المجموعة الثانية :
س1: بم يتحقق الإيمان بالقرآن؟
الايمان بالقرآن اعتقاد وقول وعمل :فمن امتثل بها كان بإذن الله من أهل هذه الآية الكريمة : ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا )
فالاعتقاد : أن يصدق أنه كلام الله تعالى تكلم به حقيقة وبلغه أمين السماء إلى أمين الأرض ، وأنه محفوظ من الزيادة والنقصان ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، لو اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثله لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ، وأنه جعله كتاب نور وهداية ليخرج الناس من الظلمات إلى النور ، فيصدق بأخباره ويعمل بمحكمه ويؤمن بمتشابهه ، ويعمل بأمره ويجتنب نهيه ، ويعتبر بقصصه ، ويتفكر بأمثاله ، ويتدبر آياته ، وهو كلام الله لا يخلق ولا يبلى ، يعلو ولا يعلى عليه.
القول : أن يقر بلسانه على إيمانه به ويدعو له ويتلوه تعبدا وتصديقا
العمل : اتباع هديه وامتثال امره واجتناب نهيه
س2: بيّن فضل الإيمان بالقرآن
للايمان بالقرآن فضائل عظيمة لها أثر كبير على سلوكه ونفسه ومنها :
1-أن يعرف المسلم ربه ويقدره حق قدره ، ويعرف شرعه وأمره ونهيه ، وكيف يصل إلى رضى ربه ، وكيف يجتب سخطه وغضبه
2-القرآن نزل لهداية الناس وتقويم سلوكهم للتي هي أقوم وهذه الغاية العظمى من نزوله ، قال تعالى : ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ) وقال تعالى : ( وإنه لهدى ورحمة للمؤمين ) وقال جل في علاه : ( تلك آيات القرآن وكتاب مبين ، هدى وبشرى للمؤمنين)
3-وهو كتاب بركة فكلما أعطاه الانسان من وقته كلما فاض عليه من بركاته فأقبل عليه بشوق وحب يتلو كلام ربه فيزداد إيمانا وتثبيتا . ولا ينتفع به إلا من آمن به وصدق وعد ربه وسعى للهداية والتوفيق ، وعلى قدر هذا الايمان يكون التوفيق والفلاح والهداية ، قال تعالى : ( وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه ، قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين ، أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى للمؤمنين ) فهو المعجزة الخالدة التي لا تقف أمامها أيا معجزة ، ولذلك صرف الله تعالى الجاحدين المعاندين السائلين للمعجزات المختلفة ، صرفهم إلى القرآن وهداياته ، فلا معجزة أبين ولا أعظم ولا أقوم منه . قال تعالى : ( ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون )
3-إذا أقبل المؤمن على القرآن مصدقا به معتقدا فيه فتح له أبواب اليقين والخير والبركة والبصائر والبينات وأعطاه من كنوزه ، وفاض عليه من بركاته ، فورث الاستقامة والتقوى والهداية والتوفيق وصلاح الباطن والظاهر ، وكان له سعادة الدارين بإذن الله .
س3: بيّن الفرق بين قول المعتزلة وقول الأشاعرة في القرآن
المعتزلة لا يثبتون لله شيئا من الصفات ، فهم يرون أن الله تعالى لا يتكلم حقيقة بل إذا أراد أن يتكلم خلق كلاما في بعض الأجسام يسمعه من شاء ، فهذا يعني في معتقدهم أن القرآن مخلوق ، منفصل عن الله تعالى- تعالى الله تعالى عما يقولون علوا كبيرا-
الأشاعرة : قالوا في تأويل صفة الكلام أنه المعنى النفسي القائم بالله جل وعلا ، وأنه قديم بقدمه ، وأنه ليس بحرف ولا صوت ، ولا يتعلق بالقدرة والمشيئة ، ولا ينجزأ ولا يتبعض ولا يتفاضل . فهو حكاية عن الله وجبريل يحكي المعنى النفسي عن الله ويبلغه للنبي صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن هذا إفك وضلال
أرادوا أن يردوا على المعتزلة فأساؤوا من حيث لا يعلموا
ومنهم من يطلق القول بأن القرآن كلام الله تعالى ولكن على سبيل المجاز لا الحقيقة ، فهو عبارة عن كلام الله وليس كلام الله حقيقة .
س4: بيّن خطر فتنة اللفظية
لقد كانت فتنة اللفظية فتنة عظيمة ، فلذلك اشتد تحذير العلماء من هذه الفتنة
فتنة اللفظية من المسائل الغامضة لتوقفها على مراد القال ، ودخول التأويل فيها ، لأن كلام الله تعالى غير مخلوق ، وأفعال العباد مخلوقة كما ذواتهم ، ولهذا جاءت مسألة اللفظ للتلبيس بين الأمرين ، لأنها كلمة مجملة حمالة لوجوه ، والناس بحاجة للبيان والتوضيح ، ولهذا عد الامام أحمد من قال ( لفظي في القرآن مخلوق ) من فرق الجهمية ، وهم ( اللفظية ) وهم يستترون باللفظ وهم أصلهم يقولون بخلق القرآن .
قال عبد الله بن الامام أحمد : سمعت أبي يقول : كل من يقصد إلى القرآن بلفظ أو غير ذلك يريد به مخلوق ، فهو جهمي )
وقال أيضا : سألت أبي فقلت : إن قوما يقولون ألفاظنا بالقرآن مخلوقة؟
قال : هم جهمية وهم شر ممن يقف.
س5: ما سبب شهرة أبي الحسن الأشعري؟ وما موقف أهل السنة منه ؟
أبو الحسن الأشعري تابع قول أن القرآن الكريم هو حكاية عن المعنى النفسي القائم بالله تعالى .
أبو الحسن الأشعري تأثر بزوج والدته على الجبائي المعتزلي ، وعنه أخذ علم الكلام ، حتى صار إماما عندهم .
وحاكت في نفسه مسائل لا يعلم لها جوابا ، فسأل الجبائي عنها وناظره فيها فانقطع جوابه ، فتبين له فساد قول المعتزلة ، فأصابته حيرة شديدة واحتبس في منزله خمسة عشر يوما ، ثم دخل جامع البصرة يوم الجمعة واعتلى المنبر ، واعلن توبته من الاعتزال والتزامه بمذهب أهل السنة، ثم خاض في الرد على مذهب المعتزلة انتصارا لأهل السنة وكان يظن أنه على الصواب ، ولكنه كان قليل البضاعة في علوم السنة ، متأثرا بعلم الكلام متبحرا فيه ، تأثر بطريقة ابن كلاب لأنها أقرب إلى فهمه وفكره ، فانتهج طريقته واستدرك عليه ، واجتهد في الرد على المعتزلة ، فاشتهرت أخبار مناظراته وردوده بالطرق العقلية والمنطقية ،-فخالف أهل السنة في طريقتهم ، وأحدث أقوالا وأصولا في الدين لم تكن تعرف من قبله - حتى كان المعتزلة يتجنبون مجالسته ، فعظموه الناس وعدوه منافحا عن السنة .
ثم إنه في آخر عمره ألف كتابه ( الابانة ) الذي رجع فيه عن طريقة أهل الكلام والتزم أهل الحديث ، وكان مما قال فيه : قولنا الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها : التمسك بكتاب الله ربنا عز وجل ، وبسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وما روي عن السادة الصحابة والتابعين وأئمة الحديث ، ونحن بذلك معتصمون ، وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل – نضر الله وجهه ، ورفع درجته ، وأجزل مثوبته قائلون ، ولما خالف قوله مخالفون ، لأنه الامام الفاضل ، والرئيس الكامل ، الذي أبان الله به الحق ، ودفع به الضلال ، وأوضح به المنهاج ، وقمع به بدع المبتدعين ، وزيغ الزائغين ، وشك الشاكين ، فرحمة الله عليه من إمام مقدم ، وجليل معظم ، وكبير مفهم ... ) إلى آخر ما قال
فهذا رجوع عام مجمل إلى قول أهل السنة ، وقد حكى في الابانة من عقيدته ما خالف عقيدة ابن كلاب في مسائل الصفات والكلام والقرآن وغيرها ، وأخطأ في مسائل ظن أنه وافق فيها أهل السنة وهو مخالف لهم فيها .
ولذلك اختلف في شأنه أهل العلم ، فمنهم من قال إنه رجع رجوعا صحيحا إلى مذهب أهل السنة ، ومنهم من قال أن رجوعه كان رجوعا مجملا لم يخل من أخطاء في تفاصيل مسائل الاعتقاد .وعلى كل حال فأتباعه بقوا على طريقته الأولى وهم في ازدياد
قال ابن تيمية: (ويوجد في كلام أبي الحسن من النفي الذي أخذه من المعتزلة ما لا المعتزلة ما يوجد في كلام ابن كلاب الذي أخذ أبو الحسن طريقه ، ويوجد في كلاب ابن كلاب من النفي الذي قارب فيه المعتزلة ما لا يوجد في كلام أهل الحديث والسنة والسلف والأئمة ، وإذا كان الغلط شبرا صار في الأتباع ذراعا ثم باعا حتى آل هذا المآل ، فالسعيد من لزم السنة ).
قال الإمام أحمد: (لا تجالس صاحب كلام وإن ذب عن السنة فإنه لا يؤول أمره إلى خير)