أخرجَهُ أبو داودَ، وابنُ أبي عاصمٍ، والطَّبرانيُّ والبغويُّ، وابنُ خزيمةَ، والبيهقيُّ، والدَّارقطنيُّ، والدَّارميُّ، وموفَّقُ الدِّينِ، وأبو الشَّيخِ، وابنُ عبدِ البرِّ والمزّيُّ من طرقٍ عن وهبِ بنِ جريرِ بنِ حازمٍ قالَ: حدَّثَنِي أبي قالَ: سمعْتُ محمَّدَ بنَ إسحاقَ يحدِّثُ عن يعقوبَ بنِ عتبةَ عن جبيرِ بنِ محمَّدِ بنِ جبيرِ بنِ مطعمٍ عن أبيهِ عن جدِّهِ قالِ: ((أَتـَى أعرابيٌّ…))الحديثَ.
رواهُ عن وهبِ بنِ جريرٍ جماعةٌ منهم أحمدُ بنُ سعيدٍ الرّباطيُّ وأحمدُ بنُ الأزهرِ النَّيسابوريُّ وعليُّ بنُ المدينيِّ ويحيى بنُ معينٍ وعبدُ الأعلى بنُ حمَّادِ النَّرسيُّ ومحمَّدُ بنُ بشَّارٍ هَكَذَا.
ورواهُ محمَّدُ بنُ بشَّارٍ وعبدُ الأعلى بنُ حمَّادٍ النَّرسيُّ أيضاً ومحمَّدُ بنُ المثنَّى عن وهبِ بنِ جريرٍ ثنَا أبي قالَ: سمعْتُ محمَّدَ بنَ إسحاقَ يحدِّثُ عن يعقوبَ بنِ عتبةَ وجبيرِ بنِ محمَّدٍ عن أبيهِ عن جدِّهِ… الخ. قالَ أبو داودَ: (والحديثُ بإسنادِ أحمدَ بنِ سعيدٍ هو الصَّحيحُ، وافقَهُ عليه جماعةٌ منهم يحيى بنُ معينٍ وعليُّ بنُ المدينيِّ، ورواهُ جماعةٌ كما قالَ أحمدُ أيضاً).
وكانَ سماعُ عبدِ الأعلى وابنِ المثنَّى وابنِ بشَّارٍ من نسخةٍ واحدةٍ فيما بلغَنِي)) اهـ.
وقالَ الدَّارقطنيُّ: (ومـَنْ قالَ فيهِ عن يعقوبَ بنِ عتبةَ وجبيرِ بنِ محمَّدٍ فقدْ وَهِمَ، والصَّوابُ (عن جبيرِ بنِ محمَّدٍ كما ذكرْنَاهُ ها هنا) اهـ.
وقالَ المزيُّ: (والصـَّحيحُ: عن يعقوبَ بنِ عتبةَ عن جبيرِ بنِ محمَّدٍ كما سُقْنَاهُ في هذه الرِّوايةِ) واللهُ أعلمُ. اهـ.
وقالَ الحافظُ ابنُ حجرٍ: (والصـَّوابُ: عن جبيرٍ، كذا هو في المعجمِ الكبيرِ وغيرِهِ).
وأخرجَهُ الآجرِّيُّ: حدَّثَنَا أبو بكرِ بنِ أبي داودَ قالَ: سلمةُ بنُ شبيبٍ قالَ: حدَّثَنَا حفصُ بنُ عبدِ الرَّحمنِ قالَ: سمعْتُ محمَّدَ بنَ إسحاقَ يحدِّثُ عن يعقوبَ بنِ عتبةَ عن جبيرِ بنِ محمَّدِ بنِ جبيرِ بنِ مطعمِ عن أبيهِ عن جدِّهِ… بهِ.
هذا، وقد أُعِلَّ هذا الحديثُ بهذا الاختلافِ وبتدليسِ محمَّدِ بنِ إسحاقَ وقدْ عَنْعَنَ وبتفرُّدِ جبيرِ بنِ محمَّدٍ بهِ وهو مجهولٌ.
قلْتُ: الاختلافُ قد أجابَ عنه أبو داودَ والدَّارقطنيُّ والمزّيُّ والحافظُ ابنُ حجرٍ كما رأيْتَ.
وأمَّا تدليسُ ابنِ إسحاقَ فقدْ أجابَ عنه ابنُ القيِّمِ - كما سيأتي - إنْ شاءَ اللهُ تَعالَى-.
وأمَّا جهالةُ جبيرِ بنِ محمَّدٍ فقدْ زالَتْ بروايةِ يعقوبَ بنِ عتبةَ بنِ المغيرةِ الأخنسِ الثَّقفيِّ وحصينِ بنِ عبدِ الرَّحمنِ السّلميِّ عنه، وهما ثقتانِ.
وأقلُّ ما يرفَعُ الجهالةَ عن الرَّاوي روايةُ اثنينِ مشهورَيْنِ كما نصَّ عليه النَّوويُّ - فيما تقدَّمَ - أضفْ إلى هذا أنَّ ابنَ حبَّانَ ذكرَهُ في الثِّقاتِ،وأنَّ ابنَ خزيمةَ قد عدَّلَهُ بإخراجِهِ لهُ؛ وذلك أنَّهُ قد شرَطَ في مقدِّمَةِ كتابِهِ هذا أن لا يستدِلَّ إلا بما صَحَّ وثَبَتَ بالنَّقلِ عن أهلِ العدالةِ. وهذا نصُّهُ: (… والإِيمانُ بجميعِ صفاتِ الرَّحمنِ الخالقِ جلَّ وعلا ممَّا وصفَ بهِ نفسَهُ في محكَمِ تنزيلِهِ الَّذِي لا يأتيهُ الباطلُ من بينِ يديه ولا من خلفِهِ، وبمَا صحَّ وثبَتَ عن نبيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالأسانيدِ الثَّابتةِ الصَّحيحةِ بنقلِ أهلِ العدالةِ موصولاً إلى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)) اهـ.
وعليهِ فالحديثُ صحيحٌ عندَ ابنِ خزيمةَ؛ لأنَّهُ أوردَهُ مُسْتَدِلاًّ بهِ على ثبوتِ صفةِ الاستواءِ.
ثمَّ عن الإِمامِ البغويِّ جعلَهُ في الأحاديثِ الحسانِ.
وقالَ عبدُ الرَّحمنِ بنُ حسنٍ عندَ شرحِهِ لَهُ: (قالَ الحافظُ الذَّهبيُّ: رواه أبو داودَ بإسنادٍ حسنٍ عندَهُ في الرَّدِّ على الجهميَّةِ من حديثِ محمَّدِ بنِ إسحاقَ بنِ يسارٍ) اهـ.
وقد انتصرَ لهذا الحديثِ الإِمامُ ابنُ القيِّمِ فقوَّاهُ وأجابَ عن عللِهِ، وأرَى من الأفضلِ إيرادَ جوابِهِ هُنَا، قالَ:(قالَ أهلُ الإِثباتِ: ليسَ في هذا شيءٌ مُسْتَرَاحٌ لكُمْ في ردِّ الحديثِ.
أمَّا حَمْلُكُم فيه على ابنِ إسحاقَ فجوابُهُ أنَّ ابنَ إسحاقَ بالموضعِ الَّذِي جعلَهُ اللهُ من العلمِ والأمانةِ).
قالَ عليُّ بنُ المدينيِّ: (حديثُهُ عندي صحيحٌ).
وقالَ شعبةُ: (ابنُ إسحاقَ أميرُ المؤمنينَ في الحديثِ).
وقالَ أيضاً: (هو صدوقٌ).
وقالَ عليُّ بنُ المدينيِّ أيضاً: (لم أجِدْ له سوى حديثينِ مُنْكَرَيْنِ).
وهذا في غايةِ الثَّناءِ والمدحِ إذْ لم يجدْ لَهُ - على كثرةِ ما رَوَى - إلا حديثينِ مُنْكَرَيْنِ.
وقالَ عليٌّ أيضاً: (سمعْتُ ابنَ عُيَيْنَةَ يقولُ: ما سمعْتُ أحداً يتكلَّمُ في ابنِ إسحاقَ في قولِهِ في القدرِ، ولا ريبَ أنَّ أهلَ عصرِهِ أعلمُ بهِ ممَّنْ تكلَّمَ فيه بعدَهُمْ).
وقالَ محمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عبدِ الحكمِ: سمعْتُ الشَّافعيَّ يقولُ: قالَ الزُّهريُّ: (لا يزالُ بهذهِ الحرَّةِ علمٌ ما دامَ بها ذلك الأحولُ - يريدُ ابنَ إسحاقَ).
وقالَ يعقوبُ بنُ شيبةَ: سألْتُ يحيى بنَ معينٍ: كيفَ ابنُ إسحاقَ؟ قالَ: ليسَ بذاكَ.
قلْتُ: ففي نفسِكَ من حديثِهِ شيءٌ؟
قالَ: لا، كانَ صدوقاً.
وقالَ يزيدُ بنُ هارونَ: (سمعْتُ شعبةَ يقولُ: لو كانَ لي سلطانٌ لأمَّرت ابنَ إسحاقَ على المحدِّثينَ).
وقالَ ابنُ عديٍّ: (قد فتَّشْتُ أحاديثَ ابنِ إسحاقَ الكبيرِ فلم أجدْ في حديثِهِ ما يتهيَّأَ أنْ نقطعَ عليهِ بالضَّعفِ، وربَّمَا أخطأَ أو وَهِمَ كما يُخْطِئُ غيرُهُ، ولم يتخلَّفْ في الرِّوايةِ عنه الثِّقاتُ والأئمَّةُ وهو لا بأسَ بهِ).
وقال أحمدُ بنُ عبدِ اللهِ العجليُّ: (ابنُ إسحاقَ ثقةٌ) وقد استشهَدَ مسلمٌ بخمسةِ أحاديثَ ذكرَهَا لابنِ إسحاقَ في صحيحِهِ.
وقد روى التّرمذيُّ في جامعِهِ من حديثِ ابنِ إسحاقَ: حدَّثَنَا سعيدُ بنُ عبيدِ بنِ السّباقِ عن أبيهِ عن سهلِ بن حنيفٍ قالَ: (كنْتُ ألقَى من المذي شدَّةً فأُكْثِرُ الاغتسالَ منْهُ…) الحديثُ.
قالَ التِّرمذيُّ: (هذا حديثٌ صحيحٌ لا نعرفُهُ إلا من حديثِ ابنِ إسحاقَ فهذا حكمٌ قد تفرَّدَ بهِ ابنُ إسحاقَ في الدُّنيَا، وقدْ صحَّحَهُ التّرمذيُّ).
فإن قِيلَ: فقدْ كذَّبَهُ مالكٌ.
فقالَ أبو قلابةَ الرّقاشيُّ: حدَّثَنِي أبو داودَ سليمانُ بنُ داودَ قالَ: قالَ يحيَى بنُ القطَّانِ: (أشهدُ أنَّ محمَّدَ بنَ إسحاقَ كذَّابُ).
قلْتُ: وما يدرِيكَ؟
قالَ: قالَ لي وهبٌ.
قلْتُ لوهبٍ: وما يدرِيكَ؟
قالَ: قالَ لي مالكُ بنُ أنسٍ.
فقلْتُ لمالكٍ: وما يدرِيكَ؟
قالَ: قالَ لي هشامُ بنُ عروةَ.
قالَ: قلْتُ لهشامٍ: وما يدرِيكَ؟
قالَ: حدَّثَ عن امرأتي فاطمةَ بنتِ المنذرِ، وأدخلْتُ عليها وهي بنتُ تسعٍ ومَا رآها رجلٌ حتَّى لقِيَتِ اللهَ.
قيلَ: هذه الحكايةُ وأمثالُهَا هي الَّتي أغرَتْ من اتَّهَمَهُ بالكذبِ.
وجوابُهَا من وجوهٍ:
أحدهَا: أنَّ سليمانَ بنَ داودَ - راويها عن يحيى - هو الشَّاذكوني وقد اتُّهِمَ بالكذبِ.
فلا يجوزُ القدحُ في الرَّجلِ بمثلِ رواية الشَّاذكوني.
الثَّاني: أنَّ في الحكايةِ ما يدلُّ على أنَّها كذبٌ فإنَّهُ قالَ:(أُدْخِلَتْ فاطمةُ عليَّ وهي بنتُ تسعٍ) وفاطمةُ أكبرُ من هشامٍ بثلاثَ عشرةَ سنةً.
ولعلَّهَا لم تزفَّ إليهِ إلا وقد زادَتْ على العشرينَ.
ولمَّا أخذَ عنها ابنُ إسحاقَ كان لها نحوُ بضعٍ وخمسينَ سنةً.
الثَّالثِ: أنَّ هشاماً إنَّما نَفَى رؤيتَهُ لَهَا ولمْ ينفِ سماعَهُ منها، ومعلومٌ أنَّهُ لا يلزَمُ من انتفاءِ الرُّؤيةِ انتفاءُ السَّماعِ. قالَ الإِمامُ أحمدُ: لعلَّهُ سمعَ منها في المسجدِ أو أُدْخِلَ عليها فحدَّثَتْهُ من وراءِ حجابٍ، فأيُّ شيءٍ في هذا؟ فقدْ كانَتْ امرأةً كبرَتْ وأسنَّتْ.
وقالَ يعقوبُ بنُ شيبةَ: سألْتُ ابنَ المدينيِّ عن ابنِ إسحاقَ؟
فقالَ: (حديثُهُ عندي صحيحٌ)
قلْتُ: فكلامُ مالكٍ فيهِ؟
قالَ: مالكٌ: لم يجالِسْهُ ولم يعرِفْهُ، وأيُّ: شيءٍ حدثَ بالمدينةِ؟
قلْتُ: فهشامُ بنُ عروةَ قد تكلَّمَ فيهِ؟
قالَ: الَّذِي قالَ هشامٌ ليسَ بحجَّةٍ، لعلَّهُ دخلَ على امرأتِهِ وهو غلامٌ فسمعَ منهَا؛ فإنَّ حديثَهُ لَيتبيَّنَ فيهِ الصِّدقَ.
يروي مرَّةً يقولُ: حدَّثَنِي أبو الزِّنادِ، ومرَّةً يقولُ ذكرَ أبو الزِّنادِ ويقولُ: حدَّثَنِي الحسنُ بنُ دينارٍ عن أيّوبَ عن عمرو بنِ شعيبٍ ((في سلفٍ وبيعٍ)).
وهو أرْوَى النَّاسِ عن عمرو بنِ شعيبٍ.
فصلٌ:
وأمَّا قولُكُم: (إنَّهُ لم يصرِّحْ بسماعِهِ من يعقوبَ بنِ عتبةَ) فعلى تقديرِ العلمِ بهذا النَّفيِ لا يخرجُ الحديثُ عن كونِهِ حسناً؛ فإنَّهُ قد لقيَ يعقوبَ وسمعَ منهُ، وفي الصَّحيحِ قطعةٌ من الاحتجاجِ بعَنْعَنَةِ المدلِّسِ كأبي الزُّبيرِ وسفيانَ عن عمرو بنِ دينارٍ، ونظائرُ كثيرةٌ لذلِكَ.
وأمَّا قولُكُمْ: (تفرَّدَ به يعقوبُ بنُ عتبةَ ولم يروِ عنه أحدٌ من أصحابِ الصَّحيحِ) فهذا ليسَ بعلَّةٍ باتِّفاقِ المحدِّثينَ؛ فإنَّ يعقوبَ لم يضعِّفْهُ أحدٌ، وكمْ مِنْ ثقةٍ قد احتجُّوا بهِ وهو غيرُ مخرَّجٍ في الصَّحيحينِ.
وهذا هو الجوابُ عن تفرُّدِ محمَّدِ بنِ جبيرٍ عنه فإنَّهُ ثقةٌ.
وأمَّا قولُكُم: إنَّ ابنَ إسحاقَ اضطربَ فيهِ… الخ.
فقدِ اَّتفقَ ثلاثةٌ من الحفَّاظِ، وهم عبدُ الأعلى وابنُ المثني وابنُ بشَّارٍ على وهبِ بنِ جريرٍ عن أبيهِ عن ابنِ إسحاقَ أنَّهُ حدَّثَ به عن يعقوبَ بنِ عتبةَ وجبيرِ بنِ محمَّدٍ عن أبيهِ.
وخالَفَهُمْ أحمدُ بنُ سعيدٍ الرِّباطيُّ فقالَ: (عن وهبِ بنِ جريرٍ عن أبيهِ سمعْتُ محمَّدَ بنَ إسحاقَ يحدِّثُ عن يعقوبَ بنِ عتبةَ عن جبيرٍ).
فإمَّا أن يكونَ يعقوبُ رواهُ عن جبيرِ بنِ محمَّدٍ فسمعَهُ منه ابنُ إسحاقَ ثمَّ سمعَهُ من جبيرٍ نفسِهِ فحدَّثَ بهِ على الوجهينِ.
وقدْ قِيلَ: إنَّ الواوَ غلطٌ وإنَّ الصَّوابَ (عن يعقوبَ بنِ عتبةَ عن جبيرِ بنِ محمَّدٍ عن أبيهِ) واللهُ أعلمُ اهـ.
وقالَ في (نونِيَّتِهِ):
واذْكرْ حديثاً لابنِ إسحاقَ الرِّضَى ذاكَ الـصَّدوقُ الـــحـافـظُ الـــرَّبَّاني
في قـصَّةِ اسـتـسـقـائِهِمْ يسـتشفـعُو نَ إلـىالـــــرَّســُولِ بــربِّهِ الـــــــمنَّانِ