دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > النحو والصرف > ألفية ابن مالك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20 ذو الحجة 1429هـ/18-12-2008م, 12:24 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي التمييز

التمييزُ

اسمٌ بمعنى مِنْ مُبِينٌ نَكِرَةْ= يَنْصِبُ تَمييزًا بما قدْ فَسَّرَهْ
كشِبْرٍ ارْضًا وقَفيزٍ بُرًّا = ومَنَوَيْنِ عَسَلًا وتَمْرًا
وبعدَ ذي ونحوِها اجْرُرْهُ إذا =أَضَفْتَها كمُدِّ حِنْطَةٍ غَذَا
والنصْبُ بعدَ ما أُضيفَ وَجَبَا = إنْ كانَ مِثلَ مِلءُ الأرضِ ذَهَبَا
والفاعلَ المعنى انْصِبَنْ بأَفْعَلَا = مُفَضِّلًا كأنتَ أَعْلَى مَنْزِلَا
وبعدَ كلِّ ما اقْتَضَى تَعَجُّبَا = مَيِّزْ كأَكْرِمْ بأَبِي بكرٍأَبَا
واجْرُرْ بِمِنْ إنْ شئتَ غيرَ ذي العَدَدْ = والفاعلِ المعنى كطِبْ نفسًا تُفَدْ
وعَامِلَ التمييزِ قَدِّمْ مُطْلَقًا = والفعلُ ذُو التصريفِ نَزْرًا سُبِقَا


  #2  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 03:23 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ابن عقيل (ومعه منحة الجليل للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


التَّمْيِيزُ
اسْمٌ بِمَعْنَى (مِنْ) مُبِينٌ نَكِرَهْ = يُنْصَبُ تَمْيِيزاً بِمَا قَدْ فَسَّرَهْ ([1])


كَشِبْرٍ ارْضاً وَقَفِيزٍ بُرَّا = وَمَنَوَيْنِ عَسَلاً وَتَمْرَا ([2])

تَقَدَّمَ مِن الفَضَلاتِ المفعولُ به، والمفعولُ المُطْلَقُ، والمفعولُ له، والمفعولُ فيه، والمفعولُ معَه، والمُسْتَثْنَى، والحالُ، وبَقِيَ التمييزُ، وهو المذكورُ في هذا البابِ، ويُسَمَّى مُفَسِّراً، وتَفْسِيراً، ومُبَيِّناً، وتَبْيِيناً، ومُمَيِّزاً، وتَمْيِيزاً.
وهو: كلُّ اسمٍ نَكِرَةٍ مُتَضَمِّنٍ مَعْنَى (مِن)؛ لبيانِ ما قبلَه مِن إجمالٍ، نحوُ: (طابَ زَيْدٌ نَفْساً، وعِنْدِي شِبْرٌ أَرْضاً).
واحْتُرِزَ بقولِهِ: (مُتَضَمِّنٍ مَعْنَى مِن) من الحالِ؛ فإنَّها مُتَضَمِّنَةٌ معنى (في). وقولُه: (لِبَيَانِ ما قبلَه) احترازٌ ممَّا تَضَمَّنَ معنى (مِن) وليسَ فيه بيانٌ لِمَا قبلَه؛ كاسمِ (لا) التي لنفيِ الجنسِ، نحوُ: (لا رَجُلَ قائمٌ)؛ فإنَّ التقديرَ: (لا مِن رَجُلٍ قائِمٍ).
وقولُه: (لبيانِ ما قبلَه من إجمالٍ) يَشْمَلُ نَوْعَيِ التمييزِ، وهما المُبَيِّنُ إجمالَ ذاتٍ، والمُبَيِّنُ إجمالَ نسبةٍ، فالمُبَيِّنُ إجمالَ الذاتِ هو الواقِعُ بعدَ المقاديرِ، وهي الممسوحاتُ، نحوُ: (له شِبْرٌ أَرْضاً)، والمَكِيلاَتُ، نحوُ: (له قَفِيزٌ بُرًّا)، والمَوْزُونَاتُ، نحوُ: (له مَنَوَانِ عَسَلاً وتَمْراً)، والأعدادُ([3])، نحوُ: (عِنْدِي عِشْرُونَ دِرْهَماً).
وهو منصوبٌ بما فَسَّرَهُ، وهو شِبْرٌ وقَفِيزٌ ومَنَوَانِ وعِشْرُونَ.
والمُبَيِّنُ إجمالَ النسبةش هو المَسُوقُ لبيانِ ما تَعَلَّقَ به العاملُ مِن فاعلٍ أو مفعولٍ، نحوُ: (طابَ زَيْدٌ نَفْساً)، ومثلُه: {اشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً}، و(غَرَسْتُ الأرضَ شَجَراً)، ومِثلُه: {وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُوناً}.
فـ(نَفْساً) تمييزٌ منقولٌ من الفاعلِ، والأصلُ: (طَابَتْ نَفْسُ زَيْدٍ)، و (شجَراً) منقولٌ من المفعولِ، والأصلُ: (غَرَسْتُ شَجَرَ الأرضِ)، فبَيَّنَ (نَفْساً) الفاعلَ الذي تَعَلَّقَ به الفعلُ، وبَيَّنَ (شَجَراً) المفعولَ الذي تَعَلَّقَ به الفعلُ.
والناصِبُ له في هذا النوعِ هو العاملُ الذي قبلَه.

وبعدَ ذِي وشِبْهِهَا اجْرُرْهُ إِذَا = أَضَفْتَهَا كـ(مُدُّ حِنْطَةٍ غِذَا) ([4])


والنَّصْبُ بعدَ ما أُضِيفَ وَجَبَا = إنْ كانَ مِثْلَ (مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبَا)([5])

أشارَ بـ(ذي) إلى ما تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ في البيتِ مِن المُقَدَّرَاتِ، وهو ما دَلَّ على مساحةٍ أو كَيْلٍ أو وَزْنٍ، فيَجُوزُ جَرُّ التمييزِ بعدَ هذه بالإضافةِ إنْ لم يُضَفْ إلى غيرِهِ، نحوُ: (عِنْدِي شِبْرُ أَرْضٍ، وقَفِيزُ بُرٍّ، ومَنَوَا عَسَلٍ وتَمْرٍ).
فإنْ أُضِيفُ الدالُّ على مِقْدَارٍ إلى غيرِ التمييزِ وَجَبَ نصبُ التمييزِ، نحوُ: (ما في السماءِ قَدْرُ راحةٍ سَحَاباً)، ومنه قولُه تعالى: {فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَباً}.
وأمَّا تَمْيِيزُ العددِ فسيأتي حُكْمُه في بابِ العددِ.

والفاعِلَ المَعْنَى انْصِبَنْ بِأَفْعَلاَ = مُفَضِّلاً كَـ(أَنْتَ أَعْلَى مَنْزِلاَ) ([6])

التمييزُ الواقِعُ بعدَ أَفْعَلِ التفضيلِ إنْ كانَ فاعلاً في المعنَى وَجَبَ نَصْبُه، وإنْ لم يَكُنْ كذلك وَجَبَ جَرُّهُ بالإضافةِ.
وعلامةُ ما هو فاعلٌ في المعنى أنْ يَصْلُحَ جَعْلُه فاعلاً بعدَ جَعْلِ أَفْعَلِ التفضيلِ فِعْلاً، نحوُ: (أَنْتَ أَعْلَى مَنْزِلاً، وأَكْثَرُ مالاً)، فـ(مَنْزِلاً ومالاً) يَجِبُ نَصْبُهما؛ إذ يَصِحُّ جَعْلُهما فاعليْنِ بعدَ جَعْلِ أفعلِ التفضيلِ فِعْلاً، فتقولُ: (أَنْتَ عَلاَ مَنْزِلُكَ، وكَثُرَ مَالُكَ).
ومثالُ ما ليسَ بفاعلٍ في المعنى: ([7]) (زَيْدٌ أَفْضَلُ رَجُلٍ، وهِنْدٌ أَفْضَلُ امْرَأَةٍ)، فيَجِبُّ جَرُّهُ بالإضافةِ، إلاَّ إذا أُضِيفَ (أَفْعَلُ) إلى غيرِه، فإنَّه يُنْصَبُ حينَئذٍ، نحوُ: (أنتَ أَفْضَلُ الناسِ رَجُلاً)([8]).

وبَعْدَ كُلِّ مَا اقْتَضَى تَعَجُّبَا = مَيِّزْ كَـ(أَكْرِمْ بِأَبِي بَكْرٍ أَبَا) ([9])

يَقَعُ التمييزُ بعدَ كُلِّ ما دَلَّ على تَعَجُّبٍ، نحوُ: (ما أَحْسَنَ زَيْداً رَجُلاً، وأَكْرِمْ بأبي بَكْرٍ أباً، ولِلَّهِ دَرُّكَ عالِماً، وحَسْبُكَ بِزَيْدٍ رَجُلاً، وكَفَى به عالِماً)([10]).

و *يَا جَارَتَا مَا أَنْتِ جَارَهْ *([11])


واجْرُرْ بِمِنْ إِنْ شِئْتَ غَيْرَ ذِي الْعَدَدْ = والفَاعِلِ الْمَعْنَى كَـ(طِبْ نَفْساً تُفَدْ) ([12])

يَجُوزُ جَرُّ التمييزِ بمِن إنْ لم يَكُنْ فاعلاً في المعنَى ولا مُمَيِّزاً لعددٍ، فتقولُ: (عندي شِبْرٌ مِن أرضٍ، وقَفِيزٌ مِن بُرٍّ، ومَنَوَانِ مِن عَسَلٍ وتَمْرٍ، وغَرَسْتُ الأرضَ مِن شَجَرٍ)، ولا تقولُ: (طابَ زيدٌ مِن نَفْسٍ، ولا: عندِي عِشْرُونَ مِن دِرْهَمٍ).

وعامِلَ التَّمْيِيزِ قَدِّمْ مُطْلَقَا = والفِعْلُ ذُو التَّصْرِيفِ نَزْراً سُبِقَا ([13])

مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ رَحِمَه اللهُ، أنه لا يَجُوزُ تقديمُ التمييزِ على عامِلِهِ، سواءٌ كانَ مُتَصَرِّفاً أو غيرَ مُتَصَرِّفٍ، فلا تقولُ: نَفْساً طابَ زيدٌ، ولا: عندَي دِرْهماً عِشْرُونَ.
وأجازَ الكِسَائِيُّ والمَازِنِيُّ والمُبَرِّدُ تَقْدِيمَه على عاملِهِ المتصرِّفِ، فتقولُ: (نَفْساً طابَ زَيْدٌ، وشَيْباً اشْتَعَلَ ر‍َأْسِي)، ومنه قولُه:

194- أَتَهْجُرُ لَيْلَى بِالْفِرَاقِ حَبِيبَهَا = وَمَا كانَ نَفْساً بِالْفِرَاقِ تَطِيبُ ([14])

وقولُه:

195- ضَيَّعْتُ حَزْمِيَ فِي إِبْعَادِيَ الأَمَلاَ = ومَا ارْعَوَيْتُ وَشَيْباً رَأْسِيَ اشْتَعَلاَ ([15])

ووَافَقَهُمُ المصنِّفُ في غيرِ هذا الكتابِ على ذلك، وجَعَلَه في هذا الكتابِ قليلاً.
فإنْ كانَ العاملُ غيرَ مُتَصَرِّفٍ فقد مَنَعُوا التقديمَ([16])، سواءٌ كانَ فِعْلاً، نحوُ: (ما أَحْسَنَ زيداً رَجُلاً)، أو غيرَه، نحوُ: (عندي عشرونَ دِرْهَماً).
وقد يكونُ العاملُ مُتَصَرِّفاً، ويَمْتَنِعُ تقديمُ التمييزِ عليه عندَ الجميعِ، وذلك نحوُ: (كَفَى بِزَيْدٍ رَجُلاً)، فلا يَجُوزُ تقديمُ (رَجُلاً) على (كَفَى)، وإنْ كانَ فِعْلاً مُتَصَرِّفاً؛ لأنَّه بمعنى فِعْلٍ غيرِ متصرِّفٍ، وهو فعلُ التعجُّبِ، فمعنى قولِكَ: (كفى بزيدٍ رَجُلاً): ما أَكْفَاهُ رَجُلاً ([17]).


([1])(اسمٌ) خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ، والتقديرُ: هو اسمٌ، (بِمَعْنَى) جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بمَحْذُوفٍ صفةٌ لاسمٌ، ومعنى مُضافٌ و(مِن) قُصِدَ لفظُه: مُضافٌ إليه ، ُبِينٌ) نَعْتٌ آخَرُ لاسمٌ، َكِرَةْ) نعتٌ ثالثٌ لاسْمٌ ، (يُنْصَبُ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَبْنِيٌّ للمجهولِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو، والجملةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لها من الإعرابِ، (تَمْيِيزاً) حالٌ مِن نائبِ الفاعلِ المُسْتَتِرِ في قَوْلِهِ: يُنْصَبُ ، (بِمَا) جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِيُنْصَبُ، و(قد فَسَّرَهْ) فَسَّرَ: فِعْلٌ ماضٍ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو، وضميرُ الغائبِ مفعولُه، والجملةُ لا مَحَلَّ لها صِلَةُ ما المجرورةِ مَحَلاًّ بالباءِ.

([2])َشِبْرٍ) جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بمَحْذُوفٍ حالٌ مِن ما الموصولةِ، (أَرْضاً) تَمْيِيزٌ لِشِبْرٍ ، (وقَفِيزٍ) معطوفٌ على شِبْرٍ ، ُرَّا) تمييزٌ لِقَفِيزٍ، (وَمَنَوَيْنِ عَسَلاً) مِثْلُه ، =(وتَمْرَا) معطوفٌ على قولِهِ: (عَسَلاً).

([3])قولُ الشارِحِ: (والأعدادُ) عَطْفٌ على قولِهِ: (المقاديرُ) ، فأمَّا ما بينَهما فهو بيانٌ لأنواعِ المقاديرِ، وعلى هذا يكونُ الشارِحُ قد ذَكَرَ شيئيْنِ يكونُ تَمْيِيزُ إجمالِ الذاتِ بعدَهما - وهما المقاديرُ والأعدادُ - وبَقِيَ عليه شيئانِ آخرانِ:
أوَّلُهما: ما يُشْبِهُ المقاديرَ، مِمَّا أَجْرَتْهُ العربُ مَجْرَاها لِشِبْهِهِ بِها في مُطْلَقِ المِقْدَارِ، وإنْ لم يَكُنْ منها ؛ لِعَدَمِ دَلالتِهِ على مِقدارٍ مُعَيَّنٍ محدودٍ؛ كقولِكَ: قد صَبَبْتُ عليه ذَنُوباً ماءً، واشْتَرَيْتُ نِحْياً سَمْناً، وقولِهم: على التَّمْرَةِ مِثْلُها زُبْداً.
وثانيهما: ما كانَ فَرْعاً للتمييزِ، نحوُ قَوْلِكَ: أَهْدَيْتُهُ خَاتَماً فِضَّةً، على ما هو مَذْهَبُ الناظِمِ تَبَعاً للمبرِّدِ في هذا المثالِ من أنَّ فِضَّةً ليسَ حالاً ؛ لكونِهِ جامداً، وكونِ صاحبِه نكرةً، وكونِهِ لازماً، معَ أنَّ الغالِبَ في الحالِ أنْ تكونَ مُنْتَقِلَةً، وذَهَبَ سِيبَوَيْهِ إلى أنَّ فِضَّةًفي المثالِ المذكورِ حالٌ، وليسَ تَمْيِيزاً؛ لأنَّه خَصَّ التمييزَ بما يَقَعُ بعدَ المقاديرِ وما يُشْبِهُهَا.

([4])(بعدَ) ظرفٌ مُتَعَلِّقٌ باجْرُرْ، وبعدَ مُضافٌ و(ذِي) اسمُ إشارةٍ مُضافٌ إليه ، (وشِبْهِهَا) الواوُ عاطِفَةٌ، شِبْهِ: معطوفٌ على ذِي، وشِبْهِ مُضافٌ وها: مُضافٌ إليه ، (اجْرُرْهُ) اجْرُرْ: فِعْلُ أَمْرٍ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أنتَ، والهاءُ مفعولٌ به ، ِذَا) ظرفٌ أُشْرِبَ معنى الشرطِ، َضَفْتَهَا) فعلٌ وفاعلٌ ومفعولٌ به، والجملةُ في مَحَلِّ جرٍّ بإضافةِ إذا الظَرْفِيَّةِ إليها ، (كمُدُّ) الكافُ جارَّةٌ لقولٍ محذوفٍ، مُدُّ: مبتدأٌ، ومُدُّ مُضافٌ و(حِنْطَةٍ) مُضافٌ إليه ، َذَا) خَبَرُ المُبْتَدَأِ.

