مجلس مذاكرة القسم الثاني من تفسير سورة البقرة
(من الآية 11 حتى الآية 25)
1. (عامّ لجميع الطلاب)
اذكر ثلاث فوائد سلوكية وبيّن وجه الدلالة عليها من قوله تعالى:
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمفْسِدُونَ وَلَكِن لَّا يَشْعُرُونَ (12)}.
الفوائد السلوكية المستنبطة من الآيتين:
1- قبول النصيحة والنقد من الآخرين، واتهام النفس بالتقصير، والبحث عن موضع الخلل وإصلاحه.
وجه الدلالة: مفهوم المخالفة من فعل من ذمهم الله تعالى بقوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ}.
2- الإنشغال بالعلم الشرعى الذى يتبين به صحة الأعمال، حتى لا يكون العبد ممن قال فيه الله تعالى: {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} الكهف: 104
وجه الدلالة: خداع المنافقين لأنفسهم، وهم يحسبون أنهم على صواب.
3- الزيادة والإكثار من الطاعات بجميع أنواعها -القاصرة والمتعدية- بنية الإصلاح فى الأرض.
وجه الدلالة: لما بين الله تعالى أن ما يفعله المنافقون فساد فى الأرض، فتكون الزيادة من الطاعات ونشر العلم، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر من الإصلاح فى الأرض بمفهوم المخالفة.
المجموعة الثالثة:
1. فسّر بإيجاز قول الله تعالى:
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12)}.
لما أخبر الله تعالى عن صفات المنافقين الباطنة، أردف ذلك بما يدل عليه من أقوالهم الظاهرة، حتى لا يشتبه أمره على المؤمنين، فقال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ} أى: بكفركم، والعمل بالمعصية، وموالاة الكفار، ولا تصدوا غيركم عن دين الله، لأنّ صلاح الأرض والسّماء بطّاعة الله تعالى، فكأنّ الفساد من جهة المنافق حاصل لأنه هو الذي غر المؤمنين بقوله الذي لا حقيقة له، ووالى الكافرين على المؤمنين، ولو أنّه استمرّ على حالته الأولى لكان شرّه أخفّ، ولو أخلص العمل للّه وتطابق قوله وعمله لأفلح وأنجح، فكان جوابهم {قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} وهذا الجواب متضمن ثلاثة أمور: الأول: أنهم يظنون أنهم مصلحون بين الكفار والمؤمنين، فلذا يولونهم، والثاني: أن موالاتهم للكفار من باب صلة الأرحام، فتكون بذلك صلاحا، والثالث: أن يريدوا أن هذا الذي يسمونه إفساداً هو عندنا إصلاح، وهذا استمرار منهم على النفاق. فبين تعالى فساد قولهم بقوله تعالى: {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ} فجعل الفساد ثابتا محصورا فيهم، وأكد ذلك بعدة مؤكدات منها:
1- أداة التنبيه " ألا"
2- إنّ المؤكدة
3- ضمير الفصل "هم"
4- كون الجملة أسمية معرفة الطرقين.
أى: ألا إنهم هم الذين بلغوا الغاية فى الإفساد {وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ} أنهم مفسدون –وهذا من الطبع على القلب عقوبة لهم فيزدادوا ضلال إلى ضلالهم-، أو: أنهم لا يشعرون أن الله يعلم كذبهم ويفضحهم.
2. حرّر القول في:
معنى استهزاء الله تعالى بالمنافقين.
الأقوال فى معنى استهزاء اللّه بالمنافقين:
القول الأول:أن أظهر لهم من أحكامه في الدنيا من عصمة دمائهم وأموالهم خلاف الّذي لهم عنده في الآخرة، يعني من العذاب والنّكال، كما أظهروا من الإسلام خلاف ما أسرّوا، حاصل ما ذكره الزجاج، وما ذكره ابن كثير من قول الطبرى عن ابن عباس.
القول الثانى: ما أعد الله لهم فى الآخرة، فيفعل بهم أفعالا هي في تأمل البشر هزو حسبما يروى أن النار تجمد كما تجمد الإهالة فيمشون عليها ويظنونها منجاة فتخسف بهم، وما يروى أن أبواب النار تفتح لهم فيذهبون إلى الخروج، وكما قال تعالى: {يوم يقول المنافقون والمنافقات للّذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورًا فضرب بينهم بسورٍ له بابٌ باطنه فيه الرّحمة وظاهره من قبله العذاب}، قول ابن عباس والحسن، والطبرى، وهو حاصل ما ذكره الزجاج، وابن عطية، وابن كثير.
القول الثالث: أخذه إياهم من حيث لا يعلمون، كما قال عزّ وجلّ: {سنستدرجهم من حيث لا يعلمون}، وذلك أنهم بدوام نعم الله الدنيوية عليهم يظنون أنه راض عنهم وهو تعالى قد حتم عذابهم، فهذا على تأمل البشر كأنه استهزاء، حاصل ما ذكره الزجاج وابن عطية.
القول الرابع: إخبارٌ من اللّه تعالى أنّه يجازيهم جزاء الاستهزاء، ويعاقبهم عقوبة الخداع فأخرج خبره عن جزائه إيّاهم وعقابه لهم مخرج خبره عن فعلهم الّذي عليه استحقّوا العقاب في اللّفظ، وإن اختلف المعنيان كما قال تعالى:{وجزاء سيّئةٍ سيّئةٌ مثلها} الشّورى: 40، فالثانية ليست سيئة في الحقيقة، ولكنها سميت سيئة لازدواج الكلام، وقوله تعالى: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه} البقرة: 194، فالأوّل ظلمٌ، والثّاني عدلٌ، فهما وإن اتّفق لفظاهما فقد اختلف معناهما، وهو الوجه المختار عند أهل اللغة، والعرب تستعمل ذلك كثيرا، ومنه قول الشاعر [عمرو بن كلثوم]: ألا لا يجهلن أحد علينا ....... فنجهل فوق جهل الجاهلينا، حاصل ما ذكره الزجاج، وابن عطية، وابن كثير.
القول الخامس: استهزاؤه بهم توبيخه إيّاهم، ولومه لهم على ما ركبوا من معاصيه، والكفر به، قول الطبرى عن جماعة، ذكره ابن كثير.
القول السادس:هذا وأمثاله على سبيل الجواب، كقول الرّجل لمن يخدعه إذا ظفر به: أنا الّذي خدعتك، ولم تكن منه خديعةٌ، ولكن قال ذلك إذ صار الأمر إليه، مثل قوله تعالى:{ومكروا ومكر اللّه واللّه خير الماكرين}آلأ عمران:54، و{اللّه يستهزئ بهم} على الجواب، والله لا يكون منه المكر ولا الهزء، والمعنى: أنّ المكر والهزء حاق بهم، قول الطبرى عن جماعة، ذكره ابن كثير.
ورجح الطبرى القول الأول وانتصر له، واختار أهل اللغة القول الرابع، ولا تعارض بين الأقوال إذ يجازيهم الله بالعقوبة العاجلة فى الدنيا أو يؤخرهم إلى أجل مسمى، أو يجمع عليهم العقوبتين، والله تعالى أعلى وأعلم.