الخشية
قوله: (وَدَلِيلُ الْخَشْيَةِ قَوْلُهُ تَعَالى: {فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَونِي} [البقرة:150] ).
معنى الخشية
الخشية: شدة الخوف وهي مبنية على العلم ، وبذلك فُرق بينها وبين الخوف وإن كان بينهما تقارب في المعنى.
فالخشية فيها معنى الخوف الشديد المبني على العلم بعظمة المخشي منه ، قال الله تعالى: {إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَماءُ}
فضل خشية الله تعالى
وإفراد الله بالخشية من سمات الأنبياء كما في قوله تعالى:{الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً}.
وأمر الله تعالى بإفراده بالخشية {أتخشونهم فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}
فالخشية تحمل معاني تعبدية من التذلل والمحبة والتعظيم والانقياد، وهي من أعظم ما يحمل العبد على التقوى فهو يخشى من غضب معبوده عليه وحرمانه من رضاه وفضله، ويخشى أن يحل عليه سخطه وعقوبته، ويخشى أن يخذله ويتخلى عنه.
فهذه المعاني التعبدية من أخلصها لله جل وعلا فهو موحد مؤمن قد أعد الله له الثواب العظيم ، وقد أثنى الله تعالى على عباده المؤمنين بأنهم يخشونه بالغيب ، ووعدهم على هذه الخشية الثواب العظيم والنعيم المقيم كما قال تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35) }
{وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} نكر المزيد للتشويق إليه ، وقد روي عن جماعة من الصحابة والتابعين أن المزيد هو رؤية المؤمنين لربهم جل وعلا ، وهذا المزيد أفضل مما في الجنة من النعيم، نسأل الله تعالى من فضله.
وقال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8) }
وإخلاص عبادة الخشية لله تعالى باب عظيم لبركات كثيرة عظيمة لا يقدر قدرها إلا الله جل وعلا.
فهي مفتاح لفهم القرآن وتدبره والاعتبار بما فيه والتذكر النافع الذي يزداد به اليقين ويرتفع به الإيمان وتزكو به النفس، ويتيسَّر به اتباع الهدى، بل إن الله -تعالى ذكره- بيَّن أن مقصوده الأعظم من إنزال كتابه هو تذكير أهل خشيته ومخاطبتهم به؛ فهم أحق الناس بهذا الكتاب وأسعد الناس به، والرسالة لهم فيه خاصة وهي للناس عامة ، فلهم فيه امتياز لا يشاركه غيرهم فيه من التوفيق للفهم والاعتبار وحسن التذكر والتبصر والدلالة على اتباع رضوانه جل وعلا وسبل الفوز بفضله ورحمته فهو دليلهم الخاص إلى خير الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: {طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3) تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا (4) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6) وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى (8)}
وقال تعالى: {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (51)} وقال تعالى: {إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ}
وقال تعالى: {فذكر إن نفعت الذكرى سيذكر من يخشى} وهذا وعد من الله لأهل خشيته أنهم سيذكرون وينتفعون من كتابه أعظم انتفاع.
والتذكر المراد هنا يشمل ثلاثة أمور:
الأمر الأول: التذكر الذي يحمل على محبة الله جل وعلا ، ومحبة لقائه والتقرب إليه من تذكر صفات الله عز وجل وكرمه وفضله وإحسانه فإن العبد إذا عظمت محبة الله تعالى في قلبه أحب ما يذكره به ومن أحب ذكر الله أحبَّ الله له أن يتذكر ، ومن كره ذكر الله كان جزاؤه من جنس عمله إلا أن يعفو الله عنه ويتوب عليه.
وصدق المحبة يحمل على الخشية من الانقطاع عن الله جل وعلا والحرمان من رضوانه، ولذلك إذا بلغهم من نصوص الكتاب والسنة أن من عقوبة بعض الذنوب أن صاحبها لا يكلمه الله ولا ينظر إليه أورثهم ذلك خشية خاصة يجدونها في قلوبهم لما وقر فيها من معرفة الله جل وعلا، واليقين بأن الحرمان من تكليمه والنظر إليه عقوبة عظيمة لا يحتملها من صدقت محبته لله جل وعلا.
الأمر الثاني: التذكر الذي يحمل على الرجاء في فضل الله عز وجل وحسن ثوابه؛ فإنه إذا تذكر ما أعده الله لعباده من الثواب والفضل العظيم دعاه ذلك إلى الازدياد من الأعمال الصالحة لما يرجو من حسن ثوابها.
وصدق الرجاء يحمل على الخشية من فوات ثواب الله عز وجل وفضله.
الأمر الثالث: التذكر الذي يحمل على الخوف من الله تعالى والخوف من سخطه وعقابه ، وهذا ما يزجره عن ارتكاب المحرمات والتفريط في أداء الفرائض.
والخوف الصادق يحمل على خشية التعرض لسخط الله وعقابه.
وهذه الأمور الثلاثة (المحبة والرجاء والخوف) هي أركان العبادة، وعليها مدراها، وهي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالخشية كما سبق بيانه، وبهذا تعلم شيئاً من الفرق بين الخشية والخوف، وأن خشية العبادة لها لوازم تعبدية من المحبة والخوف والرجاء.
قال ابن كثير: (وقولُه: {سَيَذَكَّرُ مَنْ يَخْشَى}. أي: سَيَتَّعِظُ بما تُبَلِّغُه يا محمدُ, مَن قَلْبُه يَخْشَى اللَّهَ ويَعْلَمُ أَنَّه مُلاقيهِ).
فالذي تقوم في قلبه خشية العبادة لله تعالى من محبته والتذلل له والتعظيم والانقياد والرغبة والرهبة ورجاء لقائه وفضله العظيم والخوف من سخطه وعقابه والخوف من أن يتخلى عنه ربه ووليه إذا هو ارتكب ما يسخطه، من قام في قلبه هذا المعنى كان من أكثر الناس حظاً وانتفاعاً بالقرآن العظيم ، لأنه يقرأ القرآن ويسمعه وقلبه متطلع إلى مزيد من الهدى ليتعرف به على أسباب التقرب إلى الله تعالى والفوز برضوانه وفضله العظيم والسلامة من سخطه وعقابه.
ومن كان هذا حاله فهو موعود بما يسره ويرضيه، من الهداية لما يقربه إلى الله تعالى ويدنيه ، ويسعده في الدنيا والآخرة ولا يشقيه ، وتأمل وصف الله تعالى لحال أهل خشيته عند تلاوتهم وسماعهم لآيات الله تتلى عليهم ومعرفتهم بأنهم هم المعنيون أولاً بما فيه من العبر والبينات، قال الله تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22) اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23) }
ومن تأمل العبر والآيات البينات التي جمعها الله لأهل خشيته وبيَّنها لهم وأرشدهم إلى التأمل فيها والاعتبار بها كما قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَىٰ}
علم أن أهل الخشية هم أهل الخطاب الخاص في القرآن الكريم، وهم أهل التذكر والتفكر، وهم أهل الاعتبار والتبصر، وهم أحرص الناس على الهداية وأعظمهم فرحاً بما يقربهم من الله تعالى ويدنيهم منه، وأشدهم حرصاً على التحرز مما يسخطه جل وعلا، لأنهم على يقين تام بأن فوزهم وفلاحهم ونجاتهم مداره على رضوان الله تعالى عنهم، وأنه ليس بينهم وبين الله سبب يتمسكون به إلا ما يرشدهم إليه من العمل الصالح واتباع هداه جل وعلا ، فهم العلماء على الحقيقة ، كما قال الله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}
وقال تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (24) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (25) ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (26) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28) إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) }
فجمع الله لهم مواضع الاعتبار والتفكر ووعدهم أن يوفيهم أجورهم ويزيدهم زيادة من عنده تليق بفضله وكرمه سبحانه لم يبينها لهم بل أخفاها لهم ليتشوقوا إليها، وأخبرهم أنه غفور شكور ، فيغفر لهم ذنوبهم وسيئاتهم ويفتح لهم أبواب الرجاء في مغفرته وعفوه وتجاوزه ، وهو تعالى شكور لا يضيع لهم أي عمل صالح يعملونه ولو كان مثقال ذرة، بل يقبله منهم وينميه لهم ويضاعف لهم مثوبته.
وأرشدهم الله تعال إلى التفكر في آياته الكونية المخلوقة وآياته المتلوة ، فهذا الماء الذي ينزل من السماء هو ماء واحد وتخرج به ثمرات مختلف ألوانها؛ فكذلك وحي الله تعالى المنزل هو وحي واحد ولكن انظر إلى اختلاف آثاره في قلوب الناس وأعمالهم ؛ فمنتفع ومحروم، ومستقل ومستكثر، إن في ذلك لعبرة لمن يخشى.
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17) وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18)}
وقد وعد الله عباده الذين يخشونه بالغيب بأن يغفر لهم ذنوبهم ، وهذا يدلك على أنه ليس من شرط الذين يخشون ربهم أنهم معصومون من الذنوب والخطايا ، بل قد يقعون في بعضها ، وهم على ذلك يخشون ربهم ويخافون سوء الحساب، ويستغفرون ربهم ويتبعون السيئة الحسنة ويتوبون إلى الله ويستغفرونه وبذلك مدحهم الله وأثنى عليهم ووعدهم بمغفرة ذنوبهم، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ}
درجات الخشية
- وأهل خشية الله يتفاضلون في الخشية تفاضلاً عظيماً فهم على درجات لا يحصيهم إلا من خلقهم ، فمن كان معه أصل الإسلام فمعه أصل الخشية، وكلما ازداد العبد من الخشية ازداد نصيبه من تكميل منازل العبودية لله تعالى والفوز بفضله ورحمته وما يفتح الله له به من الفضل العظيم بتذكر آياته والانتفاع بعظاته واتباع هدى الله الذي أرشده إليه.
وأعلاهم درجة السابقون المقربون الذين وصفهم الله تعالى بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61) وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (62)}
هذا كله في خشية العبادة ، أما ما يطلق عليه لفظ الخشية وهو لا يحمل معاني تعبديه ؛ فهذا حكمه حكم الخوف الطبيعي يكون بحسب ما يحمل عليه فإن لم يحمل صاحبه على ارتكاب محظور أو ترك مأمور فهي خشية طبيعية لا يلام عليها كأن يخشى السباع والهوام والطغاة
أما إن حملته تلك الخشية على ارتكاب محظور لا يعذر بارتكابه أو ترك مأمور به لا يعذر بتركه فهو مذنب آثم وإثمه على حسب جرمه
فإن أدت به هذه الخشية إلى فعل صغيرة من الصغائر فإثمه بحسبه.
وإن أدَّت إلى فعل كبيرة كان إثمه أعظم، وهو ملوم مذموم على الحالين كما قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77) أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78)}
ولهذا تكثر هذه الخشية عند المنافقين حتى إنها ربما أخرجتهم من دائرة الإسلام والعياذ بالله وذلك إذا حملتهم على موالاة الكفار على المؤمنين كما قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ (53) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}
بيان معنى الخشية الشركية
- وأما من حملته خشيته من فوات بعض حظوظ الدنيا على التعلق بالدنيا تعلقاً يكون فيه تذلل وخوف ورجاء فهذا قد وقع في الشرك الأصغر وعبودية الدنيا والعياذ بالله.
فإن حملته عبوديته للدنيا على ارتكاب ناقض من نواقض الإسلام كفر والعياذ بالله.