قوله: (وَمَعْنَاهَا: لاَ مَعْبُودَ بِحَقٍّ إِلَّا اللهُ.
{لاَ إِلهَ} نَافِياً جَمِيعَ مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ، {إِلَّا اللهُ} مُثْبِتاً العِبَادَةَ لِلَّهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ فِي عِبَادَتِهِ، كَمَا أَنَّهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ فِي مُلْكِهِ).
معرفة معنى (لا إله إلا الله) واجبة لأنها مفتاح الدخول في الإسلام فيجب معرفة معناها مع القدرة.
فإذا لم يستطع معرفة معناها كفاه القيام بمقتضاها ، فإذا كان لا يعبد إلا الله ، ويعتقد بطلان ما يعبد من دون الله ؛ فقد أتى بالمراد من هذه الكلمة .
وذلك كما لو دعي أعجمي للإسلام فأسلم وقال هذه الكلمة وهو لا يفقه معناها لكنه يعتقد مقتضاها فإنها تنفعه بإذن الله.
وكذلك لو سألت مسلماً عن معنى (لا إله إلا الله) فأخطأ تفسيرها فإن كان لا يعبد إلا الله ويشهد بالبراءة مما يعبد من دون الله؛ فهو مسلم موحّد وإن أخطأ في التفسير.
أما إذا كان لا يعتقد مقتضاها فإنها لا تنفعه ولو كان يعرف معناها ؛ فإذا كان يقول : (لا إله إلا الله) وهو يرى جواز اتخاذ وسائط بينه وبين الله يدعوهم ويتقرب إليهم فهو مشرك كافر، وإن قال : (لا إله إلا الله).
- ومعنى (لا إله إلا الله) : أي لا معبود بحق إلا الله جل وعلا.
فإن (لا) حرف لنفي الجنس، إذا دخل على النكرة المباشرة غير المكررة نصبها وجوباً اسماً له ورفع الخبر.
إله: اسم (لا) منصوب تحققت فيه شروط وجوب النصب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.
والإله هو المألوه أي المعبود الذي تألهه أي تتعبد له الخلائق محبة وتذللاً وتعظيماً.
وخبر (لا) محذوف لظهور العلم به وتقديره (حق)، وحذف خبر (لا) إذا ظهر المراد به شائع عند العرب، قال ابن مالك:
وشاع في ذا الباب إسقاط الخبر........إذا المراد مع إسقاطـه ظهـر
- (إلا الله) استثناء يتضمن إثبات وصف الإله لله وحده جل وعلا دون ما سواه؛ فهو الإله الحق، وكل ما اتُّخذ إلهاً من دونه فهو باطل كما قال تعالى: {ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}
وقد قدر بعض النحاة خبر لا بـ (موجود) وهو خطأ باعتبار وصحيح باعتبار آخر، والصحيح الذي لا خطأ فيه وتدل عليه الأدلة الصحيحة تقديره بـ(حق)
فالذين قدروه بـ(موجود) إن كان مرادهم مطلق وجود ما يعبد من دون الله فهذا خطأ؛ فإن الآلهة التي اتخذت من دون الله كثيرة، قال الله تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ}
وكم حطم النبي صلى الله عليه وسلم من صنم اتخذ إلها من دون الله؟
وإن كان مرادهم بالوجود: الوجود المعتبر شرعاً فهذا حق ويدل عليه قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ} وقال: {ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ} فهي آلهة باطلة ليست بشيء.
ولكن الله أرشدنا في التعبير أن نأخذ بالقول الذي لا يتذرع متذرع بتفسيره بالباطل على منهج : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا}
فتقديره بـ(حق) هو الصواب حينئذ ،وهو مرادف للوجود الشرعي.
وخبر (لا) يحذف كثيراً في كلام العرب ويقدر في كل مقام بحسبه، كما لو سئلت: من عندك؟ فقلت: لا أحد.
فإنك تريد: لا أحد عندي، فلو ذكرت خبر (لا) خالفت البلاغة في القول.
ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : ((لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر))
فشهر صفَر موجود، ولكنَّ المنفي هو الوجود الشرعي لاعتقادهم فيه.
وكذلك الطيرة موجودة، ولكن المنفي هو الاعتبار الشرعي لها.
وهكذا يقدر الخبر في كل مقام بحسبه.
وتقدير الخبر المحذوف مبنيٌّ على فهم المعنى المراد؛ ففي كلمة التوحيد: (لا إله إلا الله) ليس المنفي الوجود الكوني للآلهة التي تعبد من دون الله بالباطل، وإنما المنفي هو الاعتبار الشرعي لها وأنها تستحق شيئاً من العبادة.
ولذلك كثرت الأدلة من الكتاب والسنة على إبطال استحقاق غير الله للعبادة، قال تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا}
وقال: {أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ}
وقال: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ}
والمقصود من الإعراب بيان المعنى المراد، وكل إعراب أدى إلى معنى باطل فهو خطأ مردود.
وإنما تكلمت في إعرابها لأن من المشركين من يكون صاحب علوم وحجج كما يكون ذلك لدى بعض القبوريين فإن منهم من يكون عارفاً بشيء من العلوم اللغوية والشرعية لكنه على ضلال مبين بتقريره الشرك؛ فينبغي لطالب العلم أن يعرف من الحجج اللغوية ما يدفع به شبهات المبطلين، ويفند مزاعمهم.
وقد يطلع بعض طلاب العلم على بعض ما يكتب في إعراب هذه الكلمة لعلماء معروفين من النحاة واللغويين ويطلع على خطأ في ذلك ، فلا يغره صدور هذا الخطأ من بعض النحاة فإن الإعراب تبع لفهم المعنى ، ولذلك لا يجوز أن يتكلم في إعراب القرآن من لا يحسن معرفة التفسير وأصوله ولو بلغ في علم النحو ما بلغ.
وقد أكثر ابن هشام النحوي في رسالة له مستقلة في إعراب (لا إله إلا الله) من الأوجه الإعرابية حتى أوصلها إلى عشرة أوجه، وكلامه فيها غير محرر وإنما كتبها خواطر من ذهنه وتعرض فيها لأقوال عدد من النحاة منهم المعتزلة ومنهم الأشاعرة ومنهم من أهل السنة.
إذا تبين هذا فاعلم أن العرب وهم أهل الفصاحة لما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم قولوا : (لا إله إلا الله) استنكفوا واستكبروا، وحاربوا الرسول وآذوه وأخرجوه من بلده وشاقوه وشاقوا أصحابه وقطعوا أرحامهم وآذوهم إيذاء شديداً ، وقذفوهم بالزور والبهتان والأوصاف الشنيعة انتصاراً لآلهتهم، كما بين الله تعالى حالهم بقوله جل وعلا: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35) وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آَلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ (36) بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (37)}
فإنهم عرفوا أن قول هذه الكلمة يعني الشهادة ببطلان عبادة ما يعبد من دون الله جل وعلا، والدخول في دين الإسلام.
ولو كان معناها ما فسره به من أخطأ في تفسير كلمة التوحيد لما كان لهذه العداوة موجب.
وينبغي لطالب العلم أن يعرف ما اشتهر من التفسيرات الخاطئة لكلمة التوحيد ويعرف وجه بطلانها .