ الشاعرِ:

432- فَيَا رَاكِباً إِمَّا عَرَضْتَ فَبَلِّغَنْ([25])

وعن المَازِنِيِّ أنه أحالَ وُجُودَ هذا القِسْمِ([26]).
الثاني: المضافُ، سواءٌ كانَتِ الإضافةُ مَحْضَةً، نحوُ: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا)، أو غيرَ مَحْضَةٍ، نحوُ: (يا حَسَنَ الوجهِ)، وعن ثَعْلَبٍ إِجَازَةُ الضمِّ في غيرِ المَحْضَةِ([27]).
الثالِثُ: الشَّبِيهُ بالمضافِ، وهو ما اتَّصَلَ به شيءٌ مِن تَمامِ معناه([28])، نحوُ: (يَا حَسَناً وَجْهُهُ)، و(يا طَالِعاً جَبَلاً)، و(يا رَفِيقاً بالعبادِ)، و(يا ثلاثةً وثلاثينَ) فيمَن سَمَّيْتَه بذلك، ويَمْتَنِعُ إدخالُ (يا) على (ثلاثينَ)، خِلافاً لبعضِهم، فإنْ نَادَيْتَ جَمَاعةً هذه عِدَّتُهَا؛ فإنْ كانَتْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ نَصَبْتَهما أيضاً، وإنْ كانَتْ مُعَيَّنَةً ضَمَمْتَ الأَوَّلَ وعَرَّفْتَ الثانِيَ بألْ ونَصَبْتَهُ أو رَفَعْتَه، إلاَّ إنْ أُعِيدَتْ معَه (يا)، فيَجِبُ ضَمُّهُ وتجريدُه مِن ألْ، ومَنَعَ ابنُ خَرُوفٍ إعادةَ (يا)، وتَخْيِيرُهُ في إلحاقِ (ألْ) مردودٌ.
والثالِثُ: ما يَجُوزُ ضَمُّه وفتحُه، وهو نوعانِ:
أَحَدُهما: أنْ يكونَ عَلَماً مُفْرَداً موصوفاً بابنٍ مُتَّصِلٍ به مضافٍ إلى عَلَمٍ([29])، نحوُ: (يا زَيْدُ بنَ سَعِيدٍ)، والمختارُ عندَ البَصْرِيِّينَ غيرَ المُبَرِّدِ الفتحُ، ومنه قولُه:

435- يا حَكَمَُ بنَ المُنْذِرِ بْنِ الجَارُودْ([30])

ويَتَعَيَّنُ الضمُّ في نحوِ: (يَا رَجُلُ ابنَ عَمْرٍو)، و(يا زَيْدُ ابنَ أَخِينَا)؛ لانتفاءِ عَلَمِيَّةِ المُنَادَى في الأُولَى وعَلَمِيَّةِ المضافِ إليه في الثانيةِ، وفي نحوِ: (يا زيدُ الفَاضِلَ ابنَ عَمْرٍو)؛ لوجودِ الفَصْلِ في نحوِ: (يا زيدُ الفاضِلَ)؛ لأنَّ الصفةَ غيرُ (ابن) ولم يَشْتَرِطْ ذلك الكُوفِيُّونَ، وأَنْشَدُوا:

436- بِأَجْوَدَ مِنْكَ يَا عُمَرَ الْجَوَادَا([31])

بفتحِ (عُمَرَ)، والوَصْفُ بابنةٍ كالوَصْفِ بابنٍ، نحوُ: (يا هِنْدَُ ابنةَ عَمْرٍو)، ولا أثرَ للوصفِ ببِنْتٍ، فـ نحوُ: (يا هِنْدُ بِنْتَ عَمْرٍو) واجبُ الضمِّ.
الثاني: أنْ يُكَرَّرَ مُضافاً، نحوُ: (يا سَعْدُ سَعْدَ الأَوْسِ)([32])، فالثاني واجِبُ النصبِ، والوجهانِ في الأوَّلِ، فإنْ ضَمَمْتَهُ فالثاني بَيَانٌ أو بَدَلٌ، أو بإضمارِ (يا)، أو أعني([33])، وإنْ فَتَحْتَه فقالَ سِيبَوَيْهِ: مضافٌ لِمَا بعدَ الثانِي، والثاني مُقْحَمٌ بينَهما.
وقالَ المُبَرِّدُ: مُضافٌ لمحذوفٍ مُمَاثِلٍ لِمَا أُضِيفَ إليه الثاني.
وقالَ الفَرَّاءُ: الاسمانِ مُضَافَانِ للمذكورِ.
وقالَ بعضُهم: الاسمانِ مُرَكَّبَانِ تَرْكِيبَ خَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ أُضِيفَا([34]).
الرابِعُ: ما يَجُوزُ ضَمُّه ونَصْبُه، وهو المنادَى المُسْتَحِقُّ للضمِّ إذا اضْطُرَّ الشاعِرُ إلى تَنْوِينِه؛ كقولِهِ:

437- سَلاَمُ اللهِ يا مَطَرٌ عليها([35])

وقولِه:

438- أَعَبْداً حَلَّ في شُعَبَي غَرِيباً([36])

واختارَ الخليلُ وسِيبَوَيْهِ الضمَّ، وأبو عَمْرٍو وعيسى النصبَ، ووَافَقَ الناظِمُ والأَعْلَمُ سِيبَوَيْهِ في العَلَمِ، وأبا عَمْرٍو وعيسى في اسمِ الجِنْسِ([37]).
فَصْلٌ: ولا يَجُوزُ نِدَاءُ ما فيه (أَلْ) إلا في أربعِ صُوَرٍ:
إِحْدَاها: اسمُ اللهِ تعالى، أَجْمَعُوا على ذلكَ، تقولُ: (يَا أللهُ) بإثباتِ الألفيْنِ، و(ياللهِ) بحَذْفِهِما، و(ياللهِ) بحذفِ الثانيةِ فقطْ، والأكثرُ أنْ يُحْذَفَ حرفُ النداءِ، ويُعَوَّضُ عنه الميمُ المشدَّدَةُ، فتقولُ: (اللَّهُمَّ)، وقد يُجْمَعُ بينَهما في الضرورةِ النادرةِ؛ كقولِهِ:

439- أَقُولُ يا اللَّهُمَّ يا اللَّهُمَّا([38])

الثانيةُ: الجُمَلُ المَحْكِيَّةُ، نحوُ: (يا المُنْطَلِقُ زَيْدٌ) فيمَن سُمِّيَ بذلك، نَصَّ على ذلك سِيبَوَيْهِ، وزادَ عليه المُبَرِّدُ ما سُمِّيَ به مِن موصولٍ مبدوءٍ بألْ، نحوُ الذي والتي، وصَوَّبَه الناظِمُ([39]).
الثالثةُ: اسمُ الجنسِ المُشَبَّهِ به؛ كقولِكَ: (يا الخَلِيفَةُ هَيْفَةً). نَصَّ على ذلك ابنُ سَعْدَانَ.
الرابعةُ: ضَرُورَةُ الشِّعْرِ؛ كقولِه:

440- عَبَّاسُ يا المَلِكُ المُتَوَّجُ والذي([40])

ولا يَجُوزُ ذلك في النَّثْرِ، خِلافا للبَغْدَادِيِّينَ.


([1]) لم يُعَرِّفِ المؤلِّفُ النداءَ ولا المُنَادَى الذي هو المقصودُ بهذا البابِ، النِّدَاءُ – بكسرِ النونِ ممدوداً، وقد تُضَمُّ النونُ – أصلُه رَفْعُ الصوتِ، مِن قَوْلِهِم: نَدِيَ صَوْتُهُ يَنْدَى – مِن بابِ فَرِحَ - إذَا ارْتَفَعَ وعَلاَ، وقدِ اسْتُعْمِلَ النداءُ في الدعاءِ بلفظٍ أيِّ لفظٍ كانَ، وفي اصطلاحِ النُّحَاةِ هو الدعاءُ بأحدِ الحروفِ التي ذَكَرَها المؤلِّفُ، وعلى هذا يكونُ المُنَادَى لُغَةً هو المَدْعُوَّ لكي يُقْبِلَ عليك ويَسْتَمِعَ إليك، سَوَاءٌ أَدَعَوْتَهُ بأحدِ هذه الحروفِ أمْ دَعَوْتَهُ بغيرِها، وفي اصطلاحِ النُّحاةِ هو المَدْعُوُّ بحرفٍ مِن هذه الحروفِ خاصَّةً.
وقدِ اخْتَلَفَ النُّحَاةُ في عاملِ المنادَى، ولهم في ذلكَ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ:
الأوَّلُ- وهو رأيُ الجمهورِ-: أنَّ عاملَه فعلٌ مُضْمَرٌ وُجُوباً، فهو مفعولٌ به، وإنما وَجَبَ إضمارُ هذا الفعلِ لأربعةِ أسبابٍ:
أَوَّلُها: الاستغناءُ بظهورِ معناه.
وثانيها: أنهم قَصَدُوا بعبارةِ النداءِ الإنشاءَ، ووَجَدُوا إظهارَ الفعلِ يُوهِمُ الإخبارَ، فتَحَاشَوْا إِظْهَارَه.
وثالِثُها: كَثْرَةُ استعمالِهم النداءَ في كلامِهم.
ورَابِعُها: أنهم عَوَّضُوا من هذا الفعلِ حرفَ النداءِ، وقد عَرَفْتَ مِراراً أنهم لا يَجْمَعُونَ في الكلامِ بينَ العِوَضِ والمُعَوَّضِ منه.
والقولُ الثاني: أنَّ العاملَ في النداءِ هو القصدُ، وعلى هذا يكونُ العاملُ معنويًّا لا لفظيًّا، وهذا القولُ مردودٌ بأنا لم نَعْهَدْ في عواملِ النصبِ عاملاً معنويًّا، وإنما عَهِدْنا ذلكَ في عواملِ الرفعِ؛ كالابتداءِ الرافعِ للمبتدأِ والتجرُّدِ الرافعِ للفعلِ المضارِعِ.
والقولُ الثالِثُ: أنَّ العاملَ في المنادَى هو حرفُ النداءِ على سبيلِ النيابةِ عن الفعلِ والعِوَضِ به منه، وإلى هذا ذَهَبَ أبو عليٍّ الفارِسِيُّ، وجَعَلَ المنادَى مُشَبَّهاً بالمفعولِ به، لا مفعولاً به؛ كما هو عندَ الجمهورِ، ويَرُدُّ هذا الرأيَ أنَّ حرفَ النداءِ قد يُحْذَفُ من الكلامِ، وحينَئذٍ يكونُ العِوَضُ والمُعَوَّضُ منه محذوفيْنِ، والعربُ لا تَجْمَعُ بينَ حَذْفِ العِوَضِ والمُعَوَّضِ منه؛ كما لا تَجْمَعُ بينَهما في الذِّكْرِ.
والقولُ الرابِعُ: أنَّ العاملَ في المنادَى هو أداةُ النداءِ، لا لأنَّها عِوَضٌ عن الفعلِ المحذوفِ، كما يقولُ أبو عليٍّ الفارِسِيُّ، بل لأنَّ هذه الأداةَ اسمُ فعلٍ مضارِعٍ بمعنى أَدْعُو، كما أنَّ (أُفٍّ) اسمُ فعلٍ مضارِعٍ بمعنى أَتَضَجَّرُ، وهذا مَذْهَبٌ وَاهٍ؛ لأنَّ هذه الأدواتِ لو كانَتْ أسماءَ أفعالٍ لكانَ فيها ضميرٌ مستترٌ كما في سائرِ أسماءِ الأفعالِ، ولو كانَتْ مُتَحَمِّلَةً للضميرِ لَجَازَ اتِّبَاعُه، وأيضاً لو كانَتْ هذه الأدواتُ مُتَحَمِّلَةً للضميرِ لكانَتْ هي والضميرُ المستَتِرُ فيها جملةً تامَّةً يَصِحُّ أنْ يُكْتَفَى بها، ولا يُحْتَاجُ المتكلِّمُ إلى أنْ يَذْكُرَ المنادَى معَها؛ لأنَّه فَضْلَةٌ، ولم يَذْهَبْ إلى ذلك أحدٌ.
والقولُ الخامِسُ: أنَّ العامِلَ في المنادَى هو أداةُ النداءِ، على أنَّ هذه الأدواتِ أفعالٌ، لا أسماءُ أفعالٍ، ولا حروفٌ عُوِّضَ بها عن أفعالٍ، وهذا قولٌ مردودٌ بمثلِ ما يُرَدُّ به القولُ الرابِعُ، ويُرَادُ في رَدِّ هذا أنه لو كانَتْ هذه الأدواتُ أفعالاً لكانَ الضميرُ يَتَّصِلُ بها كما يَتَّصِلُ بسائرِ الأفعالِ، وقد قالَ العربُ: (يا أنتَ). وقالوا: (يا إِيَّاكَ). فلم يَجِيئُوا بالضميرِ المُتَّصِلِ، وجَاؤُوا بالضميرِ المنفصِلِ، فدَلَّ ذلك على أنها لَيْسَتْ أفعالاً.
فقد تَبَيَّنَ لكَ أنَّ القولَ الذي تَنْصُرُه الأدِلَّةُ هو قولُ الجمهورِ – واختارَه ابنُ مالِكٍ –أنَّ ناصِبَ المنادى فعلٌ مضارعٌ مضمَرٌ إضماراً واجباً، وأنَّ المنادَى ضَرْبٌ من المفعولِ به.

([2]) ههنا أمرانِ أُرِيدُ أنْ أُنَبِّهَكَ إليهما:
الأمرُ الأوَّلُ: أنَّ جُمْهُورَ النحْويِّينَ على أن الهمزةَ لنداءِ القريبِ، وذَهَبَ شيخُ ابنِ الخَبَّازِ إلى أنها لنداءِ المتوسِّطِ بينَ القريبِ والبعيدِ.
والأمرُ الثاني: أنَّ ابنَ مالِكٍ ذَكَرَ في (شَرْحِ التَّسْهِيلِ) أنَّ النداءَ بالهمزةِ قليلٌ في كلامِ العربِ، وتَبِعَه على ذلك ابنُ الصَّبَّاغِ، وذَكَرَ السيُوطِيُّ أنه قد جَمَعَ مِن كلامِ العربِ أكثرَ مِن ثَلاثِمائةِ شاهدٍ للنداءِ بالهمزةِ، وأنه قد أَفْرَدَ هذا الموضوعَ بتأليفٍ.
ويقولُ أبو رَجَاءٍ: إنَّ العربَ لم تَزَلْ تَسْتَعْمِلُ الهمزةَ حرفَ نداءٍ، في جَاهِلِيَّتِها وإسلامِها، ومِن شواهدِ النداءِ بالهمزةِ قولُ امْرِئُ القَيْسِ بنِ حُجْرٍ الكِنْدِيِّ في مُعَلَّقَتِهِ:

أَفَاطِمَ مَهْلاً بَعْضَ هَذَا التَّدَلُّلِ = وإنْ كُنْتِ قَدْ أَزْمَعْتِ صَرْمِي فَأَجْمِلِي

ومن ذلكَ قولُ امرئِ القيسِ أيضاً:

أَجَارَتَنَا إنا غَريبانِ هَهُنا = وكلُّ غَرِيبٍ لِلْغَرِيبِ نَسِيبُ

ومن ذلك قولُ المُثَقَّبِ العَبْدِيِّ، وهو من شِعْرِ المُفَضَّلِيَّاتِ:

أفاطِمَ قَبْلَ بَيْنِكِ مَتِّعِينِي = ومَنْعُكِ مَا سَأَلْتُ كَأَنْ تَبِينِي

ومن ذلكَ قولُ جَرِيرِ بنِ عَطِيَّةَ، وهو من شواهدِ سِيبَوَيْهِ:

أَعَبْداً حَلَّ في شُعَبَى غَرِيباً = أَلُؤْماً لا أَبَا لَكَ واغْتِرَابَا

ومن ذلك قولُ الأَخْطَلِ التَّغْلِبِيِّ:

أَبَنِي كُلَيْبٍ إِنَّ عَمَّيَّ اللَّذَا = قَتَلاَ المُلُوكَ وفَكَّكَا الأَغْلاَلاَ

ومن ذلك قولُ بَدِيعِ الزمانِ الهَمَذَانِيِّ في القصيدةِ المنسوبةِ إلى بِشْرِ بنِ عَوَانَةَ:

أَفَاطِمَ لو شَهِدْتِ بِبَطْنِ خَبْتٍ = وقدْ لاَقَى الهِزَبْرُ أَخَاكِ بِشْرَا

ومن ذلك قولُ قيسِ بنِ ذَرِيحٍ صاحِبِ لُبْنَى:

أَلُبْنَى لَقَدْ جَلَّتْ عَلَيْكِ مُصِيبَتِي = غَدَاةَ غَدٍ إِذْ حَلَّ ما أَتَوَقَّعُ

ومن ذلك قولُ أبي نُوَاسٍ:

أَجَارَةَ بَيْتَيْنَا أَبُوكِ غَيُورُ = ومَيْسُورُ ما يُرْجَى لَدَيْكِ عَسِيرُ

ومن ذلك قولُ الفَرَزْدَقِ:

أَبَنِي غُدَانَةَ إِنَّنِي حَرَّرْتُكُمْ = ووَهَبْتُكُمْ لِعَطِيَّةَ بنِ جَعَالِ

ومن ذلك قولُه أيضاً في عبدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ عُثْمَانَ:

أَعَبْدَ اللهِ أَنْتَ أَحَقُّ ماشٍ = وساعٍ بالجماهيرِ الكِبَارِ

ومن ذلك قولُ جَعْفَرِ بنِ عُلْبَةَ الحَارِثِيِّ، وهو في دِيوَانِ الحَمَاسَةِ: (ت1/22 بولاق).

أَلَهْفَا بِقُرَّى سَحْبَلٍ حِينَ أَجْلَبَتْ = علينا الوَلاَيَا والعَدُوُّ المُبَاسِلُ

ومن ذلك قَوْلُ أَوْسِ بنِ حُجْرٍ (د4):

أَبَنِي لُبَيْنَى لم أَجِدْ أَحَداً = في الناسِ أَلأَمَ مِنْكُمُ حَسَبَا

ومن ذلك قولُ أَوْسٍ أيضاً (د 21):

أَبَنِي لُبَيْنَى لَسْتُمُ بِيَدٍ = إِلاَّ يَداً لَيْسَتْ لَهَا عَضُدُ

ويليه أربعةُ أبياتٍ.
ومِن ذلك قولُ الأسودِ بنِ يَعْفُرَ:

أَبَنِي نُجَيْحٍ إِنَّ أُمَّكُمُ = أَمَةٌ وإنَّ أَبَاكُمُ وَقْبُ

ومن ذلك قولُ جَرِيرٍ:

أَبَنِي حَنِيفَةَ أَحْكِمُوا سُفَهاَءَكُمْ = إني أخافُ عليكمُ أنْ تَغْضَبُوا

وقالَ حاتِمٌ الطائيُّ:

أَمَاوِيَّ ما يُغْنِي الثَّرَاءُ عَنِ الفَتَى = إذا حَشْرَجَتْ يَوْماً وضَاقَ بِهَا الصَّدْرُ

ومن ذلك قولُ امْرِئِ القَيْسِ في المُعَلَّقَةِ أيضاً:

أَصَاحِ تَرَى بَرْقاً أُرِيكَ وَمِيضَهُ = كَلَمْعِ اليَدَيْنِ في حَبِيٍّ مُكَلَّلِ

وأَنْشَدَهُ سِيبَوَيْهِ (1/335): (أحار تَرَى بَرْقا).
ومن ذلك قولُ أبي العلاءِ:

أَبَنَاتِ الهَدِيلِ أَسْعِدْنَ أَوْعِدْ = نَ قَلِيلَ العَزَاءِ بالإسعادِ

ومن ذلك قولُ ذي الرُّمَّةِ:

أَدَاراً بِحُزْوَى هِجْتِ لِلْعَيْنِ عَبْرَةً = فَمَاءُ الهَوَى يَرْفَضُّ أو يَتَرَقْرَقُ


([3]) اخْتَلَفَ النُّحَاةُ فيما يُنَادَى بأيْ – بفتحِ الهمزةِ وسكونِ الياءِ – فقالَ المُبَرِّدُ والجَزُولِيُّ: هي لنداءِ القريبِ كالهمزةِ المفردةِ. وقالَ ابنُ مالِكٍ: هي لنداءِ البعيدِ كَيَا. وقيلَ: هي لنداءِ المتوسِّطِ. ومن شواهدِ النداءِ بها ما وَرَدَ في الحديثِ: ((أَيْ رَبِّ))، وقولِ الشاعِرِ:

أَلَمْ تَسْمَعِي – أيْ عَبْدَ – في رَوْنَقِ الضُّحَى = بُكَاءَ حَمَامَاتٍ لَهُنَّ هَدِيرُ


([4]) (يا) مِن بينِ حروفِ النداءِ أُمُّ البابِ، ولهذا كانَتْ أعمَّ حروفِ النداءِ، ولا يُقَدَّرُ عندَ الحذفِ غَيْرُها، وتَخْتَصُّ بمواضعَ، ذَكَرَ المؤلِّفُ أَهَمَّها، وقدِ اخْتُلِفَ فيما يُنَادَى بها؛ فقالَ ابنُ مالِكٍ: هي للبعيدِ حقيقةً أو حُكْماً؛ كالنائمِ والساهِي. وقالَ أبو حَيَّانَ: هي أعمُّ الحروفِ وتُسْتَعْمَلُ للقريبِ والبعيدِ مُطْلَقاً. وهذا هو الذي يَظْهَرُ من استقراءِ كلامِ العربِ.
وقالَ ابنُ هِشَامٍ: يا حَرْفٌ لنداءِ البعيدِ حقيقةً أو حُكْماً، وقد يُنَادَى بها القريبُ توكيداً. وقيلَ: هي مُشترَكَةٌ بينَ البعيدِ والقريبِ. وقيلَ: بينَهما وبينَ المتوسِّطِ. وذَكَرَ ابنُ الخَبَّازِ عن شيخِه أنَّ (يا) للقريبِ، وهو خَرْقٌ لإجماعِهم، والاستشهادُ لاستعمالِ هذا الحرفِ مِمَّا تَجِدُه على طَرَفِ الثُّمَامِ.

