اتِّصالُ هذه الأَحْرُفِ بـ (ما الزائدةِ الكافَّةِ)
186- ووَصْلُ ما بِذِي الحروفِ مُبْطِلُ = إعمالَها وقد يَبْقَى العمَلُ
إذا اتَّصَلَتْ (ما) الزائدةُ بـ (إنَّ أو إِحْدَى أَخَوَاتِها) أَحْدَثَتْ أمْرَيْنِ:
الأوَّلُ: كَفُّها عن العمَلِ؛ ولذا تُسَمَّى (ما) الكافَّةَ؛ أي: المانِعَةَ للحرْفِ الناسخِ مِن العمَلِ.
الثاني: إزالةُ اختصاصِها بالأسماءِ، وتَهْيِئَتُها للدخولِ على الْجُملةِ الفِعليَّةِ؛ ولذا تُسَمَّى (ما) الْمُهَيِّئَةَ.
مِثالُ ذلك: إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، لَيْتَمَا الحياةُ خالِيَةٌ مِن الكَدَرِ، إنما يُعَاقَبُ الْمُسيءُ، ومنه قولُه تعالى: {إِنَّمَا اللهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ}، وقولُه تعالى: {كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ}، وقولُه تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ}.
وقد تَعْمَلُ هذه الأدواتُ قليلاً معَ وُجودِ (ما)، قالَ الزَّجَّاجُ: (مِن العرَبِ مَن يقولُ: إنما زَيْدًا قائمٌ، ولَعَلَّمَا بَكْرًا جالِسٌ. وكذا أَخَوَاتُها يُنْصَبُ بها، ويُلْغَى ما).
وتَبِعَه على ذلك تِلميذُه الزَّجَّاجِيُّ وابنُ السَّرَّاجِ، وَحَكاهُ الأَخْفَشُ والكِسائيُّ، وعلى ذلك ظاهِرُ كلامِ ابنِ مالِكٍ؛ فإنه قالَ: وقد يَبْقَى العمَلُ, و (قد) هنا للتقليلِ على ما يَظْهَرُ؛ أي: قد يَبقَى العملُ معَ وُجودِ (ما)، وتكونُ (ما) مُلْغَاةً عن الكَفِّ.
ومِن الشُّرَّاحِ مَن قالَ: إنَّ (قدْ) للتحقيقِ، وإنَّ المقصودَ بذلك (ليتَ)، فهي التي يَجُوزُ فيها الإعمالُ والإهمالُ، وأمَّا الباقي فيَجبُ فيه الإهمالُ.
واحْتَرَزْنَا بالزائدةِ مِن (ما) الموصولةِ؛ فإنها لا تَكُفُّها عن العمَلِ، سواءٌ كانَ الموصولُ اسْمِيًّا أو حَرْفِيًّا:
فالأوَّلُ، نحوُ: إنَّ ما في الغِرفةِ طِفْلٌ؛ أيْ: إنَّ الذي في الغُرفةِ طِفْلٌ، ومنه قولُه تعالى: {إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ}، فـ (ما) موصولةٌ، وهي اسمُ (إنَّ)، و (صَنَعُوا) صِلَةُ الموصولِ، والعائدُ محذوفٌ و(كَيْدُ) خَبَرُ إنَّ.
والثاني، وهو الموصولُ الحرفيُّ، نحوُ: إنَّ ما فَعلتَ حَسَنٌ. أيْ: إنَّ فِعْلَكَ حَسَنٌ، فـ(ما) وما دَخَلَتْ عليه في تأويلِ مَصْدِرِ اسمِ (إنَّ).