([5])(والنصبُ) مبتدأٌ، (بعدَ) ظرفٌ مُتَعَلِّقٌ به، وبعدَ مُضافٌ و(ما) اسمٌ موصولٌ مُضافٌ إليه ، ُضِيفَ) فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ للمجهولِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يَعُودُ إلى ما الموصولةِ، والجملةُ من أُضِيفَ ونائبِ فاعلِهِ لا مَحَلَّ لها صِلَةٌ، َجَبَا) فِعْلٌ ماضٍ، والألفُ للإطلاقِ، والفاعلُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يَعُودُ إلى النصبُ، والجملةُ من وَجَبَ وفاعِلِهِ في مَحَلِّ رفعٍ خَبَرُ المُبْتَدَأِ ، (إنْ) شَرْطِيَّةٌ (كانَ) فِعْلٌ ماضٍ ناقِصٌ فِعْلُ الشرطِ، واسمُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يَعُودُ إلى ما أُضِيفَ، ِثْلَ) خبرُ كانَ ، ِلْءُ) مبتدأٌ، ومِلْءُ مُضافٌ و(الأرضِ) مُضافٌ إليه، والخبرُ محذوفٌ تَقْدِيرُهُ: لي، مَثَلاً، وجملةُ المبتدأِ والخبرِ في مَحَلِّ جرٍّ بإضافةِ (مِثْلَ) إليها ، َهَبَا) تمييزٌ.

([6])(والفاعلَ) مفعولٌ مُقَدَّمٌ على عاملِهِ، وهو قولُه: (انْصِبَنِ) الآتي ، (المعنى) منصوبٌ على نزعِ الخافِضِ، أو مفعولٌ به للفاعلِ، أو مجرورٌ تقديراً بإضافةِ الفاعلِ إليه ، (انْصِبَنِ) انْصِبَ: فِعْلُ أَمْرٍ مَبْنِيٌّ على الفتحِ لاتِّصالِهِ بنونِ التوكيدِ الخفيفيةِ، ونونُ التوكيدِ حرفٌ لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، ِأَفْعَلاَ) جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بانْصِبَنْ، ُفَضِّلاً) حالٌ من الفاعلِ المُسْتَتِرِ وُجُوباً في انْصِبَنْ، َأَنْتَ) الكافُ جارَّةٌ لقولٍ محذوفٍ، أنتَ: مبتدأٌ، َعْلَى) خَبَرُ المُبْتَدَأِ ، َنْزِلاً) تمييزٌ.

([7])ضابطُ ما ليسَ بفاعلٍفي المعنى: أنْ يكونَ أفعلُالتفضيلِ بعضاً من جنسِ التمييزِ، ويُعْرَفُ ذلك بصحَّةِ حذفِ أفعلِ التفضيلِ، ووَضْعِ لفظِ (بعضٍ) موضعَه، فنحوُ: (زَيْدٌ أَفْضَلُ رَجُلٍ) تَجِدُ أفعلَ التفضيلِ، وهو أفضلُ، باعتبارِ الفردِ الذي يَتَحَقَّقُ فيه - واحداً مِن جنسِ الرجُلِ، وكذلك نحوُ: (هِنْدٌ أفضلُ امرأةٍ) نَجِدُ أفعلَ التفضيلِ بعضَ الجنسِ، ويُمْكِنُ أنْ تَحْذِفَ أفعلَ التفضيلِ في المثاليْنِ وتَضَعَ مكانَه لفظَ (بعضٍ) ، فتقولُ: زيدٌ بَعْضُ جِنْسِ الرجلِ؛ أي: بعضُ الرجالِ، وهندٌ بَعْضُ جِنْسِ المرأةِ؛ أي: بعضُ النساءِ.

([8])من تَقْرِيرِ هذه المسألةِ تَعْلَمُ أنَّ تمييزَ أفعلِ التفضيلِ يَجِبُ جَرُّهُ في صورةٍ واحدةٍ، وهي: أنْ يكونَ التمييزُ غيرَ فاعلٍ في المعنى، وأفعلُ التفضيلِ ليسَ مُضافاً لغيرِ تمييزِه، ويجِبُ نصبُه في صورتيْنِ اثنتيْنِ: أُولاهما: أنْ يكونَ التمييزُ فاعلاً في المعنى، سواءٌ أُضِيفَأفعلُ التفضيلِ إلى غيرِ التمييزِ، نحوُ: أنتَ أَعْلَى الناسِ مَنْزِلاً، أم لم يُضَفْ إلى غيرِ التمييزِ، نحوُ: أنتَ أعلى مَنْزِلاً ، وثانيتهما: أنْ يكونَ التمييزُ غيرَ فاعلٍ في المعنى، بشرطِ أنْ يكونَ أفعلُ مُضافاً إلى غيرِ التمييزِ، نحوُ: أنتَ أفضلُ الناسِبَيْتاً؛ لأنَّه يَتَعَذَّرُ حِينَئِذٍ إضافةُ أفعلِ التفضيلِ مَرَّةً أُخْرَى.

([9])(وبعدَ) ظرفٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِهِ:َيِّزِ) الآتي، وبعدَ مُضافٌ و(كُلِّ) مُضافٌ إليه، وكلِّ مُضافٌ و(ما) اسمٌ موصولٌ: مُضافٌ إليه ، (اقْتَضَى) فِعْلٌ ماضٍ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يَعُودُ إلى ما الموصولةِ، َعَجُّبَا) مفعولٌ به لاقْتَضَى، والجملةُ مِن اقْتَضَى وفاعِلِهِ ومفعولِهِ لا مَحَلَّ لها صلةُ الموصولِ، َيِّزْ) فِعْلُ أَمْرٍ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أنتَ، َأَكْرِمِ) الكافُ جارَّةٌ لقولٍ محذوفٍ، أَكْرِمْ: فِعْلٌ ماضٍ جاءَ على صورةِ الأمرِ، (بِأَبِي) الباءُ زائدةٌ، أبي: فاعلُ أَكْرِمْ، وأبي مُضافٌ و(بكرٍ) مُضافٌ إليه ، (أبا) تَمْيِيزٌ.

([10])ذَهَبَ ابنُ هِشَامٍ إلى أنَّ التمييزَ في كُلِّ هذه الأمثلةِ مِن تمييزِ النسبةِ، وليسَ بِسَدِيدٍ، بل في الكلامِ تفصيلٌ، وتَلْخِيصُه أنه إنْ كانَ في الكلامِ ضميرٌ غائبٌ، ولم يُبَيِّنْ مَرْجِعَه، كما في قَوْلِهِم:ِلَّهِ دَرُّهُ فَارِساً) كانَ مِن تمييزِ المفردِ؛ لأنَّ افتقارَه إلى بيانِ عَيْنِهِ في هذه الحالِ أشدُّ مِن افتقارِه لبيانِ نِسْبَةِ التعجُّبِ إليه، فإنْ لم يَكُنْ ضميرٌ أصلاً ، نحوُ: للهِ دَرُّ زيدٍ فارساً، أو كانَ ضميرَ خِطابٍ، نحوُ: للهِ دَرُّكَ فارساً، أو كانَ ضميرَ غائبٍ عُلِمَ مَرْجِعُهُ، نحوُ: زيدٌ للهِ دَرُّهُ فارساً - فهو من تمييزِ النسبةِ. وتلخيصث هذا أنه يكونُ تمييزَ مفردٍ في صورةٍ واحدةٍ، ويكونُ تَمْيِيزَ نسبةٍ في ثلاثةِ صُوَرٍ.

([11])193- هذا عَجُزُ بيتٍ للأعشى ميمونِ بنِ قيسٍ، وصدرُه قولُه:
* بَانَتْ لِتَحْزُنَنَا عَفَارَهْ *

اللغةُ: (بَانَتْ) بَعُدَتْ وفَارَقَتْ، ِتَحْزُنَنَا) لِتُدْخِلَ الحُزْنَ إلى قُلُوبِنَا، وتقولُ: حَزَنَنِي هذا الأمرُ يَحْزُنُنِي، من بابِ نَصَرَ، وأَحْزَنَنِي أيضاًًً، وفي التنزيلِ العزيزِ: {إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ} ، َفَارَةُ) اسمُ امرأةٍ.
الإعرابُ: (يا) حرفُ نِداءٍ مَبْنِيٌّ على السكونِ لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، َارَتَا) مُنادًى منصوبٌ بفتحةٍ مقدَّرَةٍ على ما قبلَ ياءِ المتكلِّمِ المنقلبَةِ ألفاً، وجارَة مُضافٌ وياءُ المُتَكَلِّمِ المنقلبةُ ألفاً مُضافٌ إليه ، (ما) اسمُ استفهامٍ مقصودٌ به التعظيمُ مبتدأٌ، مَبْنِيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ رفعٍ، (أنتِ) خَبَرُ المُبْتَدَأِ ، َارَهْ) تمييزٌ يُقْصَدُ به بيانُ جِنْسِ ما وَقَعَ عليه التعجُّبُ، وهو الجِوَارُ.
الشاهدُ فيه: قولُه:َارَةً) ؛ حيثُ وَقَعَ تمييزاً بعدَ ما اقْتَضَى التعجُّبَ، وهو قولُه: (مَا أنتِ).
فإنْ قلتَ: أهو تمييزُ نِسْبَةٍ أم تمييزُ ذاتٍ؟
قلتُ: لا خِلافَ بينَ أحدٍ مِن العلماءِ الذين جَعَلُوا (جَارَةً) تمييزاً في أنه من قَبِيلِ تمييزِ النسبةِ، أمَّا ابنُ هِشامٍ فالأمرُ عِنْدَهُ ظاهرٌ؛ لأنَّه جَعَلَ هذا النوعَ كُلَّهُ من تمييزِ النسبةِ، وأمَّا على ما ذَكَرْنَاهُ قَرِيباً من الفرقِ بينَ بعضِ المُثُلِ وبعضِها الآخرِ فهو أيضاًًً من تمييزِ النسبةِ؛ لأنَّ الضميرَ المذكورَ في الكلامِ ضميرُ المخاطَبِ، فهو معلومٌ ما يُرَادُ به.
فإنْ قلتَ: فهل يجوزُ أنْ أَجْعَلََارَةً) شيئاً غيرَ التمييزِ؟
قلتُ: قد ذَهَبَ جمهرةٌ عَظِيمَةٌ من العلماءِ إلى أنه حالٌ، وأرَى لكَ أنْ تَأْخُذَ به.

([12])(واجْرُرْ) فِعْلُ أَمْرٍ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أنتَ، ِمِن) جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ باجْرُرْ، (إنْ) شَرْطِيَّةٌ ، ِئْتَ) فِعْلٌ ماضٍ فِعْلُ الشرطِ، وضميرُ المخاطَبِ فاعلُه ، َيْرَ) مفعولٌ به لاجْرُرْ، وغيرَ مُضافٌ و(ذي) مُضافٌ إليه، وذي مُضافٌ و(العددْ) مُضافٌ إليه ، (والفاعلِ) معطوفٌ على ذي ، (المعنى) منصوبٌ بنزعِ الخافضِ أو مُضافٌ إليه، أو مفعولٌ به للفاعلِ، وهو مجرورٌ تَقْدِيراً بالإضافةِ أو منصوبٌ تقديراً على المفعوليَّةِ، أو على نَزْعِ الخافِضِ، (كطِبْ) الكافُ جارَّةٌ لقولٍ محذوفٍ، طِبْ: فِعْلُ أَمْرٍ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أنتَ، َفْساً) تمييزٌ، ُفَدْ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَبْنِيٌّ للمجهولِ مجزومٌ في جوابِ الأمرِ، ونائبُ فاعلِهِ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أنتَ.

([13])(وعامِلَ) مفعولٌ به مُقَدَّمٌ لقولِهِ:َدِّمِ) الآتي، وعاملَ مُضافٌ و(التمييزِ) مُضافٌ إليه ، َدِّمْ) فِعْلُ أَمْرٍ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أنتَ، ُطْلَقَا) منصوبٌ على الحالِ من (عامِلَ التمييزِ) ، (والفعلُ) مبتدأٌ، (ذو) نعتٌ للفعلُ، وذو مُضافٌ، و(التصريفِ) مُضافٌ إليه ، َزْراً) حالٌ من الضميرِ المُسْتَتِرِ في قَوْلِهِ:ُبِقَا) الآتي ، ُبِقَا) سُبِقَ: فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ للمجهولِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يَعُودُ إلى الفعلُ، والألفُ للإطلاقِ، والجملةُ مِن سُبِقَ ونائبِ فاعلِهِ في مَحَلِّ رفعٍ خَبَرُ المُبْتَدَأِ.

([14])194- يُنْسَبُ هذا البيتُ للمُخَبَّلِ السَّعْدِيِّ، وقيلَ: هو لأَعْشَى هَمْدَانَ، وقيلَ: هو لِقَيْسِ بنِ المُلَوَّحِ العامِرِيِّ.
المعنى: ما يَنْبَغِي لِلَيْلَى أنْ تَهْجُرَ مُحِبَّهَا وتَتَبَاعَدَ عنه، وعَهْدِي بها والشأنُ أنَّ نَفْسَهَا لا تَطِيبُ بالفِراقِ ولا تَرْضَى عنه.
الإعرابُ: (أَتَهْجُرُ) الهمزةُ للاستفهامِ الإنكاريِّ، تَهْجُرُ: فِعْلٌ مُضَارِعٌ ، َيلَى) فاعلُ تَهْجُرُ، (بالفراقِ) جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بتَهْجُرُ، َبِيبَهَا) حبيبَ: مفعولٌ به لِتَهْجُرُ، وحبيبَ مُضافٌ وها: مُضافٌ إليه ، (وما) الواوُ واوُ الحالِ، ما: نافيةٌ، (كانَ) فِعْلٌ ماضٍ ناقِصٌ، واسْمُها ضميرُ الشأنِ، َفْساً) تمييزٌ مُتَقَدِّمٌ على العاملِ فيه، وهو قولُه:َطِيبُ) الآتي (بالفراقِ) جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِتَطِيبُ، َطِيبُ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هي يَعُودُ إلى ليلى، والجملةُ من تَطِيبُ وفاعِلِهِ في مَحَلِّ نصبٍ خبرُ (كانَ).
الشاهدُفيه: قولُه:َفْساً) ؛ فإنَّه تمييزٌ، وعامِلُه قولُه:َطِيبُ) قد تَقَدَّمَ عليه، والأصلَُطِيبُ نَفْساً) ، وقد جَوَّزَ ذلك التقدُّمَ الكُوفِيُّونَ والمازنِيُّ والمُبَرِّدُ، وتَبِعَهم ابنُ مالِكٍ في بعضِ كُتُبِهِ، وهو - في هذا البيتِ ونحوِهِ - عندَ الجمهورِ ضرورةٌ، فلا يقاسُ عليه.
وذَهَبَ أبو إسحاقَ الزَّجَّاجُ إلى أنَّ الروايةَ في بيتِ الشاهِدِ:
* وَمَا كانَ نَفْسِي بِالْفِرَاقِ تَطِيبُ *

ونقَلَ أبو الحسنِ أنَّ الروايةَ في ديوانِ الأعشى هكذا:

أَتُؤْذِنُ سَلْمَى بالفِراقِ حَبِيبَها = ولم تَكُ نَفْسٌ بالفراقِ تَطِيبُ

وعلى هاتيْنِ الروايتيْنِ لا شاهدَ في البيتِ.
وقالَ أبو رَجَاءٍ عفا اللهُ تعالى عنه: (والذي وَجَدْتُهُ في دِيوانِ أَعْشَى هَمْدَانَ روايةَ البيتِ كما رَوَاهُ الشارِحُ وأكثرُ النحاةِ) ففيه الشاهدُ الذي يُسَاقُ من أجلِهِ.

([15]) 195- البيتُ من الشواهدِ التي لا يُعْلَمُ قائلُها.
اللغةُ: (الحَزْمُ) ضَبْطُ الرجلِ أَمْرَه، وأخذُه بالثقةِ ، (ارْعَوَيْتُ) رَجَعْتُ إلى ما يَنْبَغِي لي، والارعواءُ: الرجوعُ الحَسَنُ.
الإعرابُ: (ضَيَّعْتُ) فعلٌ وفاعلٌ ، (حَزْمِيَ) حزمِ: مفعولٌ به لِضَيَّعَ، وحَزْمِ مُضافٌ وياءُ المُتَكَلِّمِ مُضافٌ إليه ، (في إِبْعَادِي) الجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بضَيَّعَ، وإبعادِ مُضافٌ وياءُ المُتَكَلِّمِ مُضافٌ إليه من إضافةِ المصدرِ لفاعلِهِ ، (الأَمَلاَ) مفعولٌ به للمصدرِ ، (وما) الواوُ عاطِفَةٌ ، ما: نافيةٌ ، (ارْعَوَيْتُ) فعلٌ وفاعلٌ ، (وشَيْباً) تمييزٌ متقدِّمٌ على عاملِهِ ، وهو قولُه: (اشْتَعَلاَ) الآتي ، (رَأْسِي) رأسِ: مبتدأٌ وياءُ المُتَكَلِّمِ مُضافٌ إليه ، (اشْتَعَلاَ) فِعْلٌ ماضٍ، والفاعلُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يَعُودُ إلى الرأسِ، والألفُ للإطلاقِ، والجملةُ من اشْتَعَلَ وفاعِلِهِ في مَحَلِّ رفعٍ خَبَرُ المُبْتَدَأِ.
الشاهدُ فيه: قولُه: (شَيْباً) ؛ حيثُ تَقَدَّمَ - وهو التمييزُ - على عاملِهِ المتصرِّفِ، وهو قولُه: اشْتَعَلَ، وقد احْتَجَّ به مَن أجازَ ذلك ؛ كالمُبَرِّدِ ، والكِسَائِيِّ، والمازِنِيِ، وابنِ مالِكٍ في غيرِ الألفيَّةِ، ولكنَّه في الألفيَّةِ قد نَصَّ على نُدْرَةِ هذا، ومِثْلُه قولُ الشاعِرِ:
أَنَفْساً تَطِيبُ بِنَيْلِ الْمُنَى = وَدَاعِي الْمَنُونِ يُنَادِي جِهَارَا؟

وقولُ الآخَرِ:

وَلَسْتُ إِذَا ذَرْعاً أَضِيقُ بِضَارِعٍ = ولا يائسٍ عِنْدَ التَّعَسُّرِ مِن يُسْرِ

وقولُ رَبِيعَةَ بنِ مَقْرُومٍ الضَّبِّيِّ:
رَدَدْتُ بِمِثْلِ السيِّدِ نَهْدٍ مُقَلَّصٍ = كَميشٍ إِذَا عِطْفَاهُ مَاءً تَحَلَّبَا

وجَعَلَ بعضُ النحاةِ من شواهدِ هذه المسألةِ قولَ الشاعِرِ:

إِذَا الْمَرْءُ عَيْناً قَرَّ بالعَيْشِ مُثْرِباً = ولم يُعْنَ بالإحسانِ كانَ مُذَمَّمَا

والاستشهادُ بهذا البيتِ الأخيرِ إنما يَتِمُّ على مذهَبِ بعضِ الكُوفِيِّينَ الذين يَجْعَلُونَ (المرءُ) مبتدأً ، وجملةُ (قَرَّ عَيْناً) في مَحَلِّ رفعٍ خبرُه، فأمَّا على مذهَبِ جمهورِ البصريِّينَ الذين يَجْعَلُونَ (المَرْءُ) فاعلاً لفعلٍ محذوفٍ يُفَسِّرُهُ ما بعدَه ، فلا شاهدَ فيه؛ لأنَّ التقديرَ على هذا المذهَبِ: إذا قَرَّ المرءُ عَيناً بالعيشِ، فالعاملُ في التمييزِ متقدِّمٌ عليه ، وهو الفعلُ المقدَّرُ، إلاَّ أنْ يَدَّعِيَ مُدَّعٍ أنَّ تأخيرَ مُفَسِّرِ العاملِ بمنزلةِ تأخيرِ العاملِ نفسِه.

([16]) ورُبَّمَا تَقَدَّمَ على عاملِه وهو جامدٌ، وذلك ضرورةٌ مِن ضروريَّاتِ الشعْرِ اتِّفاقاً ؛ كقولِ الراجِزِ:
ونَارُنَا لم يُرَ نَاراً مِثْلُهَا = قَدْ عَلِمَتْ ذَاكَ مَعَدٌّ كُلُّهَا


([17])من القواعدِ المقرَّرةِ أنَّ الشيءَ إذا أَشْبَهَ الشيءَ أَخَذَ حُكْمَه، ويَجْرِي ذلك في كثيرٍ من الأبوابِ، ونحنُ نَذْكُرُ لكَ ههنا بعضَ هذه المتشابِهَاتِ لتعرِفَ كيفَ كانَ العربُ يُجْرُونَ في كلامِهم، ثمَّ لِتَعْرِفَ كيفَ ضَبَطَ أئمَّةُ هذه الصناعةِ قَوَاعِدَها، ثمَّ لِتَعُودَ بذاكرَتِكَ إلى ما سَبَقَ لكَ أنْ قَرَأْتَهُ في هذا الكتابِ وغيرِهِ من كُتُبِ الفنِّ لجمعِ أشبهِ ما نَذْكُرُه لكَ.
(أ) المشتقَّاتُ كلُّها - من اسمِ الفاعلِ واسمِ المفعولِ وأمثلةِ المبالغةِ - أَشْبَهَتِ الفعلَ في مادَّتِهِ ومعناه، فأَخَذَتْ حُكْمَه، فرَفَعَتِ الفاعلَ، ونَصَبَ المتعدِّي منها المفعولَ.
(ب) ما، ولا، وإنْ، ولاتَ، هذه الحروفُ أَشْبَهَتْ ليسَ في المعنى، فأَخَذَتْ حُكْمَها، فرَفَعَتْ الاِسمَ ونَصَبَتِ الخبرَ.
(ج) إنَّ وأَخَوَاتِها، أَشْبَهَتِ الفعلَ في معناه، فرَفَعَتْ ونَصَبَتْ، وقُدِّمَ منصوبُها وُجُوباً على مَرْفُوعِها، بعكسِ الفعلِ؛ لِيَظْهَرَ من أوَّلِ وَهْلَةٍ أنها عَمِلَتْ هذا العملَ لِكَوْنِها فَرعاً، وجازَ أنْ تَنْصِبَ الحالَ لهذه المشابهةِ.
(د)تَشَابَهَتْ (إلاَّ) و(غيرٌ) فأَخَذَتْ كلُّ واحدةٍ مِنهما حكمَ الأخرى، فوَقَعَتْ (غيرٌ) أداةَ استثناءٍ كإلاَّ، ووَقَعَتْ (إلاَّ) صفةً كغَيْرٍ.
(هـ) تَشَابَهَتَْسَى) و(لَعَلَّ) ، فجاءَ خبرُ عَسَى شذوذاً مفرداً كخبرِ لَعَلَّ، في نحوِ: (عَسَى الغُوَيْرُ أَبُؤْساً)، وجاءَ خبرُ لعلَّ مضارعاً مُقْتَرِناً بأنْ في نحوِ: (لَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ).
(و) أَشْبَهَ الاسمُ الموصولُ أسماءَ الشرطِ، فجازَ أنْ تَدْخُلَ الفاءُ في خبرِ الاسمِ الموصولِ في نحوِ: (مَن يَزُورُنِي فإني أُكْرِمُهُ) كما تَدْخُلُ في جوابِ الشرطِ.


  #3  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 03:24 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي أوضح المسالك لجمال الدين ابن هشام الأنصاري (ومعه هدي السالك للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


هذا بابُ التمييزِ([1])

التمييزُ: اسمٌ نَكِرَةٌبمعنَى "مِن" مُبيِّنٌ لإبهامِ اسمٍ أو نسبةٍ([2]).
فخرَجَ بالفصلِ الأولِ نحوُ([3]): "زَيْدٌ حَسَنٌ وَجْهَهُ".
وقدْ مَضَى أنَّ قولَه:
* صَدَدْتَ وطِبْتَ النَّفْسَ يَا قَيْسُ عن عَمْرِو *([4]) [63]
محمولٌ على زيادةِ: "أل".
وبالثاني الحالُ؛ فإنَّه بمعنَى في حالِ كذا, لا بمعنَى مِن.
وبالثالثِ نحوُ([5]): "لا رَجُلَ" ونحوُ:
283- أَسْتَغْفِرُ اللهَ ذَنْباً لَسْتُ مُحْصِيَهُ([6])
فإنَّهما وإنْ كانا على معنَى "مِن" لكنَّها ليستْ للبيانِ, بل هي في الأولِ للاستغراقِ وفي الثاني للابتداءِ.
وحُكْمُ التمييزِ النصْبُ, والناصِبُ لمبيِّنِ الاسمِ هو ذلك الاسمُ المُبْهَمُ([7]كـ "عِشْرِينَ دِرْهماً", والناصِبُ لمُبيِّنِ النسبةِ المُسْنَدش من فعلٍ أو شَبَهِه([8]) كـ "طَابَ نَفْساً", و"هو طَيِّبٌ أُبُوَّةً" وعُلِمَ بذلِكَ بُطْلانُ عُمومِ قولِه([9]):
يُنْصَبُ تَمْيِيزاً بمَا قَدْ فَسَّرَهْ([10])
فصلٌ: والاسمُ المُبْهَمُ أربعةُ أنواعٍ:
أحدُها: العَدَدُ كـ {أحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً}([11]).
والثاني: المقدارُ, وهو إمَّا مِساحةٌ؛ كـ "شِبْرٍ أرْضاً", أوكَيْلٌ؛ كـ "قَفِيزٍ بُرًّا", أو وزنٌ؛ كـ "مَنَوَيْنِ عَسَلاً" وهو تثنيةُ مَنَا, كعَصَا, ويُقالُ فيهِ: مَنٌّ. بالتشديدِ, وتثنيتُه مَنَّانِ.
والثالِثُ: ما يُشْبِهُ المقدارَ نحوُ: {مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً}([12]) و"نِحْيٌ سَمْناً", {ولَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً}([13]) وحُمِلَ على هذا: "إنَّ لَنَا غَيْرَها إِبِلاً".
والرابعُ: ما كانَ فَرْعاً للتمييزِ نحوَ: "خَاتَمٌ حَدِيداً" فإنَّ الخاتَمَ فرعُ الحديدِ, ومثلُه: "بابٌ سَاجاً", و:ُبَّةٌ خَزًّا", وقيلَ: إنَّه حالٌ([14]).
والنِّسبةُ المُبْهَمَةُ نوعانِ: نسبةُ الفعلِ للفاعلِ؛ نحوُ: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً}([15]) ونسبتُه للمفعولِ نحوُ: {وفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُوناً}([16]).
ولك في تمييزِ الاسمِ أنَّ تَجُرَّه بإضافةِ الاسمِ؛ كـ "شِبْرِ أرْضٍ" و"قَفِيزِ بُرٍّ" و"مَنَوِيِّ عَسَلٍ" إِلاَّ إذا كانَ الاسمُ عَدَداً؛ كـ "عِشْرِينَ دِرْهماً" أو مُضافاً نحوَ: {بِمِثْلِهِ مَدَداً}([17]) و{مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَباً}([18]).
فصلٌ: "مِن" مُمَيِّزُ النسبةِ الواقعُ بعدَ"ما" يُفِيدُ التعَجُّبَ نحوَ: "أكْرِمْ بهِ أباً", و"مَا أشْجَعَهُ رَجُلاً", و"للَّهِ دَرُّهُ فَارِساً" والواقِعُ بعدَ اسمِ التفضيلِ, وشَرْطُ نصبِ هذا كونُه فاعِلاً معنًى نحوَ: "زَيْدٌ أكثرُ مالاً" بخلافِ: "مالُ زيدٍ أكْثَرُ مالٍ" وإنَّما جازَ: "هو أكْرَمُ الناسِ رَجُلاً"؛ لتَعَذُّرِ إضافةِ أفعَلَ مرَّتيْنِ.
فصلٌ: ويجوزُ جَرُّ التمييزِ بمِن كـ "رَطْلٍ مِن زَيْتٍ", إلا في ثلاثِ مَسائِلَ:
إحداها: تمييزُ العددِ كـ "عشرينَ دِرهماً".
الثانيةُ: التمييزُ المُحوَّلُ عن المفعولِ كـ "غَرَسْتُ الأرضَ شَجَراً" ومنه: "ما أحْسَنَ زَيْداً أدَباً" بخلافِ: "ما أحْسَنَه رَجُلاً".
الثالثةُ: ما كانَ فاعلاً في المعنَى إنْ كانَ مُحوَّلاً عن الفاعلِ صِناعَةً؛ كـ "طَابَ زَيْدٌ نَفْساً", أو عن مُضافٍ غَيْرِه نحوَ: "زَيْدٌ أكثرُ مَالاً"؛ إذ أصلُه: "مالُ زَيْدٍ أكْثَرُ"؛ بخلافِ: "للَّهِ دَرُّهُ فَارِساً.
284- *......... وأبْرَحْتِ جَارَا *([19])
فإنَّهما وإنْ كانا فاعليْنِ معنًى؛ إذ المعنَى عَظُمْتَ فَارِساً وعَظُمْتَ جَاراً, إلا أنَّهما غيرُ مُحوَّليْنِ فيجوزُ دُخولُِن" عليهما, ومن ذلك "نِعْمَ رَجُلاً زَيْدٌ" يجوزُِعْمَ مِن رَجُلٍ" قالَ:
285- فنِعْمَ المَرْءُ مِن رَجُلٍ تَهَامِ([20])
فصلٌ([21]): لا يَتقَدَّمُ التَّمْيِيزُ على عاملِه إذا كانَ اسْماً كـ "رَطْلٍ زَيْتاً", أو فعلاً جامداً نحوَ: "ما أحْسَنَه رَجُلاً", ونَدُرَ تَقدُّمُه على المُتصَرِّفِ؛ كقولِه:
286- أنَفْساً تَطِيبُ بنَيلِ المُنَى([22])
وقاسَ على ذلك المازنِيُّ والمُبَرِّدُ والكِسائيِّ.


([1]) التمييزُ في اللغةِ: مَصْدَرُ مَيَّزَ – بتشديدِ الياءِ– وتقولُ: "مَيَّزْتُ كَذَا من كذا". إذا خَلَّصْتَ أحَدُهما من الآخرِ، وتقولُ: "مَيَّزْتُ كذا عن كذا". إذا كانَا مُتشابهَيْنِ ففرَّقْتَ بينَ أحَدِهما والآخرِ، وهو في اصطلاحِ النحاةِ ما ذكَرَه المُؤلِّفُ بقولِه: (اسْمٌ نَكِرَةٌ ... إلخ). ومن هذا الكلامِ تُدْرِكُ أنَّ النحاةَ نَقَلَوهُ من معنَى المصدرِ إلى معنَى اسمِ الفاعلِ؛ لأنَّ الاسمَ النكرةَ عندَ التحقيقِ مُمَيِّزٌ، لكنَّ اسمَ التمييزِ صَارَ عندَهم حقيقةً عُرفِيَّةً عليه؛ ولهذا يقالُ: تَمْيِيزٌ ومُمَيِّزٌ، وتَفْسِيرٌ ومُفَسِّرٌ، وتَبْيِينٌ ومُبَيِّنٌ.

([2]) الاسمُ: جِنْسٌ في التعريفِ، والمرادُ الاسمُ الصريحُ فلم يدخُلْ فيه الجملةُ ولا الظرفُ ولا الجارُّ والمجرورُ؛ لأنَّ التمييزَ لا يكونُ واحداً من هذه الثلاثةِ، وهذا أحَدُ الفُروقِ بينَه وبينَ الحالِ؛ لأنَّ الحالَ يَكُونُ جُمْلَةً نحوَ: جَاءَ زَيْدٌ يَضْحَكُ، ويَكُونُ ظَرْفاً نحوَ:"رأيْتُ العُصفورَ فوقَ الغُصْنِ", ويكونُ جَارًّا ومَجْروراً نَحْوَ: "رَأَيْتُ الهِلالَ فِي وَسَطِ السحابِ".

([3]) أرادَ بنحوِ هذا المثالِ كُلَّ ما هو مُشَبَّهٌ بالمفعولِ به, وقد بُيِّنَ في بابِ الصفةِ المُشبَّهَةِ معنَى كونِه مُشبَّهاً بالمفعولِ به.

([4]) تَقدَّمَ ذِكْرُ هذا الشاهدِ في بابِ المُعرَّفِ بأداةِ التعريفِ (وهو الشاهدُ رقْمُ 63) وذكَرْنا هناكَ نِسْبَتَه إلى قائلِه وتَكْمِلَتَه، فارْجِعْ إليه هناكَ إنْ شِئْتَ، ومَحَلُّ الشاهدِ فيه هنا قولُه: (النفْسَ). فإنَّه تَمْيِيزٌ، والبصْرِيُّونَ على أنَّ التمييزَ يَجِبُ أنْ يكُونَ نكرةً؛ فلذلك الْتَزَموا ادِّعاءَ أنَّ "أل" فيه زائدةٌ، فأمَّا الكُوفِيُّونَ فلم يُوجِبُوا تنكيرَه؛ فلذلك ذَهَبوا إلى أنَّ"أل" هذهِ مفيدةٌ للتعريفِ.

([5]) اعلَمْ أنَّ المرادَ بـ"مِن" التي يَكُونُ التمييزُ على معناها "مِن" البيانِيَّةُ، وضَابِطُها: أنْ يكُونَ المجرورُ بها هو المُبَيَّنَ بها عينُه، والمرادُ هنا أنَّ التمييزَ يُبَيِّنُ جنسَ المُمَيَّزِ, كما أنَّ"مِن" البَيَانِيَّةَ تُبَيِّنُ ما قبلَها، واسمَ لا النافيةِ للجِنْسِ على معنَى "مِن" الاستغراقيَّةِ، والاسمُ الثاني المنصوبُ في (أسْتَغْفِرُ اللهَ ذَنْباً) إذا قُلْنا: إنَّه على تقديرِ"مِن". كانتْ"مِن" هذه ابتدائيَّةً، فلا يَكُونُ واحِدٌ من اسمِ لا, وهذا الاسمُ المنصوبُ دَاخِلاً في التعريفِ؛ لاختلافِ مَعْنَى "مِن" التي يَكُونُ التمييزُ على معناها ومعنى "مِن" في هذيْنِ النوعَيْنِ، ولنا أنْ نقولَ: إِنَّ (أسْتَغْفِرُ) يَتعدَّى إلى مفعوليْنِ؛ لأنَّ غَفَرَ الثلاثيَّ يَتعدَّى لواحدٍ، والسِّينُ والتاءُ المَزِيدتيْنِ تُعدِّيانِ الفعلَ إلى مفعولٍ، فلا يَكُونُ المنصوبُ الثاني في (أسْتَغْفِرُ اللهَ ذَنْباً) على معنَى "مِن" أصالةً، ومِمَّا يَنْبَغِي أنْ تَتَنَبَّهَ له أنَّ معنَى قولِهم في تعريفِ التمييزِ: (بمعنَى مِن). أنَّه قدْ جِيءَ به لتَبْيِينِ جنسِ المُمَيَّزِ, كما أنَّ"مِن" تَجِيءُ لبيانِ جِنْسِ ما قبلَها، وليسَ المرادُ به أنَِّن) مُقدَّرَةٌ قبلَ التمييزِ، فإنَّ هذا المعنَى لا يَطَّرِدُ في كلِّ أنواعِ التمييزِ, فلا يَكُونُ مُراداً.

([6]) 283- لم أقِفْ لهذا الشاهدِ على نِسْبَةٍ إلى قائِلٍ مُعَيَّنٍ، والذي ذكَرَه المُؤلِّفُ صَدْرُ بيتٍ من البَسيطِ، وعَجُزُه قولُه:
َبَّ العبادِ إليهِ الوَجْهُ والعَمَلُ*
اللغةُ: (أستَغْفِرُ) أطْلُبُ المغفرةَ، فالسِّينُ والتاءُ في هذهِ الكلمةِ للطَّلَبِ,َنْباً) الذنبُ: الجريمةُ والإثمُ، تقولُ: أذْنَبَ فلانٌ. إذا صَارَ ذا ذَنْبٍ، قالَ الأعلَمُ: (الذَّنْبُ: هنا اسمُ جِنْسٍ بمعنَى الجَمْعِ؛ فلذلك قالَ: لَسْتَ مُحْصِيَهُ). اهـ. والإحصاءُ: مُنْتَهَى العَدَدِ، واشتقاقُه مِن الحَصَى، وأصلُه أنَّهم كانوا يَضَعُونَ المعدودَ على الحَصَى، فإذا نَفَذَ المَعدُودُ قالوا: أحْصَيْنَا، يُرِيدُونَ: بَلَغْنَا الحَصَى، وتقولُ: أحْصَيْتُ الشيءَ أُحْصِيهِ. إذا كُنْتَ قد ضَبَطْتَ عَدَدَه,"الوَجْهُ" القصدُ والتوَجُّهُ، "إليهِ القَصْدُ والقبلُ".
الإعرابُ: (أسْتَغْفِرُ) فعلٌ مضارعٌ مرفوعٌ؛ لتَجَرُّدِه من الناصبِ والجازمِ وعلامةُ رفعِه الضمَّةُ الظاهرةُ، وفاعلُه ضميرٌ مُستتِرٌ فيه وُجوباً تقديرُه: أنا, (اللهَ) منصوبٌ على التعظيمِ,َنْباً) مفعولٌ ثانٍ لأستغفِرُ، منصوبٌ وعلامةُ نصبهِ الفتحةُ الظاهرةُ وستَعرِفُ ما فيه,َسْتُ) ليسَ: فعلٌ ماضٍ ناقصٌ، مَبنِيٌّ على الفتحِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ، وتاءُ المُتكَلِّمِ اسمُه مَبنِيٌّ على الضمِّ في مَحلِّ رفعٍ, (مُحْصِيَهُ) مُحْصِيَ: خَبَرُ لَيْسَ منصوبٌ, وعلامةُ نصبِه الفتحةُ الظاهرةُ، و"مُحْصِيَ" مُضافٌ, وضميرُ الغائبِ العائدُ إلى الذنبِ مضافٌ إليه مَبنِيٌّ على الضمِّ في مَحلِّ جَرٍّ,َبَّ" بدَلٌ من لفظِ الجلالةِ، وهو مضافٌ, و"العبادِ" مضافٌ إليه مجرورٌ بالكسرةِ الظاهرةِ,"إليه" جارٌّ ومجرورٌ مُتعلِّقٌ بمحذوفٍ خَبرٌ مُقدَّمٌ,"الوَجْهُ" مبتدأٌ مُؤخَّرٌ، مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ,"والعمَلُ" الواوُ حرفُ عطفٍ مَبنِيٌّ على الفتحِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ، والعَمَلُ: معطوفٌ على "الوَجْهُ"، والمعطوفُ على المرفوعِ مرفوعٌ, وعلامةُ رفعِه الضمَّةُ الظاهرةُ.
الشاهدُ فيه قولُه: (أَسْتَغْفِرُ اللهَ ذَنْباً). فإنَّ المُؤلِّفَ وجَماعةٌ من النحاةِ ذَكَروا أنَّ قولَه: (ذَنْباً). منصوبٌ على نَزْعِ الخافضِ الذي هو (مِن), ومعَ أنَّ انتصابَه على معنَى (مِن), فإِنَّه ليسَ تَمْيِيزاً؛ لكونِه غيرَ مُبَيِّنٍ لإبهامِ اسمِ مُجْمَلِ الحقيقةِ قد ذُكِرَ قبلَه، ولا هو مُبَيِّنٌ لنسبةٍ في جملةٍ مذكورةٍ مِن قَبْلِه، فخرَجَ بذلك على أنْ يكُونَ تَمْيِيزاً.
ولا شَكَّ أن ادِّعاءَ قولِه: (ذَنْباً) منصوبٌ على نَزْعِ الخافضِ إِنَّما هو على تَضمِينِ قولِه: (أسْتغفِرُ) معنَى أسْتَتِيبُ، فهو حينَئذٍ شِبيهٌ بقولِكَ: "اخْتَرْتُ الرِّجَالَ مُحمَّداً". أي: اخْتَرْتُ من الرجالِ هذا الرجُلَ، ومثلُه قولُه تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً}.
لكنَّ الذي رَجَّحَه كثيرٌ من العلماءِ أنَّ (أسْتَغْفِرُ) يَتعَدَّى بنفسِه إلى مفعوليْنِ، فيكونُ انتصابُ قولِه: (ذَنْباً). على أنه مفعولٌ به حَقِيقةً، لا على نزعِ الخافضِ، قالَ المُؤلِّفُ في (مُغْنِي اللبيبِ): (وقدْ يُنْقَلُ- الصَّوْغُ على زِنَةِ اسْتَفْعَلَ- ذا المفعولُ الواحِدُ إلى اثنيْنِ، نحوُ: اسْتَكْتَبْتُهُ الكِتَابَ، واسْتَغْفَرْتُ اللهَ الذنْبَ). اهـ.

([7]) لا يَخْتَلِفُ النحاةُ في أنَّ نَاصِبَ التمييزِ المُبيِّنِ لإبهامِ اسمٍ غيرِ جُملةٍ هو ذلكَ الاسمُ المُبيِّنُ الذي فَسَّرَه التمييزُ, وإنَّما يَختلِفُونَ في توجيهِ كونِ هذا الاسمِ الجَامِدِ قد عَمِلَ النصْبَ، فذَهَبَ جمهورُهم إلى أنَّ هذا الاسمَ الجامدَ في نحوِ قَوْلِكَ: "اشْتَرَيتُ رَطْلاً زَيْتاً". قد أشْبَهَ اسمَ الفاعلِ المفردِ في نحوِ قولِكَ: "زَيدٌ ضَارِبٌ عَمْراً" وفي نحوِ قولِكَ: "اشْتَرَيْتُ عِشْرِينَ ثَوباً". أشَبَهَ اسمَ الفاعلِ المجموعِ في نحوِ قولِكَ: "هؤلاءِ الضاربونَ عَمْراً". وإنما أشْبَهَ الاسمُ الجامِدُ اسمَ الفاعلِ المذكورِ في ثلاثةِ أشياءَ: كونُ كلِّ واحدٍ منهما اسْماً مُشْتَمِلاً على ما بهِ تَمامُ الاسمِ, وهو التنوينُ إذا كانَ مُفْرَداً, أو النونُ التي تُشْبِهُ التنوينَ وهي نونُ التثنيةِ والجَمْعِ، وكونُ كُلِّ واحدٍ من الاسمِ الجامدِ واسمِ الفاعلِ طَالِباً لِمَا بعدَه، وقدْ عَلِمْتَ مِراراً أنَّ الشيءَ إذا أشْبَهَ الشيءَ جازَ أنْ يأخُذَ بعضَ أحكامِه، فهذا وَجْهُ شَبَهِ الاسمِ الجامدِ لاسمِ الفاعلِ عندَ هؤلاءِ.
وذهَبَ قومٌ منهم إلى أنَّ وجْهَ عَمَلِ هذا الاسمِ الجامدِ النصْبَ في التمييزِ هو أنَّه أشْبَهَ أفعلَ التفضيلِ، وقدْ رتَّبَ الشيخُ خَالِدٌ العواملَ فجعَلَها خمسَ درجاتٍ: أوَّلُها: الفعلُ؛ لأنه يعمَلُ بالأصالةِ، ثم إنَّه يعمَلُ مُعتمِداً وغيرَ معتمدٍ، وثانيها: اسْمُ الفاعلِ؛ لأنَّه يَعمَلُ بالحَمْلِ على الفعلِ، ثم إِنَّه لا يَعْمَلُ إلاَّ مُعْتمِداً على نفيٍ أو شِبْهِ نفيٍ، ثم إنَّه يعمَلُ في السببيِّ نحوُ:َيْدٌ ضَارِبٌ ابنَه", وفي الأجنبيِّ نحوَُيْدٌ ضَارِبٌ عَمْراً"، وثالثُها: الصفةُ المُشبَّهةُ؛ لأنَّها لا تعمَلُ إلاَّ في السببيِّ نحوُ:َيْدٌ حَسَنٌ وَجْهُهُ", ثم إنَّها ترفَعُ الظاهرَ نحوُ:"زيدٌ حَسَنٌ وَجْهُهُ" وترفَعُ الضميرَ نحوَ:َيْدٌ حَسَنٌ", ورابعُها: أفعلُ التفضيلِ؛ لأنه يرفَعُ الضميرَ باطِّرادٍ، ولا يرفَعُ الظاهرَ إِلاَّ في مسألةِ الكُحْلِ، وخَامِسُها: هذا الاسمُ الجَامِدُ معَ التَّمْيِيزِ؛ لأنَّه لا يَتحمَّلُ ضَمِيراً مُسْتَتِراً في حينِ أنَّ أفعلَ التفضيلِ يَتحمَّلُه.

([8]) اختلَفَ النحاةُ في ناصبِ تَمْيِيزِ النسبةِ، فذَهَبَ سِيبَوَيْهِ والمازنيُّ والمُبرِّدُ إلى أنَّ الناصبَ له هو المُسْنَدُ في الجملةِ, سواءٌأكانَ هذا المسندُ فِعْلاً؛ كما في قولِكَ: "طَابَ مُحمدٌ نَفْساً". أم كانَ وصفاً كما في قولِكَ: "زيدٌ كرِيمٌ خُلُقاً" ومنه مثالُ المُؤلِّفِ: (هو طَيِّبٌ أُبُوَّةً).
وذهَبَ قومٌ منهم إلى أنَّ الناصبَ له هو الجملةُ التي انتصَبَ التمييزُ عن تمامِها، وليسَ الفِعلُ, ولا ما أشْبَهَ الفعلَ، وهذا الرأْيُ هو الذي اخْتارَه ابنُ عُصفورٍ ونَسَبَه إلى المُحَقِّقِينَ، وحُجَّتُهم في ذلك أنَّه قد لا يَكُونُ في الجملةِ المُمَيَّزَةِ فعلٌ ولا وَصْفٌ؛ كما لو قُلْتَ: "هذا أَخُوكَ إِخْلاصاً" أو قُلْتَ: "هذا أبوكَ عَطْفاً". فالقولُ بأنَّ ناصبَه هو الجملةُ, مُطَّرِدٌ، بخلافِ القولِ الأولِ, فإنَّه غيرُ مُطَّرِدٍ؛ لتخَلُّفِه فيما ذَكَرْنا.

([9]) هذا من كلامِ ابنِ مالكٍ في الألفيَّةِ.

([10]) لا شَكَّ أنك لو جَرَيْتَ على ما اختارَه ابنُ عُصفورٍ ونَسَبَه إلى المُحقِّقينَ– أنَّ ناصِبَ تمييزِ النسبةِ هو الجملةُ, كانَ عُمومُ قولِ الناظمِ: (بمَا قَدْ فَسَّرَه). صحيحاً وعليهِ يَكونُ. ابنُ مالكٍ يرَى أنَّ ناصِبَ تَميِيزِ المفردِ هو الاسمَ الجامدَ المُمَيَّزَ، وهذا مِمَّا لم يَختلِفْ فيه أحَدٌ، كما يرَى أنَّ ناصِبَ تَمْيِيزِ النسبةِ هو الجملةُ، ويَكُونُ في هذا مُوافِقاً لابنِ عُصفورٍ، وكم من المسائلِ يختارُ ابنُ مالكٍ فيها رأياً في أحَدِ كُتُبِه, ويرَى في المسألةِ نَفْسِها رَأْياً آخَرَ في كتابٍ آخَرَ، لكن يَمْنَعُ من حَمْلِ كلامِه في الألفيَّةِ على ذلك أنَّ عِباراتِه في النظمِ تدُلُّ على أنَّه يَرَى في هذهِ المسألةِ رَأْيَ سِيبَوَيْهِ وأصحابِه, وأنَّ الناصِبَ لتمييزِ النسبةِ هو الفعلُ أو الوَصْفُ، انظُرْ إلى قولِه: (والفَاعِلُ المعنَى انْصِبَنْ بأفْعَلاَ) فهذا نصٌّ صريحٌ على أنَّ الناصِبَ للتمييزِ في نحوِ:"أنتَ أعْلَى مَنْزِلاً" هو أفعلُ التفضيلِ الذي اشتملَتْ عليه الجملةُ، ثم انظُرْ إلى قولِه:
وعَامِلُ التَّمْيِيزِ قَدِّمْ مُطْلقَا = والفِعْلُ ذُو التصريفِ نَزْراً سُبِقَا
فإنَّه يدُلُّ على أنَّه يَخْتارُ هنا في الألفيَّةِ مذهَبَ سِيبَوَيْهِ؛ ولهذا كانَ للمُؤَلِّفِ الحقُّ في الاعتراضِ على عبارتِه بأنَّها عامَّةٌ, وأنَّ عُمومَها غيرُ صحيحٍ؛ لأنَّه يَقْتَضِي أنَّ نَاصِبَ تَمييزِ النسبةِ بينَ السندِ والمُسْنَدِ إليه؛ لأنَّها هي المُفَسَّرَةُ بهِ, وذلك غيرُ مُرادٍ له لِمَا ذَكَرْنا، وأُجِيبَ عن هذا بأنَّ التمييزَ لَمَّا فَسَّرَ إبهامَ نسبةِ الفعلِ إلى فاعلِه أو مفعولِه, فكأنَّه فَسَّرَ الفعلَ نفسَه، فكانَ التمييزُ مَنصوباً بهِ؛ لأنَّه الذي يَصِحُّ أنْ يكُونَ عاملاً.

([11]) سورة يُوسُفَ، الآية:4.

([12]) سورة الزلزلةِ، الآية:7.

([13]) سورة الكهفِ، الآية: 109.@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@

([14]) مذهَبُ المُبرِّدِ، وعليه ابنُمالكٍ، والمُؤلِّفُ ههنا تابِعٌ له – أنَّ نَحْوَ قولِكَ: "لِي خَاتَمٌ حَدِيداً". إذا نَصَبْتَ (حَدِيداً) تَمْيِيزٌ، وذلك رَاجِحٌ على كونِه حَالاً، مِن قِبَلِ أنَّ الاسمَ المنصوبَ جامدٌ مُلازِمٌ، والأصلُ في الحالِ أنْ يكُونَ مُشْتَقًّا ومُنْتَقِلاً على ما عَرَفْتَ، ومن قِبَلِ أنَّ الاسمَ المُبَيَّنَ بهِ نَكِرَةٌ، فلو جَعَلْتَه حالاً للزِمَ مُخالفةُ الأصلِ من ثلاثةِ أَوْجُهٍ: الأولُ: جَعْلُ الحالِ جَامِداً، والثاني: جَعْلُه لازِماً، والثالثُ: جَعْلُ صَاحِبِه نَكِرَةً من غيرِ مُسَوِّغٍ، ومذهَبُ سِيبَوَيْهِ أنَّ هذا الاسمَ المنصوبَ مُتَعَيِّنٌ للحاليَّةِ لا يَجوزُ جَعْلُه تَمْيِيزاً؛ لأنَّ الاسمَ الذي يَنْتصِبُ تَمْيِيزاً إِنَّما يقَعُ بعدَ مقدارٍ أو ما يُشْبِهُ المِقْدارَ، وليسَ هذا الاسمُ وَاحِداً منهما.

([15]) سورة مَرْيَمَ، الآية: 4.

([16]) سورة القمرِ، الآية: 12.

([17]) سورة الكَهْفِ، الآية: 109.

([18]) سورة آلِ عِمْرَانَ، الآية: 91.

([19]) 284-هذه قطعةٌ من بيتِ الأعْشَى مَيْمُونِ بنِ قَيْسٍ، من قَصيدةٍ له يَمْدَحُ فيها قيسَ بنَ مَعْدِ يَكْرِبَ الكِنْدِيَّ، وهو بتَمَامِه هكذا:
أقُولُ لَهَا حِينَ جَدَّ الرَّحِيلُ = أبْرَحْتِ رَبًّا، وأبْرَحْتِ جَارًّا
وكثيرٌ مِن النُّحاةِ يُغيِّرونَ في روايةِ هذا البيتِ، ويَرْوُونِه هكذا:
تَقُولُ ابْنَتِي حِينَ جَدَّ الرَّحِيلُ = أبْرَحْتَ رَبًّا، وأبْرَحْتَ جَارَا
وليسَ كما يَرْوُونَه، ولكنَّه كما رُوِّيناهُ أَوَّلاً عن ديوانِ الأعْشَى مَيْمُونٍ.
اللغةُ: "جَدَّ الرَّحِيلُ" معناهُ: اشْتَدَّ وأمْعَنَ فيه، و(أبْرَحْتِ) معناه: عَظَّمْتِ، وقيلَ: أعَجَبْتِ، وقيلَ: اخْتَرْتِ.َبًّا) إذا فُسِّرَ أبْرَحْتِ بعَظَّمْتِ, فالربُّ هو المَلِكُ الذي يَقْصِدُه الشاعرُ بسَفَرِه ليَمْدَحَهُ، ويكونُ نَصْبُ رَبٍّ حينَئذٍ على التَّمْيِيزِ، وكأنَّه قالَ: عَظَّمْتِ مَلِكاً. أي: ما أعظَمَ المَلِكَ الذي تَقْصدِينَهُ في سَفَرِكِ هذا! وإذا فَسَّرْتَ أبْرَحْتِ بأعْجَبْتِ, فالربُّ هو صاحبُ الناقةِ ومَالِكُها، وأبْرَحْتِ – على هذا – فعلٌ مُتعَدٍّ، فنَصَبَ "رَبًّا" على أنه مَفْعولٌ به، وكأنَّه قد قالَ: أعْجَبْتِ صَاحِبَكِ. وإذا فَسَّرْتَ أبْرَحْتِ باخْتَرْتِ فالربُّ المَلِكُ الذي تَقْصِدُه، ونَصَبَه على أنه مفعولٌ به,َارَا) بمعنَى الربِّ.
المعنَى: الضميرُ المُؤنَّثُ في قولِه: "لَهَا". يَعودُ إلى ناقتِه التي عَبَّرَعنها بزَيَّافةٍ. وذلك في قولِه:
وشَوْقِ عُلُوقٍ تَنَاسَيْتُهُ = بزَيَّافَةٍ تَسْتَخِفُّ الضِّفَارَا
(العُلُوقُ– بفتحِ العينِ المُهملةِ– يُطْلَقُ على الناقةِ التي لا تألَفُ الفَحْلَ, ولا تَرْأَمُ الوَلَدَ، وهي أيضاً المرأةُ التي لا تُحِبُّ غيرَ زَوْجِها، وهذا هو المُرادُ هنا، الزَّيَّافَةُ – بفتحِ الزايِ وتشديدِ المُثنَّاةِ– الناقةُ المُسْرعةُ أو المُتَبَخْتِرَةُ في مَشْيِها، الضِّفَارُ – بكسرِ الضادِ المُعْجَمَةِ – جمعُ ضَفِيرةٍ، وهي حِزامُ القَتَبِ الذي يُجْعَلُ تحتَ بَطْنِ البعيرِ، ويُسَمَّى البِطَانَ أيضاً).
يَتحدَّثُ عن ناقتِه التي ارتَحَلَ عليها إلى مَمدوحُه بأنَّها شَكَتْ لَه طولَ سَفَرِها وبُعْدَ شُقَّتِها وشِدَّةَ ما احتمَلَتْه في هذا الطريقِ الذي تَسْلُكُه، ويقولُ: إِنَّنِي قُلْتُ لهذه الناقةِ: لا تَسْتعظِمِي ما تُلاقِينَه من الجَهْدِ والمشقَّةِ؛ فإِنَّكِ تَسيرِينَ إلى مَلِكٍ عَظِيمٍ يَكْثُرُ رِفْدُه حَتَّى تَنْسِي بما تَنالِينَه من عطائِه كلَّ جَهْدٍ ومَشقَّةٍ.
الإعرابُ: "أقولُ" فعلٌ مضارعٌ مرفوعٌ؛ لتجرُّدِه من الناصبِ والجازمِ، وعلامةُ رفعِه الضمَّةُ الظاهرةُ,َهَا" اللامُ حرفُ جرٍّ مَبنِيٌّ على الفتحِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ، وضميرُ الغائبةِ العائدُ إلى الناقةِ مَبنِيٌّ على السُّكونِ في مَحلِّ جَرٍّ باللامِ، والجارُّ والمجرورُ مُتعلِّقٌ بأقولُ,ِينَ" ظرفُ زمانٍ منصوبٌ بأقولُ، وعلامةُ نصبِه الفتحةُ الظاهرةُ,َدَّ" فعلٌ ماضٍ مَبنِيٌّ على الفتحِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ,"الرَّحِيلُ" فاعلُ جَدَّ مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، وجملةُ هذا الفعلِ الماضي وفاعلِه في مَحلِّ جَرٍّ بإضافةِ حِينَ إليها,"أبْرَحْتِ" أبْرَحَ: فعلٌ ماضٍ مَبنِيٌّ على فتحٍ مُقدَّرٍ على آخرِه لا مَحلَّ من الإعرابِ، وتاءُ المخاطبةِ فَاعِلُه مَبنِيٌّ على الكسرِ في مَحلِّ رفعٍ، فإذا فَسَّرْتَ أبْرَحْتِ – كما فَسَّرَه المُؤلِّفُ– بعَظَّمْتِ كانَ قولُه: "رَبًّا". تَمْيِيزاً منصوباً بالفتحةِ الظاهرةِ، وإذا فَسَّرْتَ أبْرَحْتِ باخْتَرْتِ أو بأعْجَبْتِ كانَ قولُه: "رَبًّا" مفعولاً به منصوباً بالفتحةِ الظاهرةِ أيضاً، وعلى كلِّ حالٍ تَكُونُ جُمْلَةُ "أبْرَحْتِ رَبًّا" في محلِّ نصبٍ, مقولُ القولِ, (وأبْرَحْتِ) الواوُ حرفُ عطفٍ مَبنِيٌّ على الفتحِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ، أبْرَحَ: فعلٌ ماضٍ مَبنِيٌّ على فتحٍ مُقدَّرٍ علىآخرِه لا مَحلَّ له من الإعرابِ، وتاءُ المُخاطَبَةِ فَاعِلُه مَبنِيٌّ على الكسرِ في مَحلِّ رفعٍ,َارَا) فيهِ الإعرابانِ السابقانِ على الاختلافِ في تفسيرِ أبْرَحَ، وجُمْلةُ (أبْرَحْتِ جَارَا) في مَحَلِّ نَصْبٍ, مَعْطوفَةٌ بالواوِ على جُمْلَةِ (أبْرَحْتِ رَبًّا) السابقةِ.
وقالَ ابنُ حَبِيبٍ: (يُرِيدُ أنَّ ناقتَه تقولُ له: أعْظَمْتَ وأكْرَمْتَ. أي: اخْتَرْتَ رَبًّا كَرِيماً وجَاراً عظيمَ القدرِ يَبْرَحُ بمَن طَلَبَ شَأْوَهُ). والظاهرُ من عبارةِ ابنِ حَبيبٍ هذه في حَلِّ معنَى البيتِ أنه يرَى جعْلَ "رَبًّا" مفعولاً بهِ لأبْرَحْتَ، ألا ترَى أنَّه فَسَّرَه بقولِه: "أي: اخْتَرْتَ رَبًّا".
الشاهدُ فيه قولُه: "رَبًّا". وقولُه: (جَارَا). فإِنَّهما تَمْيِيزانِ يَجوزُ جَرُّهما بمِن؛ لأنَّهما وإنْ كانا في المعنَى فاعلَيْنِ، إذْ معنَى الكلام عَظُمَ رَبٌّ وعَظُمَ جَارٌ، لكنَّهما غيرُ مُحوَّليْنِ عن الفاعلِ صناعةً.

([20]) 285-اختَلَفوا في نسبةِ هذا الشاهدِ إلى قائلِه، فقالَ قَوْمٌ: هو لأبي بَكرِ بنِ الأسودِ اللَّيْثِيِّ، وقالَ آخرونَ: هو من كلامِ بُجَيْرِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ سَلَمَةَ الخيرِ، والشاهدُ من كلمةٍ في رِثَاءِ هشامِ بنِ المُغيرةِ أحَدِ أشرافِ مَكَّةَ، والذي ذكَرَه المُؤلِّفُ عَجُزُ بَيْتٍ من الوافرِ، ونحن نذكُرُه لك معَ بيتٍ سابقٍ عليه، وهما قولُه:
فدَعْنِي أصْطَبِحْ يَا بَكْرُ، إِنِّي = رَأَيْتُ المَوْتَ نَقَّبَ عَنْ هِشَامِ
تَخَيَّرَهُ فَلَم يَعْدِلْ سِوَاهُ = فَنِعْمَ المَرْءُ مِنْ رَجُلٍ تِهَامِ
ومن العلماءِ مَن يَرْوِي صدرَ هذا الشاهدِ:
َعَمَّدَهُ وَلَمْ يَعْظُمْ عَلَيْهِ*
اللغةُ: "فدَعْنِي" هو فعلُ أمْرٍ، والكثيرُ من العلماءِ يذكُرُ أنَّ مَاضِيَه مَهْجورٌ في الاستعمالِ، ومنهم مَن قالَ: مَاضِيهِ وَدَعَ مثلُ وَصَفَ، وقُرِئَ في قولِه تعالى:َا وَدَعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى) بالتخفيفِ على هذا، ورُوِيَ:"فذَرْني", والفعلانِ بمعنَى ترَكَ، ويُرْوَى "ذَرِينِي أصْطَبِحْ يَا بَكْرُ" وأصْطَبِحْ: أشْرَبُ الصَّبُوحَ– والصَّبُوحُ– بفتحِ الصادِ وضمِّ الباءِ مُخفَّفةً– شُرْبُ الخمرِ صَباحاً، ويُقابِلُه الغَبُوقُ– بفتحِ الغينِ المُعجمةِ وضَمِّ الباءِ– وهو شُرْبُها في الغَداةِ، وبكرُ: اسمُ قبيلةٍ,َقَّبَ" أرادَ أنه هجَمَ عليه وتَتَبَّعَ آثارَه، وأصْلُ التَّنقيبِ الذَّهابُ في الأرضِ أو البحثِ عن الأخبارِ,َعَمَّدَه" قصَدَه وتكَلَّفَ ذلك,"ولَمْ يَعظُمْ عَلَيْهِ" معناه: أنَّه لم يَشُقَّ على الموتِ أنْ يَقْصِدَه وينزِلَ به، ويُرْوَى "ولَمْ يَعْدِلْ سِوَاهُ" كما رَأَيْتَ، وفي هذهِ الروايةِ حَذْفٌ، فإِمَّا أنْ يكُونَ قدْ أرادَ: ولم يَعْدِلْ إلى سِواهُ، يعني لم يَمِلْ ولم يَتوَجَّهْ إلى غيرِ هشامٍ، وإِمَّا أنْ يكُونَ قد أرَادَ: ولم يَعْدِلْ بهِ سِوَاهُ، وعلى هذا يَكُونُ المعنَى: أنَّ الموتَ لم يُسَوِّ بينِ هشامٍ وغيرِه، ومن مَجِيءِ عَدَلَ بمعنَى مالَ أو بمعنى سِوَى, قولُ اللهِ تعالى: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}. إذا جَعَلْتَ الجارَّ والمجرورَ وهو قولُه سبحانَه: {برَبِّهِمْ}. مُتعَلِّقاً بقولِه: {يَعْدِلُونَ}. فإنَّ المعنَى على هذا: أنَّ الكُفَّارَ يُسوُّونَ الأصنامَ وسَائِرَ معبوداتِهم برَبِّهم؛ فإنْ جَعَلْتَ الجارَّ والمجرورَ مُتعلِّقاً بقولِه: {كَفَرُوا} كانَ يَعْدِلُونَ بمعنَى يَمِيلُونَ, والمرادُ أنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّهم وجَحَدُوه يَميلونَ ويَنحرِفونَ عن إفرادِ اللهِ تعالى بالوَحْدانيَّةِ, (تَهَامِ) هو بفتحِ التاءِ– المنسوبِ إلى تِهَامَةَ – بكسرِ التاءِ– وكانَ مِن حَقِّه أنْ يَقُولَ: "تِهَامِيٌّ". بكسرِ التاءِ وتشديدِ ياءِ النسَبِ قياساً على أمثالِه؛ كما تقولُ: عِراقِيٌّ وحِجازِيٌّ. ولكنَّهم خَصُّوا هذه الكلمةَ عندَ النسَبِ إليها بحَذْفِ إحْدَى ياءَيِ النسَبِ وفَتَحوا أوَّلَه عِوَضاً عن هذهِ الياءِ المحذوفةِ وإِشْعاراً من أولِ الأمرِ بمُخالفةِ المَهْيَعِ.
الإعرابُ: "تَخَيَّرَهُ" تَخَيَّرَ: فعلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُستتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه: هو, يَعودُ إلى الموتِ، وضميرُ الغائبِ العائدُ إلى هشامٍ مفعولٌ به,"فلَمْ" الفاءُ عَاطِفَةٌ، ولم: نافيةٌ جَازِمَةٌ, "يَعْدِلْ" فعلٌ مضارعٌ مجزومٌ بلَمْ، وفاعِلُه ضميرٌ مُستتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه: هو, يَعود إلى الموتِ,ِوَاهُ" سِوَى: مفعولٌ به منصوبٌ بفَتْحَةٍ مُقدَّرَةٍ على الألفِ، وضميرُ الغائبِ العائدُ إلى هشامٍ مضافٌ إليه (فنِعْمَ) الفاءُ حرفُ عطفٍ، ونِعْمَ: فعلٌ ماضٍ دالٌّ على إنشاءِ المدحِ مَبنِيٌّ على الفتحِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ, (المرءُ) فاعلُ نِعْمَ مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ,ِن) حرفُ جَرٍّ زائِدٌ,َجُلٍ) تَمْيِيزٌ لفاعلِ نِعْمَ منصوبٌ بفتحةٍ مُقدَّرةٍ, منَعَ من ظُهورِها اشتغالُ المَحَلِّ بحركةِ حرفِ الجَرِّ الزائدِ,َهَامِ) نَعْتٌ لرجُلٍ مَجْرُورٌ بكسرةٍ مُقدَّرَةٍ على الياءِ.
والشاهدُ فيه قولُه: (رجُلٍ) فإِنَّه تَمْيِيزٌ، وهو فاعِلٌ في المعنَى، لكنَّه لَمَّا كانَ غيرَ مُحوَّلٍ عن الفاعلِ جازَ فيه أنْ يَجُرَّه بمِن.

([21]) اعْلَمْ أنَّ الأمرَ في هذا الموضوعِ يَشْتَمِلُ على مَبحثيْنِ: الأولُ: في الكلامِ على تَوَسُّطِ التَّمْيِيزِ بينَ العاملِ ومعمولِه، والثاني: في الكلامِ على تَقَدُّمِ التمييزِ على العاملِ والمعمولِ جميعاً.
أمَّا الأولُ فقدْ نقَلَ جماعةٌ إجماعَ العلماءِ على جوازِه، فتَقولُ: "طَابَ نَفْساً مُحمَّدٌ". كما تقولُ:َابَ مُحمَّدٌ نفْساً".
ومن تَوَسُّطِ التمييزِ بينَ العاملِ والمعمولِ قولُ الشاعرِ:
رُبَّ مَن أنْضَجْتَ غَيْظاً قَلْبَهُ = قَدْ تَمَنَّى لِي مَوْتاً لَمْ يُطَعْ
وأمَّا الثاني فمذهَبُ سِيبَوَيْهِ والفرَّاءِ وأكثرِ البصْرِيِّينَ والكُوفِيِّينَ أنه لا يَجوزُ أنْ يَتقدَّمَ التمييزُ على عاملِه، سواءٌ أكانَ العاملُ اسماً, كما في تَمييزِ المفردِ, أم كانَ فِعْلاً كما في تمييزِ النسبةِ، وسواءٌ أكانَ الفعلُ جَامداً؛ كفعلِ التعَجُّبِ في نحوِ:"ما أحْسَنَه رَجُلاً", أم كانَ مُتصَرِّفاً نحوَ:َابَ مُحمَّدٌ نَفْساً".
فأمَّا عِلَّةُ امتناعِ تَقَدُّمِه على العاملِ إذا كانَ اسْماً أو فعلاً جَامِداً, فظَاهِرةٌ؛ لأنَّ معمولَ هذيْنِ لا يَتقدَّمُ عليهما في غيرِ هذا البابِ، فعَدَمُ جوازِ تَقَدُّمِه هنا هو من طَرْدِ الحكمِ على وَتيرةٍ واحدةٍ.
وأما إذا كانَ العاملُ فِعْلاً مُتصَرِّفاً فعَدَمُ جوازِ تقديمِ التمييزِ عليه من جِهَةِ أنَّ أكثرَ ما ورَدَ من تمييزِ النسبةِ أصْلُ التمييزِ فيه فاعِلٌ، وقدْ عَلِمْنا أنَّ الفاعلَ لا يَجوزُ تَقْدِيمُه على فعلِه, فما كانَ أصلُه الفاعلَ, خَلِيقٌ بأنْ يَأْخُذَ ما استَقَرَّ له.
وذهَبَ المازنِيُّ والكِسائيُّ والمُبرِّدُ والجَرمِيُّ إلى جوازِ تقديمِ التمييزِ على عاملِه إذا كانَ العاملُ فِعْلاً مُتصَرِّفاً، وارتضَى هذا القولَ ابنُ مالكٍ في بعضِ كُتُبِه، واسْتَدَلُّوا على ذلكَ بالسماعِ وبالقياسِ، أمَّا السماعُ فقولُه:
* أنَفْساً تَطِيبُ...البيتَ*
وسيأتي معَ نظائرِه، وأمَّا القياسُ فإنَّ التمييزَ– وهو مَنْصوبٌ– كالمفعولِ به وسائِرِ الفَضَلاتِ، وكُلُّهُنَّ يَجوزُ تَقْدِيمُهُنَّ على العاملِ إذا كانَ فِعْلاً مُتصَرِّفاً، ولم يَعْبَؤُوا بأصلِه، ولم يُبالُوا به.

([22]) 286-نَسَبوا هذا الشاهدَ لرجُلٍ من طَيِّئٍ، ولم يُسَمُّوه، والذي ذكَرَه في صَدْرِ بيتٍ من المُتقارِبِ، وعَجُزُه قولُه:
*ودَاعِي المَنُونِ يُنَادِي جِهَارَا*
اللغةُ: (تَطِيبُ) أي: تَطْمئِنُّ، و(نَيْلِ المُنَى): إداركُ المأمولِ، ونيلُ مَصْدَرُ "نَالَ الشيءَ يَنالُه نَيْلاً ومَنالاً": إذا حصَلَ عليه، و(المُنَى) بضمِّ الميمِ– جمعُ مُنْيَةٍ، والمُنْيَةُ – بضمٍّ فسكونٍ– اسمٌ لِمَا يَتَمَنَّاهُ الإنسانُ ويَرْغَبُ فيه، و"المَنُونِ": الموتُ.
الإعرابُ: (أنَفْساً) الهمزةُ حرفُ استفهامٍ تَوبيخِيٍّ مَبنِيٌّ على الفتحِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ، نَفْساً: تَمْيِيزٌ تقدَّمَ على العاملِ فيه, وهو قولُه: (تَطِيبُ). الآتي، مَنْصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ,َطِيبُ) فعلٌ مضارعٌ مرفوعٌ؛ لتجَرُّدِه من الناصبِ والجازمِ، وعلامةُ رفعِه الضمَّةُ الظاهرةُ، وفاعِلُه ضميرٌ مُسْتتِرٌ فيه وُجوباً تَقْدِيرُه: أنتَ, (بنَيْلِ) الباءُ حرفُ جَرٍّ مَبنِيٌّ على الكسرِلا مَحلَّ له من الإعرابِ، ونَيْلِ: مجرورٌ بالباءِ, وعلامةُ جرِّه الكسرةُ الظاهرةُ، والجارُّ والمجرورُ مُتعلِّقٌ بقولِه: تَطِيبُ، و"نَيْلِ" مضافٌ, و(المُنَى) مضافٌ إليه مجرورٌ بكسرةٍ مقدَّرةٍ على الألف منَعَ من ظهورِها التعَذُّرُ, "ودَاعِي" الواوُ واوُ الحالِ مَبنِيٌّ على الفتحِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ، دَاعِي: مبتدأٌ مَرْفوعٌ بضَمَّةٍ مُقدَّرَةٍ على الياءِ منَعَ من ظهورِها الثِّقَلُ، ودَاعِي مضافٌ, و"المَنُونِ" مضافٌ إليه مجرورٌ بالكسرةِ الظاهرةِ,ُنادِي" فعلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ بضَمَّةٍ مُقدَّرَةٍ على الياءِ, منَعَ من ظهورِها الثِّقَلُ، وفاعلُه ضميرٌ مُستتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه: هو, يعودُ إلى داعي المَنُونِ، وجملةُ الفعلِ المضارعِ وفَاعِلِه في مَحلِّ رفعٍ خَبَرُ المبتدأِ، وجملةُ المبتدأِ وخَبَرِه في مَحَلِّ نصبٍ, حالٌ,ِهَارَا" مفعولٌ مُطْلَقٌ, عاملُه يُنادِي، وأصلُه صِفةٌ لمَصدرٍ محذوفٍ، وتقديرُ الكلامِ: يُنادِي نِدَاءً جِهارَا.
الشاهدُ فيه قولُه: (أنَفْساً). فإنه تَميِيزٌ، وقدْ قدَّمَه على العاملِ فيه وهو قولُه: (تَطِيبُ). لأنَّه فعلٌ مُتصرِّفٌ، وهذا نَادِرٌ عندَ سِيبَوَيْهِ، والجمهورُ كما قَرَّرْناهُ سَابِقاً، وهو موضِعٌ قياسيٌّ عندَ الكِسائيِّ والمُبرِّدِ ومَن ذَكَرْنا معَهما.
ومثلُ البيتِ قولُ المَجْنونِ– وقيلَ: أعْشَى هَمْدَانَ، وقيلَ: المُخَبَّلُ السَّعْدِيُّ -:
أتَهْجُرُ لَيْلَى بالفِرَاقِ حَبِيبَهَا = وَمَا كَانَ نَفْساً بالفِرَاقِ تَطِيبُ؟!
وقولُ الآخرِ:
ضَيَّعْتُ حَزْمِي فِي إِبْعَادِيَ الأمَلاَ = وَمَا أَرْعَوَيْتُ وَشَيْباً رَأْسِيَ اشْتَعَلاَ
تَمَّ بحمدِ اللهِ تعالى وتوفيقِه –
الجزءُ الثاني من كتابِ (أَوْضَحِ المسالكِ، إلى ألفيَّةِ ابنِ مَالِكٍ) لابنِ هشامٍ الأنصاريِّ،
معَ شَرْحِنا عليهِ المُسَمَّى (عُدَّةَ السَّالِكِ، إلى تَحْقِيقِ أوضحِ المَسالِكِ) ويَلِيهِ– إنْ شَاءَ اللهُ تعالى – الجزءُ الثَّالِثُ، وأوَّلُه (بابُ حروفِ الجَرِّ)
نَسْأَلُ اللهَ تعالى أنْ يُعِينَ على إكمالِه على هذا الوَجْهِ الذي اخْتَرْناه لهذه الطبعةِ، إِنَّه – جَلَّتْ قُدْرَتُه – وَلِيُّ ذلك، وهو حَسْبُنا ونِعْمَ الوكيلِ.



  #4  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 03:34 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ألفية ابن مالك للشيخ: علي بن محمد الأشموني


التمييزُ
356 - اسمٌ بمعنَى "مِنْ" مُبَيِّنٌ ، نَكِرَهْ = يُنْصَبُ تَمْيِيزًا بِمَا قَدْ فَسَّرَهْ

357 - كَشِبْرٍ ارْضًا وَقَفِيزٍ بُرَّا = وَمَنَوَيْنِ عَسَلاً وَتَمْرَا
يقال: تمييزٌ. ومُمَيِّزٌ وتبيينٌ ومبَيِّنٌ وتفسيرٌ ومُفَسِّرٌ
وهو في الاصطلاحِ (اسمٌ بمعنَى مِنْ مُبَيِّنْ نَكِرَهْ).
فاسم: جنسٌ وبمعنى "مِنْ" مُخْرِجٌ لمَا ليس بمعنى "مِنْ" كالحالِ ، فإنه بمعنى "فِي" ومُبَيِّنٌ: مخرجٌ لاسم "لا" التبرئةُ ونحوَ: "ذَنْبًا" مِنْ قولِهِ:
أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ذَنْبًا لَسْتُ مُحْصِيهِ = رَبَّ العِبَادِ إِلَيْهِ الوَجْهُ وَالعَمَلُ
ونكرةٌ: مُخْرِجٌ لنحوِ: الحسنُ وَجْهُهُ.
ثمَّ ما استكملَ هذه القيودَ (يُنْصَبُ تَمْيِيزًا بِمَا قَدْ فَسَّرَهْ) مِنَ المبهماتِ. والمبهمُ المفتقِرُ للتمييزِ نوعانِ: جملةٌ ومفردٌ دالٌّ على مقدَّارٍ.
فتمييزُ الجملةِ: رفَعَ إبهامَ ما تضمَّنَتْهُ مِنْ نسبةِ عاملٍ – فعلاً كانَ أو ما جرى مجراه من مصدرٍ أو وصفٍ أو اسمِ فعلٍ – إلى معمولِه مِنْ فاعلٍ أو مفعولٍ ، نحوَ : "طابَ زيدٌ نفسًا". { وَاشْتَعَلَ الرَّأَسْ شَيْبًا } والتمييزُ في مثلِه محولٌ عن الفاعلِ ، والأصلُ: طابَتْ نفسُ زيدٍ ، واشتعلَ شيبُ الرأسِ ونحو: "غرسْتُ الأرضَ شجرًا"، { وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا} والتمييزُ فيه محوَّلٌ عن المفعولِ والأصلُ: غرسْتُ شَجَرَ الأرضِ وفجَّرْنَا عيونَ الأرضِ وتقول: "عَجِبْتُ مِنْ طِيْبِ زيدٍ نفسًا" و"زيدُ طيبٌ نفسًا" و" سَرْعَانُ ذا إهالةً".
وناصبُ التمييزِ في هذا النوعِ عند سيبويهِ والمبرِّدِ والمَازِنِيِّ ومَنْ وافَقَهُمْ هو العاملُ الذي تضمَّنَتْه الجملةُ لا نفسُ الجملةِ وهو الذي يقتضيه كلامُ الناظمِ في آخرِ البابِ ونصَّ عليه في غيرِ هذا الكتابِ ، وذهبَ قومٌ إلى أنَّ الناصبَ له نفسُ الجملةِ ، واختارَه ابنُ عصفورٍ ونسبَه للمحقِّقينَ ، ويصِحُّ تخريجُ كلامِه هنا على المذهبينِ فلا اعتراضَ ؛ لأنه يصِحُّ أن يقالَ: إنه فسَّرَ العاملَ ؛ لأنه رفْعُ إبهامِ نسبتِه إلى معمولِه ، وإنه فسَّرَ الجملةَ ؛ لأنه رفَعَ إبهامَ ما تضمَّنَتْه مِنَ النسبةِ.
وأما تمييزُ المفردِ فإنه: رفْعُ إبهامِ ما دلَّ عليه مِنْ مقدارٍ مساحيٍّ أو كيليٍّ أو وزنيٍّ.
( كَشِبْرٍ أَرْضًا وقَفِيزٍ بُرًّا = وَمَنَوَيْنِ عَسَلاً وَتَمْرًا)
وناصبُ التمييزِ في هذا النوعِ مُمَيِّزُهُ بلا خلافٍ.
358 - وبعدَ ذِي وشِبْهِهَا اجْرُرْه إِذَا أَضَفْتَها كـ"مُدُّ حِنْطَةٍ غِذَا"
359 - والنصْبُ بعدَ مَا أُضِيفَ وَجَبَا = إِنْ كَانَ مِثْلُ "مِلءُ الأَرْضِ ذَهَبَا"
(وبعد ذي) المقدَّراتِ الثلاثِ (ونحوِها) مما أجرَتْه العربُ مجراها في الافتقارِ إلى مُمَيِّزٍ، وهي الأوعيةُ المرادُ بها المقدارُ: كـ "ذَنُوبَ ماءً" و"حُبٍّ عَسَلاً" و"نِحْيٍ سَمْنًا" و"رَاقُودٍ خَلًّا" وما حُمِلَ على ذلك مِنْ نحوِ: "لَنَا مِثْلُهَا إِبِلًا وغيرُها شاءً" وما كانَ فرعًا للتمييزِ نحوَ: "خَاتَمٌ حديدًا" و"بابٌ ساجًا" و"جبَّةٌ خزًّا" (اجْرُرْهُ إذا أَضَفْتَهَا) إليه (كمُدُّ حِنْطَةٍ غِذَا) و"شِبْرُ أَرْضٍ" و"مَنَوَا تَمْرٍ" و"ذَنُوبُ ماءٍ" "حُبُّ عَسَلٍ" و"خَاتَمُ حَدِيدٍ" و"بَابُ سَاجٍ".
تنبيهانِ: الأَوَّل: النصبُ في نحوِ: "ذَنُوبَ ماءٍ" و"حُبُّ عسلاً " أوْلَى مِنَ الجرِّ ؛ لأنَّ النصبَ يدلُّ على أنَّ المتكلِّمَ أرادَ أنَّ عنده ما يملأُ الوعاءَ المذكورَ مِنَ الجنسِ المذكورِ ، وأما الجرُّ فيحتملُ أنْ يكونَ مرادُه ذلك ، وأنْ يكونَ مرادُه بيانُ أنَّ عنده الوعاءَ الصالحَ لذلك.
الثاني: إنما لم يذكُرْ تمييزَ العددِ مع تمييزِ هذه المقدَّرَاتِ لأنَّ له بابًا يذكُرُه فيه ولانفرادِ تمييزِها بأحكامٍ: منها جوازُ الوجهينِ المذكورينِ ، وتمييزُ العددِ إما واجبُ النصبِ كعشرينَ درهمًا أو واجبُ الجرِّ بالإضافةِ كمائتيِ درهمٍ؛ ومنها جوازُ الجرِّ بـ "مَنْ" كما سيأتي ومنها أنَّهُ يميِّزُ تمييزَ العددِ إذا وقعَتْ هذه المقدراتُ تمييزاً له نحوَ: عشرين مُدًّا بُرًّا ، وثلاثينَ رطلاً عسلاً ، وأربعينَ شِبْرًا أرضًا.
(والنصبُ) للتمييزِ (بعدما أُضِيفَ) من هذه المقدَّراتِ لغير التمييزِ (وَجَبَا * إِنْ كانَ) المضافُ لا يصِحُّ إغناؤُه عنِ المضافِ إليه (مثلُ) {فَلَنْ يُقْبَلُ مِنْ أَحَدِهِمْ (مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا)} "ما في السماءِ قَدْرُ رَاحَةٍ سَحَابًا" إذ لا يصِحُّ مِلءُ ذَهَبٍ ولا قَدْرُ سَحَابٍ ، فَإِنْ صحَّ إغناءُ المضافِ عن المضافِ إليه ، جازَ نصبُ التمييزِ ، وجازَ جرُّه بالإضافةِ بعدَ حَذْفِ المضافِ إليه، نحوَ: "هو أشجعُ الناسِ رجلاً " و"هو أشجعُ رجلٍ".
تنبيهٌ : مَحَلُّ ما ذكَرُه مِنْ وجوبِ نصبِ هذا التمييزِ هو إذا لم يَرِدْ جَرُّه بـ "مِنْ" كما يذكُرُه بعدُ ، وقد أعطى ذلك أيضا بالمثالِ اهـ.
360 - وَالفَاعِلُ المَعْنَى انْصِبَنَّ بِأَفْعَلاَ = مُفَضِّلاً "كَأَنْتَ أَعْلَى مَنْزِلاَ"
(والفَاعِلُ المَعْنَى انْصِبَنَّ) على التمييزِ (بِأَفْعَلا * مُفَضِّلاً)، له على غيرِه، والفاعلُ في المعنَى هو السببيُّ وعلامتُه: أن يصلُحَ للفاعليَّةِ عند جعْلِ أفعلَ فِعْلًا (كَأَنْتَ أَعْلَى مَنْزِلاً) وأكثرُ مالاً إذ يصِحُّ أن يقالَ: أنتَ علاَ منزلُك وكثُرَ مالُك أما ما ليس فاعلاً في المعنى – وهو مَا أَفْعَلُ التفضيلِ بعضُه وعلامَتُه: أن يصِحَّ أن يوضعَ موضعَ أفعلَ بعضٌ ويضافُ إلى جَمْعٍ قائمٍ مقامَهُ نحو: "زيدٌ أفضلُ فقيهٍ" فإنه يصِحُّ فيه أن يقالَ: زيدٌ بعضَ الفقهاءِ – فهذا النوعُ يجِبُ جرُّه بالإضافةِ إلا أن يكونَ أفعلُ التفضيلِ مضافًا إلى غيرِه فينُصْبَ نحو: "زيدٌ أكرمُ الناسِ رجلاً ".
361 - وبعدَ كُلِّ مَا اقْتَضَى تَعَجُّبًا = مَيِّزْ كَأَكْرِمْ بِأَبِي بَكْرٍ أَبَا
(وَبَعْدَ كُلِّ مَا اقْتَضَى تَعَجُّبًا * مَيِّزْ كَأَكْرِمْ بِأَبِي بَكْرٍ) رضي اللَّهُ تعالى عنه (أبا) و"مَا أَكْرَمَهُ أَبًا" و"لِلَّهِ دَرُّه فَارِسًا" و"حَسْبُكَ بِه كَافِلاً " و"كَفَى بِاللِّه عَالِمًا" و[من مجزوء الكامل]:
بَانَتْ لِتَحْزُنَنَا عَفَارَهْ = يَا جَارَتَا مَا أَنْتِ جَارَهْ
‌ 362 - وَاجْرُرْ بِمَنْ إِنْ شِئْتَ غَيْرَ ذِي العَدَدِ = والفَاعِلُ المعنَى كـ"طِبْ نَفْسًا تَفِدْ"
(وَاجْرُرْ بِمِنْ) لفظًا كلَّ تمييزٍ صالحٍ لمباشرتِها (إِنْ شِئْتَ) لأنَّها فيه معنًى كما أنَّ كلَّ ظرفٍ فيه معنَى "في" وبعضِه صالحٌ لمباشرتِها ، وكلُّ تمييزٍ فإنه صالحٌ لمباشرةِ مِنْ (غيرِ ذي العددِ * والفاعلُ) في (المعنى) المحوَّلِ عَنِ الفاعلِ في الصناعةِ: (كطِبْ نَفْسًا تَفِدْ) إذ أصلُه: لِتَطِبْ نَفْسُكَ ، فهذانِ لا يصلُحانِ لمباشرتِها فلا يقالُ: "عندي عشرونَ مِنْ عَبْدٍ" ولا "طابَ زيدٌ مِنْ نفسٍ" ومنه نحوُ: "أَنْتَ أَعْلَى مَنْزًِّا" ويجوزُ فيما سواهما، نحوَ: "عندي قَفِيزٌ مِنْ بُرٍّ وشبرٌ مِنْ أرضٍ ومنوانِ مِنْ عسلٍ" و"ما أحسنَه مِنْ رَجُلٍ".
تنبيهاتٌ: الأَوَّل: كانَ ينبغِي أن يُسْتَثْنَى – مع ما اسْتَثْنَاهُ – التمييزُ المحوَّلُ عنِ المفعولِ: نحوَ: "غرسْتُ الأرضَ شجرًا" { وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا} و"مَا أحسنَ زيدًا أدبًا" فإنَّهُ يمتنُع فيه الجرُّ بـ "مِنْ".
الثاني: تقييدُ الفاعلِ في المعنى بكونِه محولاً عن الفاعلِ في الصناعةِ لإخراجِ نحوِ: "لِلَّهِ دَرُّه فَارِسًا" و[من المتقارب]:
510 – أَقُولُ لَهَا حِينَ جَدَّ الرَّحِيـ = ـلُ: أَبْرَحْتِ رَبًّا وَأْبْرَحْتِ جَارًا
فَإِنَّهُمَا وإنْ كانَا فاعلينِ معنًى – إذ المعنى: عظُمْتَ فارسًا وعظُمْتَ جارًا – إلا أنهما غيرُ محوَّلَيْنِ فيجوزُ دخولُ "مِنْ" عليهما ومِنْ ذلك: "نَعْمَ رجُلاً زيدٌ"، يجوزُ فيه: نَعْمَ مِنْ رجُلٍ ، ومنه قولُه [من الوافر]:
511 – تَخَيَّرَهْ فَلَمْ يَعْدِلْ سِوَاهُ = فَنِعْمَ المَرْءُ مِنْ رَجُلٍ تَهَامِي
الثالثُ: أشارَ بقولِه: "إن شئْتَ" إلى أن ذلك جائزٌ لا واجبٌ.
الرابعُ : اختلَفَ في معنَى "مِنْ" هذه فقيلَ: للتبعيضِ وقال الشَّلَوْبِينُ: يجوزُ أنْ يكونَ بعد المقاديرِ وما أشبهَها زائدةٌ عند سيبويهِ كما زِيدَتْ في نحوِ: "ما جاءني من رجلٍ"، قال: إلا أنَّ المشهورَ مِنْ مذاهبِ النحاةِ – ما عدا الأَخْفَشَ – أنها لا تُزَادُ إلا في غيرِ الإيجابِ قال في (الارتشافِ) ويدلُّ لذلك – يعني الزيادةَ – العطفُ بالنصبِ على موضعِها ، قالَ الحُطَيْئَةُ [من البسيط]:
512- طَافَتْ أُمَامَةُ بِالرُّكْبَانِ آوِنَةً = يَا حُسْنَهُ مِنْ قَوَامٍ مَا وَمُنْتَقَبَا
بنصبِ "مُنْتَقَبَا" على مَحَلِّ "قَوَامٍ".
الخامسُ: إذا قلتُ: "عندي عشرونَ من الرجالِ" لا يكونُ ذلك من جرِّ تمييزِ العددِ بمِنْ ، بل هو تركيبُ آخَرُ ؛ لأن تمييزَ العددِ شرطُه الإفرادُ وأيضًا فهو معرَّفٌ اهـ.
363 - وَعَامِلَ التمييزِ قَدِّمْ مُطْلَقًا = وَالفِعْلُ ذُو التصْرِيفِ نَزْرًا سَبَقَا
(وَعَامِلَ التمييزِ قَدِّمْ مُطْلَقًا): أي وَلَوْ فِعْلاً متصرِّفًا وفاقًا لسيبويهِ والفرَّاءِ وأكثرِ البصريينَ والكوفيينَ ؛ لأن الغالبَ في التمييزِ المنصوبِ بفعلٍ متصرِّفٍ كونُه فاعلًا في الأصلِ ، وقد حُوِّلَ الإسنادُ عنه إلى غيرِه لقصدِ المبالغةِ فَلاَ يُغَيَّرُ عما كانَ يستحِقُّه مِنْ وجوبِ التأخيرِ لما فيه مِنَ الإخلالِ بالأصلِ ، أما غيرُ المتصرِّفِ فبالإجماعِ وأما قولُه [من الرجز]:
513- وَنَارُنَا لَمْ يُرَ نَارًا مِثْلُهَا = قَدْ عَلِمَتْ ذَاكَ مَعَدٌّ كُلُّهَا
فضرورةً وقيل: الرؤيةُ قلبيَّةٌ و"نارًا" مفعولٌ ثانٍ.
(والِفعْلُ ذُو التصْرِيفِ نَزْرًا سَبَقَا)، هو مبنيٌ للمفعولِ ونَزْرًا: حالٌ مِنَ الضميرِ المستترِ فيه النائبُ عنِ الفاعلِ أي: مجيءُ عاملِ التمييزِ الذي هو فِعْلٌ متصرِّفٌ مسبوقًا بالتمييزِ نَزَرَ: أي: قليلٌ ، مِنْ ذلك قولُه [من المتقارب]:
514 - أَنَفْسًا تَطِيبُ بِنَيْلِ المُنَى = وَدَاعِي المَنُونِ يُنَادِي جَهَارًا
وقولُه [من المتقارب]:
515 – أَتَهْجُرُ لَيْلَى بِالفُرَاقِ حَبِيبَهَا وَمَا كَانَ نَفْسًا بِالفُرَاقِ تَطِيبُ
وقولُه [من الطويل]:
516 - ضَيَّعْتُ حَزْمِيَ فِي إِبْعَادِيَ الأَمَلاَ = وَمَا ارْعَوَيْتُ وَشَيْبًا رَأْسِيَ اشْتَعَلاَ
وأجازَ الكِسَائِيُّ والمَازِنِيُّ والمبرِّدُ والجِرْمِيُّ القياسَ عليه محتجِّينَ بما ذكَر وقياسًا على غيرِه من الفضلاتِ المنصوبةِ بفعلٍ متصرِّفٍ ووافقَهم الناظمُ في غيرِ هذا الكتابِ
تنبيهانِ: الأَوَّل: مما استدلَّ به الناظمُ على الجوازِ قولُه [من الطويل]:
517 - رَدَدْتُ بِمِثْلِ السِّيدِ نَهْدٍ مُقَلِّصٍ = كَمِيشٍ إِذَا عِطْفَاهُ ماءً تَحَلَّبَا
وقولُه [من الطويل]:
518 - إِذَا المَرْءُ عَيْنًا قَرَّ بِالعَيْشِ مُثْرِيًا = وَلَمْ يُعْنَ بِالْإِحْسَانِ كَانَ مُذَمَّمَا
وهو سهوٌ منه لأنَّ "عِطْفَاهُ" و"المرءُ" مرفوعانِ بمحذوفٍ يفسِّرُه المذكورُ ، والناصبُ للتمييزِ هو المحذوفُ.
الثاني: أجمعُوا على منْعِ التقديمِ في نحوِ: "كفَى بزيدٍ رجلاً" لأنَّ "كفَى" وإنْ كانَ فِعْلاً متصرِّفًا إلا أنه في معنى غيرِ المتصرِّفِ وهو فِعْلُ التعجُّبِ ؛ لأن معناه: ما أكفَاه رجلاً.
خاتمةُ: يتفقُ الحالُ والتمييزُ في خمسةِ أمورٍ ويفترقانِ في سبعةِ أمورٍ:
فأما أمورُ الاتفاقِ فإنهما: اسمانِ نكرتانِ فَضْلَتَانِ منصوبتانِ رافعتانِ للإبهامِ،
وأما أمورُ الافتراقِ.
فالأَوَّل: أنَّ الحالَ تجيءُ جملةً وظرفًا ومجرورًا كما مرَّ، والتمييزُ لا يكونُ إلا اسمًا.
الثاني: أنَّ الحالَ قد يتوقَّفُ معنَى الكلامِ عليها كما عَرَفْتَ في أوَّلِ بابِ الحالِ ، ولا كذلك التمييزُ.
الثالث: أنَّ الحالَ مُبَيِّنَةٌ للهيآتِ ، والتمييزُ للذواتِ.
الرابعُ: أنَّ الحالَ تتعدَّدُ, كما عَرَفْتَ, بخلافِ التمييزِ.
الخامسُ: أنَّ الحالَ تتقدَّمُ على عاملِها إذا كانَ فِعْلاً متصرِّفًا أو وصفًا يُشْبِهُهُ ولا يجوزُ ذلك في التمييزِ على الصحيحِ.
السادسُ: أنَّ حقَ الحالِ الاشتقاقُ وحقَّ التمييزِ الجمودُ، وقد يتعاكسانِ فتأتي الحالُ جامدةً كـ"هذا مالُكَ ذَهَبًا" ويأتي التمييزُ مشتقَّا نحوَ: "لِلَّهِ دَرُّه فَارِسًا" وقد مرَّ.
السابعُ: الحالُ تأتي مؤكِّدةً لعاملِها بخلافِ التمييزِ فأما قولُه تعالى: { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَر شَهْرًا } فـ "شَهْرًا": مُؤَكِّدٌ لمَا فُهِمَ مِنْ أنَّ عِدَّةَ الشهورِ وأما بالنسبةِ إلى عاملِه – وهو اثنَا عشرَ – فمبيِّنٌ وأما إجازةُ المبرِّدِ ومَنْ وَافَقَهُ "نَعْمَ الرجُلُ رجلاً زيدٌ"، فمردودةٌ وأما قولُه [من الوافر]:
519 - تَزَوَّدْ مِثْلَ زَادِ أَبِيكَ فِينَا = فَنَعْمَ الزادُ زادُ أَبِيكَ زَادًا
فالصحيحُ أنَّ "زادًا" معمولٌ لـ "تَزَوَّدْ": إما مفعولٌ مطلقٌ إنْ أُريدَ به التزوُّدَ أو مفعولٌ به إن أُريدَ به الشيءُ الذي يُتَزَوَّدُ به من أفعالِ البِرِّ وعليهما فـ"مثلُ" نعتٍ له تقدُّمٍ فصار حالًا وأما قولُه [من البسيط]:
520 - نَعْمَ الفَتَاةُ فَتَاةً هِنْدُ لَوْ بَذَلَتْ = رَدَّ التَحِيَّةِ نُطْقًا أَوْ بِإِيمَاءِ
ففتاةً: حالٌ مؤكِّدَةٌ واللَّهُ أَعْلَمُ.

  #5  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 03:36 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان


التمييزُ
تعريفُ التمييزِ وبيانُ نوعِه وحُكْمُ كلِّ نوعٍ
355- اسمٌ بمعنى مِن مُبِينٌ نَكِرَهْ = يُنْصَبُ تَمييزاً بما قد فَسَّرَهْ
356- كشِبْرٍ ارْضاً وقَفيزُ بُرًّا = ومَنَوَيْنِ عَسَلاً وتَمْراً
التمييزُ: اسمٌ نَكِرَةٌ بمعنى (مَن) لبيانِ ما قَبْلَه مِن إبهامٍ.
نحوُ: اشتريتُ رَطلاً عَسلاً فـ (عَسلاً) تمييزٌ لأنه اسمٌ بدليلِ تَنوينِه، وهو نَكِرَةٌ مُتَضَمِّنٌ معنى (مِن) التي للبيانِ أيْ: مِن العسَلِ، وبَيَّنَ ما قَبْلَه مِن إبهامٍ لأنَّ قولَك: اشتَرَيْتُ رَطْلاً فيه إبهامٌ؛ لأنَّ السامعَ لا يَفهمُ ما تريدُ بالرطْلِ هل تُريدُ عَسلاً أو تَمراً أو سَمْناً.. وذلك لأنَّ الرطْلَ اسمٌ يَصْلُحُ لأنْ تُرادَ به هذه الأشياءُ وغيرُها، فإذا قُلتَ: (عَسَلاً) زالَ الإبهامُ وفُهِمَ المرادُ؛ لأنك مَيَّزْتَ له (الرطْلَ) وبَيَّنْتَ المقصودَ به؛ ولذلك يُسَمَّى لفْظُ (عَسَلاً) تَمييزاً، والاسمُ المبهَمُ (مُمَيِّزاً).
وإذا قلتَ: طابَ المكانُ، نَجِدُ أنَّ في الجملةِ إبهاماً، ولكنَّه لا يَقَعُ على كلمةٍ واحدةٍ ـ كما في المثالِ السابقِ، وإنما يَنْصَبُّ على الجملةِ كلِّها، وهو نِسبةُ الطِّيبِ إلى المكانِ، إذ لا نَدْرِي ما المرادُ به؟ أهو هَوَاؤُه أمْ ماؤُه أمْ تُرْبَتُه؟ فإذا قلنا: طابَ المكانُ هَواءً، تَعَيَّنَ المرادُ واتَّضَحَت النِّسبةُ؛ ولذلك يُسَمَّى لفْظُ (هواءً) تَمييزاً لأنه أَزالَ إبهاماً في نِسبةِ الطِّيبِ إلى المكانِ.
وخَرَجَ بقَوْلِنا: نَكِرَةٌ:، نحوُ: هذا الرجُلُ طاهِرٌ قَلْبُه، فـ (قَلْبُه) وإنْ بَيَّنَ إبهامَ ما قَبْلَه، لكنه ليس بتمييزٍ؛ لأنه مَعْرِفَةٌ فهو منصوبٌ على التشبيهِ بالمفعولِ به كما سيأتي إنْ شاءَ اللهُ في بابِ الصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ.
وخَرَجَ بقولِنا: بمعنى (مِن) الحالُ فإنه بمعنى (في حالِ كذا) وخرَجَ بقَوْلِنا: بيانُ ما قَبْلَه: اسمُ (لا) النافيةِ للجنْسِ، نحوُ: لا رَجُلَ في الْمَسْجِدِ، فإنه وإنْ كان بمعنى (مِن) لكنها ليستْ للبيانِ بل هي (مِن) الاستغراقيَّةُ.
والتمييزُ نَوعانِ:
الأوَّلُ: تمييزُ المفرَدِ أو تمييزُ الذاتِ، وهو الذي يكونُ مُمَيِّزُه لَفْظاً دالاًّ على العددِ، نحوُ: اشْتَرَيْتُ سِتَّةَ عَشَرَ كِتاباً، أو على الْمِقدارِ وهو إمَّا مِساحة، نحوُ: اشترَيْتُ ذِرَاعاً صُوفاً, أو كَيْلٌ، نحوُ: اشتريْتُ إِرْدَبًّا قَمْحاً، أو وَزْنٌ، نحوُ: اشترَيْتُ رَطْلاً سَمْناً، أو على ما يُشْبِهُ الْمِقدارَ (وهو ما أَجْرَتْهُ العرَبُ مَجْرَى المقادِيرِ لشَبَهِهِ به في مُطْلَقِ الْمِقدارِ وإنْ لم يَكُنْ منها..)، نحوُ: صَبَبْتُ على النَّجَاسَةِ ذَنوباً ماءً، واشتَرَيْتُ نِحْياً سَمْناً، قالَ تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِن أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى} فـ (ذَهَباً) تمييزٌ مَنصوبٌ، والممَيَّزُ شَبيهٌ بالْمِقدارِ وهو قولُه (مِلْءُ الأرْضِ).
وقالَ تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} فـ (خيراً وشرًّا) مَنصوبانِ على التمييزِ، والممَيَّزُ شبيهٌ بالوزْنِ وليس بوَزْنٍ حقيقةً؛ لأنَّ مِثقالَ الذرةِ ليس نوعاً مِن أنواعِ ما يُوزَنُ به عُرْفاً.
سُمِّيَ هذا النوعُ تمييزَ المفرَدِ لأنه يُزيلُ الإبهامَ مِن كلمةٍ واحدةٍ أو ما هو بِمَنْزِلَتِها، وتمييزَ الذاتِ لأنَّ الغالِبَ في تلك الكَلِماتِ أنها ذَواتٌ مَحسوسةٌ كالإرْدَبِّ والرَّطْلِ والذِّراعِ ونحوِها.
النوعُ الثاني: تمييزُ الجملةِ، وهو الذي يُزيلُ الإبهامَ عن المعنى العامِّ بينَ طَرَفَيْهَا، وهو المعنَى المنسوبُ فيها لشيءٍ مِن الأشياءِ ولذا يُسَمَّى تمييزَ النِّسبةِ.
وهو بِحَسْبِ أصْلِه نَوعانِ:
1- تمييزٌ مُحَوَّلٌ عن الفاعِلِ:، نحوُ: حَسُنَ الشابُّ خُلُقاً، فـ (خُلُقاً) تمييزُ نِسبةٍ لأنه أَزالَ الإبهامَ في نِسبةِ الْحُسْنِ إلى الشابِّ، وهو منقولٌ مِن الفاعلِ، والأصْلُ: حَسُنَ خُلُقُ الشابِّ، ومنه قولُه تعالى: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً} فـ (شَيْباً) تمييزُ نِسبةٍ مُحَوَّلٌ عن الفاعِلِ؛ لأنَّ تقديرَه، واشتَعَلَ شَيْبُ الرأسِ.
2- تمييزٌ مُحَوَّلٌ عن المفعولِ:، نحوُ : وَفَّيْتُ العمالَ أُجُوراً، فـ (أُجُوراً) تَمييزُ نِسبةٍ أزالَ الإبهامَ في نِسبةِ التوفيةِ إلى العُمَّالِ، وهو مَنقولٌ عن المفعولِ والأصْلُ: وَفَّيْتُ أُجورَ العُمَّالِ، ومنه قولُه تعالى: {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً} فـ (عُيوناً) تمييزُ نِسبةٍ مُحَوَّلٌ عن المفعولِ؛ لأنَّ تقديرَه: وفَجَّرْنَا عُيونَ الأرْضِ.
وحُكْمُ التمييزِ النصْبُ ـ غالبا ـ والناصِبُ لِمُبَيِّنِ الاسمِ هو ذلك الاسمُ المبهَمُ كعشرينَ كِتاباً، والناصبُ لِمُبَيِّنِ النسبةِ الْمُسْنَدُ مِن فِعْلٍ أو شِبْهِه، نحوُ: ازدادَ الْمُتَعَلِّمُ أَدَباً، المتعلِّمُ مُستقيمٌ خُلُقاً.
قالَ ابنُ مالكٍ: (اسمٌ بمعنى من.. إلخ) أيْ: أنَّ التمييزَ اسمٌ بمعنى (مِن) يُبَيِّنُ إبهامَ ما قَبْلَه وهو نَكِرَةٌ، منصوبٌ، وناصِبُه هو الشيءُ المبْهَمُ الذي جاءَ التمييزُ لإيضاحِه وإزالةِ إبهامِه، وظاهِرُ هذا أنَّ تَمييزَ النِّسبةِ منصوبٌ بالجملةِ التي جاءَ التمييزُ لإيضاحِ النِّسبةِ فيها.
ثم بَيَّنَ أنواعَ التمييزِ بالأمثلةِ (كشِبْرٍ أرْضاً) للمِساحةِ (وقَفِيزٍ بُرًّا) للكَيْلِ، (ومَنَوَيْنِ عَسلاً وَتَمْراً) للوَزْنِ، و (مَنَوَيْنِ) تَثنيةُ (مَنًا) كعَصَا، وهو مِن مَقادِيرِ الوزْنِ الْمُقَدَّرَةِ في بعضِ الأقطارِ برَطْلَيْنِ.
جَوازُ جَرِّ التمييزِ بالإضافةِ وشَرْطُ ذلك

357- وبعدَ ذي وشِبْهِهِا اجْرُرْه إذا = أَضَفْتَها كمُدِّ حِنْطَةٍ غِذَا
358- والنصْبُ بعدَ ما أُضيفَ وَجَبَا = إن كان مِثلَ مِلءُ الأرضِ ذَهَبَا
تَقَدَّمَ أنَّ حُكْمَ تَمييزِ المفرَدِ النصْبُ، وهذا هو الأَحْسَنُ، وذَكَرَ هنا أنه يَجُوزُ فيما دَلَّ على كَيْلٍ أو مِساحةٍ أو وَزْنٍ وَجْهاً آخَرَ، وهو الْجَرُّ على أنه مُضافٌ إليه، والممَيَّزُ هو المضافُ، تقولُ: شَرِبْتُ رَطْلَ لَبَنٍ، عِنْدِي مِثقالُ ذَهَبٍ، اشترَيْتُ ذِراعَ صُوفٍ.
ويُشترَطُ في ذلك ألاَّ يُضافَ الدالُّ على مِقدارٍ إلى غيرِ التمييزِ، فإنْ أُضيفَ إلى غيرِ التمييزِ وَجَبَ نَصْبُ التمييزِ أو جَرُّه بِمَن، نحوُ: ما في الأرْضِ قَدْرُ راحةٍ ظِلاًّ، ومنه قولُه تعالى: {فَلَن يُقْبَلَ مِن أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ} فـ (ذَهَباً) تمييزٌ منصوبٌ؛ لأنَّ الدالَّ على مِقدارٍ، وهو (مِلْءُ) أُضيفَ لغيرِ التمييزِ.
وأمَّا حُكْمُ تمييزِ العَدَدِ، فهو مذكورٌ في بابِ العدَدِ وهذا معنى قولِه: (وبعدَ ذي وشِبْهِها اجْرُرْهُ.. إلخ) فالمرادُ (بذي..) الأشياءُ التي سَبَقَ أنْ عَرَضَ لها أمثلةً في البيتِ السابقِ، وهي الْمِساحةُ، والكَيْلُ، والوزْنُ، فإنَّ التمييزَ بعدَها مجرورٌ بالإضافةِ (كَمُدُّ حِنْطَةٍ غِذَا) والْمُدُّ: بالضمِّ، كَيْلٌ، وهو رُبُعُ الصاعِ، وقولُه: (غِذَا) بالقصْرِ وأصْلُه (غِذاءً) وهو خبرُ المبتدأِ (مُدُّ) والمرادُ بشِبْهِها كلُّ لفْظٍ عَرَبِيٍّ جرى العُرْفُ على استعمالِه في واحدٍ مِن الثلاثةِ، نحوُ: مِثقالٍ، وذَنوبٍ ونحوِهما.
ثم ذَكَرَ أنَّ الجرَّ بالإضافةِ إنما يكونُ حينَ إضافةِ الْمُمَيَّزِ للتمييزِ مباشَرَةً، فإنْ أُضيفَ لغيرِه وَجَبَ النصْبُ ثم ذَكَرَ المثالَ لذلك.

حكْمُ التمييزِ بعدَ (أفْضَلَ) التفضيلِ


حكْمُ التمييزِ بعدَ التَّعَجُّبِ

359- والفاعلَ الْمعْنَى انْصِبَنْ بأَفْعَلَا = مفَضِّلاً كأنتَ أَعْلَى مَنْزِلاَ
360- وبعدَ كلِّ ما اقْتَضَى تَعَجُّبَا = مَيِّزْ كأَكْرِمْ بأَبِي بكرٍ أَبَا
مِن أنواعِ تمييزِ النِّسْبَةِ التمييزُ الواقِعُ بعدَ أفْعَلَ التفضيلِ والواقِعُ بعدَ ما يُفيدُ التَّعَجُّبَ.
أمَّا الأوَّلُ: فإنْ كان فاعِلاً في المعنى وَجَبَ نصْبُه وإنْ لم يكنْ كذلك وَجَبَ جَرُّه بالإضافةِ.
وعلامَةُ ما هو فاعِلٌ في المعنى: أنْ يَصْلُحَ جَعْلُه فاعلاً بعدَ جَعْلِ أفْعَلَ التفضيلِ فِعْلاً، نحوُ: العالِمُ العامِلُ أرْفَعُ مِن ذوي المالِ قَدْراً فـ (قَدْراً) تمييزٌ يَجِبُ نَصْبُه، وهو فاعلٌ في المعنى، إذ يَصِحُّ أنْ يُقالَ: العالِمُ العامِلُ ارْتَفَعَ قَدْرُه، ومنه قولُه تعالى: {أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً}.
وعلامةُ ما ليس بفاعِلٍ في المعنى أنْ يكونَ أفعَلَ التفضيلِ بَعْضاَ مِن جِنْسِ التمييزِ، ويُعْرَفُ ذلك بصِحَّةِ حذْفِ أفعلَ التفضيلِ ووَضْعِ لفظِ (بَعْض) موضِعَه، نحوُ: الأنبياءُ ـ عليهم الصلاةُ والسلامُ ـ أصْدَقُ الناسِ فـ (الناسُ) تَمييزٌ يَجِبُ جَرُّه بالإضافةِ لأنه ليس بفاعِلٍ في المعنى: إذ يَصِحُّ أنْ يُقالَ: الأنبياءُ بعضُ الناسِ.
ويُستثنَى مِن ذلك ما إذا أُضيفَ أفْعَلُ إلى غيرِ التمييزِ؛ فإنه يَجِبُ نَصْبُه حينئذٍ لتَعَذُّرِ إضافةِ أفْعَلَ مَرَّتَيْنِ، نحوُ: العاملُ بعِلْمِه أفْضَلُ الناسِ رَجُلاً.
وأمَّا الواقِعُ بعدَ ما يُفيدُ التعَجُّبَ فإنه يَجِبُ نَصْبُه، سواءٌ في ذلك التعَجُّبُ القِياسيُّ أو السماعيُّ، فالقياسيُّ نحوُ: ما أحسَنَ الصدْقَ خُلُقاً للمسلِمِ، وأحسِنْ بالصدْقِ خُلُقاً للمسلِمِ، والسماعيُّ، نحوُ: للهِ دَرُّه فارِساً وقولُ الشاعرِ:
وحَسْبُكَ داءً أنْ تَبِيتَ ببِطْنَةٍ = وحولَك أَكبادٌ تَحِنُّ إلى القَدِّ
وهذا معنى قولِه: (والفاعلَ المعنى انْصِبَنْ بأَفْعَلَا.. إلخ) أي: انْصِب الفاعلَ في المعنى بـ (أفْعَلَ) مُفَضِّلاً له على غيرِه ثم ذَكَرَ الْمِثالَ.
وقولُه: (وبعدَ كلِّ ما اقْتَضَى تَعَجُّباً مَيِّزْ... إلخ) أي: اذْكُر التمييزَ بعدَ كلِّ ما دَلَّ على تَعَجُّبٍ، وأشارَ بذلك إلى أنه غيرُ خاصٍّ بالصِّيغَتَيْنِ الْمَوْضُوعَتَيْنِ للتَّعَجُّبِ، بل هو شامِلٌ للتعَجُّبِ بهما، وهو القياسيُّ وبغيرِهما، وهو السماعيُّ ثم ذَكَرَ الْمِثالَ:

جوازُ جَرِّ التمييزِ بـ (مِن)


361- واجْرُرْ بِمِن إن شئتَ غيرَ ذي العَدَدْ = والفاعلِ المعنى كطِبْ نفساً تُفَدْ

تَقَدَّمَ أنَّ التمييزَ يَجُوزُ نَصْبُه ويَجوزُ جَرُّهُ بالإضافةِ، نحوُ: اشْتَرَيْتُ رَطْلاً عَسَلاً واشتريتُ رَطْلَ عَسَلٍ، وذكَرَ ـ هنا ـ وَجْهاً ثالثاً وهو جَرُّه بـ (مِن) التي لبيانِ الجنْسِ، نحوُ: بِعْتُ ذِراعاً مِن صُوفٍ، لا أَمْلِكُ شِبْراً مِن أرْضٍ، زَرَعْتُ فَدَّاناً مِن قَمْحٍ.
ويَمْتَنِعُ الجَرُّ بـ (مِن) في ثلاثِ مَسائلَ:
الأوَّلُ: تَمييزُ العَدَدِ كعِشرينَ قَلَماً.
الثانيةُ: ما كان فاعِلاً في المعنى، نحوُ: استقامَ الولَدُ خُلُقاً.
الثالثةُ: التمييزُ المحوَّلُ مِن المفعولِ، نحوُ: غَرَسْتُ الأرضَ شَجَراً وقد اقتصَرَ ابنُ مالِكٍ على الأُولَى والثانيةِ، فقالَ: (واجْرُرْ بِمَن إنْ شِئْتَ غيرَ ذي العَدَدِ.. إلخ) أي: اجْرُرِ التمييزَ بالحرْفِ (مِن) بشَرْطِ ألاَّ يكونَ تمييزَ عددٍ، ولا فاعِلاً في المعنى مِثْلَ: طِبْ نَفْساً تُفَدْ، أيْ: مَن طابَتْ نفْسُه أحَبَّهَ الناسُ وخالَطُوهُ وأَفَادُوه فوائدَ، ومَن خَبُثَتْ نفْسُه فهو بِضِدِّ ذلك، والأصْلُ: لتَطِبْ نفْسُكَ، ثم حُوِّلَ الكلامُ فصارَ الفاعلُ تَمييزاً، فلا يَصِحُّ جَرُّه بـ (مَن) وأشارَ بقولِه: (إنْ شِئْتَ) إلى أنَّ الجرَّ جائزٌ لا واجِبٌ، والذي يَجُوزُ جَرُّه هو تَمييزُ الْمِقدارِ، وتمييزُ النِّسبةِ إذا لم يَكُنْ مُحَوَّلاً، نحوُ: ما أحْسَنَ زيداً رَجُلاً.
حكْمُ تقديمِ التمييزِ على عامِلِه


362- وعامِلَ التمييزِ قَدِّمْ مُطْلَقاً = والفعلُ ذو التصريفِ نَزْراً سُبِقَا

عامِلُ التمييزِ إمَّا أنْ يكونَ اسماً، نحوُ: اشتَرَيْتُ رَطْلاً سَمْناً، أو فِعْلاً جَامِداً كأفعَلَ في التعَجُّبِ، نحوُ: ما أحسَنَ الصديقَ خُلُقاً، أو فِعْلاً مُتَصَرِّفاً يُؤَدِّي معنى الجامِدِ، نحوُ: كفَى باللهِ شَهيداً، أو فِعلاً متَصَرِّفاً، نحوُ: طابَ خالدٌ نفْساً.
فإنْ كان العامِلُ اسماً أو فِعْلاً جامِداً أو مُتَصَرِّفاً بمعنى الجامِدِ لم يَجُزْ تقديمُ التمييزِ عليه.
أمَّا إنْ كانَ فِعْلاً متَصَرِّفاً فإنه يَجُوزُ تقديمُ التمييزِ عليه عندَ جماعةٍ مِن النُّحاةِ، منهم الكِسائيُّ والمازِنِيُّ والْمُبَرِّدُ، ووافَقَهُم ابنُ مالِكٍ في غيرِ الأَلْفِيَّةِ، وفي الأَلْفِيَّةِ جَعَلَه قليلاً، واستَدَلَّ هؤلاءِ بالسماعِ عن العرَبِ كقولِ الشاعرِ:
أَنَفْساً تَطيبُ بنَيْلِ الْمُنَى = وداعِي الْمَنونِ يُنَادِي جِهَارَا

فقَدَّمَ الشاعرُ التمييزَ (نَفْساً) على عامِلِه (تَطيبُ) وهو فِعْلٌ مُتَصَرِّفٌ، وقولُ الآخَرِ:
ضَيَّعْتُ حَزْمِي في إبعادِيَ الأَمَلاَ = وما ارْعَوَيْتُ وشَيْباً رأسِيَ اشْتَعَلاَ

فقَدَّمَ الشاعِرُ التمييزَ (شَيْباً) على عامِلِه (اشْتَعَلاَ) وهو فعْلٌ مُتَصَرِّفٌ.
وأمَّا الجمهورُ مِن النُّحاةِ وعلى رأسِهم سِيبويهِ: فإنهم يَمنعونَ تقديمَ التمييزِ على عامِلِه، وما وَرَدَ مِن تقديمِه فهو ضَرورةٌ فلا يُقاسُ عليه، وهذا هو المختارُ فإنَّ التمييزَ كالنعْتِ في الإيضاحِ، والنعْتُ لا يَتَقَدَّمُ على عامِلِه فكذلك، ما أَشْبَهَه، وأيضاًَ فالغالِبُ في التمييزِ المنصوبِ بفعْلٍ متَصَرِّفٍ أنْ يكونَ فاعِلاً في الأصْلِ، فلا يُغَيَّرُ عما كان يَسْتَحِقُّ مِن وُجوبِ التأخيرِ.
قالَ ابنُ مالِكٍ: (وعاملَ التمييزِ قَدِّمْ مُطْلَقاً.. إلخ) أيْ: إنَّ عاملَ التمييزِ يَجِبُ تقديمُه (مُطْلَقاً) أيْ: سواءٌ كانَ العاملُ اسماً أو فِعلاً، وإذا كانَ العاملُ فِعْلاً مُتَصَرِّفاً، فقد يَتأخَّرُ هذا العاملُ ويَسْبِقُه التمييزُ وهذا نادِرٌ، والألِفُ في قولِه (سُبِقاً) للإطلاقِ، واللهُ أعْلَمُ.
وإلى هنا انتهى الجزءُ الأوَّلُ، مِن شرْحِ الألفيَّةِ ويَتْلُوهُ ـ إنْ شاءَ اللهُ- الجزءُ الثاني وأَوَّلُه: حروفُ الجرِّ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
التمييز

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:51 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir