المجموعة الثانية:
س1: بيّن أوجه تفاضل السائلين في سؤال الهداية
يتفاضل الناس فى سؤال الهداية على ثلاثة أوجه:
1- حضور القلب عند الدعاء؛ فليس دعاء الغافل اللاهي كدعاء المدرك الواعي.
2-الإحسان في الدعاء،فليس من دعو الله تعالى بتضرع وتقرب خوفاً وطمعاً، ويشهد اضطراره لإجابة الله دعاءه كمن هو دون ذلك.
3-مقاصد الداعي من سؤال الهداية، فإنما الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى، والله يعلم قصد كل سائل من سؤاله، ولذلك فإنَّ الأكمل للإنسان أن يقصد بسؤاله الهداية التامة التي يبصر الحق، ويتبع بها الهدى.
******************************************************************************
س2: بيّن المراد بالصراط المستقيم
الصراط هوالطريق الواضح الواسع السهل المستقيم الموصل للمطلوب.
قال ابن جرير:أجمعت الحجة من أهل التّأويل جميعًا على أنّ الصّراط المستقيم هو الطّريق الواضح الّذي لا اعوجاج فيه. وكذلك ذلك في لغة جميع العرب؛ فمن ذلك قول جرير بن عطيّة بن الخطفى: أمير المؤمنين على صراطٍ.......إذا اعوجّ الموارد مستقيم.
المراد بالصراط المستقيم ما فسّره الله به في الآية التي تليها بقوله:{صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين}
ولذلك سمي صراطاً لوضوحه واستقامته ويسره وسعته.
تنوّع عبارات السلف في المراد بالصراط المستقيم:
تنوعت عبارات السلف في التعريف بالصراط المستقيم والمحفوظ عن الصحابة والتابعين في هذه المسألة خمسة أقوال:
القول الأول:دين الإسلام، وهو قول جابر بن عبد الله، ورواية الضحاك عن ابن عباس، وهو قول محمّد بن الحنفية وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، ورواية عن أبي العالية الرياحي، وهو قول جمهور المفسّرين.
وهذا القول هو أشهر الأقوال وأصلها
واستدلّ بعض المفسّرين لهذا القول بحديث النوَّاس بن سمعان الكلابي رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ضرب الله مثلا صراطا مستقيما، وعلى جنبتي الصراط سوران، فيهما أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى باب الصراط داع يقول: أيها الناس، ادخلوا الصراط جميعا، ولا تتعرجوا، وداع يدعو من فوق الصراط، فإذا أراد يفتح شيئا من تلك الأبواب، قال: ويحك لا تفتحه، فإنك إن تفتحه تلجه، والصراط الإسلام، والسوران: حدود الله، والأبواب المفتحة: محارم الله، وذلك الداعي على رأس الصراط: كتاب الله، والداعي من فوق الصراط: واعظ الله في قلب كل مسلم).
القول الثاني:هو كتاب الله تعالى، وهو رواية صحيحة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
- روى منصور بن المعتمر عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (إن هذا الصراط محتضَرٌ تحضره الشياطين يقولون: يا عباد الله هذا الطريق فاعتصموا بحبل الله فإنَّ الصراط المستقيم كتاب الله).
وهذا القول صحيح في نفسه باعتبار أنَّ من اتّبع القرآن فقد اهتدى إلى الصراط المستقيم.
القول الثالث: هو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهذا القول رواية عن ابن مسعود.
روى الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله قال: (الصراط المستقيم الذي تركنا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم)رواه الطبراني في الكبير والبيهقي في شعب الإيمان، ولفظه: (الصراط المستقيم تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على طرفه، والطرف الآخر الجنة).
القول الرابع: هو النبي صلى الله عليه وسلم وصاحباه أبو بكر وعمر، وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما، ورواية عن أبي العالية الرياحي والحسن البصري.
- عن عاصم الأحول، عن أبي العالية، عن ابن عباس رضي الله عنهما، في قوله تعالى (الصراط المستقيم)
قال:( هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه)قال: فذكرنا ذلك للحسن فقال: (صدق والله ونصح، والله هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما
القول الخامس:هو الحقّ ، وهو قول مجاهد بن جبر رواه ابن أبي حاتم.
وهذا القول حقيقته بيان وصف هذا الصراط المستقيم بأنَّه الحقّ، لأنّ كلَّ ما اتّبع سواه فهو باطل.
فهذه الأقوال الخمسة هي المأثورة عن الصحابة والتابعين في بيان المراد بالصراط المستقيم.
********************************************************************
س3: ما الحكمة من إضافة الصراط إلى الذين أنعم الله عليهم دون تسميتهم بالنبيين والصديقين والشهداء والصالحين؟
أجاب ابن القيّم رحمه الله سؤالاً عن فائدة الإضافة جواباً حسناً، وتلخيصه أن فيه ثلاث فوائد:
1-التنبيه على علة كونهم من المنعم عليهم، وهي الهداية فبهداية الله لهم كانوا من المنعم عليهم.
