المقصود :
بيان وجوه الأمور الأربع الضرورية التي لا يقوم وجود وصلاح العبد إلا بها :
الأمور الأربع :
1-أمر هو محبوب مطلوب الوجود.
2-أمر مكروه مبغض مطلوب العدم.
3-الوسيلة إلى حصول المطلوب المحبوب.
4-الوسيلة إلى دفع المكروه.
بيان وجوه هذه الأمور الأربع :
1-أن الله سبحانه هو الجامع لهذه الأمور دون ما سواه ،وهذا معنى قوله:{ إياك نعبد وإياك نستعين}.
فإن العبودية :تتضمن المقصود المطلوب ،لكن على أكمل الوجوه (من معنى الألوهية ).
الإله :هو الذي يؤله فيعبد محبة وإنابة وإجلالا وإكراما.
والمستعان :هو الذي يستعان به على المطلوب ( من معنى الربوبية )
الرب:هو الذي يربي عبده فيعطيه خلقه ثم يهديه إلى جميع أحواله من العبادة وغيرها.
2- ليس في الكائنات ما يسكن العبد إليه ويطمئن به ،ويتنعم بالتوجه إليه ،إلا الله سبحانه.
-حقيقة العبد:قلبه وروحه ،وهي لا صلاح لها إلا بإلهها الله الذي لا إله إلا هو :فلا تطمئن في الدنيا إلا بذكره:وهي كادحة إليه كدحا فملاقيته ولابد لها من لقائه،ولا صلاح لها إلا بلقائه.ولو حصل للعبد لذات أو سرور بغير الله فلا يدوم ذلك.
ولهذا قال إمامنا إبراهيم عليه السلام { لا أحب الآفلين }
هذا الوجه الثاني مبني على أصلين :
أ.أن نفس الإيمان بالله وعبادته ومحبته وإجلاله هو غذاء الإنسان وقوته وصلاحه وقوامه كما عليه أهل الإيمان وكما دل عليه القرآن.
-الإيمان بالله والعمل الصالح ليس تكليفا لقوله تعالى :{ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}وإن وقع في الأمر تكليف،فلا يكلف إلا قدر الوسع ، لا أنه يسمي جميع الشريعة تكليفا،مع أن غالبها قرة العيون وسرور القلوب ،ولذات الأرواح وكمال النعم،وذلك لإرادة وجه الله والإنابة إليه،وذكره وتوجه الوجه إليه،فهو الإله الحق الذي تطمئن إليه القلوب ،ولا يقوم غيره مقامه في ذلك أبدا.
ب.النعيم في الدار الآخرة أيضا.مثل النظر إليه سبحانه ،لا كما يزعم طائفة من أهل الكلام ونحوهم أنه لا نعيم ولا لذة إلا بالمخلوق.بل اللذة والنعيم التام في حظهم من الخالق سبحانه وتعالى،كما في الدعاء [ اللهم إني أسألك لذة النظر إلى وجهك ،والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ،ولا فتنة مضله]
وقال تعالى في حق الكفار :{ كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون } فعذاب الحجاب أعظم أنواع الحجاب ,ولذة النظر إلى وجهه أعلى اللذات .
3-يقتضي هذا الوجه:التوكل على الله والاستعانة به ،ودعاءه،ومسألته دون ما سواه .ومحبته وعبادته لإحسانه إليه وإسباغ نعمه عليه .
4-أن تعلق العبد بما سوى الله مضرة عليه إذا أخذ منه القدر الزائد على حاجته في عبادة الله ،ومن أحب شيئا دون الله ولاه الله يوم القيامة ما تولاه ،وأصلاه جهنم وساءت مصيرا ،ومن أحب شيئا دون الله لغير الله فإن مضرته أكثر من نفعه إلا ما كان لله وفي الله ،فإنه كمال وجمال للعبد.وهذا معنى ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الدنيا ملعونة ملعون ما فيها ،إلا ذكر الله وما والاه).
5-من توكل على غير الله واستعان بما سواه ،كان فيه مضرته وهلاكه وفساده.فيخذل ويضر من هذه الجهة .
6-لا ترجوا المخلوق ولا تطلب منه منفعة لك ،فإنه لا يريد ذلك بالقصد الأول،كما أنه لا يقدر عليه.والرب عز وجل محسن إلى عبده مع غناه عنه ،سبحانه يريد لك ،ولمنفعتك بك ،لا لينتفع بك،وهذه منفعة عليك بلا مضره.ولا يحملنك هذا على جفوة الناس ،وترك الإحسان إليهم ،واحتمال الأذى منهم ،بل أحسن إليهم لله لا لرجائهم ،وخف الله في الناس ولا تخف الناس في الله ،وارج الله في الناس ولا ترج الناس في الله.
7-أن غالب الخلق يطلبون إدراك حاجاتهم بك وإن كان ذلك ضررا عليك .
8-إذا أصابتك مضرة ،فإن الخلق لا يقدرون على دفعها إلا بإذن الله ،ولا يقصدون دفعها إلا لغرض لهم في ذلك.
9-الخلق لا ينفعونك إلا بإذن الله ،ولا يضرونك إلا بإذن الله ،فلا تعلق بهم رجاءك.
- جماع هذا أن الله تعالى هو الذي يعلم ولا تعلم، ويقدر ولا تقدر ،ويعطيك من فضله العظيم.
كما في حديث الاستخارة.
- العبد مجبول على أن يقصد شيئا ويريده ،ويستعين بشيء ويعتمد عليه في تحصيل مراده.
المراد على قسمين :
أ.منه ما يراد لغيره .ب.ومنه ما يراد لنفسه.
والمستعان على قسمين:
أ.منه ما هو المستعان لنفسه . ب.ومنه ما هو تبع للمستعان وآلة له.
الناس لا ينفكون من أمرين :
أ.لا بد للنفس من شيء تطمئن إليه وتنتهي إليه محبتها ،وهو إلهها.
ب.ولابد لها من شيء تثق به وتعتمد عليه في نيل مطلوبها هو مستعانها.
قد يكون عاما :وهو الكفر ،كمن عبد غير الله مطلقا.
وقد يكون خاصا في المسلمين:كمن غلب عليه حب المال حتى صار عبدا له.
المراد والمستعان ثلاثة أقسم:
1-محبوبا غير مستعان.
2-مستعان غير محبوب.
3-محبوب مستعان.
والعبادة والاستعانة أربعة أقسام:
1- إما أن يعبد غير الله وستعينه .وإن كان مسلما !(الشرك)
2- أن يعبده ويستعين غيره .كمن يقصد طاعة الله ورسوله وعبادته وحده لكن تخضع قلوبهم لمن يستشعرون نفعهم أو نصرتهم.
3- أن يستعينه وإن عبد غيره.كالذين يستعينونه ويعتمدون عليه ويسألونه ويلجئون إليه ،لكن مقصودهم غير ما أمر الله به ورسوله،وغير إتباع دينه وشريعته.
4- الذين لا يعبون إلا إياه ،ولا يستعينون إلا به .