(6)
(وَإِنْ) روَى عَن شيخٍ حَدِيثًا فَـ (جَحَدَ) الشَّيْخُ (مَرْوِيَّهُ) فإن كان (جَزْمًا) -كأنْ يقولَ: كذِبٌ عَلَيَّ أو ما رَوَيْتُ هَذَا أو نحوَ ذَلِكَ - فإنْ وقعَ منه ذَلِكَ (رُدَّ) ذَلِكَ الخبرُ لكذِبِ واحدٍ منهما لا بعَيْنِه، ولا يكونُ ذَلِكَ قادحًا في واحدٍ منهما للتَّعَارُضِ، (أو) كان جَحَدَه (احتمالاً) كأنَ يقولَ: ما أذكُرُ هَذَا أو لا أَعْرِفُه (قُبِلَ) ذَلِكَ الحَدِيثُ (في الأَصَحِّ) لأنَّ ذَلِكَ يُحْمَلُ على نِسْيَانِ الشَّيْخِ.
وقيل:
لا يُقْبَلُ؛ لأنَّ الفرْعَ تَبَعٌ للأصلِ في إثباتِ الحَدِيثِ، بحيثُ إذا ثَبَتَ أصلُ الحَدِيثِ ثَبَتَتْ رِوَايةُ الفرْعِ.
فكذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فرعًا عليهِ وتَبَعًا لهُ في التَّحْقِيقِ.
وهَذَا مُتَعَقَّبٌ بِأَنَّ عَدَالَةَ الفرْعِ تَقْتَضِي صِدْقَهُ، وعَدَمُ عِلْمِ الأَصْلِ لا يُنَافيهِ، فَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي.
وأَمَّا قياسُ ذَلِكَ بِالشَّهَادَةِ فَفَاسِدٌ؛ لأنَّ شَهَادَةَ الفرْعِ لا تُسْمَعُ معَ القُدرةِ على شَهادَةِ الأصلِ، بخلافِ الرِّوَايةِ فافْتَرَقَا.
(7)
(وَفيه) أي: في هَذَا النَّوْعِ صَنَّفَ الدَّارَقُطْنِيُّ، كتابَ (مَنْ حَدَّثَ وَنَسِيَ) وفيه ما يدُلُّ على تَقْوِيَةِ المذهبِ الصَّحِيحِ لكونِ كثيرٍ منهمْ حَدَّثُوا بِأَحَادِيثَ أولاً فلَمَّا عُرِضَتْ عَلَيْهِمْ لم يتذَكَّرُوها لكنَّهمْ لاعْتِمادِهمْ على الرُّوَاةِ عنهم صاروا يَرْوُونَها عَن الذين رَوَوْهَا عنهمْ عَن أنْفُسِهِمْ: كحَدِيثِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَن أبيه عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، مرفوعًا في قِصَّةِ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، قال عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ محمدٍ الدَّراوٍرْدِيُّ: حدَّثَني بهِ رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عبدِ الرَّحمنِ، عَن سُهَيْلٍ، قال: فَلَقِيتُ سُهَيْلاً فسأَلْتُهُ عنهُ فلم يَعْرِفْهُ.
فقلتُ: إنَّ ربيعةَ حدَّثَنِي عنكَ بكذا، فكان سُهَيْلٍ بعدَ ذَلِكَ يقولُ: حدَّثَنِي ربيعةُ عنِّي أَنِّي حَدَّثْتُهُ عَن أَبِي بهِ، ونَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ.