دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة البناء في التفسير > منتدى المسار الثاني

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #2  
قديم 24 رمضان 1443هـ/25-04-2022م, 11:15 AM
إيمان جلال إيمان جلال غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Sep 2019
المشاركات: 380
افتراضي

المجموعة الثالثة:
لخّص مسائل الموضوعات التالية وبيّن فوائد دراستها:
1. أحكام النكاح
أحكام النكاح:
• الموطن الأول: إباحة النكاح والترغيب فيه.
قوله تعالى: "وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا - وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا".
- من محاسن الشريعة:
منة الله على عباده بإقرار النكاح وإباحته والحث عليه لما يترتب عليه من مصالح كثيرة.
- سبب ترتيب أحكام للنكاح
لجلب المصالح ودفع المفاسد: وذلك بالسعي لصلاح وإصلاح أحوال الزوجين، ولدفع الضرر والفساد.

• "وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى"
- معناها:
أي إن خفتم ألا تقوموا بحق النساء اليتامى اللاتي تحت حجوركم وولايتكم.
• "فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ"
- من أسباب إباحة التعدد:
 إن لم تحبوا زوجاتكم اليتامى، فاعدلوا إلى نكاح غيرهن.
 أن الرجل قد لا تندفع شهوته بالواحدة، أو لا يحصل مقصوده أو مقاصده بها، كما تقدم أن النكاح له عدة مقاصد.

- دلالة الآية على حسن اختيار الزوجة:
وذلك من قوله تعالى "ما طاب لكم"، فينبغي أن لا يتزوج إلا الجامعة للصفات المقصودة بالنكاح.

- متعلق "ما طاب لكم":
أي اختاروا الطيبات في أنفسهن، اللاتي تطيب لكم الحياة بالاتصال بهن، الجامعات للدين والحسب والعقل والآداب الحسنة وحسن الأخلاق الظاهرة، وحسن الخلائق الباطنة وغيرها من الأوصاف الداعية لنكاحهن.
- بعض مقاصد النكاح:
 كفاءة البيت والعائلة، وحسن التدبير، وحسن التربية. (وأساسها: الدين والعقل).
 وإحصان الفرج، والسرور في الحياة. (وأساسها: حسن الخلق الظاهر والباطن).
 ونجابة الأولاد وشرفهم. (وأساسها: الحسب والنسب الرفيع).
- سبب إباحة نظر الخاطب لمخطوبته:
ليكون على بصيرة من أمره.
- الفوائد:
تحريم نكاح الخبيثة التي لا يحل للمسلم نكاحها، وهي الكافرة غير الكتابية، وكذلك الزانية حتى تتوب كما نص الله على الثنتين.

• "مثنى وثلاث ورباع":
- معناها:
أي: من أحب أن يتزوج اثنتين فليفعل، أو ثلاثا أو أربعا فليفعل، ولا يزيد على الأربع؛ لأن الآية سيقت للامتنان، فلا يجوز الزيادة على غير ما سمى الله إجماعا.
- من أسباب تحديد الزوجات بالأربع:
لأن في الأربع غنية لكل أحد إلا ما ندر.
• " فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا "
- معاناها:
فإذا خاف من نفسه الجور والظلم بالزيادة على الواحدة فليقتصر على الواحدة، أو على ملك يمينه التي لا يجب عليه لها قسم كالزوجات.
- معنى "تعولوا":
تظلموا وتجوروا.
- الفوائد:
أن تعرض العبد للأمر الذي يخاف منه الجور والظلم وعدم القيام بالواجب - ولو كان مباحا - لا ينبغي له أن يتعرض له، بل يلزم السعة والعافية، فإن العافية خير ما أعطي العبد.
• "وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا"
- مناسبة الآية لما قبلها:
ولما كان كثير من الناس يظلمون النساء ويهضمونهن حقوقهن، وخصوصا الصداق الذي يكون شيئا كثيرا دفعة واحدة يشق عليهم، حثهم على إيتاء النساء صدقاتهن أي: مهورهن {نِحْلَةً} أي: عن حال طمأنينة وطيب نفس من غير مطل ولا بخس منه شيئا.
- معنى "صدقاتهن":
مهورهن.
- سبب إضافة المهر للمرأة في "صدقاتهن":
ليعلم أن المهر للمرأة، وهذه الإضافة تقتضي الملك.
- لمن يدفع المهر:
يدفع إليها أو إلى وكيلها إن كانت رشيدة، أو إلى وليها إن لم تكن رشيدة، وأنها تملكه بالعقد لأنه أضافه إليها وأمر بإعطائه لها.
الدليل على اعتبار الولي في النكاح:
قوله تعالى: "فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ". دليل على اعتبار الولي في النكاح، وهو العاصب، ويقدم منهم الأقرب فالأقرب، فإن تعذر الولي القريب والبعيد لعدم أو جهل أو غيبة طويلة قام الحاكم مقام الولي، فالسلطان والحاكم ولي من لا ولي لها من النساء.
- معنى "نحلة":
أي: عن حال طمأنينة وطيب نفس من غير مطل ولا بخس منه شيئا.
- مرجع الضمير "منه":
الصداق.
- معنى "فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا":
أي إن قمن بإسقاط شيء منه، أو تأخيره، أو المحاباة في التعوض عنه لكم.
- معنى "فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا":
أي لا تبعة عليكم فيه ولا حرج.
- الفوائد:
 لا بد في النكاح من صداق.
 وأن الصداق يجوز في الكثير واليسير للعموم.
 وأن الصداق لا يباح لأحد أن يتزوج بدون صداق، وإن لم يسم فمهر المثل، إلا النبي صلى الله عليه وسلم فإن له ذلك خاصة.
الأدلة:
قال تعالى: "وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ".
 أن للمرأة الرشيدة التصرف في مالها، ولو بالتبرع، وأنه ليس لوليها من الصداق شيء إلا ما طابت نفسها به إذا كانت رشيدة.

• الموطن الثاني: حسن معاشرة الزوجة.
"يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا، وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا، وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا"
- مناسبة الآية لما قبلها:
كان أهل الجاهلية إذا مات أحدهم ورثت زوجته عنه كما يورث ماله، فرأى قريبه كأخيه وابن عمه أنه أحق بها من نفسها، ويحجرها عن غيره، فإن رضي بها تزوجها على غير صداق، أو على صداق يحبه هو دونها، وإن لم يرض بزواجها عضلها ومنعها من الأزواج إلا بعوض من الزوج أو منها، وكان منهم أيضا من يعضل زوجته التي هي في حباله، فيمنعها من حقوقها، ومن التوسعة لها لتفتدي منه، فنهى الله المؤمنين عن هذه الأحوال القبيحة الجائرة.
- معنى "فلا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن"
أي فلا تمنعوهن من الزواج إلا أن يكون بعوض (افتداء) من الزوج الذي ستتزوجه أو منها.
- هل النهي عن الافتداء وطلب العوض مطلقا؟
لا، لذلك جاء الاستثناء: "إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ"، أي فيجوز في هذه الحال أن يعضلها مقابلة لها على فعلها لتفتدي منه؛ فإن هذا الافتداء بحق لا بظلم.
- المراد ب "الفاحشة المبينة":
كالزنا والكلام الفاحش وأذيتها لزوجها ومن يتصل به.
- صور من المعاشرة بالمعروف "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ":
وهذا يشمل المعاشرة القولية والفعلية، فعلى الزوج أن يعاشر زوجته ببذل النفقة والكسوة والمسكن اللائق بحاله، ويصاحبها صحبة جميلة بكف الأذى، وبذل الإحسان، وحسن المعاملة والخلق، وأن لا يمطلها بحقها، وهي كذلك عليها ما عليه من العشرة، وكل ذلك يتبع العرف في كل زمان ومكان وحال ما يليق به.
الدليل:
"لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا".
• " فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا":
- معناها:
أي: ينبغي لكم يا معشر الأزواج أن تمسكوا زوجاتكم ولو كرهتموهن، فإن في ذلك خيرا كثيرا:
- الفوائد:
 امتثال أمر الله ورسوله الذي فيه سعادة الدنيا والآخرة.
 أن إجباره نفسه، ومجاهدته إياها مع عدم محبة زوجته تمرين على التخلق بالأخلاق الجميلة.
- من الثمرات التي يجنيها من يصبر على زوجته مع كرهه لها:
1) ربما زالت الكراهة وخلفتها المحبة.
2) ربما زالت الأسباب التي كرهها لأجلها.
3) ربما رزق منها ولدا صالحا نفع الله به والديه في الدنيا والآخرة.
- من الأمور المعينة على الصبر على الزوجة مع كراهته لها:
أن يصبر قدر إمكانه، وذلك بأن كان قد كره منها خلقا فليلحظ بقية أخلاقها، وما فيها من المقاصد الأخر، ويجعل هذا في مقابلة هذا، وهذا عنوان الإنصاف والرأي الأصيل، فإن النزق الطائش الذي ليس عنده إنصاف يلاحظ بعض أغراضه النفسية، فإذا لم يأت على ما يريد أهدر المحاسن والمناقب الأخر، وهذا لا يكاد يصفو له خل في حياته، لا زوجة ولا صاحب ولا حبيب، بل هو سريع التقلب. فالرجل الحازم الوفي الذكي فإنه يوازن بين الأمور، ويقدم الحق السابق، ويفي بالسوابق، ويكون نظره للمحاسن أرجح من نظره للمساوئ. فإن وصل إلى الدرجة العالية التي لا يصل إليها إلا أفراد من كمل الرجال جعل المحاسن نصب عينيه، وأغضى عن المساوئ بالكلية، وعفا عنها لله ولحق صاحب الحق، فهذا قد كسب الأجر والراحة والخلق الذي لا يلحق، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
• "وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ"
- مناسبة الآية لما قبلها:
إن لم يقوى على الصبر عليها، وكان لا بد من الفراق، ولم يبق للصبر والإمساك موضع، فالله قد أباح الفراق.
- معنى " وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ"
أي فلا حرج عليكم في فراقها.
- معنى "وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا":
أي إذا آتيتم إحداهن أي: الزوجة السابقة أو اللاحقة (قِنْطَارًا) وهو المال الكثير "فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا" بل وفروه لهن ولا تمطلوهن.
- الفوائد:
وهذا يدل على جواز إعطاء النساء من المهور وغيرها المال الكثير، وأنها بذلك تملكه، ولكن الأكمل والأفضل التساهل في المهور.
- علة التساهل بالمهور:
 اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم.
 تسهيلا للنكاح ولطرقه.
 براءة للذمم.
• "أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا - وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا"
- مناسبتها لما قبلها:
فيها ذكر للحكمة من تحريم أخذ الزوج ما أعطاه لزوجته. وهي: أن الأنثى قبل عقد النكاح محرمة على الزوج، وهي لم ترض بهذا الحل إلا بالعقد والميثاق الغليظ الذي عقد على ذلك العوض المشروط، فإذا دخل عليها وباشرها، وأفضى إليها وأفضت إليه، وباشرها المباشرة التي كانت قبل هذه الأمور حراما فقد استوفى المعوض، فثبت عليه العوض تاما، فكيف يستوفي المعوض ثم يرجع على العوض؟ لا ريب أن هذا من المنكرات القبيحة شرعا وعقلا وفطرة.

• الموطن الثالث: المحرمات من النكاح.
"حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا، وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا".
- أقسام المحرمات التي استوفاها الباري في الآية في النكاح:
 القسم الأول: المحرمات في النسب، وهن:
1) الأمهات: كل أنثى لها عليك ولادة، وهي التي تخاطبها بالأم والجدة وإن علت من كل جهة.
2) البنات، وهن كل أنثى تخاطبك بالأبوة أو بالجدودة من بنات الابن وبنات البنات وإن نزلن.
3) الأخوات شقيقات كن أو لأب أو لأم، وبنات الإخوة وبنات الأخوات مطلقا.
4) العمات 5) والخالات: وهن كل أخت لأحد آبائك وإن علا، أو أحد أمهاتك وإن علون.
6) بنات الأخ 7) وبنات الأخت.
ففي هذه الآية صرح بالمحرمات من النسب، ثم ذكر تعالى: "وأحل لكم ما وراء ذلكم": أي وما سوى هؤلاء من أقارب النسب فهن حلال النكاح، وقد فصلها تعالى في آية الأحزاب: "وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ".
 القسم الثاني: المحرمات في الرضاع: وهن نظير المحرمات بالنسب من جهة المرضعة وصاحب اللبن، فتكون سبع مثل النسب، وهن:
الأم من الرضاعة: صارت أمه بإرضاعها له من لبنها. ومثلها: أمهاتها فهن جداته، وإخوتها وأخواتها أخواله وخالاته، وأولادها إخوته وأخواته، وهو عم لأولادهم أو خال، وكذلك صاحب اللبن. والأخت من الرضاعة: التي رضع معها من ذات حليب الأم وكذلك بنات صاحب اللبن.
 القسم الثالث: المحرمات في المصاهرة.
وهذا القسم يترتب عليه أربعة أحكام، هي:
1) تحريم هذه الزوجة على أولاده وإن نزلوا نسبا ورضاعا.
2) وتحريمها على آبائه وإن علوا نسبا ورضاعا.
3) وحرمت عليه أمها في الحال.
4) وأما ابنتها: فإن كان قد دخل بزوجته حرمت أيضا، وصارت ربيبة، لا فرق بين بنتها من زوج سابق له، أو من زوج خلفه عليها.
- سبب تقييد الربيبة ب "اللاتي في حجوركم من نسائكم":
فعلى الرغم من أن الربيبة تحرم سواء كانت في حجر الرجل أم لا، إلا أنها قيدت هنا لبيان أغلب أحوالها، ولبيان أعلى حكمة تناسب حكمة التحريم، وأنها إذا كانت في حجرك بمنزلة بناتك لا يليق إلا أن تكون من محارمك.
• "وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم":
- من جملة المحرمات:
حليلة الابن، أي زوجة ولده.
- سبب تقييد حليلة الابن الذي هو من الصلب:
لأن الغالب أن الابن هو من الصلب، وإلا فهنا يدخل فيه أيضا ابن الرضاع، ويخرج ابن التبني. وهذا هو قول جمهور العلماء.
• "وأن تجمعوا بين الأختين"
- من المحرمات أيضا: الجمع بين الأختين. كما حرم النبي صلى الله عليه وسلم الجمع بين المرأة وعمتها.
• "وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ"
- معناها:
أي من المحرمات ذوات الأزواج، ذوات الأزواج، فكل أنثى في عصمة زوج أو في بقية عدته لا تحل لغيره؛ لأن الأبضاع ليست محل اشتراك، بل قصد تمييزها التام، ولهذا شرعت العدة والاستبراء، ونحو ذلك.
• "إلا ما ملكت أيمانكم"
- المراد بملك اليمين:
هو ملك السبي، إذا سبيت المرأة ذات الزوج من الكفار في القتال الشرعي حلت للمسلمين، ولكن بعد الاستبراء أو العدة، فزوجها الحربي الذي في دار الحرب لم يبق له فيها حق، ولا له حرمة، فلهذا حلت للمسلمين كما حل لهم ماله ودمه، لأنه ليس له عهد ولا مهادنة.
- هل ملك اليمين حلال لكل أحد؟
يحرم نكاح المملوكات على الأحرار.
- السبب:
لما فيه من إرقاق الولد، ولما فيه من الدناءة والضرر العائد للأولاد؛ لتنازع الملاك، وتنقلات الأرقاء.
- هل التحريم مطلق؟
لا، فإذا رجحت مصلحة الإباحة فقد أباحه الله.
- شروط إباحة نكاح الحر للإماء:
1) بشرط المشقة لحاجة متعة أو خدمة.
2) وأن لا يقدر على الطول للحرة.
3) وأن تكون الأمة مؤمنة بإذن أهلها.

• الموطن الرابع: في حال نشوز الزوجة.
- قوله تعالى: "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا".
- متعلق القوامة وصورته:
 القوامة في أمور الدين والدنيا، يلزمونهن بحقوق الله، والمحافظة على فرائضه، ويكفونهن عن جميع المعاصي والمفاسد، وبتقويمهن بالأخلاق الجميلة والآداب الطيبة.
 وقوامون أيضا عليهن بواجباتهن من النفقة والكسوة والمسكن وتوابع ذلك.
• "بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ"
- سبب جعل القوامة بيد الرجل؟
بسبب فضل الرجال عليهن وإفضالهم عليهن، فتفضيل الرجال على النساء من وجوه متعددة:
 من كون الولايات كلها مختصة بالرجال والنبوة والرسالة.
 وباختصاصهم بالجهاد البدني.
 ووجوب الجماعة والجمعة ونحو ذلك.
 وبما تميزوا به عن النساء من العقل والرزانة والحفظ والصبر والجلد والقوة التي ليست للنساء.
 وكذلك يده هي العليا عليها بالنفقات المتنوعة، بل وكثير من النفقات الأخر والمشاريع الخيرية، فإن الرجال يفضلون النساء بذلك كما هو مشاهد.
- سبب حذف المتعلق في قوله: "وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ"
ليدل على هذا التعميم، فعلم من ذلك أن الرجل كالوالي والسيد على امرأته، وهي عنده أسيرة عانية تحت أمره وطاعته.
- القوامة لا تعني استرقاق المرأة:
على الرجل أن يتق الله في أمرها، وليقومها تقويما ينفعه في دينه ودنياه، وفي بيته وعائلته يجد ثمرات ذلك عاجلا وآجلا، وإلا يفعل فلا يلومن إلا نفسه.
• "فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ"
- أقسام النساء:
القسم الأول: قسم هن أعلى طبقات النساء، وخير ما حازه الرجال، وهن المذكورات هنا.
- معنى "قانتات لله:
أي: مطيعات لله ولأزواجهن، قد أدت الحقين، وفازت بكفلين من الثواب.
- متعلق "حافظات للغيب":
 حافظات أنفسهن من جميع الريب.
 وحافظات لأمانتهن ورعاية بيوتهن.
 وحافظات للعائلة بالتربية الحسنة، والأدب النافع في الدين والدنيا.
- مناسبة "بما حفظ الله" بما قبلها:
أي أن عليهن بذل الجهد والاستعانة بالله على ذلك؛ فلهذا قال: {بِمَا حَفِظَ اللَّهُ}: أي: إذا وفقن لهذا الأمر الجليل فليحمدن الله على ذلك، ويعلمن أن هذا من حفظه وتوفيقه وتيسيره لها، فإن من وكل إلى نفسه فالنفس أمارة بالسوء، ومن شاهد منة الله، وتوكل على الله، وبذل مقدوره في الأعمال النافعة، كفاه الله ما أهمه، وأصلح له أموره، ويسر له الخير، وأجراه على عوائده الجميلة.
القسم الثاني: هن الطبقة النازلة من النساء، وهن بضد السابقات في كل خصلة، اللاتي من سوء أخلاقهن وقبح تربيتهن تترفع على زوجها، وتعصيه في الأمور الواجبة والمستحبة.
• " وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ"
- مناسبتها لما قبلها:
في حال كانت النساء من القسم الثاني، فقد أمر تعالى بتقويمهن بالأسهل فالأسهل.
- الوصفة التسلسلية في التعامل مع الزوجة الناشز:
1) الوعظ: فإن حصل المطلوب فلا ينتقل إلى ما بعده، بل يكتفى به.
- متعلق الوعظ:
أي: بينوا لهن حكم الله ورسوله في وجوب طاعة الأزواج، ورغبوهن في ذلك بما يترتب عليه من الثواب، وخوفوهن معصية الأزواج، وذكروهن ما في ذلك من العقاب، وما يترتب عليه من قطع حقوقها.

2) الهجر في المضاجع: إن لم يصل معها إلى المقصود بعد الوعظ، فيلجأ للهجر في المضاجع، فإن حصل المقصود، فلا ينتقل إلى ما بعده.
- متعلق الهجر في المضاجع:
بأن لا ينام عندها، ولا يباشرها بجماع ولا غيره؛ لعل الهجر ينجع فيها، فإن القصد من الهجر هو نفع المهجور وأدبه.

