دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > العقيدة الطحاوية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29 ذو القعدة 1429هـ/27-11-2008م, 11:39 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي قوله: (قديم بلا ابتداء، دائم بلا انتهاء ...)

قَدِيمٌ بلا ابْتِدَاءٍ، دائمٌ بلا انْتِهَاءٍ.
لا يَفْنَى ولا يَبِيدُ.
وَلاَ يكونُ إِلاَّ ما يُرِيدُ.


  #2  
قديم 1 ذو الحجة 1429هـ/29-11-2008م, 12:45 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التعليقات على الطحاوية لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز


قديم بلا ابتداء([1]). دائم بلا انتهاء، لا يفنى ولا يبيد، ولا يكون إلا ما يريد.


([1]) قوله (قديم بلا ابتداء) هذا اللفظ لم يرد في أسماء الله الحسنى كما نبه الشارح رحمه الله وغيره، وإنما ذكره كثير من علماء الكلام ليثبتوا به وجوده قبل كل شيء وأسماء الله توقيفية لا يجوز إثبات شيء منها إلا بالنص من الكتاب العزيز أو السنة الصحيحة، ولا يجوز إثبات شيء منها بالرأي كما نص على ذلك أئمة السلف الصالح، ولفظ القديم لا يدل على المعنى الذي أراده أصحاب الكلام، لأنه يقصد به في اللغة العربية المتقدم على غيره وإن كان مسبوقا بالعدم كما في قوله سبحانه: {حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ}//سورة يس من الآية 39// وإنما يدل على المعنى الحق بالزيادة التي ذكرها المؤلف وهو قوله (قديم بلا ابتداء) ولكن لا ينبغي عده في أسماء الله الحسنى، لعدم ثبوته من جهة النقل ويغني عنه اسمه سبحانه الأول كما قال عز وجل: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ}//سورة الحديد الآية 3// الآية والله ولي التوفيق.



  #3  
قديم 1 ذو الحجة 1429هـ/29-11-2008م, 12:50 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التعليقات المختصرة للشيخ: صالح بن فوزان الفوزان

(1) قَدِيمٌ بلا ابْتِدَاءٍ، دائمٌ بلا انْتِهَاءٍ.
(2) لا يَفْنَى ولا يَبِيدُ.
(3) وَلاَ يكونُ إِلاَّ ما يُرِيدُ.



(1) كَمَا دَلَّ عليه قَوْلُهُ تَعَالَى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ} (الحَدِيد: 3)، وَقَوْلُهُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: " أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ ".
لَكِنَّ كَلِمَةَ (قَدِيمٌ) لا تُطْلَقُ على اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا مِن بابِ الخَبَرِ، أَمَّا من جِهَةِ التَّسْمِيَةِ فَلَيْسَ من أَسْمَائِهِ القديمُ، وَإِنَّمَا مِن أَسْمَائِهِ: الْأَوَّلُ، والْأَوَّلُ لَيْسَ مثلَ القَدِيمِ؛ لأنَّ القديمَ قد يَكُونُ قَبْلَهُ شَيْءٌ، أمَّا الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ، قالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: (أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ)، لَكِنَّ المُؤَلِّفَ رَحِمَهُ اللَّهُ احْتَاطَ فقالَ: (قَدِيمٌ بلا ابْتِدَاءٍ)، أَمَّا لو قالَ: (قَدِيمٌ) وَسَكَتَ، فهذا ليسَ بِصَحِيحٍ في المَعْنَى.
(2) الفناءُ والبَيْدُ بمعنًى وَاحِدٍ، فاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى موصوفٌ بالحياةِ الباقِيَةِ الدَّائِمَةِ، قالَ تَعَالَى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ} (الفُرْقَان: 58).
فاللَّهُ لا يَأْتِي عليهِ الفناءُ، قالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} (القَصَص: 88)، وقالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} (الرَّحْمَن: 26، 27).
فَلَهُ البقاءُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَالخَلْقُ يَمُوتُونَ ثم يُبْعَثُونَ، وكانوا في الأَوَّلِ عَدَمًا, ثم خَلَقَهُم اللَّهُ، ثم يَمُوتُونَ, ثم يَبْعَثُهُم اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
فاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَيْسَ لَهُ بِدَايَةٌ, وليسَ لهُ نِهَايَةٌ.
(3) هذا فيهِ إثباتُ القدرِ وإثباتُ الإرادةِ، فلا يكونُ فِي مُلْكِهِ ولا يَحْصُلُ في خَلْقِهِ من الحوادثِ والكائناتِ إِلَّا ما أَرَادَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بالإرادةِ الكونيَّةِ: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (يس: 82)، فَكُلُّ خَيْرٍ وَكُلُّ شَرٍّ فَهُوَ بإرادةِ اللَّهِ الكَوْنِيَّةِ، فلا يَخْرُجُ عن إرادتِهِ شَيْءٌ، وهذا فيهِ رَدٌّ على القَدَرِيَّةِ الذينَ يَنْفُونَ القدرَ، وَيَزْعُمُونَ أنَّ العبدَ هو الذي يَخْلُقُ فِعْلَ نفسِهِ وَيُوجِدُ فِعْلَ نَفْسِهِ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُونَ، وهذا تَعْجِيزٌ للهِ، وأنَّهُ يكونُ في خَلْقِهِ ما لا يُرِيدُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فهذا وَصْفٌ لَهُ بالنَّقْصِ، فجميعُ ما يكونُ في الكونِ من خيرٍ وشرٍّ فإنَّهُ بِإِرَادَتِهِ، فَيَخْلُقُ الخيرَ لِحِكْمَةٍ، ويَخْلُقُ الشَّرَّ لِحِكْمَةٍ، فهو من جِهَةِ خَلْقِهِ لَهُ لَيْسَ بشَرٍّ؛ لأنَّهُ لِحِكْمَةٍ عظيمةٍ، ولغَايَةٍ عظيمةٍ، وهي الابتلاءُ والامتحانُ، وتَمْيِيزُ الخَبِيثِ من الطَّيِّبِ، والجزاءُ على الأعمالِ الصالحةِ، والجزاءُ على الأعمالِ السيِّئَةِ، لَهُ الحِكْمَةُ في ذلكَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لم يَخْلُقْ ذَلِكَ عَبَثًا.


  #4  
قديم 4 ذو الحجة 1429هـ/2-12-2008م, 10:13 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي

قوله: ( قديم بلا ابتداء، دائم بلا انتهاء )

ش: قال الله تعالى: هو الأول والآخر. وقال صلى الله عليه وسلم: (اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء). فقول الشيخ قديم بلا ابتداء، دائم بلا انتهاء هو معنى أسمه الأول والآخر. والعلم بثبوت هذين الوصفين مستقر في الفطر، فإن الموجودات لا بد أن تنتهي إلى واجب الوجود لذاته، قطعاً للتسلسل. فإنا نشاهد حدوث الحيوان والنبات والمعادن وحوادث الجو كالسحاب والمطر وغير ذلك، وهذه الحوادث وغيرها ليست ممتنعة، فإن الممتنع لا يوجد، ولا واجبة الوجود بنفسها، فإن واجب الوجود بنفسه لا يقبل العدم، وهذه كانت معدومة ثم وجدت، فعدمها ينفي وجودها، ووجودها ينفي امتناعها، وما كان قابلاً للوجود والعدم لم يكن وجوده بنفسه، كما قال تعالى: { أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ}. يقول سبحانه: أحدثوا من غير محدث أم هم أحدثوا أنفسهم ؟ ومعلوم أن الشيء المحدث لا يوجد نفسه، فالممكن الذي ليس له من نفسه وجود ولا عدم لا يكون موجوداً بنفسه، بل إن حصل ما يوجده وإلا كان معدوما، وكل ما أمكن وجوده بدلاً عن عدمه وعدمه بدلاً عن وجوده، فليس له من نفسه وجود ولا عدم لازم له.
وإذا تأمل الفاضل غاية ما يذكره المتكلمون والفلاسفة من الطرق العقلية، وجد الصواب منها يعود الى بعض ما ذكر في القرآن من الطرق العقلية بأفصح عبارة وأوجزها، وفي طرق القرآن من تمام البيان والتحقيق ما لا يوجد عندهم مثله، قال تعالى: {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا}.
ولا نقول: لا ينفع الاستدلال بالمقدمات الخفية والأدلة النظرية -: فإن الخفاء والظهور من الأمور النسبية، فربما ظهر لبعض الناس ما خفي على غيره، ويظهر للإنسان الواحد في حال ما خفي عليه في حال أخرى. وأيضا فالمقدمات وإن كانت خفية فقد يسلمها بعض الناس وينازع فيما هو أجلى منها، وقد تفرح النفس بما علمته من البحث والنظر ما لا تفرح بما علمته من الأمور الظاهرة. ولا شك أن العلم باثبات الصانع ووجوب وجوده أمر ضروري فطري، وإن كان يحصل لبعض الناس من الشبه ما يخرجه إلى الطرق النظرية.
وقد أدخل المتكلمون في أسماء الله تعالى القديم، وليس هو من الأسماء الحسنى، فإن القديم في لغة العرب التي نزل بها القران: هو المتقدم على غيره، فيقال: هذا قديم، للعتيق، وهذا حديث، للجديد. ولم يستعملوا هذا الإسم إلا في المتقدم على غيره، لا فيما [لم] يسبقه عدم، كما قال تعالى: {حَتَّىٰ عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ}. والعرجون القديم: الذي يبقى إلى حين وجود العرجون الثاني، فإذا وجد الجديد قيل للأول: قديم، وقال تعالى: وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم، أي متقدم في الزمان. وقال تعالى:{ قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ}. فالأقدم مبالغة في القديم، ومنه: القول القديم والجديد للشافعي رحمه الله تعالى. وقال تعالى:{يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ}، أي يتقدمهم. ويستعمل منه الفعل لازماً ومتعدياً، كما يقال: أخذت ما قدم وما حدث، ويقال: هذا قدم هذا وهو يقدمه. ومنه سميت القدم قدماً، لأنها تقدم بقية بدن الإنسان وأما إدخال القديم في أسماء الله تعالى، فهو مشهور عند أكثر أهل الكلام. وقد أنكر ذلك كثير من السلف والخلف، منهم ابن حزم. ولا ريب أنه إذا كان مستعملاً في نفس التقدم، فإن ما تقدم على الحوادث كلها فهو أحق بالتقدم من غيره. لكن أسماء الله تعالى هي الأسماء الحسنى التي تدل [على] خصوص ما يمدح به، والتقدم في اللغة مطلق لا يختص بالتقدم على الحوادث كلها، فلا يكون من الأسماء الحسنى. وجاء الشرع بإسمه الأول. وهو أحسن من القديم، لأنه يشعر بأن ما بعده آيل إليه وتابع له، بخلاف القديم. والله تعالى له الأسماء الحسنى لا الحسنة.

قوله: ( لايفنى ولايبيد ).

ش: إقرار بدوام بقائه سبحانه وتعالى، قال عز من قائل: { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ }. والفناء والبيد متقاربان في المعنى، والجمع بينهما في الذكر للتأكيد، وهو أيضاً مقرر ومؤكد لقوله: دائم بلا انتهاء.

قوله: (ولا يكون إلا ما يريد).

ش: هذا رد لقول القدرية والمعتزلة، فإنهم زعموا أن الله أراد الإيمان من الناس كلهم والكافر أراد الكفر. وقولهم فاسد مردود، لمخالفته الكتاب والسنة والمعقول الصحيح، وهي مسألة القدر المشهورة، وسيأتي لها زيادة بيان إن شاء الله تعالى.
وسموا قدرية لإنكارهم القدر، وكذلك تسمى الجبرية المحتجون بالقدر قدرية أيضاً. والتسمية على الطائفة الأولى أغلب.
أما أهل السنة [فيقولون]: إن الله وإن كان يريد المعاصي قدراً - فهو لا يحبها ولا يرضاها ولا يأمر بها، بل يبغضها ويسخطها ويكرهها وينهى عنها. وهذا قول السلف قاطبة، فيقولون: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن. ولهذا اتفق الفقهاء على أن الحالف لو قال: والله لأفعلن كذا إن شاء الله - لم يحنث - إذا لم يفعله وإن كان واجباً أو مستحباً. ولو قال: أن أحب الله - حنث - إذا كان واجباً أو مستحباً.
والمحققون من أهل السنة يقولون: الإرادة في كتاب الله نوعان: إرادة قدرية كونية خلقية، وإرادة دينية أمرية شرعية، فالإرادة الشرعية هي المتضمنة للمحبة والرضى، والكونية هي المشيئة الشاملة لجميع الموجودات.
وهذا كقوله تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ * وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ}. وقوله تعالى عن نوح عليه السلام: {وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ}. وقوله تعالى: {وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ}.
وأما الإرادة الدينية الشرعية الأمرية، فكقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}، وقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا}. وقوله تعالى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ}. وقوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}. فهذه الإرادة هي المذكورة في مثل قول الناس لمن يفعل القبائح: هذا يفعل ما لا يريده الله، أي: لا يحبه ولا يرضاه ولا يأمر به.
وأما الإرادة الكونية فهي الإرادة المذكورة في قول المسلمين: ما شاء الله كان ولم يشأ لم يكن.
والفرق ثابت بين إرادة المريد أن يفعل، وبين إرادته من غيره أن يفعل. فإذا أراد الفاعل أن يفعل فعلاً فهذه الإرادة معلقة بفعله، وإذا أراد من غيره أن يفعل فعلاً فهذه الإرادة لفعل الغير، وكلا النوعين معقول للناس، والأمر يستلزم الإرادة الثانية دون الأولى، فالله تعالى إذا أمر العباد بأمر فقد يريد إعانة المأمور على [ما] أمر به وقد لا يريد ذلك، وإن كان مريداً منه فعله.
وتحقيق هذا مما يبين فصل النزاع في أمر الله تعالى: هل هو مستلزم لإرادته أم لا ؟ فهو سبحانه أمر الخلق على ألسن رسله عليهم السلام بما ينفعهم ونهاهم عما يضرهم، ولكن منهم من أراد أن يخلق فعله، فأراد سبحانه أن يخلق ذلك الفعل ويجعله فاعلاً له. ومنهم من لم يرد أن يخلق فعله، فجهة خلقه سبحانه لأفعال العباد وغيرها من المخلوقات، غير جهة أمره للعبد على وجه البيان لما هو مصلحة للعبد أو مفسدة، وهو سبحانه - إذ أمر فرعون وأبا لهب وغيرهما بالإيمان - كان قد بين لهم ما ينفعهم ويصلحهم إذا فعلوه، ولا يلزم إذا أمرهم أن يعينهم، بل قد يكون في خلقه لهم ذلك الفعل وإعانتهم عليه وجه مفسدة من حيث هو فعل له، فإنه يخلق ما يخلق لحكمة، ولا يلزم إذا كان الفعل المأمور به مصلحة للمأمور، إذا فعله - أن يكون مصلحة للأمر إذا فعله هو أو جعل المأمور فاعلاً له. فأين جهة الخلق من جهة الأمر؟ فالواحد من الناس يأمر غيره وينهاه مريداً النصيحة ومبيناً لما ينفعه، وإن كان مع ذلك لا يريد أن يعينه على ذلك الفعل، اذ ليس كل ما كان مصلحتي في أن آمر به غيري وأنصحه - يكون مصلحتي في أن أعاونه أنا عليه، بل قد تكون مصلحتي إرادة ما يضاده. فجهة أمره لغيره نصحاً غير جهة فعله لنفسه، وإذا أمكن الفرق في حق المخلوقين فهو في حق الله أولى بالإمكان.
والقدرية تضرب مثلاً بمن أمر غيره بأمره، فإنه لا بد أن يفعل ما يكون المأمور أقرب الى فعله، كالبشر والطلاقة وتهيئة المساند والمقاعد ونحو ذلك.
فيقال لهم: هذا يكون على وجهين:
أحدهما: أن تكون مصلحة الأمر تعود الى الآمر، كأمر الملك جنده بما يؤيد ملكه، وأمر السيد عبده بما يصلح ملكه، وأمر الإنسان شريكه بما يصلح الأمر المشترك بينهما، ونحو ذلك.
الثاني: أن يكون الآمر يرى الإعانة للمأمور مصلحة له، كالأمر بالمعروف، وإذا أعان المأمور على البر والتقوى فإنه قد علم أن الله يثيبه على إعانته على الطاعة، وأنه في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. فأما إذا قدر أن الآمر إنما أمر المأمور لمصلحة المأمور، لا لنفع يعود على الآمر من فعل المأمور، كالناصح المشير، وقدر أنه إذا أعانه لم يكن ذلك مصلحة للآمر، وأن في حصول مصلحة المأمور مضرة على الآمر، مثل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى وقال لموسى عليه السلام: إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين. فهذا مصلحته في أن يأمر موسى عليه السلام بالخروج، لا [في] أن يعينه على ذلك، إذ لو أعانه لضره قومه. ومثل هذا كثير.
وإذا قيل: أن الله أمر العباد بما يصلحهم، لم يلزم من ذلك أن يعينهم على [ما] أمرهم به، لا سيما وعند القدرية لا يقدر أن يعين أحداً على ما به يصير فاعلاً. وإذا عللت أفعاله بالحكمة، فهي ثابتة في نفس الأمر، وإن كنا نحن لا نعلمها. فلا يلزم إذا كان نفس الآمر له حكمة في الأمر أن يكون في الإعانة على فعل المأمور به حكمة، بل قد تكون الحكمة تقتضي أن لا يعينه على ذلك، فإنه إذا أمكن في المخلوق أن يكون مقتضى الحكمة والمصلحة أن يأمر لمصلحة المأمور، وأن تكون الحكمة والمصلحة للآمر أن لا يعينه على ذلك -: فإمكان ذلك في حق الرب أولى وأحرى.
والمقصود: أنه يمكن في حق المخلوق الحكيم أن يأمر غيره بأمر ولا يعينه عليه، فالخالق أولى بإمكان ذلك في حقه مع حكمته. فمن أمره وأعانه على فعل المأمور كان ذلك المأمور به قد تعلق به خلقه وأمره إنشاء وخلقاً ومحبة، فكان مراداً بجهة الخلق ومراداً بجهة الأمر. ومن لم يعنه على فعل المأمور كان ذلك المأمور قد تعلق به أمره ولم يتعلق به خلقه، لعدم الحكمة المقتضية لتعلق الخلق به، ولحصول الحكمة المقتضية لخلق ضده. وخلق أحد الضدين ينافي خلق الضد الآخر، فإن خلق المرض - الذي يحصل به ذل العبد لربه ودعاؤه وتوبته وتكفير خطاياه ويرق به قلبه ويذهب عنه الكبرياء والعظمة والعدوان -يضاد خلق الصحة التي لا تحصل معها هذه المصالح. ولذلك [كان] خلق ظلم الظالم - الذي يحصل به للمظلوم من جنس ما يحصل بالمرض - يضاد خلق عدله الذي لا يحصل به هذه المصالح، وإن كانت مصلحته هو في أن يعدل.
وتفصيل حكمة الله عز وجل في خلقه وأمره، يعجز عن معرفته عقول البشر، والقدرية دخلوا في التعليل على طريقة فاسدة: مثلوا الله فيها يخلقه، ولم يثبتوا حكمة تعود إليه.


  #5  
قديم 4 ذو الحجة 1429هـ/2-12-2008م, 10:18 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية لمعالي الشيخ: صالح بن عبد العزيز آل الشيخ (مفرغ)

بسم الله.
القارئ: بِسْمِ اللهِ الرَّحَمَنِ الرَّحِيمِ، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. قال المؤلف رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:
"قديم بلا ابتداء، دائم بلا انتهاء، لا يفنى ولا يبيد، ولا يكون إلا ما يريد" ـ الشيخ: سبحانه ـ لا تبلغه الأوهام، ولا تدركه الأفهام، ولا يشبه الأنام،حي لا يموت، قيومٌ لا ينام، خالق بلا حاجة، رازق بلا مؤونة، مميت بلا مخافة، باعث بلا مشقة.

الشيخ: بِسْمِ اللهِ الرَّحَمَنِ الرَّحِيمِ، الحمد لله، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعلى آله، وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد..,

فأسأل الله جل وعلا لي ولكم العلم النافع، والعمل الصالح، اللهم اجعلنا من عبادك المتقين، نعوذ بك من الضلال بعد الهدى، ومن الكفر بعد الإيمان، نسألك الثبات على الإيمان حتى الممات.
هذه الجمل من هذه العقيدة المختصرة؛ عقيدة الإمام الطحاوي (رحمه الله وأجزل له المثوبة) اشتملت على جملة من صفات الله جل وعلا، وهي ليست راجعة إلى ترتيب معين يعني في ذكر صفات لله جل وعلا، أو في ذكر قواعد في الصفات، أو فيما يخالف فيه أهل السنة والجماعة غيرهم، إلا في بعضها كما سيأتي.

وهذا كما ذكرنا لك من قبل: راجع إلى أنه لم يرتب هذه العقيدة على ترتيب موضوعي منهجي، بحيث ينتقل من أنواع الإيمان إلى غيرها، وبين أنواع الإيمان يعني: أركان الإيمان وهكذا، ولهذا نذكر البيان على كل جملة بحسب ما اشتملت عليه، وفي ذلك إِنْ شَاءَ اللَّهُ فوائد.
قال رحمه الله "قديم بلا ابتداء، ودائم بلا انتهاء"، أراد رحمه الله بذلك أن يبين أن الله جل وعلا منزه عما خلق، فهو سبحانه خلق الزمان، والزمان لا يحويه، وكذلك خلق المكان والمكان لا يحويه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وذكر هنا أن الله جل وعلا سبق الزمان، وأيضاً سيدوم بعد انتهاء الزمان بلا انتهاء، وهذا المعنى الذي أراده عبر عنه بتعبير المتكلمين في أبدية الزمان في الماضي وفي المستقبل، وهذا خروج منهم عما جاء في النص من التفسير عن أبدية الزمان من الجهتين؛ وذلك أن أبدية الزمان يعني أن الله جل وعلا لا يوصف بأنه ابتدأ في زمان، ولا أنه ينتهي في زمان؛ لأن الزمان محدود مخلوق،والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كان قبل خلقه، وسيبقى سبحانه بلا انتهاء.

هذا المعنى يعبر عنه المتكلمون، ويعبر عنه أهل العقائد المختلفة بأنواع من التعبير منها هذا الذي ذكره الطحاوي، ومن المعلوم أن التعبير الذي جاء في الكتاب والسنة هو قول الحق جل وعلا:{هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ}
وقوله سبحانه: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ} هذا في المعنى الذي أراده الطحاوي، ولهذا فسره النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام في دعائه بقوله: ((أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء)). فليس قبل الرب جل وعلا زمان، وليس بعده سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى زمان، وكما أنه ليس قبله شيء من المخلوقات، ولا بعده أيضاً شيئاً من المخلوقات، وهذان الاسمان الأول والآخر دلا على أنه سبحانه قديم كما ذكر بلا ابتداء، وأنه دائم سبحانه بلا انتهاء.

وما جاء في وصف الله جل وعلا في الْقُرْآنِ، وفي سنة المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الأكمل، بل هو الصحيح، وأما ما ذكر من الوصف فسيأتي ما فيه في المسائل المتعلقة بهذه الجملة.
فإذن قوله: "قديم بلا ابتداء، دائم بلا انتهاء" من جهة المعنى، ومن جهة الدليل عرفتها، والمتكلمون يعنون بكلمة قديم غير ما يعنى بها في اللغة؛ فإنهم يعنون بالقديم الذي تقدم على غيره، والغيرية هنا مطلقة بلا تقييد، فتشمل كل ما هو غير الله جل وعلا، يعني من جميع المخلوقات، فيكون قولهم في وصف الله بأنه قديم، أو في أسماء الله بأنه سبحانه القديم يعنون به المتقدم على غيره مطلقاً، وهذا التقدم يشمل كل الأزمنة الماضية وزيادة.

ولذلك احترز المصنف رَحمَهُ الله بقوله: "قديم بلا ابتداء"؛ لأن كونه متقدماً على غيره قد يكون من جهة التقسيم العقلي أن له ابتداء سبحانه معروف،وهذا مما لم يأذن الله جل وعلا لنا بعلمه، ولا تدركه أوهامنا، ولا عقولنا، ولا قلوبنا؛ ولذلك قال: "قديم بلا ابتداء"، وهذا هو معنى كما ذكرت لك اسم الله الأول الذي ليس قبله شيء.

فإذن تعبير المتكلمين عن الرب جل وعلا، عن اسمه الأول بكونه قديم، وأنه القديم هذا أرادوا به غير المعنى اللغوي، وأما المعنى اللغوي فإن القديم هو الذي صار متقدماً على غيره، وسيعقبه غيره، وقد سبقه غيره كما قال جل وعلا: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ}، وكقول الحق جل وعلا: {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} وأشباه ذلك.

والقدم، أو التقدم، أو القدم في اشتقاق هذه المادة في اللغة راجعة إلى ما تقدم على غيره. وهذا في اللغة، ومعلوم أن اللغة موضوعة للأشياء المحسوسة التي رآها، أو عرفها العرب؛ ولهذا دخل في اسم القديم المخلوقات، وإذا كان كذلك فإن القديم لا يوصف الله جل وعلا به كما سيأتي في المسائل.

إذن فكلمة قديم بلا ابتداء هذه عند المتكلمين لها معنى غير المعنى في اللغة، ومعناها عند المتكلمين،كما ذكرت لك، هو المتقدم على غيره، وفي اللغة المعنى أخص المتقدم، أو ما كان متقدماً على غيره، وتقدمه غيره، وهذا يجوز في اللغة, وهم لم يريدوا هذا المعنى؛ ولذلك جعلوها.. جعلوا القديم من أسماء الله، وجعلوا القدم صفة للحق جل وعلا.

إذا تبين لك ذلك فقوله: "قديم بلا ابتداء" هذا راجع إلى ما سمي بالأزلية، بأزلية الرب جل وعلا، وقوله: "دائم بلا انتهاء" راجع إلى أبديته جل وعلا، ولفظ أزلية هذا مركب، أو منحوت من: لم يزل، فلما أرادوا النسبة جعلوها بالأزل، يعني الزمان الماضي القديم جداً الذي لم يزل، لا يعرف له بداية، فيقال: هم يعبرون بأنه أزلي جل وعلا، أو أن صفات الرب جل وعلا أزلية، والتعبير عن هذه الأشياء بما جاء في الكتاب، والسنة هو الحق فلا يعبر عن هذه الأشياء بما لم يرد في الكتاب، والسنة؛ لأنه قد يشتمل على باطل، والمرء لا يعلم ذلك حتى من جهة الاحتمالات العقلية، أو الاحتمالات اللغوية.

المؤلف احترز فقال: "قديم بلا ابتداء"، وهذا فيه احتراز،جعل الجملة حق في نفسها لكن فيها مخالفة، وعبر عن الأبدية بقوله:"دائم بلا انتهاء".
إذا تبين لك ذلك فعندهم أن القدم هو قدم الذات، يعني عند المتكلمين وعند الأشاعرة وأشباه هؤلاء والمعتزلة عندهم القدم حينما يطلقونه يريدون له قدم الذات، وأما قدم الصفات فهذا فيه تفصيل، فقوله: "قديم بلا ابتداء، دائم بلا انتهاء" يعنون به قدم الذات، ودائم الذات، أما الصفات فلهم فيها تفصيل، و كان الطحاوي درج على ما درجوا عليه؛ لأنه عبر بتعبيرهم.

إذا تقرر لك ذلك ففي قوله: "قديم بلا ابتداء، دائم بلا انتهاء" مسائل:

المسألة الأولى: في وصف الله بالقدم، واسم القديم، وهذا كما ذكرت من الأسماء التي سمى الله جل وعلا بها المتكلمون؛ فإنهم هم الذين أطلقوا هذا الاسم القديم على الرب جل وعلا، وإلا فالنصوص من الكتاب والسنة ليس فيها هذا الاسم، وإدراج اسم الله، وإدراج القديم في أسماء الله هذا غلط، ولا يجوز؛ وذلك لأمور:

أما الأمر الأول: فإن القاعدة التي يجب اتباعها في الأسماء والصفات ألا يتجاوز فيها الْقُرْآن والحديث. ولفظ، أو اسم القديم، أو الوصف بالقدم لم يأتِ في الكتاب والسنة، فيكون في إثباته تعد على النص.

والثاني: أن اسم القديم منقسم إلى ما يمدح به، وإلى ما لا يمدح به؛فإن أسماء الله جل وعلا أسماء مدح؛ لأنها أسماء حسنى، واسم القديم لا يمدح به؛ لأن الله وصف به العرجون، والقديم هذا قد يكون صفة مدح، وقد يكون صفة ذم.

والثالث: أن اسم القديم لا يدعى الله جل وعلا به، فلا يدعى الله بقول القائل: يا قديم أعطني،ويا أيها القديم، أو يا ربي أسألك بأنك القديم أن تعطيني كذا. والأسماء الحسنى يدعى الله جل وعلا بها؛وذلك لقوله: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}، فالأسماء الحسنى يدعى بها، يعني تكون وسيلة لتحقيق مراد العبد، ولهذالم يدخل الوجه في الأسماء، ولم تدخل اليدان في الأسماء ولا أشباه ذلك؛لأن هذه صفات، وليست بأسماء، والأسماء هي التي يدعى الله جل وعلا بها.

وإذا تبين ذلك فننتقل للمسألة الثانية: وهي ما ضابط.. أو المسألة الثانية: هي ضابط كون الاسم من الأسماء الحسنى، والاسم يكون من أسماء الله الحسنى إذا اجتمعت فيه ثلاثة شروط، أو اجتمعت فيه ثلاثة أمور:

الأول: أن يكون قد جاء في الكتاب والسنة، يعني نص عليه في الكتاب والسنة،نص عليه بالاسم لا بالفعل، ولا بالمصدر، وسيأتي تفصيل لذلك.
الثاني: أن يكون مما يدعى الله جل وعلا به.
الثالث: أن يكون متضمنا لمدح كامل مطلق غير مخصوص.

وهذا ينبني على فهم قاعدة أخرى من القواعد في منهج أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات، وهي أن باب الأسماء الحسنى، أو باب الأسماء أضيق من باب الصفات، وباب الصفات أضيق من باب الأفعال، وباب الأفعال أضيق من باب الإخبار، واعكس ذلك فتقول: باب الإخبار عن الله جل وعلا أوسع، وباب الأفعال أوسع من باب الصفات، وباب الصفات أوسع من باب الأسماء الحسنى.

وهذه القاعدة نفهم منها أن الإخبار عن الله جل وعلا بأنه قديم بلا ابتداء لا بأس به لكن.. لا بأس به؛ لأنه مشتمل على معنى صحيح،فلما قال: "قديم بل ابتداء" انتفى المحظور، وصار المعنى حقًّا، ولكن من جهة الإخبار، أما من جهة الوصف؛ وصف الله بالقدم، فهذا أضيق؛ لأنه لابد فيه من دليل.

وكذلك باب الأسماء وهو تسمية الله بالقديم هذا أضيق، فلابد فيه من اجتماع الشروط الثلاثة، التي ذكرت لك، والشروط الثلاثة غير منطبقة على اسم القديم، وعلى نظائره كالصانع والمتكلم، والمريد وأشباه ذلك؛ فإنها أولاً لم ترد في النصوص، فليس في النصوص اسم القديم، ولا اسم الصانع، ولا اسم المريد، ولا اسم المتكلم، ولا المريد، ولا القديم، أما الصانع فله بحث يأتي إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

والثاني: أن الاسم القديم لا يدعى الله جل وعلا به، يعني لا يتوسل إلى الله به؛ لأنه في ذاته لا يحمل معنى متعلقاً بالعبد فيسأل الله جل وعلا به،فلا يقول: ياقديم أعطني؛ لأنه لا يتوسل إلى الله بهذا الاسم كما هي القاعدة في الآية: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا }،وثم فرق ما بين التوسل بالأسماء، والتوسل بالصفات.

والثالث من الشروط الذي ذكرناه: هو أن تكون متضمنة على مدح كامل غير مطلق، غير مختص، وهذا نعني به أن المدح،أن أسماء الله جل وعلا هي متضمنة لصفات، وهذه الأسماء لابد أن تكون متضمنة للصفات الممدوحة على الإطلاق، غير الممدوحة في حال، والتي قد تذم في حال، أو ممدوحة في حال وغير ممدوحة في حال، أو مسكوت عنها في حال، وذلك يرجع إلى أن أسماء الله جل وعلا حسنى،ي عني أنها بالغة في الحسن نهايته.

ومعلوم أن حسن الأسماء راجع إلى ما اشتملت عليه من المعنى، ما اشتملت عليه من الصفة، والصفة التي في الأسماء الحسنى، والمعنى الذي فيه لابد أن يكون دالا على الكمال مطلقاً بلا تقييد، وبلا تخصيص، فمثل اسم القديم هذا لايدل على مدح كامل مطلق.

ولذلك لما أراد المصنف أن يجعل اسم القديم، أوصفة القدم مدحاً قال: "قديم بلا ابتداء"، وحتى الدائم هنا قال: "دائم بلا انتهاء"، لكن لفظ القديم قيده بكونه: بلا ابتداء، وهذا يدل على أن اسم القديم بحاجة إلى إضافة كلام حتى يجعل حقًّا وحسناً، ووصفا مشتملا على مدح حق.

لهذا نقول: إن هذه الأسماء التي تطلق على أنها من الأسماء الحسنى يجب أن يكون مثلما قلنا: صفات مدح، وكمال, وأما مطلقة غير مختصة، وأما ما كان مقيداً، أو ما كان مختصا المدح فيه بحال دون حال فإنه لا يجوز أن يطلق في أسماء الله، ولهذا مثال آخر أبين من ذلك مثل المريد والإرادة؛ فإن الإرادة منقسمة إلى:

إرادة محمودة؛ إرادة الخير إرادة المصلحة، إرادة النفع، إرادة موافقة للحكمة.

والقسم الآخر إرادة الشر؛ إرادة الفساد،إرادة ما لا يوافق الحكمة... إلى آخره، وهنا لا يسمى الله جل وعلا باسم المريد؛ لأن هذا منقسم، مع أن الله جل وعلا يريد سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ويطلق عليه الفعل وهو سبحانه موصوف بالإرادة الكاملة، ولكن اسم المريد لا يكون من أسمائه؛ لما ذكرنا.

وكذلك اسم الصانع، لا يقال: إنه من أسماء الله جل وعلا؛ لأن الصنع منقسم إلى ما هو موافق للحكمة، وإلى ما ليس موافقاً للحكمة، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يصنع وله الصنع سبحانه كما قال: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ}
وهو سبحانه يصنع ما يشاء، وصانع ما شاء كما جاء في الحديث:((إن الله صانع ما شاء)) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولكن لم يسم الله جل وعلا باسم الصانع؛ لأن الصنع منقسم أيضاً.

اسم المتكلم، المتكلم، لا يقال في أسماء الله جل وعلا المتكلم؛ لأن الكلام الذي هو راجع إلى الأمر والنهي منقسم إلى أمر لما هو موافق الحكمة؛ أمر بمحمود، وإلى أمر بغير ذلك ونهي عما فيه المصلحة، نهي عما فيه الخير، ونهي عما فيه الضرر، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نهى عما فيه الضرر، ولم ينه عما فيه الخير بل أمر بما فيه الخير؛ ولذلك لم يسم الله جل وعلا بالمتكلم، وهذه كلها أطلقها المتكلمون على الله جل وعلا، فسموا الله بالقديم، وسموا الله جل وعلا بالمتكلم، وسموا الله جل وعلا بالمريد، وسموا الله جل وعلا بالصانع، إلى غير ذلك من الأسماء التي جعلوها لله جل وعلا.

فإذا تبين لك ذلك فإن الأسماء الحسنى هي ما اجتمعت فيها هذه الشروط، واسم القديم لم تجتمع فيه الشروط، بل لم ينطبق عليه شرط من هذه الشروط الثلاثة. والمؤلف معذور في ذلك بعض العذر؛ لأنه قال: "قديم بلا ابتداء" (كلام غير مسموع) الخالق غير، والصانع غير الخالق أولاً جاء في النص، والصانع ما جاء، ومن جهة المعنى الصنع الصنع فيه كلفة، فليس ممدوحاً، على كل حال، والخلق هذا إبداع وتقدير، فهو ممدوح الخلق،منقسم إلى مراحل، وأما الصنع فليس كذلك، {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ}، فالخلق يدخل من أول المراحل، والصنع، لا الصنع ليس كمالاً، ممكن يصنع هو في غير أن يصنع ما هو محمود، وبصنع ما هو مذموم، يصنع بلا بدء ولا إنفاذ، وقد يصنع شيئاً لا يوافق ما يريده.

فلهذا لفظ اسم الخالق يشتمل على كمال ليس فيه نقص، وأما اسم الصانع فإنه يطرأ عليه، يطرأ عليه أشياء فيها نقص من جهة المعنى، ومن جهة الإنفاذ، لذلك جاء اسم الله الصانع.. جاء اسم الله الخالق، ولم يأتِ في أسماء الله الصانع.

المسألة الثالثة والأخيرة المتعلقة بهذه الجملة أن قوله: قديم ودائم كما ذكرنا عند أهل السنة يعبر عنه بالأول والآخر، كما جاء في النص، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أوليته عند أهل السنة في ذاته، وفي صفاته، وآخر سبحانه في ذاته، وفي صفاته، فهو سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لم يزل متصفاً بالصفات،وهو أول بصفاته، وهو سبحانه لن ينقطع اتصافه بصفاته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من الجهة الأخرى، يعني أن آخريته سُبْحَانَهُ، آخريته ذات وصفات، وأوليته سبحانه أولية ذات وصفات.

فنقول: علم الله سبحانه وَتَعَالَى أول، ورحمة الله جل وعلا أولى، وخلقه سبحانه أول، يعني: اتصافه بهذه الصفات كذاته سبحانه، فهو الأول الذي ليس قبله شيء، لا في ذاته، ولا في صفاته.وهذا سيأتي له مزيد بيان عند قوله:"مازال بصفاته قديما قبل خلقه،لم يزدد بكونهم شيئاً لم يكن قبلهم من صفة، وكما كان بصفاته أزلياً، كذلك لا يزال عليها أبديا".

المقصود أن التعبير عن صفات الله جل وعلا بكونها أولى،والله جل وعلا أول بذاته وصفاته،هذا الموافق للنص،أما نقول: الكلام القديم، أو خلقه القديم، أو حكمته القديمة وأشباه ذلك، فإن هذا لم يرد،وأيضاً يحتمل معنى غير صحيح.
الجملة الثانية: قوله: "لا يفنى، ولا يبيد" وكونه سبحانه لا يفنى، ولا يبيد ذلك؛لكمال حياته جل وعلا، وكمال قيوميته،دل على ذلك قوله سبحانه: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فانٍ . وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ}, ويدل عليها قوله: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} في أحد تفسيرين، ويدل عليها قوله جل وعلا: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} وذلك لكمال حياته، وكمال قيوميته، وإذا انتقى الأدنى انتفى الأعلى من باب أولى.

ولهذا قال: "لا يفنى ولا يبيد" سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأراد المصنف بقوله: "لا يفنى، ولا يبيد" أراد شيئين فيما يظهر:

الأول: أن هذا فيه مزيد وصف الله جل وعلا بكمال الحياة، وكمال القيومية جل وعلا، وتفسير لقوله: "دائم بلا انتهاء".

والثاني: أن بعض أهل البدع زعموا أن بعض صفات الله جل وعلا تفنى، أو أن بعض آثار أسمائه جل وعلا تبيد، ونحن نطلق القول بأنه جل وعلا لا يفنى، ولايبيد سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في ذاته، وفي أسمائه، وصفاته،ولا نقيد ذلك في الزمن المستقبل بشيء، بلا نقول: هو على إطلاقه بأنه سبحانه آخر،فليس بعده شيء، وأنه لن يزال متصفاً بصفاته بمشيئته، وقدرته جل وعلا.

فإذن قوله: "لا يفنى، ولا يبيد" هذا لكمال ربوبيته سبحانه، وكمال اتصافه بالصفات.
ثم قال: "ولا يكون إلا ما يريد"، وهذه الجملة الأدلة عليها كثيرة من الكتاب والسنة؛ فإن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قال: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً}، وقال سبحانه: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ
يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} وما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، والله سبحانه يشاء الأشياء،فتكون كما شاءها جل وعلا، ولا تخرج مشيئة العبد عن مشيئة الله جل وعلا للأشياء.

وقوله: "ولا يكون إلا ما يريد" يريد به المشيئة، يعني لا يكون إلا ما يشاءه سبحانه، فالإرادة هنا المعني بها الإرادة الكونية، وأراد بهذه الجملة الرد على القدرية، الذين يزعمون أن الرب جل وعلا أراد طاعة المطيع، وأراد إيمان المؤمن، ولكن أراد إيمان المكلف ولكن المكلف أراد الكفر، وأراد المعصية، فكان ما لم يرد الله جل وعلا، وهذا قول الذين يقولون: إن العبد يخلق فعل نفسه، كما هو قول المعتزلة وطوائف أيضا من القدرية يقولون: إن العبد يخلق فعل نفسه، وأن الله جل وعلا لا يخلق فعله، فيحصل في الكون ما لا يريده جل وعلا؛ لأن الله سبحانه لا يريد الكفر ولا يريد الضلال، ولا يريد المعصية.وهذا القول باطل كما ذكرنا لك؛ لأن الإرادة المراد بها هنا الإرادة الشرعية.

وهنا نخلص في هذه الجملة إلى مسائل:

المسألة الأولى: أنه أراد بقوله: "لا يكون إلا ما يريد" أراد بالإرادة هنا المشيئة، والإرادة ـ إرادة الله جل وعلا ـ منقسمة إلى إرادة كونية، يعني: فيما يحصل في كون الله جل وعلا، وإرادة شرعية.

فأما الإرادة الكونية فكثيرة في النصوص، وهي مرادفة للمشيئة، فمشيئة الله هي الإرادة الكونية، فإذا قلنا: شاء الله كذا يعني أراده كونا، أما المشيئة فلا تقسم إلى مشيئة كونية وإلى مشيئة شرعية، بل هي نوع واحد هو مشيئة في كونه، أما الشرع فإنما يوصف بإرادة شرعية، وهذا يعني أن الإرادة الكونية التي هي المشيئة هي التي لا يخرج أحدٌ عنها، فقد يقع الشيء مأذوناً من الله جل وعلا و شاءه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كوناً وقدراً، ولكنه لم يرده شرعاً، ولم يرده ديناً، فتختلف الإرادتان، إذا تعلقت بمعصية العاصي، وكفر الكافر، فمن جهة معصية العاصي وقعت بإرادة الله الكونية، لكنها لم تقع بإرادة الله الشرعية، والله سبحانه قال: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ} وقال سبحانه: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}، وفي المشيئة قال جل وعلا: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ}.

وهذا راجع إلى علم الله جل وعلا فيهم بأنه سبحانه ما شاءه كان، وما لم يشأه لم يكن سبحانه وتعالى، ولو علم الله جل وعلا فيهم خيراً لأسمعهم، ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون يعني في علم الله جل وعلا فيما لم يقع، ولن يقع لو وقع، ولو شاءه كيف يكون.

فإذن صارت مشيئة الله جل وعلا هي الإرادة، والإرادة مرتبطة بالعمل، وبالحكمة، وهذا خلاف الإرادة الشرعية؛ فإن الإرادة الشرعية مطلوبة من العبد،أمر،أمر بكذا، ونهى عن كذا، فصار المأمور به، والمنهي عنه مراداً له شرعاً.
إذا تبين هذا فإذن قولنا: لا يكون إلا ما يريد هذا راجع إلى الإرادة الكونية فقط. والذين لم يفرقوا ما بين الإرادتين وقع منهم الغلط في معصية العاصي وضلال الكافر فيا سيأتي بيانه إن شاء الله في موضعه من مباحث القدر.

المسألة الثانية: أن قوله: " لا يكون إلا ما يريد" فيه تداخل ما بين إرادة الله جل وعلا وإرادة العبد، وإرادة العبد هي مشيئته، وهي خارجة عن رؤية الحكمة، وأما إرادة الله جل وعلا الكونية فهي منظور فيها بالحكمة، فالله سبحانه يريد بما يوافق الحكمة، والعبد يريد ما لا يوافق الحكمة، وقد يريد ما يوافق الحكمة.

وإذا كان كذلك فإرادة الله جل وعلا بالعبد موافقة للحكمة،سواء تعلقت بالمعين، أو تعلقت بالمجموع، وهذا يعني: أن إرادة العبد فيما يريده خارجة عن مقتضى حكمة الله جل وعلا، إذا أراد شيئاً في نفسه له يعني له بخصوصه، والله جل وعلا يريد من العبدما يوافق حكمته،فقد تجتمع الإرادتان فيما فيه حكمة لله جل وعلا، وقد تختلف الإرادتان فيما كان يريده العبد، ولا يوافق حكمة الله جل وعلا، وهذا يعني أن العبد قد يتجه بإرادته إلى شيء فيصرف عنه؛ لعدم موافقته لحكمة الله جل وعلا في نفسه، يعني فيما يتعلق بالعبد، أو فيما يتعلق بالمجموع، والله جل وعلا قد يريد الشيء كوناً ولا يكون إلا ما يريد لموافقته للحكمة في خصوص العبد في نفسه، أو ظهور الحكمة في نفسه، أو لظهور الحكمة في المجموع يعني في غيره.

ولهذا نقول: ما من شيء يريده الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في ملكوته إلا وهو موافق للحكمة، والشر ليس إلى الله جل وعلا، بل الله سبحانه لا يوصف، أو لا يضاف إليه إلا الخير، وأما العبد فقد يريد الشيء ويكون بالنسبة له شرا، فيخرج من هذه الجهة عن كونه موافقا للحكمة، يعني حكمة العبد ومصلحته، ولكنه بالنسبة لفعل الله جل وعلا وإرادته يوافق الحكمة التي هي منظور فيها إلى المجموع، وهذا يعني أن إرادة الله جل وعلا في ملكه إنما تكون على وفق الحكمة، وحكمة الله هي القاضية على هذه الأشياء جميعاً في الإرادات.

وهذا فيه رد على طوائف كثيرة من المبتدعة في مسائل القدر، يأتي بيانها مفصلاً إِنْ شَاءَ اللَّهُ في موضعهافي تعريف الظلم والعدل، وفي التحسين والتقبيح، وفي أيضا الإرادة الكونية والإرادة الشرعية، وفي وقوع المعصية ووقوع الكفر، وفي فعل العبد بنفسه، وهذه مسائل كبيرة تحتاج إلى بيان وتفصيل في موضعها.

المقصود من ذلك أن قوله:"لا يكون إلا ما يريد" هذا موافق لما أو تضيف عليها عبارة أن ما يريده موافق لمقتضى الحكمة المطلقة،سواء وافقت العبد المعين، أو وافقت المجموع، فالله سبحانه الشر ليس إليه،كما وصفه به النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله في الدعاء: ((والشر ليس إليك))، ففعله سبحانه خير محض،وقد يأذن بالشر المضاف إلى العبد، ولا يكون شراً بالنسبة لإرادته سبحانه،فالله لا يريد ظلماً للعباد، ولا يريد شراً بالعباد، وإنما العباد أرادوا ذلك بأنفسهم، وإذا وقع ذلك فإنما يقع بالإضافة إلى فعل العباد، وليس مضافا إلى الله سبحانه؛ لأن فعله سبحانه خير محض.


  #6  
قديم 5 ربيع الأول 1430هـ/1-03-2009م, 09:36 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية للشيخ: يوسف بن محمد الغفيص (مفرغ)


قال المصنف رحمه الله: [قديم بلا ابتداء، دائم بلا انتهاء].
لفظ: (القديم) لم يرد في الكتاب ولا في السنة، وهو من الألفاظ التي استعملها المتكلمون، وكان ينبغي للمصنف رحمه الله أن لا يعبر بها، ولا سيما أن اللفظ القرآني المناسب لهذا المقام متحقق، فإن الله سبحانه وتعالى قال: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد:3] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح في دعائه: (اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء) ، وقوله: (وأنت الباطن فليس دونك شيء) معناه: لا يخفى عليه شيء سبحانه وتعالى. فكان ينبغي أن يقول: (الأول بلا ابتداء)، أو: (الأول الذي ليس قبله شيء)، كما قال عليه الصلاة والسلام، وذلك لأن لفظ (القديم) لم يرد، وهو لفظ مجمل، والله سبحانه وتعالى يُوصف بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من الأحرف القرآنية، أو الأحرف والكلمات النبوية، فلابد من الاقتداء بالكلمات القرآنية والكلمات النبوية.
وأما الأحرف الحادثة التي لم ترد في الكتاب ولا في السنة، والمجملة التي تحتمل حقاً وباطلاً؛ فإن مذهب السلف فيها التوقف في لفظها والتفصيل في معناها. وعليه: فكل لفظ مجمل حادث فإنه لا يُطلق إثباتاً ولا نفياً؛ بل يُستفصل عن معناه، فإن أريد به ما هو حق قُبل، وإن أُريد به ما هو باطل رُدّ، وأما اللفظ فيتوقف فيه؛ فإن كان المعنى حقاً عبر بالألفاظ والكلمات الشرعية. هذه هي القاعدة في الألفاظ المجملة الحادثة. والحدوث -كما ذكرنا- هو اللفظ الذي لم يذكر في الكتاب والسنة. والإجمال: هو أن يكون اللفظ محتملاً لأكثر من معنى بينها تضاد واختلاف. وينبه هنا إلى مسألة مهمة: وهي أن الإجمال تارةً يكون بأصل الوضع -أي: بأصل اللغة، فهو في لسان العرب لفظ مجمل- وتارة يكون موجبه الاستعمال وليس اللغة، فإذا كان اللفظ حادثاً ومجملاً من جهة لسان العرب، فإنه لا يطلق إثباتاص ولا نفياً في حق الله تعالى، وكذلك إذا كان لفظاً حادثاً ومجملاص من جهة الاستعمال، وإن كان من حيث اللغة ليس مجملاً. مثال ذلك: لفظ (الظاهر) أي: ظاهر الكلام، فهذا اللفظ من حيث اللغة العربية ليس مجملاً، لكن لما استعملته الطوائف صار مجملاً، حيث صارت طائفة منهم يفسرون الظاهر بالتشبيه، وطائفة أخرى يفسرون الظاهر بالتأويل.. وغير ذلك، ولهذا لما تكلم المتأخرون: هل ظاهر نصوص الصفات مراد أو ليس مراداً؟ كان جواب أهل السنة والجماعة كـشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره: أن لفظ الظاهر لفظ مجمل، لا من جهة اللغة، وإنما من جهة الاستعمال والقاعدة المقررة: أن كل لفظ مجمل حادث فإنه لا يطلق إثباتاً ولا نفياً؛ بل يستفصل في معناه، فإن أريد به ما هو حق قبل، وإن أريد به ما هو باطل رُد، والمعنى الحق يعبر عنه بالألفاظ الشرعية. فإذا عُبر عن عقيدة أهل السنة والجماعة بياناً لها، فلا يصح في هذا المقام استعمال الألفاظ المجملة، إنما تستعمل في مقام مخاطبة أهل الاصطلاح الذين لم يعرفوا إلا هذا الاصطلاح، قال شيخ الإسلام رحمه الله في درء التعارض: (والأصل في هذا المقام الاعتبار بالأحرف والكلمات المذكورة في الكتاب والسنة) ثم قال: (وأما مخاطبة أهل الاصطلاح باصطلاحهم فإن هذا مما تسوغه الشريعة إذا قام مقتضيه). وهذا إذا لم يمكن أن يخاطبوا إلا بهذا الاصطلاح؛ كالطوائف التي لم تعرف الألفاظ القرآنية والنبوية على التحقيق، وإنما استعملت ألفاظاً كلامية.......

آخرية الله عز وجل
وقوله: (دائم بلا انتهاء). هذا التعبير أجود من التعبير السابق، مع أنه لو عبر بأنه (الآخر الذي ليس بعده شيء) لكان أجود وأصوب؛ لأن هذا هو لفظ القرآن. والفرق بين قوله: (دائم بلا انتهاء) وقوله: (قديم بلا ابتداء) مع أن كليهما ليس موافقاً للحرف القرآني؛ أن لفظ (القديم) فيه إجمال من جهة الاصطلاح، ومن جهة اللغة، فإن القديم في اللغة لفظ إضافي، أي: المتقدم على غيره، وقد يتقدمه غيره. ......

تنزيه الله تعالى عن الفناء والعدم
قال المصنف رحمه الله: [ لا يفنى ولا يبيد، ولا يكون إلا ما يريد ]. قوله: (لا يفنى ولا يبيد). هذه الألفاظ ليست مذكورةً في الكتاب ولا في السنة، ومراد المصنف بها التنزيه، أي: أن الله سبحانه وتعالى منزه عن الفناء والعدم، كما قال تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن:26-27] ، وكأن هذا هو معتبر الإمام الطحاوي في تعبيره عندما قال: (لا يفنى)، ولكنه ذكره على جهة الفعل. ......

مقام الإخبار عن الله أوسع من مقام الوصف والتسمية
وكان الأولى بالمصنف في هذه الجمل المجملة أن يستعمل ما في القرآن، ولكن مع هذا فإن جملته ليس فيها تعقيد، فإنها مفصلة، ولفظها أصله معروف في الشرع، وحتى لو لم يكن كذلك فإنه ليس لفظاً مجملاً، فإن اللفظ إذا كان مفصلاً ساغ الإخبار به وإن لم يكن مستعملاً في القرآن، وهذا يتعلق بمسألة التفريق بين وصف الله بالصفة أو تسميته بالاسم وبين الإخبار عنه، فإذا قصد مقام ذكر أسماء الله وصفاته، فإن هذا معتبر بالألفاظ الشرعية، وأما إذا قصد الإخبار العام عن الله سبحانه وتعالى فإن هذا يعبر عنه بما هو صحيح بمقتضى الشرع واللغة؛ وإن لم يكن من جهة اللفظ مستعملاً؛ ولهذا فإن المسلمين في الدعاء يخاطبون الله سبحانه وتعالى بما هو من الإخبار عنه، ولربما تعذر انضباطه لاختلاف مسائل الناس وحاجاتهم. وباب الإخبار قد نص أئمة السنة والجماعة على أنه أوسع من باب الاسم والصفة، والمقصود به: ما لم يُذكر على جهة كونه اسماً أو صفةً، وإنما يأتي في سياق العموم، فهذا يسوغ وإن لم يرد لفظه إذا كان لفظه ومعناه مما لا يُعارض النصوص الشرعية. ......

أقسام إرادة الله تعالى
وقوله: (ولا يكون إلا ما يريد) إرادة الله سبحانه وتعالى جاءت في القرآن على نوعين:
النوع الأول: إرادة التكوين، وهي المذكورة في مثل قوله تعالى: {فَمَنْ يُرِدْ الله أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً} [الأنعام:125] ، وفي قوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82] .
النوع الثاني: الإرادة الأمرية الشرعية، وهي أمره سبحانه وتعالى لعباده، ولا تلازم بين الإرادتين، وهي المذكورة في مثل قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ} [البقرة:185] ، فهذه الإرادة الأمرية الدينية الشرعية تقع مخالفتها من العصاة إما بالكفر أو ما دونه. بخلاف الإرادة الكونية الخلقية وهي إرادة التكوين والخلق والتدبير، فإن هذه لا يمكن أن يتخلف متعلقها، فإذا أراد الله شيئاً على هذا الوجه فإنه لابد أن يكون. فكل ما يقع وما سيقع وما لم يقع مما يمكن وقوعه فإن الله سبحانه وتعالى قد أراد وقوع ما وقع، وأراد وقوع ما سيقع، وأراد عدم وقوع ما لم يقع ولم يقدر وقوعه، فكل شيء بإرادته، كما قال سبحانه: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82] وهذه إرادة التكوين والخلق. وخلق الله سبحانه وتعالى يقع بمحض الأمر والإرادة، ويقع بتوسط السبب، كخلقه لأفعال العباد، فإنها بتوسط السبب وهو العبد، وكخلقه للإنسان فإنه بتوسط السبب وهما الأب والأم، وما إلى ذلك، والله سبحانه وتعالى هو الخالق للسبب وللمسبب ويأتي تفصيل هذا في مسألة: أفعال العباد، وبيان معتقد السلف في ذلك.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
قديم, قوله

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:56 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir