حسن الصياغة للشيخ: محمد ياسين بن عيسى الفاداني
البابُ الثاني(1)
في الذكْرِ والحذْفِ(2)
إذا أُريدَ إفادةُ السامعِ حكْماً فأيُّ لفظٍ يَدلُّ على معنًى(3) فيه فالأصْلُ(4) ذكْـرُه(5), وأيُّ لفظٍ عُلِمَ من الكلامِ لدَلالةٍ باقيةٍ(6) عليه(7) فالأصلُ حذفُه(8)، وإذا تَعارَضَ هذان الأصـلان(9) فلا يُعْدَلُ عن مُقتضى أحدِهما(10) إلى مُقتضى(11) الآخَرِ(12) إلا لداعٍ(13).
_______________
قال محمد ياسين بن عيسى الفاداني:
(1) البابُ الثاني من الأبوابِ الستَّةِ:
(2) (في الذكْرِ والحذْفِ) أي: ذكْرِ المسنَدِ والمسنَدِ إليه ومتعلَّقاتِهما وحذفِهما.
(3) (إذا أُريدَ إفادةُ السامعِ حكْماً, فأيُّ لفظٍ يدلُّ على معنًى كائنٍ)
(4) (فيه فالأصلُ) أي: الكثيرُ أو ما يُبْنَى عليه.
(5) (ذكْرُه) أي: ذكْرُ ذلك اللفظِ مسنَدًا أو مسنَداً إليه، بل يكونُ الذكْرُ واجباً حيث لا قرينةَ تدُلُّ على حذفِه, وإلا كان الكلامُ مُعَمًّى مبهَماً لا يُظهِرُ المعنى المرادَ منه.
(6) (وأيُّ لفظٍ عُلِمَ من الكلامِ لدَلالةٍ باقيةٍ) أي: باقي الكلامِ.
(7) (عليه) أي: على ذلك اللفظِ دَلالةً ظاهرةً.
(8) (فالأصلُ حذفُه) مسنَداً أو مسنَداً إليه كقولِهم: أهلاً وسهْلاً فإن نصبَهما يَدلُّ على أنهما منصوبان بمحذوفٍ, تقديرُه: جئتَ أهلاً, ونزلْتَ مكاناً سهْلاً.
(9) (وإذا تعارضَ هذان الأصلان) بأن كان اللفظُ دالاّ على معنًى في الحكْمِ, ووُجِدَ دليلٌ عندَ حذفِه فإنَّ مُقتضى الأوَّلِ أَصالةُ ذكرِه, ومُقتضى الثاني أصالةُ حذفِه.
(10) (فلا يُعْدَلُ عن مقتضى أحدِهما) أي: أحدِ الأصلين.
(11) (إلى مُقتضى) الأصلِ.
(12) (الآخرِ) أي: لا يُعدَلُ عن ذكْرِه إلى حذفِه, ولا العكسِ.
(13) (إلا لداعٍ) أي: نُكتةٍ تَقتضِي ترجيعَ المعدولِ إليه. ويؤخَذُ من هنا أنَّ أصالةَ الذكْرِ إنما تُرَاعى وتُعَدُّ نكتةً حيث لا مُقتضَى يُعارضُه. وأما إذا وُجِدتْ نكتةٌ تقتضي الحذفَ بجانبِه فإنه تُرَاعى نكتةُ الحذْفِ. وكذا أصالةُ الحذفِ عندَ العلْمِ بالمحذوفِ إنما تُرَاعى حيث لا مُقتضًى يُعارضُه. وأما إذا وُجِدَتْ نكتةٌ تقتضي الذكْرَ بجانبِه فإنه تُرَاعى نكتةُ الذكْرِ. اعلمْ أنَّ الحذفَ قسمان؛ الأوَّلُ يَظهرُ فيه المحذوفُ عندَ الإعرابِ كقولِهم: أهلاً وسهلاً, وهذا ليس من البلاغةِ في شىءٍ، والثاني لا يَظهرُ فيه المحذوفُ بالإعرابِ, وإنما يُعلمُ بتصَفُّحِ المعنى بحيث لا يَتِمُّ إلا بمراعاةِ هذا المحذوفِ إلا أنه لا سبيلَ إلى إظهارِه, ولو أُظهِرَ زالَ رَوْنَقُ الكلامِ وحُسنُه، وهذا مما تكونُ به بلاغةُ الكلامِ، ويَتوقَّفُ على أمرين: أحدُهما وجودُ ما يَدلُّ على وجودِ المحذوفِ من قرائنَ دالَّةٍ عليه سواءٌ كانت حاليَّةً أم مقاليَّةً, وإلا لم يُعلَمْ ذلك المحذوفُ أصلاً عندَ السامعِ فيُخِلُّ الحذفُ بالمقصودِ كما هو مذكورٌ في النحوِ، والأمرُ الثاني وجودُ داعٍ مرجِّحٍ له على الذكْرِ, وهو المذكورُ تفصيلُه في هذا الفنِّ.