حسن الصياغة للشيخ: محمد ياسين بن عيسى الفاداني
وللقصْرِ(1) طُرُقٌ(2) منها النفيُ والاستثناءُ(3)
نحوُ:(4){ إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ(5) }. ومنها (إنما(6)) نحوُ: إنما الفاهِمُ عليٌّ(7). ومنها العطْفُ بلا أو بل أو لكن(8)، نحوُ: أنا ناثِرٌ لا ناظمٌ(9)،
و(10) ما أنا حاسبٌ بل كاتبٌ(11). ومنها تقديمُ ما حقُّه التأخيرُ(12)، نحوُ(13) ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ)(15).
_______________________
قال الشيخ محمد ياسين بن عيسى الفاداني:
(1) (وللقصْرِ) سواءٌ كان حقيقيًّا أو إضافيًّا.
(2) (طرُقٌ) أي: أسبابٌ لفظيَّةٌ تُفيدُه, وهي كثيرةٌ, ذَكَرَ منها ههنا أربعةً؛ لأنها التي يَحْصُلُ بها القصْرُ الاصطلاحيُّ بخلافِ القصْرِ الذي يَحصُلُ بغيرِها فليس باصطلاحيٍّ.
(3) (منها النفيُ والاستثناءُ) أي: مجموعُهما, يعني: النفيَ بأىِّ أداةٍ من أدواتِه كليس, وما, وإنْ, ثم الاستثناءُ بإلا أو إحدى أخواتِها, وفي هذا الطريقِ يكونُ المقصورُ مقدَّماً على أداةِ الاستثناءِ, وهي مقدَّمَةٌ على المقصورِ عليه، قال النُّوبِيُّ: والسرُّ في تأخيرِ المقصورِ عليه أن القصْرَ أثرٌ عن الحرفِ الذي هو ((إلا)), ويُمانَعُ ظهورُ أثرِ الحرفِ قبلَ وجودِه انتهى سواءٌ ذُكِرَ المُسْتَثْنَى منه.
(4) (نحوُ) ما جاءني أحدٌ إلا خالدٌ وقولُه تعالى.
(5) ( إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ) وهذا ظاهرٌ أم لم يُذْكَرْ نحوُ: ما جاءني إلا خالدٌ فإن الغرَضَ المقصودَ منه النفيُ والإثباتُ المحقِّقَان للقصْرِ, وليس الغرضُ منه إثباتَ الحكْمِ فقط, وإلا لقيلَ: جاءني خالدٌ وسواءٌ في قصْرِ الصفةِ على الموصوفِ كالمثالين المذكورين أو قصْرِ الموصوفِ على الصفةِ نحوُ: ما زيدٌ إلا شاعرٌ. وسواءٌ كان قصْرَ قلْبٍ أو إفرادٍ أو تعيينٍ بحسَبِ حالِ المخاطَبِ. هذا وقد عَلِمْتَ مما قَرَّرْنا أن الاستثناءَ من الإثباتِ نحوُ قولِك: جاءَ الناسُ إلا زيداً لا يُفيدُ القصْرَ؛ لأن الغرَضَ منه الإثباتُ والاستثناءُ قيْدٌ مصحِّحٌ له، فكأنك قلتَ: جاءَ الناسُ المغايِرون لزيدٍ. وقالَ البهاءُ السُّبْكيُّ: إنه يُفيدُ القصْرَ فيُفيدُ المثالُ المذكورُ قصْرَ عدمِ المجيءِ بالنسبةِ إلى الناسِ على زيدٍ, كما أنك إذا قلتَ: ما قام الناسُ إلا زيداً لم تَقْصُرْ القيامَ على زيدٍ مطلَقاً إنما قَصَرْتَ عليه القيامَ بالنسبةِ إلى الناسِ ا هـ.
(6) (ومنها إنما) المركَّبَةُ من ((إنَّ)) التي هي لتوكيدِ النِّسْبةِ و((ما)) الكافَّةِ، فإنها, أي: المركَّبَةَ من هاتين الكلمتين تُفيدُ القصْرَ لتضمُّنِها معنى ((ما)) و((إلا)) الذي هو النفيُ والإثباتُ بدليلِ إطباقِ المفسِّرِين في قولِه تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ} بالنصبِ أن معناه ما حُرِّمَ عليكم إلا الميتَةُ؛ لأنه المطابِقُ في المعنى لقراءةِ الرَّفْعِ فإنها للقصْرِ فكذلك قراءةُ النصبِ, والأصلُ استواءُ معنى القرائتين, وفي هذا الطريقِ يُذكرُ المقصورُ أوَّلاً, أي: بعدَ إنما, ثم يُذكَرُ المقصورُ عليه فيكونُ ما أُخِّرَ من فاعلٍ أو مفعولٍ بمنزلةِ الواقعِ بعدَ إلا وهو المقصورُ عليه ولا يَجوزُ تقديمُه على غيرِه لِمَا يَلْزَمُ عليه من الإلباسِ سواءٌ في قصْرِ الصفةِ على الموصوفِ.
(7) (نحوُ إنما الفاهِمُ عليٌّ) أو في قصْرِ الموصوفِ على الصفةِ نحوُ: إنما خالدٌ كاتبٌ وسواءٌ في ذلك الأقسامُ الثلاثةُ بحسَبِ حالِ المخاطَبِ.
(8) (ومنها العطْفُ بلا أو بل أو لكن) وهذه الثلاثةُ حروفٌ تَقتَضِي ثُبوتَ حكْمِ ما قبلَها لما بعدَها، وفي هذا الطريقِ يكونُ المقصورُ عليه هو المقابِلَ لما بعدَ ((لا)) أو الذي يأتي بعدَ ((بل)) و((لكن))، ثم الحكْمُ الذي تُفيدُ هذه الحروفُ ثُبوتَ ضِدِّه لِمَا بعدَها إمَّا إثباتٌ فيكونُ الثابتُ لما بعدَها نفياً فقصْرُ الموصوفِ على الصفةِ.
(9) (نحوُ: أنا ناثِرٌ لا ناظِمٌ) فالمقصورُ عليه كونُه ناثراً؛ إذ هو المقابِلُ لما بعدَ لا، وقصرُ الصفةِ على الموصوفِ نحوُ قولِك: خالدٌ شاعرٌ لا محمَّدٌ فالمقصورُ عليه هو خالدٌ؛ إذ هو المقابِلُ لما بعدَ لا.
(10) (و) إما نفيٌ فيكونُ الثابتُ لما بعدَها إثباتاً فقَصْرُ الموصوفِ على الصفةِ نحوُ:
(11) (ما أنا حاسبٌ بل كاتبٌ) فالمقصورُ عليه كونُه كاتباً؛ إذ هو المذكورُ بعدَ بل وقصْرُ الصفةِ على الموصوفِ نحوُ: ما عمرٌو شاعراً بل زيدٌ فالمقصورُ عليه زيدٌ؛ إذ هو المذكورُ بعدَ بل، وسواءٌ في ذلك كلِّه الأقسامُ الثلاثةُ بحسَبِ حالِ المخاطَبِ.
(12) (ومنها تقديمُ ما حقُّه التأخيرُ) كتقديمِ الخبرِ على المبتدأِ وتقديمِ المعمولاتِ – مثلَ المفعولِ والمجرورِ والحالِ – على العاملِ وتقديمِ بعضِ المعمولاتِ على بعضٍ, وفي هذا الطريقِ يكونُ المقصورُ عليه هو المقدَّمَ سواءٌ بقِيَ بعدَ التقديمِ على حالِه نحوُ: زيداً ضربتَ، أم لا.
(13) (نحوُ) أنا كُفِيتُ مَهَمَّكَ، وقولِه تعالى:
(14) {إيَّاكَ نَعْبُدُ} وسواءٌ في ذلك قصْرُ الصفةِ أو الموصوفِ, وسواءٌ في ذلك الأقسامُ الثلاثةُ بحسَبِ حالِ المخاطَبِ (تنبيهٌ) قد علِمْتَ سابقاً أنَّ القصْرَ بقسمَيْه يتَضمَّنُ إثباتاً ونفياً, وليس ذلك كلُّه منطوقاً أو مفهوماً، بل تارةً يكونُ كلُّه منطوقاً, مثلَ: زيدٌ قائمٌ لا قاعدٌ، وتارةً يكونُ بعضُه منطوقاً وبعضُه مفهوماً، فإن كان طريقُه ((إِنَّمَا)) فهو إثباتٌ للمذكورِ بالمنطوقِ, ونفيٌ لغيرِه بالمفهومِ نحوُ: إنما خالدٌ قائمٌ، فإثباتُ القيامِ لخالدٍ منطوقٌ, ونفيُه عن غيرِه مفهومٌ، وإن كان طريقُه النفيَ والاستثناءَ, فحكْمُ المُسْتَثْنَى منه ثابتٌ بالمنطوقِ, وحكْمُ المستثنى بالمفهومِ, سواءٌ كان نفياً نحوُ: ما قامَ أحدٌ إلا زيدٌ، أم إثباتاً نحوُ: قامَ الناسُ إلا زيدًا, وإن كان الاستثناءُ مُفَرَّغاً نحوُ: ما قامَ إلا زيدٌ فإنَّ حكْمَ المستثْنَى منه ثابتٌ بالمنطوقِ، وإن كان طريقهُ التقديمَ فالحكْمُ للمذكورِ منطوقٌ, ونفيُه عن غيرِه بالمفهومِ.