أعماله الجليلة في خلافته
كان لأبي بكر الصديق أعمال جليلة في خلافته؛ ومنها:
1. تسيير جيش أسامة بن زيد رضي الله عنهما
- قال أبو أسامة الكوفي: حدثنا هشام بن عروة قال: أخبرني أبي قال: (ومرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يقول في مرضه: «أنفذوا جيش أسامة، أنفذوا جيش أسامة».
قال: فسار حتى بلغ الجرف، فأرسلت إليه امرأته فاطمة بنت قيس، فقالت: لا تعجل، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثقيل، فلم يبرح حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع إلى أبي بكر، فقال: (إنّ رسول الله بعثني وأنا على غير حالكم هذه، وأنا أتخوّف أن تكفر العرب، فإن كفرت كانوا أوّل من يقاتل، وإن لم تكفر مضيت، فإن معي سروات الناس وخيارهم).
قال: فخطب أبو بكر الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: (والله لأن تخطفني الطير أحبُّ إليَّ من أن أبدأ بشيء قبل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم).
قال: (فبعثه أبو بكر إلى أبنى، واستأذن لعمر أن يتركه عنده).
قال: (فأذن أسامة لعمر).
قال: (فساروا؛ فلما دنوا من الشام أصابتهم ضبابة شديدة، فسترهم الله بها حتى أغاروا، وأصابوا حاجتهم).
قال: (فقُدم بنعي رسول الله صلى الله عليه وسلم على هرقل وإغارة أسامة في ناحية أرضه خبراً واحداً؛ فقالت الروم: ما بالى هؤلاء بموت صاحبهم أن أغاروا على أرضنا).
قال عروة: (فما رئي جيش كان أسلم من ذلك الجيش). رواه ابن سعد بأطول من هذا السياق.
- وروى عباد بن كثير عن أبي الزناد عن أبي الأعرج عن أبي هريرة في خبر طويل أنّ ذلك الجيش كان سبباً في تثبيت قبائل العرب التي مروا بها في طريقهم على الإسلام.
2. قتال المرتدين حتى دانت قبائل جزيرة العرب بالإسلام.
- قال ابن شهاب الزهري: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أبي هريرة، قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر بعده، وكفر من كفر من العرب، قال عمر لأبي بكر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله)).
فقال: (والله لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة؛ فإنَّ الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه).
فقال عمر: «فوالله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق». رواه البخاري ومسلم.
- وقال عبد الواحد بن أبي عون، عن القاسم بن محمد , عن عائشة , أنها كانت تقول: « توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فنزل بأبي بكر ما لو نزل بالجبال لهاضها، اشرأبّ النفاق بالمدينة، وارتدت العرب؛ فوالله ما اختلفوا في نقطة إلا طار أبي بحظها وعنائها في الإسلام ».
وكانت تقول مع هذا: «ومن رأى عمر بن الخطاب عرف أنه خلق غناء للإسلام، كان والله أحوذياً نسيج وحده، قد أعدّ للأمور أقرانها» رواه ابن أبي شيبة، وأحمد في فضائل الصحابة، والطبراني في المعجم الأوسط.
3. تجييش الجيوش لفتح العراق والشام.
- قال محمد بن إسحاق: حدثني العلاء بن عبد الرحمن عن رجل من بني سهم عن ابن ماجدة السهمي أنه قال: (حجّ علينا أبو بكر في خلافته سنة ثنتي عشرة؛ فلما قفل أبو بكر من الحج جهز الجيوش الى الشام: عمرو بن العاص ويزيد بن أبي سفيان وأبا عبيدة بن الجراح وشرحبيل بن حسنة). رواه يعقوب بن سفيان كما في تاريخ دمشق لابن عساكر.
- وقال بكر بن يونس عن ابن إسحاق قال: (لما قفل أبو بكر عن الحج بعث عمرو بن العاص قبل فلسطين، ويزيد بن أبي سفيان وأبا عبيدة بن الجراح وشرحبيل بن حسنة، وأمرهم أن يسلكوا على البلقاء). رواه خليفة بن خياط.
4. جمع القرآن بين اللوحين
وهو أوّل من جمع القرآن في مصحف واحد بعد أن استحر القتل بالقراء في وقعة اليمامة.
- قال إبراهيم بن سعد الزهري: حدثنا ابن شهاب، عن عبيد بن السباق أن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: «أرسل إليَّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة؛ فإذا عمر بن الخطاب عنده».
قال أبو بكر رضي الله عنه: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء بالمواطن، فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن.
قلت لعمر: كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!.
قال عمر: هذا والله خير، فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر.
قال زيد: قال أبو بكر: (إنك رجل شابّ عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فتتبع القرآن فاجمعه).
فوالله لو كلّفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن.
قلت: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
قال: (هو والله خير).
(فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما؛ فتتبعت القرآن أجمعه من العُسُب، واللِّخافِ، وصدور الرجال). رواه البخاري في صحيحه.
- وقال قبيصة بن عقبة: حدثنا سفيان الثوري، عن السدي، عن عبد خير قال: سمعت علياً يقول: «أعظم الناس أجراً في المصاحف أبو بكر، رحمة الله على أبي بكر، هو أوّل من جمع بين اللوحين» رواه ابن أبي داوود في كتاب "المصاحف"، والقطيعي في زياداته على فضائل الصحابة للإمام أحمد، وخيثمة بن سليمان.
ورواه الآجري في الشريعة، وأبو الفضل الزهري من طريق أبي أحمد الزبيري عن سفيان الثوري به.
- قال ابن كثير رحمه الله: (وهذا من أحسنِ وأجلِّ وأعظمِ ما فعله الصديق رضي الله عنه).