2-قطع التعلق بالأشخاص ونفي التقليد المجرد عن القلب؛ واستشعار العلم بأن اتباع من أمرنا باتباعهم إنما هو امتثال لأمر الله.
3-أن الآية عامة في جميع طبقات المنعَم عليهم؛ وأنه تعالى هو الذي هدى إلى جميع تفاصيل الطريق التي سلكها كلّ من أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
فكان ذكرهم بالوصف الجامع أوجز وأبلغ وأعمّ فائدة.
****************************************************************************
س4: ما الحكمة من تقديم {المغضوب عليهم} على {الضالين}؟
تقديم المغضوب عليهم على الضالين فلوجوه :
1-أن ذلك لمراعاة فواصل الآيات، وهذا جواب وإن كان صحيحاً في نفسه إلا أنّه لا يستقل بالجواب إذ لا بد من حكمة أخرى غير مجرّد مراعاة الفواصل، وقد ذكره ابن عاشور وجهاً.
2-لأنَّ اليهود متقدمون في الزمان على النصارى، ذكره ابن القيّم وجهاً.
3-لأن اليهود كانوا مجاورين للنبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، بخلاف النصارى؛ فقدّمهم لقربهم، وهذا الجواب ذكره ابن القيّم أيضاً، ويشكل عليه أنَّ سورة الفاتحة مكية إلا إذا كان المراد أنَّ منازل اليهود في يثرب أقرب من منازل النصارى في نجران والشام؛ وفيه بعد.
4-أن اليهود أغلظ كفراً من النصارى؛ فبدأ بهم، وهذا الجواب ذكره ابن القيّم رحمه الله، وهو جواب شيخنا ابن عثيمين رحمه الله، قال: (قدم المغضوب عليهم على الضالين؛ لأنهم أشد مخالفة للحق من الضالين؛ فإن المخالف عن علم يصعب رجوعه بخلاف المخالف عن جهل).
5-لإفادة الترتيب في التعوذ؛ لأن الدعاء كان بسؤال النفي؛ فالتدرّج فيه يحصل بنفي الأضعف بعد نفي الأقوى مع رعاية الفواصل، وهذا حاصل جواب ابن عاشور، وهو قريب من الوجه السابق.
6-لأن الغضب يقابل الإنعام، فتقديم ذكر المغضوب عليهم أحسن مقابلة من تقديم ذكر الضالين، وهذا خلاصة جواب أبي حيان الأندلسي في البحر المحيط، وذكر ابن القيّم أنّه أحسن الوجوه.
وأعمّ منه أن يقال: إن تقديم المغضوب عليهم على الضالين فيه تحقيق المقابلتين: المقابلة الخاصة والمقابلة العامة
7-لأنَّ أوّل ذنب عصي الله به هو من جنس ذنوب المغضوب عليهم؛ لأنَّه عصيان عن علم ومعرفة، وهو إباء إبليس السجود لآدم؛ فناسب تقديم المغضوب عليهم، وهذا الوجه زاده د.فاضل السامرائي على الوجوه المتقدّمة.
**************************************************************************
س5: ما الحكمة من إبهام ذكر الغاضب في قوله تعالى: {المغضوب عليهم}؟
الأظهر في أقوال المفسرين أنَّ ذلك لإفادة عظم شأن غضب الله عليهم، وأنه غضب الملك الجبّار الذي يغضب لغضبه جنوده في السماوات وفي الأرض، فيجد آثار ذلك الغضب في كلّ حال من أحواله.
وهذا نظير بغض الله تعالى لمن يبغض من عباده، كما في صحيح مسلم من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبدا دعا جبريل فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، قال فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلانا فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض).
والمقصود أنَّ إبهام ذكر الغاضب هنا من فوائده عموم الغاضبين وكثرتهم.
وذكر ابن القيّم رحمه الله تعالى وجهين بديعين آخرين:
أحدهما: أنَّ ذلك جارٍ على الطريقة المعهودة في القرآن من أن أفعال الإحسان والرحمة والجود تضاف إلى الله تعالى، وأفعال العدل والجزاء والعقوبة يُحذف ذكر الفاعل فيها أو يسند الفعل إلى من كان له سبب فيه؛ تأدّباً مع الله جلّ وعلا، ولئلا يقع في بعض النفوس ما لا يصحّ من المعاني التي يُنزّه الله عنها، كما في قول الله تعالى فيما حكاه عن الجنّ (وأنا لا ندري أشرّ أُريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربّهم رشداً)
فمن ذلك قوله تعالى : (الذين أنعمت عليهم)فأسند الضمير إليه جلَّ وعلا، وقوله: (المغضوب عليهم)حذف ذكر الفاعل
ومنها: أنّ ذلك أبلغ في تبكيتهم والإعراض عنهم وترك الالتفات إليهم؛ بخلاف المنعم عليهم ففي إسناد فعل الإنعام إلى الله تعالى في قوله (أنعمت عليهم)ما يفيد عنايته بهم وتشريفهم وتكريمهم.
*****************************************************************************