([5]) (أَيَا) عندَ جمهورِ النُّحَاةِ لِنَدَاءِ البَعِيدِ، وفي الصِّحَاحِ أنها لنداءِ القريبِ والبعيدِ. قالَ ابنُ هِشَامٍ في (المُغْنِي): وليسَ كذلك. ومن شواهدِ النداءِ بها قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:

أيا ظَبْيَةَ الوَعْسَاءِ بَيْنَ جَلاَجِلٍ = وبَيْنَ النَّقَا أَأَنْتِ أَمْ أُمُّ سَالِمِ

وقولُ المجنونِ قَيْسِ بنِ المُلَوَّحِ:

أَيَا شِبْهَ لَيْلَى لا تُرَاعِي فإنَّنِي = لكِ اليومَ مِن وَحْشِيَّةٍ لَصَدِيقُ

وقولُ الآخَرِ:

أَيَا جَبَلَيْ نُعْمَانَ بِاللهِ خَلِّيَا = نَسِيمَ الصَّبَا يَخْلُصْ إِلَيَّ نَسِيمُهَا

وقولُ لَيْلَى بنتِ طَرِيفٍ:

أَيَا شَجَرَ الخَابُورِ مَا لَكَ مُورِقاً = كَأَنَّكَ لَمْ تَجْزَعْ عَلَى ابنِ طَرِيفِ


([6]) اخْتُلِفَ في هاءِ (هَيَا)؛ فقيلَ: هي أصلٌ؛ لأنَّ الإبدالَ نوعٌ مِن التصريفِ، والتصريفُ لا يَدْخُلُ الحروفَ. وقيلَ: هاؤُهَا بَدَلٌ مِن همزةِ (أَيَا)؛ لأنَّ هذا إبدالٌ لُغَوِيٌّ، والإبدالُ التصريفيُّ هو المُخْتَصُّ بالأسماءِ المُتَمَكِّنَةِ والأفعالِ.
ومن شواهِدِ النداءِ بِهَيَا قولُ الشاعِرِ:

هَيَا أُمَّ عَمْرٍو هَلْ لِيَ الي‍ََوْمَ عِنْدَكُمْ = بِغَيْبَةِ أَبْصَارِ الوُشَاةِ رَسُولُ

وقولُ الآخَرِ:

وأَصَاخَ يَرْجُو أن يكونَ حَيَّا = ويقولُ مِنْ فَرَحٍ: هَيَا رَبَّا


([7]) ذَكَرَ ابنُ عُصْفُورٍ (وا) في حروفِ النداءِ، واسْتَشْهَدَ لها بقولِ الراجِزِ:

*وافَقْعَساً وَأَيْنَ مِنِّي فَقْعَسُ*

والجمهورُ على أنَّ (وا) حرفٌ لا يُسْتَعْمَلُ في غيرِ النُّدْبَةِ، وحَكَى قومٌ أنها تُسْتَعْمَلُ في غيرِ النُّدْبَةِ قليلاً، قالَ ابنُ هِشَامٍ في (مُغْنِي اللَّبِيبِ): (وا) على وجهيْنِ:
أَحَدُهما: أنْ تكونَ حَرْفَ نِداءٍ مُخْتَصًّا ببابِ النُّدْبَةِ، نحوُ: وَازَيْدَاهُ، وأجازَ بعضُهم اسْتِعْمَالَهُ في النداءِ الحقيقيِّ. اهـ.
ويَتَّصِلُ بهذا الموضوعِ أنه قد يُحْذَفُ المنادَى ويَبْقَى حَرْفُ النداءِ مُؤْذِناً به، وذلك بشرطيْنِ:
الأوَّلُ: أنْ يكونَ حرفُ النداءِ (يا) دونَ سائرِ الحروفِ.
الثاني: أنْ يكونَ بعدَ حرفِ النداءِ فعلُ أمرٍ أو فعلُ دُعاءٍ، فمثالُ الأمرِ قولُ اللهِ تعالى: (أَلاَ =يَااسْجُدُوا) في قِراءةِ الكِسَائِيِّ بتخفيف (أَلاَ)، وهي – على هذا – حرفُ تنبيهٍ، ومثالُ الدعاءِ قولُ ذِي الرُّمَّةِ:

أَلاَ يَا اسْلَمِي يَا دَارَ مَيَّ عَلَى الْبِلَى = ولا زَالَ مُنْهَلاًّ بِجَرْعَائِكِ الْقَطْرُ

ونظيرُ قولِ الفَرَزْدَقِ:

يا أَرْغَمَ اللهُ أَنْفاً أَنْتَ حَامِلُهُ = يَا ذا الْخَنَى وَمَقَالَ الزُّورِ والخَطَلِ

ونظيرُه قولُ الآخَرِ:

أَلاَ يَا اسْلَمِي ذاتَ الدَّمَالِيجِ والعِقْدِ = وذاتَ الثَّنَايَا الغُرِّ والفَاحِمِ الجَعْدِ

وزَعَمَ بعضُ النُّحَاةِ أنَّ (يا) في هذه الشواهدِ وأمثالِها حرفُ تنبيهٍ، وأنه ليسَ ثَمَّةَ مُنَادًى محذوفٌ، وهذا كلامٌ غيرُ مستقيمٍ؛ لأمريْنِ:
أَوَّلُهما: أنه قد تَقَدَّمَ على (يا) في بعضِ هذه الشواهدِ (أَلاَ)، وقد عَلِمْنَا أن (ألا) حرفُ تنبيهٍ بغيرِ خلافٍ، فلو كانَ (يا) حرفَ تنبيهٍ أيضاً لَلَزِمَ أنْ يَتَوَالَى حَرفانِ بمعنًى واحدٍ لغيرِ توكيدٍ، وذلك لا يجوزُ.
وثانيهما: أنَّا وَجَدْنَا العربَ تَسْتَعْمِلُ النداءَ قبلَ الأمرِ والدعاءِ كثيراً، وقد وَرَدَ ذلك في أَفْصَحِ كلامٍ؛ كقولِهِ تعالى: {يَا مُوسَى أَقْبِلْ}، وقولِهِ جَلَّ شَأْنُهُ: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ}، وقولِهِ: {يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا}، وقولِه تَبَارَكَتْ أَسْمَاؤُه: {يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ}، وقولِه: {يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا}، فإذا وَجَدْنَا حَرْفَ النداءِ قد وَلِيَه فعلُ الأمرِ أو فعلُ الدعاءِ عَلِمْنَا أنَّ المُنَادَى بهذا الحرفِ محذوفٌ؛ اسْتِئْنَاساً بما كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ في مثلِ هذا الأُسْلُوبِ.
نَعَمْ قدْ يَقَعُ حرفُ النداءِ – الذي هو (يَا) – مقصوداً به التنبيهُ، وذلك إذا وَقَعَ بعدَه (لَيْتَ)، نحوُ قولِهِ تعالى: {يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا}، {يا لَيْتَنَا نُرَدُّ ولا نُكَذِّبَ}، {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ}، وقولِ الشاعِرِ:

يا لَيْتَ زَوْجَكِ قَدْ غَدَا = مُتَقَلِّداً سَيْفاً ورُمْحَا

أو وَقَعَ بعدَه (رُبَّ)، نحوُ قولِ الشاعِرِ:

يا رُبَّ مِثْلِكِ فِي النِّساءِ غَرِيرَةٍ = بَيْضَاءَ قَدْ مَتَّعْتُهَا بِطَلاقِ

أو وَقَعَ بعدَه (حَبَّذَا)، نحوُ قولِ جَرِيرٍ:

يا حَبَّذَا جَبَلُ الرَّيَّانِ مِنْ جَبَلٍ = وحَبَّذَا سَاكِنُ الرَّيَّانِ مَن كَانَا

وإنما اخْتَرْنَا أنَّ الحرفَ الموضوعَ للنداءِ دالٌّ على التنبيهِ إذا وَقَعَ بعدَه واحدٌ مِن هذه الكَلِمَاتِ الثلاثِ: (لَيْتَ) و(رُبَّ) و(حَبَّذَا) – لأنَّا لم نَجِدِ العربَ قد اسْتَعْمَلَتِ النداءَ الصريحَ قَبْلَهُنَّ، فلو قَدَّرْنَا مُنَادًى في هذه المواضعِ كنا قد حَمَلْنَا كلامَ العربِ على ما لم تَجْرِ عَادَتُهُم باستعمالِه.

([8]) نحوُ (يَا اللهُ)، وبَقِيَ ممَّا تَتَعَيَّنُ (يا) في ندائِه لفظُ (أيُّ)، نحوُ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ}، ولفظُ (أَيَّة) نحوُ: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ}.

([9]) 430-هذا الشاهِدُ عَجُزُ بَيْتٍ مِن البَسِيطِ، وهو ثاني ثلاثةِ أبياتٍ لجَرِيرِ بنِ عَطِيَّةَ يَرْثِي فيها أميرَ المؤمنينَ عمرَ بنَ عبدِ العزيزِ، رَضِيَ اللهُ تعالى عنه، ونحنُ نَذْكُرُ لكَ صَدْرَه معَ أَخَوَيْهِ، وهي:

نَعَى النُّعَاةُ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ لَنَا = يَا خَيْرَ مَنْ حَجَّ بَيْتَ اللهِ وَاعْتَمَرَا


حُمِّلْتَ أَمْراً عَظِيماً فَاصْطَبَرْتَ لَهُ = وَقُمْتَ فِيهِ......إلخ


فالشَّمْسُ طَالِعَةٌ لَيْسَتْ بِكَاسِفَةٍ = تُبْكِي عَلَيْكَ نُجُومَ الليلِ والقَمَرَا

اللغةُ: (حُمِّلْتَ) بالبناءِ للمجهولِ معَ تشديدِ الميمِ؛ أي كُلِّفْتَ، (أمراً عَظِيماً) أرادَ به مَشَاقَّ الخلافةِ وإقامةَ المَعْدَلَةِ بينَ الناسِ بعدَ أنَّ عَمَّ الظُّلْمُ وفَشَا الجَوْرُ، (اصْطَبَرَتْ) بَالَغَتْ في الصبرِ والاحتمالِ.
الإعرابُ: (حُمِّلْتَ) حُمِّلَ: فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمجهولِ، وتاءُ المخاطَبِ نائبُ فاعلِه، وهو المفعولُ الأوَّلُ، (أَمْراً) مفعولٌ ثانٍ لِحُمِّلَ، (عظيماً) صفةٌ لأَمْرٍ، (فاصْطَبَرْتَ) الفاءُ عاطفةٌ، واصْطَبَرَ: فعلٌ ماضٍ، وتاءُ المخاطَبَةِ فاعلُه، (له) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ باصْطَبَرَ، (وَقُمْتَ) الواوُ حرفُ عطفٍ، وقُمْتَ: فعلٌ ماضٍ وفاعلُه، (فيه) جارٌّ ومجرورٌ متعلِّقٌ بقامَ، (بأمرِ) جارٌّ ومجرورٌ متعلِّقٌ بقامَ أيضاً، وأمرِ مضافٌ و(اللهِ) مضافٌ إليه مجرورٌ بالكسرةِ الظاهرةِ، (يا) حرفُ نداءٍ ونُدْبَةٍ، (عُمَرَا) منادًى مَنْدُوبٌ مَبْنِيٌّ على ضَمٍّ مُقَدَّرٍ على آخرِهِ، مَنَعَ من ظُهُورِهِ اشْتِغَالُ المَحَلِّ بحَرَكَةِ المناسبَةِ المأتِيِّ بها لمناسبةِ ألفِ النُّدْبَةِ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (يَا عُمَرَا). حيثُ اسْتَعْمَلَ (يا) في النُّدْبَةِ؛ لِوُضُوحِ الأمرِ؛ لأنَّ المقامَ للتفجُّعِ والتوجُّعِ، لا للنداءِ، فإنَّه يقولُ هذه الأبياتَ في رِثاءِ مَيِّتٍ، وليسَ بِطَلَبِ إقبالِه عليه بِغَيْرِ شَكٍّ.
ثم إنَّ اتِّصالَ ألفِ النُّدْبَةِ في آخِرِهِ دَلِيلٌ آخَرُ على أنه أرادَ النُّدْبَةَ ولم يُرِدِ النداءَ؛ إذ لو أرادَ النِّدَاءَ لقالَ: (يَا عُمَرُ) بِبِنَائِهِ على الضمِّ؛ لأنَّه مفردٌ عَلَمٌ، فاللفظُ والمعنى جميعاً يَدُلاَّنِ على أنَّ المُتَكَلِّمَ أرادَ النُّدْبَةَ.

([10]) اعْلَمْ أوَّلاً أنه لا يُقَدَّرُ عندَ الحَذْفِ مِن بينِ حُرُوفِ النداءِ إلا (يا) بِسَبَبِ كونِ هذا الحرفِ أُمَّ البابِ وكونِه أعمَّ حروفِه استعمالاً على ما قَدَّمْنَا بَيَانَهُ.
ثم اعْلَمْ أنَّ المؤلِّفَ قد مَثَّلَ بثلاثةِ أمثلةٍ في هذا الموضوعِ للإشارةِ إلى أنه لا فَرْقَ بينَ أنْ يكونَ المُنَادَى الذي حُذِفَ معَه الحرفُ مفرداً كالآيةِ الأولى، وأنْ يكونَ شَبِيهاً بالمفرَدِ – وقيلَ: هو شَبِيهٌ بالمضافِ – كالآيةِ الثانيةِ، وأنْ يكونَ مُضافاً كالآيةِ الثالثةِ.
ثُمَّ اعْلَمْ أنَّ اعتبارَ {عِبَادَ اللهِ} في الآيةِ الثالثةِ مُنَادًى حُذِفَ منه حرفُ النداءِ هو أحدُ وَجْهَيْنِ فيها، والوجهُ الثاني اعتبارُ {عِبَادَ اللَّهِ} مفعولاً به عاملُه أَدُّوا.

([11]) سُورَةُ يُوسُفَ، الآيةُ: 29

([12]) سورةُ الرَّحْمَنِ، الآيةُ: 31

([13]) سورةُ الدُّخَانِ، الآيةُ: 18

([14]) أَجْمَعُوا على أنَّ نِدَاءَ ضَمِيرِ المُتَكَلِّمِ ونِدَاءَ ضَمِيرِ الغائِبِ لا يَجُوزُ، فلا تقولُ: (يا أنا)، ولا: (يا إِيَّايَ)، كما لا تقولُ: (يا هو)، ولا: (يا إيَّاه). واخْتَلَفُوا في ضميرِ المُخَاطَبِ، ولهم في ذلك ثلاثةُ أقوالٍ:
الأولى[لعلها: الأَوَّلُ]: أنه لا يَجُوزُ نِدَاؤُه أَصْلاً، واختارَه أبو حَيَّانَ.
والثاني: أنه مَقْصُورٌ على ضَرُورَةِ الشِّعْرِ، وهو قولُ ابنِ عُصْفُورٍ.
والثالِثُ: يَجُوزُ، وهو ظاهِرُ كلامِ ابنِ مَالِكٍ.

([15]) ويَجُوزُ أنْ يُقْرَأَ هذا الفِعْلُ بالبناءِ للمجهولِ، وكانَ الأَحْوَصُ اليَرْبُوعِيُّ قد وَفَدَ هو وابنُه على مُعَاوِيَةَ، فقامَ الابنُ فخَطَبَ خُطْبَةً، فلَمَّا انْتَهَى وَثَبَ الأبُ لِيَخْطُبَ، فكَفَّهُ ابنُه قائلاً: (ياهذا – أو (يا إيَّاكَ) - قد كَفَيْتُكَ). يُرِيدُ: قد أَغْنَيْتُكَ بما قُلْتُ عن أنْ تُحَاوِلَ القَوْلَ.

([16]) 431-نَسَبَ الشيخُ خَالِدٌ هذا البيتَ للأَحْوَصِ، تَبَعاً للعَيْنِيِّ، والصوابُ أنه لسالِمِ بنِ دَارَةَ، يقولُه في مُرِّ بنِ وَاقِعٍ، وأنَّ صِحَّةَ إنشادِه هكذا:

يا مُرُّ يا بنَ وَاقِعٍ يا أَنْتَا = أَنْتَ الَّذِي طَلَّقْتَ عَامَ جُعْتَا

ولَعَلَّ ما وَقَعَ للشيخِ خالدٍ في هذا البيتِ الذي سَبَقَ عِلْمُ سَبَبِه، أنَّ المثالَ السابِقَ من قولِ ابنِ الأَحْوَصِ.
اللغةُ: (يا أَبْجَرُ) أصلُ الأَبْجَرِ المُنْتَفِخُ البَطْنِ، وقد يكونُ سُمِّيَ به، ولكنَّ الصوابَ في الإنشادِ كما قلنا هو: (يا مُرُّ يا بنَ واقِعٍ)، فلا تُعَنِّ نَفْسَكَ بالبحثِ عَمَّن سُمِّيَ أَبْجَرَ، (طَّلْقَتَ) فارَقْتَ حَلائِلَكَ، (عامَ جُعْتَا) يريدُ في الوقتِ الذي وَقَعَتِ المَجَاعَةُ فيه، وهذا مِن الذمِّ؛ إذ كانَ القصدُ مِنه التخلُّصَ من احتمالِ المسْؤُولِيَّةِ وألاَّ يَسْعَى لَهُنَّ لِجَلْبِ رِزْقِهِنَّ.
الإعرابُ: (يا) حرفُ نِدَاءٍ مبنيٌّ على السكونِ، لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، (أَبْجَرُ) مُنَادًى مبنيٌّ على الضمِّ في مَحَلِّ نَصْبٍ، (بنَ) نَعْتٌ لأَبْجَرَ منصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ، وهو تَابِعٌ له بالنظرِ لِمَحَلِّه، وابنَ مضافٌ و(أَبْجَرٍ) مضافٌ إليه مجرورٌ بالكسرةِ الظاهرةِ، وكانَ مِن حَقِّ العربيَّةِ عليه أنْ يَجُرَّهُ بالفتحةِ؛ لأنَّه ممنوعٌ مِن الصرفِ لكونِه على وزنِ الفِعْلِ؛ إما معَ العَلَمِيَّةِ وإما معَ الوصفيَّةِ، ولكنه لَمَّا اضْطُرَّ لإقامةِ الوزنِ صَرَفَه فجَرَّهُ بالكسرةِ، (يا) حرفُ نِدَاءٍ، (أَنْتَا): منادًى مبنيٌّ على ضمٍّ مُقَدَّرٍ على آخرِه، مَنَعَ مِن ظُهُورِهِ اشْتِغَالُ المَحَلِّ بحركةِ البناءِ الأصليِّ، والألفُ للإطلاقِ، (أَنْتَ) ضميرٌ منفصِلٌ مبتدأٌ، (الذي) اسمٌ موصولٌ خَبَرُ المبتدأِ، (طَلَّقْتَ) فعلٌ وفاعلٌ، والجملةُ لا مَحَلَّ لها؛ صِلَةٌ، (عامَ) ظرفُ زمانٍ منصوبٌ بطَلَّقَ، وعلامةُ نَصْبِه الفتحةُ الظاهرةُ، (جُعْتَا) فعلٌ ماضٍ وفاعلُه، والألفُ للإطلاقِ، والجملةُ في مَحَلِّ جرٍّ بإضافةِ اسمِ الزمانِ إليها.
الشاهِدُ فيه قولُه: (يَا أَنْتَا) حيثُ نَادَى الضميرَ الذي يُسْتَعْمَلُ في مواطنِ الرفعِ.
وإنما جِيءَ بالضميرِ المنادَى على صيغةِ الرفعِ؛ لأنَّه لَمَّا تَعَذَّرَ بِنَاؤُهُ على الضمِّ عَدَلُوا إلى ما هو قريبٌ مِن البناءِ على الضمِّ، وهو الإتيانُ به على الصيغةِ الموضوعةِ للرفعِ.

([17]) 432- هذا بيتٌ مِن الطويلِ، وقائلُ هذا الشاهدِ هو أُمَيَّةُ بنُ أبي الصَّلْتِ بنِ أبي رَبِيعَةَ بنِ عَمْرٍو، ثَقَفِيٌّ، شاعِرٌ مشهورٌ، قَرَأَ الكُتُبَ في الجاهِلِيَّةِ وطَمِعَ في النُّبُوَّةِ، فلَمَّا بُعِثَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسَدَهُ ولم يُوَفَّقْ إلى الإيمانِ به، ولم يَكُنْ في نُسَخِ المَتْنِ المطبوعةِ غيرُ صَدْرِ البيتِ، معَ أنَّ الشاهدَ في عَجُزِهِ، وقد أَنْشَدَ الشيخُ خَالِدٌ عَجُزَهُ على أنه مِن المَتْنِ هكذا:

*أَدِينُ إِلَهاً غَيْرَكَ اللهُ رَاضِياً*

اللغةُ: (أَدِينُ) أي: أَتَّخِذُهُ دِيناً، وقولُه: (اللهُ) منادًى بحرفِ نداءٍ محذوفٍ، و(رَاضِياً) حالٌ مِن فاعلِ (رَضِيتُ)، أو هو مفعولٌ مُطْلَقٌ على حدِّ قَوْلِهم: (قُمْ قَائِماً)، أو هو حالٌ مِن فاعلِ (أَدِينُ)، هكذا قالَ الشيخُ خالدٌ في تصريحِه، لكنَّ البيتَ في سِيرَةِ ابنِ هِشَامٍ مَرْوِيٌّ في كَلِمَةٍ عِدَّتُهَا سَبْعَةَ عَشَرَ بَيْتاً، ورِوَايَتُهُ كما في رِوَايَةِ المؤلِّفِ هكذا:

رَضِيتُ بِكَ اللَّهُمَّ رَبًّا فَلَنْ أُرَى = أَدِينُ إِلَهاً غَيْرَكَ اللهُ ثَانِيَا

الإعرابُ: (رَضِيتُ) فعلٌ وفاعلٌ، (بِكَ) جارٌّ ومجرورٌ متعلِّقٌ برَضِيَ، (اللَّهُمَّ) اللهُ: منادًى بحرفِ نداءٍ محذوفٍ، والتقديرُ: يا اللهُ، مبنيٌّ على الضمِّ في مَحَلِّ نصبٍ، والميمُ مُعَوَّضٌ بها عن حرفِ النداءِ المحذوفِ، ولهذا لا يُجْمَعُ بينَهما إلا شُذُوذاً، (رَبًّا) حالٌ مِن لفظِ الجلالةِ منصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ، (فَلَن) الفاءُ حرفُ تَفْرِيعٍ، لن: حرفُ نفيٍ ونصبٍ واستقبالٍ، (أُرَى) فعلٌ مضارعٌ مبنيٌّ للمجهولِ منصوبٌ بِلَنْ، وعلامةُ نَصْبِهِ فتحةٌ مُقَدَّرَةٌ على الألفِ، ونائبُ فاعلِهِ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُه أنا، (أَدِينُ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ، وفاعلُه ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أنا، والجملةُ في مَحَلِّ نَصْبٍ حالٌ مِن نائبِ فاعلِ أُرَى إنِ اعْتَبَرْتَهَا بَصَرِيَّةً، وفي مَحَلِّ نَصْبٍ مفعولٌ ثانٍ لأُرَى إنِ اعْتَبَرْتَهَا عِلْمِيَّةً، (إِلَهاً) مفعولٌ به لأَدِينُ؛ لأنَّه بمعنَى أَعْبُدُ منصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ، (غَيْرَكَ) غيرَ: صفةٌ لإلهٍ منصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ، وهو مضافٌ وضميرُ المخاطَبِ مضافٌ إليه مبنيٌّ على الفتحِ في مَحَلِّ جَرٍّ، (اللهُ) منادًى بِحَرْفِ نِدَاءٍ محذوفٍ؛ أي: يا اللهُ، (ثَانِيَا) صِفَةٌ لإِلَهٍ منصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ.
الشاهدُ فيه: قولُه: (اللهُ) الواقِعُ في عَجُزِ البَيْتِ، فإنَّه مُنَادًى بحرفِ نِدَاءٍ محذوفٍ كما قَرَّرْنَا في إعرابِ البيتِ، وحَذْفُ حرفِ النداءِ معَ اسمِ اللهِ تعالى الذي لا يُخْتَمُ بالميمِ المشدَّدَةِ شاذٌّ يَأْبَاهُ القياسُ؛ وذلك لأنَّ نِدَاءَ اسمِ اللهِ تعالى على خِلافِ القِيَاسِ؛ فإنَّ القِيَاسَ يَقْتَضِي ألاَّ تُنَادِيَ إلاَّ مَن يَصِحُّ أنْ يكونَ منه إقبالٌ إليكَ بِنِدَائِكَ، ومتى كانَ نِدَاءُ اسمِ اللهِ تعالى على خِلافِ القياسِ لم يَدُلَّ شيءٌ عِنْدَ حَذْفِ حرفِ النداءِ على أنه مُنَادًى، والأصلُ أنَّ الحَذْفَ إنما يكونُ عندَ قِيَامِ الدليلِ على المحذوفِ، فأمَّا إذَا اقْتَرَنَتْ به الميمُ المُشَدَّدَةُ التي يُقْصَدُ بها التعويضُ عن حرفِ النداءِ، فإنَّه يُعْلَمُ بذِكْرِها أنه مُنَادًى، وقد عُلِمَ أنه لا يَجُوزُ أنْ يُجْمَعَ بينَ العِوَضِ والمُعَوَّضِ، ومِن هنا تَعْلَمُ أنَّ حَذْفَ حَرْفَ النداءِ معَ اسمِ اللهِ تعالى على ضَرْبَيْنِ:
الأَوَّلُ: أنْ يكونَ الحذفُ مُمْتَنِعاً، وذلك إذا لم تَلْحَقْه الميمُ المشدَّدَةُ.
والثاني: أنْ يكونَ الحَذْفُ وَاجِباً، وذلك فيما إذا أُلْحِقَتْ به الميمُ المشدَّدَةُ، فإنْ ذَكَرْتَ حَرْفَ النداءِ في الحالةِ الأولى أو حَذَفْتَه في الحالةِ الثانيةِ، كما في بيتِ الشاهدِ، كنتَ مُخَالِفاً للقِيَاسِ.
ومِن تَقْرِيرِ هذا الكلامِ تَعْلَمُ أنه لا شَاهِدَ في قَوْلِهِ: (اللَّهُمَّ) في صَدْرِ البيتِ على ما نَحْنُ بِصَدَدِه الآنَ، وأنَّ اقْتِصَارَ بعضِ نُسَخِ المَتْنِ عليه ليسَ بِمُسْتَقِيمٍ.

([18]) اخْتَلَفَ الكُوفِيُّونَ والبَصْرِيُّونَ في اسمِ الإشارةِ واسمِ الجِنْسِ لِمُعَيَّنٍ إِذَا نُودِيَا: هل يَجِبُ ذِكْرُ حرفِ النداءِ معَ كلِّ واحدٍ مِنْهُمَا، أو يجوزُ ذِكْرُ الحرفِ ويَجُوزُ حَذْفُه؟
فذَهَبَ البَصْرِيُّونَ إلى أنَّ كُلاًّ مِن اسمِ الجِنْسِ لِمُعَيَّنٍ واسمِ الإشارةِ إذا نُودِيَ وَجَبَ ذِكْرُ حَرْفِ النداءِ معَه، ولم يَجُزْ حَذْفُه إلاَّ في ضرورةِ الشعرِ، وذَهَبَ الكُوفِيُّونَ إلى أنه يَجُوزُ معَ كلِّ واحدٍ مِنهما ذِكْرُ حَرْفِ النداءِ معَه، ويجوزُ حَذْفُه، وقد اسْتَدَلَّ الكُوفِيُّونَ على جَوَازِ حَذْفِ حرفِ النداءِ معَ كلِّ واحدٍ مِنهما بوُرُودِهِ في السَّمَاعِ، أمَّا اسمُ الإشارةِ فقد وَرَدَ حَذْفُ حَرْفِ النداءِ مَعَهُ في الشاهدِ رَقْمِ 433، وفيما ذَكَرْنَاهُ معَه من الشواهدِ، وأمَّا اسمُ الجِنْسِ فقد وَرَدَ حذفُ الحَرْفِ معَه فيما ذَكَرَه المُؤَلِّفُ مِن الأمثالِ، وقد حَمَلَ الكُوفِيُّونَ قولَه تعالى: {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاَءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ} على أنَّ (هؤلاء) اسمُ إشارةٍ مُنَادًى بحرفِ نِدَاءٍ محذوفٍ، والتقديرُ: ثمَّ أنتم يا هؤلاء تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُم، وجَعَلُوا مِن نِدَاءِ الجِنْسِ بحرفِ نِدَاءٍ مَحْذُوفٍ قولَه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حكايةً عن موسَى: ((ثَوْبِي حَجَرُ))؛ أي: ثوبي يا حَجَرُ، وزَعَمَ البَصْرِيُّونَ أنَّ كُلَّ ما احْتَجُّوا به ضَرُورَةٌ أو مُؤَوَّلٌ، ولَحَّنُوا أبا الطَّيِّبِ المُتَنَبِّي في البيتِ الذي رَوَيْنَاهُ لَكَ، ونحنُ نَخْتَارُ لكَ في هذه المسألةِ مَذْهَبَ الكُوفِيِّينَ لِتَعَدُّدِ الشواهِدِ، ولأن منها ما هو وَارِدٌ في النَّثْرِ الذي لَيْسَ مَحَلَّ ضَرُورةٍ، وقدِ اخْتَارَهُ ابنُ مالِكٍ مِن قَبْلُ.

([19]) 433- هذا الشاهِدُ مِن قَصِيدَةٍ لذي الرُّمَّةِ، غَيْلاَنَ بنِ عُقْبَةَ، ومَطْلَعُ هذه القصيدةِ قولُه:

عَلَيْكُنَّ يَا أَطْلاَلَ مَيٍّ بِشَارِعٍ = على ما مَضَى من عَهْدِكُنَّ سَلاَمُ

وهذا الذي ذَكَرَهُ المؤلِّفُ ههنا عَجُزُ البيتِ، وصَدْرُه قولُه:

*إذَا هَمَلَتْ عَيْنِي لها قالَ صَاحِبِي*


اللغَةُ: (الأَطْلاَلُ) جَمْعُ طَلَلٍ، وهو ما بَقِيَ شَاخِصاً مِن آثارِ الدِّيارِ، (شَارِعٌ) اسمُ مكانٍ، وأَبْدَلَ قَوْلَه: (على ما مَضَى مِن عَهْدِكُنَّ) مِن قَوْلِهِ: (عَلَيْكُنَّ يَا أَطْلاَلَ مَيٍّ)، (هَمَلَتْ عَيْنِي) فاضَ دَمْعُها وسَالَتْ شُؤُونُها، كما يَسِيلُ المطرُ ويَنْهَمِرُ، (هذا) أرادَ: يا هذا، (لَوْعَةٌ) بفتحِ اللامِ وسكونِ الواوِ: هي حُرْقَةٌ في القَلْبِ من أَلَمِ الحُبِّ، (غَرَامُ) الغرامُ بفتحِ أَوَّلِهِ وثَانِيهِ، بِزِنَةِ السَّحَابِ: أصلُه كلُّ ما تُرِكَ صَاحِبُه غيرَ مُسْتَطِيعٍ أنْ يَلَذَّ شَيْئاً، معَ وُلُوعٍ وشِدَّةِ رَغْبَةٍ فيمَن أُغْرِمَ به.
الإعرابُ: (إذا) ظرفٌ لِمَا يُسْتَقْبَلُ مِن الزمانِ خَافِضٌ لشرطِه منصوبٌ بجوابِه، (هَمَلَتْ) هَمَلَ: فعلٌ ماضٍ، والتاءُ علامةُ التأنيثِ، (عَيْنِي) عَيْنِ: فاعلُ هَمَلَ مرفوعٌ بضمَّةٍ مقدَّرَةٍ على ما قبلَ ياءِ المتكلِّمِ، وعينِ مضافٌ وياءُ المتكلِّمِ مضافٌ إليه، وجملةُ الفعلِ وفاعلِه في مَحَلِّ جَرٍّ بإِضافةِ إذا إليها، (لها) اللامُ حرفُ جرٍّ دالٌّ على التعليلِ، وضميرُ الغائبةِ العائدُ إلى المحبوبةِ مبنيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ جَرٍّ باللامِ، والجارُّ والمجرورُ متعلِّقٌ بِهَمَلَ، (قالَ) فعلٌ ماضٍ، (صَاحِبِي) صاحِبِ: فاعلُ قالَ مرفوعٌ بضَمَّةٍ مُقَدَّرَةٍ على ما قبلَ ياءِ المتكلِّمِ، وياءُ المتكلِّمِ مضافٌ إليه، والجملةُ مِن الفعلِ والفاعلِ لا مَحَلَّ لها مِن الإعرابِ؛ جَوَابُ إذا، (بِمِثْلِكَ) الباءُ حرفُ جَرٍّ، مثلِ: مجرورٌ بالباءِ، والجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرٌ مُقَدَّمٌ، ومثلِ مضافٌ وضميرُ المخاطَبِ مضافٌ إليه مبنيٌّ على الفتحِ في مَحَلِّ جَرٍّ، (هذا) ها: حرفُ تَنْبِيهٍ، وذا: اسمُ إشارةٍ مُنَادَى بحَرْفِ نِدَاءٍ مَحْذُوفٍ، والتقديرُ: يا هذا، (لَوْعَةٌ) مبتدأٌ مُؤَخَّرٌ مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، (وغَرَامُ) الواوُ حَرْفُ عَطْفٍ مَبْنِيٌّ على الفتحِ، لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، غَرَامُ: معطوفٌ على لوعةٌ مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، وجملةُ المبتدأِ وخبرِه في مَحَلِّ نَصْبٍ مقولُ القولِ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (هذا) حيثُ نَادَى اسمَ الإشارةِ، وحَذَفَ معَه حرفَ النداءِ، وقد أجازَ نُحَاةُ الكُوفَةِ حَذْفَ حَرْفِ النداءِ إذا كانَ المنادَى اسمَ إشارةٍ، واسْتَدَلُّوا عليه بهذا البيتِ، وبقولِ الآخَرِ:

ذا، ارْعِوَاء، فَلَيْسَ بَعْدَ اشْتِعَالِ الـ = رَّأْسِ شَيْباً إِلَى الصِّبَا مِنْ سَبِيلِ

فإنَّه أرادَ: يا هذا، ارْعَوِ ارْعِوَاءً... إلخ، فحَذَفَ حرفَ النداءِ، ومِثْلُه قَوْلُ الآخَرِ:

إنَّ الأُلَى وُصِفُوا قَوْمِي لَهُمْ فَبِهِمْ = هَذَا اعْتَصِمْ تَلْقَ مَنْ عَادَاكَ مَخْذُولاَ

فإنَّه أرادَ: إنَّ الأُلَى وُصِفُوا لهم هم قَوْمِي، فبهم اعتصم يا هذا ... إلخ، وعليه جاءَ قولُ المُتَنَبِّي:

هَذِي بَرَزْتِ لَنَا فَهِجْتِ رَسِيسَا = ثُمَّ انْثَنَيْتِ وَمَا شَفَيْتِ نَسِيسَا

فإنَّه أرادَ: يا هذه، قد بَرَزْتِ وظَهَرْتِ، فهَيَّجْتِ، وأَثَرْتِ ما كانَ كامِناً من الحبِّ عندَنا.
فإنْ قُلْتَ: فهل يَجُوزُ نداءُ اسمِ الإشارةِ ويُذْكَرُ حرفُ النداءِ؟
فالجوابُ: أنَّ العلماءَ قد اتَّفَقُوا على جَوَازِ نداءِ اسمِ الإشارةِ حينَئذٍ، إذا لم تَتَّصِلْ به كافُ الخِطابِ، واخْتَلَفُوا في جَوَازِ نِدَائِه إذا اتَّصَلَتْ به كافُ الخِطابِ –نحوَ ذلكَ وذاكَ – والصحيحُ المختارُ عدمُ جوازِ ندائِه حينَئذٍ.
فإنْ قُلْتَ: فلماذا كانَ الصحيحُ عدمَ جوازِ نداءِ اسمِ الإشارةِ إذا كانَ مُقْتَرِناً بكافِ الخِطابِ؟
فالجوابُ: أنك إذا قُلْتَ: (ذاكَ) أو (ذَلِكَ) فالمشارُ إليه واحدٌ، والمخاطَبُ بهذه الإشارةِ واحدٌ آخَرُ، فإذا قُلْتَ: (يا ذاكَ) لَزِمَ أنْ يكونَ المُشارُ إليه مُخَاطَباً بسببِ النداءِ، معَ أنَّ الكافَ المُتَّصِلَةَ به تَدُلُّ على أنَّ المُخَاطَبَ غَيْرُه، فلما لَزِمَ هذا التناقُضُ بِسَبَبِ النداءِ امْتَنَعَ في هذه الحالِ، وكلُّ الشواهدِ التي سَمِعْتَها – وإنْ كانَتْ شَاذَّةً من ناحيةٍ أُخْرَى عندَ البَصْرِيِّينَ – ليسَ فيها اسمُ إشارةٍ مُقْتَرِنٌ بحرفِ الخِطَابِ.
فإنْ قُلْتَ: فما عِلَّةُ عَدَمِ جَوَازِ حَذْفِ حرفِ النداءِ إذا كانَ المُنَادَى اسمَ إشارةٍ؟
فالجوابُ: أنَّ اسمَ الإشارةِ يُشْبِهُ اسمَ الجنسِ مِن حيثُ المَعْنَى، ومِن حَقِّ اسمِ الجنسِ إذا نُودِيَ ألاَّ يُحْذَفَ مِنه حرفُ النداءِ؛ لأنَّ حرفَ النداءِ معَ اسمِ الجنسِ كالعِوَضِ مِن أداةِ التعريفِ، وقد عَلِمْتَ أنه لا يُجْمَعُ في الذِّكْرِ بينَ العِوَضِ والمُعَوَّضِ، وكذلك لا يُجْمَعُ بينَهما في الحَذْفِ، ولَمَّا كانَ اسمُ الإشارةِ بمنزلةِ اسمِ الجِنْسِ جَرَى مَجْرَاهُ في ذلكَ.

([20]) هذا مَثَلٌ يُضْرَبُ لمَن يَتَكَبَّرُ وقد تَوَاضَعَ مَن هو أشرفُ مِنه، وتمامُه: (إِنَّ النَّعَامَ فِي القَرَا)، ومعناه: اخْفِضْ يا كَرَوَانُ عُنُقَكَ للصيدِ؛ فإنَّ مَن هو أكبرُ وأطولُ عُنُقاً مِنكَ – وهو النعامةُ – قد صِيدَ، فكَرَا: مُرَخَّمُ كَرَوَانَ بحذفِ النونِ وحرفِ اللِّينِ الذي قبلَها، وشذوذُ هذا مِن جِهَتَيْنِ: حذفُ حرفِ النداءِ، وتَرْخِيمُه.

([21]) هذا مَثَلٌ يُضْرَبُ لِكُلِّ مُضْطَرٍّ وَقَعَ في شِدَّةٍ ثُمَّ هو يَبْخَلُ بأنْ يَفْتَدِيَ نَفْسَه بشيءٍ مِن مَالِهِ.

([22]) مَثَلٌ يُضْرَبُ عندَ إظهارِ الكراهةِ للشيءِ؛ أي: لِتَذْهَبْ أيُّها الليلُ ولْيَأْتِ الصبْحُ بَدِيلاً مِنْكَ.

([23]) اخْتَلَفَ النُّحَاةُ في الاسمِ المعرِفَةِ قبلَ النداءِ كالعَلَمِ: هل تعريفُه السابقُ باقٍ أم زالَ عنه ذلك التعريفُ وحَلَّ مَحَلَّه تعريفٌ آخَرُ؟
فذَهَبَ ابنُ السَّرَّاجِ إلى أنَّ التعريفَ السابقَ على النداءِ باقٍ له بعدَ النداءِ، وتَبِعَه ابنُ مَالِكٍ، وذَهَبَ أبو العبَّاسِ المُبَرِّدُ وأبو عليٍّ الفارِسِيُّ إلى أنَّ التعريفَ السابقَ على النداءِ قد سُلِبَ عنه، وأنه بعدَ النداءِ معرفةٌ بالإقبالِ عليه والقصدِ له، وهذا رأيٌ ضعيفٌ لا نَرَى لكَ أنْ تَأْخُذَ به؛ وذلك لأنَّ مِن المعارِفِ ما لا يَقْبَلُ سَلْبَ التعريفِ عنه؛ لأنَّه لا يَقْبَلُ التنكيرَ بحالٍ مِن الأحوالِ، معَ أنها تُنَادَى، وذلك كاسمِ اللهِ تعالى وكأسماءِ الإشارةِ، فإذا قلتَ: (يا اللهُ) أو قُلْتَ: (يا هذا) لم يُمْكِنِ ادِّعَاءُ تَنْكِيرِهِما.

([24]) هذا ما رَآهُ ابنُ الناظِمِ، رَأَى أنَّ النَّكِرَةَ المقصودةَ تُعَرَّفُ عندَ النداءِ بسببِ الإقبالِ والقصدِ، وذَهَبَ قومٌ إلى أنه يَتَعَرَّفُ بألْ مَحْذُوفَةً، وأنَّ (يا) نَابَتْ عن ألْ.

