دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > كتاب التوحيد

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26 شوال 1429هـ/26-10-2008م, 12:56 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي باب ما جاء فيمن لم يقنع بالحلف بالله

بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ لَمْ يَقْنَعْ بِالْحَلِفِ بِاللهِ
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((لاَ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، مَنْ حَلَفَ بِاللهِ فَلْيَصْدُقْ، وَمَنْ حُلِفَ لَهُ بِاللهِ فَلْيَرْضَ، وَمَنْ لَمْ يَرْضَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ)) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.
فِيهِ مَسَائِلُ:
الأولى: النَّهْيُ عَنِ الْحَلِفِ بِالآبَاءِ.
الثَّانِيَةُ: الأَمْرُ لِلْمَحْلُوفِ لَهُ بِاللهِ أَنْ يَرْضَى.
الثَّالِثَةُ: وَعِيدُ مَنْ لَمْ يَرْضَ.


  #2  
قديم 28 شوال 1429هـ/28-10-2008م, 09:14 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي تيسيرالعزيز الحميد لفضيلة الشيخ:سليمان بن عبدالله

(6) أيْ: من الوعيدِ؛ لأنَّ ذلكَ يدلُّ على قِلَّةِ تعظيمِهِ لِجَنَابِ الرُّبُوبيَّةِ؛ إذ القلبُ المُمْتَلِئُ بمعرفةِ عظمةِ اللهِ وجلالِهِ وعِزَّتِهِ وكبريائِهِ لا يفعلُ ذلكَ.

(7) هذا الحديثُ رواهُ ابنُ مَاجَهْ في (سُنَنِهِ)، وترْجَمَ عليهِ: ((مَنْ حُلِفَ لَهُ بِاللهِ فَلْيَرْضَ)). حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ إسماعيلَ بنِ سَمُرَةَ، ثنا أَسْبَاطُ بنُ مُحَمَّدٍ، عنْ مُحَمَّدِ بنِ عَجْلانَ، عنْ نافعٍ، عن ابنِ عمرَ قالَ: سمِعَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلاً يَحْلِفُ بأبيهِ، فقالَ: ((لاَ تَحْلِفُوا بآبَائِكُمْ)) الحديثَ.
وهذا إسنادٌ جَيِّدٌ على شَرْطِ مسلمٍ، عندَ الحاكمِ وغيرِهِ؛ فإنَّهُ مُتَّصِلٌ، ورُوَاتُهُ ثقاتٌ.

بلْ قدْ روَى مسلمٌ عن ابنِ عَجْلانَ، عنْ نافعٍ، عن ابنِ عُمَر، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((كانَ يَأْتِي قُبَاءَ رَاكِبًا ومَاشِيًا)).
وأصلُ هذا الحديثِ في (الصحيحَيْنِ) عن ابنِ عمرَ بلفظِ: ((لاَ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، مَنْ كَانَ حَالفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللهِ أَوْ لِيَصْمُتْ)) وليسَ فيهِ هذهِ الزيادةُ.
قولُهُ: ((لاَ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ)) تَقَدَّمَ ما يتَعَلَّقُ بهِ في البابِ قبلَهُ.
قولُهُ: ((مَنْ حَلَفَ بِاللهِ فَلْيَصْدُقْ)) أيْ: وُجُوبًا؛ لأنَّ الصدقَ واجبٌ ولوْ لمْ يَحْلِفْ باللهِ، فكيفَ إذا حَلَفَ بهِ؟
وأيضًا فالكذبُ حرامٌ لوْ لم يُؤَكِّد الخبرَ باسمِ اللهِ، فكيفَ إذا أكَّدَهُ باسمِ اللهِ؟
قولُهُ: ((وَمَنْ حُلِفَ لَهُ بِاللهِ فَلْيَرْضَ)) أيْ: وُجُوبًا، كما يَدُلُّ عليهِ قولُهُ: ((وَمَنْ لَمْ يَرْضَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ)).
ولفظُ ابنِ مَاجَهْ: ((وَمَنْ لَمْ يَرْضَ بِاللهِ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ)).
وهذا وعيدٌ كقولِهِ تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ}[آل عمرانَ:27].
قالَ ابنُ كثير: (أيْ: فَقَدَ بَرِئَ من اللهِ، وهذا عامٌّ في الدَّعاوِي وغيرِها ما لمْ يُفْضِ إلى إِلْغَاءِ حُكْمٍ شرعيٍّ، كَمَنْ تَشْهَدُ عليهِ البيِّنَةُ الشرعيَّةُ فَيَحْلِفُ على تكذيبِها، فلا يُقْبَلُ حَلِفُهُ).
ولهذا لمَّا رأَى عيسى عليهِ السلامُ رجلاً يَسْرِقُ، فقالَ لهُ: سَرَقْتَ؟
قالَ: كَلاَّ واللهِ الذي لا إلهَ إلاَّ هوَ.

