المجموعة الأولى:
1. فصّل القول في تفسير قوله تعالى:
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) }
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
راعى الإسلام سنة التدرج فيما شرعه للناس إيجابا وتحريما، فحينما فرض العبادات فرضها بتدريج وحينما حرم المحرمات حرمها بتدريج.
ومن خصائص الخمر أنها تؤثر على العقل ولها سلطان عليه ومن الصعب العسير أن يتخلى عنها شاربها أو مدمنها مرة واحدة فكان لابد من التدرج لتهيئة النفوس لقبول الحكم، ولهذا مر تحريم الخمر بعدة مراحل ذكرها المفسرون ومن ذلك الأثر الذي ذكره ابن كثير :
عن عمر أنّه قال: لمّا نزل تحريم الخمر قال: اللّهمّ بيّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا. فنزلت هذه الآية
التي في البقرة: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنّاس} فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللّهمّ بيّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا.
فنزلت الآية التي في النّساء: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى} [النّساء: 43]،
فكان منادي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا أقام الصّلاة نادى: ألّا يقربنّ الصّلاة سكران.
فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللّهمّ بيّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا. فنزلت الآية التي في المائدة. فدعي عمر، فقرئت عليه، فلمّا بلغ: {فهل أنتم منتهون} [المائدة: 91]؟ قال عمر: انتهينا، انتهينا. رواه الإمام أحمد وغيره
وذكر قريبا من ذلك الزجاج وابن عطية في تفسيرهما، وروى فيه ابن عطية أثرا عن سعيد بن جبير كما أنهما ذكرا احتمالا آخر هو: أن الخمر حرمت بهذه الآية لأنه قال فيها { قل فيهما أثم
[ إثم ] كبير} وحرم الإثم نصا في قوله: {قل إنّما حرّم ربّي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحقّ}.
ولم يرجح هذا القول ابن عطية بدلالة أن
الاثم الذي فيها هو الحرام، لا هي بعينها واستشهد بقول قتادة" ذم الله الله الخمر بهذه الآية ولم يحرمها
نقل ابن عطية عن بعض العلماء القول بأن هذه الآية منسوخة، بما جاء بعدها من تحريم
{يسألونك عن الخمر والميسر}
قال ابن عطية السائلون هم المؤمنون
والخمر: هي المعروفة، مأخوذة من خمر إذا ستر، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «خمروا الإناء»، ومنه خمار المرأة، والخمر ما واراك من شجر وغيره، ومنه قول الشاعر:
ألا يا زيد والضحاك سيرا = فقد جاوزتما خمر الطريق
أي سيرا مدلين فقد جاوزتما الوهدة التي يستتر بها الذئب وغيره
ومنه قولهم: دخل فلان في غمار الناس وخمارهم، أي هو بمكان خاف، فلما كانت الخمر تستر
العقل وتغطي عليه سميت بذلك،
قال أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب: الخمر كلّ ما خامر العقل
فهذا كله يدل على أن كل مسكر خمر وكل مسكر مخالط العقل ومغط عليه
وقد لبّس على أبي الأسود الدؤلي فقيل له: إن هذا المسكر الذي سموه بغير الخمر حلال فظن أن ذلك كما قيل له، ثم قاده طبعه إلى أن حكم بأنهما واحد، فقال:
دع الخمر يشربها الغواة فإنني... رأيت أخاها مجزيا لمكانها
فإلا يكنها أو تكنه فإنه... أخوها غذته أمها بلبانها
والميسر: هو القمار مأخوذ من يسر إذا جزر، والياسر الجازر، ومنه قول الشاعر:
فلم يزل بك واشيهم ومكرهم = حتّى أشاطوا بغيب لحم من يسروا
والجزور الذي يستهم عليه يسمى ميسرا لأنه موضع اليسر، ثم قيل للسهام ميسر للمجاورة.
ذكر ذلك ابن عطية وذكر قولا آخر في المعنى اللغوي للميسر ورده
{قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنّاس}
فأما الإثم الكبير الذي في الخمر: أنها توقع العداوة والبغضاء وتحول بين المرء وعقله الذي
يميز به ويعرف ما يجب لخالقه، وتحمله عل التعدي.
والمنفعة كسب أثمانها واللذة التي يجدها من ابتلي بها.
وأما
الاثم الذي في الميسر فهو أكل أموال الناس بالباطل، وما تسببه من عداوة وبغضاء.
والمنفعة الكسب بلا مشقة وكد.
ذكر ابن عطية عن ابن عباس والربيع: الإثم فيهما بعد التحريم، والمنفعة فيهما قبله.
وقال ابن كثير: أمّا إثمهما فهو في الدّين، وأمّا المنافع فدنيويّةٌ.
ولا تعارض، إلا أن ابن كثير قصر
الاثم على الدين، وبعضهم جعل
الاثم شاملا لمضار الخمر الدنيوية والله أعلم.
{وإثمهما أكبر من نفعهما}
يخبر سبحانه وتعالى أن الإثم أكبر من النفع وأكثر ضررا في الآخرة، وكان هذا هو مقدمة التحريم.
القراءات في {كبير}
ذكر الزجاج وابن عطية وابن كثير في الآية قراءتان:
الأولى: قرأ حمزة والكسائي «كثير» ، وتوجيه هذه القراءة:
1. أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الخمر ولعن معها عشرة: بائعها، ومبتاعها، والمشتراة له، وعاصرها، والمعصورة له، وساقيها،وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وآكل ثمنها، فهذه آثام كثيرة.
2. أن جمع المنافع يحسن معه جمع الآثام، و «كثير» يعطي ذلك.
الثانية: قرأ باقي القراء «كبير»، وتوجيه هذه القراءة:
1. أن الذنب في القمار وشرب الخمر من الكبائر فوصفه بالكبير أليق
2. أن كبير أنسب لقوله بعدها أكبر وهي قراءة مجمع عليها وذكر ابن عطية الإجماع على رفض أكثر إلا ما في مصحف ابن مسعود.
{ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو}
عن يحيى أنّه بلغه: أنّ معاذ بن جبلٍ وثعلبة أتيا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقالا يا رسول اللّه، إن لنا أرقّاء وأهلين فما ننفق من أموالنا. فأنزل اللّه: {ويسألونك ماذا ينفقون}.رواه ابن أبي حاتم
والعفو في اللغة: الفضل والكثرة، يقال عفا القوم إذا كثروا. ذكره الزجاج ، وابن عطية
وفي الآية العفو : الفضل، نقله ابن كثير عن ابن عباس وابن عمر، ومجاهدٍ، وعطاءٍ، وعكرمة، وسعيد بن جبيرٍ، ومحمّد بن كعبٍ، والحسن، وقتادة، والقاسم، وسالمٍ، وعطاءٍ الخراسانيّ، والرّبيع بن أنسٍ، وغير واحدٍ:
والمعنى أنفقوا ما فضل عن حوائجكم ولم تؤذوا فيه أنفسكم، وتجهدوا أموالكم فتكونوا عالة،
- روي أن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: «من كان له فضل فلينفقه على نفسه، ثم على من يعول، فإن فضل شيء فليتصدق به»، وقال صلى الله عليه وسلم: «خير الصدقة ما أبقت غنى»،
- وفي حديث آخر: «ما كان عن ظهر غنى».
- وفي حديث أبي هريرة قال: قال رجلٌ: يا رسول اللّه، عندي دينارٌ؟ قال: "أنفقه على نفسك" قال: عندي آخر؟ قال: "أنفقه على أهلك". قال: عندي آخر؟ قال: "أنفقه على ولدك". قال: عندي آخر؟ قال: "فأنت أبصر". رواه ابن جرير.
- وعن جابرٍ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال لرجلٍ: "ابدأ بنفسك فتصدّق عليها، فإن فضل شيءٌ فلأهلك، فإن فضل شيءٌ عن أهلك فلذيقرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيءٌ فهكذا وهكذا". رواه مسلم.
- وعن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "خير الصّدقة ما كان عن ظهر غنًى، واليد العليا خيرٌ من اليد السّفلى، وابدأ بمن تعول". رواه مسلم
- وفي الحديث أيضًا:"ابن آدم، إنّك إن تبذل الفضل خيرٌ لك، وإن تمسكه شرٌّ لك، ولا تلام على كفافٍ".
قيل أن هذه الآية منسوخة بآية الزكاة وأنهم كانوا أمروا أن ينفقوا الفضل إلى أن فرضت الزكاة، ذكره ابن عطية، ونقله ابن كثير عن عليّ بن أبي طلحة، وابن عبّاسٍ، وقاله عطاءٌ الخراسانيّ والسّدّيّ،
وقيل: مبيّنةٌ بآية الزّكاة نقله ابن كثير عن مجاهدٌ ، ورجحه
وقيل أنها هي الزكاة المفروضة، نقله ابن عطية عن قيس بن سعد.
وقيل بل هي نفقات التطوع ، نقله ابن عطية عن جمهور العلماء.
القراءات في قوله {العفو}:
- قرأ الجمهور «العفو» بالنصب،
- وقرأ أبو عمرو وحده «العفو» بالرفع،
- واختلف عن ابن كثير،
ذكر القراءات الزجاج وابن عطية وابن كثير، وقال ابن كثير قرئ بالنّصب وبالرّفع وكلاهما حسنٌ متّجه قريبٌ
{كذلك يبين اللّه لكم الآيات}
الخطاب هنا للأمة مع أن أول الآية فيه خطاب للنبي، لأن خطاب النبي صلى الله عليه وسلم مشتمل على خطاب أمته ومثل هذا في القرآن كثير قال تعالى: {يا أيّها النّبيّ إذا طلّقتم النّساء}ذكره الزجاج.
والإشارة إلى ما تقدم تبيينه من أمر الخمر والميسر والإنفاق، والمعنى مثل هذا البيان في الخمر والميسر والإنفاق {يبين الله لكم الآيات}.
{ لعلّكم تتفكّرون }
أخبر تعالى أنه يبين للمؤمنين الآيات التي تقودهم إلى التفكر، وجاء في الآية بعدها قوله تعالى
{في الدنيا والآخرة }ذكر الزجاج وابن عطية أنها إما متعلقة بقوله آيات أو بقوله تتفكرون، واقتصر ابن كثير على كونها متعلقة بتتفكرون.
والله أعلم
أحكام فقهية متعلقة بالآية:
1. ذكر ابن عطية الأقوال في كون الخمر من العنب أو غيره وما يترتب على ذلك من قاعدة ما أسكر كثيره فقليله حرام وأكد القول بتساوي الجميع في التحريم بدلالة قوله صلى الله عليه وسلم:: «كل مسكر خمر، وكل خمر حرام، وما أسكر كثيره فقليله حرام»، قال ابن المنذر في الإشراف: ((لم يبق هذا الخبر مقالة لقائل ولا حجة لمحتج)) وذكر أن هذا هو قول أبو بكر وعمر والصحابة.
2. تكلم ابن عطية في حد الخمر، وذكر أنه لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم في حد الخمر إلا أنه جلد أربعين، ويروى أنه ضرب فيها ضربا مشاعا فحزره أبو بكر أربعين، وعمل بذلك هو وعمر ثم لما تهافت الناس فيها شدد عليهم وجعل الحد ثمانين .
3. تكلم ابن عطية في صفة الضرب وأنه كله سواء لا يخفف ولا يبرح، ويجتنب من المضروب الوجه والفرج والقلب والدماغ والخواصر بإجماع.
4. نقل ابن عطية عن محمد بن سيرين والحسن وابن عباس وابن المسيب وغيرهم قولهم: كل قمار ميسر من نرد وشطرنج ونحوه حتى لعب الصبيان بالجوز.
2. حرّر القول في كل من:
أ: المراد بالقرء في قوله تعالى: {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهن ثلاثة قروء}.
قيل القرء في اللغة الوقت المعلوم، وقيل الجمع
فمن الأول قول الشاعر:
شنئث العقر عقر بني شليل... إذا هبت لقاريها الرياح
أي: لوقت هبوبها، وشدة بردها
ومن الثاني:
نريك إذا دخلت على خلاء... وقد أمنت عيون الكاشحينا
ذراعي عيطل أدماء بكر... هجين اللون لم تقرأ جنينا
وهو على كلا المعنيين يصلح في اللغة للإطلاق على الطهر وعلى الحيض فالأول الوقت المتكرر سواء كان حيضا أو طهرا، والثاني إما جمع الدم في الجسم وقت الحيض أو جمعه في الرحم وقت الطهر وقد أشار لذلك الزجاج ابن عطية، واقتصر ابن كثير على قول ابن جرير أن المعنى اللغوي هو الوقت وذكر الجميع جملة من الاستدلالات على أن المعنى في اللغة يشمل الحيض والطهر وأن الخلاف إنما هو في مراد الله سبحانه من الآية وأن العلماء كان لهم في المسألة قولان:
القول الأول: أنّ المراد بها الأطهار
أدلتهم:
1. قوله تعالى: {فطلّقوهنّ لعدّتهنّ} [الطّلاق: 1] أي: في الأطهار. ولمّا كان الطّهر الّذي يطلّق فيه محتسبًا، دلّ على أنّه أحد الأقراء الثّلاثة المأمور بها؛ ولهذا قال هؤلاء: إنّ المعتدة تنقضي عدّتها وتبين من زوجها إذا بدأت الحيضة الثالثة.
2. استشهدوا بقول الشّاعر:
ففي كلّ عامٍ أنت جاشم غزوة = تشدّ لأقصاها عزيم عزائكا
مورّثة عدّا، وفي الحيّ رفعةٌ = لمّا ضاع فيها من قروء نسائكا
يمدح أميرًا من أمراء العرب آثر الغزو على المقام، حتّى ضاعت أيّام الطّهر من نسائه لم يواقعهنّ فيها.
وهو قول جملة من الصحابة والفقهاء:
1. عن عائشة أنّها قالت: "انتقلت حفصة بنت عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ، حين دخلت في الدّم من الحيضة الثّالثة" رواه الإمام مالك في الموطأ
وقد جادلها في ذلك ناسٌ فقالوا: إنّ اللّه تعالى يقول في كتابه: " ثلاثة قروءٍ " فقالت عائشة: صدقتم، وتدرون ما الأقراء؟ إنّما الأقراء: الأطهار.
2. عن عبد اللّه بن عمر، أنّه كان يقول: إذا طلّق الرّجل امرأته فدخلت في الدّم من الحيضة الثّالثة فقد برئت منه وبرئ منها. رواه مالك
3. وروي مثله عن ابن عبّاسٍ وزيد بن ثابتٍ، وسالمٍ، والقاسم، وعروة، وسليمان بن يسارٍ، وأبي بكر بن عبد الرّحمن، وأبان بن عثمان، وعطاء ابن أبي رباحٍ، وقتادة، والزّهريّ، وبقيّة الفقهاء السّبعة، وهو مذهب مالكٍ،والشّافعيّ وغير واحدٍ، وداود وأبي ثورٍ، وهو روايةٌ عن أحمد
وهو مذهب أهل الحجاز
قال بعض أصحاب هذا القول أن إن المطلقة إذا رأت أول نقطة من الحيضة الثالثة خرجت من العصمة واشترط بعضهم التحقق من
أنه دم حيض.
والقول الثّاني: أنّ المراد بالأقراء: الحيض، فلا تنقضي العدّة حتّى تطهر من الحيضة الثّالثة، زاد آخرون: وتغتسل منها.
أدلتهم:
1. عن فاطمة بنت أبي حبيش أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال لها: "دعي الصّلاة أيّام أقرائك". رواه أبو داود والنسائي، فهذا لو صحّ لكان صريحًا في أنّ القرء هو الحيض، ولكنّ المنذر هذا قال فيه أبو حاتمٍ: مجهولٌ ليس بمشهورٍ. وذكره ابن حبّان في الثّقات.
وهو قول جملة من الصحابة والفقهاء:
1. عن علقمة قال: كنّا عند عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه، فجاءته امرأةٌ فقالت: إن زوجي فارقني بواحدةٍ أو اثنتين فجاءني وقد وضعت مائي وقدنزعت ثيابي وأغلقت بابي. فقال عمر لعبد اللّه -يعني ابن مسعودٍ -ما ترى؟ قال: أراها امرأته، ما دون أن تحلّ لها الصّلاة. قال عمر: وأنا أرى ذلك.
2. وهكذا روي عن أبي بكرٍ الصّديق، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وأبي الدّرداء، وعبادة بن الصّامت، وأنس بن مالكٍ، وابن مسعودٍ، ومعاذٍ، وأبيّ بن كعبٍ، وأبي موسى الأشعريّ، وابن عبّاسٍ،وسعيد بن المسيّب، وعلقمة، والأسود، وإبراهيم، ومجاهدٍ، وعطاءٍ، وطاوسٍ، وسعيد بن جبيرٍ، وعكرمة، ومحمّد بن سيرين، والحسن، وقتادة، والشّعبيّ، والرّبيع، ومقاتل بن حيّان، والسّدّيّ،ومكحولٍ، والضّحّاك، وعطاءٍ الخراسانيّ،
3. وهذا مذهب أبي حنيفة وأصحابه، وأصحّ الرّوايتين عن الإمام أحمد بن حنبلٍ، وحكى عنه الأثرم أنّه قال: الأكابر من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقولون: الأقراء الحيض. وهو مذهب الثّوريّ، والأوزاعيّ، وابن أبي ليلى، وابن شبرمة، والحسن بن صالح بن حي، وأبي عبيد، وإسحاق بن راهويه.
وهو قول بعض أهل اللغة ومذهب أهل الكوفة:
منهم الأصمعي، والكسائي، والأخفش، نقله عنهم الزجاج
الترجيح:
لم ألحظ أن أيا من أصحاب التفاسير المقررة رجح أحد القولين على الآخر فالله أعلم بالصواب.
ب: المراد بقوله تعالى: {ما خلق الله في أرحامهنّ}.
فيه ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه الولد لأن إخفاؤه يجعله ينتسب إلى غير أبيه. ورجحه الزجاج وقال إن الآية أدل على الولد واستشهد بقوله تعالى: { هو الّذي يصوّركم في الأرحام كيف يشاء}، وقوله: { ثمّ خلقنا النّطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما}
ونقل ابن عطية :
- عن قتادة قوله: «كانت عادتهن في الجاهلية أن يكتمن الحمل ليلحقن الولد بالزوج الجديد ففي ذلك نزلت الآية»
- وعن السدي قوله: «سبب الآية أن الرجل كان إذا أراد أن يطلق امرأته سألها أبها حمل؟ مخافة أن يضر بنفسه وولده في فراقها، فأمرهن الله بالصدق في ذلك».
وقال أن هذا القول مروي عن عمر وابن عباس.
القول الثاني: أنه الحيض
ذكره الزجاج، ونقله ابن عطية عن إبراهيم النخعي وعكرمة
القول الثالث: أنه الحمل والحيض جميعا وأنها مؤتمنة على الجميع، وفي كتمانها إضرار بالزوج فإن قالت حضت وهي لم تحض ذهب حقه في إرجاعها، وإن قالت لم أحض وقد حاضت ألزمته النفقة وهي غير واجبة عليه، وكذلك كتمان الحمل يقطع حقه في الرجعة، ويعرض لاختلاط النسب.
نقله ابن عطية وابن كثير عن ابن عبّاسٍ، وابن عمر، ومجاهدٌ، والشّعبيّ، والحكم بن عيينة والرّبيع بن أنسٍ، وابن زيد، والضّحّاك، وغير واحدٍ،
الترجيح:
رجح ابن عطية القول الثالث ولم يذكر ابن كثير غيره وهو قول قوي والله أعلم.
3. بيّن ما يلي:
أ: أنواع اليمين، وحكم كل نوع.
قال تعالى:{لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225)}
بينت هذه الآية نوعان من أنواع اليمين وهما:
1. اليمين اللغو: وهي الحلف من غير قصد اليمين، كقول الإنسان لا والله وبلى والله، ويدخل فيها أن يحلف على شيء فيتبين له خلافه، فهذه اليمين لا كفارة فيها باتفاق العلماء، قال تعالى { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم}
2. اليمين المنعقدة: وهي الحلف على شيء يفعله أو لا يفعله ويقصد بحلفه التأكيد والتوثيق، وهذه تجب فيها الكفارة المذكورة في سورة المائدة، وهي: العتق، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوة عشرة مساكين؛ يخير في هذه الأمور، فإن لم يقدر على واحدة منها فإنه يصوم ثلاثة أيام. قال تعالى{ ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم}، ويشرع له إذا رأى غيرها خير منها أن يكفر عن يمينه ويأتي الذي هو خير.
3. وهناك يمين ثالثة هي اليمين الغموس: وهي الحلف كذبا على ما مضى وهو يعلم كذبه، فهذه يأثم صاحبها وسميت غموسا لأنها تغمس صاحبها في النار والعياذ بالله ، ولم يشرع لهذه اليمين كفارة، ويجب عليه التوبة والاستغفار
ب: معنى الإيلاء وحكمه.
قال تعالى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226)}
الإيلاء: الحلف،
وهو أن يحلف الرّجل ألّا يجامع زوجته مدّةً وله حالات:
1. أن يكون أقلّ من أربعة أشهرٍ، في هذه الحالة له أن ينتظر انقضاء المدّة ثمّ يجامع امرأته، وعليها أن تصبر، وليس لها مطالبته بالفيئة في هذه المدّة، ثبت في الصّحيحين عن عائشة: أنّ رسول اللّه آلى من نسائه شهرًا، فنزل لتسعٍ وعشرين، وقال: "الشّهر تسعٌ وعشرون" ولهما عن عمر بن الخطّاب نحوه.
2. أن تزيد المدّة على أربعة أشهرٍ، في هذه الحالة للزّوجة مطالبة الزّوج عند انقضاء أربعة أشهرٍ: إمّا أن يفيء -أي: يجامع -وإمّا أنّ يطلّق، فيجبره الحاكم على هذا أو هذا لئلّا يضرّ بها
- وقوله {من نسائهم} فيه دلالة على أنه يختص بالزوجات دون الإماء
- وقوله: {فإن فاءوا فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ} فيه دلالةٌ لأحد قولي العلماء أنّ المولي إذا فاء بعد الأربعة الأشهر أنّه لا كفّارة عليه. والآية قبلها تؤيد ذلك، كما يدل عليه قوله صلّى اللّه عليه وسلّم: "من حلف على يمينٍ فرأى غيرها خيرًا منها فتركها كفّارتها" رواه أحمد وأبو داود وقول الجمهور أنّ عليه الكفّارة لعموم وجوب التّكفير على كلّ حالفٍ، كما في الأحاديث الصّحاح. واللّه أعلم.