مَسألةٌ:
قَوْلُ التابِعِيِّ عن الصحابيِّ
في روايَةِ الحديثِ: (يَرْفَعُهُ) أوْ (يُنْمِيهِ) -، مِن الألفاظِ الصريحةِ في رفْعِ الحديثِ للنبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-، فكيفَ يَجْعَلُها ابنُ حَجَرٍ مِمَّا تُلْحِقُهُ بأنواعِ المرفوعِ حُكْماً؟
أقولُ: هذهِ المسألةُ فيها تفصيلٌ طويلٌ، والْمُهِمُّ أنَّ هذهِ الألفاظَ وَرَدَتْ في المرفوعِ حُكْماً، لا لأَجْلِ أنَّهُ فِعْلاً لهُ حُكْمُ الرفْعِ، ولكنَّهُ استِطْـرَادٌ في ما لم يُصَرَّحْ برَفْعِهِ للنبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-، فَقَالُوا: ومِمَّا يَكُونُ لهُ حُكْمُ الرفْعِ إذا ما قـالَ: (يَرْفَعُهُ). فالْمُتَصَدَّرُ بقولِهم: (يَرْفَعُهُ)؛ أيْ: إلى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-، فهذا يُعْتَبَرُ مَروفوعاً.
وإذا ما قالَ: (يُنْمِيهِ)؛ أيْ: يُنْمِيهِ إلى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-، فلَيْسَ المقصودُ أنَّهُ لم يَقُلْهُ الصحابيُّ، أوْ لم يَرْفَعْهُ الصحابيُّ إلى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-.
(1)
دِرَاسَةُ الْمَتْنِ:
الإسنادُ إمَّا أنْ يَنتهيَ إلى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-
تَصريحاً، أوْ حُكْماً مِنْ قولِهِ، أوْ فِعْلِهِ، أوْ تَصريحِهِ.
فمِثالُ التصريحِ: بالقولِ:
قَوْلُ عُمَرَ بنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عنهُ قالَ: قالَ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-: ((إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ)).
مِثالُ التصريحِ الفِعْلِيِّ:
قالَ ابنُ عمرَ -رَضِيَ اللَّهُ عنْهُما-: ((رَأَيْتُ رسولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- يُصَلِّي النافِلةَ على رَاحِلَتِهِ في السَّفَرِ)).
مِثالُ التصريحِ التَّقريريِّ:
حينَما يقولُ الصحابيُّ: إنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- قُدِّمَ إليهِ ضَبٌّ، فامْتَنَعَ عنْ أَكْلِهِ وقالَ:
((إِنَّهُ لا يُوجَدُ بِأَرْضِ قَوْمِي))، فأَكَلَهُ خالدُ بنُ الوليدِ وأُنَاسٌ معهُ، فأَقَرَّهُم النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ، ولم يُنْكِرْ عليهم أَكْلَهم للضَّبِّ.
المرفوعُ حُكْماً:
وهو ما لم يُصَرِّحْ فيهِ الصحابيُّ بتَلَقِّيهِ للحديثِ، سواءًٌ كانَ قَوْلاً أوْ فِعْلاً أوْ تَقريراً مِن النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-
، لكنْ عندَنا قَرَائِنُ اسْتَطَعْنَا مِنْ خلالِها أنْ نقولَ: إنَّ هذا الحديثَ لهُ حُكْمُ الرفْعِ.
مِثالُ المرفوعِ حُكْماً مِن القولِ:
حديثُ:
((يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))، الصَّوَابُ فيهِ أنَّهُ مِنْ قولِ ابنِ مسعودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عنهُ-، وهذا قولٌ ولم يُصَرِّحِ ابنُ مسعودٍ بأَخْذِهِ عن النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-.
مِثالُ المرفوعِ الْحُكْمِيِّ الفِعْلِيِّ:
حديثُ:
عَلِيِّ بنِ أبي طالبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عنهُ-، أنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- ((صَلَّى صلاةَ الكُسُوفِ، فرَكَعَ في كلِّ رَكعةٍ أرْبَعةَ رُكُوعَاتٍ))؛ فدَلَّ على أنَّهُ لا يُمْكِنُ أنْ يَصْدُرَ منهُ هذا الفعْلُ إلاَّ أنَّهُ قدْ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- يَفعلُهُ، ولوْ لم يَرَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- لَمَا اجْتَهَدَ في عِبادةٍ مِن العِباداتِ.
مِثالُ المرفوعِ الْحُكْمِيِّ التَّقريريِّ:
حديثُ: قولِ
أبي سعيدٍ، وجابرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما: ((كُنَّا نَعْزِلُ والقُرْآنُ يَنْزِلُ، ولوْ كانَ في ذلكَ نَهْيٌ لنُهِينَا)).
شُروطُ قَبولِ المرفوعِ الْحُكْمِيِّ:
1-
أنْ يكونَ الحديثُ ممَّا لا مَجالَ للرَّأْيِ فيهِ.
2-
أنْ يكونَ ذلكَ الصحابيُّ مِمَّ لم يُعْرَفْ بالأخْذِ عنْ أهْلِ الكتابِ.
فإذا وَجَدْنا الصحابيَّ لا يَأخُذُ مِنْ أهْلِ الكتابِ، وأَخْبَرَ عنْ أُمُورٍ غَيْبِيَّةٍ ماضيَةٍ مِنْ بَدْءِ الخلْقِ وأخبارِ الأنبياءِ، أوْ غَيْبِيَّةٍ آتيَةٍ كالمَلاحِمِ والفِتَنِ وأحوالِ يومِ القيامةِ وما بعدَهُ.
- أو أَخْبَرَ بفِعْلٍ يَحْصُلُ بهِ ثوابٌ مَخصوصٌ أوْ عِقابٌ مَخصوصٌ؛ كقولِ
عَمَّارٍ: ((مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يَشُكُّ النَّاسُ فيهِ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ))، هذا يَدُلُّ على أنَّهُ أخَذَ الحديثَ عن النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-.
أمَّا إنْ عُرِفَ أخْذُهُ مِن اليهودِ والنَّصَارَى؛ حيثُ إنَّ هناكَ بعضَ الصحابةِ تَسَمَّحُوا في المسألةِ؛ بقَولِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-: ((حَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا حَرَجَ)).
مِثالٌ:
عبدُ اللَّهِ بنُ عمرِو بنِ العاصِ -رَضِيَ اللَّهُ عنْهُما-، فإذا جاءَ عنهُ أمْرٌ غَيْبِيٌّ فهلْ نقولُ: لهُ حُكْمُ الرفْعِ؟
لا؛ لاحتمالِ أنْ يكونَ أخَذَهُ مِنْ أهْلِ الكتابِ، وبخاصَّةٍ أنَّهُ في غَزوةِ اليَرْمُوكِ عَثَرَ على زَامِلَتَيْنِ - (رَاحِلَتَيْنِ -) مَمْلُوءتيْنِ كُتُباً مِنْ أهْلِ الكتابِ، فأخَذَها وقَرَأَ منها وأَخَذَ يُحَدِّثُ الناسَ؛ ولذا نَجِدُ مِنْ كَلامِهِ أشياءَ يُلْمَسُ أنَّها مِن الإسرائِيلِيَّاتِ.
مثالُ ذلكَ:
قِصَّةُ (هَارُوتَ وَمَارُوتَ)، خُلاصَتُها أنَّ مَلَكَيْنِ أُنْزِلا إلى الأرضِ؛ لأنَّهُما سَخِرَا مِنْ بَنِي آدمَ، فوَاقَعَا امرأةً يُقالُ لها: الزُّهْرَةُ؛ فمُسِخَتِ الزُّهْرَةُ إلى كوكبٍ، والْمَلَكَانِ يُعَذَّبَانِ ببابلَ، وهما هارُوتُ ومَاروتُ.
- قالَ: ابنُ كثيرٍ: (الصوابُ أنَّها منْ الإسرائيليَّاتِ التي حَدَّثَ بها عبدُ اللَّهِ بنُ عمرٍو عنْ بَنِي إسرائيلَ).
أمَّا إنْ كانَ مِمَّنْ عُرِفَ أنَّهُ لا يَأْخُذُ مِنْ أهلِ الكتابِ، كعبدِ اللَّهِ بنِ مسعودٍ، فإنَّهُ كانَ يُحارِبُ رِوَايَاتِهم، ويَنْقُدُ الصحابةَ الذينَ يَأخذونَ منهم؛، فمِثلُهُ يُمْكِنُ أنْ نَقبلَ الأحاديثَ منهُ التي لها حُكْمُ الرفْعِ، ونَطْمَئِنَُّ أنَّهُ لم يَأْخُذْها عنْ أهلِ الكتابِ.
الحديثُ الموقوفُ على الصحابِيِّ:
إمَّا أنْ يكونَ الحديثُ الآتي عنهُ مِنْ قولِهِ، أوْ فِعْلِهِ، أوْ تقريرِهِ، وإنْ كانَ التقريرُ قدْ يَعْتَرِيهِ ما يَعْتَرِيهِ مِن الإِشْكَالِ.
مِثالُ القولِ:
ما أُثِرَ عنْ
عبدِ اللَّهِ بنِ عمرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عنهما-، أنَّهُ قالَ: ((يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَجْتَمِعُونَ وَيُصَلُّونَ فِي الْمَسَاجِدِ، وَلَيْسَ فِيهِمْ مُؤْمِنٌ)).
يَرِدُ إِشْكَالٌ: أنَّ هذا مِن الأُمُورِ الغَيْبِيَّةِ، فهلْ لهُ حُكْمُ الرفْعِ؟
نقولُ:
عبدُ اللَّهِ بنُ عمرِو بنِ العاصِ مِمَّنْ يَأْخُذُ عنْ أهلِ الكتابِ؛ فلا يكونُ لهُ حُكْمُ الرفْعِ.
مِثالُ الفعْلِ:
ما نُقِلَ عنْ
عَلِيِّ بنِ أبي طالبٍ، أنَّهُ ((صَلَّى الكُسوفَ أرْبَعةََ رُكُوعَاتٍ في كلِّ رَكْعَةٍ)) فهذا مِنْ فعْلِ الصحابيِّ، وبَيَّنَّا أنَّهُ لهُ حُكْمُ الرفْعِ.
مِثالُ الْمَوقوفِ التقريريِّ:
لوْ ذَكَرَ التابِعِيُّ أنَّهُم فَعَلُوا كذا، وكذا بحَضْرَةِ الصحابيِّ ولم يُنْكِرْ عليهم، وهذا أضعَفُ مِنْ سَابِقَيْهِ لاحتمالاتٍ ليسَ هذا مجالُ مجالَ ذِكْرِها.
تعريفُ الصحابِيِّ اصْطِلاحاً:
مَنْ لَقِيَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- وماتَ على الإسلامِ، ولوْ تَخَلَّلَتْ ذلكَ رِدَّةٌ على الأَصَحِّ.
ليسَ الْمُرادُ باللُّقِيِّ الرُّؤْيَةَ بالبَصَرِ، بلْ هوَ أَعَمُّ مِنْ ذلكَ؛ لأنَّ هناكَ صحابةً لا يُبْصِرُونَ مثلَ:
ابنِ أُمِّ مَكتومٍ -رَضِيَ اللَّهُ عنهُ-؛ لذا تَعْبِيرُ الحافظِ بِمَنْ لَقِيَ أفْضَلُ مِنْ قولِ بعضِهم: مَنْ رَأَى،؛ فالأوَّلُ أدَقُّ.
قولُهُ: (مُؤْمِناً بِهِ) قَيْدٌ مُهِمٌّ؛ لأنَّ هُناكَ مَنْ لَقِيَهُ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- في حالِ كُفْرِهِ، ثمَّ أَسْلَمَ بعدَ ذلكَ.
مِثالُهُ:
رَسُولُ هِرَقْلَ، كانَ قدْ بَعَثَهُ هِرَقْلُ إلى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- في تَبُوكٍ، وحديثُهُ مَوجودٌ في (مُسْنَدِ أحمَدَ)، فرسولُ هِرَقْلَ لَقِيَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- في حالِ كُفْرِهِ، ثمَّ أَسْلَمَ وسَكَنَ الشامَ، فكانَ إسلامُهُ بعدَ وَفاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-، فأصبَحَ يُحَدِّثُ بقِصَّتِهِ معَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-، فمِثْلُ هذا لا يُعْتَبَرُ صحابيًّا؛ لأنَّهُ حينَما لَقِيَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- ورَآهُ لم يكُنْ مؤْمِناً بهِ في ذلكَ الحينِ، بلْ يُعْتَبَرُ تابِعيًّا.
قولُهُ: (وماتَ على الإسلامِ) فلوْ لَقِيَهُ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- مؤمناً بهِ، ثمَّ ارْتَدَّ وماتَ على كُفْرِهِ لم يُعَدَّ صَحَابِيًّا، مثالُهُ:عُبَيْدُ اللَّهِ بنُ جَحْشٍ، كانَ مِن المُهَاجِرِينَ إلى الحبشةِ، ثمَّ ارْتَدَّ هناكَ وتَنَصَّرَ.
وقولُهُ: (ولوْ تَخَلَّلَتْ رِدَّةٌ في الأَصَحِّ) لأنَّ هناكَ رَجُلاً لَقِيَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- مُؤْمِناً بهِ، ثمَّ ارْتَدَّ، ثمَّ رَجَعَ إلى إسلامِهِ، فمِثْلُ هذا يُعْتَبَرُ صَحَابيًّا، وهناكَ مَنْ نازَعَ في هذا.
مثالُهُ:
الأشعَثُ بنُ قَيْسٍ
-رَضِيَ اللَّهُ عنهُ؛ ارْتَدَّ ثمَّ أَسْلَمَ وحَسُنَ إسلامُهُ، فهوَ صَحَابِيٌّ ولم يُنْكِرْ أحَدٌ أنَّهُ مِن الصحابةِ.
تنبيهٌ:
الصحابةُ على دَرجاتٍ:
1-
منهم مَنْ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- مَرَّةً واحدةً، فنَقَلَ حديثاً، ثمَّ رَجَعَ إلى قومِهِ.
2-
ومِنهم مَنْ لازَمَهُ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- فَطَالَتْ مُلازَمَتُهُ لهُ.
3-
ومِنهم مَنْ أَبْصَرَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- ورَآهُ، ولم يَحْمِلْ عنهُ أيَّ شيءٍ مِن الحديثِ.
فالقِسمانِ الأَوَّلانِ، يُرَكِّزُ عليهما العُلماءُ، ويَقْبَلُونَ حديثَهم، أمَّا صِغارُ الصحابةِ، وهم مَنْ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- ولم يَتَمَلَّ عنهُ شيئاً مِن الحديثِ، فهؤلاءِ لهم فَضْلٌُ وشَرَفُ الصُّحْبَةِ، أمَّا مِنْ حيثُ الروايةِ الروايَةُ فأحاديثُهم مُرْسَلَةٌ؛ لأنَّهُم لم يَأْخُذُوهَا عن النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-، وإنَّما يُحْتَمَلُ يَحْتَمِلُ أنَّهُم أَخَذُوها عنْ صحابيٍّ، أوْ أَخَذُوها عنْ تابِعِيٍّ أخَذَها عنْ صَحَابِيٍّ.
حُكْمُ حَدِيثِ صِغارِ الصحابةِ:
أمَّا حُكْمُ حَدِيثِ صِغارِ الصحابةِ:
فحُكْمُها حُكْمُ حَدِيثِ كِبارِ التابعينَ.
أ-
فمَنْ قَبِلَ حَدِيثَ كِبارِ التابعينَ على الإطلاقِ
، بأبي كأبي حَنيفةَ، ومالِكٍ فهوَ يَقْبَلُ حَدِيثَ هذا الصِّنْفِ.
ب-
مَنْ رَدَّ أحاديثَ كِبارِ التابعينَ فهوَ يَرُدُّ حَدِيثَ هؤلاءِ.
ج_
مَنْ قَبِلَها بشُروطٍ فهوَ يَقْبَلُ أحاديثَ هؤلاءِ بشُروطٍ أيضاً.
وصِغارُ الصحابةِ يَختلفُونَ:
1-
مِنهم مَنْ كانَ رَضِيعاً في وقتِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-، مثلُ: محمَّدِ بنِ أبي بكرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عنهُ-، فقدْ تُوُفِّيَ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- ولهُ ثلاثةُ أَشْهُرٍ، وقدْ جِيءَ بهِ إلى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- ليُحَنِّكَهُ فبَالَ في حِجْرِهِ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-، فهوَ لا يَتذكَّرُ صُورةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ، لكنَّ هاتَيْنِ العَيْنَيْنِ اللَّتَيْنِ رَأَتَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- حقيقةً يُقَدِّرُ الناسُ لهما ما حَظِيَتَا بهِ مِنْ رُؤْيَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-، فيقُولُونَ: هذا يُعْتَبَرُ صحابيًّا ولوْ لم يَقُلْ شيئاً عن النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-.
2-
هناكَ صِنْفٌ رَأَوُا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-، ويَتَذَكَّرُونَ صِفتَهُ، مثلُ محمودِ بنِ الربيعِ -رَضِيَ اللَّهُ عنهُ- حينَما يقولُ: ((عَقَلْتُ عن النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- مَجَّةً مَجَّهَا فِي وَجْهِي)).
كانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- مِنْ حُسْنِ خُلُقِهِ يُدَاعِبُ الأطفالَ، وكانَ في فَمِهِ ماءٌ فمَجَّهُ على وَجْهِ محمودِ بنِ الربيعِ -رَضِيَ اللَّهُ عنهُ..
فهذا ما يَتَذَكَّرُهُ عن النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-. فهذا الصِّنْفُ باعترافِهِ لم يَنْقُلْ شيئاً عن النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-، فإذاً رِوَايتُهُ عن النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- تُعْتَبَرُ مُرْسَلَةً، لكنَّ مَراسيلَهم تُعْتَبَرُ مِن الْمَراسيلِ التي الكلامُ فيها أقَلُّ مِنْ غيرِهم.. أمَّا عدالتُهم فلا نَبْحَثُ فيها، فَهُمْ عُدولٌ بتَعديلِ اللَّهِ تعالى ورسولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- لهم.
تَنبيهٌ ثانٍ:
كيفَ نَعْرِفُ بأنَّ الرجلَ صحابِيٌّ؟
بِأَحَدِ الأمورِ الآتيَةِ:
1-
التَّوَاتُرُ، فَهَلْ يُشْكِلُ على أحَدٌٍ أنَّ أبا بكرٍ وعمرَ -رَضِيَ اللَّهُ عنهما- مِن الصَّحابةِ؟! لا.
2- الشُّهرةُ والاستفاضةُ
مِنْ خلالِ بعضِ الأمورِ.
مِثالُهُ:
1-
ضِمامُ بنُ ثَعلبةَ -رَضِيَ اللَّهُ عنهُ-، اشْتَهَرَ اشْتُهِرَ بحديثِ: قُدُومِهِ على النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-.
2-
عُكَّاشَةُ بنُ مُحْصِنٍ -رَضِيَ اللَّهُ عنهُ-، ذَهَبَتْ قِصَّتُهُ مَثَلاً.
3-
وُرُودُ ذلكَ صراحةً في حَدِيثٍ صريحٍ، كأنْ يكونَ في حَدِيثٍ مِن الأحاديثِ أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- جاءهُ فُلانُ ابنُ فُلانٍ، أوْ يكونَ لذلكَ الحديثِ إسنادٌ مُتَّصِلٌ إلى رجُلٍ يُخْبِرُ أنَّ فُلاناً مِن الناسِ مِن الذينَ اسْتُشْهِدُوا معَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-، أوْ أيُّ إِخْبَارٍ بطريقةٍ ما بأنَّ هذا الشخْصَ أوْ ذاكَ ثَبَتَتْ لهُ الصُّحْبَةُ.
4-
التَّنصيصُ مِن التابعيِّ على أنَّ فُلاناً صحابِيٌّ، وهذا يكونُ بقولِهِ، كأنْ يقولَ: سَمِعْتُ أحَدَ أصحابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-، وهوَ فُلانُ ابنُ فُلانٍ.
5-
أنْ يَنُصَّ هوَ بنفْسِهِ على لُقِيِّهِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-
، كأنْ يقولَ: سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- يقولُ كَذَا وَكَذَا، أوْ يقولَ: إنَّنِي مِن الناسِ الذينَ صَحِبُوا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-، ولكن هذا يُشْرَطُ لهُ شُروطٌ:
أ-
أنْ يكونَ عَدْلاً في نَفْسِهِ.
ب-
أنْ تَكونَ دَعْوَاهُ مُمْكِنَةٌ، فإنِ ادَّعَى هذهِ الدَّعْوَى قَبْلَ سَنةِ 110هـ فهذا مُمْكِنٌ، وإنِ ادَّعَاهَا بعدَها فدَعواهُ مَردودةٌ عليهِ؛ لأنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- أَخْبَرَ في آخِرِ حياتِهِ فَقَالَ: ((أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ؟
فَإِنَّ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لا يَبْقَى مِمَّنْ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ)). وهذا أَقْوَى الْحُجَجِ على مَنْ يَدَّعِي حياةَ الْخِضْرِ؛ كالصُّوفِيَّةِ الذي يَدَّعِي الواحدُ منهم أنَّهُ لَقِيَ الْخَضِرَ وشَافَهَهُ!!
1-
خَرَجَ رَجُلٌ هِنْدِيٌّ في القرْنِ السادسِ يُقالُ لهُ: رَتَنٌ، يَزْعُمُ أنَّهُ مِمَّنْ صَحِبَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-، وأنَّهُ عُمِّرَ حتَّى هذا التاريخِ، فأَحْدَثَ اضْطِرَاباً في هذا، فرَدَّ عليهِ العُلماءُ في عَصْرِهِ وبَعْدَ وَفاتِهِ، ومِنهم الحافِظُ الذَّهَبِيُّ لهُ كتابٌ بعُنوانِ: (كَسْرُ وَثَنِ رَتَنٍ).
المقطوعُ على التابِعِيِّ:
والتابِعِيُّ: هوَ مَنْ لَقِيَ الصحابيَّ مُسْلِماً ولوْ مَرَّةً واحدةً على الأَصَحِّ وماتَ على ذلكَ، ولوْ تَخَلَّلَتْ ذلكَ رِدَّةٌ على الأَصَحِّ.
تَوَسَّعَ الحافِظُ
الذَّهَبِيُّ فجَعَلَ مَنْ أَدْرَكَ الصحابةَ، ولوْ لم يَرَهُمْ، في طَبقةِ التابعينَ ويُنَبِّهُ على هذا، لكنَّهُ يَعُدُّهم مِن التابعينَ لأَجْلِ مَسألةِ المُعَاصَرَةِ، مِثلُ ابنِ جُرَيْجٍ وعبدِ اللَّهِ بنِ طَاوُسٍ وأبي حَنيفةَ، فيَنُصُّ على أنَّهُم ليسَ لهم رِوايَةٌ عن الصحابةِ.
الْمُخَضْرَمُونَ:
والْمُخَضْرَمُ:
هوَ مَنْ عاشَ في الجاهلِيَّةِ، وأَدْرَكَ زمَنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- وأَسْلَمَ ولم يَرَهُ.
هناكَ بَعْضُ مَنْ صَنَّفَ في الصحابةِ:
- مِثلُ: كتابِ
(مَعْرِفَةُ الصحابةِ)لأَبِي نُعَيْمٍ.
- و(
الاسْتِيعَابُ) لابنِ عبدِ الْبَرِّ.
- و
(أُسْدُ الْغَابَةِ) لابنِ الأثيرِ.
- و(الإِصَابَةُ)لابنِ حَجَرٍ؛ هؤلاءِ ذَكَرُوا الْمُخَضْرَمِينَ في كُتُبِهم.
- فابنُ عبدِ الْبَرِّ ذَكَرَ الْمُخَضْرَمِينَ في كتابِهِ، ونَبَّهَ أنَّهُ ذَكَرَهم لِمُقَارَبَةِ طَبَقَتِهم طَبَقَةَ الصُّحْبَةِ.
وابنُ حَجَرٍ
حينَما صَنَّفَ (الإِصَابَةُ) أَبْدَعَ إبداعاً جَيِّداً في تَرتيبِ كِتابِهِ.
فالقِسْمُ الأَوَّلُ:
جعَلَهُ فيمَنْ ثَبَتَ بطريقِ النصِّ أنَّهُم لَقُوُا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-.
القِسمُ الثاني:
في صِغارِ الصحابةِ الذينَ ماتَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- وهم دُونَ التمييزِ.
القِسمُ الثالثُ:
جَعَلَهُ في الْمُخَضْرَمِينَ.
والقِسمُ الرابعُ:
لِمَنْ ذُكِرَ في الكُتُبِ الْمُؤَلَّفَةِ في الصحابةِ على سبيلِ الوَهْمِ والخطأِ.
فإذا انتهَى الحديثُ إلى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- فهوَ المرفوعُ، فإذا وَجَدْنَا في (عِلَلِ الدَّارَقُطْنِيِّ): هذا الحديثَ الحديثُ اخْتُلِفَ فيهِ على فُلانٍ، فوَقَفَهُ فُلانٌ ورَفَعَهُ فُلانٌ،. فكَلِمَةُ رَفَعَهُ فُلانٌ؛ أيْ: أَضَافَهُ إلى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-، وقولُهُ: وَقَفَهُ فُلانٌ، جَعَلَهُ مِنْ قَولِ الصحابِيِّ.
فإذا انْتَهَى إلى التابِعِيِّ فهوَ الْمَقطوعُ،
وكذا مَنْ دُونَ التابِعِيِّ إذا انْتَهَى إليهِ قِيلَ: مَقطوعٌ.
يَصِحُّ أنْ نَقولَ: مَوقوفٌ على الْحَسَنِ البَصْرِيِّ مَثَلاً، إذا قَيَّدْنَاهُ على التابِعِيِّ، فيَصِحُّ أنْ نَسْتَعْمِلَ لَفظةَ الوُقوفِ.
الأَثَــرُ:
1- قِيلَ:
هوَ مُرَادِفٌ لِلحديثِ.
2- قِيلَ:
ما يُرْوَى عن الصحابةِ والتابعينَ،
وهوَ الذي يُسْتَعْمَلُ كثيراً، وأَكَّدَ على هذا أهْلُ خُرَاسَانَ، فيُطْلِقُونَ الأَثَرَ على ما يُرْوَى عن الصحابةِ والتابعينَ.