3) الضرب: إن لم يصل لمقصوده بعد ما يبق، فإنه يلجأ إلى الضرب الغير مبرح.
- متعلق الضرب:
ضربها ضربا خفيفا غير مبرح.
• "فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا"
-معناها:
أي فإن حصل المقصود، ورجعت إلى الطاعة، وتركت المعصية، عاد الزوج إلى عشرتها الجميلة، ولا سبيل له إلى غير ذلك من أذيتها؛ لأنها رجعت إلى الحق. وهذا الدواء لكل عاص ومجرم، إن الشارع رغبه إذا ترك إجرامه عاد حقه الخاص والعام كما في حق التائب من الظلم وقطع الطريق وغيرها، فكيف الزوج مع زوجته.

- ذم من لا يلتزم بتلك الخطوات في التعامل مع الناشز:
الغاية من الوصفة الربانية أعلاه هو الوصول للمقصود مع المرأة الناشز وليس الغرض منه شفاء النفس كما يفعله من لا رأي له إذا خالفته زوجته أو غيرها، ولم يحصل مقصوده، هجر هجرا مستمرا، أي: بقي متأثرا بذلك، عاتبا على من لم يواته على ما يحب، ووصلت به الحال إلى الحقد الذي هو من الخصال الذميمة، فهذا ليس من الهجر الجميل النافع، وإنما هو من الحقد الضار بصاحبه، الذي لا يحصل به تقويم ولا مصلحة.
- الفوائد:
 ينبغي لمن عاد إلى الحق أن لا يذكر الأمور السالفة، فإن ذلك أحرى للثبات على المطلوب، فإن تذكير الأمور الماضية ربما أثار الشر، فانتكس المرض، وعادت الحال إلى أشد من الأولى.

• الموطن الخامس: في حالة وقوع الخصام، واستطارة الشر بين الزوجين.
"وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا"
- مناسبتها لما قبلها:
أي إذا استطار الشر بين الزوجين، وبلغت الحال إلى الخصام وعدم الالتئام، ولم ينفع في ذلك وعظ ولا كلام، فليلجأ إلى هذا الحل.
• "فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا"
- صفات الحكمين من كلا الطرفين:
عدلين عاقلين يعرفان الجمع والتفريق، ويفهمان الأمور كما ينبغي.
- دور الحكمين:
يبحثان في الأسباب التي أدت بهما إلى هذه الحال، ويسألان كلا منهما ما ينقم على صاحبه، ويزيلان ما يقدران عليه من المعتبة بترغيب الناقم على الآخر بالإغضاء عن الهفوات واحتمال الزلات، وإرشاد الآخر إلى الوعد بالرجوع، وإرشاد كل منهما إلى الرضى والنزول عن بعض حقه.
فكم حصل بهذا الطريق من المصالح شيء كثير، وإن أمكنهما إلزام المتعصب على الباطل منهما بالحق فَعَلَا، ومهما وجدا طريقا إلى الإصلاح والاتفاق والملاءمة بينهما لم يعدلا عنها، إما بتنازل عن بعض الحقوق، أو ببذل مال، أو غير ذلك، فإن تعذرت الطرق كلها، ورأيا أن التفريق بينهما أصلح لتعذر الملاءمة فرقا بينهما بما تقتضيه الحال بعوض أو بغير عوض، ولا يشترط في هذا رضى الزوج؛ لأن الله سماهما حكمين لا وكيلين، ومن قال إنهما وكيلان اشترط في التفريق رضى الزوج، ولكن هذا القول ضعيف.
• "إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا"
- مناسبتها لما قبلها:
ولمحبة الباري للاتفاق بينهما وترجيحه على الآخر، فسيتحقق الإصلاح بين الزوجين، بسبب ما بذله كلا الحكمين من رأي ميمون، وكلام لطيف، ووعد جميل يجذب القلوب.
• "إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا"
- متعلق علم الله، وسبب ختم الآية بهذين الاسمين لله:
الله عليم بالسرائر والظواهر مطلعا على الخفايا، فمن كمال علمه وحكمته شرع لكم هذه الأحكام الجليلة التي هي الطريق الوحيد إلى القيام بالحقوق: "وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ".

• الموطن السادس: في حال رغبة الزوج عن زوجته، إما عدم محبة، وإما طمعا.
"وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا"
- متعلق الصلح:
بأن تسمح المرأة عن بعض حقها اللازم لزوجها على شرط البقاء معه، وأن يعود إلى مقاصد النكاح أو بعضها، كأن ترضى ببعض النفقة أو الكسوة أو المسكن، أو تسقط حقها من القسم، أو تهب يومها وليلتها لزوجها أو لضرتها بإذنه، فمتى اتفقا على شيء من ذلك فلا حرج ولا بأس.
- مناسبة "والصلح خير" إلى ما قبلها:
الصلح بين الزوجين خير من المقاضاة في الحقوق المؤدية إلى الجفاء أو الفراق.
- الفوائد:
 تحقيق المصالحة في الحقوق المتنازع فيها خير من استقصاء كل منهما على حقه كله، لما في الصلح من بقاء الألفة، والاتصاف بصفة السماح، وهو جائز بين المسلمين في كل الأبواب - إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا -.
- مناسبة "والصلح خير" ل "وأحضرت الأنفس الشح":
أن كل حكم من الأحكام لا يتم ولا يكمل إلا بوجود مقتضيه وانتفاء موانعه، فمن ذلك هذا الحكم الكبير الذي هو الصلح، فذكر تعالى المقتضى لذلك، فقال: "وَالصُّلْحُ خَيْرٌ"، والخير كل عاقل يطلبه ويرغب فيه، فإن كان مع ذلك قد أمر الله به وحث عليه ازداد المؤمن طلبا له ورغبة فيه، وذكر المانع بقوله: "وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ" أي: جبلت النفوس على الشح، وهو الاستئثار والتفرد في الحقوق، وعدم الرغبة في بذل ما على الإنسان، والحرص على الحق الذي له، فالنفوس مجبولة على ذلك طبعا، أي: فينبغي لكم أن تحرصوا على قلع هذا الخلق الدنيء من نفوسكم، وتقليله وتلطيفه وتستبدلوا به ضده، وهو السماحة ببذل جميع الحقوق التي عليك، والاقتناع ببعض الحق الذي لك، والإغضاء عن التقصير، فمتى وفق العبد لهذا الخلق الطيب سهل عليه الصلح بينه وبين كل من بينه وبينه منازعة ومعاملة، وتسهلت الطريق الموصلة إلى المطلوب، ومن لم يكن بهذا الوصف تعسر الصلح أو تعذر؛ لأنه لا يرضيه إلا جميع ما له كاملا مكملا، ولا يهون عليه أن يؤدي ما عليه، فإن كان خصمه مثله اشتد الأمر.
- تعريف الإحسان: الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
- متعلق الإحسان في "وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا":
أي تحسنوا في عبادة الخالق، وتحسنوا إلى المخلوقين بكل إحسان قولي أو فعلي.
- متعلق التقوى:
تتقوا الله بفعل جميع المأمورات، وترك جميع المحظورات.
- المراد باقتران الإحسان بالتقوى:
أن تحسنوا بفعل المأمور، وتتقوا بترك المحظور.
- مناسبة ختم الآية ب "فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا"
فيجازيكم على قيامكم بالإحسان والتقوى، أو على عدم ذلك بالجزاء بالفضل والعدل.

• الموطن السابع: عدم تحقق العدل التام بين الأزواج في حال التعدد.
"وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا"
- المراد بالعدل المنفي تحققه التام في الآية:
أن يكون الداعي والحب على السواء، والميل القلبي على السواء، ويقتضي مع ذلك الإيمان الصادق، والرغبة في مكارم الأخلاق للعمل بمقتضى ذلك.
- سبب نفي تحققه:
هذا العدل متعذر غير ممكن.
- مناسبة "فلا تميلوا كل الميل" بما قبلها:
هذا عذر الله للأزواج، فقد عذرهم وعفا عنهم لأنه مما لا يقدرون عليه.
- العدل المأمور به في الآية:
هو العدل الممكن، وذلك بألا يميلوا إلى إحداهن عن الأخرى ميلا كثيرا، لا تؤدون حقوقهن الواجبة، بل افعلوا مستطاعكم من العدل، فالنفقة والكسوة والقسم في المبيت والفراش ونحو ذلك مقدور، فعليكم العدل فيها بينهن، بخلاف الحب والوطء وتوابع ذلك، فالعبد لا يملك نفسه فعذره الله.
• "فتذروها كالمعلقة":
- معناها:
هو تشبيه للزوجة التي يميل عنها زوجها ويزهد فيها ولا يقوم بحقوقها الواجبة، مع أنها في حباله أسيرة عنده، تشبيهها بالمعلقة التي لا زوج لها فتستريح، ولا ذات زوج يقوم بحقوقها.
• "وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا"
- مناسبتها للآية:
وإن تصلحوا فيما بينكم وبين زوجاتكم بوجه من وجوه الصلح كما تقدم، وبمجاهدة أنفسكم على فعل ما لا تهواه النفس احتسابا وقياما بحق الزوجة، وتصلحوا أيضا فيما بينكم وبين الناس فيما تنازعتم به من الحقوق، وتتقوا الله بامتثال أمره واجتناب نهيه، فإن الله غفور رحيم.
• الموطن الثامن: في حال تعذر الاتفاق والالتئام فلا بأس في الفراق.
" وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا".
- متعلق الفراق:
بفسخ أو طلاق أو خلع أو غير ذلك.
- معنى "يغن الله كلا من سعته":
أي يغني الله كلا من الزوجين من فضله وإحسانه العام الشامل، فيغني الزوج بزوجة خير له منها، ويغنيها من فضله برزق من غير طريقه، فلعل الله يرزقها زوجا خيرا لها منه وأنفع. فإن توهمت الزوجة أنه إذا فارقها زوجها المنفق عليها القائم بمؤنتها ينقطع عنها الرزق، فسوف يغنيها الله من فضله، فإن رزقها ليس على الزوج ولا على غيره، بل على المتكفل القائم بأرزاق الخليقة كلها، وخصوصا من تعلق قلبه به ورجاه رجاء قلبيا طامعا في فضله كل وقت، فإن الله عند ظن عبده به.
- مناسبة ختم الآية ب "وكان الله واسعا حكيما":
أي أن الله واسع الرحمة كثير الإحسان، وحكيم في وضعه الأمور مواضعها.
- الفوائد:
 ينبغي للعبد أن يعلق رجاءه بالله وحده، وأن الله إذا قدر له سببا من أسباب الرزق والراحة أن يحمده على ذلك، ويسأله أن يبارك فيه له، فإن انقطع أو تعذر ذلك السبب فلا يتشوش قلبه، فإن هذا السبب من جملة أسباب لا تحصى ولا يتوقف رزق العبد على ذلك السبب المعين، بل يفتح له سببا غيره أحسن منه وأنفع، وربما فتح له عدة أسباب، فعليه في أحواله كلها أن يجعل فضل ربه، والطمع في بره نصب عينيه وقبلة قلبه، ويكثر من الدعاء المقرون بالرجاء؛ فإن الله يقول على لسان نبيه: (أنا عند ظن عبدي بي، فإن ظن بي خيرا فله، وإن ظن بي شرا فله)، وقال: (إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي).

