دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > اختصار علوم الحديث

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 6 ذو الحجة 1429هـ/4-12-2008م, 10:13 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي رواية الحديث بالمعنى، واختصار الحديث، والاقتصار على بعض كلماته

فرع آخر: وأما رِوايَةُ الحَدِيثِ بالمَعْنَى فإِنْ كَانَ الرَّاوِي غَيْرَ عَالِمٍ ولا عَارِفٍ بما يُحِيلُ المَعْنَى، فلا خِلافَ أَنَّهُ لا تَجُوزُ له رِوَايَتُه الحديثَ بهذه الصِّفَةِ.
وأما إِنْ كَانَ عَالِمًا بذَلِكَ بَصِيرًا بالأَلفَاظِ ومَدْلُولاتِهَا. وبالمُتَرَادِفِ مِنَ الأَلفَاظِ ونَحْوِ ذَلِكَ، فقَدْ جَوَّزَ ذلكَ جُمهورُ الناسِ سَلفًا وخَلَفًا، وعليهِ العَمَلُ كمَا هُو المُشَاهَدُ في الأحاديثِ الصِّحَاحِ وغَيرِها. فإنَّ الوَاقِعَةَ تَكُونُ وَاحِدَةً، وتَجِيءُ بألفاظٍ مُتعدِّدَةٍ مِن وُجوهٍ مُختلِفَةٍ مُتبايِنَةٍ، ولَمَّا كانَ هذا قد يُوقِعُ فِي تَغْييرِ بَعْضِ الأحاديثِ مَنَعَ مِنَ الروايةِ بالمَعْنَى طَائِفَةٌ آخَرُونَ مِنَ المُحَدِّثِينَ والفُقَهاءِ والأُصُولِيِّينَ، وشَدَّدُوا في ذلك آكَدَ التَّشْديدِ، وكان يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هذا هو الوَاقِعَ، ولَكِنْ لم يَتَّفِقْ ذَلِكَ -واللهُ أَعْلَمُ-.
وقد كانَ ابنُ مَسْعُودٍ وأَبُو الدَّرْداءِ وَأَنَسٌ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- يَقُولُونَ: إذا رَوَوُا الحَدِيثَ: (أو نَحْوَ هَذا)، (أو شِبْهَهُ)، (أو قَرِيبًا منه).
فرعٌ آخَرُ: وهل يَجُوزُ اختِصارُ الحديثِ فيَحْذِفَ بَعْضَهُ؟ إذا لم يَكُنِ المَحْذُوفُ متُعلِّقًا بالمَذْكُورِ؟ على قولَيْنِ: فالذي عليه صَنِيعُ أَبِي عَبْدِ اللهِ البُخَارِيِّ اختِصَارُ الأحاديثِ في كَثِيرٍ مِنَ الأَماكِنِ.
وأما مُسلِمٌ فإنه يَسُوقُ الحديثَ بتَمامِهِ ولا يَقْطَعُه؛ ولهذا رَجَّحَهُ كَثِيرٌ مِنْ حُفَّاظِ المَغَارِبَةِ، واستَرْوَحَ إلى شَرْحِه آخَرُونَ؛ لِسُهولَةِ ذَلِكَ بالنسبةِ إلى صَحِيحِ البُخارِيِّ وتَفرِيقِهِ الحديثَ في أَماكِنَ مُتعدِّدَةٍ بحَسَبِ حَاجَتِه إليه، وعلى هَذا المَذْهَبِ جُمهورُ الناسِ قَدِيمًا وحَدِيثًا.
قال ابنُ الحاجِبِ في مُخْتَصَرِهِ:
(مَسْأَلةٌ) حَذْفُ بَعْضِ الخَبَرِ جَائِزٌ عِندَ الأَكْثَرِ إلا في الغايَةِ والاستثناءِ ونَحْوِه، أما إذا حَذَفَ الزِّيَادَةَ لكَوْنِهِ شَكَّ فيها فهذا سائِغٌ. كَانَ مَالِكٌ يَفْعَلُ ذَلِكَ كثيرًا، بل كانَ يَقْطَعُ إِسنادَ الحَدِيثِ إذا شَكَّ في وَصْلِه. وقال مجاهِدٌ: (انْقُصِ الحَدِيثَ ولا تَزِدْ فِيهِ).


  #2  
قديم 8 ذو الحجة 1429هـ/6-12-2008م, 10:30 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الباعث الحثيث للشيخ: أحمد شاكر

(فرعٌ آخَرُ): وأما رِوايَةُ الحَدِيثِ بالمَعْنَى فإِنْ كَانَ الرَّاوِي غَيْرَ عَالِمٍ ولا عَارِفٍ بما يُحِيلُ المَعْنَى، فلا خِلافَ أَنَّهُ لا تَجُوزُ له رِوَايَتُه الحديثَ بهذه الصِّفَةِ.
وأما إِنْ كَانَ عَالِمًا بذَلِكَ بَصِيرًا بالأَلْفَاظِ ومَدْلُولاتِهَا. وبالمُتَرَادِفِ مِنَ الأَلْفَاظِ ونَحْوِ ذَلِكَ، فقَدْ جَوَّزَ ذلكَ جُمهورُ الناسِ سَلفًا وخَلَفًا، وعليهِ العَمَلُ كمَا هُو المُشَاهَدُ في الأحاديثِ الصِّحَاحِ وغَيرِها. فإنَّ الوَاقِعَةَ تَكُونُ وَاحِدَةً، وتَجِيءُ بألفاظٍ مُتعدِّدَةٍ مِن وُجوهٍ مُختلِفَةٍ مُتبايِنَةٍ، ولَمَّا كانَ هذا قد يُوقِعُ فِي تَغْييرِ بَعْضِ الأحاديثِ مَنَعَ مِنَ الروايةِ بالمَعْنَى طَائِفَةٌ آخَرُونَ مِنَ المُحَدِّثِينَ والفُقَهاءِ والأُصُولِيِّينَ، وشَدَّدُوا في ذلك آكَدَ التَّشْديدِ، وكان يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هذا هو الوَاقِعَ، ولَكِنْ لم يَتَّفِقْ ذَلِكَ -واللهُ أَعْلَمُ-.
وقد كانَ ابنُ مَسْعُودٍ وأَبُو الدَّرْداءِ وَأَنَسٌ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- يَقُولُونَ: إذا رَوَوُا الحَدِيثَ: "أو نَحْوَ هَذا"، "أو شِبْهَهُ"، "أو قَرِيبًا منه"[1].
فرعٌ آخَرُ: وهل يَجُوزُ اختِصارُ الحديثِ فيَحْذِفَ بَعْضَهُ؟ إذا لم يَكُنِ المَحْذُوفُ متُعلِّقًا بالمَذْكُورِ؟ على قولَيْنِ: فالذي عليه صَنِيعُ أَبِي عَبْدِ اللهِ البُخَارِيِّ اختِصَارُ الأحاديثِ في كَثِيرٍ مِنَ الأَماكِنِ.
وأما مُسلِمٌ فإنه يَسُوقُ الحديثَ بتَمامِهِ ولا يَقْطَعُه؛ ولهذا رَجَّحَهُ كَثِيرٌ مِنْ حُفَّاظِ المَغَارِبَةِ، واستَرْوَحَ إلى شَرْحِه آخَرُونَ؛ لِسُهولَةِ ذَلِكَ بالنسبةِ إلى صَحِيحِ البُخارِيِّ وتَفرِيقِهِ الحديثَ في أَماكِنَ مُتعدِّدَةٍ بحَسَبِ حَاجَتِه إليه، وعلى هَذا المَذْهَبِ جُمهورُ الناسِ قَدِيمًا وحَدِيثًا[2].
قال ابنُ الحاجِبِ في مُخْتَصَرِهِ:
(مَسْأَلةٌ) حَذْفُ بَعْضِ الخَبَرِ جَائِزٌ عِندَ الأَكْثَرِ إلا في الغايَةِ والاستثناءِ ونَحْوِه، أما إذا حَذَفَ الزِّيَادَةَ لكَوْنِهِ شَكَّ فيها فهذا سائِغٌ. كَانَ مَالِكٌ يَفْعَلُ ذَلِكَ كثيرًا، بل كانَ يَقْطَعُ إِسنادَ الحَدِيثِ إذا شَكَّ في وَصْلِه. وقال مجاهِدٌ: انْقُصِ الحَدِيثَ ولا تَزِدْ فِيهِ.



[1] اتفق العلماء على أن الراوي إذا لم يكن عالما بالألفاظ ومدلولاتها ومقاصدها، ولا خبيرا بما يحيل معانيها، ولا بصيرا بمقادير التفاوت بينها- لم نجز له رواية ما سمعه بالمعنى، بل يجب أن يحكي اللفظ الذي سمعه من غير تصرف فيه. هكذا نقل ابن الصلاح والنووي وغيرهما الاتفاق عليه.
ثم اختلفوا في جواز الرواية بالمعنى للعارف العالم:
فمنعها أيضًا كثير من العلماء بالحديث والفقه والأصول.
وبعضهم قيد المنع بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم المرفوعة، وأجازها فيما سواه. وهو قول مالك، رواه عنه البيهقي في المدخل، وروى عنه أيضًا أنه كان يتحفظ من الباء والياء والتاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبه قال الخليل بن أحمد. واستدل له بحديث: (رب مبلغ أوعى من سامع). فإذا رواه بالمعنى فقد أزاله عن موضعه ومعرفة ما فيه.
وذهب بعضهم إلى جواز تغيير كلمة بمرادفها فقط.
وذهب آخرون إلى جوازها إن أوجب الخبر اعتقادًا وإلى منعها إن أوجب عملا.
وقال بعضهم بجوازها إذا نسي اللفظ وتذكر المعنى، لأنه وجب عليه التبليغ، وتحمل اللفظ والمعنى، وعجز عن أداء أحدهما، فيلزمه أداء الآخر.
وعكس بعضهم: فأجازها لمن حفظ اللفظ، ليتمكن من التصرف فيه، دون من نسيه، والأقوال الثلاثة الأخيرة خيالية في نظري.
وجزم القاضي أبو بكر العربي بأنه إنما يجوز ذلك للصحابة دون غيرهم. قال في أحكام القرآن (ج1 ص10): (إن هذا الخلاف إنما يكون في عصر الصحابة ومنهم. وأما من سواهم فلا يجوز لهم تبديل اللفظ بالمعنى، وإن استوفى ذلك المعنى فإنا لو جوزناه لكل أحد لما كنا على ثقة من الأخذ بالحديث، إذ كل أحد إلى زماننا هذا قد بدل ما نقل، وجعل الحرف بدل الحرف فيما رآه، فيكون خروجا من الأخبار بالجملة. والصحابة بخلاف ذاك، فإنهم اجتمع فيهم أمران عظيمان: أحدهما الفصاحة والبلاغة، إذ جبلتهم عربية، ولغتهم سليقة.
الثاني: أنهم شاهدوا قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله، فأفادتهم المشاهدة عقل المعنى جملة، واستيفاء المقصد كله. وليس من أخبر كمن عاين. ألا تراهم يقولون في كل حديث: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا) و(نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كذا)، ولا يذكرون لفظه؟ وكان ذلك خبرًا صحيحًا، ونقلا لازما. وهذا لا ينبغي أن يستريب فيه منصف لبيانه).
وقال ابن الصلاح (ص189): (ومنعه بعضهم في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجازه في غيره. والأصح جواز ذلك في الجميع، إذا كان عالما بما وصفناه قاطعًا بأنه أدى معنى اللفظ الذي بلغه؛ لأن ذلك هو الذي تشهد به أحوال الصحابة والسلف الأولين. وكثيرا ما كانوا ينقلون معنى واحدا بألفاظ مختلفة. وما ذلك إلا لأن معولهم كان على المعنى دون اللفظ. ثم إن هذا الخلاف لا نراه جاريا ولا أجراه الناس -فيما نعلم- فيما تضمنته بطون الكتب. فليس لأحد أن يغير لفظ شيء من كتاب مصنف ويثبت بدله فيه لفظًا آخر بمعناه فإن الرواية بالمعنى رخص فيها من رخص، لما كان عليهم في ضبط الألفاظ والجمود عليهم من الحرج والنصب، وذلك غير موجود فيما اشتملت عليه بطون الأوراق والكتب؛ ولأنه إن ملك تغيير اللفظ، فليس يملك تغيير تصنيف غيره).
واقرأ في هذا الموضوع بحثا نفيسًا للإمام الحافظ ابن حزم، في كتابه: (الإحكام في أصول الأحكام). (ج2 ص86- 90).
وقد استوفى الأقوال وأدلتها شيخنا العلامة الشيخ طاهر الجزائري، رحمه الله في كتابه (توجيه النظر). (ص 298 ص214).
وبعد: فإن هذا الخلاف لا طائل تحته الآن، فقد استقر القول في العصور الأخيرة على منع الرواية بالمعنى عملا، وإن أخذ بعض العلماء بالجواز نظرا. قال القاضي عياض: (ينبغي سد باب الرواية بالمعنى، لئلا يتسلط من لا يحسن، ممن يظن أنه يحسن، كما وقع للرواة قديما وحديثا).
والمتتبع للأحاديث يجد أن الصحابة -أو أكثرهم- كانوا يروون بالمعنى، ويعبرون عنه في كثير من الأحاديث بعباراتهم، وأن كثيرا منهم حرص على اللفظ النبوي، خصوصا فيما يتعبد بلفظه، كالتشهد، والصلاة، وجوامع الكلم الرائعة، وتصرفوا في وصف الأفعال والأحوال وما إلى ذلك.
وكذلك نجد التابعين حرصوا على اللفظ، وإن اختلفت ألفاظهم، فإنما مرجع ذلك إلى قوة الحفظ وضعفه. ولكنهم أهل فصاحة وبلاغة، وقد سمعوا ممن شهد أحوال النبي صلى الله عليه وسلم وسمع ألفاظه.
وأما من بعدهم، فإن التساهل عندهم في الحرص على الألفاظ قليل، بل أكثرهم يحدث بمثل ما سمع، ولذلك ذهب بن مالك -النحوي الكبير- إلى الاحتجاج بما ورد في الأحاديث على قواعد النحو واتخذها شواهد كشواهد الشعر، وإن أبى ذلك أبو حيان رحمه الله. والحق ما اختاره ابن مالك.
وأما الآن، فلن ترى عالما يجيز لأحد أن يروي الحديث بالمعنى. إلا على وجه التحدث في المجالس. وأما الاحتجاج وإيراد الأحاديث رواية فلا.
ثم إن الراوي ينبغي له أن يقول عقب رواية الحديث: (أو كما قال) أو كلمة تؤدي هذا المعنى، احتياطًا في الرواية. خشية أن يكون الحديث مرويًّا بالمعنى. وكذلك ينبغي له هذا إذا وقع في نفسه شك في لفظ ما يرويه؛ ليبرأ من عهدته.

[2] أي على جواز اختصار الحديث، وعليه عمل الأئمة. والمفهوم أن هذا إذا كان الخبر واردا بروايات أخرى تاما، وأما إذا لم يرد تامًّا من طريق أخرى فلا يجوز، لأنه كتمان لما وجب إبلاغه.
إذا كان الراوي موضحا للتهمة في روايته فينبغي له أن يحذر اختصار الحديث بعد أن يرويه تاما، لئلا يتهم بأنه زاد في الأول ما لم يسمع. أو أخطأ بنسيان ما سمع. وكذلك إذا رواه مختصرًا وخشي التهمة: فينبغي له أن لا يرويه تاما بعد ذلك.


  #3  
قديم 8 ذو الحجة 1429هـ/6-12-2008م, 10:30 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح اختصار علوم الحديث للشيخ: عبد الكريم الخضير (مفرغ)


  #4  
قديم 8 ذو الحجة 1429هـ/6-12-2008م, 10:33 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح اختصار علوم الحديث للشيخ: إبراهيم اللاحم (مفرغ)

القارئ: فرع آخر: وأما روايته الحديث بالمعنى، فإذا كان الراوي غير عالم ولا عارف بما يحيل المعنى، فلا خلاف أنه لا تجوز له روايته الحديث في هذه الصفة، وأما إن كان عالما بذلك، بصيرا بالألفاظ ومدلولاتها، وبالمترادف من الألفاظ، ونحو ذلك، فقد جوز ذلك جمهور الناس سلفا وخلفا، وعليه العمل،كما هو للشاهد في الأحاديث الصحاح وغيرها؛ فإن الواقعة تكون واحدة وتجيء بألفاظ متعددة من وجوه مختلفة متباينة.
ولما كان هذا قد يوقع في تغيير بعض الأحاديث منع من الرواية بالمعنى طائفة آخرون من المحدثين والفقهاء والأصوليين، وشددوا في ذلك آكد التشديد، وكان ينبغي أن يكون هذا هو الواقع، ولكن لم يتفق ذلك. والله أعلم.
وقد كان ابن مسعود،وأبو الدرداء، وأنس رضي الله عنهم يقولون إذا رووا الحديث: أو نحو هذا، أو شبه هذا، أو قريبا منه.
الشيخ: هذا المتعلق بالرواية بالمعنى، وهو فرع جليل، ونحتاج إليه في علم السنة، وممن تكلم عليه كثيرا الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في الرسالة، عقد فصلا لارتكاز الرواية بالمعنى، ذكر ابن كثير رحمه الله تعالى قضيتين فيه:
القضية الأولى: حكم الرواية بالمعنى، وقال حكم الرواية بالمعنى وذكر أنها جائزة بشرط،أو يجوز أن يروي الراوي الحديث بالمعنى بشرط أن يكون عالما بالمعنى يعني أنه إذا حدث بالمعنى أتى بالمعنى على الوجه الصحيح، وذكر أن هذا هو الذي عليه جمهور العلماء، وأن هذا هو الواقع، لا مفر لنا منه، فالناظر في الأحاديث الصحيحة وفي اختلاف طرقها، وفي ألفاظها، لا يتخالجه شك أن الرواية بالمعنى كانت هي السائدة، ودائما نحن نقول: التعامل ينبغي أن يكون مع ما هو مفروض، مفترض، أو مع ما هو واقع؟
دائما نقول: مع ما هو واقع، وذكر ابن كثير رحمه الله أن بعض العلماء شددوا في الرواية بالمعنى آكد التشديد، ومنهم من الصحابة رضوان الله عليهم ابن عمر، فكان يرد على التلميذ إذا قدم أو أخر بين لفظين، وهذا معروف عنه، موجود عنه في أحاديث صحيحة أنه إذا قدم بين لفظين أو غير أيضا كما في قصته مع عبيد بن عمير قاص أهل مكة، وله أخبار في ذلك، وكذلك محمد بن سيرين وجماعة من التابعين، شددوا وطالبوا أن تكون الرواية بالألفاظ.
يقول ابن كثير – هذه القضية الثانية-: كان ينبغي أن يكون هذا هو الواقع. وهذا لا إشكال فيه، ولكن المطالبة في هذا كما نقول: إنها من التكليف فيما لا يطاق أن نكلف الرواة ألا يروون الأحاديث إلا بألفاظهم، كرواية القرآن، هذا من التكليف بما لا يطاق، ولا سيما في العصور الأولى حين كان الاعتماد على الكتابة أو على المشافهة ؟
على المشافهة، فلا مفر من التعامل مع الرواية بالمعنى، لا مفر من هذا، إذن كيف نتعامل مع الرواية بالمعنى؟ المهم هو أنه كيف نتعامل مع الرواية بالمعنى ؟ وهذا الموضوع هو الذي نسميه نحن اختلاف عرف فيما بعد بالاختلاف بين الرواة في المتون، لا بد، وهذا تعب فيه الأئمة رحمهم الله تعالى، تعبوا تعبا شديدا في المقارنة، كما قارنوا بين الأسانيد أيضا، قارنوا بين المتون.
من المقارنة هذه يعرف من أجاد في روايته للحديث بمعناه، ومن أبعد في فهم المعنى مثلا الرواية بالمعنى حديث معروف، حديث أسامة بن زيد،أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم)). رواه هشيم بن بشير، ما حفظ جيدا من شيخه الزهري فرواه بمعناه فقال: (لا يتوارث أهل ملتين شتى) فرق بين الحديثين؛ الحديث الأول خاص بين الكافر والمسلم، والثاني عام في أهل كل ملتين.
فيقول العلماء رحمهم الله: إن هشيما رواه بالمعنى. المعنى قريب أو بعيد الآن ؟
بعيد، ويحكمون على روايته الآن بأنها خطأ، بأنه رواه بالمعنى، فأبعد، أحال معناه.
ومثله حديث جابر:"قربت للنبي صلى الله عليه وسلم" معنى الحديث؛ لأنه روي بألفاظ مختلفة: أنه قرب للنبي صلى الله عليه وسلم طعاما فيه لحم شاة، فأكل منه، ثم توضأ، أو صلى الظهر، ثم رجع إلى طعامه، فأكل منه، ثم صلى العصر ولم يتوضأ.
هذه القصة بهذه الصورة، رواه شعيب بن أبي حمزة، عن ابن المنكدر، عن جابر قال: "كان آخر الأمرين من رسول الله ترك الوضوء مما مسته النار" الآن رواه بالمعنى وجعله بهذه الصورة، فقال أبو داود وأبو حاتم: إن هذا الحديث مختصر من قصة الشاة فأبعد في فهم الحديث، فالعلماء رحمهم الله تعالى تسامحوا كثيرا في فهم المعنى، لكن ليس معنى ذلك أنهم تركوه هكذا جزافا،وإنما يقوم هذا العلم على مقارنة المتون ومعرفة من زاد، ومن نقص، ومن غير لفظا كثيرا ما يقول العلماء: فلان رواه بالمعنى، فأخطأ.
ومثل حديث: "سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب" حديث ابن مسعود ((الصلاة على وقتها)) ما معنى الصلاة على وقتها؟
يعني في وقتها، في أوله، في آخره ما في الحديث تحديد، رواه بعض الرواة بلفظ: ((الصلاة في أول وقتها)) فيقول: بعض العلماء: إنه رواه لما فهمه من الحديث، وأخطأ في هذا الفهم، رواه بالمعنى.
فالمقصود أن الرواية بالمعنى: قول ابن كثير: كان ينبغي أن يكون هذا هو الواقع، ولكن لم يتفق ذلك، نعم بلا إشكال، كان ينبغي أن يكون هذا، لكن هذا غير ممكن،وكثير من الصحابة رضوان الله عليهم يقولون: أو كما قال صلى الله عليه وسلم،أو نحو هذا،ويقول بعضهم: لو لم نحدثكم بالمعاني لهلكتم، يعني: لو كان المطلوب التزام الألفاظ، ولكن مع ذلك فإن الأمر لم يترك هكذا، وإنما قام العلماء رحمهم الله بمقارنة هذه الأحاديث، والتأكد من لفظ كل راو، أحيانا الحرف الواحد، حرف، حرف يبينون أن هذا في روايته هذا الحرف، والآخر ليس في روايته هذا الحرف، تجد هذا في كلام الأئمة وفي كلام أحمد وغيره،منهم من يذكر الواو ومنهم من يحذف الواو، فهذا العلم هو مقارنة المرويات المتعلقة بمتون الأحاديث.

القارئ: فرع آخر: وهل يجوز اختصار الحديث فيحذف بعضه،إذا لم يكن المحذوف متعلقا بالمذكور؟ على قولين؛فالذي عليه صنيع أبي عبد الله البخاري اختصار الأحاديث في كثير من الأماكن،وأما مسلم فإنه يسوق الحديث بتمامه،ولا يقطّعه،ولهذا رجحه كثير من حفاظ المغاربة،واستروح إلى شيخه آخرون بصورة ذلك بالنسبة إلى صحيح البخاري وتفريقه الحديث في أماكن متعددة بحسب حاجته إليه،وعلى هذا المذهب جمهور الناس قديما وحديثا.
قال ابن حاجب في مختصره: مسألة: حذف بعض الخبر جائز عند الأكثر إلا في الغاية والاستثناء ونحوه،أما إذا حذف الزيادة لكونه شك فيها فهذا سائغ،كان مالك يفعل ذلك كثيرا،بل كان يقطع إسناد الحديث إذا شك في وصله.وقال مجاهد: انقص الحديث ولا تزد فيه.
الشيخ: هذا الفرع فيه مسألتان:
المسألة الأولى: تقطيع الحديث أو الاكتفاء ببعضه، تقطيع الحديث، هل يجوز أن يقطع الحديث فيذكر بعضه في باب وبعضه في باب ؟
هذا ذكر ابن كثير رحمه الله أنه على هذا المذهب جمهور الناس قديما وحديثا يعني على الجواز، وذكر من المجيزين أو من الذين يفعلون هذا كثيرا الإمام البخاري رحمه الله تعالى؛ فإنه يقطع الأحاديث في الأبواب، يذكر جزءا من الحديث في هذا الباب، ويذكر جزءا منه في باب، وإن كان البخاري في كثير من عمله يعتمد على الرواة، ما معنى يعتمد على الرواة ؟
يعني يختار في هذا الباب الرواية المختصرة، التي وصلته من شيخ، وفي هذا الباب واسع، فالمقصود من البخاري يقطع الأحاديث فيقول: مسلم يسوق الحديث بتمامه، ولا يقطعه، مسلم اختار هذه الطريقة في التأليف بأنه لم يعني يتعمد أن يستنبط كل معنى من كل حديث، ويبوب عليه، فيسوق الحديث بتمامه في مكان واحد، لكن ليس معنى ذلك أن مسلما لا يجيز التقطيع، فهذا عمل المؤلفين كلهم
إذن ما معنى صنيع مسلم ؟
هو أنه اختار هذه الطريقة وإلا فهو يقطع، هو أحيانا يذكر بعض الحديث في بعض الأماكن، أحيانا يفعل هذا،يسوق بعض الحديث تاما، ويسوق بعضه في مكان آخر، يعني: يذكر جزءا منه ويفعل هذا كذلك الترمذي ويفعله الدارمي، لو مثلا أخذت حديث مثلا كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى عمرو بن حزم،كتاب طويل، فيه الديات، وفيه مقادير الزكاة ومقادير الديات، تجده في سنن الدارمي في أماكن، يمكن تبلغ إلى قريب من الثلاثين موضعا، وهو حديث واحد يسوقه الدارمي ووزعه على هذه الأبواب، وهو عمل مستساغ، لكن كما ذكر ابن الحاجب رحمه الله يقول..
وهم ذكروا هذا الشرط أن لا يكون ما ذكر متعلقا من حيث المعنى بما حذفه، لابد من هذا أن لا يكون يتغير المعنى إنما يقولون: يجوز التقطيع إذا كان الحديث يتكون من مقاطع، جمل متفرقة، فيجوز تقطيعه، وهذا أحيانا ربما وقع من البخاري التقطيع، وهو له تعلق، ولا سيما ذكرت لكم مثال من جهة الإعراض أحيانا وقع لابن مالك رحمه الله تعالى أنه استدل بحديث في صحيح البخاري في قضية على جواز حذف الخبر، إذا كان يعني.. في مسألة دقيقة فيها اختلاف بين النحويين، فاستدل بحديث، وقال: هذا دليل على أنه يجوز حذف الخبر وابن حجر يقول: لا يصح هذا الاستدلال؛ لأن الذي حذف أو قطع الحديث من هو ؟
هو الإمام البخاري، إنما يصح الاستدلال.. هو ظن ابن مالك أن هذا هو قول الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس كذلك، إذن حذف تقطيع البخاري الآن، مع أن له صلة، لكن هذا نادر، والغالب أن يقطع الجمل المتميز بعضها عن بعض.
ذكر ابن كثير قضية تتعلق بعلم الرواية هذه، وهي قضية أن المحدِّث -انتبهوا يا إخوان لهذه القضية- يحذف أحيانا بعض المحدثين جملة من الحديث، أو بعض الإسناد يحذفه تعمدا، ليس هذا هو التقطيع، وإنما يحذف جملة لاعتقاده أنها خطأ من جهة الرواية، أنها معلومة من جهة الرواية، وهذا يفعله مسلم، يقول مثلا في حديث المستحاضة حديث عائشة، في قصة فاطمة بنت أبي حبيش، لما رواه من طريق حماد بن زيد، رواه من طريق الجماعة، لكن منهم حماد بن زيد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، في رواية حماد ((وتوضئي لكل صلاة)) الأمر بالوضوء لكل صلاة، أسقط هذه اللفظة مسلم وقال: في حديث حماد بن زيد حرفا تركنا ذكره. لماذا ترك مسلم ذكره؟
يعتقد أن هذه الزيادة أنها مرجوحة، وأنها ليست من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، والبخاري يفعله كثيرا، البخاري أكثر فعل من مسلم، يحذف الجملة من الحديث؛ لاعتقاده أنها خطأ، أو مخالفة للأصول، أو نحو ذلك، فهذا هو الذي ذكره بقوله: وأما حذف الزياة لكونه شك فيها فهذا السائغ، شك فيها إما من جهة كونها خطأ أو من شك فيها، أو من شك فيها هو في سماعه، لكن هذا كونه شك فيها من جهة كونها خطأ، هذا هو الذي يفعله البخاري، وفعله مسلم أيضا، ويفعله الإمام أحمد رحمه الله، وذكر جماعة مثل الجياني.
نُقل عن مجاهد أنه يقول: "انقص الحديث ولا تزد فيه". يعني: إذا شككت في سماع الشيخ، أو شككت في خطئه، فاحذفه، ولكن الزيادة هي التي لا تجوز، وذكر هذا الجياني أيضا هذه القاعدة أن الراوي قد يحذف بعض الحديث لكونه شك في خطأ هذه الزيادة،أو كذلك يفعله مالك في الإسناد أحيانا، يفعلونه في الإسناد، مثلا روى وكيع عن هشام بن سعد، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قصة المواقع في رمضان، معروفة هذه القصة،كان وكيع إذا رواه عن هشام بن سعد يرويه عن الزهري،عن أبي هريرة مباشرة، يسقط من ؟
أبا سلمة، لماذا يسقطه ؟
يقولون: إنه من باب الستر على هشام بن سعد؛لأنه خطأ، ذكر أبي سلمة هنا خطأ، والصواب فيه حميد بن عبد الرحمن، الصواب فيه أن الزهري يرويه عن حميد، عن أبي هريرة، ولكن هشام بن سعد جعله على الجادة، أي جعله على المشهور: الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة؛ لأنهم يسقطون في الإسناد، أو في المتن، ما يرون أنه خطأ، هذا مقصود ابن كثير رحمه الله تعالى، وهو جار في الروايات، يعنيك عمل مشهور.



تمت مراجعته وتهذيبه بواسطة ام العنان


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الحديث, رواية

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:28 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir