المتن :
سورةُ التَّكْوِير
قال صلى الله عليه وسلم: ((من سرَّه أن ينظرَ إلى يوم القيامة كأنه رأيَ عَيْنٍ، فليقرأ: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}، {وَإِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ}، {وَإِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ})).
وقد وردَ عن أُبي بن كعبٍ رضي الله عنه أنَّ الآيات الستَّ الأُولى تكونُ في آخرِ الزمان والناس ينظرونَ إليها، والستَّ الأخيرةَ تكون في يوم القيامة.
1- قولُه تعالى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} أي: إذا جُمع جِرمُ الشمس، وذهب ضوؤها، فأُلقيت في النار(1).
2- قولُه تعالى: {وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ} أي: وإذا نجومُ السماءِ وقعت وانتثَرت، فتغيَّرت وطُمسَ ضوؤها(2).
3- قولُه تعالى: {وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ} أي: وإذا هذه الجبالُ العظيمةُ قد أمر الله بتحريكِها من مكانها، فسَارت(3).
4-قولُه تعالى: {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ} أي: وإذا النُّوقُ الحوامِلُ التي بلَغت الشهرَ العاشرَ من حَمْلِها، التي هي أنفسُ أموالهم، قد أهملَها أهلها وتركوها من هَوْلِ الموقف (4)
5-قولُه تعالى: {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ} أي: وإذا الحيواناتُ البرِّيَّة التي لم تأنسْ بالإنسان جُمِعت معه وزالَ ما بينهما من الاستيحاشِ بسبب هَوْلِ الموقف(5).
6- قولُه تعالى: {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} أي: وإذا هذه البحارُ امتلأت بالماء، ففاضت به، ثم أُوقِدت، فذهبَ ما فيها من الماء(6).
7- قولُه تعالى(7): {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} أي: إذا الأشخاصُ الذين يعملونَ أعمالاً متشابهة، يُقْرَنُ بينهم، فيُقرنُ الكافرُ مع الكافرِ، والمؤمنُ مع المؤمن، واليهوديُّ مع اليهوديِّ، والنصرانيُّ مع النصراني، وهكذا(8).
8- 9- قولُه تعالى: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ} أي: وإذا سألَ اللهُ البنتَ المدفونةَ وهي على قيد الحياة: ما الجريمةُ التي فَعلتيها حتى يدفِنكِ أهلُك، فيقتلونَكِ بهذا الدفن(9) ؟.
وهذا فيه تبكيتٌ لقاتِلها، وتهويلٌ للموقف الذي يُسأل فيه المجني عليه، فما ظنُّكَ بما يلاقيه الجاني لهذه الجنايةِ البشعة؟.
10- قولُه تعالى: {وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ} أي: وإذا ما كُتِبَتْ به أعمالُ العبادِ من الصُّحف قد فُتحت، ليقرأَ كلٌّ كتابَ أعمالِه؛ كقوله تعالى: {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} [الإسراء: 14].
11- قولُه تعالى: {وَإِذَا السَّمَاء كُشِطَتْ} أي: وإذا نُزِعَتِ السماءُ كما يُنزعُ الجلدُ من الذبيحة(10).
12- قولُه تعالى: {وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ} أي: وإذا نارُ الجحيمِ أُوقِدَت، فزاد حرُّها.
13-قولُه تعالى: {وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ} أي:وإذا الجنةُ التي أُعِدَّت للمتقين، قُرِّبَت وأُدْنِيَت(11).
14- قولُه تعالى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ} أي: إذا وَقعت هذه الأحداث، فإنَّ كُلَّ نفسٍ مؤمنةٍ وكافرةٍ تعلمُ علماً يقينياً بالذي جاءت به الأعمال لهذا اليوم؛ كما قال تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً}(12) [آل عمران: 30].
الحاشية :
(1) عبَّر السلف عن التكوير بالعبارات الآتية:
1- ذهبت، وهو قول ابن عباس من طريق العوفي، والضحَّاك من طريق عبيد، وقال مجاهد من طريق أبي يحيى: اضمحلَّت وذهبت، وقال سعيد بن جبير من طريق جعفر: غُوِّرت.
2- ذهب ضوؤها، وهو قول أبي بن كعب من طريق أبي العالية، وقتادة من طريق شعبة، وقال ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة: أظلمت.
3- رُمي بها، وهو قول الربيع بن خثيم، وأبي صالح من طريق إسماعيل، وفي رواية أخرى من طريق إسماعيل: نُكِّسَت.
وهذه الأقوال ترجع إلى معنيين:
- ذهابها بذاتها، يلحقه ذهاب ضوئها.
- ورميها.
وعلى هذه التفاسير يكون التكوير محتملاً لهذين الأمرين، ويربط بينهما أنهما من الأحوال التي تَمُرُّ بها الشمس في ذلك اليوم، فجاءت هذه اللفظةُ الواحدةُ دالةً على هذه المعاني، والله أعلم.
قال ابن جرير الطبري:(والصواب من القول عندنا في ذلك أن يقال: (كُوِّرت) كما قال الله جل ثناؤه، والتكوير في كلام العرب: جمع بعض الشيء إلى بعض، وذلك كتكوير العمامة، وهو لَفُّهَا على الرأس، وكتكوير الكَارَةِ، وهي جَمْعُ الثيابِ بعضها إلى بعض ولَفُّها، وكذلك قوله: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} إنما معناه: جُمِعَ بعضُها إلى بعض، ثم لُفَّت، فرُمي بها، وإذا فُعل ذلك بها ذهب ضوؤها، فعلى التأويل الذي تأوَّلناه وبينَّاه لكِلا القولين اللذَينِ ذكرتُ عن أهل التأويل وجه صحيح، وذلك أنها إذا كوِّرت ورُمي بها ذهب ضوؤها).
وعلى هذا الترجيح من الطبري يزيد معنى اللفِّ والجمع، ولم أجِدْهُ لأحدٍ من السلف قبل الطبري، وهو مستنبَطٌ من المعنى اللغويِّ للتكوير، كما أنَّ من قال: رُمي بها، فإنه مأخوذٌ من معنىً لغويٍّ آخر في مادة التكوير، تقول: كوَّرتُ الرجلَ؛ أي: طرحتَه في الأرض، وقد ورد في الحديث:((الشمسُ والقمرُ ثورانِ مكوَّران في القار)) وهذا يشهد لهذا المعنى التفسيري، ويزيد عليه بيانَ مآلِ الشمس. أمَّا من فسَّرها بذهبت واضمحلَّت فإن ذلك لازمُ لفِّها كما ذكر الطبري، وإذا ذهبت ذهبَ ضوؤها، والله أعلم. (2) ورد في تفسير الانكدار قولان:
الأول: تناثرت، وهو قولُ الربيع بن خثيم، ومجاهد من طريق ابن أبي نجيح، وأبي صالح من طريق إسماعيل، وقتادة من طريق سعيد، وعبارته: (تساقطت وتهافتت)، وابن زيد وعبارته: (رُمي بها من السماء إلى الأرض).
والثاني: تغيَّرت، وهو قول ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة.
وهذان القولان ليس بينهما تضاد، بل الثاني من لوازم الأول، والمعنى أنها إذا تساقطت؛ كما قال تعالى: {وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ} [الانفطار: 2]، فإنها تتغير ويذهب ضوؤها؛ كما قال تعالى: {فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ} [المرسلات: 8]، وهذان القولانِ مرجِعهما اللغة:
فالأولُ جعل اللفظَ من الانكدار، أي الانصباب؛ كما قال العجاج:
تَقَضِّيَ البازي إذا البازي كَسَرْ = أَبـْصـَرَغـِرْبـَانَ فَضَاءٍ فَانْكَدَرْ
والمعنى الثاني مأخوذ من الكُدرة، وهي التغيُّر، تقول: كدرت الماء فانكدر؛ أي: تغيَّر بما يكدر صفاءَهُ، وهذا من اختلاف التنوع الذي يرجع إلى معنيين غير متضادين، ويجوز أن يرادا في الآية، ويكون سببُ الاختلافِ الاشتراكَ اللغويَّ في لفظ: انكدرت، والله أعلم.
(3) عبَّر مجاهد عن معنى التسيير بقوله: (ذهبت) وهذا من لوازم تسيير الجبال؛ لأنها إذا سارت فقد ذهبت، والله أعلم.
وهذه الآية كقوله تعالى: {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً (20)} وجاء الفعلُ على صيغة المفعول للاهتمام بالحَدَثِ، وللدلالة على أن هذا الفعل يكون مبدؤه بفعلِ فاعلٍ فيها، ثم إنها تنفعلُ لهذا الحدَث فتسير؛ كما قال تعالى: {وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْراً (10)}، ويظهر أن هذه أولُ حالٍ من الأحوال التي تمرُّ بها الجبال في ذلك اليوم، والله أعلم.
(4) كذا قال السلف: أُبيُّ بن كعب من طريق أبي العالية، والربيع بن خثيم، ومجاهد من طريق ابن أبي نجيح وأبي يحيى، والحسن من طريق عوف، وقتادة من طريق معمر، والضحَّاك من طريق عبيد المكتب.
(5) اختلف السلف في تفسير عبارة الحشر هنا:
1-فجعله ابن عباس من طريق عكرمة: (الموت)، وقال الربيع بن خثيم: (أتى عليها أمرُ الله).
2-وقال أُبيُّ بن كعب من طريق أبي العالية: (اختلطت).
3-وفسَّره قتادة من طريق سعيد بالجمْعِ قال: (هذه الخلائقُ موافيةٌ يومَ القيامة، فيقضي الله فيها ما يشاء).
وهذا تفسيرُ معنى، ولم ينص فيه على مدلول اللفظ مطابَقَةً، لكن يفهم من قوله أن الحشرَ الجمعُ، والله أعلم.
وقد رجَّح الإمام ابن جرير قول قتادة وأردفَه بقول ابن عباس فقال: (وأَوْلى الأقوالِ في ذلك بالصواب، قولُ من قال: معنى حشرت: جُمعت، فأميتت؛ لأن المعروف في كلام العرب من معنى الحشر: الجمع؛ ومنه قول الله: {وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً} [ص: 19] يعني: مجموعة، وقوله: {فَحَشَرَ فَنَادَى} [النازعات: 23]، وإنما يُحمل تأويلُ القرآنِ على الأغلب الظاهر من تأويله، لا على الأَنْكَرِ المجهول).
ولعلَّكَ تلاحظُ أنه استشهد لمعنى الجمع، ولم يستشهد لمعنى الموتِ الذي ذكره في أولِ كلامه! وتفسيرُ ابن عباس يظهر منه أن هذه الدلالة اللغوية للحشر مختصَّة بحشر الحيواناتِ في آخر الزمانِ، حيث قال: (حَشْرُ البهائم: موتها، وحَشرُ كل شيء: الموت، غير الجنِّ والإنس، فإنهما يوقَفان يوم القيامة).
وإن لم تحمله على ذلك، فإنك ستلاحظ أنه أفادَ زيادةً على معنى الجمع؛ أي: نتيجة هذا الجمع ولازمه، وهو مآل هذه الحيوانات بعد هذا الحشر، والله أعلم.
أما تفسيرُ أبي بن كعب، فإن لم تحمله على أنه معنىً لغوي آخر للحشر، فإنه من لوازم الحشر؛ أي: أنَّ جمعَ هذه الحيوانات جعلها تختلطُ ببعضها دون خوفٍ أو غيره مما كان من حالها قبل ذلك، والله أعلم.
(6) قُرئ حرف (سُجِّرت) بتخفيف الجيم وتشديدها، وفي التشديد مبالغة في السَّجْرِ، وكِلا القراءتين جاءت على صيغة المفعول للاهتمام بالحدث.
وقد اختلف السلف في تفسير التَّسْجير في هذه الآية على أقوال:
الأول:أُشعلت وأُوقدت، وهذا قول أُبي بن كعب من طريق أبي العالية، وابن عباس من طريق شيخ من بجيلة، وابن زيد، وشمر بن عطية، وسفيان الثوري من طريق ابن مهران، ومن طريق سعيد بن المسيب عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (قال علي رضي الله عنه لرجل من اليهود: أين جهنَّم؟ فقال: في البحر، فقال: ما أُراه إلا صادقاً){وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} [الطور: 6]، {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} [التكوير: 6] مخفَّفة.
الثاني: فاضت، وهو قول الربيع بن خثيم، وقال الكلبي: مُلئت، وجعلها نظير قوله تعالى: {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} [الطور: 6].
الثالث: فجِّرت، وهو قول الضحَّاك من طريق عبيد، وكأنه جعلها نظير قوله تعالى: {وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ} [الانفطار: 3].
الرابع: ذهبَ ماؤها، وهو قول قتادة من طريق معمر وسعيد، وقال الحسن من طريق أبي رجاء وسليمان بن المعتمر: يبسَت.
قال أبو جعفر الطبري: (وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: معنى ذلك: مُلئت حتى فاضت، فانفجرت وسالت، كما وصفها الله به في الموضع الآخر، فقال:{وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ} [الانفطار: 3]، والعرب تقول للركِيِّ المملوء: ماء مسجور، ومنه قول لبيد:
فتوسّطا عرض السري وصدعا = مــسـجـورةًمــتـجــاوراً قلاّمــها
ويعني بالمسجورة: المملوءة ماء).
والسَّجْرُ في لغة العرب يطلق على معان ثلاثة مما ذكر في التفسير، وهي:
- الامتلاء.
- والإيقاد.
- واليُبس.
ومن ثمَّ فإن الآية تحتمل هذه المعاني الثلاثة التي ذكرها السلف، ويمكن الجمع بينها على أن هذه من المراحل التي تمرُّ بها البحار في ذلك الزمان، فعبَّر بلفظٍ يدلُّ على هذه المراحل جميعها، والله أعلم.
وإذا صحَّ ذلك، فإن الأمرَ يكون بأن تتفجَّر البحارُ ويفيضَ بعضها على بعض، حتى تصير بحراً واحداً ممتلئاً، ثم تُوقدَ بالنار - التي ورد في بعض الآثار أنها تحت البحر - ثم تَيْبَسَ ويذهبَ ماؤها، والله أعلم.
ويظهرُ أن سببَ الاختلاف هنا: الاشتراك اللغوي في لفظ (سُجِّرت) وهو من قبيل اختلاف التنوع الذي يرجع إلى أكثر من قولٍ، كما يُلاحَظُ أن بين قولي الامتلاء واليُبس تضاداً، ولكن جاز حمل الآية عليهما لاختلاف الحال والوقت الذي يكون فيه هذان المعنيان، والله أعلم.
(7) هذه الآية وما بعدها تكون بعدَ البعثِ كما ذكر أبي بن كعب، وهذا ظاهر من أمر هذه الآياتِ الستِّ القادمة، والله أعلم.
(8) اختلف السَّلف في تفسير الآية على قولين:
الأول: أُلحِقَ كلُّ إنسانٍ بشكله، وقُرِنَ بين الضُّرَباء والأمثال، وهذا قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: (هما الرجُلان يعملان العمل، فيدخلان به الجنة، وقال: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات: 22] قال: ضُرَباءهم).
وقال ابن عباس من طريق العوفي: (ذلك حين يكون الناس أزواجاً ثلاثة) وهو قول الحسن من طريق عوف، ومجاهد من طريق ابن أبي نجيح، وقتادة من طريق سعيد، والربيع بن خثيم.
الثاني: رُدَّتِ الأرواحُ إلى الأجسادِ، فجُعلت لها زوجاً، وهو قول عكرمة من طريق أبي عمرو، والشعبي من طريق داود.
والقول الأول هو الراجح، قال الطبري: (وأَوْلى التأويلين في ذلك بالصحَّة، الذي تأوَّلَه عمر بن الخطاب رضي الله عنه للعلَّة التي اعتلَّ بها، وذلك قوله تعالى ذكره: {وَكُنْتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاثَةً} [الواقعة: 7]، وقوله: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات: 22]، وذلك - ولا شك - الأمثال والأشكال في الخير والشر، وكذلك قوله: {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} [التكوير: 7] بالقُرناء والأمثال في الخير والشر).
(9) لا يخفى عليك أيها القارئُ ما تَقومُ به الحضارة المعاصِرة من الوَأْد، وذلك ما يسمَّى بالإجهاض.
(10) قال مجاهد من طريق ابن أبي نجيح: (جُذِبَت) وهذا من لوازم الكَشْطِ؛ لأنه لا يكون كَشْطٌ إلا بِجَذْبٍ، والله أعلم.
وهذه أحدُ الأحوالِ التي تمرُّ بها السماء في يوم القيامة، ومن أحوالها ما ذكرَهُ الله في قوله: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} [الأنبياء: 104]، وقوله: {فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ} [الرحمن: 37]، وقوله: {إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ} [الانشقاق: 1]، وغيرها.
(11) قال الربيع بن خثيم في قوله تعالى: {وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ}: (إلى هذين ما جرى الحديث: فريق إلى الجنة، وفريق إلى النار).
وشرح الطبري قوله هذا فقال: (يعني الربيع بقوله: (إلى هذين ما جرى الحديث) أن ابتداء الخبر{إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} إلى قوله: {وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ} إنما عدِّدت الأمور الكائنة التي نهايتُها أحد هذين الأمرين، وذلك المصير إما إلى الجنة، وإما إلى النار).
(12) روي عن عمر بن الخطاب قوله: (إلى هذا جرى الحديث).
وجملة {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ} جواب (إذا) في المواطن السابقة كلِّها، والتقدير: إذا الشمسُ كوِّرت، علِمت نفسٌ ما أحضرت، وإذا النجوم انكدرت، علِمت نفسٌ ما أحضرت، وهكذا.
ولا شك أن العلمَ بما عمِلت يتفاوتُ في هذه الأزمان التي تقع فيها هذه الأحداث، غير أنها لما كانت مترابطةً إذا حدثَ الحدثُ الأول تبعته الأحداثُ الأخرى كما تنفرِطُ خرزات السُّبْحة من خيْطِها، جاز الجوابُ عنها بهذا الجوابِ الشاملِ، وإن كان وقوعُ ذلك الجواب وقوعاً عينياً يكون بعد كشفِ الصحفِ وقراءتها، والله أعلم. (انظر: التحرير والتنوير).