قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (يخبر تعالى عن عباده المؤمنين أنّ لهم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار بخلاف ما أعدّ لأعدائه من الحريق والجحيم؛ ولهذا قال: {ذلك الفوز الكبير}.
ثم قال: {إنّ بطش ربّك لشديدٌ} أي: إنّ بطشه وانتقامه من أعدائه الذين كذّبوا رسله وخالفوا أمره لشديدٌ عظيمٌ قويٌّ؛ فإنّه تعالى ذو القوّة المتين الذي ما شاء كان كما يشاء في مثل لمح البصر أو هو أقرب.
ولهذا قال: {إنّه هو يبدئ ويعيد} أي: من قوّته وقدرته التّامّة يبدئ الخلق ثمّ يعيده كما بدأه بلا ممانعٍ ولا مدافع.
{وهو الغفور الودود}. أي: يغفر ذنب من تاب إليه وخضع لديه ولو كان الذّنب من أيّ شيءٍ كان،
و{الودود} قال ابن عبّاسٍ وغيره: «هو الحبيب».
{ذو العرش}. أي: صاحب العرش المعظّم العالي على جميع الخلائق،
والمجيد فيه قراءتان: الرّفع على أنّه صفةٌ للرّبّ عزّ وجلّ، والجرّ على أنّه صفةٌ للعرش، وكلاهما معنًى صحيحٌ.
{فعّالٌ لما يريد}. أي: مهما أراد فعله لا معقّب لحكمه ولا يسأل عمّا يفعل لعظمته وقهره وحكمته وعدله كما روّينا عن أبي بكرٍ الصّدّيق أنّه قيل له وهو في مرض الموت: هل نظر إليك الطّبيب؟ قال: نعم. قالوا: فما قال لك؟ قال: قال لي: إنّي فعّالٌ لما أريد.
وقوله: {هل أتاك حديث الجنود فرعون وثمود}. أي: هل بلغك ما أحلّ اللّه بهم من البأس وأنزل عليهم من النّقمة التي لم يردّها عنهم أحدٌ؟ .
وهذا تقريرٌ لقوله: {إنّ بطش ربّك لشديدٌ}. أي: إذا أخذ الظّالم أخذه أخذاً أليماً شديداً أخذ عزيزٍ مقتدرٍ.
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا عليّ بن محمّدٍ الطّنافسيّ، حدّثنا أبو بكر بن عيّاشٍ، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمونٍ قال: مرّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم على امرأةٍ تقرأ:« {هل أتاك حديث الجنود}. فقام يسمع؛ فقال: «نعم، قد جاءني» .
وقوله: {بل الّذين كفروا في تكذيبٍ}. أي: هم في شكٍّ وريبٍ وكفرٍ وعنادٍ.
{واللّه من ورائهم محيطٌ}. أي: هو قادرٌ عليهم قاهرٌ لا يفوتونه ولا يعجزونه.
{بل هو قرآنٌ مجيدٌ}. أي: عظيمٌ كريمٌ.
{في لوحٍ محفوظٍ}. أي: هو في الملأ الأعلى محفوظٌ من الزّيادة والنّقص والتّحريف والتّبديل.
قال ابن جريرٍ: حدّثنا عمرو بن عليٍّ، حدّثنا قرّة بن سليمان، حدّثنا حرب بن سريجٍ، حدّثنا عبد العزيز بن صهيبٍ، عن أنس بن مالكٍ في قوله: {بل هو قرآنٌ مجيدٌ في لوحٍ محفوظٍ}. قال: «إنّ اللّوح المحفوظ الذي ذكر اللّه: {بل هو قرآنٌ مجيدٌ في لوحٍ محفوظٍ}. في جبهة إسرافيل».
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا أبو صالحٍ، حدّثنا معاوية بن صالحٍ: أنّ أبا الأعيس، هو عبد الرحمن بن سلمان، قال: «ما من شيءٍ قضى اللّه -القرآن فما قبله وما بعده- إلاّ وهو في اللّوح المحفوظ، واللّوح المحفوظ بين عيني إسرافيل، لا يؤذن له بالنّظر فيه».
وقال الحسن البصريّ: «إنّ هذا القرآن المجيد عند اللّه في لوحٍ محفوظٍ، ينزل منه ما يشاء على من يشاء من خلقه».
وقد روى البغويّ من طريق إسحاق بن بشرٍ، أخبرني مقاتلٌ وابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: «إنّ في صدر اللّوح: لا إله إلاّ اللّه وحده، دينه الإسلام، ومحمّدٌ عبده ورسوله، فمن آمن باللّه وصدّق بوعده واتّبع رسوله أدخله الجنّة».
قال: «واللّوح لوحٌ من درّةٍ بيضاء، طوله ما بين السّماء والأرض، وعرضه ما بين المشرق والمغرب، وحافتاه الدّرّ والياقوت، ودفّتاه ياقوتةٌ حمراء، وقلمه نورٌ، وكلامه معقودٌ بالعرش، وأصله في حجر ملكٍ».
قال مقاتلٌ: «اللّوح المحفوظ عن يمين العرش».
وقال الطّبرانيّ: حدّثنا محمّد بن عثمان بن أبي شيبة، حدّثنا منجاب بن الحارث، حدّثنا إبراهيم بن يوسف، حدّثنا زياد بن عبد اللّه، عن ليثٍ، عن عبد الملك بن سعيد بن جبيرٍ، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إنّ اللّه خلق لوحاً محفوظاً من درّةٍ بيضاء، صفحاتها من ياقوتةٍ حمراء، قلمه نورٌ، وكتابه نورٌ، للّه فيه في كلّ يومٍ ستّون وثلاثمائة لحظةٍ، يخلق ويرزق ويميت ويحيي ويعزّ ويذلّ ويفعل ما يشاء» .
آخر تفسير سورة البروج، وللّه الحمد والمنّة).[تفسير القرآن العظيم: 8/ 372-373]