([25]) 434-هذا الشاهِدُ صَدْرُ بَيْتٍ مِن الطويلِ، وقد وَقَعَ صَدْرَ بيتٍ في شِعْرِ جماعةٍ مِن الشعراءِ، وأَشْهَرُهُم عبدُ يَغُوثَ بنُ وَقَّاصٍ الحَارِثِيُّ، وبيتُه من قصيدةٍ يقولُها وقد أَسَرَتْهُ التيمُ يومَ المكلابِ الثاني، والبيتُ بتمامِه قولُه:

فيَا رَاكِباً إِمَّا عَرَضْتَ فَبَلِّغَنْ = نَدَامَايَ مِنْ نَجْرَانَ أَنْ لا تَلاَقِيَا

ومنهم ضَابِئُ البُرْجُمِيُّ، وبيتُه قولُه:

فيا رَاكِباً إِمَّا عَرَضْتَ فَبَلِّغَنْ = أُمَامَةَ عَنِّي والأُمُورُ تَدُورُ

ومنهم مالِكُ بنُ الرَّيْبِ المَازِنِيُّ، وبيتُه قولُه:

فيا رَاكِباً إِمَّا عَرَضْتَ فَبَلِّغَنْ = بَنِي مَازِنٍ والرَّيْبِ أَنْ لاَ تَلاَقِيَا

اللغةُ: (رَاكِباً) الرَّاكِبُ اسمُ الفاعلِ مِن (رَكِبَ فلانٌ) وهو في الأصلِ صالحٌ للإطلاقِ على كلِّ راكبٍ، سواءٌ أكانَ ما يَرْكَبُه فَرَساً أم جَمَلاً أم ناقةً أم غَيْرَهُنَّ، ولكنَّ الاستعمالَ جَرَى على ألاَّ يُقالَ: (راكِبٌ) بالإطلاقِ إلاَّ لِرَاكِبِ الجَمَلِ والناقةِ، ويقالُ: (فارِسٌ) لراكبِ الفرسِ، (عَرَضْتَ) يُطْلَقُ على مَعْنَيَيْنِ:
أَحَدُهما: تَعَرَّضْتَ وظَهَرْتَ.
وثانيهما: أَتَيْتَ العَرُوضَ، والعَرُوضُ – بفتحِ العينِ بِزِنَةِ رَسُولٍ – اسمٌ لِمَكَّةَ والمدينةِ وما حَوْلَهُما، وقالَ بعضُهم: معناه هنا: أَتَيْتَ العرضَ، وهي جِبَالٌ بِنَجْدٍ.
المعنى: زادَ بهذا الشاعرِ الشوقُ إلى أهلِه ومنازِلِهم، وبَرِحَ به الوَجْدُ بهم، فَنَادَى مَن يكونُ طَرِيقُه عليهم، وسَأَلَه أنْ يُبَلِّغَهُم رِسَالَتَه إليهم، وهي أنه يَئِسَ من الحياةِ، وأَصْبَحَ يَعْتَقِدُ أنهم لا يَتَلاقَوْنَ أبداً.
الإعرابُ: (يا) حرفُ نداءٍ مَبْنِيٌّ على السكونِ لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، (رَاكِباً) مُنَادًى منصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ، (إمَّا) مُكَوَّنَةٌ مِن حرفيْنِ: أحدُهما إنِ الشرطيَّةُ، وثانيهما ما الزائدةُ، (عَرَضْتَ) عَرَضَ: فعلٌ ماضٍ فعلُ الشرطِ مبنيٌّ على فتحٍ مُقَدَّرٍ على آخرِه في مَحَلِّ جَزْمٍ فعلُ الشرطِ، وتاءُ المُخَاطَبِ فاعلُه مبنيٌّ على الفتحِ في مَحَلِّ رَفْعٍ، (فَبَلِّغَن) الفاءُ واقعةٌ في جوابِ الشرطِ، بَلِّغَ: فعلُ أمرٍ مَبْنِيٌّ على الفتحِ لاتِّصالِهِ بنونِ التوكيدِ الخفيفةِ، ونونُ التوكيدِ الخفيفةُ حرفٌ لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تقديرُه أنتَ، (نَدَامَايَ) نَدَامَى: مفعولٌ به لِبَلِّغْ منصوبٌ بفتحةٍ مقدَّرَةٍ على الألِفِ، ونَدَامَى مضافٌ وياءُ المتكلِّمِ مضافٌ إليه مَبْنِيٌّ على الفتحِ في مَحَلِّ جَرٍّ، (مِن) حرفُ جرٍّ، (نَجْرَانَ) مجرورٌ بِمِن وعلامةُ جَرِّهِ الفتحةُ نِيَابَةً عن الكسرةِ؛ لأنَّه لا يَنْصَرِفُ؛ للعَلَمِيَّةِ والتأنيثِ، والجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ حالٌ مِن الندامَى، (أنْ) مخفَّفَةٌ من الثقيلةِ، واسمُها ضميرُ شأنٍ محذوفٌ، (لا) نافيةٌ للجِنْسِ، (تَلاَقِيَا) اسمُ لا مَبْنِيٌّ على الفتحِ في مَحَلِّ نصبٍ، والألِفُ للإطلاقِ، وخبرُ لا محذوفٌ، وتقديرُ الكلامِ: لا تَلاقِيَ لنا، والجملةُ مِن لا وَاسْمِها وخبرِها في مَحَلِّ رفعٍ خبرُ أنِ المخفَّفَةِ، وأنِ المخفَّفَةُ معَ ما دَخَلَتْ عليه في تأويلِ مَصْدَرٍ منصوبٍ بِبَلِّغْ.
الشاهدُ فيه: قولُه: (فيا رَاكِباً)؛ حيثُ وَقَعَ فيه نداءُ الاسمِ المنكورِ الذي لا يُقْصَدُ به مُعَيَّنٌ، وانْتَصَبَ، فدَلَّ على أنَّ ما ذَهَبَ إليه المازِنِيُّ مِن استحالةِ هذا النوعِ غيرُ صَحِيحٍ؛ لوقوعِه في كلامِ العربِ، ولا شَكَّ أنَّ المُتَكَلِّمَ لا يَقْصِدُ راكباً دونَ رَاكِبٍ، كما لا شَكَّ أنَّ جَمِيعَ ما رَوَيْنَا من الأبياتِ فيها ذلك الشاهِدُ، وكذلك قولُ الأَعْمَى أو المُتَرَدِّي في هُوَّةٍ: (يا رَجُلاً، خُذْ بِيَدِي) فإنَّه لا يُرِيدُ أنْ يُنَادِيَ رجلاً مُعَيَّناً لِيَأْخُذَ بِيَدِهِ، وإنما يُريدُ رجلاً أيَّ رَجُلٍ يَبْلُغُ سَمْعَه هذا النداءُ، ومثلُ ذلكَ قولُ الواعِظِ: (يا غافلاً والموتُ يَطْلُبُه)، لا يَقْصِدُ بهذه الموعظةِ غَافِلاً معيَّناً، ولكنَّه يُرِيدُ كلَّ واحدٍ غَافِلٍ مِمَّن يَسْمَعُ الموعظةَ.

([26]) ادَّعَى المَازِنِيُّ أنَّ النداءَ معناه طَلَبُ إقبالِ مَن تُنَادِيه عليكَ، وأنَّ غيرَ المُعَيَّنِ لا يُمْكِنُ فيه ذلك، وعلى هذا يكونُ التنوينُ في النكرةِ ضرورةً أو شاذًّا، وقد بَيَّنَّا لك في شرحِ الشاهدِ 434 أنَّ ما ادَّعَاهُ المازنِيُّ غيرُ سَدِيدٍ، وأنَّ الصوابَ في كلامِ غيرِه مِن النُّحَاةِ.

([27]) وقد رَدَّ العلماءُ مَذْهَبَ أبي العبَّاسِ أَحْمَدَ بنِ يحيى – ثَعْلَبٌ - بأَمريْنِ:
الأوَّلُ: أنه لم يَرِدْ بما قالَه سَمَاعٌ مِن العربِ.
والثاني: أنَّ السرَّ في بناءِ المنادَى مُشَابَهَتُه للضميرِ، والصفةُ المضافةُ إلى مَعْمُولِها لَيْسَتْ بهذه المنزلةِ.

([28]) ذَكَرَ المؤلِّفُ للشبيهِ بالمضافِ أربعةَ أمثلةٍ:
الأَوَّلُ مِنها تَجِدُ فيه ما اتَّصَلَ بالمنادَى مرفوعاً به، نحوُ: (يا حَسَناً وَجْهُهُ)، و(يا مَرْضِيًّا خُلُقُه)، و(يا بَدِيعاً نَظْمُهُ).
والثاني منها تَجِدُ ما اتَّصَلَ بالمنادَى منصوباً به، نحوُ: (يا طَالِعاً جَبَلاً)، و(يا قاضياً حَاجَاتِ إخوانِه)، و(يا مُؤَدِّياً وَاجِبَه).
والثالثُ منها تَجِدُ ما اتَّصَلَ بالمنادَى مجروراً بحرفِ جرٍّ مُتَعَلِّقٍ به، نحوُ: (يا رَفِيقاً بالعبادِ)، و(يا قانِعاً بما قَسَمَ اللهُ له)، و(يا مُقَدِّراً للعوَاقِبِ)، و(يا حاملاً لأَعْبَاءِ العَشِيرَةِ).
والرابعُ منها تَجِدُ ما اتَّصَلَ بالمنادَى معطوفاً عليه، نحوُ: (يا ثلاثةً وثلاثينَ)، إذا كُنْتَ قد سَمَّيْتَ بهذا المعطوفَ والمعطوفَ عليه، وقد ذَكَرَ في هذا الأخيرِ تفصيلاً.
وممَّا يَنْبَغِي أنْ يُعَدَّ مِن نوعِ الشبيهِ بالمضافِ شيئانِ آخرانِ لم يَذْكُرْهُما المؤلِّفُ:
الأوَّلُ: الاسمُ المفردُ المُنَكَّرُ الموصوفُ، نحوُ قولِكَ: (يا رَجُلاً فَاضِلاً)، ونحوُ: (يا رجلاً يَجْبُرُ الكَسِيرَ) إذا كنتَ قد قَصَدْتَ به مُعَيَّناً، وكان النداءُ طارئاً على الصفةِ والموصوفِ جميعاً.
الثاني: الوصفُ المقترِنُ بجملةٍ، نحوُ: (يا عَظِيماً يُرْجَى لكلِّ عظيمٍ)، و(يا لطيفاً لم يَزَلْ)، و(يا حَلِيماً لا يَعْجَلُ)، و(يا كريماً يُعْطِي الجَزِيلَ)، و(يا جَوَاداً لا يَبْخَلُ)، ولَيْسَتْ هذه الجملةُ نعتاً للوصفِ قبلَها، وإنما هي في مَحَلِّ نصبٍ حالٌ مِن ضميرٍ مُسْتَتِرٍ في الوصفِ مرفوعٍ على أنه فاعلُه، والسرُّ في هذا أنَّ هذا الوصفَ صارَ معرفةً بسببِ الإقبالِ عليه:
والجملةُ لا تَقَعُ نعتاً للمعرفةِ، وهذا الضميرُ المُسْتَتِرُ في الوصفِ هو ضميرُ المخاطَبِ المقصودِ بالنداءِ، والعاملُ في الحالِ هو العاملُ في صاحبِه، وذلك العامِلُ هو الوصفُ، وإذا كانَ في الجملةِ ضميرٌ يُرَادُ به المنادَى جازَ أنْ يُؤْتَى به ضميرَ غائبٍ وأنْ يُؤْتَى به ضميرَ مخاطَبٍ، فتقولُ: (يا جَوَاداً جُودُه مِن غيرِ مَنٍّ ولا مَسْأَلَةٍ)، أو تقولُ: (يا جَوَاداً جُودُكَ مِن غيرِ مَنٍّ ولا مسألةٍ)، وإذا كانَتِ الجملةُ فعليَّةً فِعْلُها مضارِعٌ جازَ أنْ يُبْدَأَ بياءِ المضارعةِ كما في الأمثلةِ التي ذَكَرْنَاها لكَ أوَّلاً، وجازَ أنْ يُبْدَأَ بتاءِ المضارعةِ، فتقولُ: (يا عَظِيماً تُرْجَى لكلِّ عظيمٍ)، و(يا لطيفاً لم تَزَلْ).
هذا الذي قَرَّرْنَاهُ لكَ هو رأيُ ابنِ هِشَامٍ، وهو يُخَالِفُ رأيَ ابنِ مالِكٍ الذي جَعَلَ الجملةَ التاليةَ للوصفِ نعتاً له، ورَأْيُ ابنِ هشامٍ عِنْدَنا أَدَقُّ وأَسَدُّ.
وسيأتي في شرحِ الشاهدِ (رَقْمِ 438) نُخَرِّجُ على هذا الكلامِ عِدَّةً مِن الشواهدِ، فانْظُرْ ما ذَكَرْناه هناكَ.

([29]) ظاهرُ هذه العبارةِ صالحٌ لأنْ يَشْمَلَ ما إذا كانَ العَلَمُ الذي أُضِيفَ (ابنُ) إليه مذكَّراً، نحوُ: (يا زيدُ بنَ مُحَمَّدٍ)، وما إذا كانَ مُؤَنَّثاً، نحوُ: (يا عَمْرُو ابنَ هِنْدٍ)، والأوَّلُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بينَ النُّحَاةِ، والثاني مَحَلُّ خلافٍ بينَهم.

([30]) 435-قدِ اخْتَلَفُوا في نِسْبَةِ هذا الشاهدِ إلى قائلِه، فنَسَبَه الجَوْهَرِيُّ إلى رُؤْبَةَ بنِ العَجَّاجِ، ونَسَبَه الأَعْلَمُ في شَرْحِ شواهدِ سِيبَوَيْهِ (ج/1 ص313) إلى رَجُلٍ مِن بني الحِرْمَازِ يَمْدَحُ أميرَ البصرةِ على عهدِ هشامِ بنِ عبدِ المَلِكِ، واسمُه الحَكَمُ بنُ المُنْذِرِ العَبْدِيُّ، والذي ذَكَرَه المؤلِّفُ ههنا بيتٌ مِن الرَّجَزِ المشطورِ، وبعدَه قولُه:

*سُرَادِقُ المَجْدِ عَلَيْكَ مَمْدُودْ*

وقد رَوَى ابنُ قُتَيْبَةَ هذا الشاهِدَ ضِمْنَ أَبْيَاتٍ في كتابِ (المَعَارِفِ) (ص339 دار الكتب)، ونَسَبَها إلى الكَذَّابِ الحِرْمَازِيِّ، وتَجِدُ تَرْجَمَةً له في كتابِ (المُؤْتَلِفِ والمُخْتَلِفِ) (ص 170)، وفي زِيَادَاتِ دِيوَانِ أَرَاجِيزِ رُؤْبَةَ بنِ العَجَّاجِ (ص172) سبعةُ أبياتٍ مِن مَشْطُورِ الرَّجَزِ يَقَعُ بيتُ الشاهدِ أَوَّلَهَا، والبيتُ الذي أَثَرْنَاهُ خَامِسَها.
اللغةُ: (الجَارُودُ) هذا لَقَبٌ كانَ جَدُّ المَمْدُوحِ يُلَقَّبُ به، وسَبَبُه أنه أغارَ على قومٍ فاسْتَاقَ كلَّ أموالِهم، فشَبَّهُوهُ بالسيلِ الذي يَنْزِلُ شديداً فيَكْتَسِحُ كلَّ شيءٍ أَمَامَه، (سُرَادِقُ المَجْدِ) السُّرَادِقُ – بضمِّ السينِ وفتحِ الراءِ، وبعدَ الألفِ دالٌ مكسورةٌ – أصلُه الخِبَاءُ الذي يُمَدُّ فوقَ صَحْنِ البيتِ، والمَجْدُ: عُلُوُّ المنزلةِ وسُمُوُّ القَدْرِ في سِيَادَةٍ، وقد جَعَلَ المَجْدَ ذا سُرَادِقٍ على سبيلِ الاستعارةِ بالكنايةِ، وإضافةُ السُّرادِقِ إليه تَخْيِيلٌ، والعبارةُ كلُّها كنايةٌ عن ثُبُوتِ صفةِ المجدِ للممدوحِ، نظيرُ قولِ الآخَرِ:

إنَّ السَّمَاحَةَ والمُرُوءَةَ وَالنَّدَى = في قُبَّةٍ ضُرِبَتْ عَلَى ابنِ الحَشْرَجِ

الإعرابُ: (يا) حرفُ نداءٍ مَبْنِيٌّ على السكونِ لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، (حَكَمَُ) منادًى يجوزُ أنْ يكونَ مَبْنِيًّا على الضمِّ في مَحَلِّ نصبٍ، ويجوزُ أنْ يكونَ مَبْنِيًّا على الفتحِ للإتبَاعِ في مَحَلِّ نصبٍ أيضاً، والأحسنُ أنْ تقولَ: مَبْنِيٌّ على ضمٍّ مُقَدَّرٍ على آخِرِهِ مَنَعَ مِن ظُهُورِهِ حَرَكَةُ الإتباعِ في مَحَلِّ نصبٍ، (بنَ) نَعْتٌ للحَكَمِ باعتبارِ مَحَلِّه منصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ، وهو مضافٌ و(المُنْذِرِ) مضافٌ إليه، (بنِ) نعتٌ للمُنْذِرِ مجرورٌ بالكسرةِ الظاهرةِ، وهو مضافٌ و(الجَارُودْ) مضافٌ إليه مجرورٌ بالكسرةِ الظاهرةِ، وسُكِّنَ لأجلِ الوقفِ.
الشاهدُ فيه: قولُه: (يا حَكَمَ). فإنَّ الروايةَ فيه بالفتحِ كما هو مختارُ البَصْرِيِّينَ (وانْظُرِ الشاهدَ رَقْمَ 431 السابقَ قَريباً).

([31]) 436-هذا الشاهِدُ مِن قَصِيدَةٍ لجَرِيرِ بنِ عَطِيَّةَ يَمْدَحُ فيها عُمَرَ بنَ عبدِ العزيزِ بنِ مَرْوَانَ، وأَوَّلُ هذه القصيدةِ قولُه:

أَبَتْ عَيْنَاكَ بالحَسَنِ الرُّقَادَا = وأَنْكَرْتَ الأَصَادِقَ والبِلاَدَا

وما ذَكَرَه المؤلِّفُ عَجُزُ بيتٍ مِن الوافِرِ، وصَدْرُه قولُه:

*فما كَعْبُ بنُ مَامَةَ وابنُ سُعْدَى*

اللغةُ: (ابنُ سُعْدَى) يُرْوَى في مكانِه: (وابنُ أَرْوَى) أمَّا كَعْبُ بنُ مَامَةَ فهو كَعْبٌ الإِيَادِيُّ الذي يُضْرَبُ به المَثَلُ في الكَرَمِ والإيثارِ؛ لأنَّه آثَرَ رَفِيقاً له بالماءِ الذي كانَ نَصِيبَه، وكانوا في سَفَرٍ فَضَلُّوا وانْقَطَعُوا عن المياهِ، وما زالَ يُؤْثِرُهُ بِنَصِيبِه حتَّى ماتَ عَطَشاً، وأمَّا ابنُ سَعْدَى فهو أَوْسُ بنُ حَارِثَةَ بنِ لأْمٍ الطائيُّ، ومَن رَوَى (ابنُ أَرْوَى) فقد قالَ العلماءُ: عَنَى به أميرَ المؤمنينَ عثمانَ بنَ عفَّانَ.
الإعرابُ: (ما) حرفُ نفيٍ يجوزُ أنْ تكونَ حِجَازِيَّةً عاملةً عَمَلَ ليسَ، ويجوزُ أنْ تكونَ تَمِيمِيَّةً مُهمَلةً، (كَعْبُ) اسمُ ما على الأوَّلِ، ومبتدأٌ على الثاني، مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، وهو مضافٌ و(مَامَةَ) مضافٌ إليه مجرورٌ بالفتحةِ نيابةً عن الكسرةِ؛ لأنَّه لا يَنْصَرِفُ للعلميَّةِ والتأنيثِ، (وابنُ) الواوُ حرفُ عطفٍ مَبْنِيٌّ على الفتحِ لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، ابنُ: معطوفٌ على كَعْبُ مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، وهو مضافٌ و(أَرْوَى) مضافٌ إليه، (بِأَجْوَدَ) الباءُ حرفُ جرٍّ زائدٌ، أَجْوَدَ: خبرُ ما العاملةِ عملَ ليسَ، أو خبرُ المبتدأِ إنْ جَعَلْتَ ما تميميَّةً مُهْمَلَةً، (مِنْكَ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بأجودَ، (يا) حرفُ نِدَاءٍ مَبْنِيٌّ على السكونِ لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، (عُمَرَ) مُنَادًى مَبْنِيٌّ على الفتحِ؛ لأنَّه منعوتٌ بالجَوَادِ المنصوبِ، أو مَبْنِيٌّ على ضمٍّ مُقَدَّرٍ مَنَعَ مِن ظُهُورِهِ فتحُ الإتباعِ، (الجَوَادَ) نعتٌ لِعُمَرَ على اللفظِ. والألفُ للإطلاقِ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (يَا عُمَرَ الجَوَادَا) فإنَّ الروايةَ فيه بفتحِ عمرَ، وبفتحِ الجوادِ، بدليلِ قوافي القصيدةِ، وقد اسْتَدَلَّ به الكُوفِيُّونَ على أنَّ المنادَى الموصوفَ يجوزُ فيه الفتحُ، سَواءٌ أكانَ الوصفُ لفظَ ابنٍ أمْ لم يَكُنْ، وهو عندَ البَصْرِيِّينَ مَحْمُولٌ على أنَّ عُمَرَ قد حُذِفَتْ منه الألفُ، وأصلُه (يا عُمَرَا)؛ تَخَلُّصاً من الساكنيْنِ؛ أي: فهو كالمندوبِ، وهذه الألفُ المحذوفةُ كألفِ النُّدْبَةِ، وهذه الفتحةُ حركةُ المناسبَةِ لا حركةُ العاملِ، وهذا بعيدٌ؛ لِمَا فيه من التكلُّفِ.

([32]) وَرَدَتْ هذه الجملةُ في بيتٍ مِن الطويلِ، وهو بتمامِه:

أيا سَعْدُ سَعْدَ الأَوْسِ كُنْ أَنْتَ مَانِعاً = ويا سَعْدُ سَعْدَ الخَزْرَجِينَ الغَطَارِفِ

ونظيرُ هذا البيتِ قولُ عبدِ اللهِ بنِ رَوَاحَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في زَيْدِ بنِ أَرْقَمَ – وكانَ يَتِيماً في حِجْرِهِ – يومَ غَزَاةِ مُؤَتَةَ:

يا زَيْدُ زَيْدَ اليَعْمَلاَتِ الذُّبَّلِ = تَطَاوَلَ الليلُ عَلَيْكَ فَانْزِلِ

ومثلُه قولُ جَرِيرِ بنِ عَطِيَّةَ بنِ الخَطَفِيِّ:

يا تَيْمُ تَيْمَ عَدِيٍّ لا أَبَا لَكُمُ = لا يَلْقَيَنَّكُمُ في سَوْأَةٍ عُمَرُ


([33]) إذا ضَمَمْتَ الاسمَ الأوَّلَ فهو مُنَادًى على الأصلِ في نِدَاءِ العَلَمِ المُفْرَدِ مَبْنِيٌّ على الضمِّ في مَحَلِّ نَصْبٍ، ونَصْبُ الاسمِ الثاني حينَئذٍ يَحْتَمِلُ خَمْسَةَ أَوْجُهٍ من أَوْجُهِ الإعرابِ:
الأَوَّلُ: أنْ يكونَ تَوْكِيداً للاسمِ الأوَّلِ.
والثاني: أنْ يكونَ بَدَلاً مِنه.
والثالِثُ: أنْ يكونَ عَطْفَ بَيَانٍ عليه.
وهو في هذه الأَوْجُهِ الثلاثةِ تابعٌ في إعرابِه لمَحَلِّ الاسمِ الأوَّلِ، فقد عَلِمْتَ أنه مَبْنِيٌّ على الضمِّ في مَحَلِّ نَصْبٍ.
والوجهُ الرابِعُ: أنه مفعولٌ به لفِعْلٍ محذوفٍ تَقْدِيرُه أَعْنِي، فهو كالنعتِ المقطوعِ إلى النصبِ.
والوجهُ الخامِسُ: أنه مُنَادًى مُسْتَأْنَفٌ وانْتَصَبَ لكونِه مُضافاً.
وقدِ اعْتَرَضَ قومٌ من العلماءِ – وهو أبو حَيَّانَ – الوجهَ الأَوَّلَ مِن هذه الأَوْجُهِ الخمسةِ، وقالَ: لا يجوزُ أنْ يكونَ الاسمُ الثاني توكيداً معنويًّا للاسمِ الأوَّلِ؛ لأنَّ التوكيدَ المعنويَّ له ألفاظٌ مُعَيَّنَةٌ محصورةٌ، وليسَ هذا منها، كما لا يجوزُ أنْ يكونَ توكيداً لفظيًّا؛ لأنَّ معَ الاسمِ الثاني زيادةً هي المضافُ إليه، ومعَ هذه الزيادةِ لا يَتَّفِقُ التوكيدُ معَ المؤكَّدِ في كمالِ المعنى.
وقالَ ابنُ هِشَامٍ في اعتراضِ هذا الوجهِ مِن وُجُوهِ الإعرابِ: إنَّ تعريفَ الاسمِ الأوَّلِ إما بالعَلَمِيَّةِ السابقةِ على النداءِ، وإما بالإقبالِ عليه الحاصِلِ بالنداءِ، فأمَّا تعريفُ الاسمِ الثاني فبالإضافةِ، ومعَ اختلافِ التعريفيْنِ لا يَحْصُلُ التوكيدُ.
ويقولُ أبو رَجَاءٍ: إنَّ هذا الاعتراضَ مَبْنِيٌّ على شيئيْنِ:
أَوَّلُهما: أنه يَجِبُ اتِّفَاقُ التوكيدِ والمؤكَّدِ في المعنَى إجمالاً وتفصيلاً.
والثاني: أنه يَجِبُ اتِّفَاقُهما في جِهَةِ التعريفِ، ونحنُ لا نُسَلِّمُ لُزُومَ واحدٍ مِن هذيْنِ، بل يَكْفِي اتِّفَاقُهُما في المعنى الإجمالِيِّ، كما يَكْفِي اتِّفَاقُهما في مُطْلَقِ التعريفِ وجِنْسِه، ولا يَلْزَمُ اتِّفَاقُهما في جِهَتِه، وعلى هذا يَصِحُّ أنْ يكونَ الاسمُ الثاني توكيداً للأوَّلِ.

([34]) اعْلَمْ أوَّلاً أنَّ المنادَى المُكَرَّرَ قد يكونُ عَلَماً، نحوُ: (يا سَعْدُ سَعْدَ الأَوْسِ)، ونحوُ: (يا تَيْمُ تَيْمَ عَدِيٍّ)، و(يا زَيْدُ زَيْدَ اليَعْمَلاَتِ)، وقد يكونُ وَصْفاً، نحوُ: (يا ماجدُ ماجدَ الأَبَوَيْنِ)، و(يا عَظِيمُ عَظِيمَ الخُلُقِ)، و(يا شَرِيفُ شريفَ النفسِ)، وقد يكونُ اسمَ جِنْسٍ غيرَ وصفٍ، نحوُ: (يا رَجُلُ رجلَ المُرُوءَةِ والنَّجْدَةِ).
ثمَّ اعْلَمْ أنه قدْ أَجْمَعَ البَصْرِيُّونَ والكُوفِيُّونَ على أنه يَجُوزُ في المنادَى المُنَكَّرِ الضمُّ والنصبُ إذا كانَ عَلَماً كالأمثلةِ الأُولَى، واخْتَلَفُوا فيما وَرَاءَ ذلك؛ فذَهَبَ علماءُ البَصْرَةِ إلى أنَّ الوصفَ واسمَ الجنسِ مثلُ العلمِ يَجِبُ في الاسمِ الثاني مِنهما النصبُ، ويجوزُ في الاسمِ الأَوَّلِ منهما الضمُّ والنصبُ بغيرِ تنوينٍ، وذَهَبَ علماءُ الكُوفَةِ إلى أنَّ هذا الحُكْمَ على هذا الوجهِ خاصٌّ بالعَلَمِ المُكَرَّرِ كالأمثلةِ الأُولَى، فأمَّا الوصفُ المُكَرَّرُ كالأمثلةِ الثانيةِ فقد ذَكَرَ المُحَقِّقُونَ عنهم أنهم يُوجِبُونَ في ثاني الوَصْفَيْنِ النصبَ بغيرِ تنوينٍ، ويُجِيزُونَ في أَوَّلِ الوصفيْنِ الضمَّ مِن غيرِ تنوينٍ، والنصبَ معَ التنوينِ، فيقولون على الثاني: (يا صَاحِباً صَاحِبَ بَكْرٍ). وأمَّا اسمُ الجنسِ نحوُ: (يا رَجُلُ رَجُلَ المُلِمَّاتِ)، فأَوْجَبُوا في أَوَّلِ الاسميْنِ الضمَّ، وأَوْجَبُوا في ثاني الاسميْنِ النصبَ.
وقد قَدَّمْنَا لكَ بَيَانَ وُجُوهِ الإعرابِ في هذا التركيبِ إذا ضَمَمْتَ الاسمَ الأوَّلَ.
ثم نقولُ: حَكَى المُؤَلِّفُ في إعرابِ نحوِ: (يا سَعْدَ سَعْدَ الأَوْسِ) – إنْ فَتَحْتَ الاسمَ الأوَّلَ – أربعةَ آراءٍ للنحاةِ، ونحنُ نُبَيِّنُها لكَ مُفَصَّلَةً تفصيلاً واضحاً، فنقولُ:
الرأيُ الأوَّلُ، وهو رأيُ شيخِ النُّحَاةِ سِيبَوَيْهِ رَحِمَه اللهُ: وحاصلُه أنَّ الاسمَ الأوَّلَ منادًى مضافٌ لِمَا بعدَ الاسمِ الثاني، فهو عندَ التحقيقِ منصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ، والاسمُ الثاني مُقْحَمٌ – أي: زائدٌ – بينَ المضافِ والمضافِ إليه، ويَلْزَمُ على هذا القولِ ثلاثةُ أشياءَ، كلُّ واحدٍ مِنها خلافُ الأصلِ:
أَوَّلُها: أنَّ فيه ادِّعَاءَ زِيَادَةِ الاسمِ، والأصلُ أنَّ الأسماءَ لا تُزَادُ.
والثاني: أن فيه الفصلَ بينَ المضافِ والمضافِ إليه، وقد عَلِمْتَ في بابِ الإضافةِ أنهما كالكَلِمَةِ الواحدةِ، فالفصلُ بينَهما كالفصلِ بينَ بعضِ أجزاءِ الكَلِمَةِ وبعضِها الآخَرِ، وذلك قبيحٌ غايةً في القُبْحِ.
والثالِثُ: أن فيه حَذْفَ التنوينِ مِن الاسمِ الثاني من غيرِ مُوجِبٍ اقْتَضَاهُ؛ لأنك عَلِمْتَ أنَّ هذا الاسمَ الثانِيَ غيرُ مضافٍ.
الرأيُ الثاني، وهو رأيُ أبي العَبَّاسِ مُحَمَّدِ بنِ يَزِيدَ المُبَرِّدِ: وحاصلُه أنَّ الاسمَ الأوَّلَ مُنَادًى مضافٌ لاسمٍ مُمَاثِلٍ لِمَا بعدَ الاسمِ الثاني، فهو منصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ، والاسمُ الثاني مضافٌ للاسمِ الذي بعدَه، فهو إما عطفُ بيانٍ على الأوَّلِ، وإما بَدَلٌ منه، وإما توكيدٌ لفظيٌّ له، وإما منادًى بحرفِ نداءٍ محذوفٍ، وأصلُ العبارةِ عندَه: (يا سَعْدَ الأوسِ سَعْدَ الأوسِ) فحَذَفَ من الأولِ نظيرَ ما أَثْبَتَه معَ الثاني، وهذا التخريجُ يَلْزَمُ عليه مخالفةُ الأصلِ من وجهٍ واحدٍ، وهو الحذفُ من الأوَّلِ لدَلالةِ الثاني على المحذوفِ، والأصلُ هو عكسُ ذلك، وهو الحذفُ من الثاني لدلالةِ الأوَّلِ على المحذوفِ.
الرأيُ الثالِثُ، وهو رأيُ الفَرَّاءِ: وحاصلُه أنَّ الاسميْنِ المُكَرَّرَيْنِ مُضافانِ لِمَا بعدَ الاسمِ الثاني، فكلٌّ مِنهما منادًى مُضافٌ منصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ، وكأنَّ الفَرَّاءَ قد أَرَادَ بهذا الرأيِ أنْ يَتَجَنَّبَ ما جاءَ في مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ مِن القولِ بزيادةِ الاسمِ، وما جاءَ في رأيِ المُبَرِّدِ مِن القولِ بِحَذْفِ المضافِ إليه وبقاءِ المضافِ على إعرابِه الذي كانَ له قَبْلَ الحذفِ، فوَقَعَ فيما لا نَظِيرَ له في العربيَّةِ، وهو القولُ بتوارُدِ عامليْنِ على معمولٍ واحدٍ لعملٍ واحدٍ، فإنك تَعْلَمُ أنَّ المضافَ يَعْمَلُ الجرَّ في المضافِ إليه، وفي قَوْلِهِ أنَّ كلَّ واحدٍ مِن الاسميْنِ المكرَّريْنِ مضافٌ إلى الاسمِ الواقعِ بعدَ الثاني منهما.
الرأيُ الرابِعُ، وهو رأيُ الأَعْلَمِ الشَّنْتَمْرِيِّ شارِحِ شواهدِ سِيبَوَيْهِ : وحاصلُه أنَّ الاسميْنِ المُكَرَّرَيْنِ قد تَرَكَّبَا معاً تَرَكُّبَ أَحَدَ عَشَرَ، فهما مَبْنِيَّانِ على فتحِ الجُزْأَيْنِ، وقد صَارَا كَلِمَةً واحدةً، ثُمَّ أُضِيفَ هذا المركَّبُ إلى الاسمِ الواقعِ بعدَه كما يُضافُ أَحَدَ عَشَرَ وأَخَوَاتُه إلى صاحبِ العِدَّةِ، فيقالُ: (أحدَ عَشَرَ زَيْدٍ) و(خَمْسَةَ عَشَرَ بَكْرٍ)= وعلى ذلك يكونُ المنادَى مَبْنِيًّا على فتحِ الجُزأيْنِ في مَحَلِّ نصبٍ؛ لكونِهِ مضافاً.
ومِن تقريرِ هذه الآراءِ الأربعةِ على البيانِ والتفصيلِ الذي قَرَّرْنَاهُ لكَ تَتَبَيَّنُ لك الحقائقُ الآتيةُ:
الحقيقةُ الأولى: أنَّ الأَئِمَّةَ الأربعةَ قد جَعَلُوا هذا المثالَ من نوعِ المنادَى المضافِ.
الحقيقةُ الثانيةُ: أنَّ رأيَ سِيبَوَيْهِ يَلْزَمُ عليه ارتكابُ ثلاثةِ أشياءَ، كلُّ واحدٍ منها خلافُ الأصلِ، وإنْ كانَ كلُّ واحدٍ منها على استقلالِه قد وَرَدَ في بعضِ المسائلِ مُخَالِفاً لأصلِه، وأنَّ مَذْهَبَ أبي العبَّاسِ المُبَرِّدِ لَزِمَ عليه مخالفةُ الأصلِ في أمرٍ واحدٍ، وأنَّ رأيَ الفَرَّاءِ قد خَالَفَ الأصلَ في أمرٍ واحدٍ أيضاً، لكنَّه ليسَ مِمَّا يُغْتَفَرُ ارْتِكَابُه، ومثلُه رأيُ الأعلمِ.
وبعدُ، فقد نَظَرْنَا في هذه المسألةِ، وفيما يَتَرَتَّبُ على كلِّ رأيٍ مِن هذه الآراءِ، فوَجَدْنَا أَقَلَّهَا تَكَلُّفاً وأَيْسَرَها مُخَالَفَةً للأصولِ المَرْعِيّةِ هو رأيَ أبي العَبَّاسِ المُبَرِّدِ، ومِن أَجْلِ ذلك كانَ خَلِيقاً أنْ يكونَ هو الرأيَ السديدَ في هذه المسألةِ، فاعْرِفْ ذلك، وكُنْ منه على يَقِينٍ، واللهُ يُوَفِّقُكَ ويَرْعَاكَ.

([35]) 437-هذا الشاهدُ مِن كلامِ الأَحْوَصِ، وقد مَضَى بيتٌ آخرُ من أبياتِ قصيدةِ هذا الشاهدِ في بابِ الإضافةِ (وهو الشاهِدُ رَقْمُ 360)، وما أَنْشَدَهُ المؤلِّفُ ههنا صدرُ بيتٍ مِن الوافرِ، وعَجُزُهُ قولُه:

*وليسَ عَلَيْكَ يا مَطَرُ السَّلامُ*

الإعرابُ: (سَلاَمُ) مبتدأٌ مَرْفُوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، وهو مضافٌ، و(اللهِ) مضافٌ إليه مجرورٌ بالكسرةِ الظاهرةِ، (يا) حرفُ نِدَاءٍ مَبْنِيٌّ على السكونِ لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، (مَطَرٌ) مُنَادَى مَبْنِيٌّ على الضمِّ في مَحَلِّ نَصْبٍ، ونَوَّنَه الشاعِرُ للضرورةِ؛ لأنَّ وَزْنَ البيتِ لا يَتِمُّ إلاَّ بِتَنْوِينِه، (عليها) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرُ المبتدأِ، ويجوزُ أنْ يكونَ مُتَعَلِّقاً بسَلامُ، ويكونُ خبرُ المبتدأِ محذوفاً، وتقديرُ الكلامِ على هذا: سلامُ اللهِ عليها حاصِلٌ، مثلاً، (وليسَ) الواوُ حرفُ عطفٍ مَبْنِيٌّ على الفتحِ لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، وليسَ: فعلٌ ماضٍ ناقِصٌ مَبْنِيٌّ على الفتحِ لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، (عَلَيْكَ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرُ ليسَ تَقَدَّمَ على اسْمِها، (يا) حرفُ نِدَاءٍ مَبْنِيٌّ على السكونِ لا مَحَلَّ له مِن الإعرابِ، (مَطَرُ) مُنَادًى مَبْنِيٌّ على الضمِّ في مَحَلِّ نصبٍ، وجملةُ النداءِ لا مَحَلَّ لها مُعْتَرِضَةٌ، (السَّلامُ) اسمُ ليسَ مرفوعٌ بالضمَّةِ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (يا مَطَرٌ عليها) حيثُ أَتَى بالمنادَى المفرَدِ العَلَمِ مُنَوَّناً مرفوعاً حينَ اضْطُرَّ إلى تَنْوِينِه.
ونَظِيرُه قولُ كُثَيِّرٍ، إلاَّ أنَّ المُنَادَى فيه نَكِرَةٌ مَقْصُودَةٌ:

لَيْتَ التَّحِيَّةَ كَانَتْ لِي فَأَشْكُرَهَا = مكانَ يا جَمَلٌ حُيِّيتَ يَا رَجُلُ


([36]) 438- هذا الشاهدُ مِن كَلِمَةٍ لِجَرِيرِ بنِ عَطِيَّةَ يَهْجُو فيها العبَّاسَ بنَ يَزِيدَ الكِنْدِيَّ، وأَوَّلُهَا قولُه:

أَخَالِدَ عَادَ وَعْدُكُمُ خِلاَبَا = ومَنَّيْتِ المَوَاعِدَ والكِذَابَا

وما أَنْشَدَهُ المؤلِّفُ ههنا صدرُ بيتٍ مِن الوافرِ، وعَجُزُهُ قَوْلُه:

*أَلُؤْماً لاَ أَبَا لَكَ وَاغْتِرَابَا*

اللغةُ: (حَلَّ) نَزَلَ واسْتَقَرَّ، تقولُ: حَلَّ فلانٌ بمكانِ كذا، وحَلَّ فيه، تُرِيدُ أنه نَزَلَ به، (شُعَبَى) بضمِّ الشينِ وفتحِ العينِ مَقْصُوراً: يقالُ: هو اسمٌ لجِبَالٍ مَنِيعَةٍ مُتَدَانِيَةٍ بينَ الشَّمالِ ومَغِيبِ الشمسِ مِن ضَرِيَّةَ، ويقالُ: هو اسمٌ لِجَبَلٍ أَسْوَدَ ذِي شِهَابٍ فيها أوشالٌ تَحْبِسُ الماءَ مِن سَنَةٍ إلى سَنَةٍ، (غَرِيباً) وصفٌ مِن الغُرْبَةِ، وهي الابتعادُ عن الأهلِ والوطنِ، والصيرورةُ في قومٍ لا قَرَابَةَ بينَه وبينَهم.
المعنى: هَجَا الشاعِرُ رَجُلاً، فجَعَلَه عبداً لَئِيماً دَنِيئاً ضَعِيفاً، نازِلاً في قومٍ غَيْرِ قَوْمِهِ وعَشِيرَتِهِ في مَوْضِعٍ اسْمُه شُعَبَى، ونعَى عليه أنه جَمَعَ بينَ اللؤمِ والاغترابِ، ومن عادةِ الغريبِ أنْ يكونَ ضعيفاً لا حولَ له ولا قُوَّةَ.
الإعرابُ: (أَعَبْداً) الهمزةُ حرفُ نداءٍ مَبْنِيٌّ على الفتحِ لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، عَبْداً: منادًى، وهو نَكِرَةٌ مقصودةٌ؛ لأنَّه يَعْنِي به مُعَيَّناً، وهو المَهْجُوُّ، وكانَ مِن حَقِّهِ أنْ يَبْنِيَهُ على الضمِّ، ولكنَّه لَمَّا اضْطُرَّ إلى تَنْوِينِهِ نَصَبَه وعامَلَهُ معاملةَ النكرةِ غيرِ [لعلها: المقصودةِ] =المقصودِ، وفيه وجهٌ آخَرُ سَنَذْكُرُه لكَ في بيانِ الاستشهادِ به، (حَلَّ) فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ على الفتحِ لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُه هو يعودُ إلى العبدِ، (في) حرفُ جَرٍّ مَبْنِيٌّ على السكونِ لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، (شُعَبَى) مجرورٌ بفي وعلامةُ جَرِّهِ كسرةٌ مقدَّرَةٌ على الألفِ، والجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بحَلَّ، (غَرِيباً) حالٌ مِن فاعلِ حَلَّ منصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ، (أَلُؤْماً) الهمزةُ للاستفهامِ حرفٌ مَبْنِيٌّ على الفتحِ لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، لُؤْماً: مفعولٌ مطلَقٌ لفعلٍ محذوفٍ وُجُوباً، وتقديرُ الكلامِ: أَتَلْؤُمُ لُؤْماً، (لا) نافيةٌ للجِنْسِ، حرفٌ مَبْنِيٌّ على السكونِ لا مَحَلَّ له، (أبا) اسمُ لا منصوبٌ بالألفِ نيابةً عن الفتحةِ، (لَكَ) اللامُ زائدةٌ مُقْحَمَةٌ بينَ المضافِ والمضافِ إليه، والكافُ مضافٌ إليه ضميرٌ مَبْنِيٌّ على الفتحِ في مَحَلِّ جرٍّ، (وَاغْتِرَابَا) الواوُ حرفُ عطفٍ مَبْنِيٌّ على الفتحِ لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، واغْتِرَابَا: معطوفٌ على قولِهِ: لُؤْماً، منصوبٌ وعلامةُ نصبِه الفتحةُ الظاهرةُ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (أَعَبْداً)؛ فإنَّ قوماً مِن النُّحَاةِ خَرَّجُوهُ على أنَّ الهمزةَ للنداءِ، وأنَّ الشاعِرَ لَمَّا اضْطُرَّ إلى تنوينِ المنادَى الذي يَجِبُ فيه الضمُّ لكونِه نَكِرَةً مقصودةً نَصَبَه معَ التنوينِ؛ تَشْبِيهاً له بالنكرةِ غيرِ المقصودةِ. ومثلُ هذا البيتِ قولُ الآخَرِ:

يا سَيِّداً ما أَنْتَ مِن سَيِّدٍ = مُوَطَّأِ الأَكْنَافِ رَحْبِ الذِّرَاعْ

ومثلُ ذلك قولُ الصَّلَتَانِ العَبْدِيِّ يريدُ جَرِيرَ بنَ عَطِيَّةَ:

أَيَا شَاعِراً لا شَاعِرَ اليَوْمَ مِثْلُهُ = جَرِيرٌ ولكنْ في كُلَيْبٍ تَوَاضُع

ومثلُ ذلك قولُ تَوْبَةَ بنِ الحُمَيِّرِ:

لَعَلَّكَ يَا تَيْساً نَزَا في مَرِيرَةٍ = مُعَذَّبُ ليَلْىَ أنْ تَرَانِي أَزُورُهَا

ونَظِيرُ هذه الشواهِدِ قولُ المُهَلْهَلِ، واسمُه عَدِيُّ بنُ رَبِيعَةَ، وهو أَخُو كُلَيْبِ وَائِلٍ:

ضَرَبَتْ صَدْرَهَا إِلَيَّ وَقَالَتْ = يَا عَدِيًّا لَقَدْ وَقَتْكَ الأَوَاقِي

وأنتَ إذا تَذَكَّرْتَ ما قَرَّرْنَاهُ لكَ في أنواعِ المنادَى الشبيهِ بالمضافِ عَلِمْتَ أنَّ قَوْماً مِن النُّحَاةِ جَعَلُوا المنادَى الموصوفَ نوعاً مِن أنواعِ الشبيهِ بالمضافِ، و(عَبْداً) في بيتِ الشاهدِ موصوفٌ بجملةِ (حَلَّ في شُعَبَى غَرِيباً) فيكونُ من هذا النوعِ، فيكونُ نَصْبُه وتنوينُه هو الأصلَ؛ كقولِهِم: (يا عَظِيماً يُرْجَى لَكُمْ عَظِيمٌ)، ولا يكونُ نَصْبُه للضرورةِ كما يُقَرِّرُ هؤلاء.
وسِيبَوَيْهِ رَحِمَه اللهُ جَوَّزَ فيه وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهما: جَعْلُ الهمزةِ للنداءِ، وعبداً: منادًى نَكِرَةٌ مقصودةٌ منصوبٌ معَ التنوينِ للضرورةِ؛ كما هو المشهورُ في قولِ النُّحَاةِ.
والثاني: أنْ تكونَ الهمزةُ للاستفهامِ، وعبداً: حالٌ مِن فاعلِ فعلٍ محذوفٍ، وتقديرُ الكلامِ: أَتَفْخَرُ في حالِ عُبُودِيَّةٍ.

([37]) قالَ أبو القاسِمِ الزَّجَّاجِيُّ (أماليه 83): فأمَّا الخَلِيلُ وسِيبَوَيْهِ والمَازِنِيُّ فيَخْتَارُونَ أنَّ يُنَوِّنُوهُ مرفوعاً، ويقولون: لَمَّا اضْطَرَرْنَا إلى تَنْوِينِهِ نَوَّنَّاهُ على لَفْظِه، وإلى هذا كانَ يَذْهَبُ الفَرَّاءُ ويَخْتَارُه، وأما أبو عَمْرِو بنُ العَلاءِ ويُونُسُ بنُ حَبِيبٍ وعِيسَى بنُ عُمَرَ وأبو عُمَرَ صالِحُ بنُ إسحاقَ الجَرْمِيُّ فيُنْشِدُونَه: (يا مَطَراً) بالنصبِ والتنوينِ، ويقولونَ: رَدَّهُ التنوينُ إلى أصلِه، وأصلُه النصبُ، والقولُ عندي قولُ الخليلِ وأصحابِه.

([38]) 439- نَسَبُوا هذا الشاهدَ إلى أبي خِرَاشٍ الهُذَلِيِّ، قالَه العَيْنِيُّ، وقيلَ: هو لأُمَيَّةَ بنِ أَبِي الصَّلْتِ، وما أَنْشَدَهُ المؤلِّفُ ههنا هو بيتٌ مِن الرَّجَزِ المشطورِ، وقبلَه قولُه:

*إنِّي إذا ما حَدَثٌ أَلَمَّا*

اللغةُ: (حَدَثٌ) بفتحِ الحاءِ والدالِ المهملتيْنِ: أرادَ به الأمرَ الحادِثَ الذي يَطْرَأُ عليه ويَحْتَاجُ فيه إلى المعونةِ، (أَلَمَّ) نَزَلَ.
الإعرابُ: (إني) إنَّ: حرفُ توكيدٍ ونصبٍ، وياءُ المتكلِّمِ اسمُه، (إذا) ظرفٌ لِمَا يُسْتَقْبَلُ من الزمانِ، (ما) حرفٌ زائدٌ، (حَدَثٌ) فاعلٌ بفعلٍ محذوفٍ يُفَسِّرُهُ المذكورُ بعدَه، وتقديرُ الكلامِ: إذا أَلَمَّ حَدَثٌ أَلَمَّ، وجملةُ الفعلِ المحذوفِ وفاعلُه في مَحَلِّ جرٍّ بإضافةِ إذا إليها، (أَلَمَّا) أَلَمَّ: فعلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ على الفتحِ، لا مَحَلَّ له، والألِفُ للإطلاقِ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تقديرُه هو يعودُ إلى حَدَثٌ السابِقِ، والجملةُ مِن الفعلِ الماضي المذكورِ وفاعلِه المُسْتَتِرِ فيه جَوَازاً لا مَحَلَّ لها من الإعرابِ؛ مُفَسِّرَةٌ، (أَقُولُ) فعلٌ مضارعٌ مرفوعٌ لتجرُّدِهِ من الناصبِ والجازمِ، وعلامةُ رفعِه الضمَّةُ الظاهرةُ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تقديرُه أنا، وجملةُ الفعلِ المضارِعِ وفاعلِه لا مَحَلَّ لها من الإعرابِ؛ جوابُ إذا، وجملةُ الشرطِ وجوابُه في مَحَلِّ رفعٍ خبرُ إنَّ، (يا) حرفُ نِدَاءٍ مَبْنِيٌّ على السكونِ لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، (اللَّهُمَّ) اللهُ: مُنَادًى مَبْنِيٌّ على الضمِّ في مَحَلِّ نصبٍ، والميمُ حرفٌ الأصلُ فيه أنْ يُعَوَّضَ به عن حرفِ النداءِ عندَ حَذْفِه، ولكِنَّ الشاعِرَ جَمَعَ في الكلامِ بينَ حرفِ النداءِ وبينَه للضرورةِ، وجملةُ النداءِ في مَحَلِّ نَصْبٍ مَقُولُ القولِ، (يا اللَّهُمَّ) كسابقِه.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (يا اللَّهُمَّ)؛ حيثُ جَمَعَ بينَ (يا) والميمِ المُشَدَّدَةِ التي تأتي في الكلامِ عِوَضاً عنها، وذلك ضرورةٌ نادرةٌ؛ لأنَّ العربيَّةَ على ألاَّ يُجْمَعَ بينَ العِوَضِ والمُعَوَّضِ عنه.

([39]) من نداءِ الاسمِ الموصولِ المقترِنِ بألْ معَ صِلَتِه قولُ الشاعِرِ:

مِنَ اجْلِكِ يَا الَّتِي تَيَّمْتَ قَلْبِي = وأنتِ بَخِيلَةٌ بالوُدِّ عَنِّي


([40]) 440-لم أَجِدْ أحداً نَسَبَ هذا الشاهِدَ إلى قائلٍ مُعَيَّنٍ، وما أَنْشَدَهُ المؤلِّفُ ههنا صَدْرَ بيتٍ مِن الكاملِ، وعَجُزُهُ قولُه:

*عَرَفَتْ لَهُ بَيْتَ الْعُلاَ عَدْنَانُ*

اللغةُ: (المُتَوَّجُ) على زِنَةِ اسمِ المفعولِ كالمُعَظَّمِ والمُكَرَّمِ، وهو الذي أُلْبِسَ التاجَ، (العُلاَ) الشَّرَفُ، فإنْ فَتَحْتَ العينَ فهو ممدودٌ، وإنْ ضَمَمْتَ العينَ فهو مقصورٌ، (عَدْنَانُ) أرادَ أولادَ عَدْنَانَ الذي هو أبو عَرَبِ الحجازِ.
الإعرابُ: (عَبَّاسُ) منادًى بحرفِ نداءٍ محذوفٍ مَبْنِيٌّ على الضمِّ في مَحَلِّ نصبٍ، (يا) حرفُ نداءٍ مَبْنِيٌّ على السكونِ لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، (المَلِكُ) منادًى مَبْنِيٌّ على الضمِّ في مَحَلِّ نَصْبٍ، (المُتَوَّجُ) نَعْتٌ للمَلِكِ يجوزُ فيه الرفعُ إتباعاً له على لفظِ المنعوتِ، ويجوزُ فيه النصبُ إتباعاً له على مَحَلِّ المنعوتِ، (والذي) الواوُ حرفُ عطفٍ مَبْنِيٌّ على الفتحِ لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، الذي: اسمٌ موصولٌ معطوفٌ على المُتَوَّجُ مَبْنِيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ رفعٍ أو نصبٍ، (عَرَفَتْ) عرَفَ: فعلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ على الفتحِ لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، والتاءُ حرفٌ دالٌّ على تأنيثِ المسنَدِ إليه، (له) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِهِ: عَرَفَ، (بَيْتَ) مفعولٌ به لِعَرَفَ منصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ، وبيتَ مضافٌ و(العُلاَ) مضافٌ إليه مجرورٌ بكسرةٍ مُقَدَّرَةٍ على الألفِ مَنَعَ من ظُهُورِها التعذُّرُ، (عَدْنَانُ) فاعلُ عَرَفَ مَرْفُوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، وجملةُ الفعلِ الماضي وفاعلِه ومفعولِه لا مَحَلَّ لها من الإعرابِ؛ صلةُ الموصولِ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (يا المَلِكُ)؛ حيثُ أَدْخَلَ (يا) التي للنداءِ على الاسمِ المُقْتَرِنِ بألْ، وذلك ضرورةٌ مِن ضَرُورَاتِ الشِّعْرِ عندَ البَصْرِيِّينَ، فأمَّا الكُوفِيُّونَ فقدْ أَجَازُوا نِدَاءَ الاسمِ المُقْتَرِنِ بألْ، واسْتَدَلُّوا على صِحَّةِ ذلك بالقِيَاسِ وبالسماعِ، أمَّا القِيَاسُ فما أَبَاحَهُ الجميعُ مِن نِدَاءِ لَفْظِ الجلالةِ المقترِنِ بألْ، وأما السماعُ فهذا الشاهِدُ ونَحْوُهُ.
ونَظِيرُ هذا البيتِ في اجْتِمَاعِ حرفِ النداءِ وألْ قولُ الشاعِرِ:

فَيَا الغُلاَمَانِ اللَّذَانِ فَرَّا = إِيَّاكُمَا أَنْ تُعْقِبَانَا شَرَّا


  #4  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 04:18 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ألفية ابن مالك للشيخ: علي بن محمد الأشموني


النِّدَاءُ


فِيهِ ثلاثُ لُغَاتٍ، وأشهرُهَا، كَسْرُ النونِ معَ المَدِّ، ثم معَ القَصْرِ، ثم ضَمِّهَا مع المَدِّ واشتقاقِهِ مِنْ نَدَى الصوتِ وهو بُعْدُهُ، يُقالُ: فُلانٌ أَنْدَى صوتًا مِنْ فُلَانٍ، إذا كانَ أبعدَ صوتًا مِنْهُ.

573- وللمنادَى النَّاءِ أو كالنَّاءِ "يَا، = وَأَيْ وَآ" كَذَا أَيَا ثُمَّ هَيَا
"وللمُنَادَى النَّاءِ): البعيدِ (أوْ) مَنْ هو (كالنَّاءِ) لِنَوْمٍ أو سَهْوٍ أو ارتفاعِ مَحَلٍ أو انخفاضِهِ كَنِدَاءِ العبدِ لرَبِّهِ، وَعَكْسُهُ مِنْ حُرُوْفِ النِّداءِ (يا وأيْ) بالسكونِ، وقد تُمَدُّ همزتُهَا (وآ، كَذَا أَيَا ثُمَّ هَيَا) وَأَعمُّهَا (يَا) فإنَّها تَدْخُلُ في كُلِّ نِدَاءٍ، وتََتَعَيَّنُ في اللهِ تَعَالَى.
574- والهَمْزُ للدَّانِي و(وا) لِمَنْ نُدِبْ = أو "يَا" وَغَيْرُ "وَا" لَدَى اللَّْبْسِ اجْتُنِبْ
(والهَمْزُ) المقصورُ (للدَّانِي" أيْ: القريبُ نحوُ "أَزَيْدُ أَقْبِلْ" (ووا لمَنْ نُدِبَ) وهو المتفجَّعُ عليهِ أو المُتَوَجَّعُ منه، نحوُ: "وا والدَاهُ" "وا رَأْسَاهُ" (أو يَا) نحوُ: "يَا وَلَدَاهُ" "يَا رَأْسَاهُ" (وغيرُ وَا) وهو "يا" (لدَى اللبْسِ اجْتُنِبْ) أيْ: لا تستعملْ (يا) في النُّدْبَةِ، إلَّا عِندَ أَمْنِ اللبسِ كقولِهِ [مِنُ بَسِيْطٍ]:
872- حُمِّلْتَ أمْرًا عَظِيْمًا فَاصْطَبَرْتَ لَهُ = وَقُمْتَ فيهِ بأمرِ اللهِ يَا عُمَرَا
فإنْ خِيْفَ اللبسُ تَعَيَّنَتْ (وَا)
تنبيهاتٌ: الأوَّلُ: مِنْ حُرُوفِ نداءِ البعيدِ (آي) بِمَدِ الهمزةِ وسكونِ الياءِ، وقدْ عَدَّها في التسهيلِ، فَجُمْلَةُ الحروفِ حينئذٍ ثَمَانِيَةٌ
الثاني: ذَهَبَ المُبَرِّدُ إلى أنَّ "أيَا" و"هيَا" للبعيدِ، و"أيْ" والهمزُ للقريبِ، و"يَا لهما، وذهَبَ ابنُ بُرْهَانَ إلى أنَّ "أيا" و"هيا" للبعيدِ، والهمزةُ للقريبِ، و"أيْ" للمتوسطِ و"يَا" للجميعِ، وأَجْمَعُوا على أنَّ نداءَ القريبِ بما للبعيدِ يجوزُ توكيدًا، وعلى منعِ العكسِ.
575- وغَيْرُ مندوبٍ، ومُضْمَرٍ، وَمَا = جَا مُسْتَغَاثًا قَدْ يُعَرَّى فَاعْلَمَا
(وَغَيْرُ مَنْدُوْبٍ ومُضْمَرٍ ومَا = جَا مُسْتَغَاثًا قَدْ يُعَرَّى)
مِنْ حروفِ النِّدَا لفظًا (فاعْلَمَا) نحوُ: {يوسفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ} {أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللهِ} ونحوُ: "خَيْرًا مِنْ زَيْدٍ أَقْبِلْ" ونحوُ: "مَنْ لَا يَزَالُ مُحسِنًا أَحْسِنْ إليَّ".
أمَّا المَنْدُوْبُ المستغَاثُ والمُضْمَرُ فلا يجوزُ ذلكَ فيها لأنَّ الأولينِ يُطْلبُ فيها مدُّ الصوتِ والحذفُ ينافِيْهِ ولِتَفْوِيْتِ الدَّلَالةِ علَى النِّداءِ مع المُضْمَرِ
تنبيهَانِ: الأوَّلُ عَدَّ في التَّسْهِيْلِ مِنْ هَذَا النَّوْعِ لَفْظَ الجَلَالَةِ، والمُتَعَجَّبَ منهُ، ولفْظَهُ ولَا يلزمُ الحرفُ إلا مع اللهِ، والمضمرِ، والمستغاثِ، والمتعَجَّبِ منه، والمَنْدُوْبِ، وَعَدَّ في التوضيحِ المُنَادَى البعيدَ، وهو ظاهِرٌ.
الثانِي أَفْهَمَ كلامُهُ جَوَازَ نِداءِ المُضْمَرِ، والصحيحُ مَنْعُهُ مُطْلقًا وشَذَّ نحوُ: "يَا إِيَّاكَ قَدْ كُفِيْتُكَ" وَقَوْلُهُ [مِنَ الرَّجَزِ]:
873- يَا أَبْجَرُ ابنَ أَبْجَرٍ يَا أَنْتَا = أَنْتَ الذِي طَلَّقْتَ عَامَ جُعْتَا
576- وَذَاكَ في اسْمِ الجِنْسِ والمُشَارِ لَهُ = قُلَّ وَمَنْ يَمْنَعْهُ فَانْصُرْ عَاذِلَهُ
(وَذَاكَ) أيْ: التَّعَرِّي مِنَ الحروفِ (في اسْمِ الجنسِ والمُشَارِ لهُ قُلَّ وَمَنْ يَمْنَعْهُ) فيهما أَصْلًا وَرَأْسَاَ (فانصُرْ عَاذِلَهُ) بالذَّالِ المُعْجَمَةِ أيْ: لائِمَهُ على ذلكَ فقَدْ سُمِعَ في كُلٍّ منهما مَا لا يُمْكِنُ رَدُّ جَمِيْعِهِ، فمِنْ ذلكَ في اسْمِ الجِنْسِ قَوْلُهُمْ: "أَطْرِقْ كَرَا" و"افْتَدِ مَخْنُوْقُ" و(أَصْبِحْ لَيْلُ) وفي الحديثِ: ((ثَوْبِي حَجَرُ)) وفي اسْمِ الإشارةِ قَوْلُهُ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
864- إِذَا هَمَلَتْ عَيْنِي لَهَا قَالَ صَاحِبِي: = بِمِثْلِكَ، هَذَا لَوْعَةٌ، وَغَرَامُ
وقَوْلُهُ [مِنَ البَسِيْطِ]:
875- إِنَّ الأُولَى وُصِفُوا قَوْمِي لَهُم فَبِهِمْ = هَذَا اعْتَصِمْ تَلْقَ مَنْ عَادَاكَ مَخْذُوَلًا
وَقَوْلُهُ [مِنَ الخَفِيْفِ]:
876- ذَا ارْعِوَاءً فَلَيْسَ بَعْدَ اشْتِعَالِ = الرَّأْسِ شَيْبًا إلى الصِّبَا مِنْ سَبِيْلِ
وَجَعَلَ مِنْهُ قولَهُ تَعالَى: {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُوْنَ أَنْفُسَكُمْ} وَكِلَاهُمَا عندَ الكوفيينَ مَقِيْسٌ مُطَّرِدٌ، ومذهبُ البصريينِ المنعُ فيهما، وَحُمِلَ مَا وَرَدَ عَلَى شُذُوْذٍ أو ضَرُوْرَةٍ ولَحَّنُوا المُتَنَبِّي فِي قَوْلِهِ [مِنَ الكَامِلِ]:
877- هَذِي بَرَزْتِ لَنَا فَهِجْتِ رَسِيْسَا = ثُمَّ انْثَنَيْتِ وَمَا شَفَيْتِ نَسِيْسَا
والإنْصَافُ القياسُ عَلَى اسْمِ الجِنْسِ، لكثرتِهِ نَظْمًا ونَثْرًا، وقَصْرُ اسْمِ الإشارةِ عَلَى السَّمَاعِ، إِذْ لَمْ يَرِدْ إلا في الشِّعْرِ، وقد صَرَّحَ في (شَرْحِ الكَافِيَةِ) بِمُوَافَقَةِ الكُوْفِيِّيْنَ في اسْمِ الجِنْسِ فقَالَ: وَقَولُهُم في هَذَا أَصَحُّ.
تنبيهٌ: أَطْلقَ هُنَا اسْمَ الجِنْسِ وَقَيَّدَهُ في (التَّسْهِيْلِ) باِلمَبْنِيِّ للنداءِ، إذْ هو مَحَلُّ الخلافِ، فأمَّا اسْمُ الجنسِ المُفْرَدُ غيرُ المُعَيَّنِ كقولِ الأَعْمَى: "يَا رَجُلًا خُذْ بِيَدِي" فنَصَّ فِي شَرحِ الكافيةِ علَى أنَّ الحرفَ يَلْزَمُهُ.
فالحاصلُ أَنَّ الحرفَ يَلزمُ فِي سَبْعَةِ مَوَاضِعَ: المندوبِ، والمُسْتَغَاثِ، والمتعجَّبِ منه، والمُنَادَى البعيدِ، والمُضْمَرِ، ولفظِ الجَلَالَةِ، واسْمِ الجنسِ غيرِ المُعَيَّنِ، وفي اسْمِ الإشارةِ واسْمِ الجنسِ المُعَيَّنِ ما عَرَفْتَ.
577- (وابْنِ المُعَرَّفَ المُنَادَى المُفْرَدَا = على الذِي فِي رَفْعِهِ قَدْ عَهِدَا)
أيْ: إذا اجْتَمَعَ في المُنَادَى هَذَانِ الأمرانِ: التعريفُ والإفرادُ فإنَّهُ يُبْنَى عَلَى مَا يُرْفَعُ بِهِ لوْ كانَ مُعْرَبًا، سواءٌ كانَ ذلكَ التعريفُ سَابِقًا عَلَى النِّداَءِ نحوُ "يَا زَيْدُ" أو عَارِضًا فيه بسببِ القَصْدِ والإقبالِ، وهو النكرةُ المقصودةُ نحوُ: "يَا رَجُلُ أَقْبِلْ" تُرِيْدُ رَجُلًا مُعَيَّنًا، والمرادُ بالمفردِ هنَا أَنْ لا يكونَ مُضَافًا ولا شَبِيْهًا بِهِ كَمَا في بابِ (لا) فَيَدْخُلَ في ذلكَ المركبُ المَزْجِيُّ والمُثَنَّى والمجموعُ نحوُ: "يَا مَعْدِي كَرِبُ" و"يَا زَيْدَانِ" و"يَا زَيْدُوْنَ" و"يا هندانِ"، و"يَا رَجُلانِ" و"يا مسلمونَ" وفي نحوُ: "يَا مُوسَى" و"يَا قَاضِي" ضَمَّةٌ مُقَدَّرَةٌ.
تنبيهاتٌ: الأوَّلُ قالَ في (التَّسْهِيْلِ) ويجوزُ نَصْبُ مَا وُصِفَ مِنْ مُعَرَّفٍ بقصْدٍ وإقبالٍ وَحَكَاهُ في شَرحِهِ عَنِ الفَرَّاءِ وأَيَّدَهُ بِمَا رَوَى مِنْ قولِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فِي سُجُوْدِهِ: ((يَا عَظِيْمًا يُرْجَى لِكُلِّ عَظِيْمٍ)) وجعَلَ منْهُ قَوْلَهُ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
878- أَدَارًا بِحُزْوَى هِجْتِ للْعَيْنِ عَبْرَةً = فَمَاءُ الهَوَى يَرْفَضُّ أوْ يَتَرَقْرَقُ
الثاني: مَا أطلقَهُ هُنا قَيَّدَهُ في (التَّسْهِيْلِ) بقولِهِ: غَيْرُ مَجْرورٍ باللامِ، للاحْتِرَازِ مِنْ نحوِ: "يَا لِزَيْدٍ لِعَمْرِوٍ" ونحوِ: "يَا للماءِ والعُشْبِ" فإنَّ كُلًّا منهما مُفْرَدٌ مُعَرَّفٌ وهو مُعْرَبٌ.
الثالثُ: إذا ناديتَ "اثني عَشَرًا" و"اثنتي عَشْرةَ" قلتَ: "يا اثْنَا عَشَرَ ويَا اثْنَتَا عَشْرَةَ بالألفِ) وإنَّما بُنِيَ على الألفِ لأنَّهُ مُفْرَدٌ في هَذَا البابِ كمَا عَرَفْتَ.
وقالَ الكوْفِيُّوْنَ: "أيَا اثْني عَشَرَ وَيَا اثْنَتَي عَشْرَةَ" بالياءِ، إِجْرَاءً لهُمَا مَجْرَى المُضَافِ.
578- وَانْوِ انْضِمَامَ مَا بَنَوْا قَبْلَ النِّدَاءِ = وَلْيُجْرَ مُجْرَى ذِيْ بِنَاءٍ جُدَّدا
(وانْوِ انضمامَ مَا بَنَو قبلَ النِّدَاءِ" كسيبويهِ وحَذَامِ فِي لُغَةِ الحِجَازِ، وخمْسَةَ عَشَرَ "وَلْيُجْرَ مُجْرَى ذِي بِنَاءٍ جُدِّدَا) ويظهرُ أثرُ ذلكَ في تابعِهِ، فتقولُ: "يا سِيْبَوَيْهِ العالمُ" بِرَفْعِ العالمِ ونَصْبِهِ، كمَا تفعلُ في تابعِ مَا تَجَدَّدَ بِنَاؤُهُ نَحوَ: "يَا زيدُ الفاضلُ"، والمَحْكِيُّ كالمبنيِّ، تقولُ: "يَا تَأَبَّطَ شَرًّا المِقْدَامُ والمِقْدَامَ".,

579- (والمفردَ المنكورَ والمضَافَا = وَشِبْهَهُ انْصُبْ عَادِمًا خِلافًا
أيْ: يَجِبُ نَصْبُ المنادى حَتْمًا في ثلاثةِ أحوالٍ، الأولُ: النكرةُ غيرُ المقصودةِ كقولِ الواعظِ، "يَا غَافِلًا، والموتُ يَطلُبُهُ"، وقولِ الأعْمَى، "يَا رَجُلًا خُذْ بِيَدِي" وَقوْلِهِ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
879- أَيَا رَاكِبًا إِمَّا عَرَضْتَ فَبَلِّغَنْ = نَدَامَايَ مِنْ نَجَرَانَ أَنْ لَا تَلَاقِيَا
وَعَنِ المَازِنِيَّ أَنَّهُ أحَالَ وُجُوْدَ هَذَا النوعِ.
الثانِي: المُضَافُ سَوَاءً كَانَتِ الِإضافةُ مَحضَةً نحوَ: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا} أو غيرَ مَحضَةٍ، نحوَ: "يَا حَسنَ الوَجْهِ" وعنْ ثَعْلَبٍ إِجازَةُ الضَّمِّ فِي غيرِ المَحْضَةِ.
الثالثُ: الشَّبِيْهُ بالمُضَافِ، وهو: مَا اتَّصَلَ بِهِ شيءٌ مِنْ تَمَامِ معنَاهُ، نحو: "يَا حَسَنًا وَجْهُهُ" و"يَا طَالِعًا جَبَلًا" و"يا رَفِيْقًا بالعِبَادِ" و"يا ثَلاثَةً وَثَلاثِيْنَ" فيمَنْ سَمَّيْتَهُ بذلكَ ويُمْتَنَعُ في هَذَا إِدْخَالُ "يَا" عَلَى "ثَلاثِيْنَ" خِلَافًا لبعضِهِمْ، وإِنْ نَادَيْتَ جَمَاعَةً هَذِهِ عِدَّتُهَا فَإنْ كَانَتْ غَيْرَ مُعيَّنَةٍ نَصَبْتَهُمَا أيضًا وإِنْ كانتْ مُعَيَّنَةً ضَمَمْتَ الأوَّلَ، وَعَرَّفْتَ الثانِي بـ "ألْ" ونصَبْتَهُ أو رَفَعْتَهُ، إلا إِنْ أَعْدَتَ مَعَهُ "يَا" فيجبُ ضَمُّهُ وَتَجْرِيْدُهُ مِنْ "ألْ" ومَنَعَ ابنُ خَرُوْفٍ إعادةَ "يَا"، وتَخْيِيْرُهُ في إِلْحَاقِ "ألْ" مَردودٌ.
تنبيهٌ: انْتصَابُ المُنَادَى لفْظًا، أو مَحَلًا عندَ سِيْبَوَيْهِ على أنِّهُ مفعولٌ بِهِ، وناصِبُهُ الفعلُ المُقَدَّرُ فأصلُ (يَا زَيْدُ) عندَهُ أدْعُوا زَيدًا فَحَذَفَ الفعلَ حَذْفًا لَازِمًا، لكثرةِ الاستعمالِ، ولدلالةِ حرفِ النداءِ عليْهِ وإفادَتِهِ فَائِدتَهُ.
وأجازَ المُبَرِّدُ نصبَهُ بحرفِ النداءِ لسَدِّهِ مَسَدَّ الفعلِ، فعَلى المَذْهَبَيْنِ "يَا زَيْدُ" جُمْلَةٌ، وليسَ المُنَادَى أحَدَ جُزْأَيْهَا، فعندَ سِيْبَوَيْهِ جُزْآهَا، أيْ:َ الفعلُ والفاعلُ مُقَدَّرَانِ، وعندَ المُبَرِّدُ حرفُ النداءِ سَدَّ مَسَدَّ أحَدِ جُزْأَيْ الجملةِ أيْ الفعلِ، والفاعلُ مُقَدَّرٌ، والمفعولُ ههنَا عَلَى المذهبينِ وَاجِبُ الذِّكْرِ لفظًا أو تَقْدِيْرًا إذْ لا نِداءَ بِدونِ المُنَادَى.
580- (ونَحوَ زيدٍ ضُمَّ وَافْتَحْنَّ مِنْ = نحوَ أزيدُ بنَ سَعِيْدٍ لا تَهِنْ)
أيْ: إذا كانَ المُنَادَى عَلَمًا مُفْرَدًا مَوْصُوَفًا بـ (ابنٍ) مُتَّصلٍ بِهِ مُضَافٍ إلَى عَلَمٍ، نحوَ: "يَا زَيْدُ بْنَ سَعِيْدٍ" جَازَ فيْهِ الضَّمُّ والفَتْحُ، والمُخْتَارُ عندَ البَصْرِيِّيْنَ، غيرَ المُبَرِّدِ الفتحُ، ومنهُ قولُهُ [مِنَ الرَّجَزِ]:
880- يَا حَكَمَ بْنَ المُنْذِرِ بْنِ الجَارُودْ = سُرَادِقُ المَجْدِ عَلَيْكَ مَمْدُودْ
تنبيهٌ: شَرْطُ جَوَازِ الأمرينِ كَوْنُ الابْنِ صِفَةً كمَا هو الظاهِرُ، فلو جُعِلَ بَدَلًا، أو عَطْفَ بَيَانٍ أو مُنَادَى أو مَفْعُوَلًا بفعلٍ مُقَدَّرٍ تَعَيَّنَ الضَّمُّ، وكلامُهُ لا يُوَفِّي بِذلكَ، وإنْ كانَ مُرَادَهُ.
581- (وَالضَّمُّ إنْ لم يَلِ الابْنُ عَلَمَا = أوْ يَلِ الابْنُ عَلَمٌ قَدْ حُتِمَا)
"الضَّمُّ": مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ " قَدْ حُتِمَا"، و"إنْ لمْ يَلِ" شَرْطُ جَوَابِهِ مَحذوْفٌ، والتقديرُ: فالضَّمُّ مُتَحَتِّمٌ أيْ: وَاجِبٌ، ويجوزُ أنْ يكونَ " قدْ حُتِمَ "جَوَابَهُ، والشرطُ وجوابُهُ خبرُ المُبْتَدَأِ، واسْتُغْنَى بالضميرِ الذي في حُتِمَ رَابِطًا، لأنَّ جُمْلَةَ الشرطِ والجوابِ يُسْتَغْنَى فيهِمَا بِضميرٍ واحدٍ، لِتَنَزُّلِهِمَا منزلةَ الجملةِ الواحدةِ، وعَلَى هَذَا فلا حَذْفَ.
ومعنَى البيتِ أنَّ الضَّمَّ مُتَحَتِّمٌ أيْ واجبّ إذا فُقِدَ شرطٌ مِنَ الشروطِ الْمَذْكورةِ، كما في نحو: "يَا رَجُلُ ابنَ عَمْرو" و"يَا زَيْدُ الفاضِلُ ابنَ عَمْروٍ" و"يَا زيدُ الفاضلَ" لانتفاءِ عَلَمِيَّةِ المُنَادَى في الُأوْلَى، واتصالِ الابنِ بِهِ في الثانيةِ، والوصفِ بهِ في الثالثةِ ولم يشترطْ هَذَا الكُوْفِيُّوْنَ كقوْلِهِ [مِنَ الوَافِرِ]:
881- فَمَا كَعْبُ بنُ مَامَةَ وابْنُ أَرْوَى = بِأَجْوَدَ مِنْكَ يَا عُمَرَ الجَوَادَا
بِفتحِ "عُمَرَ) وَعَلَى هذهِ الثلاثةِ يَصْدُقُ صَدْرُ البيتِ، ونحو: "يَا زَيْدُ ابنَ أَخِيْنَا" لعدمِ إضافةِ "ابْنِ" إلى "عَلَمٍ" وهو مُرَادُ عَجُزِ البيتِ.
تنبيهاتٌ: الأوَّلُ: لا إشكالَ أنَّ فَتْحَةَ (ابْنِ) فتحةُ إِعْرَابٍ، إذا ضُمَّ مَوْصُوفُهُ، وأمَّا إذا فُتِحَ فكذلكَ عند الجمهورِ، وقال عَبْدُ القاهرِ: هي حَرَكَةُ بنِاءٍ، لأنَِّكَ رَكَّبْتَهُ مَعَهُ.
الثاني: حُكْمُ "ابْنَةٍ" فيما تقَدَّمَ حُكْمُ "ابنِ" فيَجُوْزُ الوجهانِ نحوَ "يَا هندُ بنةَ زَيْدٍ" خِلَافًا لبعضِهِمْ، ولا أثرَ للوصفِ بـ "بِنْتٍ" هُنَا، فنحوَ: "يَا هندُ بنتُ عمْرو" واجبُ الضَّمِّ.
الثالثُ: يَلتحِقُ بالعَلَمِ "يَا فُلانُ بنَ فلانٍ" و"يَا ضَلُّ بنَ ضَلٍّ"، و"يَا سَيِّدُ بنَ سيدٍ" ذكرَهُ في (التَّسْهِيْلِ)، وهو مذهبُ الكوفيينَ، ومذْهَبُ البَصْرِيِّيْنَ في مِثْلِهِ مِمَّا ليسَ بِعَلَمٍ التزامُ الضَّمِّ.
الرابعُ: قالَ في (التَّسْهِيْلِ): وَرُبَّمَا ضُمَّ "الابنُ" اتِّبَاعًا يشيرُ إلى مَا حَكَاهُ الأخْفَشُ عَنْ بعضِ العَرَبِ مِنْ "يَا زَيْدُ بْنَ عَمْرو" بالضَّمِّ إِتْبَاعًا لضمةِ الدَّالِ.
الخامسُ: قالَ فيه أيضًا، ومُجَوِّزُ فتحِ ذِي الضمةِ في النداءِ يُوْجِبُ في غيرِهِ حذفُ تَنْوِيْنِهِ لفظًا، وأَلِفُ "ابنَ" في الحالتينِ خَطًّا، وإنْ نَوَّنَ فَللضَّرُوْرَةِ.
السادسُ: اشْتَرَطَ في التَّسْهِيْلِ لذلكَ كونَ المُنَادَى ذَا ضَمَّةٍ ظَاهِرَةٍ، وعبارَتُهُ: ويجوزُ فتحُ ذِي الضَّمَّةِ الظاهرةِ اتِّبَاعًا، وَكَلامُهُ هُنا يَحْتَمِلُهُ فنحوَ: {يَا عِيسَى ابنَ مَرْيَمَ} يتَعَيَّنُ فيهِ تقديرُ الضَّمِّ، إذْ لا فائدة َفي تقديْرِ الفتحِ، وفيه خلافٌ اهـ.
واضْمُمْ أو انْصُبْ مَا اضْطِرَاْرًا نُوِّنَا = مِمَّا لهُ اسْتِحْقَاقُ ضَمٍّ بُيِّنَا
فقدْ وَرَدَ السَّمَاعُ بهما، فمِنَ الضمِّ قوْلُهُ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
882- سَلَامُ اللهِ يَا مَطَرٌ عَلَيْهَا = وليسَ عَلَيْكَ يَا مَطَرُ السَّلَامُ
وقولُهُ [مِنَ البَسِيْطِ]:
883- ليْتَ التَّحِيَّةَ كانتْ لِيْ فَأَشْكُرَهَا = مَكَانَ يَا جَمَلٌ حُيِّيْتَ يَا رَجُلُ
ومِنَ النَّصْبِ قوْلُهُ:
أَعَبْدًا حَلَّ فِي شُعْبَي غَرِيْبًا = أَلُؤْمًا لاَ أَبَا لَكَ وَاغْتِرَابًا
وقوْلُهُ [مِنَ الخَفِيْفِ]:
884- ضَرَبَتْ صَدْرَهَا إِلَيَّ وَقَالَتْ = يَا عَدِيًّا لَقَدْ وَقَتْكَ الأَوَاقِي
واختارَ الخَلِيْلُ وسِيْبَوَيْهِ الضَّمَّ، وأبو عَمْرو وَعِيْسَى ويُوْنِسُ والجِرْمِيُّ والمُبَرِّدُ النصبَ ووافَقَ النَّاظِمُ والأَعْلمُ الأولينَ في العلمِ والآخرينِ في اسْمِ الجِنْسِ.
583- وبِاضْطِرَارٍ خُصَّ جَمْعُ "يَا" و"ألْ" = إلا معَ اللهِ ومَحْكِيِّ الجُمَلِ
(وبِاضْطِرَارٍ خُصَّ جَمْعُ يَا وألْ) في نحوِ قولِهِ [مِنَ الكَامِلِ]:
885- عَبَّاسُ يَا المَلِكُ المُتَوَّجُ والذي = عَرَفَتْ لَهُ بَيْتَ العُلَا عَدْنَانُ
وقولُهُ [مِنَ الرَّجَزِ]:
886- فيَا الغُلَامَانِ اللَّذَانِ فَرَّا = إِيَّاكُمَا أنْ تُعْقِبَانَا شَرًّا
ولَا يَجُوْزُ ذلكَ في الاختيارِ، خِلَافًا للبَغْدَادِيِّيْنَ في ذلكَ (إلَّا معَ اللهِ) فيجوزُ إجْمَاعًا للزُوْمِ (ألْ) لهْ حتَّى صَارَتْ كالجُزْءِ منهُ فتقولُ: "يَا اللهُ" بإثباتِ الألفينِ، و"يَا اللهُ" بحذفِهِمَا و"يَا اللهُ" بحذفِ الثانيةِ فقطْ (و) إِلَّا معَ (مَحْكِيِّ الجُمَلِ) نحوَ: (يَا المُنْطَلِقُ زَيْدُ) فيمنْ سُمِّي بذلكَ، نصَّ على ذلكَ سِيْبَوَيْهِ، وزادَ عليه المُبَرِّدُ مَا سُمِّي بِهِ مِنْ مَوْصُوْلٍ مَبْدُوْءٍ بـ "ألْ" نحو "الذي" و"التي" وصَوَّبَهُ الناظِمُ، وزادَ في (التَّسْهِيْلِ) اسْمَ الجنسِ المُشَبَّهِ بِهِ، نحوَ (يَا الأَسَدُ شِدَّةً أَقْبِلْ) وهو مذهبُ ابنِ سَعْدَانِ قَالَ في (شَرْحِ التَّسْهِيْلِ)، وهو قِيَاسٌ صَحِيْحٌ، لأنَّ تقديرَهُ "يَا مِثْلَ الأسدِ أقبلْ" ومذهبُ الجمهورِ المَنْعُ.
584- والأَكْثَرُ "اللَّهُمَّ" بالتَّعْوِيْضِ = وشَذَّ "يَا اللَّهُمَّ" فِي قَرِيْضِ
(والأكثرُ) في نداءِ اسْمِ اللهِ تَعَالَى أنْ يُحْذَفَ حرفُ النداءِ ويقالُ (اللَّهُمَّ بالتعويضِ) أيْ: بتعويضِ المِيْمِ المُشَدَّدَةِ عنْ حرفِ النداءِ (وشَذَّ يَا اللهُمَّ في قَرِيْضِ) أيْ: شَذَّ الجمعُ بينَ "يَا" و"الميمِ" في الشِّعْرِ، كقولِهِ [مِنَ الرَّجَزِ]:
887- إنِّيْ إذَا مَا حَدَثٌ أَلَمَّا = أقُوْلُ يَا اللَّهُمَّ يَا اللَّهُمَّا
تنبيهاتٌ: الأوَّلُ: مذهبُ الكُوْفِيِّيْنَ أنَّ الميمَ في "اللَّهُمَّ" بقيةُ جُملةٍ محذُوْفَةٍ، وهي "أُمَّنَا بخيرٍ" وليستْ عِوَضًا عنْ حَرْفِ النِّدَاءِ ولذلكَ أَجَازُوا الجَمْعَ بينهُمَا في الاختيارِ.
الثانِي: قدْ تُحْذَفُ "ألْ" كقولِهِ [مِنَ الرَّجَزِ]:
888- لَا هُمَّ إنْ كُنْتَ قَبِلْتَ حَجَّتِجْ = فلا يَزَالُ شَاحِجٌ يَأْتِيْكَ بِجْ
وهو كثيرٌ فِي الشِّعْرِ.
الثالثُ: قَالَ في (النِّهَايَةِ): تُسْتَعْمَلُ اللَّهُمَّ على ثَلاثَةِ أَنْحَاءٍ، أَحَدُهَا: النداءُ المَحْضِ نحوَ: "اللَّهُمَّ أَثْبِتْنَا".
ثاَنِيْهَا: أنْ يَذْكرَهَا المجيبُ تَمْكِينًا للجوابِ في نفْسِ السامعِ كأنْ يقولُ لكَ القائلُ"أزيدٌ قائمٌ" فتقولَ لهُ "اللَّهُمَّ نَعَمْ" أو "اللَّهُمَّ لا".
ثالثُهَا: أنْ تُسْتعمَلَ دَلِيْلًا على النُّدْرَةِ وقِلَّةِ وُقوعِ المذكورِ نحوَ قولِكَ "أنَا أزوْرُكَ اللَّهُمَّ إذا لمْ تَدْعُنِي" ألا تَرَى أنَّ وقوعَ الزيادةِ مَقْرُوْنًا بِعَدَمِ الدعاءِ قَلِيْلٌ.

  #5  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 04:19 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان


النِّدَاءُ

أَحْرُفُ النِّدَاءِ
573- وَلِلْمُنَادَى النَّاءِ أَوْ كَالنَّاءِ يَا = وَأَيْ وَآكَذَا أَيَا ثُمَّ هَيَا
574- وَالْهمزُ لِلدَّانِي وَوَا لِمَنْ نُدِبْ = أَوْ يَا وَغَيْرُ وَا لَدَى اللَّبْسِ اجْتُنِبْ
النِّدَاءُ: طَلَبُ الإقبالِ بحرْفٍ نابَ مَنابَ (أَدْعُو) لَفْظاً أوْ تَقديراً. فالأوَّلُ نحوُ: يا صاحبَ السَّيَّارَةِ تَمَهَّلْ. والثاني: صَاحِبَ السَّيَّارَةِ تَمَهَّلْ، بحذْفِ حرْفِ النداءِ، وسيأتي ذلكَ إنْ شاءَ اللَّهُ.
والأَحْرُفُ التي يُنادَى بها ثَمانيَةٌ:
1- الهَمْزَةُ المفتوحةُ المقصورةُ: وهيَ للمُنَادَى القَرِيبِ؛ نحوُ: أَخَالِدُ أَجِبْ.
2- سِتَّةٌ أُخْرَى، وهيَ: (آ، يَا، أَيَا، هَيَا، أَيْ -بِسُكُونِ الياءِ معَ فتْحِ الهمزةِ مقصورةً وممدودةً). وهذهِ للمُنَادَى البعيدِ؛ نحوُ: يا صاعِدَ الجبَلِ تَمَهَّلْ. وما في حُكْمِهِ؛ كالنَّائمِ والغافلِ؛ نحوُ: أَيَا غافِلاً والمَوْتُ يَطْلُبُهُ.
3- (وَا): ويُستعملُ لنداءِ المندوبِ، [وهوَ الْمُتَفَجَّعُ عليهِ أو المُتَوَجَّعُ منْهُ]؛ نحوُ: وَاظَهْرَاهُ.
وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُ (يَا) في النُّدْبَةِ إذا وُجِدَ قَرِينَةٌ تَدُلُّ على ذلكَ؛ كقولِ جَريرٍ يَرْثِي عُمَرَ بنَ عبدِ العزيزِ رَحِمَهُ اللَّهُ:
حُمِّلْتَ أَمْراً عظيماً فاصْطَبَرْتَ لهُ = وقُمْتَ فيهِ بأمرِ اللَّهِ يا عُمَرَا
فقولُهُ: (يا عُمَرَا)، أُسْلُوبُ نُدْبَةٍ، وليسَ نِدَاءً؛ لأنَّهُ قالَ ذلكَ بعدَ موتِهِ.
وهذا مَعْنَى قولِهِ: (وللمُنَادَى النَّاءِ أوْ كالنَّاءِ يا.. إلخ)؛ أيْ: أنَّ المنادَى البعيدَ وما في حُكْمِهِ يُستعملُ فيهِ (يَا) وما بعدَها. وأمَّا الهمزةُ فَهِيَ للمُنادَى القريبِ. وَ(وَا) للمَندوبِ، وكذا (اليَاءُ). (وغيرُ وَا)، وهوَ (يَا)، عندَ اللَّبْسِ لا تُستعمَلُ، بلْ يُقْتَصَرُ على (وَا).

حَذْفُ حرْفِ النداءِ
575- وَغَيْرُ مَنْدُوبٍ وَمُضْمَرٍ وَمَا = جَا مُسْتَغَاثاً قَدْ يُعَرَّى فَاعْلَمَا
576- وَذَاكَ فِي اسْمِ الْجِنْسِ وَالمُشَارِ لَهْ = قَلَّ وَمَنْ يَمْنَعْهُ فَانْصُرْ عَاذِلَهْ
المُنادَى بالنِّسبةِ لحذْفِ حرْفِ النداءِ قِسمانِ:
1- قِسْمٌ يَمتَنِعُ معهُ الحذْفُ.
2- وقِسمٌ يَجوزُ، وهوَ نوعانِ: كثيرٌ وقليلٌ.
فيَمتنِعُ حَذْفُ حرْفِ النداءِ في مَسائِلَ؛ منها:
1- المُنادَى المندوبُ، كما تَقَدَّمَ.
2- المُنادَى إذا كانَ ضَمِيرَ المُخَاطَبِ عندَ مَنْ يُجيزُ نداءَهُ؛ نحوُ: يا إِيَّاكَ قدْ كَفَيْتُكَ، تقولُهُ لِمَنْ أرادَ أنْ يَفعلَ أمْراً، وقدْ فَعَلْتَهُ أنتَ. أمَّا ضميرُ غَيْرِ المُخاطَبِ فلا يُنادَى مُطْلَقاً.
3- المُنادَى المُستغاثُ؛ نحوُ: يا لَلْقَاضِي لِشَاهدِ الزُّورِ.

ويَجوزُ حذْفُ حرْفِ النداءِ بقِلَّةٍ في مَسائلَ؛ منها:
1- إذا كانَ المنادَى اسمَ جِنْسٍ لِمُعَيَّنٍ؛ كقولِهم: أصْبِحْ لَيْلُ؛ أيْ: يا لَيْلُ.
2- إذا كانَ المُنَادَى اسمَ إشارةٍ غيرَ مُتَّصِلٍ بكافِ الْخِطابِ؛ كقولِهِ تعالى: {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ}. فـ (هَؤُلاءِ): مُنَادًى بحرْفِ نداءٍ مُقَدَّرٍ؛ أيْ: يا هَؤُلاءِ، على أحَدِ الأَعَارِيبِ.
ويَكْثُرُ حذْفُ حرْفِ النداءِ فيما عَدَا ذلكَ؛ كقولِهِ تعالى: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا}. وقولِهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ: ((اثْبُتْ أُحُدُ..))؛ أيْ: يا أُحُدُ.
وهذا معنى قولِهِ: (وغيرُ مَنْدُوبٍ ومُضْمَرٍ... إلخ)؛ أيْ: قدْ يُعَرَّى؛ أيْ: يُجَرَّدُ مِنْ حرْفِ النداءِ، غيرُ المندوبِ والمضمَرِ والمُستغاثِ. وهذا التَّعَرِّي مِنْ حرْفِ النداءِ في اسمِ الجِنسِ ولَفْظِ المشارِ إليهِ قليلٌ. (ومَنْ يَمْنَعْهُ فانْصُرْ عَاذِلَهْ)؛ أْي: انْصُرْ مَنْ يَعْذِلُهُ على مَنْعِهِ؛ أيْ: يَلُومُهُ؛ لِوُرودِ السماعِ بهِ الكافِي في القِياسِ عليهِ.

حُكْمُ المُنَادَى مِنْ حيثُ الإعرابُ
1- المُنادَى الْمَبْنِيُّ
577- وَابْنِ المُعَرَّفَ المُنَادَى المُفْرَدَا = عَلَى الَّذِي فِي رَفْعِهِ قَدْ عُهِدَا
578- وَانْوِ انَضِمَامَ مَا بَنَوْا قَبْلَ النِّدَا = وَلْيُجْرَ مُجْرَى ذِي بِنَاءٍ جُدِّدَا

المُنَادَى مِنْ حيثُ الإعرابُ أربعةُ أقسامٍ:
1- ما يُبْنَى على ما يُرْفَعُ بهِ لوْ كَانَ مُعْرَباً، وهوَ ما اجْتَمَعَ فيهِ أَمْرَانِ:
1- التعريفُ: سَوَاءٌ كانَ سابقاً على النداءِ، وهوَ العَلَمُ؛ نحوُ: يا خالدُ أَطِعْ وَالِدَيْكَ. أوْ عارِضاً بسببِ قَصْدِهِ والإقبالِ عليهِ، وهوَ النَّكِرَةُ المقصودةُ، وهيَ التي زالَ إبهامُها وشُيُوعُها بسببِ النداءِ؛ لأنَّهُ قَصْدُ فرْدٍ مِنْ أفرادِها؛ نحوُ: يا طَالِبُ أَجِبْ، (تُريدُ مُعَيَّناً).
2- الإفرادُ: وهوَ أنْ يكونَ المنادَى غيرَ مضافٍ ولا شَبيهٍ بالمضافِ، فيَدْخُلُ فيهِ المفرَدُ والمثنَّى والجمْعُ.
والمنادَى في هذا القِسْمِ يُبْنَى على ما كانَ يُرْفَعُ بهِ قبلَ النداءِ حالةَ الإعرابِ، فإنْ كانَ يُرْفَعُ بالضمَّةِ بُنِيَ على الضمِّ مِنْ غيرِ تنوينٍ كما مُثِّلَ، وإنْ كانَ يُرفعُ بالألِفِ بُنِيَ على الألِفِ؛ نحوُ: يا عَلِيَّانِ قُومَا بالواجِبِ، يا فَتَيَانِ لا تَعْبَثَا بالأزهارِ. وإنْ كانَ يُرْفَعُ بالواوِ بُنِيَ على الواوِ؛ نحوُ: يا مُحَمَّدُونَ صِلُوا أرحامَكم، ونحوُ: خُذُوا جَوائِزَكم يا فَائِزُونَ.
فـ(خالِدُ) في الْمِثالِ الأوَّلِ مُنادًى مَبْنِيٌّ على الضَّمِّ في مَحَلِّ نَصْبٍ؛ لأنَّ المنادَى أصْلُهُ مفعولٌ بهِ. قالَ تعالى: {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ}، وقالَ تعالى: {يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ}.
فإنْ كانَ الاسمُ المنادَى مَبْنِيًّا قبلَ النداءِ قُدِّرَ بعدَ النداءِ بِناؤُهُ على الضمِّ؛ نحوُ: يَا هَذَا. ويَجرِي مَجْرَى ما يَتَجَدَّدُ بِناؤُهُ بسببِ النداءِ؛ مِثْلِ (خَالِدُ)، في أنَّهُ يكونُ في مَحَلِّ نصْبٍ، وأنَّهُ يُتْبَعُ بالرفْعِ مُراعاةً للضمِّ الْمُقَدَّرِ فيهِ، وبالنصْبِ مُراعاةً للمَحَلِّ، فَتَقُولُ: يا هذا العاقلُ والعاقلَ؛ بالرَّفْعِ والنصْبِ. كما تَقُولُ: يَا خَالِدُ العاقلُ والعاقلَ. فـ(هَذَا): مَبْنِيٌّ على الضَّمِّ الْمُقَدَّرِ في آخِرِهِ مَنَعَ مِنْ ظُهورِهِ اشْتِغَالُ الْمَحَلِّ بسُكونِ الأَصْلِ، وهوَ الألِفُ.
وَهَذَا مَعْنَى قولِهِ: (وَابْنِ الْمُعَرَّفَ الْمُنادَى الْمُفْرَدَا..)؛ أي: ابْنِ المنادَى المعرَّفَ المفرَدَ على العلامةِ المعهودةِ فيهِ في حالةِ رفْعِهِ قبلَ النِّداءِ. وقولُهُ: (المُعَرَّفَ)، يَشمَلُ ما تَعَرَّفَ قبلَ النداءِ، وما تَعَرَّفَ بسببِ النداءِ.
ثمَّ بَيَّنَ أنَّ المنادَى الذي يَستحِقُّ البِناءَ إذا كانَ مَبنيًّا قبلَ مُناداتِهِ قُدِّرَ بِناؤُهُ الجديدُ، ولُوحِظَ ذلكَ في تَوَابِعِهِ.

2- المُنَادَى المنصوبُ
579- وَالمُفْرَدَ المَنْكُورَ وَالمُضَافَا = وَشِبْهَهُ انْصِبْ عَادِماً خِلافَا
هذا القِسمُ الثاني مِنْ أقسامِ المنادَى، وهوَ ما يَجِبُ نَصْبُهُ لَفْظاً، وذلكَ في ثلاثِ مَسائلَ:
الأُولَى: أنْ يكونَ مُضافاً؛ نحوُ: يا طَالِبَ العِلْمِ احْفَظْ وَقْتَكَ. قالَ تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ}. فـ (يَا): حرْفُ نداءٍ، و(أَهْلَ): مُنادًى منصوبٌ بالفتحةِ، وهوَ مضافٌ، و(الْكِتَابِ): مضافٌ إليهِ.
الثانيَةُ: أنْ يكونَ شَبيهاً بالمضافِ، وهوَ ما اتَّصَلَ بهِ شيءٌ مِنْ تَمامِ معناهُ كما يَتَّصِلُ المضافُ بالمضافِ إليهِ؛ نحوُ: يا مُسافراً إلى مَكَّةَ تَذَكَّرْ شَرَفَ المكانِ. فـ(مُسَافِراً): مُنادًى منصوبٌ، وقد اتَّصَلَ بهِ شيءٌ مِنْ تمامِ معناهُ؛ لأنَّنا لوْ قُلْنَا: (يا مُسَافِراً) لم يَتبيَّنْ للسامِعِ المرادُ كامِلاً؛ لأنَّ السفَرَ يكونُ إلى بِقاعٍ شَتَّى، فإذا قُلْنَا: (إلى مَكَّةَ) أتْمَمْنَا المعنَى وخَصَّصْنَاهُ كما يُخَصَّصُ المضافُ بالمضافِ إليهِ.
وهذا الذي بهِ التَّمامُ قدْ يكونُ مَرفوعاً بالمُنَادَى؛ نحوُ: يا ضَائِعاً كِتَابُهُ لا تَيْأَسْ. فـ(ضائعاً): مُنَادًى منصوبٌ، و(كتابُهُ): فاعلٌ لاسمِ الفاعلِ، والهاءُ: مضافٌ إليهِ. وقدْ يكونُ مَنصوباً؛ نحوُ: يا طالِعاً جَبَلاً تَمَهَّلْ. فـ(طالِعاً): مُنَادًى منصوبٌ، وفيهِ ضميرٌ مستَتِرٌ هوَ فاعِلُهُ؛ لأنَّهُ اسمُ فاعلٍ، و(جَبَلاً): مفعولٌ بهِ منصوبٌ لاسمِ الفاعلِ. وقدْ يكونُ مَجروراً كما في المثالِ الأوَّلِ.
المسألةُ الثالثةُ: أنْ يكونَ المنادَى نَكِرَةً غيرَ مقصودَةٍ، وهيَ التي بَقِيَتْ على إبهامِها وشُيُوعِها كما كانتْ قَبْلَ النداءِ؛ لأنَّهُ لم يُقْصَدْ بها فرْدٌ مُعَيَّنٌ؛ كقولِ الأَعْمَى: يا رَجُلاً خُذْ بِيَدِي. فـ(رَجُلاً): مُنَادًى منصوبٌ؛ لأنَّهُ نَكِرَةٌ غيرُ مَقصودةٍ. أمَّا إنَّهُ نَكِرَةٌ؛ فلأنَّهُ لا يَدُلُّ على مُعَيَّنٍ، وأمَّا أنَّها غيرُ مقصودةٍ؛ فلأنَّ الأَعْمَى حينَ يقولُ: يا رَجُلاً، لا يُوَجِّهُ الْخِطابَ إلى مُعَيَّنٍ، ولا يَقْصِدُ شَخْصاً دونَ آخَرَ.
وهذا معنى قولِهِ: (والمفرَدَ المنكورَ.. إلخ)؛ أي: انْصِب المفرَدَ (المَنْكُورَ)، وهوَ النَّكِرَةُ الباقيَةُ على تَنكيرِها. وانْصِبْ كذلكَ المضافَ وشِبْهَ المضافِ بغيرِ خِلافٍ في نَصْبِ الثلاثةِ.
وقولُهُ: (والمُضَافَا)؛ أيْ: لغيرِ ضميرِ المخاطَبِ. أمَّا المضافُ إليهِ فلا يُنادَى، فلا تَقُولُ: يا خَادِمَكَ؛ لأنَّ النداءَ خِطابٌ للمضافِ، والمضافُ إليهِ ضميرٌ لمُخَاطَبٍ آخَرَ، ولا يَجْتَمِعُ في جُملةِ النداءِ خِطَابَانِ لشَخْصَيْنِ مُختلِفَيْنِ.

3- الْمُنَادَى الَّذِي يَجُوزُ ضَمُّهُ وفَتْحُهُ
580- وَنَحْوَ زَيْدٍ ضُمَّ وَافْتَحَنَّ مِنْ = نَحْوِ أَزَيْدَ بْنَ سَعِيدٍ لا تَهِنْ
581- وَالضَّمُّ إنْ لَمْ يَلِ الابْنُ عَلَمَا = أَوْ يَلِ الابْنَ عَلَمٌ قَدْ حُتِمَا
هذا القِسْمُ الثالثُ مِنْ أقسامِ المنادَى، وهوَ ما يَجوزُ فيهِ الضمُّ والفتْحُ، وهوَ نوعانِ:
الأوَّلُ: المنادَى المنعوتُ بـ(ابْنٍ) أوْ (ابنَةٍ)، وهوَ ما اجتَمَعَ فيهِ ثلاثةُ شُروطٍ:
1- أنْ يكونَ المنادَى عَلَماً مُفْرَداً؛ أيْ: غَيْرَ مُثَنًّى ولا مجموعٍ.
2- ألاَّ يُفْصَلَ بينَ كَلِمَةِ (ابنٍ) والمنعوتِ.
3- أنْ تكونَ كَلِمَةُ (ابنٍ) مُضافةً إلى عَلَمٍ.
مِثالُ ذلكَ: يا خالدَُ بنَ سعيدٍ، فيَجوزُ في المنادَى (خالدُ) البناءُ على الضمِّ على الأصْلِ؛ لأنَّهُ مفرَدٌ عَلَمٌ، و(ابنَ) صِفةٌ منصوبةٌ باعتبارِ مَحَلِّ الموصوفِ لا لَفْظِهِ. ويَجوزُ البناءُ على الفتْحِ (يا خالدَ بنَ سعيدٍ) مُراعاةً للمأثورِ مِن فَصيحِ الكلامِ، وهوَ على الوَجْهَيْنِ في مَحَلِّ نَصْبٍ.
ومنهُ قولُ الشاعِرِ:
يا حَكَمَُ بنَ المنْذِرِ بنِ الجارُودْ = سُرادِقُ الْمَجْدِ عليكَ مَمْدُودْ
فَـ(حَكَمَ): مُنَادًى مَبنيٌّ على الفتْحِ، وهوَ اختيارُ البَصْرِيِّينَ، واستَشْهَدَ بهِ سِيبَوَيْهِ في (كتابِهِ).
فإن اخْتَلَّ شَرْطٌ مِن الشُّروطِ المذكورةِ تَعَيَّنَ الضمُّ؛ نحوُ: يا رَجُلُ ابنَ محمَّدٍ؛ لأنَّهُ غيرُ عَلَمٍ. ويا زَيْدُ الفاضِلُ؛ لأنَّهُ وُصِفَ بغيرِ (ابنٍ). ويا خالدُ الفاضلُ ابنَ عمرٍو؛ لأنَّهُ لم يَتَّصِلْ بهِ. ويا صالحُ ابنَ أَخِينَا؛ لأنَّ (ابنَ) لم يُضَفْ إلى عَلَمٍ.
وإلى هذا النوعِ الأوَّلِ أشارَ بقولِهِ: (ونحوَ زيدٍ ضُمَّ... إلخ)؛ أيْ: أنَّ المنادَى العلَمَ المفرَدَ الموصوفَ بكلمةِ (ابنٍ) يَجوزُ ضَمُّهُ وفَتْحُهُ. ولم يَذْكُر الشُّروطَ، وإنَّما اكْتَفَى بالمثالِ المُسْتَكْمَلِ لها. ثمَّ بَيَّنَ أنَّ الصفةَ، وهيَ كَلمةُ (ابنٍ)، إذا لم تَقَعْ بعدَ عَلَمٍ أوْ لم يَقَعْ بعدَها عَلَمٌ؛ فإنَّهُ يَتَحتَّمُ الضمُّ ويَمتَنِعُ البناءُ على الفتْحِ.
وقولُهُ: (لا تَهِنْ)، بفَتْحِ التاءِ مُضَارِعُ (وَهَنَ)؛ أيْ: ضَعُفَ، وبِضَمِّها مُضَارِعُ (أَهَانَ)، والهاءُ مكسورةٌ فيهما؛ أيْ: أَهَانَ غيرَهُ بمعنى: أَذَلَّهُ.

الثاني: ممَّا يَجوزُ ضَمُّهُ وفَتْحُهُ أنْ يكونَ المنادَى مُكَرَّراً، وهذا يَأْتِي في (تابِعِ المنادَى) إنْ شاءَ اللَّهُ تعالى.
582- وَاضْمُمْ أوِ انْصِبْ مَا اضْطِرَاراً نُوِّنَا = مِمَّا لَهُ اسْتِحْقَاقُ ضَمٍّ بُيِّنَا
هذا القِسْمُ الرابعُ مِن المنادَى، وهوَ ما يَجوزُ ضَمُّهُ ونَصْبُهُ، وهوَ المنادَى المُستَحِقُّ للضمِّ إذا اضْطُرَّ الشاعِرُ إلى تَنْوِينِهِ وهوَ مَضمومٌ، ولهُ نَصْبُهُ أيضاً. وقدْ وَرَدَ السماعُ بِهِمَا، فَمِن الأوَّلِ قولُهُ:
سلامُ اللَّهِ يا مطرٌ عليهَا = وليسَ عليكَ يا مطرُ السلامُ
فقدْ نَوَّنَ الشاعرُ المنادَى الأوَّلَ للضرورةِ، وأَبْقَى الضمَّ اكتفاءً بما تَدْعُو إليهِ الضرورةُ.
ومِن الثاني قولُهُ:
أعَبْداً حَلَّ في شُعَبَى غَرِيباً = أَلُؤْماً لا أَبَا لَكَ وَاغْتِرَابَا
فقدْ نَصَبَ الشاعِرُ المنادَى (عَبْداً) ونَوَّنَهُ للضرورةِ معَ أنَّهُ مفرَدٌ معرِفَةٌ؛ لأنَّهُ نَكِرَةٌ مَقصودةٌ.
وهذا معنى قولِهِ: (واضْمُمْ أو انْصِبْ.. إلخ)؛ أي: اضْمُمْ أو انْصِبْ ما نُوِّنَ اضْطِراراً مِنْ كلِّ ما لهُ استحقاقُ ضَمٍّ بُيِّنَ فيما تَقَدَّمَ. والذي يَسْتَحِقُّ الضمَّ فيما تَقَدَّمَ هوَ المفرَدُ العلَمُ والنكِرَةُ المقصودةُ. وإذا نُوِّنَ الْمَبنيُّ على الضمِّ بَقِيَ على بِنائِهِ، أمَّا في حالةِ تَنوينِهِ مَنصوباً فالأَحْسَنُ أنَّهُ مُعْرَبٌ منصوبٌ للضرورةِ.



حُكْمُ اجتماعِ حَرْفِ النِّداءِ معَ (أَلْ)
583- وَبِاضْطِرَارٍ خُصَّ جَمْعُ يَا وَأَلْ = إلاَّ مَعَ اللَّهِ وَمَحْكِيِّ الْجُمَلْ
584- وَالأَكْثَرُ اللَّهُمَّ بِالتَّعْويِضِ = وَشَذَّ يَا اللَّهُمَّ فِي قَرِيضِ
لا يَجوزُ الْجَمْعُ بينَ حَرْفِ النداءِ وأَلْ؛ لِمَا فيهِ مِن اجتماعِ مُعَرَّفَيْنِ ظاهِرَيْنِ (النداءِ وأَلْ)، وهذا لم يُعْهَدْ في الكلامِ العربيِّ الفصيحِ، ولا يُعْتَرَضُ بدخولِ النداءِ على العَلَمِ؛ لأنَّ العَلَمِيَّةَ لَيْسَتْ بأداةٍ ظاهِرَةٍ، واسْتُثْنِيَ مِنْ ذلكَ الحالاتُ الآتيَةُ:
الأُولَى: لفْظُ الجلالةِ، فتقولُ: يا اللَّهُ اغْفِرْ لي، والأكثَرُ في الأساليبِ العاليَةِ عندَ نداءِ لفْظِ الجلالةِ أنْ يُقالَ: (اللَّهُمَّ) بميمٍ مُشَدَّدَةٍ مُعَوَّضَةٍ مِنْ حرْفِ النداءِ؛ كقولِهِ تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}. فـ (اللَّهُمَّ): مُنَادًى مَبنيٌّ على الضمِّ في مَحَلِّ نَصْبٍ، والميمُ المشدَّدَةُ المفتوحةُ عِوَضٌ عنْ حرْفِ النداءِ، و(فَاطِرَ): نعْتٌ للفْظِ الجلالةِ منصوبٌ؛ لأنَّهُ مضافٌ، أوْ مُنَادًى ثانٍ حُذِفَ منهُ حرْفُ النداءِ منصوبٌ؛ لأنَّهُ مضافٌ أيضاً. وشَذَّ الجمْعُ بينَ الميمِ وحَرْفِ النداءِ؛ كقولِ الشاعِرِ:
إِنِّي إذا ما حَادِثٌ أَلَمَّا = أَقُولُ: يا اللَّهُمَّ يا اللَّهُمَّا
الثانيَةُ: ما سُمِّيَ بهِ مِن الْجُمَلِ الْمَحكيَّةِ، وهوَ العلَمُ المنقولُ مِنْ جملةٍ اسميَّةٍ مبدوءةٍ بـ(أَلْ)، فتقولُ فيمَن اسْمُهُ (الرجُلُ مُنطلِقٌ): يا الرَّجُلُ مُنْطَلِقٌ، فـ(يَا): حرْفُ نداءٍ، و(الرجُلُ مُنطلِقٌ): مُنَادًى مَبنيٌّ على ضمٍّ مُقَدَّرٍ للحكايَةِ في مَحَلِّ نَصْبٍ.
الثالثةُ: في ضَرورةِ الشعْرِ؛ كقولِ الشاعِرِ:
فَيَا الغُلامانِ اللَّذَانِ فَرَّا = إيَّاكُمَا أنْ تَعْقُبَانَا شَرَّا
فجَمَعَ الشاعِرُ بينَ حرْفِ النداءِ و(أَلْ)، وهذا مِنْ ضَرورةِ الشعْرِ في مِثْلِ هذا الْمَوْضِعِ.
وهذا معنى قولِهِ: (وبِاضْطِرَارٍ خُصَّ جَمْعُ يَا وأَلْ.. إلخ)؛ أيْ: أنَّ الجمْعَ بينَ أداةِ النداءِ مِثْلِ (يَا) و(أَلْ) مخصوصٌ بضرورةِ الشعْرِ، إلاَّ لفْظَ الجلالةِ، والْجُمَلَ الْمَحْكِيَّةَ. والأكثرُ في نداءِ لَفْظِ الجلالةِ أنْ يُقالَ: (اللَّهُمَّ) بحَذْفِ حرْفِ النداءِ وتَعويضِ الميمِ. وشَذَّ الجمْعُ بينَهما (في قَرِيضِ)؛ أيْ: في شِعْرٍ، تقولُ: قَرَضْتُ الشعْرِ: نَظَمْتُهُ، فهوَ قَرِيضٌ؛ لأنَّهُ اقتطاعٌ مِن الكلامِ. وابنُ مالِكٍ يُشِيرُ بذلكَ إلى البيتِ المذكورِ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
النداء

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:26 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir