(6) (وَكَذَا اشْتَرَطُوا: الإِذْنَ في الوِجَادَةِ) وهي أن يَجِدَ بخطٍّ يَعْرِفُ كاتِبَه فيقولُ: وجَدْتُ بخطِّ فُلاَنٍ ولا يُسَوَّغُ فيه إطلاقُ أَخْبَرَنِي بمُجرَّدِ ذَلِكَ، إلاَّ إنْ كانَ لهُ منه إذنٌ بالرِّوَايَةِ عنهُ، وأطْلَقَ قومٌ ذَلِكَ فَغَلِطُوا. (و) كذا (الوَصِيَّةَ بِالكِتَابِ) وهو أنْ يُوصِيَ عندَ موْتِه أو سَفَـرِه لشخْصٍ مُعيَّنٍ بأصلِهِ أو بأصـولِه، فقدْ قال قومٌ مِن الأَئِمَّةِ المتقدِّمينَ: يجوزُ له أن يَرْويَ تلك الأصـولَ عنه بمُجـَرَّدِ هَذِهِِ الوصِيَّةِ.
وأبَى ذَلِكَ الجمهـورُ إلاَّ إنْ كانَ لهُ منه إجازةٌ. (و) كذا شَرَطُوا الإذنَ بالرِّوَايةِ (فِي الإِعْلاَمِ) وهو أن يُعْلِمَ الشَّيْخُ أحـدَ الطَّلَبَةِ بأنَّنِي أَرْوِي الكتابَ الفُلانِيَّ عَن فُلانٍ، فإنْ كانَ لهُ منه إجازةٌ اعْتَبَرَ (وَإِلاَّ فَلا عِبْرَةَ بِذَلِكَ، كَالإِجَازَةِ العَامَّةِ) في المُجَازِ لَهُ لا في المُجَازِ بهِ، كأنْ يقـولَ: أَجَزْتُ لجميعِ المُسلمينَ، أو لمَنْ أدركَ حياتي، أو لأهلِ الإقليمِ الفُلانِيِّ، أو لأهلِ البلْدَةِ الفُلانِيَّةِ، وهو أقربُ إلى الصِّحَّةِ لقُرْبِ الانْحِصَارِ.
(وَ) كذَلِكَ الإجازةُ (للمَجْهُولِ) كأنْ يكونَ مُبْهَمًا أو مُهْمَلاً، (وَ) كذَلِكَ الإجازةُ (للمَعْدُومِ) كأنْ يقولَ: أَجَزْتُ لمَنْ سَيُولَدُ لفُلاَنٍ وقد قيل: إنْ عَطْفَهُ على موجودٍ صَحَّ، كأنْ يقولَ: أَجَزْتُ لكَ ولمَنْ سَيُولَدُ لكَ، والأقربُ عدمُ الصِّحَّةِ أيضًا.
وكذَلِكَ:
الإجازةُ لموجودٍ أو معدومٍ عُلِّقَتْ بشرطِ مشيئَةِ الغيرِ، كأنْ يقولَ: أَجَزْتُ لكَ إنْ شاءَ فُلانٌ، أو أَجَزْتُ لمَن شاءَ فُلاَنٌ، لا أنْ يقولَ: أَجَزْتُ لكَ إنْ شئْتَ، وهَذَا (عَلَى الأَصَحِّ في جَمِيعِ ذَلِكَ).
وقد جَوَّزَ الرِّوايةَ بجميعِ ذَلِكَ سوى المجهولِ -ما لم يُتَبَيَّن المرادُ منه- الْخَطِيبُ، وحَكَاهُ عَن جماعةٍ من مَشَايخِهِ، واسْتَعْمَلَ الإجازةَ للمعدومِ مِن القُدَمَاءِ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاودَ، وأبو عبدِ اللهِ بْنُ مَنْدَهْ، واستعملَ المُعَلَّقَةَ منهمْ أيضًا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، وروى بالإجازةِ العامَّةِ جمْعٌ كثيرٌ جَمَعَهُمْ بعضُ الْحُفَّاظِ في كتابٍ ورَتَّبَهمْ على حُروفِ المُعْجَمِ لكثرتِهم، وكُلُّ ذَلِكَ -كما قال ابْنُ الصَّلاَحِ- تَوَسُّعٌ غَيْرُ مُرْضٍ؛ لأنَّ الإجازةَ الخاصَّةَ المُعَيَّنَةَ مُخْتَلَفٌ في صِحَّتِها اختلافًا قَوِيًّا عندَ القُدماءِ، وإن كان العملُ استقرَّ على اعْتبارِها عندَ المُتَأَخِّرِينَ، فهي دونَ السَّماعِ بالاتِّفاقِ فكيفَ إذا حَصَلَ فيها الاسْتِرْسَالُ المذكورُ؟
فإنَّها تَزْدَادُ ضَعْفًا لكِنَّها في الجُمْلَةِ خَيْرٌ من إيرادِ الحَدِيثِ مُعْضَلاً، واللهُ أَعْلَمُ.
وإلى هنا انتهى الكَلاَمُ في أقسامِ صِيَغِ الأداءِ.