فقالَ عيسى: (آمَنْتُ بِاللهِ وَكَذَّبْتُ عَيْنِي) رواهُ البخاريُّ.
وفيهِ وجهانِ:
أحدُهُما: قالَ القرطبيُّ: (ظاهرُ قولِ عيسى عليهِ السلامُ للرجلِ: سَرقْتَ، أنَّهُ خبرٌ جازمٌ، لكونِهِ أَخَذَ مالاً منْ حِرْزٍ في خُفْيَةٍ، وقولُ الرجلِ: كلاَّ، نفيٌ لذلكَ، ثُمَّ أكَّدَهُ باليمينِ.

وقولُ عيسى: (آمَنْتُ باللهِ وَكَذَّبْتُ عَيْنِي) أيْ: صَدَّقْتُ مَنْ حَلَفَ باللهِ، وكذَّبْتُ ما ظَهَرَ لي مِنْ كَوْنِ الأَخْذِ سَرِقَةً.
فإنَّهُ يَحْتَمِلُ أنْ يكونَ الرجلُ أخَذَ ما لَهُ فيهِ حقٌّ، أَوْ ما أَذِنَ لهُ صاحبُهُ في أَخْذِهِ، أوْ أَخَذَهَ لِيُقَلِّبَهُ ويَنْظُرَ فيهِ، ولمْ يَقْصِد الغَصْبَ والاستيلاءَ).
قُلْتُ: وهذا فيهِ نَظَرٌ، وصَدْرُ الحديثِ يَرُدُّهُ، وهوَ قولُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((رَأَى عِيسَى رَجُلاً يَسْرِقُ)) فَأَثْبَتَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِقَتَهُ.

الثاني: ما قَالَهُ ابنُ القيِّمِ : (إنَّ اللهَ تعالى كانَ في قَلْبِهِ أَجَلَّ مِنْ أنْ يَحْلِفَ بهِ أَحَدٌ كاذبًا.
فدارَ الأمرُ بينَ تُهْمَةِ الحالفِ، وتُهْمَةِ بصَرِهِ، فردَّ التُّهْمَةَ إلى بصرِهِ، كما ظنَّ آدمُ عليهِ السلامُ صِدْقَ إبليسَ لمَّا حَلَفَ لهُ أنَّهُ ناصحٌ).
قُلْتُ: هذا القولُ أحْسَنُ من الأوَّلِ، وهوَ الصوابُ إنْ شاءَ اللهُ تَعالى.
وحَدَّثْتُ عن المُصَنِّفِ أنَّهُ حملَ حديثَ البابِ على اليمينِ في الدَّعاوِي، كَمَنْ يَتَحَاكَمُ عندَ الحاكِمِ فيَحْكُمُ على خَصْمِهِ باليمينِ، فيَحْلِفُ فيَجِبُ عليهِ أنْ يَرْضَى.


  #3  
قديم 28 شوال 1429هـ/28-10-2008م, 09:16 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي فتح المجيد لفضيلة الشيخ:عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ


(7) قالَ المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تعالَى: ((بابُ ما جاءَ فيمَنْ لمْ يَقْنَعْ بِالْحَلِفِ باللهِ)) عَن ابنِ عُمَرَ، أنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((لاَ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، مَنْ حَلَفَ بِاللهِ فَلْيَصْدُقْ، وَمَنْ حُلِفَ لَهُ بِاللهِ فَلْيَرْضَ، وَمَنْ لَمْ يَرْضَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ)) رَوَاهُ ابنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ حَسَنٍ)).
قَوْلُهُ: ((لاَ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ)) تَقَدَّمَ النهيُ عن الحلفِ بغيرِ اللهِ عُمُومًا.
قَوْلُهُ: ((مَنْ حَلَفَ بِاللهِ فَلْيَصْدُقْ)) هذا مِمَّا أَوْجَبَهُ اللهُ على عِبَادِهِ وَحَضَّهُم عليهِ في كتابِهِ، قالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}[التوبة:119]، وقالَ: {وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ}[الأحزاب:35] وقالَ: {فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ}[محمَّد:21].


وهوَ حالُ أهلِ البِرِّ، كَمَا قالَ تَعَالَى: {وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ والضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}[البقرة:177].
وقَوْلُهُ: ((مَنْ حُلِفَ لَهُ بِاللهِ فَلْيَرْضَ، وَمَنْ لَمْ يَرْضَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ)) أمَّا إذا لمْ يَكُنْ لهُ بِحُكْمِ الشريعةِ على خَصْمِهِ إلاَّ اليمينُ فَأَحْلَفَهُ، فلا رَيْبَ أنَّهُ يَجِبُ عليهِ الرِّضَا، وأمَّا إذا كانَ فيما يَجْرِي بينَ الناسِ مِمَّا قَدْ يَقَعُ في الاعْتِذَارَاتِ منْ بَعْضِهِم لبعضٍ ونحوِ ذلكَ، فهذا مِنْ حقِّ المسلمِ على المسلمِ أنْ يَقْبَلَ منهُ إذا حَلَفَ لهُ مُعْتَذِرًا أوْ مُتَبَرِّئًا منْ تُهْمَةٍ، ومِنْ حَقِّهِ عليهِ أنْ يُحْسِنَ بهِ الظَّنَّ إذا لمْ يَتَبَيَّنْ خِلاَفُهُ، كما في الأَثَرِ عنْ عُمَرَ: (وَلاَ تَظُنَّنَّ بِكَلَمِةٍ خَرَجَتْ منْ أخيكَ شَرًّا وأنتَ تَجِدُ لها في الخيرِ مَحْمَلاً).


وفيهِ: من التَّوَاضُعِ والأُلْفَةِ والمَحَبَّةِ وغيرِ ذلكَ من المصالحِ التي يُحِبُّهَا اللهُ ما لا يَخْفَى على مَنْ لهُ فَهْمٌ، وذلكَ منْ أسبابِ اجْتِمَاعِ القلوبِ على طاعةِ اللهِ، ثمَّ إنَّهُ يَدْخُلُ في حُسْنِ الخُلُقِ الذي هوَ أَثْقَلُ ما يُوضَعُ في ميزانِ العبدِ، كما في الحديثِ، وهوَ مِنْ مكارمِ الأخلاقِ.
فَتَأَمَّلْ أَيُّهَا الناصحُ لِنَفْسِهِ ما يُصْلِحُكَ معَ اللهِ تَعَالَى مِن القيامِ بحُقُوقِهِ وحُقُوقِ عبادِهِ، وإدخالِ السرورِ على المسلمينَ، وتَرْكِ الانقباضِ عنهم والتَّرَفُّعِ عليهم؛ فإنَّ فيهِ من الضَّرَرِ ما لا يَخْطُرُ بالبالِ، ولا يَدُورُ بالخيالِ، وَبَسْطُ هذهِ الأمورِ وذِكْرُ ما وَرَدَ فيها مَذْكُورٌ في كُتُبِ الأدبِ وغيرِهَا.
فَمَنْ رُزِقَ ذلكَ والعملَ بما يَنْبَغِي العملُ بهِ منهُ، وَتَرْكَ ما يَجِبُ تَرْكُهُ منْ ذلكَ، دَلَّ على وُفُورِ دِينِهِ، وَكَمَالِ عَقْلِهِ، واللهُ المُوَفِّقُ والمُعِينُ لِعَبْدِهِ الضعيفِ المِسْكِينِ، واللهُ أَعْلَمُ.


  #4  
قديم 27 جمادى الآخرة 1430هـ/20-06-2009م, 01:56 PM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي القول السديد لفضيلة الشيخ : عبدالرحمن السعدي


(2) ويُرادُ بهذا إذا تَوَجَّهَتْ اليمينُ على خَصْمِكَ، وهو معروفٌ بالصدْقِ أو ظاهِرُه الخيرُ والعدالةُ، فإنَّه يَتَعَيَّنُ عليك الرِّضا والقناعةُ بيمينِه؛ لأنَّه ليس عندَك يقينٌ يُعارِضُ صِدْقَه،

ومَا كانَ عليه المسلمون من تعظيمِ رَبِّهِم وإجلالِه يُوجِبُ عليك أنْ تَرْضَى بالحَلِفِ باللهِ،
وكذلك لو بَذَلْتَ له اليمينَ باللهِ فلمْ يَرْضَ إلا بالحلِفِ بالطلاقِ أو دعاءِ الخَصْمِ على نفسِه بالعقوباتِ، فهو داخِلٌ في الوعيدِ؛ لأنَّ ذلك سوءُ أدبٍ وَتَرْكٌ لتعظيمِ اللهِ، واسْتِدْرَاكٌ على حكمِ اللهِ ورسولِه.
وأمَّا مَنْ عُرِفَ منه الفجورُ والكذِبُ، وحَلَفَ على مَا تُيُقِّنَ كَذِبُه فيه، فإنَّه لا يدخُلُ تكذيبُه في الوعيدِ؛ لِلعِلمِ بِكَذِبِه، وأنَّه ليس في قلبِه مِن تعظيمِ اللهِ ما يَطْمَئِنُّ الناسُ إلى يمينِه، فَتَعَيَّنَ إخراجُ هذا النوعِ من الوعيدِ؛ لأنَّ حالتَه مُتَيَقَّنَةٌ، واللهُ أعلمُ.


  #5  
قديم 27 جمادى الآخرة 1430هـ/20-06-2009م, 02:00 PM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي تهذيب القول المفيد لفضيلة الشيخ:صالح بن عبدالله العصيمي

(12)
مناسبةُ هذا البابِ لكتابِ التوحيدِ:
أنَّ الاقتناعَ بالحلفِ باللهِ مِنْ تعظيمِ اللهِ؛
لأنَّ الحالِفَ أكَّدَ ما حُلِفَ عليهِ بالتعظيمِ باليمينِ، وهوَ تعظيمُ المحلوفِ بهِ، فيكونُ مِنْ تعظيمِ المحلوفِ بهِ أنْ يُصَدَّقَ ذلكَ الحالفُ، وعلَى هذا يكونُ عدمُ الاقتناعِ بالحلفِ باللهِ فيهِ شيءٌ مِنْ نقصِ تعظيمِ اللهِ، وهذا ينافي كمالَ التوحيدِ، والاقتناعُ بالحلفِ باللهِ لا يخلوْ مِنْ أمرينِ:
الأولُ:
أنْ يكونَ ذلكَ مِنَ الناحيَةِ الشرعيَّةِ،
فإنَّهُ يجبُ الرضا بالحلفِ باللهِ فيما إذا توجَّهَت اليمينُ علَى المدَّعَى عليهِ فحلفَ، فيجبُ الرضا بهذا اليمينِ بمقتضَى الحكمِ الشرعيِّ.
الثاني:
أنْ يكونَ ذلكَ مِنَ الناحيَةِ الحسيَّةِ،
فإنْ كانَ الحالفُ موضعَ صدقٍ وثقةٍ فإنَّكَ تَرْضَى بيمينِهِ، وإنْ كانَ غيرَ ذلكَ فلكَ أنْ تَرْفُضَ الرضا بيمينِهِ.
ولهذا لما قالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم لِحُوَيِّصَةَ ومُحَيِّصَةَ:
((تُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا)).
قالوا: كَيْفَ نَرْضَى يا رَسولَ اللهِ بأَيْمَانِ اليهودِ؟
فأقرَّهُم النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ علَى ذلكَ
.
(13)
قولُهُ في الحديثِ: (لاتَحْلِفوا) (لا): ناهيَةٌ؛ ولهذا جُزِمَ الفعلُ بعدَها بحذفِ النونِ، و(آبائِكم) جمعُ: أبٍ، ويشمَلُ الأبَ والجدَّ وإنْ علا، فلا يجوزُ
الحلفُ بهمْ؛ لأنَّهُ شِرْكٌ وقَدْ سبقَ بيانُهُ.
قولُهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ:
((مَنْ حَلَفَ بِاللهِ فَلْيَصْدُقْ، وَمَنْ حُلِفَ لَهُ بِاللهِ فَلْيَرْضَ))هنا أمرانِ:
الأمرُ الأولُ للحالفِ:
فقدْ أُمِرَ أنْ يكونَ صادقًا،والصدقُ هوَ: الإخبارُ بما يطابِقُ الواقعَ، وضدُّهُ الكذبُ وهوَ: الإخبارُ بما يخالفُ الواقعَ فقولُهُ: ((مَنْ حَلَفَ بِاللهِ فَلْيَصْدُقْ)) أيْ: فليكنْ صادقًا في يمينِهِ.
وهلْ يُشترطُ أنْ يكونَ مطابقًا للواقعِ أوْ يكفي الظنُّ؟
الجوابُ:
يكفي الظنُّ،
فلَهُ أنْ يحلفَ علَى ما يغلِبُ علَى ظنِّهِ، كقولِ الرجلِ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ: واللهِ ما بَيْنَ لابَتَيْهَا أَهْلُ بيْتٍ أفْقَرُ مِنِّي، فأقرَّهُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْهِ وسلَّمَ.
الثاني للمحلوفِ لَه:
فقَدْ أُمِر أنْ يرْضَى بيمينِ الحالِفِ لَهُ،
فإذا قرَنْتَ هذينِ الأمرينِ بعضَهما ببعضٍ، فإنَّ الأمرَ الثاني يُنزَّلُ علَى ما إذا كانَ الحالفُ صادقًا؛ لأنَّ الحديثَ جَمَعَ أمرينِ: أمرًا مُوَجَّهًا للحالفِ، وأمرًا موجَّهًا للمحلوفِ لهُ، فإذا كانَ الحالفُ صادقًا وجبَ علَى المحلوفِ لهُ الرضا.
فإنْ قيلَ:
إنْ كانَ صادقًا فإنَّنا نصدِّقُهُ،
وإنْ لمْ يحلفْ؟
أجيبَ: أنَّ اليمينَ تزيدُهُ توْكيدًا.
قولُهُ: (وَمَنْ لَمْ يَرْضَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ) أيْ: مَنْ لمْ يَرْضَ بالحلفِ باللهِ إذا حُلِف لَهُ فليسَ مِنَ اللهِ.
قال ا
بن قاسم في (حاشية كتاب التوحيد) ص 305: (أي الوعيد لكونه من الفعل المنافي لكمال التوحيد، لدلالته على قلة تعظيمه لجناب الربوبية، فإن القلب الممتلئ بمعرفة عظمة الله وجلاله لا يفعل ذلك) .
وهذا تبرُّؤٌ منهُ يَدُلُّ علَى أنَّ عدمَ الرضا مِنْ كبائرِ الذنوبِ، ولكنْ لا بدَّ مِنْ ملاحظةِ ما سبقَ، وقدْ أشرْنا أنَّ في حديثِ القَسامةِ دليلاً علَى أنَّهُ إذا كانَ الحالفُ غيرَ ثقةٍ فلكَ أنْ تَرْفُضَ الرضا بهِ؛ لأنَّهُ غيرُ ثقةٍ، فلوْ أنَّ أحدًا حلفَ لكَ.
وقالَ:
(واللهِ إنَّ هذه الحقيبةَ مِنْ خشبٍ، وهيَ منْ جلدٍ، فيجوزُ أنْ لا تَرْضَى بهِ؛ لأنَّكَ قاطعٌ بكذبِهِ، والشَّرْعُ لا يأمرُ بشيءٍ يُخالفُ الحِسَّ والواقعَ، بلْ لا يأمرُ إلاَّ بشيءٍ يستحسِنُهُ العقلُ ويشهدُ لَهُ بالصحةِ والحُسْنِ، وإنْ كانَ العقلُ لا يُدْرِكُ أحيانًا مدَى حسنِ هذا الشيءِ الذي أمرَ بهِ الشرعُ، ولكنْ لِيُعْلَمْ علمَ اليقينِ أنَّ الشرعَ لا يأمرُ إلاَّ بما هوَ حسنٌ؛ لأنَّ اللهَ تعالَى يقولُ: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}فإذا اشتبهَ عليكَ حسنُ شيءٍ مِنْ أحكامِ الشرعِ فاتَّهِمْ نفسَكَ بالقصورِ أوْ بالتقصيرِ، أمَّا أنْ تتَّهِمَ الشرعَ فهذا لا يمكنُ، وما صحَّ عن اللهِ ورسولِهِ فهوَ حقٌّ وهوَ أحسنُ الأحكامِ).
(14)
فيهِ مَسائِلُ:
الأولَى:
(النَّهيُ عنِ الحَلِفِ بالآباءِ)
لقولُهُ: ((لاَ تَحْلِفُوا بآبائِكُم)) والنهيُ للتحريمِ.
(15)
الثانيَةُ: (الأمرُ للمَحْلوفِ لَهُ باللهِ أنْ يرضَى)
لقولِهِ: ((وَمَنْ حُلِفَ لَهُ بِاللهِ فَلْيَرْضَ)) وسبقَ التفصيلُ في ذلكَ.
(16)
الثالثةُ: (وعيدُ مَنْ لَمْ يَرْضَ)
لقولِهِ: ((وَمَنْ لَمْ يَرْضَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ)).
الرابعةُ :
ولم يَذْكُرْها المؤلِّفُ -: أمرُ الحالفِ أن يَصْدُقَ؛ لأنَّ الصدقَ واجبٌ في غيرِ اليمينِ، فكيفَ باليمينِ، وقدْ سبقَ أنَّ مَنْ حَلَفَ علَى يمينٍ كاذبةٍ أنَّهُ آثِمٌ، وقالَ بعضُ العلماءِ: إنَّها اليمينُ الغَمُوسُ.
وأمَّا بالنسبةِ للمحلوفِ لهُ:
هلْ يلزَمُهُ أنْ يُصَدِّقَ أمْ لا؟
المسألةُ لا تخلُو مِنْ أحوالٍ خمسةٍ:
الأولَى:
أنْ يَعْلَمَ كذبَهُ،
فلا أحدَ يقولُ: إنَّهُ يلزمُ تصديقُهُ.
الثانيَةِ:
أنْ يترجَّحَ كذبُهُ،
فكذلكَ لا يَلْزَمُ تصديقُهُ.
الثالثةِ:
أنْ يَتَسَاوَى الأمرانِ
فهذا يجبُ تصديقُهُ.
الرابعةُ:
أنْ يترجَّحَ صدقُهُ،
فيجبُ أنْ يُصَدَّقَ.
الخامسةُ:
أنْ يَعْلَمَ صدقَهُ،
فيجبُ أنْ يُصَدِّقَهُ.
وهذا في الأمورِ الحسيَّةِ، أمَّا الأمورُ الشرعيَّةُ في بابِ التحاكمِ فيجبُ أنْ يَرْضَى باليمينِ، ويلتزمَ بمقتضاها؛ لأنَّ هذا مِنْ بابِ الرضا بالحكمِ الشرعيِّ، وهوَ واجبٌ.