2. أحكام الأيمان.
• كفارة اليمين المنعقدة.
"يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ - وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ - لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ".
- المعنى الإجمالي للآية:
يا أيها الذين آمنوا اعملوا بمقتضى أيمانكم في تحليل ما أحل الله، وتحريم ما حرم الله، فلا تحرموا ما أحل الله لكم من المطاعم والمشارب وغيرها، فإنها نعم تفضل الله بها عليكم فاقبلوها، واشكروا الله عليها إذ أحلها شرعا ويسرها قدرا، ولا تردوا نعمة الله بكفرها، أو عدم قبولها، أو اعتقاد تحريمها، أو الحلف على عدم تناولها، فإن ذلك كله من الاعتداء، والله لا يحب المعتدين، بل يبغضهم ويمقتهم. ثم يأمرهم تعالى بالأكل من رزقه سبحانه الذي ساقه إليكم ويسره لكم بأسبابه المتنوعة، إذا كان حلالا، لا سرقة ولا غصبا، ولا حصل في معاملة خبيثة، وكان أيضا طيبا نافعا لا خبث فيه. ثم يأمرهم تعالى بتقواه وذلك بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وهذا ما يقتضيه إيمانهم الذي لا يتم إلا بذلك.
- الفوائد:
 إذا حرم العبد حلالا عليه من طعام وشراب وكسوة واستعمال وسرية ونحو ذلك، فإن هذا التحريم منه لا يحرم ذلك الحلال، وعليه كفارة يمين، لأن التحريم يمين. وهذا عام في تحريم كل طيب، إلا أن تحريم الزوجة يكون ظهارا فيه كفارة الظهار.
الدليل:
قال تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ - قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ".
 ليس للعبد أن يحلف على ترك الطيبات، ولا له أن يمتنع من أكلها، ولو بلا حلف تنسكا وغلوا في الدين؛ بل يتناولها مستعينا بها على طاعة ربه.
• "لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ"
- أنواع الأيمان وأحكامها:
النوع الأول: اليمين التي يحلفها العبد من غير نية ولا قصد. وهي المرادة في الآية "باللغو في أيمانكم".
حكمها: هو لغو اليمين الذي لا كفارة فيه.
النوع الثاني: اليمين التي يعقدها العبد ظانّا صدق نفسه فبان له خلاف ذلك.
حكمها: على خلاف بين المذاهب في وجوب الكفارة من عدمها.
النوع الثالث: اليمين المنعقدة، وهي الحلف على أن يفعل ما حلف على تركه، أو ترك ما حلف على فعله. وهي المرادة بالآية "ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان".
حكمها: تجب فيها الكفارة الواردة في الآية في حال الحنث بها، وهي تخييره بين إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم، وذلك يختلف باختلاف الناس والأوقات والأمكنة، أو كسوتهم بما يعد كسوة، وقيد ذلك بكسوة تجزي في الصلاة، أو تحرير رقبة صغير أو كبير، ذكر أو أنثى، بشرط أن تكون الرقبة مؤمنة، كما في الآية المقيدة بالأيمان، وأن تكون تلك الرقبة سليمة من العيوب الضارة بالعمل، فمتى كفر بواحد من هذه الثلاثة انحلت يمينه. فمن لم يجد واحدا من هذه الثلاثة فعليه صيام ثلاثة أيام، أي: متتابعة مع الإمكان، كما قيدت في قراءة بعض الصحابة.
النوع الرابع: اليمين الغموس: التي يحلفها عالما بكذبه.
حكمها: لا كفارة لها على الأرجح، وإن كان الإمام أحمد قد رأى وجوب الكفارة فيها.
- الفوائد:
 نعمة الله على هذه الأمة أنه فرض لهم تحلة أيمانهم، ورفع عنهم الإلزام والجناح.
 التخيير في الكفارة بحسب السعة.
• "وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ"
- صور حفظ الأيمان:
 بعدم الحلف بالله وأنتم كاذبون.
 بعدم الإكثار منها لاسيما عند البيع والشراء.
 بعدم الحنث فيها، إلا إذا كان الحنث فيها خيرا من المضي فيها.
الدليل: قوله تعالى: "وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ".
أي: لا تقولوا: إننا قد حلفنا على ترك البر، وترك التقوى، وترك الإصلاح بين الناس، فتجعلوا أيمانكم مانعة لكم من هذه الأمور التي يحبها الله ورسوله، بل احنثوا وكفروا وافعلوا ما هو خير وبر وتقوى.
 إذا حلفتم وحنثتم فعليكم بالكفارة، فإن الكفارة بها حفظ اليمين الذي معناه تعظيم المحلوف به، فمن كان يحلف ويحنث ولا يكفر فما حفظ يمينه، ولا قام بتعظيم ربه.
• "كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ":
- معناها:
بين الله لكم الحلال من الحرام وأحكامها، فعلى العباد أن يشكروا ربهم على بيانه وتعليمه لهم ما لم يكونوا يعلمون، فإن العلم أصل النعم وبه تتم.


3. قصة هود عليه السلام
• مبعث هود عليه السلام إلى قومه:
- من هم قوم هود عليه السلام؟
هم عاد الأولى، المقيمين بالأحقاف – من رمال حضرموت -.
- سبب مبعثه إليهم:
لما كثر شرهم وتجبرهم على عباد الله، واغترارهم بقوتهم حيث قالوا: "من أشد منا قوة". وهذا منهم كان انطلاقا من شركهم بالله وتكذيبهم لرسل الله.
- تفاني هود في دعوتهم:
أرسله تعالى إليهم ليدعوهم إلى عبادة الله وحده، وينهاهم عن الشرك والتجبر على العباد، فدعاهم بكل وسيلة، وذكرهم بما أنعم به عليهم من خير الدنيا والبسطة في الرزق والقوة.
- رد قومه عليه:
ردوا دعوته وتكبروا عن إجابته وقالوا: "مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ".
وهم كاذبون في هذا الزعم، فإنه ما من نبي إلا أعطاه الله من الآيات ما على مثله يؤمن البشر، ولو لم يكن من آيات الرسل إلا أن نفس الدين الذي جاءوا به أكبر دليل أنه من عند الله لإحكامه وانتظامه للمصالح في كل زمان بحسبه وصدق أخباره، وأمره بكل خير ونهيه عن كل شر، وأن كل رسول يصدق من قبله ويشهد له، ويصدقه من بعده ويشهد له.
- آياته الخاصة التي أرسله الله بها:
تفرده عليه السلام في دعوته وتسفيه أحلام قومه وتضليلهم والقدح في آلهتهم، مع أنهم أهل البطش والقوة والجبروت، وقد خوفوه بآلهتهم إن لم ينته أن تمسه بجنون أو سوء فتحداهم علنا، وقال لهم جهارا: "إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ - مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ - إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ"، ومع تحديه لهم وهم بتلك القوة لم يصلوا إليه أو يمسوه بسوء. فأي آية أعظم من هذا التحدي لهؤلاء الحريصين على إبطال دعوته بكل طريق؟

• عذابهم بعد جحودهم لدعوة نبيهم هود عليه السلام:
فلما انتهى طغيانهم تولَّى عنهم وحذَّرهم نزول العذاب، فجاءهم العذاب معترضا في الأفق، وكان الوقت وقت شدة عظيمة وحاجة شديدة إلى المطر، فلما استبشروا وقالوا: "هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا"، قال الله: "بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ" بقولكم فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين: "رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ - تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ"، تمر عليه: "سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ"، "فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ".
فبعدما كانت الدنيا لهم ضاحكة، والعز بليغ، ومطالب الحياة متوفرة، وقد خضع لهم من حولهم من الأقطار والقبائل، إذ أرسل الله إليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات؛ لنذيقهم عذاب الخزي في الدنيا، ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون: "وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ".

• نجاة هود والذين آمنوا معه:
نجى الله هودا ومن معه من المؤمنين.
- دلالة إنجاء الله لهود والمؤمنين، وعذابه للكافرين:
دلالة على:
-- كمال قدرة الله.
 -- إكرامه الرسل وأتباعهم، ونصرهم في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد.
 -- آية على إبطال الشرك، وأن عواقبه شر العواقب وأشنعها.
 -- وآية على البعث والنشور.

الفوائد:
- أن جميع الرسل من نوح إلى محمد صلى الله عليهم وسلم متفقون على الدعوة إلى التوحيد الخالص، والنهي عن الشرك، فنوح وهود وغيرهم أول ما يقولون لقومهم: "اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ" ويكررون هذا الأصل بطرق كثيرة.
-  آداب الدعوة وتمامها، فيتفانى الأنبياء والرسل في دعوتهم بشتى طرق الدعوة.
- أن الشُّبَه التي قدح فيها أعداء الرسل برسالتهم من الأدلة على إبطال قول المكذبين، فإن الأقوال التي قالوها، ولم يكن عندهم غيرها، ليس لها حظ من العلم والحقيقة عند كل عاقل.
- أن من فضائل الأنبياء وأدلة رسالتهم إخلاصهم التام لله تعالى في عبوديتهم لله القاصرة، وفي عبوديتهم المتعدية لنفع الخلق كالدعوة والتعليم وتوابع ذلك، قال هود "يا قوم لا أسألكم عليه أجرا، إن أجري إلا على الذي فطرني". ولذلك يبدون ذلك ويعيدونه على أسماع قومهم كل منهم. فليتأسى بهم الدعاة أتباع الرسل بالترفع عن لعاع الدنيا.
- أن تقوى الله والقيام بواجبات الإيمان من جملة الأسباب التي تال بها الدنيا بإنزال قطر السماء، وزيادة قوة الأبدان وصحتها، وهو السبب الوحيد لنيل خير الآخرة والسلامة من عقابها.
- أن النجاة من العقوبات العامة الدنيوية هي للمؤمنين، وهم الرسل وأتباعهم، وأما العقوبات الدنيوية العامة فإنها تختص بالمجرمين، ويتبعهم توابعهم من ذرية وحيوان، وإن لم يكن لها ذنوب.
- أن الله بحكمته يقص علينا نبأ الأمم المجاورين لنا في جزيرة العرب وما حولها؛ لأن القرآن يذكر أعلى الطرق في التذكير، والله تعالى صرف فيه التذكيرات تصريفا نافعا، فقوم هود نشاهد آثارهم، ونمر بديارهم كل وقت، ونفهم لغاتهم، وطبائعهم أقرب إلى طبائعنا، لا ريب أن نفع هذا عظيم، وأنه أولى من تذكيرنا بأمم لم نسمع لهم بذكر ولا خبر، ولا نعرف لغاتهم، ولا تتصل إلينا أخبارهم بما يطابق ما يخبرنا الله به. فتذكير الناس بما هو أقرب إلى عقولهم، وأنسب لأحوالهم، وأدخل في مداركهم، وأنفع لهم من غيره أولى من التذكيرات بطرق أخرى وإن كانت حقا. فأشار الباري إلى هذا في آخر قصة عاد، فقال: "وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ"، أي: نوعناها بكل فن ونوع "لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ". أي: ليكون أقرب لحصول الفائدة.
- أن اتخاذ المباني الفخمة للفخر والخيلاء والزينة وقهر العباد بالجبروت من الأمور المذمومة الموروثة عن الأمم الطاغية، كما قال الله في قصة عاد وإنكار هود عليهم، قال: "أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ - وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ".
- أن العقول والأذهان والذكاء وما يتبع ذلك من القوة المادية، وما ترتب عليها من النتائج والآثار وإن عظمت وبلغت مبلغا هائلا، فإنها لا تنفع صاحبها إلا إذا قارنها الإيمان بالله ورسله. وأما الجاحد لآيات الله المكذب لرسل الله، فإنه وإن استُدرج في الحياة وأُمهل فإن عاقبته وخيمة، وسمعه وبصره وعقله لا يغني عنه شيئا إذا جاء أمر الله، كما قال الله عن عاد: "وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ". وفي الآية الأخرى: "فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ".


4. قصة موسى وهارون عليهما السلام
• هل هناك تكرارا في قصة موسى مع هارون؟
لا، بل إن ذكرها في كل سورة من سور القرآن يليق بذاك المقام، فتارة تكون في سيرة طويلة وبسط، وتارة باختصار، مع تنوع في الأسلوب. وهو حال جميع القصص التي تكرر ذكر أحداثها بين ثنايا السور.
• نبذة عن سيرة موسى عليه السلام.
هو موسى بن عمران، أعظم أنبياء بني إسرائيل، وشريعته وكتابه التوراة، وهو مرجع أنبياء بني إسرائيل وعلمائهم، قصصه في القرآن من أعظم القصص، لأنه عالج فرعون وجنوده، وعالج بني إسرائيل أشد المعالجة، وأتباعه أكثر أتباع الأنبياء غير أمة محمد صلى الله عليه وسلم. له من القوة العظيمة في إقامة دين الله والدعوة إليه والغيرة العظيمة ما ليس لغيره.
• مولده ونشأته:
قال تعالى: "وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِين، فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِين، وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُون، وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلاَ أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِين، وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُون، وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُون، فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُون، وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِين" [القصص:14-7]
ولد في وقت قد اشتد فيه فرعون على بني إسرائيل: فكان يذبح كل مولود ذكر يولد من بني إسرائيل، ويستحيي النساء للخدمة والامتهان، فلما ولدته أمه خافت عليه خوفا شديدا؛ فإن فرعون جعل على بني إسرائيل من يرقب نساءهم ومواليدهم، وكان بيتها على ضفة نهر النيل فألهمها الله أن وضعت له تابوتا إذا خافت أحدا ألقته في اليم، وربطته بحبل لئلا تجري به جرية الماء، ومن لطف الله بها أنه أوحى لها أن لا تخافي ولا تحزني، إنا رادوه إليك، وجاعلوه من المرسلين.
ومن قدر الله أن وقع في يد آل فرعون، وجيء به إلى امرأة فرعون آسية، فلما رأته أحبته حبا شديدا، وكان الله قد ألقى عليه المحبة في القلوب، فكان هذا سببا في امتناع فرعون عن قتله. ثم رده تعالى إلى أمه التي أصبح فؤادها فارغا، وكانت أخته سببا في عودته إلى حضن أمه، حيث أن موسى امتنع عن الرضاع من كل أم، حتى دلتهم أخته على أمها التي صارت ترضعه في قصر فرعون، فكان يربو أمام عينيها. وقد تنقلت به الأحوال، حتى بلغ أشده وهو في بيت فرعون.

• قتله للقبطي وخروجه من مصر إلى مدين:
• قال تعالى: "وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِين، قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم، قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِين، فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِين، فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يَامُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِين، وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَامُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِين، فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِين، وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيل".[القصص:22-15]
دخل موسى ذات يوم المدينة، فوجد رجلين يقتتلان، أحدهما من القبط، والآخر من بني إسرائيل، فاستغاثه الذي من شيعته – من بني إسرائيل – على عدوه القبطي، فوكزه موسى فقتله خطأ، فتاب موسى إلى ربه من هذا واستغفر فغفر الله له. ثم في اليوم اللاحق وجد موسى ذات الرجل الذي من شيعته يقتتل مع آخر قبطي، واستغاثه ذات الرجل، فامتنع موسى عن قتل القبطي، وجاءه رجل من أقصى المدينة يحذره ويحثه على الهرب من قوم فرعون الذين علموا بمقتل رجلهم الذي وكزه موسى بالأمس فقضى عليه. فتوجه إلى مدين.

• زواجه عليه السلام ورجوعه إلى مصر:
قال تعالى: "وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِير، فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِير، فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِين، قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِين، قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِين، قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيل". القصص [28 – 23]
وهناك أعان امرأتين في سقيهم للغنم، حيث كان أبوهما شيخ كبير لا يقوى على ذلك، فسقا لهما، مما حدا بأبيهما أن يدعوه إلى بيته لشكره، فاقترحت إحداهما على أبيها أن يستأجره، فعرض الأب على موسى أن يزوجه إحدى ابنتيه مقابل أن يأجره مدة ثمانية أعوام، وإن أراد زيادة سنتين فمن عنده، ففعل موسى وقضى أوفى الأجلين وهو عشر سنوات. فتوجه بعدها عائدا إلى مصر.
• بعثة موسى عليه السلام وطلبه أن يكون هارون أخوه معه:
قال تعالى: "فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُون، فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِين، وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَامُوسَى أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآمِنِين، اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِين، قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُون، وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُون، قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُون".
في طريق عودة موسى وأهله إلى مصر، رأى مارا إلى جانب جبل، فسار إليها تاركا أهله لعله يأتيهم بقبس أو جذوة من النار. وهناك كلمه الله، وأخبره باصطفائه لحمل رسالة التوحيد إلى الناس ومنهم فرعون. وآتاه من الآيات ما يدل على صدق نبوته، فألقى العصا التي في يده لتتحول بأمر الله إلى حية تسعى، ثم أمره أن يدخل يده في جيبه لتخرج بيضاء من غير سوء. ثم أمره أن يذهب إلى فرعون فيدعوه إلى عبادة الله وحده.
فسأل موسى ربه شرح صدره، وتيسير الأمر عليه، وأن يحلل عقدة من لسانه ليفقهوا قوله، وأن يعينه بإرسال أخيه معه، فآتاه الله تعالى سؤله، ووعده العون والنصرة.
• دعوة موسى وهارون لفرعون:
قال تعالى: "اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي، اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى، فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى، قَالاَ رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى، قَالَ لاَ تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى، فَأْتِيَاهُ فَقُولاَ إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلاَمُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّى". القصص [48 -42].
وقال تعالى: "وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى، قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَامُوسَى، فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لاَّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلاَ أَنتَ مَكَانًا سُوًى، قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى، فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى". طه [60 – 56]

توجه موسى ومعه أخوه هارون إلى قصر فرعون وأخبراه بأنهما رسولا رب العالمين، ودعياه إلى توحيد الله وحده، وإلى التوقف عن ظلم بني إسرائيل وأن يرسلهم معهما، وأرياه من آيات ربه الكبرى، ولكن فرعون أبى واستكبر وكان من الكافرين، واستخف بقول موسى وهارون، واتهمهما وقومه بالسحر، وأقنعه قومه بأنهما إنما جاءا للاستحواذ على ملك فرعون. وأشاروا عليه أن يتحداه بسحر سحرته الذي يفوق ما جاء به موسى. فوافق فرعون وجمع السحرة في يوم الزينة، وجمع الناس ضحى.
• مواجهة موسى للسحرة:
قال تعالى: "قَالَ لَهُم مُّوسَى وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى، فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى، قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى، فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى، قَالُوا يَامُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى، قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى، فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى، قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الأَعْلَى، وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى، فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى، قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلاَفٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى، قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى، إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيى، وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى، جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء مَن تَزَكَّى". طه [76 – 61]
جمع فرعون السحرة أمام الناس، وأعطى السحرة الأجرة مقابل تحدي موسى والتفوق عليه في السحر، فألقوا حبالهم وعصيهم، فخيل للناس أنها تسعى، فأمر تعالى نبيه موسى بإلقاء عصاه دون تردد أو خوف، فإذا عصاه تلقف ما يأفكون، فسجد السحرة مؤمنين برب موسى وهارون، لعلمهم بأن ما جاء به موسى ليس من قبيل السحر. ولكن فرعون أمر بصلب السحرة في جذوع النخل، وقد ثبتوا على الإيمان وترك السحر الذي أجبرهم عليه فرعون.

• استمرار فرعون في ظلمه لبني إسرائيل وأمر الله لموسى بالخروج بهم من مصر:
قال تعالى: "قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين، قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُون، وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُون، فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُون، وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِين، فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِين، وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُواْ يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي ِسْرَآئِيل، فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُون". الأعراف [135 – 128].
استمر فرعون في ظلمه لبني إسرائيل، فابتلاهم الله بالبلاءات العديدة: كاحتباس المطر، ونقص المحاصيل، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع والدم، ومع ذلك لم يردعه ذلك عن ظلمه لبني إسرائيل، فأمره تعالى بالخروج بهم من مصر. ولكن فرعون استشاط غضبا، وحشد جيشه للحاق بموسى ومن معه من المؤمنين.

• حادثة شق البحر وإنجاء الله لموسى وهارون ومن معهما وغرق فرعون:
وقال تعالى: "فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُون، قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِين، فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيم، وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِين، وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِين، ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِين". [الشعراء 66 - 61]
لحق فرعون وجنوده بموسى ومن معه من بني إسرائيل، حتى وصل موسى إلى البحر الذي صعب عليه اجتيازه، فأوحى تعالى إليه أن يضرب بعصاه البحر فانفلق فاستطاع اجتيازه موسى ومن معه، وعندما رأى فرعون هذا الأمر العظيم حاول فعل كما فعل موسى، ولكن الله أمر البحر بأن يعود لحالته الأولى، فغرق فرعون ومن معه، وأنجى الله موسى والمؤمنين معه.

• ذهاب موسى لميقات ربه ونزول التوراة واستخلافه أخاه هارون على قومه:
قال تعالى: "وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَآئِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَامُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُون، إِنَّ هَـؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُون، قَالَ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِين، وَإِذْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيم، وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِين، وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِين، قَالَ يَامُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِين، وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِين". الأعراف [
بعد اجتياز هارون ومن معه من بني إسرائيل للبحر، رأوا قوما يعبدون آلهة، فكان أول طلب طلبوه من موسى أن يجعل لهم إلها كما لهم آلهة، فزجرهم موسى ووبخهم، إذ كيف تطلبون إلها غير الله منجيكم من بطش فرعون للتو.
ثم استخلف موسى أخاه هارون على قومه، ليعلم الناس الخير ويحثهم عليه، ويحذرهم من الشر ليجتنبوه.
وذهب موسى للقاء ربه الذي كلمه من وراء حجاب، فتشوق موسى لرؤية ربه وطلب منه سبحانه ذلك، ولكن الله أخبره بأن طبيعته البشرية لا تحتمل ذلك في الدنيا، وأخبره تعالى بأنه سيتجلى للجبل، فإن استقر مكانه فسوف يراه، فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا، فلما أفاق علم أنه لا يجوز له رؤية ربه في الدنيا فاستغفر ربه على طلبه ذاك. غاب موسى عن قومه أربعين ليلة يتعلم فيها التوراة.

• عبادة السامري وقومه للعجل رغم تحذيرات هارون لهم:
قال تعالى: "وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَامُوسَى، قَالَ هُمْ أُولاَء عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى، قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِي، فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَاقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي، قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِي، فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِي، أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا، وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَاقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي، قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى، قَالَ يَاهَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا، أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي، قَالَ يَاابْنَ أُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي، قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَاسَامِرِي، قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي، قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا، إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا}[طه 98 - 83]
وفي مدة غياب موسى، خرج في قومه رجل يدعى السامري، الذي صنع عجلا فتن فيه القوم، فعبدوه توهما منهم أنه إلههم.
أما هارون فقد نهاهم عن هذا الفعل الشنيع وأمرهم بالرجوع عنه وإلى عبادة الله وحده، إلا أنهم أصروا وعاندوا وتمسكوا بعبادة العجل.
فلما عاد موسى لقومه ووجدهم على تلك الحال، عاتب أخاه هارون، الذي قال لموسى: أن القوم استضعفوه وكادوا أن يقتلوه. فعذر موسى أخاه، وقام بتحريق العجل ونسف رماده نسفا.
وسنكتفي في قصة موسى عليه السلام إلى هنا، وقد تم ذكر الأحداث التي جمعت بين موسى وهارون في قصتهما في سور القرآن.
- الفوائد:
-
 استشعار اسم الله اللطيف، الذي بدأ مع أم موسى بذلك الإلهام الذي سلم به ابنها، وبشارتها برد ولدها موسى إليها بتحريم المراضع عليه، فصارت ترضعه جهارا نهارا وفي قصر عدوه فرعون.
- رحمة الله بهذه الأمة التي ساق في كتابها قصص أسلافنا لتستقي منها العبر والدروس التي تنفعها في أمور دينها ودنياها.
- إذا أراد الله شيئا، هيأ له أسبابه. فقصة موسى منذ ولادته إلى ختامها يظهر فيها هذا المهنى جليا.
- مهما بلغت الأمة من الضعف، فلا ينبغي لها الاستسلام للكسل عن السعي في حقوقها. وهذا نلحظه عندما مكن الله بني إسرائيل بعد ضعف.
- لن يقوم أمر دين الأمة ما دامت مقهورة ذليلة.
- الخوف الطبيعي لا ينافي الإيمان، فقد خافت أم موسى على ولدها، وخاف موسى حين تحولت عصاه لحية، وحين ألقى السحرة عصيهم وحبالهم فتحولت لحيايا، وخاف قوم موسى حين أدركهم فرعون من خلفهم والبحر من أمامهم.
- من عقيدة أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد وينقص، "لتكون من المؤمنين".
- الثبات في الشدائد من أعظم نعم الله، كما ثبت موسى حين أدركه فرعون وخاف قومه ولكن يقينه بالله ثبته.
- مهما تيقن العبد من أن وعد الله نافذ، فإنه لابد وأن يأخذ بالأسباب.
- جواز خروج المرأة في حوائجها وتكليمها للرجال إذا انتفى المحذور وكانت ضرورة، كما حصل للمرأتين مع موسى.
-  جواز أخذ الأجرة على الرضاعة، كما حصل مع أم موسى التي كانت ترضع ولدها في قصر فرعون بل وتأخذ الأجرة عليه.
- أن قتل الكافر الذي له عهد لا يجوز، وشاهده حين تاب موسى من قتله للقبطي.
- أن إخبار الغير بما قيل فيه على وجه التحذير لا يكون نميمة، وشاهده عندما جاء الرجل يسعى إلى موسى محذرا من عزم قوم فرعون على قتله لقتله القبطي.
- من تيقن أنه سيهلك في مكان ما، فليس عليه أن يلقي بنفسه إلى التهلكة، كما حصل مع موسى حين خرج من المدينة خائفا يترقب.
- حين اجتماع مفسدتين لابد من ارتكاب إحداهما فالأولى فعل الأخف منها دفعا لما هو أعظم، شاهده عندما خرج موسى من المدينة لا يدري الطريق.
- الترغيب في استهداء الله في كل حين، ويتعين عند حين التردد بين أمرين.
- سمو أخلاق الأنبياء. في التعامل مع الخالق والمخلوق.
- التوسل إلى الله كما يكون بأسمائه وصفاته، فإنه يكون أيضا بإظهار الضعف والعجز.
- الحياء والمكافأة على الإحسان من دأب الصالحين.
- لا يلام العبد الذي قام بالعمل لوجه الله ثم جاءته المكافأة عليه دون تشوف منه.
- جواز الإجارة على العمل المقيد بشروط.
- جواز أن يخطب الولي لابنته.
- القوة والأمانة من أهم الشروط لحصول تمام الأعمال في الولايات أو الخدمات أو الصناعات.
- من أبرز من يجب أن يلحظ حسن خلق المرء هم خاصة أهله.
- جواز اتخاذ الله وكيلا حين عقد المعاملات من إجارة وغيرها ولا يشترط أن يستشهد فيه الخلق.
- تظهر قدرة الله التي لا حدود لها في قصة موسى وهارون مع فرعون ومع قومهم.
- كمال الله وحكمته في تدبيره للأمور وفي خلقه وفي شرعه.
- لن تجد لسنة الله تبديلا ولا تحويلا وكلها تحت مشيئة الله وقدره، فاتباع ذات الأمور يعطي ذات النتائج.
- من أعظم العقوبات أن يكون المرء متزعما للشر وأهله.
- ثبوت نبوة النبي صلى الله عليه وسلم وصحة رسالته لإخبارنا بقصص السالفين التي أثبتتها بقية الكتب.
- جواز استصحاب العصا لما لها من الفوائد أثناء التنقل والسفر.
- الرحمة بالبهائم والإحسان إليها.
- الحث على الإحسان للأخ، فما أروع إحسان موسى لأخيه حين طلب من ربه أن يكون نبيا معه.
- الفصاحة والبيان مما يعين على التعلم: "وأخي هارون هو أفصح مني فأرسله معي"
- اللين والرفق في الدعوة وغيرها.
- معية الله لا تفارق من كان في طاعة لله، مستعينا به، واثقا بوعده، راجيا ثوابه.
- أس الأسباب لحلول العذاب: التكذيب، والتولي.
- التوبة والإيمان والعمل الصالح والسعي في تحقيق أسباب الهداية لهي أكبر العوامل التي يدرك بها المرء مغفرة الله.
- الائتمار بأمر الأمير واجب، فكم حاول هارون أن يثني السامري ومن عبد العجل معه عن فعلهم التزاما منه بقول أخيه الذي أمره على القول وخلفه عليهم من بعده.

5. قصة أصحاب الكهف.
• من هم أصحاب الكهف؟
قال تعالى: " أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا، إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا، فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا، ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا، نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى، وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا، هَؤُلاَء قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلاَ يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا". الكهف [
هم فتية وفقهم الله، وألهمهم الإيمان، وعرفوا ربهم، وأنكروا ما عليه قومهم من عبادة الأوثان، وقاموا بين أظهرهم معلنين فيما بينهم عقيدتهم، خائفين من سطوة قومهم، سألوا الله تيسير أمرهم حيث لم يستطيعوا إظهار إيمانهم بالله وحده.
• إيواؤهم الكهف ونومهم الطويل فيه:
قال تعالى: "وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا، وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا، وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا". الكهف [
أووا إلى غار يسره الله غاية التيسير، واسع الفجوة، بابه نحو الشمال لا تدخله الشمس، لا في طلوعها ولا في غروبها، فناموا في كهفهم بحفظ الله ورعايته ثلاثمائة سنة وازدادوا تسعا، وقد ضرب الله عليهم نطاقا من الرعب على قربهم من مدينة قومهم، حفظهم الله في الغار، وكان يقلبهم أثناء نومهم لئلا تُبلي الأرضُ أجسادهم.

• بعثهم من النوم بعد مضي ثلاثمائة وتسع سنين وتوكيل أحدهم في التزود من الطعام لهم:
قال تعالى: " َكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا، إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا". الكهف [
بعد أن قدر الله عليهم الاستيقاظ، ابتعثوا أحدهم ليتزود لهم من الطعام أشهاه، مع الحرص على ألا يكتشف أمرهم، لئلا يجبروا على العودة إلى الشرك.

• اكتشاف أمرهم من قبل أهل مدينتهم:
وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لاَ رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا، سَيَقُولُونَ ثَلاَثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاء ظَاهِرًا وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا، وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا، إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا، وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاَثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا، قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا". الكهف [
استدل بعض أهل مدينتهم على مكانهم في الكهف، لاحقين بأحد الفتية الذي ذهب ليستجلب لهم الطعام، ولكنهم وجدوهم قد ماتوا وفارقوا الحياة حقا هذه المرة.
- الفوائد:
-
 عظمة الله، وقدرته لا حد لها، وما قصة أصحاب الكهف العجيبة إلا مثال على قدرة الله اللامتناهية، ففي تقدير الله وتدبيره ما هو أعجب منها.
 من أوى إلى الله، آواه الله ولطف به.
- الحث على تحصيل العلوم النافعة والمباحثة فيها؛ لأن الله بعثهم لأجل ذلك، وببحثهم ثم بعلم الناس بحالهم حصل البرهان والعلم بأن وعد الله حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها.
- الأدب فيمن اشتبه عليه العلم أن يرده إلى عالمه، وأن يقف عند ما يعرف.
- صحة الوكالة في البيع والشراء وصحة الشركة في ذلك، حين انتدبوا من يذهب ليجلب لهم الطعام.
- جواز أكل الطيبات، والتخير من الأطعمة ما يلائم الإنسان ويوافقه، إذا لم تخرج إلى حد الإسراف المنهي عنه.
- الحث والتحرز والاستخفاء، والبعد عن مواقع الفتن في الدين، واستعمال الكتمان الذي يدرأ عن الإنسان الشر.
- بيان رغبة هؤلاء الفتية في الدين، وفرارهم من كل فتنة في دينهم، وتركهم لأوطانهم وعوائدهم في الله.
- ذكر ما اشتمل عليه الشر من المضار والمفاسد الداعية لبغضه وتركه، وأن هذه الطريقة طريقة المؤمنين.
- اقتراح القوم ببناء المسجد في مكان أصحاب الكهف لهم دليل على أنهم أهل تدين، لأنهم اختاروا بناء أعظم مكان تعظمه نفوسهم واختاروه لهذا المكان. وهذا ممنوع شرعا في شريعتنا.
- تنبيه القرآن بعدم البحث المطول فيما لا جدوى إيمانية من ورائه لحري بنا اتباعه فلا ننهمك في البحث عما لا طائل له في زيادة إيماننا، ولسنا مطالبين به.
- النهي عن استفتاء من لا علم له.

6. قصة نبيّنا محمد خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم.
• الحكمة من إنزال القرآن مفرقا:
لتناسب نزوله مع مناسبات السيرة، فكان هذا أعظم معين على فهم آيات القرآن وأثبت له.
الدليل:
قال تعالى: "كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا - وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا".
وقال: "وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ".
• مقامات من مناسبة نزول بعض الآيات بما يوافقها من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم:
 أولا: حاله قبل مبعثه عليه الصلاة والسلام:
بغضت إليه عبادة الأوثان وكل قول قبيح، وفطرته كانت سليمة متهيئة لقبول الحق قولا وعملا. ويدل على ذلك تحنثه في غار حراء الليالي ذوات العدد، متعلقا بربه، يتعبد بالعبادات التي وصل إليه علمه في محيط يعج بالجهل. وكان حسن الخلق مع كل من عرفه. وقد كان يرى الرؤيا فتجيء كفلق الصبح.
 ثانيا حاله بعد البعثة:
أ‌. بدء البعثة بنزول "اقرأ باسم ربك الذي خلق"
حين أتم من عمره الأربعين عاما، وتمت قوته العقلية، وصلح لتلقي أعظم رسالة، تبدى له جبريل ذو المنظر المهيب، فهاله وأزعجه ما رأى، فقال له جبريل: اقرأ، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أنا بقارئ)، حيث لم يكن يحسن القراءة والكتابة لأميته. ثم غطه جبريل مرتين أو ثلاثا ليهيئه لتلقي القرآن العظيم، ويتجرد قلبه وهمته وظاهره وباطنه لذلك، فكان أول ما نزل من القرآن: "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ"، معلنة بدء نبوته، فالأمر بالقراءة باسم ربه فيها أصناف نعمه على الإنسان بتعليمه البيان العلمي، والبيان اللفظي، والبيان الرسمي.
فذهب مسرعا إلى زوجه خديجة مرتعدة فرائصه، مخبرا إياها بما رآه، فطمأنته الزوجة الحانية الحكيمة بكلمات أسكنت قلبه، حيث قالت له: أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدا؛ إنك لتصل الرحم، وتقري الضيف، وتحمل الكَلَّ، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق، أي: ومن كانت هذه صفته فإنها تستدعي نعما من الله أكبر منها وأعظم، وكان هذا من توفيق الله لها ولنبيه، ومن تهوين القلق الذي أصابه.

ب‌. بدء الرسالة بنزول "يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ - قُمْ فَأَنْذِرْ - وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ - وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ - وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ".
فتر الوحي مدة بعد آيات العلق التي بدأت فيها نبوته عليه الصلاة والسلام، ليشتاق إليه، وليكون أعظم لموقعه عنده، فجاءه جبريل مرة أخرى على صورته، فانزعج وذهب إلى خديجة ترعد فرائصه، فقال لها: (دثروني دثروني)، فأنزل الله: "يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ - قُمْ فَأَنْذِرْ - وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ - وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ - وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ". وبهذه الآيات أعلنت رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء الأمر بدعوة الخلق وإنذارهم، فكان لها أهلا، وقام بها خير قيام.

ت‌. في فترة فتور الوحي نزلت سورة الضحى:
يعلم النبي صلى الله عليه وسلم بأن هناك من سيعارضه، فقد سخر الكفار من النبي صلى الله عليه وسلم في فترة فتور الوحي، فقالوا: إن ربه قلاه. فأنزل الله آيات سورة الضحى مدافعا فيها عن نبيه، فأيده بهذا الدين العظيم ونصره عليهم. فأظهرت الآيات اعتناء الله بنبيه، ونفي كل نقص عنه، وبشرته بأن كل حالة له ستكون أحسن مما قبلها، وأن الله ناصره وناصر دينه الذي سيكثر أتباعه وينتشر في أصقاع الأرض.

• ث. مقامات القرآن في دعوة النبي صلى الله عليه وسلم:
1. التوحيد أعظمها. فقد قرر سبحانه في كتابه في أكثر من موطن وجوب تحقيق التوحيد الخالص له وحده، ونفي ما سواه من الشرك. وصرّف هذا بطرق عديدة، مبينا طريقه، مبطلا ضده ألا وهو الشرك محذرا منه. فكان مدار السور المكية عليه. فآمن به من آمن، وكفر به من كفر، مع علم من عارضه بأنه الصادق الأمين، ولكنه الكبر والجحود، قال تعالى: "فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ".
- فلما عارض الكفار الحق بإرادتهم، جعل تعالى على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقر، وقلب أفئدتهم، وأصم آذانهم عن سماع الحق، وأعمى أبصارهم عن مشاهدة أنواره. وبهذا نفهم آيات القرآن التي أخبرنا الله فيها أنه قد أضلهم، ومثاله قوله تعالى: "فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ".
فحين اختاروا لأنفسهم الضلال وأصروا عليه، أضلهم الله، وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون.
- أما المؤمنون، فلما كانوا منصفين لا يبغون سوى الحق، ولا همّ لهم سوى مرضاة الله، هداهم الله بالقرآن، فقال تعالى: "يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ".
فكان هذا الوصف لهم هو الأساس لهدايتهم، وزيادة إيمانهم، فنفهم آيات الكتاب التي وصفتهم بسرعة الانقياد للحق.

2. النبي صلى الله عليه وسلم:
- حديث القرآن عن ذم الكفار للنبي صلى الله عليه وسلم بوصفه بأوصاف لا تليق:
تنوعت طرق النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته للمكذبين أملا في هدايتهم، فكان يدعوهم أفرادا ومتفرقين، مذكرا إياهم بالقرآن العظيم. ولكنهم كانوا يصمون آذانهم، ويسبونه ويسبون من أنزله. فجاءت آيات الكتاب تبين حالهم مع القرآن ونفورهم منه، ومتابعتهم لمن ينفّر عنه. فها هي آيات سورة المدثر التي تصف رأس الكفر الوليد بن المغيرة: "ذرني ومن خلقت وحيدا، وجعلت له مالا ممدودا، وبنين شهودا، ثم يطمع أن أزيد، كلا إنه كان لآياتنا عنيدا، سأرهقه صعودا، إنه فكر وقدر، فقتل كيف قدر، ثم قتل كيف قدر، ثم نظر، ثم عبس وبسر، ثم أدبر واستكبر، فقال إن هذا إلا سحر يؤثر، إن هذا إلا قول البشر". فنرى كيف وصفوا القرآن بأقوال متناقضة، فتارة يقولون: إنه سحر، وتارة أنه كهانة، وتارة أنه شعر، وتارة أنه كذب، وتارة أنه أساطير الأولين، وجعلوا القرآن عضين، وما ذلك إلا بغضا لهذا الكتاب العظيم، فأبطل تعالى أقوالهم ودحض أكاذيبهم وافتراءاتهم.
- حديث القرآن عن الأوصاف التي وصف الكفار بها النبي صلى الله عليه وسلم:
قالوا في النبي صلى الله عليه وسلم أقوالا ليس فيها دلالة على ما كانوا يعتقدون، وليس فيها نقص فيه عليه الصلاة والسلام، فقالوا: لو أن محمدا صادق لأنزل الله ملائكة يشهدون له بذلك، ولأغناه الله عن المشي في الأسواق، وطلب الرزق كما يطلبه غيره، ولجعل له كذا وكذا مما توحي إليه عقولهم الفاسدة. وقد نقل لنا القرآن أقوالهم وبيّن أنها ليست ذمّا بالنبي صلى الله عله وسلم وغير قادحة برسالته.
- حديث القرآن عن طلبهم من النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوقف عن عيب آلهتهم:
كم رغب الكفار في أن يكف النبي عن الطعن في دينهم، والتنقص من آلهتهم، لعلمهم بأن هذا الأمر سيسفه عبادتهم لتلك الآلهة، وظهر بطلانها وبطلان تعظيمهم لها. فذكر القرآن هذا المقام: "ودوا لو تدهن فيدهنون"، وقد نهى تعالى عن سب آلهة الكفار لئلا يسبوا الله: "وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ".
- حديث القرآن على اقتراحهم للآيات:
كان اقتراح الكفار تبعا لأهوائهم.
أ‌. فتارة يقدحون بالنبي صلى الله عليه وسلم من خلال طلبهم للآيات الدالة على صدقه، يقولون له: إن كنت صادقا فاءتنا بعذاب الله أو بما تعدنا، أو أزل عنا جبال مكة، أو فجر لنا من الأرض ينبوعا، فيجيبهم الله على اقتراحاتهم تلك: بأن الله هو من أنزل الآيات على النبي صلى الله عليه وسلم وهو سبحانه وحده من يختارها، وما اقتراحاتهم إلا جهل منهم ومشاغبة محضة. وتارة يخبرهم بأنه تعالى ما منع عنهم تلك الآيات المقترحة إلا حفاظا عليهم، وأنها حتى لو جاءت، فلن يؤمنوا.
ب‌. وتارة يقدحون بالنبي صلى الله عليه وسلم من خلال اعتراضهم على الله، فيقولون له: لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم، وأنت يا محمد لست كذلك، فلماذا تفضل علينا بالوحي؟ فيرد الله عليهم: "الله أعلم حيث يجعل رسالته". ويشرح القرآن لهم صفاته عليه الصلاة والسلام
- حديث القرآن عن محبة النبي صلى الله عليه وسلم للمؤمنين ورحمته بهم، قال تعالى: " َقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ". فلم يزل يدعو إلى التوحيد وعقائد الدين وأصوله، ويقرر ذلك بالبراهين والآيات المتنوعة، ويحذر من الشرك والشرور كلها منذ بعث إلى أن استكمل بعد بعثته نحو عشر سنين، وهو يدعو إلى الله على بصيرة.
- حديث القرآن عن حادثة الإسراء والمعراج التي حصلت للنبي صلى الله عليه وسلم، والتي فرضت الصلاة في معراجه عليه الصلاة والسلام إلى ما فوق السماوات السبع قبل الهجرة بنحو ثلاث سنين. وقد جاءت هذه الحادثة مواساة للنبي صلى الله عليه وسلم عن الجفاء الذي عاناه من اضطهاد أهل مكة له وللمسلمين. فقد هاجر بعضهم إلى الحبشة هربا بدينهم، ثم لما أسلم كثير من أهل المدينة صارت دار الهجرة للنبي صلى الله عليه وسلم.
هاجر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر رضي الله عنه إلى المدينة، فلحقهم الكفار، ولكنهم لم يصلوا إليهم، حيث حفظهم الله باحتمائهم بالغار. قال تعالى: "إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ".
- حديث القرآن عن غزوات النبي صلى الله عليه وسلم:
1. غزوة بدر: التي وقعت بالسنة الثانية للهجرة، وذكرت في سورة الأنفال، و سببها هو طلب النبي صلى الله عليه وسلم لعير قريش التي تحمل تجارة قريش الكبيرة، فخرجت قريش لحمايتها، ولكن الله قدر أن يلتقي الجيشان على غير ميعاد منهم، فهزم الله قريشا شر هزيمة.
وبعد النصر الذي تحقق للمسلمين في بدر، دانت المدينة للإسلام، فمن أهل المدينة من دخل الإسلام حقا، ومنهم من دخله نفاقا، لذلك نلحظ أن الآيات التي تحدثت عن المنافقين كانت بعد غزوة بدر.
2. غزوة أحد: التي وقعت في السنة الثالثة للهجرة، وذكرت في سورة آل عمران. وسببها: أن المشركين جيّشوا جيوشهم على أطراف المدينة طالبين قتال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد استعد لقتالهم، فتخندق المسلمون في الأماكن التي عينها النبي لهم، فكانت الدائرة على المشركين بداية، لكن الحال تبدلت حين خالف الرماة وصية النبي صلى الله عليه وسلم فتركوا أماكنهم، فأوتي المسلمين من قِبلهم.
3. غزوة بدر الآخرة في السنة الرابعة للهجرة، وذكرت في آل عمران. وسببها: أن المسلمين تواعدوا مع المشركين، ولكن المشركين اعتذروا فكتبها الله غزوة للمسلمين: " فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ".
4. غزوة الخندق: التي وقعت في السنة الخامسة من الهجرة. وسببها مظاهرة المشركين من أهل الحجاز وأهل نجد ويهود بني قريظة لبعضهم البعض على غزو النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن الله هدى المسلمين لحفر الخندق، الذي حال بينهم وبين الاصطدام بجيش الأحزاب. فتحدثت سورة الأحزاب عن تفاصيل الغزوة، بداية من: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا، وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا"
5. عمرة الحديبية: التي وقعت في سنة ست للهجرة. وسببها عزم النبي صلى الله عليه وسلم لأداء العمرة، ولكن المشركين منعوه وصحابته من دخول مكة، وعقد معهم صلحا حقنا للدماء، فصار الصلح على أن يرجع النبي صلى الله عليه وسلم فلا يعتمر في هذا العام، على أن يعود العام القادم. فجاءت سورة الفتح تصف مشاهد ما حدث، حيث كانت عمرة الحديبية توطئة لفتح مكة الذي دخل فيه الناس للإسلام أفواجا.
6. أما سورة الحشر فقد تحدثت عن بني النضير الذين هموا بالفتك بالنبي صلى الله عليه وسلم، فاحتموا بحصونهم، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم حاصرهم وأجلاهم عن المدينة.
7. وفي السنة الثامنة للهجرة، نقضت قريش العهد الذي بينها وبين النبي صلى الله عليه وسلم، فعزاهم النبي في جيش كثيف، فدخل مكة فاتحا، ثم تممها بغزوة حنين، فتحقق النصر للمسلمين. فجاءت سورة التوبة تصف هذا المشهد من السيرة.
8. غزوة تبوك: وقعت في السنة التاسعة من الهجرة. خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم المسلمون، ولم يتخلف إلا ثلاثة: كعب بن مالك وصاحباه، وكان الوقت شديدا، والحر شديدا، والعدو كثيرا، ولكن القتال لم يحصل، ورجع النبي للمدينة، فأنزل الله في ذلك آيات من سورة التوبة، في وصف دقيق للأحداث.
وقد تخلل هذه الغزوات، ذكر الله لآيات الجهاد وفرضه وفضله وثواب أهله وعقاب الناكلين عنه، وهكذا كانت الأحكام الشرعية تنزل شيئا فشيئا بحسب ما تقتضيه حكمة الله.
وفي السنة التاسعة فرض الله الحج على المسلمين، فحج أبو بكر بالناس، ونبذ إلى المشركين عهودهم، وأتم عهود الذين لم ينقضوا. وفي السنة العاشرة حج النبي صلى الله عليه وسلم واستوعب المسلمين معه، وأعلمهم بمناسك الحج وأحكامه، فنزلت آية المائدة: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا" في يوم عرفة.
- الفوائد:
معرفة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم لهي من أعظم ما يعين على معرفة تفسير كتاب الله، فقد كان القرآن ينزل تبعا لمناسبات سيرته، وما يقوله للخلق، وجواب ما يقال له، وما يحصل به تحقيق الحق الذي جاء به، وإبطال المذاهب التي جاء لإبطالها.

رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مذاكرة, مجلس

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:41 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir