أنَّ فيهِ تعظيمَ وَجْهِ اللهِ عزَّ وجلَّ؛ بحيثُ لا يُسْأَلُ بهِ إلاَّ الجنَّةُ.
(10) قولُهُ: ((لاَ يُسْأَلُ بِوَجْهِ اللهِ إِلاَّ الْجَنَّةُ)).
اختُلِفَ في المرادِ بذلكَ على قولَيْنِ:
القولُ الأوَّلُ: أنَّ المُرَادَ: لا تَسْأَلوا أحدًا من المخلوقينَ بوجهِ اللهِ، فإذا أرَدْتَ أنْ تَسْأَلَ أحدًا من المخلوقينَ فلا تَسْأَلْهُ بوجهِ اللهِ؛ لأنَّهُ لا يُسْأَلُ بوجهِ اللهِ إلاَّ الجنَّةُ، والخَلْقُ لا يَقْدِرونَ على إعطاءِ الجنَّةِ؛ فإذًا لا يُسْأَلونَ بوجهِ اللهِ مُطْلَقًا، ويَظْهَرُ أنَّ المؤلِّفَ يَرَى هذا الرَّأيَ في شرحِ الحديثِ؛ ولذلكَ ذَكَرَهُ بَعْدَ: (بَابُ لا يُرَدُّ مَنْ سَأَلَ باللهِ).
القولُ الثَّاني: أنَّكَ إذا سأَلْتَ اللهَ فإنْ سَأَلْتَ الجنَّةَ وما يَسْتَلْزِمُ دُخُولَهَا فلا حَرَجَ أنْ تَسْأَلَ بوجهِ اللهِ، وإنْ سَأَلْتَ شيئًا منْ أُمُورِ الدُّنْيَا فلا تَسْأَلْهُ بوجهِ اللهِ؛ لأنَّ وجهَ اللهِ أعظمُ منْ أنْ يُسْأَلَ بهِ لِشَيْءٍ منْ أمورِ الدُّنيا.
فأُمُورُ الآخرةِ تُسْأَلُ بوجهِ اللهِ،كقولِكَ مثلاً: (أَسْألُكَ بوجهِكَ أنْ تُنْجِيَنِي من النَّارِ).
والنَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ اسْتَعَاذَ بوجهِ اللهِ لَمَّا نَزَلَ قولُهُ تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} قالَ: ((أَعُوذُ بِوَجْهِكَ)){أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ}.
قالَ:((أَعُوذُ بِوَجْهِكَ)){أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ}.
قالَ: ((هَذِهِ أَهْوَنُ أَوْ أَيْسَرُ)).
ولوْ قيلَ: إنَّهُ يَشْتَمَلُ المعْنَيَيْنِ جميعًا لكانَ لهُ وَجْهٌ.
قال في (قرة عيون الموحدين) (ص:231): (قوله صلى الله عليه وسلم ((لا يسأل بوجه الله إلا الجنة))هنا سؤال: وهو أنه قد ورد دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عند منصرفه من الطائف حين كذبته ثقيف دعا بالدعاء المأثور ((اللهم أشكوا إليك ضعف قوتي))وفيه ((أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات)) والحديث الآخر وفيه ((أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له السموات والأرض)) ونحو هذه الأحاديث المرفوعة التي فيها السؤال بوجه الله غير الجنّة؟
الجواب: يحتمل أن هذا فيما يكرهه العبد لا فيما يحبه ويتمناه، ويحتمل غير هذا والله أعلم) .
وقولُهُ: ((بِوَجْهِ اللهِ)) فيهِ إثباتُ الوجهِ للهِ عزَّ وجلَّ، وهوَ ثابتٌ في القرآنِ والسُّنَّةِ وإجماعِ السَّلَفِ.
فالقرآنُ في قولِهِ تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ}.
وقولِهِ تعالى: {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ} والآياتُ كثيرةٌ.
والسُّنَّةُ كما في الحديثِ السَّابقِ: ((أَعُوذُ بِوَجْهِكَ)).
واخْتُلِفَ في هذا الوجهِ الَّذي أضافَهُ اللهُ إلى نفسِهِ:
هلْ هوَ وجهٌ حقيقيٌّ، أوْ أنَّهُ وَجْهٌ يُعَبَّرُ بهِ عن الذَّاتِ، وليسَ للهِ وجهٌ، بلْ لهُ ذاتٌ، أوْ أنَّهُ يُعَبَّرُ بهِ عن الشَّيءِ الذي يُرادُ بهِ وَجْهُهُ، وليسَ هوَ الوْجَهَ الحقيقيَّ، أوْ أنَّهُ يُعَبَّرُ بهِ عن الجهةِ، أوْ أنَّهُ يُعَبَّرُ بهِ عن الثَّوابِ؟
فيهِ خلافٌ، لكنْ هَدَى اللهُ الَّذين آمنوا لِمَا اخْتَلَفوا فيهِ من الحقِّ، فقالُوا: (إنَّهُ وَجْهٌ حقيقيٌّ؛ لأنَّ اللهَ تعالى قالَ: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ}.
ولمَّا أرادَ غيرَ ذاتِهِ قالَ: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ}.
فـ(ذِي) صفةٌ لـ(ربِّ)، وليستْ صفةً لـ(اسمُ)، و(ذُو) صفةٌ لـ(وَجْهُ) وليْسَتْ صفةً لـ(ربِّ).
فإذا كانَ الوجهُ موصوفًا بالجلالِ والإكرامِ فلا يُمْكِنُ أنْ يُرَادَ بهِ الثَّوَابُ أو الجهةُ أو الذَّاتُ؛ لأنَّ الوجهَ غيرُ الذَّاتِ).
(11) فِيهِ مَسْأَلَتانِ:
الأولى: (النَّهْيُ عَنْ أنْ يُسْألَ بِوَجْهِ اللهِ إلاَّ غَايَةُ المَطالِبِ)تُؤْخَذُ منْ حديثِ البابِ، وهذا الحديثُ ضَعَّفَهُ بعضُ أهلِ العلمِ. لَكِنْ على تقديرِ صِحَّتِهِ؛ فَإِنَّهُ من الأدبِ أنْ لا تَسْأَلَ بِوَجْهِ اللهِ إلاَّ ما كانَ منْ أَمْرِ الآخرةِ؛ الفوزِ بالجنَّةِ، أو النَّجاةِ من النَّارِ.
(12) الثَّانِيَةُ: (إثباتُ صِفةِ الوجْهِ) وقدْ سبقَ الكلامُ عليهِ.