  #6  
قديم 27 جمادى الآخرة 1430هـ/20-06-2009م, 02:06 PM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي شرح فضيلة الشيخ : صالح بن عبد العزيز آل الشيخ ( مفرغ )




باب ما جاء فيمن لم يقنع بالحلف بالله

وعن ابن عمر ـرضي الله عنهما ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تحلفوا بآبائكم، من حلف له بالله فليصدق، ومن حُلِف له بالله فليرض، ومن لم يرض فليس من الله)) رواه ابن ماجه بسندٍ حسن).
(ابن ماجه) (ماجه): أمُّه وآخره هاء وصلاً ووقفاً؛ فلا يُقال: رواه ابن ماجة بسندٍ حسن، أو روى ابن ماجَة، هذا غلط، والصواب أن تقول: روى ابن ماجه بسندٍ حسن؛ لأن الهاء هنا ليست لأجل السكون في التاء، وإنما هي أصلية في اسم أمه رحمه الله تعالى ورحمها.
(باب ما جاء فيمن لم يقنع بالحلف بالله)
لفظ (لم يقنع): استفاد منه كثيرٌ من الشراح، بأن المراد بهذا الباب: ما يكون عند توجَّه اليمين على أحد المتخاصمين؛ فإنه إذا كانت الخصومة وتوجهت اليمين في الدعوى، فإن الواجب على الآخر أن يقنع بما حلف عليه الآخر بالله جل وعلا؛ فخصّوا ما جاء من الدليل، وخصّوا هذا الباب بمسألة الدعاوي، يعني: اليمين عند القاضي.
وقال بعض أهل العلم: (إنَّ الحديث عام) والحديث حسّنه طائفة من أهل العلم؛ كما ذكر الشيخ رحمه الله.
فقوله: ((من حُلِف له بالله فليرضَ)) هذا عام في كل حلف، سواء كان عند القاضي؛ أو لم يكن عند القاضي، وهذا القول أوجه وأصوب ظاهراً؛ لأن سبب الرضا بالكلام الذي حُلف عليه بالله التعظيم لله جل وعلا؛ فإنَّ تعظيم الله في قلب العبد يجعله يصدِّق من حلف له بالله ولو كان كاذباً، لكن له أن لا يبني عليه؛ لكن يصدِّقه ولا يُظهر تكذيباً له؛ لتعظيم الله جل وعلا ((من حُلِف له بالله فليرض)) فليجعل توحيده، وتعظيمه لله -جل وعلا- له، وكذِب ذاك في الحلف بالله عليه.
وقال طائفة من أهل العلم، وهذا هو الثالث: إنَّ هذا راجع إلى من عُرف صدقه في اليمين؛ أما من كان فاجراً، فاسقاً، لا يبالي إذا حلف أنْ يحلف كاذباً، فإنه لا يجب تصديقه؛ لأن تصديقه والحالة هذه
مع قيام اليقين، أو القرائن العامة بكذبه: ليس بداخلٍ في الحديث؛ لقوله في أول الحديث: ((منْ حلف بالله فليصدق، ومَنْ حُلِف له بالله فليرض)) فتعلق قوله: ((من حُلِف له بالله)) بما قبلها، وهو قوله: ((من حلف بالله فليصدق)) فتعلق ((من حُلِف له بالله فليرض)) يعني: فيمن كان صادقاً؛ ومن لم يرض بالحلف، من لم يرض باليمين بالله، فليس من الله؛ فيدل على أن فعله من الكبائر؛ لأن
قوله: ((ليس من الله)) هذا مُلحِقٌ لفعله بالكبائر وهذا الباب فيه نوع تردد عند الشراح، والظاهر في المراد منه: أن الإمام المصنف - رحمه الله - ذكره تعظيماً لله جل وعلا.
وقد ذكر في الباب قبله: مَنْ حلف بغير الله، وأنَّ حكمه: أنه مشرك؛ فهذا فيه:
- أنَّ الحلف بالله يجب تعظيمه.
- وألا يحلف المرء بالله إلاّ صادقاً.
- وألا يحلف بآبائه.
- وألا يحلف بغير الله.
ومن حُلِف له بالله، فواجب عليه الرضا تعظيماً لاسم الله، وتعظيماً لحق الله جل وعلا؛ حتى لا يقع في قلبه استهانة باسم الله الأعظم، وعدم اكتراث به، أو بالكلام المؤكد به.
فصار عندنا إذاً: أن كثيراً من أهل العلم جعلوا قول المصنف: (باب ما جاء فيمن لم يقنع بالحلف بالله) أنه عند القاضي إذا توجهت اليمين على أحد المتخاصمَين.
وأن طائفة من أهل العلم، قالوا في قوله: ((ومن حُلِف له بالله فليرض)) (إن هذا عام في كل من حُلِف له بالله؛ فإنه يجب عليه الرضا).
وآخرون قالوا: (يُفرّق بين مَنْ ظاهره الصدق ومن ظاهره الكذب) والله أعلم.


  #7  
قديم 27 جمادى الآخرة 1430هـ/20-06-2009م, 02:17 PM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي العناصر

شرح مسائل باب (ما جاء فيمن لم يقنع بالحلف بالله)
الكلام على أثر: (رأى عيسى رجلاً يسرق...) إلخ
مناسبة باب (قول ما شاء الله وشئت) لكتاب التوحيد
شرح ترجمة باب (قول الله ما شاء الله وشئت)
شرح حديث قتيلة: (أن يهودياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم ...)
- تخريج حديث قتيلة : (أن يهودياً...)، وبيان درجته
- ترجمة قتيلة
- معنى قوله: (إنكم تشركون تقولون: ما شاء الله وشئت)، وما يستفاد منها
- الخلاف في حكم قول: ما شاء الله وشئت، والرد على المخالف
- الفرق العظيم بين (ثم) و (الواو) في هذه الجملة
- بعض الفوائد من حديث قتيلة
شرح حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (ما شاء الله وشئت ...) الحديث)
- تخريج الحديث
- معنى قوله: (أجعلتني لله ندا؟ بل ما شاء الله وحده)
شرح حديث الطفيل: (رأيت كأني أتيت على نفر من اليهود...)
- تخريج الحديث
- ترجمة الطفيل
- معنى قوله: (إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: عزير ابن الله)
- معنى قوله: (وإنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمد...)
- معنى قوله: (تقولون: المسيح ابن الله)
- معنى قوله: (فلما أصبحت أخبرت بها من أخبرت)
- شرح قوله: (ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته)
- معنى قوله: (هل أخبرت بها أحداً؟)
- معنى قوله: (فحمد الله، وأثنى عليه)
- معنى قوله: (أما بعد)، وما يستفاد منها
- معنى قوله: (وإنكم قلتم كلمة كان يمنعني كذا وكذا أن أنهاكم عنها)
- المراد بقوله: (يمنعني كذا وكذا)
- ما يستفاد من قوله: (فلا تقولوا: ما شاء الله وشاء محمد...) الحديث
- ما يستفاد من حديث الطفيل
- بيان كيف كانت الرؤيا الصالحة جزءاً من ستة وأربعين جزءاً من النبوة؟
- بيان أن الرؤيا في زمن التشريع كانت سبباً لتشريع بعض الأحكام


  #8  
قديم 27 جمادى الآخرة 1430هـ/20-06-2009م, 02:21 PM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي الأسئلة

س19: ما مناسبة باب: (ما جاء فيمن لم يقنع بالحلف بالله) لكتاب التوحيد؟
س20: بين متى يلزم المحلوف له أن يصدّق الحالف؟ ومتى لا يلزمه؟
س21: هل القناعة بالحلف تقتضي تصديق الحالف؟

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ما, باب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:39 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir